الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآيات (197 - 204)
* * *
* * *
قال المُفسِّر رحمه الله: [{أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ} لِكُفَّارِ مَكَّة {آيَةً} عَلَى ذَلِكَ {أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} كَعَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا فإِنَّهمْ يُخْبِرُونَ بِذَلِكَ، وَ (يَكُنْ) بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَنَصْبِ آيَة، وَبِالْفَوْقَانِيَّةِ وَرَفْعِ آيَة
(1)
: {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ} جَمْع أَعْجَم، {فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ} كُفَّار مَكَّة {مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} أَنَفَةً مِنِ اتِّبَاعه، {كَذَلِكَ} أَيْ مِثْل إدْخَالِنا التَّكْذِيب بِهِ بِقِرَاءَةِ الْأَعْجَمِيّ {سَلَكْنَاهُ} أَدْخَلْنَا التَّكْذِيب بِهِ {فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} كفّار مكّة بقِراءَة النبيّ، {لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ} لِنُؤْمِن فَيُقَال لَهُمْ لا فقالوا متى هذا العذاب، قال تعالى:{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} ].
قَوْلهُ: [{أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ} لِكُفَّار مكّة {آيَةً} على ذلك]، يَعْنِي: عَلامَة على أنه حقّ {أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} .
(1)
حجة القراءات (ص: 521).
وقَوْلهُ: {آيَةً} بالنصبِ خَبَر {يَكُنْ} مقدَّمًا، و {أَنْ يَعْلَمَهُ} اسمها مؤخَّر، يَعْنِي:{أَنْ يَعْلَمَهُ} أي: عِلْمُهُ، من {عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} ، فبنو إسرائيلَ هم بنو يَعْقُوبَ بنِ إسحاقَ، الَّذينَ تفرَّعوا منه، وهذا من الآيَاتِ البيِّنة على أنه مذكورٌ في الكتبِ السابقةِ وأنَّ عُلماء بني إسرائيلَ يَعْلَمُونه؛ لأنه لو لم يكنْ مذكورًا في كُتُبهم، ما علِموه، وإنَّما يَعلَمونه لأنه مذكورٌ في كُتُبِهِم.
وفي هذه الآيةِ دليلٌ على أنَّ المَرْجِعَ في مثل هذه الأمورِ إلى العُلَماءِ أهلِ العِلْم.
وقول المُفسِّر رحمه الله: [كعَبْدِ اللهِ بنِ سَلَامٍ وأصحابِه ممَّن آمنوا؛ فإِنَّهم يُخْبِرون بذلك]، هذا ليس بلازِمٍ؛ لأن كونَهم يعلمونَ به فهم عالِمونَ سواء أَخبروا أو لم يُخْبِروا، ولذلك القُرآنُ ما قال:(أولم يَكُنْ لهم آيَةٌ أن يُخْبِر به) بل قال: {أَنْ يَعْلَمَهُ} ومجرَّد عِلْمِ هؤُلاءِ به هو آيةٌ وإنْ لم يُخْبِروا به.
ونقول: إنّ عبد الله بن سلَام رضي الله عنه ومَن آمَنَ، هم من علماء بني إسرائيلَ، فعَلِموا وأَخبروا، وغيرُهم منَ العُلَماء الَّذينَ لم يُؤمِنوا علِموا ولكنَّهم لم يُخبِروا.
وقول المُفسّر رحمه الله: [وبالفوقانيَّة ورَفْع (آيةٌ)] وعليه يكون: {أَنْ يَعْلَمَهُ} خبر (تكن)، و (كان) في القراءتينِ ناقصةٌ.
قَوْلهُ: {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ} هذا اللسانُ العربيّ، سواء بلسان العربِ أو بغيرِه:{فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ} ما آمنوا به، فالمَعْنى أنَّهم لم يُؤْمِنُوا سواء جاء به محُمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وهو من صَميم العربِ، ويَعرفونه، أو جاء من رجل أعجميٍّ؛ ذلك لأنَّهم معانِدون، والمعاند - والعياذ بالله - لو جِيءَ بكلِّ آيةٍ ما آمَنَ؛ لأنه فرقٌ بين الإِنْسانِ الَّذي يَتَحَرَّى الحقَّ، والإِنْسانِ الَّذي يُعانِد الحقَّ.
فالمعانِدُ المُكابِر يَصْعُب عليه أنْ يَرجِع إلى الحقّ، والمَعْنى أنه لو نزّل اللهُ هذا القُرآنَ على بعض الأَعْجَمِينَ إنْ كَان بِلُغَتِهِم؛ فإِنَّهم لن يُؤْمِنوا به؛ لأنَّهم لم يَفْهَمُوه، وهو بلغةِ العَجَمِ، وإنْ كَان باللُّغة العربيَّة ما آمنوا أيضًا؛ أنفةً من أنْ يَتَّبِعُوا رجلًا أعجميًّا.
قال المُفسِّر رحمه الله: [{كَذَلِكَ} أي: مثل إدخالنا التَّكذيبَ به بقِراءَةِ الأعجميّ، {سَلَكْنَاهُ} أَدْخَلْنا التَّكذيبَ به {فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} كُفَّار مكَّة لقِراءَة النَّبيّ {لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ}]. {كَذَلِكَ} أي: مثل ذلك الإسلاك أو السَّلْك، والمُراد بالسلك: الإدخال، و (كذلك) مفعول مُطْلَق لـ {سَلَكْنَاهُ} يَعْنِي: مثل ذلك، وهي تأتي دائمًا في القُرآن:{كَذَلِكَ فَعَلَ} ، {كَذَلِكَ كَذَّبَ} وما أَشْبَهَهُما.
فيقولون: إنَّ الكافَ اسمٌ بمَعْنى (مثل)، وهي مضافةٌ إلى اسمِ الإشارةِ العائدِ على المصدرِ المفهومِ مِنَ الفعلِ.
وعليه فيكون إعراب الكاف: اسم بمَعْنى (مثل)، مفعولًا مُطْلَقًا، عاملها الفعلُ الَّذي بعدها. يَعْنِي: إن الله جَلَّ وَعَلَا أدخلَ التَّكذيبَ في قلوبِ المجرمينَ، والمُرادُ بالمجرمينَ ما هو أعمُّ من كفارِ مكَّة، خِلافًا لمِا قالَ المُفَسِّر، فالمجرمُ كافرٌ، سواء كَان من أهلِ مكَّة أو من غيرها.
ولمَّا دخلَ التَّكذيبُ في قُلُوبهم والإستكبارُ: {لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ} إلى آخره.
وليس في هذه الآيةِ حُجَّة لأهل الكُفْر والمَعْصِيَة، الَّذينَ قالُوا:{لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} [الأنعام: 148]؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى بيّن في آيةٍ أُخْرَى أنّ سببَ كُفرهم وشِرْكِهم هو أنّهم كَانوا لا يريدون الحقّ، فلمَّا زَاغُوا أزاغَ اللهُ قلوبَهم، ولو كَانوا يُريدونَ الحقَّ لَشَرَحَ الله صدورَهم له، لكنّهم عِنْدَهُم - والعياذُ باللهِ -
أَنَفَةٌ وكِبْرِيَاءُ وغَطْرَسَةٌ، فلذلك حُرِموا منَ الوصول إلى الصَّوابِ.
قَوْلهُ: {لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ} أي: بالقُرآنِ، وإذا قلنا: إن {الْمُجْرِمِينَ} عامّ فإنّ {لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ} أي: بما نزل من عند الله.
وقَوْلهُ: {حَتَّى يَرَوُا} للغاية، والمَعْنى: إنهم إذا رأوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ فقدْ يؤمنونَ، ولكن يقول الله عز وجل:{فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 85]، وقَوْلهُ:{فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} هذا هو الغالب على المكذِّبين المعانِدين أنّ اللهَ يُملي لهم فيُوغِل - والعياذُ باللهِ - في الكُفْر وفي الفِسْق وفي المَعْصِيَة، حتَّى إذا جاءهمُ العذاب أتاهم بَغتةً على غِرَّة، كما قال الرَّسُول صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ"
(1)
؛ لأنَّ هؤُلاءِ لو أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى أذاقَهُمُ البأسَ شيئًا فشيئًا لرُبَّما آمنوا ورَجَعُوا، ولكنَّه - والعياذُ باللهِ - يُمْهِلُهم، حتى إذا وَصَلُوا إلى قِمَّة الكُفْر والفِسْق أُخذوا.
وهذا شَيْءٌ مشاهَدٌ حتَّى في عصرنا الحاضرِ، فنَرَى بعضَ البلادِ لَمَّا أوغلتْ في الكفرِ ووَصلتْ إلى غايتِهِ أُخِذَتْ والعياذُ باللهِ.
قال: {فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ} قال المُفسِّر: [لِنُؤْمِن؟ فيقال لهم: لا، قالُوا: متى هذا العذابُ؟ قال الله تعالى: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ}]، يَعْنِي أنَّه إذا أتاهم العذابُ بَغتةً يقولون:{هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ} ؟ وهذا الإسْتِفهامُ للتمنِّي؛ أي: لَيْتَنا نُنظَر، هذا هو الظاهِرُ.
(1)
أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب قوله:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [هود: 102]، رقم (4686)، ومسلم: كتاب البر والصلاة والآداب، جاب تحريم الظلم، رقم (2583).
والمُفَسِّر حَمَلَه على ظاهرِهِ؛ على أنه الإسْتِفهام الإستخباريّ، ولهذا قالَ:[فيُقال لهم: لا] يَعْنِي: لن تُنظَروا، ولكن إذا جَعلناه للتمنِّي - أنَّهم يَتَمَنَّوْنَ أن يُنْظَروا - لَمَا احتاج إلى جَوابٍ.
قال الله تعالى: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} الهمزةُ في مثلِ هذا التركيبِ إمّا أنّها داخلةٌ على جملةٍ مقدَّرة بحسَبِ السِّياق، أو أنّها داخلةٌ على الجُملة الموْجودة.
وقوله تعالى: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} هذا من باب التَّوبيخ والإنكار عليهم، يَعْنِي: أَيَسْتَعْجِلُون بعذابِ اللهِ وهو سبحانه وتعالى قريبُ الأخذِ، فهو يُنْكِر عليهم هؤُلاءِ الَّذينَ يَستعجلون بعذابِ الله.
وكيفيَّة استعجالهم بالعذابِ، هل هو بالفعلِ أم بالقولِ؟
نقول: بالقولِ وبالفعلِ، أمّا القول فإِنَّهم يقولون:{مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس: 48]، وأمَّا الفِعل فإنّ إيغالَهم بالكفرِ والمعاصي مُوجِبٌ بأنْ يُعاجَلوا بالعُقُوبة، فصار هذا الإنكارُ عليهم، سواء كَانوا يَستعجلون قولًا - كما قال المُفَسِّر، قالُوا: متى هذا العذاب؟ - أو كَانوا يَستعجلون فعلًا، بأنْ يُوغِلوا ويَتَعَمَّقُوا في الكُفر والمعاصي؛ فإن ذلك منِ استعجالِ عُقوبةِ اللهِ.
* * *
الآيات (205 - 207)
* * *
* قال اللهُ عز وجل: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء: 205 - 207].
* * *
قالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{أَفَرَأَيْتَ} أَخْبِرْنِي {إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} مِنَ الْعَذَابِ، {مَا} اسْتِفْهَامِيَّة بِمَعْنَى أَيّ شَيْء {أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} فِي دَفْع الْعَذَاب أَوْ تَخْفِيفه، أَيْ لَمْ يُغْنِ].
قال المفسِّر: [{أَفَرَأَيْتَ} أَخْبِرْني]، والخطابُ ليسَ للرسولِ عليه الصلاة والسلام، بل لِكُلِّ مَن يَتَوَجَّهُ إليه الخِطاب.
قال: {إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} قال المُفَسِّر: [منَ العذابِ، {مَا} استفهامية بمَعْنى أي شيْء {أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} فِي دَفْع الْعَذَاب أَوْ تَخْفِيفه، أَيْ لَمْ يُغْنِ]، يقول الله تَعالَى: أَخْبِرْني أيُّها المخاطَب إنْ مَتَّعنا هؤُلاءِ سِنينَ وأَمهلناهم ولم نُعاجِلْهُمْ بالعُقوبةِ حتى بَلَغوا غايةَ المُتعة في هذه الدُّنيا ثم جاءهم ما كَانوا يُوعَدون ماذا يَنْفَعُهُمْ هذا التَّمْتِيع؟ فهو في الحَقِيقَة لا يَزيدهم إلّا حسرةً والعياذُ باللهِ، وإلَّا زيادة في العُقوبةِ في النارِ؛ لأنه كلَّما كَثُرَتِ المعاصي في الإِنْسان ازداد عُقوبةً.
وهذا مَثَلٌ في الحَقِيقَة يُطبَّق على كلِّ مَن قال لنا: إن هؤُلاءِ الكَفَرَة قد أنعمَ اللهُ
عليهم وفتحَ عليهم الدُّنيا، فالأمطارُ تأتيهم كلَّ وقتٍ، والأَرْضُ مُخَصَّبَة، فنقول له:{أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} ؟ !
ونقول: إنَّ هذا أشدّ في وَقْعِ العذابِ في قُلوبهم؛ لأنَّ الإِنْسانَ الذي يُنَعَّم في رَغَدٍ مِنَ العَيْش بهناءٍ وطُمأنينة إذا أُخذَ فهو أشدّ منَ الَّذي يُؤخَذ على بَأْسِهِ، بل الذي في البأساءِ والضرَّاء قد يَرَى أن الموت أريحُ له، أمّا المأخوذُ - والعياذ بالله - على شِدَّة النِّعمة وقوَّتها فهو أشدّ.
وقد ذُكر عنِ ابنِ حَجَر رحمه الله وهو قاضي القُضاة في مِصْر، أنَّه كان يَمشي بموكبه، وعلى يمينه ويَسَارِهِ النَّاسُ والخَدَمُ، فمرّ برجلٍ زَيَّات يَهُودِيّ كله وَسَخٌ مِنَ الزَّيتِ، فأوقفه الْيَهُوديّ وقال له: إن نبيَّكم يقول: "الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ"
(1)
، وأنتَ مؤمنٌ وأنت في هذا النَّعيم، وأنا يهوديٌّ وأَحْيَا فيما ترى منَ الفقر والعذابِ؟ ! فقال له ابن حَجَر: نعم صَحِيح، لكن ما مُتِّعْتُ به مِنَ النِّعمة هو بالنِّسبة إلى نَعيم الآخرةِ سِجنٌ، وما أنتَ فيه مِنَ البَأْسَاءِ هو بالنِّسبةِ إلى عَذابِ الآخِرَةِ نَعيمٌ وجَنَّةٌ
(2)
.
فالحاصل: أن هؤُلاءِ إذا مُتِّعُوا طَويلًا في الدُّنيا ونعيمها ثم جاءهمُ العذابُ فإِنَّه لا يُغْنِي عنهم هذا المتاعُ شَيئا.
وقَوْلهُ: {مَا أَغْنَى عَنْهُمْ} لك أن تقولَ: إنَّ (ما) هنا نافيةٌ، ولك أن تقول: إنَّها استفهاميَّة بمَعْنى النفيِ، والأبلغُ أن تكون استفهاميةً بمَعْنى النفيِ؛ لأنَّ الإسْتِفهامَ
(1)
أخرجه مسلم: كتاب الزهد والرقائق، رقم (2956).
(2)
فيض القدير (3/ 546).
الَّذي بمَعْنى النفي يَتَضَمَّن النفيَ وزيادةً؛ إذ إنَّه مُشْرَبٌ مَعْنى التحدِّي.
وقَوْلهُ: {مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} يَعْنِي: يَتَحَدَّاهم أنْ يُغْنِيَ عنهم شيئًا، فإذا كَانت (ما) صالحةً للنفيِ والإسْتِفهامِ، حُمِلت على الإسْتِفهامِ أَولى وأبلغُ؛ لأنه يدلُّ معَ النفيِ على زيادةِ المَعْنى والتحدِّي.
* * *