الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (59)
* * *
* قالَ اللهُ عز وجل: {كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 59].
* * *
قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [{كَذَلِكَ} أي: إِخْراجنا كما وَصَفْنا، {وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ}]، يعني أنّ {كَذَلِكَ} تكون خبرًا لمبتدأٍ محذوفٍ، يعني: إخراجنا لهم كَانَ كذلك، أو يكون التَّقدير: الأمر كذلك. المهمُّ أن {كَذَلِكَ} خبر لمبتدأ محذوف، فهي جملةٌ مستقلَّة عما قبلها وعما بعدها.
ثم قَالَ: {وَأَوْرَثْنَاهَا} يعني هَذِهِ الجنَّات والعيون والكُنُوز والمقام الكريم، أورثناها [{بَنِي إِسْرَائِيلَ} بعد إغراق فِرْعَوْن وقومه]، فصارتْ لهم.
وقوله: {بَنِي إِسْرَائِيلَ} إِسْرَائِيل: هُوَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ، ومعناه: عبدُ اللهِ، وإنَّما نُسبوا إليه لِأَنَّ بني إِسْرَائِيل تَفَرَّعُوا منه.
وقوله: {وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} فيه من الإشكالِ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "أُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي"
(1)
، وهنا أورثَ اللهُ دِيَارَ فِرْعَوْنَ وقومه وأموالهم بني إِسْرَائِيل؟
(1)
أخرجه البخاري: كتاب فرض الخمس، باب قول النبي عليه الصلاة والسلام:"أُحِلَّتْ لَكُمُ الغَنَائِمُ"، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب "جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا"، رقم (521).
والجَواب: أن الله سبحانه وتعالى أهلك فِرْعَوْن فِي البحرِ بدونِ حربٍ، والغنيمةُ هِيَ ما أُخذَ من مالِ الكفّارِ بقتالٍ وما أُلحِق به، هَذَا تعريفها شرعًا، وهذا ما أخذَ بقتالٍ فهَؤُلَاءِ هَلَكُوا، فبَقِيَتْ دِيَارُهُم لبني إِسْرَائِيلَ، وحتى لو لم يَسْكُنْها بنو إِسْرَائِيل لَسَكَنَهَا آخرونَ غيرُهم، فالمسألة هَذِهِ ما غَنِمُوها بأيديهم، ولكنها من الله عز وجل لهلاكِ هَؤُلَاءِ، يعني: كَانَ الأمر أَنَّهُم لَمَّا هَلَكُوا صارتْ إرثًا لبني إِسْرَائِيل: إرثًا قدريًّا؛ لِأَنَّهُ لا بد أن يكون كذلك.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأَنبياء: 105]، فهذا شيْء كتبه الله سبحانه وتعالى من بَدْءِ الخَليقة أن الأرضَ للمُؤمِنينَ، فهذه هِيَ القرينة الَّتِي تخرجها عن الغنائم فلا تكون غنيمةً.
فالجَواب: لا، هِيَ ليست أرضًا فقطْ، بل جنَّات وعيون، وكنوز، ومقام كريم، وهذه الكنوز مما يُنْقَل.
وإن قيل: هل كان بنو إِسْرَائِيلَ يسكنون معهم؟
فالجَواب: ساكنون فِي جانبٍ من مِصْرَ، من جانب المدينةِ، لكن اهم أخذوا كنوز فِرْعَوْن وآل فِرْعَوْن.
المهم أن الجَواب الصَّحيح هُوَ الأول، وَهُوَ أن يُقال: إن الغنيمة هِيَ ما أُخِذَ بقتالٍ وما ألحقَ به، وما عدا ذلك لا يُسَمَّى غنيمةً شرعًا.
إذن نقول: {وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} ظاهرها مُشْكِل مع قوله: "أُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ"، ونحن نقول: أصلًا ليس هناك غنيمة، يعني: كوننا نقول: هَذِهِ من الغنائم
لَيْسَ بصحيحٍ، فليستْ غنيمةً، لكن قد يَتَبادَر لِذِهْنِ أحدٍ عِندَما يقرأ الآية: كيف يؤتيها الله بني إِسْرَائِيل وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الغنائم لم تَحِلّ لأحدٍ قبلي"؟ فجَوابه أن نقول: إن هَذِهِ ليستْ من بابِ الغنائمِ.
فنقول: إن هَذَا التوريث لَيْسَ من بابِ الغنيمةِ؛ لِأَنَّ الغنيمةَ ما أُخِذَ من كفّارٍ بقتالٍ، وما أُلْحِقَ به.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هل مُوسَى بعد إِبْرَاهِيم عليهما السلام مباشرة؟
فالجَواب: لا، بينهما مدة طويلة، هناك إسحاقُ ويعقوبُ، وجاء بعدهم يوسفُ بنُ يَعْقُوبَ إِلَى أهلِ مِصر رسولًا، ولهذا المؤمن قَالَ:{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ} [غافر: 34].
وإن قيل: هل بنو إِسْرَائِيل خرجوا كلهم من مصر؟
فالجَواب: نعم، الظَّاهر أَنَّهُم خرجوا مع مُوسَى كلهم، قال تعالى:{أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} [الشعراء: 52]، فهذا عامٌّ. وبعد ذلك عادوا ورجعوا إِلَى مصر وصاروا فيها.