الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآيتان (36، 37)
* * *
* قالَ اللهُ عز وجل: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ} [الشعراء: 36 - 37].
* * *
إذا أرادَ الله أمرًا هَيَّأَ أسْبابَه، لو سُلِّطَ فِرْعَوْن عَلَى مُوسَى وأخِيه لَقَضَى عليهما، ولكن الله تعالى جعلَ لكلِّ شيْءٍ سببًا.
أشار المَلَأُ عَلَى فِرْعَوْنَ أنْ يُؤَخِّرَ أمرَ مُوسَى وهارونَ، وأنْ يَبعثَ فِي {الْمَدَائِنِ} جمع مَدِينة {حَاشِرِينَ} جامعينَ، يعني: يُرسل إِلَى مَدَائِن مِصْرَ مَن يَجْمَع السَّحَرَة.
ولهذا جاء الجواب: {يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ} ، وكان من المتوقَّع أن يقولَ:(يأتونك)، فما هُوَ الفرقُ بينَ (يَأْتُوكَ) وبين (يأتونك) من حيثُ المَعْنى؟
لو قَالَ: (يأتونك) لكانتْ صفةً لـ (حَاشِرِينَ)، أي: حاشرينَ يأتونك بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ، لكن المُراد خِلاف ذلك؛ لأن:(يَأْتُوكَ) أبلغُ من: يأتونك، حيثُ كانتْ جَوابًا للأمرِ، الَّذِي هُوَ لِلْمَشُورة، إذن (ابعث) أيضًا ليستْ أمرًا حقيقيًّا، فهي أمرٌ للمشورةٍ:(ابعث يأتوك)؛ لِأَنَّهُ بمجرَّد بعْثك يأتونك به.
لكن لو كانتْ صفةً لـ (حَاشِرِينَ): (حاشرين يأتونك) لكان من الجائزِ ألَّا يأتوا، فصفةُ الحاشرِ مَن يَجْمَعُ ويأتي بالسَّحَرَة، لكن قد يَتَهَيَّأ له ذلك وقد لا يتهيَّأ،
أمّا إذا قَالَ: ابْعَثْ يأتوك، صار هَذَا مثلَ الشَّرطِ والجزاءِ، يعني: إنه إذا حصلَ بَعْثُكَ لَزِمَ منه النتيجةُ، وَهُوَ أنْ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ.
و(سَحَّار) هِيَ من بابِ المُبالَغةِ، أو هِيَ من بابِ النِّسبة، كما يُقال: بنّاء ونجّار وصنّاع، يعني: لِأَنَّ صنعتَه السِّحرُ، ولا يكون ذلك ولا يُنْسَبُ الْإِنْسَان إِلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إلّا إذا كَانَ مجُيدًا فيها، فلا يُقال لمِن بَنَى مرَّةً واحدةً: إنه بنّاء، ولا لمِنْ نجَر مرةً واحدةً: إنه نجّار، وإنَّما يُقالُ ذلك فيمَن أتقنَ المِهْنَةَ والصَّنعة.
إذن فالسحّارُ إمّا صيغةُ مبالغةٍ أو صيغةُ نِسبةٍ، والفرقُ بينهما ظاهرٌ؛ لِأَنَّ (سَحَّار) على مَعْنى المُبالَغة بمَعْنى كَثير السِّحر، ولكن (سَحَّار) على مَعْنى النِّسبة بمَعْنى أَنَّهُ مُتْقِن لهذه الصنعة؛ لِأَنَّهُ نُسب إليها.
والظَّاهرُ أنّ النِّسبةَ أَولى، يعني: بذي سحر قد أتقنَ هَذِهِ المهنةَ، فتكون للنسبةِ، ويُغْنِي عن المُبالَغةِ قولهم:(عَلِيم) يعني فائِق السِّحر، وقد يُقال: إن هَذَا يُغْنِي عن النِّسبةِ وإن (سَحَّار) صيغة مبالغة لكثرة سِحْرِه وإتقانه.
قال: {سَحَّارٍ عَلِيمٍ} أي سَحَّار وعليم، ولهذا قد يَتَرَجَّح أَنَّهَا للْمُبالَغةِ وتكونُ النِّسبةُ مفهومةً من قولِه:{عَلِيمٍ} .
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ} يَفضُل مُوسَى فِي عِلْم السِّحر]، يعني: يَزِيد عليه، فعلى هَذَا طَلَبُوا أنْ يأتوا بسَحرةٍ يفوقون مُوسَى فِي الكمّ وفي الكيفِ، وفعلًا حصلَ هذا، وأتوا بِمَهَرَةٍ سَحَرَةٍ وبعددٍ كبيرٍ، ولكن لَيْسَ الأمر الَّذِي من آيات الله سبحانه وتعالى مثل السِّحر الَّذِي هُوَ خَيال لا حقيقةَ له.
* * *