الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (6)
* * *
* قالَ اللهُ عز وجل: {فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الشعراء: 6].
* * *
يقول المُفسِّر رحمه الله: [{فَقَدْ كَذَّبُوا} به]، أي: بهذا الذكرِ، والجُملة مُحَقَّقَة بـ (قد)، والمَعْنى أَنَّهُ معَ وُضُوح كون هَذَا الذِّكر منَ الرَّحْمنِ ما انتَفَعوا به، بل كَذَّبُوا به، والتَّكذيبُ بِهِ يَعُمُّ التَّكذيبَ بِهِ رأسًا، بأنْ يقولوا: إن هَذَا القُرآنَ لَيْسَ منَ اللهِ، كما قالوا:{إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل: 103]، أو التَّكذيب ببعض الآيَاتِ منه، كما لو كذّبوا بقصَّة أَحَد الرُّسُل، أو بقصةٍ قَصَّها الله تعالى عَن أحدٍ؛ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ، أو ما أشبه ذلك.
فهو إما أن يكون التَّكذيب بِهِ رأسًا فيُقال: أنت لا يُوحى إليك، وهذا القُرآن لَيْسَ بوحيٍ، أو التَّكذيب ببعضِ الآيَات الَّتِي جاءتْ بهذا، فكله تكذيبٌ، والتَّكذيبُ أبلغُ منَ الإِعْراضِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَان قد يُعْرِض تهاونًا وتكاسلًا ولسببٍ منَ الأسْبابِ ولا يكذِّب، لكن المكذِّب أشدُّ؛ لِأَنَّ المكذِّبَ لا يُمْكِن أن يُقبِل، وكيف يُقبل عَلَى أمرٍ يَعْتَقِده كَذِبًا؟ ! ولهذا قَالَ:{إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5) فَقَدْ كَذَّبُوا} ما قَالَ: فقد أعرضوا، قَالَ:{فَقَدْ كَذَّبُوا} وهذا شاملٌ للإعراض والتَّكذيب.
يقول المُفسِّر رحمه الله: [{فَقَدْ كَذَّبُوا} بِهِ {فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ} عواقب {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} ، الفاء عاطفةٌ، وتفيد الترتيبَ، والسين تفيدُ التقريبَ أيضًا، والمَعْنى:
فبسببِ تَكذِيبِهِم فَسَيَأْتِيهِمْ عن قُرْبٍ، و {أَنْبَاءُ} بمَعْنى: أخبار، والأنباء: جمعُ نَبَأٍ، وَهُوَ الخبرُ مِنَ الأمورِ الهامَّة، والمُراد بالخبرِ هنا العواقبُ، كما قال المُفسِّر؛ لِأَنَّ العواقبَ أخبارٌ فِي الحَقِيقَةِ، فمثلًا: فِي القُرآنِ أنَّ الله تعالى يَنْصُر رسوله ويُهْلِك المكذِّبين، هَذِهِ أنباء هِيَ فِي الحَقِيقَة ستكونُ عواقبَ: سَينتصِر النبي عليه الصلاة والسلام وسيُهزَم أعداؤُه، وهذه هِيَ الحَقِيقَة، وهي العاقبة.
وقوله: {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أي يَسْخَرون، وتقديمُ المعمولِ فِي قوله:{بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} للفائدتينِ السابقتينِ: اللفظيَّةِ والمعنويَّةِ. وقوله: {مَا كَانُوا بِهِ} يَحتمل أن تكون مجرَّدة عنِ الزَّمان، أي: ما يستَهْزِئُون به، ويحتمل أن تكونَ للزَّمانِ، أي: ما كانوا فِي الماضي يستَهْزِئُون بِهِ عند وقوعِ العاقبةِ، فإنَّ استهزاءَهم بِهِ سابقٌ لهذه العاقبةِ، ولكن الظَّاهر أَنَّهَا مجرَّدة عن الزَّمانِ، وَهُوَ غالبُ ما تأتي (كان)، قال تعالى:{وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الحجر: 11]، أي: يَسْخَرون ويضْحَكون منه.
والتَّكذيب بالشَّيْءِ الحَقّ نوعٌ منْ الإستهزاء به؛ لِأَنَّهُ مثلًا إذا كَانَ مع الرسول وعدٌ ووعيد، وأمرٌ ونهيٌ، وخبر واستخبار، وإرشاد وتوبيخ، ثم كُذِّب بِهِ فمعناه أَنَّه يُستهزأ به، وبأحكامِه، وبأخباره، وبما تَضَمَّنَهُ مِن هَذِهِ الأمور.
فائدة: يقولون: إن زيادةَ المَبْنَى تدلُّ عَلَى زيادةِ المَعْنى، فإذا وجدتَ بالكلمةِ حروفًا زائدةً فمَعْنى ذلكَ أن هناك معانيَ زائدةً، والزيادةُ هنا للْمُبالَغةِ، مثل:(استكبَرَ وتكبّر)، (استكبر) أبلغ من (تكبّر)، وهنا:(استهزأ به) أبلغ من (هزئ به)، فلذلك نقول: السين والتاء هنا للْمُبالَغة.
* * *