الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب جَوَازِ هِبَتِهَا نَوْبَتَهَا لِضرَّتِهَا
[1463]
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلَاخِهَا مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ، مِن امْرَأَةٍ فِيهَا حِدَّةٌ، قَالَتْ: فَلَمَّا كَبِرَتْ جَعَلَتْ يَوْمَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِي مِنْكَ لِعَائِشَةَ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَيْنِ، يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ. ح، وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ. ح، وَحَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ: أَنَّ سَوْدَةَ لَمَّا كَبِرَتْ، بِمَعْنَى حَدِيثِ جَرِيرٍ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ شَرِيكٍ: قَالَتْ: وَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا بَعْدِي.
في هذا الحديث: منقبة لسودة بنت زمعة رضي الله عنها، وشهادة من عائشة رضي الله عنها بفضلها؛ قالت:((مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ فِي مِسْلَاخِهَا مِنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ))؛ وأصل المسلاخ: الجلد، والمعنى: ما رأيت امرأة أحب أن أكون مثلها من سودة بنت زمعة، على ما فيها من حدة، وأصل الحدة: سرعة الغضب، وقد فسرها البعض بالقوة، وجودة القريحة، لكن هذه الحدة لا تضرها، فهي شيء يسير؛ ولهذا تمنت عائشة أن تكون مثلها؛ فإنها رزينة عاقلة، ومن عقلها: أنها لما كبرت سنها وخافت أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم؛ وَهَبَت يومها لعائشة رضي الله عنها أحب أزواجه إليه، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة ليلتين، ولبقية نسائه لكل امرأة ليلة.
وفيه: دليل على أنه لا بأس أن تسقط المرأة ليلتها وتهبها لزوجها، أو
إحدى ضراتها، وتبقى لها بقية الحقوق؛ ولهذا فسودة رضي الله عنها أسقطت يومها لما كبرت سنها؛ لتبقى من أمهات المؤمنين، وتبقى مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
[1464]
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغَارُ عَلَى اللَّاتِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَقُولُ: وَتَهَبُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا؟ فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ} قَالَتْ: قُلْتُ: وَاللهِ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ.
[خ: 4788]
وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: أَمَا تَسْتَحْيِي امْرَأَةٌ تَهَبُ نَفْسَهَا لِرَجُلٍ حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ عز وجل: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} ، فَقُلْتُ: إِنَّ رَبَّكَ لَيُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ.
في هذ الحديث: دليل على أن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أن تهب المرأة نفسها له فيتزوجها من دون مهر، وبدون ولي ولا شهود، قال الله عز وجل:{وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} .
وكانت عائشة رضي الله عنها تغار من النساء اللاتي يهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم، وتقول: وتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله هذه الآية: {تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاءُ} ترجي، يعني: تؤخر من تشاء منهن من الواهبات، و {تؤوي إليك من تشاء} ، {ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك} يعني: إذا أخرتها، ثُمَّ أردت أن تقبلها فلا حرج عليك؛ فقالت عائشة: ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك، يعني: يوسع لك ويخيرك.
وقيل: إن الآية إنما هي في القسم بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الله سبحانه وتعالى لم يوجب عليه أن يقسم بين أزواجه، ويكون المعنى:{ترجي من تشاء منهن} يعني: فلا تقسم لها، {وتؤوي إليك من تشاء} فتقسم لها.
وقيل: إنها في الأمرين، ولعل هذا هو الأرجح، كما استظهره الحافظ ابن كثير رحمه الله
(1)
، وبهذا تقر أعين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ويرضين بذلك إذا رأينه يقسم، مع أنه ليس بواجب عليه القسم؛ ولهذا قال الله عز وجل:{ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزنن ويرضين بما آتيتهن كلهن} ، فإذا كان الله لم يوجب عليه العدل، ولم يوجب عليه القسم، وهو مع هذا يقسم، فإنه تقر أعينهن بذلك ويرضين بما آتاهن.
وهناك عدد من النساء وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم، ولما قالت ابنة أنس بن مالك:((مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا، وَا سَوْأَتَاهْ! وَا سَوْأَتَاهْ! قَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ، رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا))
(2)
.
أما غير النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز أن تهب المرأة نفسها له، ولا بد من المهر والولي والشهود، ولا تتولى المرأة العقد لنفسها، ففي الحديث:((لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ، وَلَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا)).
(3)
(1)
تفسير ابن كثير (6/ 446).
(2)
أخرجه البخاري (5120).
(3)
أخرجه ابن ماجه (1882)، والبيهقي في الكبرى (13632)، والدارقطني (3535).
[1465]
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: حَضَرْنَا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ جَنَازَةَ مَيْمُونَةَ- زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِسَرِفَ، فقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا، فَلَا تُزَعْزِعُوا، وَلَا تُزَلْزِلُوا، وَارْفُقُوا؛ فَإِنَّهُ كَانَ عَنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعٌ، فَكَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ، وَلَا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ، قَالَ عَطَاءٌ: الَّتِي لَا يَقْسِمُ لَهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ.
[خ: 5067]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بْنُ حميد، جميعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَزَادَ: قَالَ عَطَاءٌ: كَانَتْ آخِرَهُنَّ مَوْتًا، مَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ.
قال النووي رحمه الله: ((وأما قول عطاء: التي لا يقسم لها صفية، فقال العلماء: هو وهمٌ من ابن جريج الراوي عن عطاء، وإنما الصواب سودة))
(1)
.
وفي الحديث وهم آخر من عطاء: فليست ميمونة رضي الله عنها آخرهن موتًا؛ لأنها ماتت سنة خمسين، وماتت بعدها عائشة رضي الله عنها.
وقوله: ((ماتت بالمدينة)) وهمٌ ثالث؛ فقد ماتت بسَرِفَ، وهو مكان قرب مكة، ويحتمل أن مراده: أن صفية هي التي ماتت بالمدينة فهذا صحيح، لكنها ليست آخرهن موتًا.
(1)
شرح مسلم، للنووي (10/ 51).