الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ
كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ
[1551]
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ- وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ- قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى- وَهُوَ الْقَطَّانُ- عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ، أَوْ زَرْعٍ.
[خ: 2328]
وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ- وَهُوَ ابْنُ مُسْهِرٍ- أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ، أَوْ زَرْعٍ، فَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ كُلَّ سَنَةٍ مِائَةَ وَسْقٍ: ثَمَانِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ، وَعِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ قَسَمَ خَيْبَرَ خَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ الْأَرْضَ وَالْمَاءَ، أَوْ يَضْمَنَ لَهُنَّ الْأَوْسَاقَ كُلَّ عَامٍ، فَاخْتَلَفْنَ، فَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ: الْأَرْضَ وَالْمَاءَ، وَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ: الْأَوْسَاقَ كُلَّ عَامٍ، فَكَانَتْ عَائِشَةُ، وَحَفْصَةُ، مِمَّنْ اخْتَارَتَا الْأَرْضَ وَالْمَاءَ.
[خ: 2338]
وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا خَرَجَ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ، أَوْ ثَمَرٍ، وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ: فَكَانَتْ عَائِشَةُ، وَحَفْصَةُ: مِمَّنْ اخْتَارَتَا الْأَرْضَ وَالْمَاءَ، وَقَالَ: خَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ الْأَرْضَ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَاءَ.
قوله: ((عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ، أَوْ زَرْعٍ)): الشطر هو: النصف.
وفي هذه الأحاديث: مشروعية المساقاة والمزارعة؛ خلافًا لمن أنكرهما من أهل العلم، كأبي حنيفة وغيره
(1)
، والمساقاة تكون على النخل، والمزارعة تكون على ما يخرج من الأرض.
وقال بعض العلماء: ((إن الأصل المساقاة، والمزارعة تبع، فلا تجوز المزارعة مستقلة، والصواب: أن المزارعة تجوز مستقلة، كما سبق في حديث جابر، وحديث رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ أنه سئل عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ، فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ، قَالَ: فَقُلْتُ: أَبِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ؟ فَقَالَ: أَمَّا بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَلَا بَأْسَ بِهِ))
(2)
.
فالمساقاة على النخل جائزة، والمزارعة على الأرض جائزة، مجتمعَينِ ومنفردَينِ، إذا كان عنده نخل وأرض ساقاه على النخل، وزارعه على الأرض، وإذا كان عنده نخل فقط ساقاه على النخل، وإذا ما كان عنده إلا أرض زارعه على الأرض، لكن بشرط بيان الجزء المساقَى عليه، وهو جزء معلوم، يساقيه على النخل بأن يدفع النخل إليه، يسقيه ويلاحظه بجزء معلوم من الثمرة، لا بد أن يكون الجزء المساقَى عليه معلومًا، أو بالأجرة فيكون عاملًا له.
ولا يشترط أن يكون البذر على رب الأرض على الصحيح، بل يجوز أن يكون من العامل، كما سيأتي في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وذكر ابن القيم
(3)
رحمه الله أن اليهود في خيبر كانوا هم الذين يدفعون البذر من عند أنفسهم؛ لأنه بمثابة السقي والماء الذي يذهب في الأرض، بخلاف ما يصير للباقي، مثل: حفر البئر التي يستخرج منها الماء، ومثل: الجدار الذي يكون على الحائط فهو يكون على ربِّ الأرض، فيؤمِّن حفر الآبار والآلات التي
(1)
بدائع الصنائع، للكاساني (6/ 175، 185).
(2)
أخرجه مسلم (1547).
(3)
زاد المعاد، لابن القيم (3/ 306).
يُستخرج بها الماء، والجدار الذي يحفظ الحائط، أما البذر فهو شيء يذهب مع الماء ويكون تابعًا للعامل، فلا بأس بأن يكون من العامل، أو يكون من رب الأرض.
واختلف العلماء في المساقاة هل هي عقد جائز، أو عقد لازم، والجمهور على أنها عقد لازم
(1)
، وذهب الظاهرية وجماعة
(2)
إلى أنه عقد جائز، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:((أُقِرُّكُمْ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا))، ثم أجلاهم؛ لأنه كان عازمًا على إخراجهم، ولم يخرجهم عليه الصلاة والسلام لانشغاله بالجهاد والدعوة، ثم في خلافة أبي بكر لم يُجلهم؛ لأنه حكم مدة قصيرة، وانشغل بحرب المرتدين، ثم لما كانت خلافة عمر أجلاهم إلى تيماء وأريحاء، وتيماء تابعة لأطراف المملكة، قال النووي رحمه الله:((مراد النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب: إخراجهم من بعضها، وهو الحجاز خاصة؛ لأن تيماء من جزيرة العرب، لكنها ليست من الحجاز. والله أعلم))
(3)
، قلت: هذا ليس بجيد، فالأقرب أن تيماء تابعة للشام، أو أنها من أطراف الجزيرة، ولكنه أجلاهم إليها لسبب.
وفيها: دليل على أن خيبر فُتحت عنوة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعلهم يعملون فيها، وكان صلى الله عليه وسلم يعطي أزواجه من الأوساق مائة وسق، ثمانين وسقًا من التمر، وعشرين وسقًا من الشعير، والوسق: ستون صاعًا، وهي تعادل ستة آلاف صاع، أربعة آلاف وثمانين من التمر، ومائة وعشرين من الشعير، وهو شيء كثير، ولكن تأتي عليهن النفقات، فلعلهن يتصدقن ويبعن منه، ثم لما ولي عمر رضي الله عنه خيبر خيَّر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يعطيهن الأرض والماء
(1)
المبسوط، للسرخسي (23/ 101)، الشرح الكبير، للدردير (3/ 545)، مغني المحتاج، للشربيني (3/ 421) المبدع شرح المقنع، لابن مفلح (4/ 311).
(2)
المحلى، لابن حزم (8/ 225).
(3)
شرح مسلم، للنووي (10/ 213).
ويقسم لهن، أو يضمن لهن الأوساق التي كان يعطيهن النبي صلى الله عليه وسلم، فمنهن من اختارت الأوساق، ومنهن من اختارت الأرض والماء، كعائشة رضي الله عنها وحفصة رضي الله عنها، تأخذ نصيبها وتتصرف فيه تزرعه، أو تزارع عليه.
وفيه: دليل على أنه لا بد من تحديد الجزء المساقَى عليه، أو المزارَع عليه، إذا كان الجزء مشاعًا على الربع، أو السدس، يكون للعامل مثلًا الربع، أو النصف، أو الثلث على حسب الاتفاق، أو يكون بالدراهم للعامل، ويكون الثمر لرب الأرض، كل هذا جائز، أو يُزارِعهم بآصُعٍ معلومة، أما الممنوع فهو أن تكون بجزء معين غير مشاع، كما سبق في المخابرة المنهي عنها، كأن يقول: لك الجهة الشمالية، ولي الجهة الجنوبية، أو لي ما ينبت على السواقي وعلى الجداول وعلى البرك، أو يكون بجزء مشاع ثلث أو ربع مثلًا، ويشترط معها دراهم وآصع، هذا منهي عنه، وهذه هي المخابرة المنهي عنها.
وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا افْتُتِحَتْ خَيْبَرُ، سَأَلَتْ يَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنْ يُقِرَّهُمْ فِيهَا عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا عَلَى نِصْفِ مَا خَرَجَ مِنْهَا مِنَ الثَّمَرِ، وَالزَّرْعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((أُقِرُّكُمْ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا)).
ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ، وَابْنِ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَزَادَ فِيهِ: وَكَانَ الثَّمَرُ يُقْسَمُ عَلَى السُّهْمَانِ مِنْ نِصْفِ خَيْبَرَ، فَيَأْخُذُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخُمْسَ.
قوله: ((أُقِرُّكُمْ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا))، يعني: أترككم تمكثون فيها ما شئنا، ولم يحدد مدة، والجمهور على أنها مدة العهد؛ لأنه كان عازمًا على إخراجهم من جزيرة العرب، ومن قال: إنها فتحت صلحًا قالوا: إن اليهود كانوا عبيدًا للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن هذا قول ضعيف.
ومن أنكر المزارعة والمساقاة قال: لا تصح المساقاة والمزارعة، وأما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود فإن خيبر قد فُتحت عنوة، وكان اليهود عبيدًا للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن هذا قول ضعيف.
وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ دَفَعَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ وَأَرْضَهَا، عَلَى أَنْ يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَلِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَطْرُ ثَمَرِهَا.
قوله: ((عَلَى أَنْ يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)): فيه: دليل على أنه لا بأس أن يكون البذر من العامل، ومن العلماء من اشترط أن يكون البذر من ربِّ الأرض
(1)
.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ- وَاللَّفْظُ لِابْنِ رَافِعٍ- قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا، وَكَانَتِ الْأَرْضُ حِينَ ظُهِرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ، فَأَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا، فَسَأَلَتِ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقِرَّهُمْ بِهَا عَلَى أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا، وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا))، فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ، وَأَرِيحَاءَ.
قوله: ((عَلَى أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا))، أي: على أن يقوموا هم بالعمل.
وقوله: ((إِلَى تَيْمَاءَ)): تيماء المعروف أنها في أطراف المملكة في الشمال.
(1)
الإقناع، للحجاوي (2/ 281 (.