الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (13)
* * *
* قالَ اللهُ عز وجل: {وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} [الشعراء: 13].
* * *
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{وَيَضِيقُ صَدْرِي} مِن تَكْذِيبِهِم لي]، قوله:{وَيَضِيقُ صَدْرِي} فيه إشكالٌ، حيث رُفع معَ أَنَّهُ يلي المنصوب:{أَنْ يُكَذِّبُونِ} لِأَنَّ (أنْ) هَذِهِ مصدريَّة، و (يُكَذِّبُونِ) منصوبة بِهَا بحذفِ النونِ، والنونُ الموْجودةُ للوقايةِ، وأصلها: يكذبونني، ثم حُذِفت النون الأُولى للناصبِ، وحُذفت الياء للتخفيفِ، لكن قَالَ:{وَيَضِيقُ صَدْرِي} ولم يقلْ: "ويضيقَ صدري".
والجَواب أنّ (الواوَ) عاطفةٌ عَلَى قوله: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} ، يقول: أنا أخاف أن يُكذِّبوني وأخافُ أن يضيقَ صدري ولا يَنطلِق لِساني بتكذيبهم.
و{أَنْ يُكَذِّبُونِ} لا تعدو أن تكونَ مفعولًا به، مثل: ضربتُ زيدًا وأكرمتُه.
قال تعالى: {وَيَضِيقُ صَدْرِي} ، وضِيق الصَّدرِ: عدمُ انشِرَاحِهِ وانبساطِهِ، وهذا أمرٌ فِطريٌّ أن الْإِنْسَان إذا خُولِفَ فسوف يَضيق صدرُه، كما كَانَ الرسول عليه الصلاة والسلام يَضيق صدرُه، ولكن الله تعالى يُسَلّي رُسُلَه، لِئلَّا تَضيقَ صُدُورُهم، ولا يَحْزَنُوا عَلَى هَؤُلَاءِ المكذِّبين؛ لِأَنَّ لهم يومًا يحاسبهم الله تعالى فيه والرُّسُل يُبَلِّغون فقطْ.
ويقولون: إنَّ ضِيق الصَّدرِ من أسْبابِ حدوثِ الضغطِ، ولهذا يَنصحون المصابينَ بالضغطِ بأن يَتَجَنَّبُوا الغضبَ، وما يحزنهم ويضيق صُدُورهم، فهذا فِي الحَقِيقَةِ هُوَ الواقعُ؛ لِأَنَّ الضغطَ يَستلزمُ ضِيقَ الصَّدرِ، وضيق التنفُّس، وضيق الأرض عَلَى الْإِنْسَانِ، فإذا عرّض نفسَه لِمَا يفعل بِهِ ذلك ازدادَ عليه الضغطُ، فإذا عوّد نفسَه الإنبساطَ والإنشراحَ وعدمَ الإكتراثِ فِي النوازلِ؛ فَإِنَّهُ يحصلُ خيرٌ كثيرٌ، ويبقى دائمًا فِي سرورٍ، لا سيَّما إذا كَانَ مُحْتَسِبًا ومؤمنًا بالقَدَرِ.
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: {وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي} بأداء الرِّسالَةِ للعُقدةِ الَّتِي فيه]، وهذه العقدة معنويَّة وليستْ حِسِّيَّة.
فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ العقدة لِأَنَّهُ أخذَ الجمرةَ وَهُوَ صغيرٌ.
قلنا: لا، قِصَّة أَخْذ الجَمرة باطلةٌ، فقصة إِسْرَائِيلَ ليستْ مقبولةً، لكن يَحتمِل أنَّ العُقْدَةَ معنويَّة، بمَعْنى أَنَّهُ لا يَستطيعُ التَّعبير بانطلاقٍ وفصاحةٍ. وقوله:{وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: 27 - 28]، وقول فِرْعَوْن فِي وصفه {الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف: 52]، يَحتمل - وهو الأقرب - أن تكونَ فيه لُثْغَة؛ إمَّا سُرعة القول بِنُطْق الحروفِ، بحيث تُتابع الحروف حَتَّى لا تَفْهَم؛ لِأَنَّ منَ النَّاس من يكونُ كذلك، لَيْسَ فِي لِسانِهِ عُقْدَة حِسِّيَّة، لكن تَتَرَادَف الحروفُ فِي كَلامِهِ بحيثُ لا تدري ما يقول.
أو لِأَنَّهُ فيه لُثْغَة لا تَتَبَيَّن الحروف من كَلامِه، وكلُّ هَذَا مُحْتَمَل، وهذه العُقْدَة ليستْ كما ذكر من الجمرةِ، وأن لها أثرًا حِسِّيًّا يَمْنَعُه منَ الكَلامِ، بل هِيَ أثرٌ خَلْقِيّ، يعني بأصلِ الخِلقة.