الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يخرجُ مجاهدًا فِي سبيلِ اللهِ وَهُوَ يعرِف أن سيوفَ القومِ قد تَبْتُرُ رَقَبَتَهُ، لكنه لا يبالي، وكذلك الْإِنْسَان يَنسَى العاطفةَ بينه وبين أقاربِه، حَتَّى إن الرَّجُل لَيَقْتُلُ أباهُ إذا كَانَ من الكفّار.
فهنا قالوا معلنينَ هَذَا الإعلانَ غيرَ مُبالينَ بما يَنْتُجُ، وفي ظنِّي أَنَّهُم سَيَعْلَمُون أَنَّهُ سَيَنْتُجُ عن ذلك أمرٌ عظيمٌ؛ لِأَنَّ فِرْعَوْنَ جاء بهم كسلاحٍ له، فإذا خَانُوه فِي هَذَا المجتمعِ العظيمِ، وَهُوَ يومُ الزِّينة، فسَيَنْتُجُ عن هَذَا العُقوبات، إلا أَنَّهُم غيرُ مبالينَ بهذا؛ لِمَا أشرنا إليه قبلُ.
فائدة: فِي سُورَة طه قال تعالى: {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [طه: 72 - 74]، قوله:{وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} تَبَعٌ مِن كَلامهم هم، لكن:{إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا} قد يَحْتَمِل أن يكونَ من كَلامهم أو من كَلام اللهِ.
فوائد الآيَات الكريمة:
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: أن الحَقّ إذا تَبَيَّنَ كَانَ أعلم النَّاس بِهِ مَن يَعْرِف هَذَا الحقَّ؛ فإن مُوسَى عليه الصلاة والسلام أوَّل مَن تَبَيَّنَ له أن ما جاء بِهِ الحقّ، وأنه لَيْسَ بسحرٍ؛ هم السَّحَرَةُ الَّذين عَرَفُوا السِّحرَ وباطلَه، فالذي يعرِف الحَقّ هُوَ الَّذِي يعرِف الباطلَ، أما مَن لا يعرف الباطلَ فَإِنَّهُ قد تَلْتَبِس عليه الأمورُ، ولهذا قيل:"بِضِدِّها تَتَبَيَّنُ الأشياءُ"
(1)
.
(1)
ديوان المتنبي (1/ 22).
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: مُبادَرَةُ السَّحَرَة إِلَى الإيمانِ، حَتَّى إن الإيمانَ كَانَ كأنَّه أمر اضطراريّ؛ لقوله:{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} ؛ لقوَّةِ ما شاهدوا من الآيَاتِ الَّتِي لم يَتَمَكَّنُوا معها أن يتأخَّروا، فلمَّا رَأَوُا الآيَاتِ ما أَمْكَنَهُمْ أن يتأخَّروا عنِ الإيمانِ، فكأنَّهم أُلقوا اضطرارًا.
* * *