الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- والعياذُ باللهِ - أَتبَعوا أنفسَهم هواها، وتَمَنَّوا على اللهِ الأمانيّ إن كَانوا مصدِّقين بالبعثِ، ولا ندري ربما يكونونَ مكذِّبين به، وأنه لا بعثَ ولا جزاءَ ولا عذابَ.
فوائدُ الآيَاتِ الكريمةِ:
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: بيانُ أنَّه يَنْبَغي للداعيَةِ معَ القَرْن بذِكْر النِّعَم أن يَقْرِنَ الدعوةَ بالتخويفِ، وتُؤخَذ من قَوْلِهِ:{إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} .
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّه يَنْبَغي إذا كَان المَقامُ أنسبَ أن يكون غير مُصَرَّح بذلك؛ لِقَوْلِهِ: {إِنِّي أَخَافُ} ولم يقل: إنكم ستُصابون بيومٍ عظيمٍ، فالمتوقَّع له غير الجازِم به؛ لأن المَقامَ يَقتضي ذلكَ، ولكلِّ مَقامٍ مَقالٌ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: وفي الآيَات دليلٌ على أنَّ الله سبحانه وتعالى قد يَطْبَع على قلبِ العبدِ فلا يَستفيد بموعظةٍ؛ لِقَوْلِهِ: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} ، هذا إذا لم يكنْ هذا القولُ منه كَذِبًا.
فإن كَان كذبًا فلا شاهدَ فيه لذلكَ، يَعْنِي: إنْ كَان الأمر حقًّا كما يقولونَ أنَّهم سَواء وُعِظوا أم لم يُوعَظوا؛ فإِنَّه يدل على أن العبدَ - والعياذُ باللهِ - إذا رانَ على قَلْبِهِ ما يَعْمَل، لم يَسْتَفِدْ من موعظةٍ، أمّا إن كَان كذبًا فإِنَّه يدلُّ على عُتُوّ هؤُلاءِ القومِ، وشِدَّة استكبارهم عن الحقِّ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: وفي التعبيرِ بقَوْلِهِ: {أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} دليلٌ على بلاغةِ القُرآنِ، حيث الجمع في جملةٍ واحدةٍ بين أربعةِ معانٍ: وَعَظْتَ أم لم تَعِظ .. كنتَ منَ الواعظينَ أم لم تكنْ. وذلك في كلمتينِ؛ لأنه حَذَف من كل كلمةٍ ما يقابلها في دلالة أُخْرَى عليها.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: وفي الآيَات دليلٌ على أنه لا حُجَّةَ للمُعاندِ للرسُل سوى التمسُّك بما كَان عليه أسلافُهم، تُؤْخَذُ من قولِه تعالى:{إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} هذا على حَسَب ما فَسَّره المُفَسِّر، وعلى حَسَب ما صارَ عليه.
أما على القِراءَة الثَّانية: "إِلَّا خَلْق الأَوّلِينَ"؛ فإِنَّه يُستفاد منه أن هؤُلاءِ لم يَقتصروا على تكذيبِ نبيِّهم، بل تَعَدَّوْا إلى تكذيبِ غيرِهِ أيضًا، مع أنَّهم لم يُطالَبوا به، فلم تُطالِبهم الرُّسُل السابقونَ بذلك، إلا أنَّهم بعنادِهِمْ واستكبارِهِم كذّبوا حتى السابقينَ، ولأجلِ أن يقولوا: إن هذا ليس بالأمرِ المجرَّب، وإنَّما ذلك دَأْبُ مَن كَان من قبلهم.
* * *