الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيْعِ الطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ
[1592]
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرٌو. ح، وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَرْسَلَ غُلَامَهُ بِصَاعِ قَمْحٍ، فَقَالَ: بِعْهُ، ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ شَعِيرًا، فَذَهَبَ الْغُلَامُ، فَأَخَذَ صَاعًا وَزِيَادَةَ بَعْضِ صَاعٍ، فَلَمَّا جَاءَ مَعْمَرًا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ ! انْطَلِقْ فَرُدَّهُ، وَلَا تَأْخُذَنَّ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ؛ فَإِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:((الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ)) قَالَ: وَكَانَ طَعَامُنَا- يَوْمَئِذٍ- الشَّعِيرَ، قِيلَ لَهُ: فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِهِ قَالَ: ((إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُضَارِعَ)).
قوله: ((إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُضَارِعَ))، أي: أخاف أن يشابه ويشارك الممنوع، فيأخذ حكمه في تحريم الربا، ومنه: الفعل المضارع، سمي مضارعًا؛ لأنه يشابه الاسم في كونه معربًا، فخاف معمر رضي الله عنه أن يضارع، واستدل بعموم الحديث:((الطعام بالطعام مثلاً بمثل)) والصواب: أنه لا بأس ببيع الحنطة بالشعير، وأحدهما أكثر من الآخر؛ لأن هذا جنس وهذا جنس؛ لما سبق في الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يدًا بيدٍ)).
في هذا الحديث: أن معمر رضي الله عنه لم يأخذ الزيادة من باب التورع، والصواب: أنه لا بأس بذلك؛ لأن الجنس مختلف.
[1593]
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ- يَعْنِي: ابْنَ بِلَالٍ- عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَاهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ، فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيْبَرَ، فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ )) قَالَ: لَا- وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ- إِنَّا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنَ الْجَمْعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((لَا تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا، وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ)).
قوله: ((فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ)): التمر الجنيب هو: التمر الجيد.
وقوله: ((مِنَ الْجَمْعِ)): الجمع هو: الخلاط من التمر.
وقوله: ((لَا تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلًا بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا، وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ))، يعني: بيعوا التمر الرديء بالدراهم، واشتروا بثمنه هذا التمر الجيد، فهذا مخرج، فلا يجوز بيع التمر بالتفاضل، ولو كان أحدهما جيدًا، والآخر رديئًا.
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ ))، فَقَالَ: لَا- وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ- إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((فَلَا تَفْعَلْ بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا)).
[1594]
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ ح، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ- وَاللَّفْظُ لَهُمَا جَمِيعًا- عَنْ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ- وَهُوَ ابْنُ سَلَّامٍ- أَخْبَرَنِي يَحْيَى- وَهُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ- قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْغَافِرِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يَقُولُ: جَاءَ بِلَالٌ بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ ))، فَقَالَ بِلَالٌ: تَمْرٌ كَانَ عِنْدَنَا رَدِيءٌ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِمَطْعَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- عِنْدَ ذَلِكَ-:((أَوَّهْ! عَيْنُ الرِّبَا، لَا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ التَّمْرَ، فَبِعْهُ بِبَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ))، لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ سَهْلٍ فِي حَدِيثِهِ: عِنْدَ ذَلِكَ.
[خ: 2312]
في هذا الحديث: دليل على أنه لا بأس بطلب الجيد من الطعام والشراب وغيره، وأن هذا لا ينافي الزهد؛ لأن هذا يفيد الجسم وينفعه، ويتقوى به على طاعة الله، بخلاف الرديء فإنه تعافه النفس، ولكن على الإنسان أن لا يسرف، وعليه أن يكون متوسطًا بأموره؛ ولهذا لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على بلال رضي الله عنه إتيانه بالتمر الجيد، لكن أنكر عليه كيفية البيع، وأنه باع صاعين من الرديء بصاع من الجيد.
وَحَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ أَبِي قَزَعَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرٍ، فَقَالَ:((مَا هَذَا التَّمْرُ مِنْ تَمْرِنَا))، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِعْنَا تَمْرَنَا صَاعَيْنِ بِصَاعٍ مِنْ هَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ:((هَذَا الرِّبَا، فَرُدُّوهُ، ثُمَّ بِيعُوا تَمْرَنَا، وَاشْتَرُوا لَنَا مِنْ هَذَا)).
في هذا الحديث: أن بيع الربا باطل، وأنه يُرَدُّ، فيأخذ البائع حقه، ويأخذ المشتري حقه؛ ولهذا قال:((فَرُدُّوهُ))، فإذا تعامل أحد بالربا مع شخص، أو مع بنك فيجب أن يفسخ البيع، وكل يأخذ حقه، كما قال الله تعالى:{وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} .
[1595]
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: كُنَّا نُرْزَقُ تَمْرَ الْجَمْعِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ الْخِلْطُ مِنَ التَّمْرِ، فَكُنَّا نَبِيعُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:((لَا صَاعَيْ تَمْرٍ بِصَاعٍ، وَلَا صَاعَيْ حِنْطَةٍ بِصَاعٍ، وَلَا دِرْهَمَ بِدِرْهَمَيْنِ)).
[خ: 2080]
قوله: ((لَا صَاعَيْ تَمْرٍ بِصَاعٍ، وَلَا صَاعَيْ حِنْطَةٍ بِصَاعٍ، وَلَا دِرْهَمَ بِدِرْهَمَيْنِ)): لأنها جنس واحد، فلا يباع بعضها ببعض متفاضلًا، ولا بد من التماثل والتقابض في مجلس العقد.
[1594]
حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّرْفِ، فَقَالَ: أَيَدًا بِيَدٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَأَخْبَرْتُ أَبَا سَعِيدٍ، فَقُلْتُ: إِنِّي سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّرْفِ، فَقَالَ: أَيَدًا بِيَدٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَلَا بَأْسَ بِهِ، قَالَ: أَوَ قَالَ ذَلِكَ؟ ! إِنَّا سَنَكْتُبُ إِلَيْهِ، فَلَا يُفْتِيكُمُوهُ، قَالَ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَ بَعْضُ فِتْيَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرٍ، فَأَنْكَرَهُ، فَقَالَ:((كَأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ تَمْرِ أَرْضِنَا)) قَالَ: كَانَ فِي تَمْرِ أَرْضِنَا- أَوْ: فِي تَمْرِنَا- الْعَامَ بَعْضُ الشَّيْءِ، فَأَخَذْتُ هَذَا، وَزِدْتُ بَعْضَ الزِّيَادَةِ، فَقَالَ:((أَضْعَفْتَ، أَرْبَيْتَ، لَا تَقْرَبَنَّ هَذَا، إِذَا رَابَكَ مِنْ تَمْرِكَ شَيْءٌ، فَبِعْهُ، ثُمَّ اشْتَرِ الَّذِي تُرِيدُ مِنَ التَّمْرِ)).
في هذا الحديث: تصريح بتحريم ربا الفضل؛ ولهذا قال: ((أَضْعَفْتَ، أَرْبَيْتَ))، يعني: فعلت الربا؛ لأنه باع تمرًا قديمًا بتمر جديد، وزاد من التمر القديم، ثم بيَّن له المخرج، فقال:((إِذَا رَابَكَ مِنْ تَمْرِكَ شَيْءٌ، فَبِعْهُ، ثُمَّ اشْتَرِ الَّذِي تُرِيدُ مِنَ التَّمْرِ))، وفي هذا دليل على أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يرى أن ربا الفضل جائز في أول الأمر؛ ولهذا قال: لا بأس به يدًا بيد؛ اعتمادًا على حديث أسامة: ((إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ))، ثم بيَّن له كبار الصحابة كأبي سعيد وغيره رضي الله عنهم النصوص التي دلت على تحريم ربا الفضل، فرجع رضي الله عنه؛ ولهذا قال أبو سعيد لأبي نضرة:((أَوَ قَالَ ذَلِكَ؟ ! إِنَّا سَنَكْتُبُ إِلَيْهِ، فَلَا يُفْتِيكُمُوهُ))، يعني: سنكتب له لنبين له الأدلة التي جاءت في تحريم ربا الفضل فلا يفتي بذلك، وسيأتي ما يدل على أنه رجع.
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، أَخْبَرَنَا دَاوُدُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّرْفِ، فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْسًا، فَإِنِّي لَقَاعِدٌ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَسَأَلْتُهُ عَنِ الصَّرْفِ، فَقَالَ: مَا زَادَ فَهُوَ رِبًا، فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِمَا، فَقَالَ: لَا أُحَدِّثُكَ إِلَّا مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، جَاءَهُ صَاحِبُ نَخْلِهِ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ طَيِّبٍ، وَكَانَ تَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَذَا اللَّوْنَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((أَنَّى لَكَ هَذَا؟ ! )) قَالَ: انْطَلَقْتُ بِصَاعَيْنِ، فَاشْتَرَيْتُ بِهِ هَذَا الصَّاعَ، فَإِنَّ سِعْرَ هَذَا فِي السُّوقِ كَذَا، وَسِعْرَ هَذَا كَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((وَيْلَكَ! أَرْبَيْتَ، إِذَا أَرَدْتَ ذَلِكَ فَبِعْ تَمْرَكَ بِسِلْعَةٍ، ثُمَّ اشْتَرِ بِسِلْعَتِكَ أَيَّ تَمْرٍ شِئْتَ)) قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ أَحَقُّ أَنْ يَكُونَ رِبًا، أَمِ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ؟ ! قَالَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ بَعْدُ، فَنَهَانِي، وَلَمْ آتِ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي أَبُو الصَّهْبَاءِ: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْهُ بِمَكَّةَ، فَكَرِهَهُ.
في هذا الحديث: أن ابن عمر رضي الله عنهما وابن عباس رضي الله عنهما كانا لا يريان بأسًا في ربا الفضل، وقد خفيت عليهما النصوص التي فيها تحريم ربا الفضل، كحديث أبي سعيد رضي الله عنه، وحديث عبادة رضي الله عنه، ثم رجعا عن ذلك.
وقوله: ((فَأَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ بَعْدُ، فَنَهَانِي وَلَمْ آتِ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي أَبُو الصَّهْبَاءِ: أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْهُ بِمَكَّةَ، فَكَرِهَهُ)): هذا دليل على أنهما رجعا عَنِ القول بتحليل ربا الفضل، لما أخبرهما الصحابة.
وهذا الحديث صريح بأن ربا الفضل حرام، وربا الفضل يعني: الزيادة.
[1596]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ- وَاللَّفْظُ لِابْنِ عَبَّادٍ- قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، مَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ غَيْرَ هَذَا، فَقَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ هَذَا الَّذِي تَقُولُ، أَشَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل؟ فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ أَجِدْهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَكِنْ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ)).
[خ: 2179]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ- وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو- قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الْآخَرُونَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ)).
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ ح، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ قَالَا: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((لَا رِبًا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ)).
حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِقْلٌ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ لَقِيَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَكَ فِي الصَّرْفِ، أَشَيْئًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَمْ شَيْئًا وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَلَّا، لَا أَقُولُ، أَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِهِ، وَأَمَّا كِتَابُ اللَّهِ فَلَا أَعْلَمُهُ، وَلَكِنْ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((أَلَا إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ)).
في هذه الأحاديث: دليل على أن ابن عباس رضي الله عنهما حينما كان يفتي بربا
الفضل كان يعتمد على هذا الحديث: ((الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ))، وهو حديث أسامة رضي الله عنه، وجاء بلفظ:((إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ))، فكان يفتي بجواز ربا الفضل إذا كان يدًا بيد، أي: أن يكون دينار بدينارين، والدرهم بالدرهمين، والصاع بالصاعين، وإن كان جنسًا واحدًا، إذا كان يدًا بيد، اعتمادًا على هذا الحديث، وظاهر هذا الحديث: أن ربا الفضل لا بأس به، وقد فهم أن الربا لا يكون إلا في النسيئة، وأن الحديث يفيد الحصر، لكن جاءت أحاديث كثيرة كحديث عبادة رضي الله عنه، وحديث أبي سعيد رضي الله عنه، وهي صريحة في تحريم ربا الفضل، والقاعدة عند أهل العلم: أنه إذا جاء الحديث يخالف ظاهره الأحاديث الكثيرة فإنه يُحمل عليها.
ولهذا أجاب العلماء عن هذا الحديث بخمسة أجوبة:
الجواب الأول: أن هذا كان في أول الإسلام، ثم نسخ بتحريم ما كان وسيلة إليه بهذه النصوص؛ لأن ربا الفضل وسيلة لربا النسيئة.
والجواب الثاني: أن الحصر في قوله: ((إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ))، أو ((الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ)): محمول على الربا الأعظم- والذي هو ربا الجاهلية- الذي حرم تحريم الغايات، وتحريم ربا الفضل هذا من تحريم الوسائل.
والجواب الثالث: أن هذا محمول على بيع الدَّين بالدَّين، لا على بيع الربويات.
والجواب الرابع: أن الحديث محمول على اختلاف الأجناس، كالتمر، والبر، فيكون في الأجناس المختلفة، ولا ربا في الأجناس المختلفة، إنما الربا يكون في الجنس الواحد.
والجواب الخامس: أن حديث أسامة: ((الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ)): مجمل، وحديث عبادة وأبي سعيد مبيِّن، وإذا جاء مجمَلٌ ومبيِّن فإن العمل يكون بالحديث المبيِّن.