الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (16)
* * *
* قالَ اللهُ عز وجل: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 16].
* * *
قال: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ} ، وقال قبلها:{أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ} [الشعراء: 10 - 11]، فدلَّ ذلك عَلَى أنَّ القومَ والآلَ إذا أُضيفت إِلَى الشخصِ فَإِنَّهُ يدخلُ معَ مَن أُضِيفَ لهم، فقوله:{أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46]، لا يدلُّ عَلَى نجاةِ فِرْعَوْن؛ لقولِه:{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} [هود: 98]، فهو أَوَّلهُم، وهنا أيضًا {أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ثم قَالَ:{فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ} ممَّا يدلُّ عَلَى أن القومَ إذا أُضيفت فأوَّل ما يدخل فيها مَن أُضيفت له، ما لم يَمْنَعْ مِن ذلك مانعٌ حِسّيّ كمَوْتِهِ مثلًا، فإذا مات لم تَعُدْ توجد فائدة، لكن إذا كَانَ موْجودًا فهو أوَّل مَن يدخل فِي قومه.
قال تعالى: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ولم يُبَيِّن اللهُ تعالى صفةَ القولِ، بل بَيَّنَ هنا المَقُولَ، لكنَّه بيَّن فِي آية فِي سُورَة طه:{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44]، فأمر مُوسى وهارون بأنْ يقولا: إنهما رسول من اللهِ، وذلك بلهجةٍ ليِّنةٍ لا بِلهجةٍ قاسيةٍ؛ لِأَنَّ القاسيَ إذا قُوبِلَ بلهجةٍ قاسيةٍ قَسَا أكثرَ، فإذا قُوبلَ بلهجةٍ ليِّنةٍ اجتمع ليّن وقاسٍ، فلا يحصل الصدامُ والإصطدامُ بينهما، وهذا منَ الحكمةِ فِي الدعوةِ، أمَّا الْإِنْسَان إذا كَانَ عاتيًا جبارًا فلا ينبغي أن يُقابَلَ
بالعُتُوِّ والجَبروتِ؛ وذلك لِأَنَّهُ لا يزيد الأمر إلا شدَّة، فيقابل باللين حَتَّى تقوم عليه الحُجَّة.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا} كُلًّا مِنَّا {رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}]، قدّر المُفسِّرُ (كلًّا مِنّا) لأجل التناسُبِ مع المبتدأِ الَّذِي هُوَ اسْم (إن)، والخبر الَّذِي هُوَ رسول:{إِنَّا رَسُولُ} ، وفي آيةٍ أُخرى:{إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ} [طه: 47]، هكذا بالتثنيةِ، وهنا بالإفرادِ، فخرّج المُفسِّرُ الآيةَ عَلَى أنّ المَعْنى: كلّ واحد منّا، كما فِي قوله تعالى:{وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]، أي: اجعل كلَّ واحدٍ منهم. هَذَا أحدُ الوجوهِ.
وجهٌ آخرُ أنَّ {رَسُولُ} بمَعْنى الرِّسالَةِ، أي بمَعْنى اسْم المصدرِ، والمصدرُ إذا وُصِفَ بِهِ يَستوي فيه المفردُ وغيرُه.
ووجه ثالثٌ أن يُقالَ: إنّ الأَصْل فِي الرِّسالَةِ مُوسَى، وَهُوَ واحدٌ، وهارون مُعِين ووَزير، وإلَّا فالأَصْل أن مُوسَى هُوَ الرسول، كما يوجد فِي آياتٍ كثيرةٍ ذِكْر مُوسَى بدونِ ذِكر هارونَ.
وقوله: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ولم يقلْ: "إنا رسول الله"؛ لأنَّهما سيقابلان شخصًا يدّعي الربوبيَّة وأنه الربّ، فيتبين له من أولِ الأمرِ أنَّ الربوبيَّة ليستْ له وإنَّما هِيَ للهِ.
والعالمَون: كل مَن سِوى الله فهو عالم، وكلُّ المخلوقاتِ عالمٌ، ومع ذلك رُبّما تُضاف إِلَى أنواعِها، ويُقال: عالم البشر، عالم الجنّ، عالم الإبل، عالم كَذَا وعالم كذا، لكن إذا جمعتَ هكذا شملتْ جميع أنواعها، فكل مَن سوى الله فَإِنَّهُ عالمٌ، قالوا: وسُمُّوا عالمًا لأنَّهم علَم عَلَى خالقهم.