الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ فَضِيلَةِ إِعْتَاقِهِ أَمَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا
[1365]
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ- يَعْنِي: ابْنَ عُلَيَّةَ- عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ: ((أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَزَا خَيْبَرَ قَالَ: فَصَلَّيْنَا عَنْدَهَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ، فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَانْحَسَرَ الْإِزَارُ عَنْ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنِّي لَأَرَى بَيَاضَ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ- قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- قَالَ: وَقَدْ خَرَجَ الْقَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ، فقَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ، قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، قَالَ: وَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً، وَجُمِعَ السَّبْيُ فَجَاءَهُ دِحْيَةُ، فقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ، فقَالَ: اذْهَبْ فَخُذْ جَارِيَةً، فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ سَيِّدِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، مَا تَصْلُحُ إِلَّا لَكَ قَالَ: ادْعُوهُ بِهَا قَالَ: فَجَاءَ بِهَا، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا قَالَ: وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فقَالَ لَهُ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا أَصْدَقَهَا؟ قَالَ:
نَفْسَهَا، أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَأَهْدَتْهَا لَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَرُوسًا، فقَالَ: مَنْ كَانَ عَنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ قَالَ: وَبَسَطَ نِطَعًا قَالَ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْأَقِطِ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ، فَحَاسُوا حَيْسًا، فَكَانَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم).
[خ: 2544]
وحَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ- يَعْنِي: ابْنَ زَيْدٍ- عَنْ ثَابِتٍ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ. ح، وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ- يَعْنِي: ابْنَ زَيْدٍ- عَنْ ثَابِتٍ، وَشُعَيْبِ بْنِ حَبْحَابٍ عَنْ أَنَسٍ. ح، وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ. ح، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَنَسٍ. ح، وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ عَنْ أَنَسٍ. ح، وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، وَعُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ عَنْ أَنَسٍ، كُلُّهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:((أَنَّهُ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا)).
وَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ: ((تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ، وَأَصْدَقَهَا عِتْقَهَا)).
قوله: ((اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ))، أي: على أهلها من الكفار.
وفي هذا الحديث جملة من الفوائد، منها:
1 -
جواز تسمية صلاة الفجر بالغداة، فتسمى صلاة الغداة، وصلاة الفجر، وصلاة الصبح.
2 -
هل الفخذ عورة؟ وللعلماء في ذلك قولان:
القول الأول: أن الفَخِذ ليس بعورة؛ لأن أنسًا رضي الله عنه قال: ((وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَانْحَسَرَ الْإِزَارُ عَنْ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنِّي لَأَرَى بَيَاضَ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم).
القول الثاني: أن الفخذ عورة؛ لما جاء في الحديث الآخر: ((إِنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ))
(1)
، وهذا هو الصواب، وأما في هذه القصة فإن انحسار الإزار عنه عليه الصلاة والسلام كان بسبب الركوب من دون اختياره؛ ولذلك قال: انحسر الإزار.
ثم إن كون النبي صلى الله عليه وسلم انكشف فخذه، هذا من فعله، والقول مقدم على الفعل.
(1)
أخرجه أحمد (15926)، وأبو داود (4041)، والترمذي (2795).
ثم إن حديث جرهد
(1)
: ((الفَخِذُ عَوْرَةٌ)) أحوط، كما قال البخاري
(2)
، ونقل ابن حجر عن القرطبي قوله:((حديث أنس وما معه إنما ورد في قضايا معينة في أوقات مخصوصة، يتطرق إليها من احتمال الخصوصية، أو البقاء على أصل الإباحة ما لا يتطرق إلى حديث جرهد، وما معه؛ لأنه يتضمن إعطاء حكم كلي، وإظهار شرع عام، فكان العمل به أولى))، قال ابن حجر:((ولعل هذا هو مراد المصنف بقوله: وحديث جرهد أحوط))
(3)
.
3 -
جواز الإرداف على الدابة إذا كانت تطيق، فإن أنسًا أردفه طلحة رضي الله عنهما على الدابة.
4 -
جواز الإغارة على الأعداء دون سابق إنذار، ودون دعوة للقتال إذا كانت بلغتهم الدعوة؛ واليهود قد بلغتهم الدعوة، فلما لم يستجيبوا أغار عليهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أغار على قوم نزل قريبًا منهم، فإن سمع أذانًا وإلا أغار عليهم؛ وفي بعض حصون خيبر أمر النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن يبلغهم الدعوة، قال:((ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ))
(4)
، وفي بعض حصونها أغار عليهم في الصبح، فلما باغتهم وقد خرجوا- كما في الحديث الآخر- بمساحيهم ومكاتلهم ودوابهم وانتشروا للأعمال، فلم يرعهم إلا والنبي صلى الله عليه وسلم فاجأهم، فقالوا: محمد والخميس، والخميس: الجيش، وهذا فيه: دليل على أن خيبر فُتحت عَنوة، لكن بعض حصونها فُتحت صلحًا؛ وخيبر حصون متعددة.
(1)
هو جرهد بن خويلد، هكذا قال الزهري، يكنى أبا عبد الرحمن، يعد في أهل المدينة، وداره بها في زقاق ابن حنين، وجعل ابن أبي حاتم جرهد بن خويلد هذا غير جرهد بن دراج الأسلمي، وقال: يكنى أبا عَبْد الرحمن، وكان من أهل الصفة، ذكر ذلك عن أبيه، وهذا غلط، وهو رجل واحد من أسلم لا تكاد تثبت له صحبة. الاستيعاب، لابن عبد البر (1/ 271).
(2)
صحيح البخاري (1/ 83).
(3)
فتح الباري، لابن حجر (1/ 481).
(4)
أخرجه البخاري (2942)، ومسلم (2406).
5 -
أن ما سُبي من الكفار من النساء يكون غنائم للمسلمين، فتوزع على الجيش، ومن أعطي سبية فإنه يتسراها.
6 -
أن دحية رضي الله عنه قال: يا رسول الله، أعطني جارية من السبي، فاختار صفية، فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنها بنت سيد قريظة، فلا يمكن أن تكون سيدة إلا أن تكون مع سيد، والرسول صلى الله عليه وسلم هو سيد الناس.
وقيل: إنه أخذ جارية جميلة، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: خذ جارية من السبي غيرها، وقد أعطاه بدلًا منها سبعة رؤوس
(1)
.
7 -
جواز جعل العتق صداقًا، وفي المسألة قولان للعلماء:
القول الأول: يجوز جعل العتق صداقًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج صفية، وأعتقها، وجعل عتقها صداقها.
القول الثاني: لا يكون العتق صداقًا، إلا إذا نواه، وهو مذهب الشافعية
(2)
، وقالوا: بل تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم دون مهر، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
وقال بعضهم: إنه أعتقها، ثم رضيت فتزوجها، وقيل: إنه تزوجها بشيء مجهول، وكل هذا خلاف ظاهر الحديث، والصواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها، وجعل عتقها صداقها.
8 -
استبراء الجارية، كما في اللفظ الآخر:((أَنَّهَا اعْتَدَّتْ عِنْدَ أُمِّ شَريك))
(3)
، يعني: أنه استبرأها بحيضة، فلا توطأ الجارية حتى تستبرأ بحيضة، وإذا استبرأت بحيضة دل على براءة رحمها، وأنه ليس فيه حمل من جماع سابق قبل أن تسبى.
9 -
استحباب الوليمة، وأنه لا يشترط في الوليمة أن يكون فيها لحم، فهذه هي وليمة النبي صلى الله عليه وسلم على صفية: تمر، وأقط، وسمن.
(1)
أخرجه البخاري (371)، ومسلم (1365).
(2)
أسنى المطالب، لزكريا الأنصار ي (3/ 193).
(3)
أخرجه مسلم (1480).
10 -
إدلال الكبير والرئيس على متبوعيه ومرؤوسيه؛ لأن الصحابة يسرُّهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بقوله: ((مَنْ كَانَ عَنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ، قَالَ: وَبَسَطَ نِطَعًا، قَالَ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْأَقِطِ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ، وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ، فَحَاسُوا حَيْسًا، فَكَانَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم).
والحيس: هو التمر والسمن والأقط، قال الشاعر
(1)
:
التّمْرُ والسَّمْنُ جَمِيعًا والأَقِطْ = هُوَ الحَيْسُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِطْ
[154]
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ:((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الَّذِي يُعْتِقُ جَارِيَتَهُ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا: لَهُ أَجْرَانِ)).
في هذا الحديث: أن الذي يعتق جاريته ثم يتزوجها له أجران، والأجران هما: أجر العتق، وأجر الزواج والإحسان لها.
(1)
الصحاح، للجوهري (3/ 921)، لسان العرب، لابن منظور (6/ 61).
[1365]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ((كُنْتُ رِدْفَ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَقَدَمِي تَمَسُّ قَدَمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَأَتَيْنَاهُمْ حِينَ بَزَغَتِ الشَّمْسُ وَقَدْ أَخْرَجُوا مَوَاشِيَهُمْ، وَخَرَجُوا بِفُؤُوسِهِمْ، وَمَكَاتِلِهِمْ، وَمُرُورِهِمْ، فقَالُوا: مُحَمَّدٌ، وَالْخَمِيسُ قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ قَالَ: وَهَزَمَهُمُ اللَّهُ عز وجل، وَوَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ جَارِيَةٌ جَمِيلَةٌ، فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تُصَنِّعُهَا لَهُ وَتُهَيِّئُهَا، قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَتَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا، وَهِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، قَالَ: وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِيمَتَهَا التَّمْرَ، وَالْأَقِطَ، وَالسَّمْنَ، فُحِصَتِ الْأَرْضُ أَفَاحِيصَ، وَجِيءَ بِالْأَنْطَاعِ، فَوُضِعَتْ فِيهَا، وَجِيءَ بِالْأَقِطِ وَالسَّمْنِ، فَشَبِعَ النَّاسُ، قَالَ: وَقَالَ النَّاسُ: لَا نَدْرِي أَتَزَوَّجَهَا أَمِ اتَّخَذَهَا أُمَّ وَلَدٍ؟ قَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ حَجَبَهَا، فَقَعَدَتْ عَلَى عَجُزِ الْبَعِيرِ فَعَرَفُوا أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَهَا، فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَدَفَعَنْا، قَالَ: فَعَثَرَتِ النَّاقَةُ الْعَضْبَاءُ، وَنَدَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَدَرَتْ، فَقَامَ
فَسَتَرَهَا وَقَدْ أَشْرَفَتِ النِّسَاءُ، فَقُلْنَ: أَبْعَدَ اللَّهُ الْيَهُودِيَّةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، أَوَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: إِي وَاللَّهِ لَقَدْ وَقَعَ)).
قَالَ أَنَسٌ: ((وَشَهِدْتُ وَلِيمَةَ زَيْنَبَ، فَأَشْبَعَ النَّاسَ خُبْزًا وَلَحْمًا، وَكَانَ يَبْعَثُنِي فَأَدْعُو النَّاسَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ وَتَبِعْتُهُ، فَتَخَلَّفَ رَجُلَانِ اسْتَأْنَسَ بِهِمَا الْحَدِيثُ لَمْ يَخْرُجَا، فَجَعَلَ يَمُرُّ عَلَى نِسَائِهِ، فَيُسَلِّمُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَيْفَ أَنْتُمْ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَيَقُولُونَ: بِخَيْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ؟ فَيَقُولُ: بِخَيْرٍ، فَلَمَّا فَرَغَ رَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ الْبَابَ إِذَا هُوَ بِالرَّجُلَيْنِ قَدِ اسْتَأْنَسَ بِهِمَا الْحَدِيثُ، فَلَمَّا رَأَيَاهُ قَدْ رَجَعَ قَامَا فَخَرَجَا، فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْتُهُ أَمْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ بِأَنَّهُمَا قَدْ
خَرَجَا، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي أُسْكُفَّةِ الْبَابِ أَرْخَى الْحِجَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ
…
} الْآيَةَ)).
قوله: ((وَخَرَجُوا بِفُؤُوسِهِمْ، وَمَكَاتِلِهِمْ، وَمُرُورِهِمْ)): الفؤوس جمع فأس، والمكاتل: جمع مكتل، وهذا يعني: أنهم خرجوا بآلات العمل، ففاجأهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: محمد والخميس، وهو دليل على أنه أغار عليهم ولم يُعلَموا.
وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارُّون وأنعامهم تُسقَى على الماء، فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم، وسبى جويرية بنت الحارث أم المؤمنين منهم؛ لأنهم قد بلغتهم الدعوة
(1)
.
وفي بعض حصون خيبر أعطى النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا الراية، وقال:((ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ))
(2)
، يعني: مرة ثانية، ويستفاد من ذلك: أنه إذا كانت البلد المراد فتحها قد بلغت الدعوة أهلها، فالإمام مخير بين أن يدعوهم مرة أخرى، وبين أن يفجأهم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في بعض حصون خيبر فاجأهم، وفي بعض الآخر دعاهم.
وقوله: ((وَوَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ جَارِيَةٌ جَمِيلَةٌ، فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ)): هنا سمي شراءً، وفي لفظ آخر: أنه أعطاه بدلها سبعة أرؤس، تطييبًا لخاطره؛ وإلا فهذا ليس بواجب.
وقوله: ((ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تُصَنِّعُهَا لَهُ وَتُهَيِّئُهَا قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَتَعْتَدُّ فِي بَيْتِهَا)): تعتد، يعني: تستبرئ من الحيضة، فلما حاضت وطهرت قدمتها له؛
(1)
أخرجه البخاري (2541)، ومسلم (1733).
(2)
أخرجه البخاري (2942)، ومسلم (2406).
لأن النبي صلى الله عليه وسلم ظل في الجيش أيامًا؛ ولهذا اعتدت وطهرت من حيضتها، فهيأتها أم سليم رضي الله عنها، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: ((فُحِصَتِ الْأَرْضُ أَفَاحِيصَ، وَجِيءَ بِالْأَنْطَاعِ، فَوُضِعَتْ فِيهَا، وَجِيءَ بِالْأَقِطِ وَالسَّمْنِ، فَشَبِعَ النَّاسُ))، أي: حُفرت الأرض، وجُعل النِّطع- مثل السماط- مكان الحفرة حتى يصب فيها السمن، حتى لا ينتشر؛ لأنه لو صب السمن على النطع على أرض مستوية لذهب هنا وهناك.
وقوله: ((وَقَالَ النَّاسُ: لَا نَدْرِي أَتَزَوَّجَهَا، أَمِ اتَّخَذَهَا أُمَّ وَلَدٍ؟ قَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ حَجَبَهَا، فَقَعَدَتْ عَلَى عَجُزِ الْبَعِيرِ فَعَرَفُوا أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَهَا))، يعني: أنهم شكُّوا: هل هي من أمهات المؤمنين، أو لا زالت جارية، فقالوا: إن حجبها فهي زوجه، وإن لم يحجبها فهي جارية، فلما أرادت أن تركب حجبها، فعرفوا أنها من أمهات المؤمنين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها، وصارت من أمهات المؤمنين، أما الجارية فلا يجب عليها الحجاب، فهي شيء من المال تُعرض في أسواق العبيد وينظر إليها المشتري ويتأملها، فإن كانت مناسبة اشتراها.
وفي هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا الناس وأكلوا وانتهوا، بقي جماعة منهم يتحدثون، والنبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يدخل بيته، والبيت صغير، ليس مثل بيوتنا الآن، فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل ذهب إلى نسائه أو إلى بيوت أزواجه، وقال:((سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَيْفَ أَنْتُمْ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَيَقُولُونَ: بِخَيْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ؟ فَيَقُولُ: بِخَيْرٍ))، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته، فوجد الرجلين قد استأنس بهما الحديث، ولم يعلما، وكان معهم أنس رضي الله عنه، فلما أراد أن يدخل وجدهما، فرجع مرة أخرى، فلما رجع عرف الرجلان أنهما شقَّا على النبي صلى الله عليه وسلم فقاما، ثم بعد ذلك رجع النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هما قد خرجا، ونزلت آية الحجاب:{وإذا سألتموهن متاعًا فسألوهن من وراء حجاب} ، ونزل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ
يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}.
وهذا أَدَبٌ أدَّبَ الله به المؤمنين، وهو أنه لا ينبغي الإطالة والمكث في بيت النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا فيه مشقة على النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي يستحي، والله عز وجل لا يستحي من الحق.
وفيه: إثبات صفة الحياء للرب عز وجل، كما يليق بجلاله وعظمته.
[1365]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ. ح، وحَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمِ بْنِ حَيَّانَ- وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ: ((صَارَتْ صَفِيَّةُ لِدِحْيَةَ فِي مَقْسَمِهِ، وَجَعَلُوا يَمْدَحُونَهَا عَنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَيَقُولُونَ: مَا رَأَيْنَا فِي السَّبْيِ مِثْلَهَا قَالَ: فَبَعَثَ إِلَى دِحْيَةَ، فَأَعْطَاهُ بِهَا مَا أَرَادَ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّي، فقَالَ: أَصْلِحِيهَا قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا جَعَلَهَا فِي ظَهْرِهِ نَزَلَ، ثُمَّ ضَرَبَ عَلَيْهَا الْقُبَّةَ، فَلَمَّا أَصْبَح قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ عَنْدَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَأْتِنَا بِهِ قَالَ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِفَضْلِ التَّمْرِ وَفَضْلِ السَّوِيقِ، حَتَّى جَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ سَوَادًا حَيْسًا، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ ذَلِكَ الْحَيْسِ وَيَشْرَبُونَ مِنْ حِيَاضٍ إِلَى جَنْبِهِمْ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ قَالَ: فقَالَ أَنَسٌ: فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا حَتَّى إِذَا رَأَيْنَا جُدُرَ الْمَدِينَةِ هَشِشْنَا إِلَيْهَا، فَرَفَعَنْا مَطِيَّنَا وَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَطِيَّتَهُ، قَالَ: صَفِيَّةُ خَلْفَهُ، قَدْ أَرْدَفَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَعَثَرَتْ مَطِيَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصُرِعَ وَصُرِعَتْ، قَالَ: فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَلَا إِلَيْهَا، حَتَّى قَامَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَتَرَهَا، قَالَ: فَأَتَيْنَاهُ، فقَالَ: لَمْ نُضَرَّ، قَالَ: فَدَخَلْنَا الْمَدِينَةَ، فَخَرَجَ جَوَارِي نِسَائِهِ يَتَرَاءَيْنَهَا، وَيَشْمَتْنَ بِصَرْعَتِهَا)).
في هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم صُرِع، وصُرِعَت زوجتُه، يعني: سقط عن راحلته، وهو دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يصيبه ما يصيب الناس من الأمراض والسقوط والموت، فهو بشر يجوز عليه ما يجوز على البشر صلى الله عليه وسلم.
وفيه: دليل على فضل الصحابة؛ لأن أنسًا رضي الله عنه قال: ((فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَلَا إِلَيْهَا، حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَتَرَهَا)).
وفيه: ورع الصحابة رضوان الله عليهم، وشدة إكرامهم للنبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه: أن السبية إذا أصابها الإنسان يتسراها بدون عقد وبدون مهر إذا صارت في نصيبه، أو اشتراها فيطأها بملك اليمين، وإذا أراد أن يزوجها فله أن يزوجها عبدًا بمهر وعقد.