الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ اللِّعَانِ
كِتَابُ اللِّعَانِ
[1492]
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ، فَقَالَ لَهُ: أَرَأَيْتَ يَا عَاصِمُ، لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ، فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَسَلْ لِي عَنْ ذَلِكَ يَا عَاصِمُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا، حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ، ومَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ، فَقَالَ: يَا عَاصِمُ، مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ عَاصِمٌ- لِعُوَيْمِرٍ-: لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ، قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا، قَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا، فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَسَطَ النَّاسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ، فَتَقْتُلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((قَدْ نَزَلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ، فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا))، قَالَ سَهْلٌ: فَتَلَاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا فَرَغَا، قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ.
[خ: 5259]
وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ: أَنَّ عُوَيْمِرًا الْأَنْصَارِيَّ- مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ- أَتَى عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَأَدْرَجَ فِي الْحَدِيثِ قَوْلَهُ: وَكَانَ فِرَاقُهُ إِيَّاهَا- بَعْدُ- سُنَّةً فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَزَادَ
فِيهِ: قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ حَامِلًا فَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى إِلَى أُمِّهِ، ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ أَنَّهُ يَرِثُهَا وَتَرِثُ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللهُ لَهَا.
هذا كتاب اللعان، واللعان هو: الملاعنة، والتلاعن، وهو: ما يكون بين الرجل وامرأته من الشهادات والأيمان إذا قذفها، وسمي لعانًا لأن الرجل يلعن نفسه في الشهادة الآخرة إن كان من الكاذبين، فسمي بذلك تغليبًا، وإلا فالمرأة تدعو على نفسها بالغضب إن كان زوجها من الصادقين.
واللعان شرعه الله سبحانه وتعالى مخرجًا للزوج إذا قذف امرأته بالزنا- والعياذ بالله- من إقامة حد القذف، وقد نزلت الآيات الكريمات من أول سورة النور بين الله سبحانه وتعالى فيها كيف يكون اللعان، وذلك أنه إذا رمى رجل زوجته بالزنا وليس عنده شهود جعل الله تعالى الأيمان لتقوم مقام الشهود، فيشهد أربع شهادات بالله؛ يقول: أشهد بالله لقد زنت امرأتي هذه، ويخاطبها أربع مرات، ثُمَّ في الخامسة يقول: إن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وفي هذه الحالة إذا لاعن فقد سَلِمَ من إقامة الحد عليه، ثُمَّ بعد ذلك تُوجَّه الأيمان إلى المرأة، فإن نكلت يقام عليها حد الزنا، وهو الرجم لكونها محصنة، وإن قبلت فتشهد أربع شهادات بالله أنه كاذب، وتقول: أشهد بالله لقد كذب عليَّ زوجي فيما رماني به من الزنا، أربع مرات، ثُمَّ في الشهادة الخامسة تقول: إنَّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين، وبعد الأيمان يُفرَّق بينهما تفريقًا مؤبدًا، كما في الحديث:((فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ)).
واختلف العلماء في سبب نزول هذه الآيات، هل نزلت في عويمر العجلاني، أم نزلت في هلال بن أمية عندما قذف امرأته بشريك بن سحماء، فقيل: نزلت في هلال، وقيل: نزلت في عويمر، ويحتمل أنها نزلت فيهما معًا، وأن أحدهما سبق الآخر.
وقوله: ((فَطَلَّقَهَا))، يعني: طلقها ثلاثًا قبل أن يأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك،
وقد فعله اجتهادًا منه؛ لشدة كراهته لها، وإلا فلا يحتاج إلى طلاق؛ لأن الأيمان كافية للتفريق بينهما.
وقوله: ((فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ))، يعني: كانت الفرقة المؤبدة، والتحريم المؤبد بعد الشهادات سنة في المتلاعنين، وإذا نكل أحدهما عن الأيمان فإنه يقام عليه الحد، فيقام حد القذف ثمانين جلدة على الزوج إذا نكل، ثُمَّ توجه الأيمان إلى المرأة، فإن شهدت بها سلمت من الحد، وإن نكلت أقيم عليها حد الزنا، قال سبحانه:{والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} ويفرق بينهما تفريقًا مؤبدًا، وإذا كان هناك ولد فإنه ينتفي باللعان، فالرجل يلاعن من أجل فراقها، ومن أجل انتفاء الولد، فلا ينسب إليه، ولا يتوارثان، بل ينسب إلى أمه ويتوارثان.
قوله: ((قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ حَامِلًا فَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى إِلَى أُمِّهِ، ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ أَنَّهُ يَرِثُهَا وَتَرِثُ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللهُ لَهَا))، أي: ترث منه الثلث إذا لم يكن له ولد ولا أخوة، فإذا كان له ولد أو إخوة ترث السدس، ويرث هو كذلك منها ومن إخوته لأمه، ويرثونه، ولا اختلاف في هذا، أما من جهة زوج الأم الملاعن فلا توارث لانقطاع العلاقة باللعان.
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، وَعَنِ السُّنَّةِ فيهما عَنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَخِي بَنِي سَاعِدَةَ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ، وَزَادَ فِيهِ: فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنَا شَاهِدٌ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَفَارَقَهَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((ذَاكُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ)).
في هذا الحديث: أنه احتج به بعضهم على جواز الطلاق ثلاثًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه طلاقها ثلاثًا، لكن ليس بواضح، فقد يكون طلقها ثلاثًا مكررة، وليست بكلمة واحدة.
مسألة: إذا لاعنها من أجل انتفاء الولد هل تبقى بعصمته؟
الجواب: لا تبقى بعصمته، ولو طلقها وفارقها، ثُمَّ أراد أن ينفي الولد فله أن يلاعن لنفي الولد، فلا ينسب إليه.
[1493]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي. ح، وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ- وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سُئِلْتُ عَنِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فِي إِمْرَةِ مُصْعَبٍ: أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: فَمَا دَرَيْتُ مَا أَقُولُ، فَمَضَيْتُ إِلَى مَنْزِلِ ابْنِ عُمَرَ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ لِلْغُلَامِ: اسْتَأْذِنْ لِي، قَالَ: إِنَّهُ قَائِلٌ فَسَمِعَ صَوْتِي قَالَ: ابْنُ جُبَيْرٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: ادْخُلْ، فَوَاللهِ مَا جَاءَ بِكَ هَذِهِ السَّاعَةَ إِلَّا حَاجَةٌ، فَدَخَلْتُ، فَإِذَا هُوَ مُفْتَرِشٌ بَرْذَعَةً مُتَوَسِّدٌ وِسَادَةً حَشْوُهَا لِيفٌ، قُلْتُ: أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ، الْمُتَلَاعِنَانِ أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! نَعَمْ، إِنَّ أَوَّلَ مَنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ أَنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ، كَيْفَ يَصْنَعُ، إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} ، فَتَلَاهُنَّ عَلَيْهِ، وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ:((أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ))، قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا فَوَعَظَهَا وَذَكَّرَهَا، وَأَخْبَرَهَا:
((أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ))، قَالَتْ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ، فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ، فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
[خ: 5350]
وَحَدَّثَنِيهِ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: سُئِلْتُ عَنِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ- زَمَنَ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ- فَلَمْ أَدْرِ مَا أَقُولُ، فَأَتَيْتُ
عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ، فَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؟ ، ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ.
في هذا الحديث: فضل سعيد بن جبير رضي الله عنه، فإنه لما سئل ولم يدر ما يقول-وهو من كبار علماء التابعين- سأل ابن عمر رضي الله عنهما؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يفتي بغير علم، فيجب على الإنسان أن يتوقف في المسائل التي تشكل عليه حتى يسأل أهل العلم، أو يبحث في كتبهم، أو يحيل السائل إلى غيره.
وفيه: دليل على مشروعية وعظ الحاكم للمتلاعنين قبل الشهادات، وأنه يبدأ بالرجل فيعظه، ويقول له: اتق الله، ولا تشهد بهذه الشهادات؛ فعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، يعني: إقامة الحد ثمانين جلدة أهون من عقوبة الله في الآخرة، فيعظه ويذكره، ثُمَّ يعظ المرأة، ويذكرها، ويقول: اتق الله، فعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وقد وعظهما النبي صلى الله عليه وسلم قبل اللعان.
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ- وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى- قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ-: ((حِسَابُكُمَا عَلَى اللهِ، أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ، لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا))، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَالِي؟ قَالَ:((لَا مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا، فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا، فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا)).
قَالَ زُهَيْرٌ فِي رِوَايَتِهِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
في هذا الحديث: دليل على أن المهر يستقر بالدخول، ولا يسترده باللعان، سواء كان صادقًا، أم كاذبًا، فإن كان صادقًا فقد استقر المهر بما استحل من فرجها، وإن كان كاذبًا فهو أبعد له من باب أولى.
مسألة: إذا رأت المرأة زوجها يزني فإن عليها أن تنصح زوجها الذي يفعل هذا، أو تطالب بالفسخ؛ لأنه لا خير فيه، وهي في هذا مثل غيرها تقيم الشهود، وإلا أقاموا عليها الحد، فالقاعدة: أنه إذا قذف أحد أحدًا فلا بد أن يقيم الشهود الأربعة، وإلا يقام عليه الحد، سواء على الزوجة، أو الزوج، ولا تكون الملاعنة، إلا إذا قذف الرجل امرأته فقط، فزنا الرجل لا علاقة له بالولد، ولا تختلط به الأنساب، بخلاف زناها فيحصل به اختلاط الأنساب.
وَحَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: فَرَّقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلَانِ، وَقَالَ:((اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ )).
وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ، سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ: عَنِ اللِّعَانِ، فَذَكَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ- وَاللَّفْظُ لِلْمِسْمَعِيِّ- وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا مُعَاذٌ- وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ- قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَزْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: لَمْ يُفَرِّقِ الْمُصْعَبُ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، قَالَ سَعِيدٌ: فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: فَرَّقَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلَانِ.
[1494]
وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح، وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى- وَاللَّفْظُ لَهُ- قَالَ: قُلْتُ لِمَالِك: حَدَّثَكَ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَفَرَّقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا، وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِأُمِّهِ؟ قَالَ:((نَعَمْ)).
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَاعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَامْرَأَتِهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَعُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا يَحْيَى- وَهُوَ الْقَطَّانُ- عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
في هذه الأحاديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم فرَّق بينهما وألحق الولد بأمه، وانتفى نسبه لأبيه.
[1495]
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ- وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ- قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: إِنَّا- لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ- فِي الْمَسْجِدِ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَتَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ، أَوْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ، وَاللهِ لَأَسْأَلَنَّ عَنْهُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَتَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ، أَوْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ، أَوْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ، فَقَالَ:((اللهُمَّ افْتَحْ))، وَجَعَلَ يَدْعُو، فَنَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} ، هَذِهِ الْآيَاتُ، فَابْتُلِيَ بِهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، فَجَاءَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَلَاعَنَا، فَشَهِدَ الرَّجُلُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ لَعَنَ الْخَامِسَةَ أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، فَذَهَبَتْ لِتَلْعَنَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((مَهْ))، فَأَبَتْ، فَلَعَنَتْ، فَلَمَّا أَدْبَرَا قَالَ:((لَعَلَّهَا أَنْ تَجِيءَ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا))، فَجَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا.
وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. ح، وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، جَمِيعًا عَنِ الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ.
[1496]
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ- وَأَنَا أُرَى أَنَّ عِنْدَهُ مِنْهُ عِلْمًا- فَقَالَ: إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، وَكَانَ أَخَا الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ لِأُمِّهِ، وَكَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ لَاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ، قَالَ: فَلَاعَنَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَبْيَضَ سَبِطًا قَضِيءَ الْعَيْنَيْنِ فَهُوَ لِهِلَالِ بْنِ
أُمَيَّةَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ))، قَالَ: فَأُنْبِئْتُ أَنَّهَا جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ.
قوله: ((سَبِطًا)) - بكسر الباء، أو تسكينها- يعني: المنبسط المسترسل الشعر، ليس فيه تكسر وهو ضد الجعود.
وقوله: ((قَضِيءَ العَيْنَيْنِ))، أي: فاسد العين، يقال: قضئ الثوب أي فسد.
وقوله: ((حَمْشَ السَّاقَيْنِ))، أي: دقيقهما.
في هذا الحديث: أن الأيمان كافية للتفريق، ولا ينظر بعد ذلك لشبه الولد، ولو جاء الولد بعد ذلك يشبه من قذفها به، وجاء في رواية البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ))
(1)
، يعني: أيمان اللعان، وهذا يدل على أن الأيمان كافية في درء الحد عنه وعنها، ولا ينظر بعد ذلك إلى أوصاف الولد.
(1)
أخرجه البخاري (4747).
[1497]
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، وَعِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِيَّانِ- وَاللَّفْظُ لِابْنِ رُمْحٍ- قَالَا: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: ذُكِرَ التَّلَاعُنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يَشْكُو إِلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ أَهْلِهِ رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا إِلَّا لِقَوْلِي، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ، وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا قَلِيلَ اللَّحْمِ سَبِطَ الشَّعَرِ، وَكَانَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ خَدْلًا آدَمَ كَثِيرَ اللَّحْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((اللهُمَّ بَيِّنْ، فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَهَا))، فَلَاعَنَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا، فَقَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ- فِي الْمَجْلِسِ-: أَهِيَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ رَجَمْتُ هَذِهِ؟ ))، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا، تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ فِي الْإِسْلَامِ السُّوءَ.
[خ: 5310]
وَحَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ- يَعْنِي: ابْنَ بِلَالٍ- عَنْ يَحْيَى، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: ذُكِرَ الْمُتَلَاعِنَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيْثِ، وَزَادَ فِيهِ- بَعْدَ قَوْلِهِ: كَثِيرَ اللَّحْمِ- قَالَ: ((جَعْدًا قَطَطًا)).
ظاهر هذا الحديث أنه لاعن بعد ولادة الولد، وذُكر في أحاديث سبقت أن اللعان كان قبل ذلك، والصحيح أن قبل، والفاء في ((فلاعن)) تكون معقبة بقوله:((فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ))، وما بينهما جملة معترضة.
[1497]
وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ- وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو- قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادٍ: وَذُكِرَ الْمُتَلَاعِنَانِ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ ابْنُ شَدَّادٍ: أَهُمَا اللَّذَانِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُهَا))، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تِلْكَ امْرَأَةٌ أَعْلَنَتْ.
قَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ.
قوله صلى الله عليه وسلم: ((لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُهَا))، يعني: لا يكون الرجم بسبب الشهرة فقط، بل لا بد من دليل وبينة، أو حَمل، وهذه المرأة اشتهر عنها بين الناس أنها تظهر السوء، لكن لم يثبت بشهود يشهدون أنها فعلت الفاحشة، فهذه لا يقام عليها الحد، ولا بد إما أن تعترف على نفسها، أو تكون حاملًا، أو يأتي ملاعِنها بأربعة شهود يشهدون عليها بالفاحشة.
وهذا بالنسبة للحرائر دون الإماء، فالمتهمة هنا حرة، لكن لو قذف عبدًا فما يقام عليه الحد؛ لأنه أقل من سيده، لكن جاء فيه الوعيد الشديد، فقد جاء في الحديث:((مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ، وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ، جُلِدَ يَوْمَ القِيَامَةِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ))
(1)
.
(1)
أخرجه البخاري (6858)، ومسلم (1660).
[1498]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ- يَعْنِي: الدَّرَاوَرْدِيَّ- عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَجِدُ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((لَا))، قَالَ سَعْدٌ: بَلَى، وَالَّذِي أَكْرَمَكَ بِالْحَقِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ! )).
وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أأمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ:((نَعَمْ)).
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ ابْنِ بِلَالٍ، حَدَّثَنِي سُهَيْلٌ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ وَجَدْتُ مَعَ أَهْلِي رَجُلًا لَمْ أَمَسَّهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((نَعَمْ))، قَالَ: كَلَّا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنْ كُنْتُ لَأُعَاجِلُهُ بِالسَّيْفِ قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ؛ إِنَّهُ لَغَيُورٌ، وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي)).
في هذا الحديث: وصف الله بالغيرة سبحانه وتعالى، وهي من الصفات الفعلية- كالمحبة، والرضا، والغضب، والسخط- نثبتها كما يليق بجلال الله وعظمته.
وفيه: جواز قول: ((سَيِّدُكُمْ)) بالإضافة، فالإضافة تختلف عن الإطلاق الذي في كلمة السيد، وقد جاء في الحديث:((السَّيِّدُ اللهُ))
(1)
.
وفيه: دليل أنه لا بد من أربعة شهود لمن قذف امرأته بالزنا حتى يدرأ عنه الحد، فإن لم يأت بأربعة شهود فإنه يلاعِن، وأما غير الزوج فلا بد أن يأتي بأربعة شهود، وإلا أقيم عليه حد القذف ثمانين جلدة.
(1)
أخرجه أحمد (16307)، وأبو داود (4806)، والنسائي في الكبرى (1003).
وقوله: ((إِنْ كُنْتُ لَأُعَاجِلُهُ بِالسَّيْفِ)) فيه: دليل لشيخ الإسلام ابن تيمية على قوله: - وعلى هذا فيجوز له فيما بينه وبين الله تعالى قتل من اعتدى على حريمه سواء كان محصناً أو غير محصنٍ معروفاً بذلك أو غير معروفٍ كما دل عليه كلام الأصحاب وفتاوى الصحابة-، ومعنى كلامه: أن الرجل إذا رأى رجلًا مع امرأته له أن يقتله، ثُمَّ بعد ذلك يصبر على ما سيكون، فإن وجد شهودًا، وإلا أقيم عليه حد القصاص
(1)
.
[1499]
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، وَأَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ- وَاللَّفْظُ لِأَبِي كَامِلٍ- قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفِحٍ عَنْهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:((أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ فَوَاللهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي، مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ، وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ اللهُ الْمُرْسَلِينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللهُ الْجَنَّةَ)).
[خ: 7416]
وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: غَيْرَ مُصْفِحٍ، وَلَمْ يَقُلْ: عَنْهُ.
قوله: ((غَيْرَ مُصْفِحٍ)) ذكر الحافظ أن فيه وجهين: بكسر الفاء وفتحها، بالكسر للسيف، وبالفتح للضارب، يعني: من فتح جعله وصفا للسيف ومن كسر جعله وصفا للضارب
(2)
.
(1)
مجموع الفتاوى، لابن تيمية (34/ 168).
(2)
فتح الباري، لابن حجر (1/ 144).
في هذا الحديث: إثبات الغيرة لله عز وجل على ما يليق بجلاله وكماله، وأنه تعالى أغير من عباده على محارمه.
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أغير الناس.
وفيه: فضل سعد رضي الله عنه وغيرته.
وقوله: ((لَا شَخْصَ)) بالنصب على أن ((لا)) نافية للجنس، فتعمل عمل إن وأخواتها، و ((وَلَا شَخْصُ)) بالرفع على أن ((لا)) نافية، والمعنى: لا أحد أغير من الله.
وقد دل الحديث على الله أن شخص، كما أخبر عنه بأنه ذات، وأنه شيء، وأنه موجود، في مقابل الرد على من أنكر وجود الله، الذي يقول: إن الله لا يسمى شخصًا ولا شيئًا ولا ذاتًا، وهؤلاء هم الجهمية، والجهمية ملاحدة، فقولهم هذا إنكار لوجوده- نعوذ بالله من ذلك- والله تعالى أخبر عن نفسه بأنه شيء، وبأنه موجود، وبأنه ذات، وبأنه شخص، قال تعالى:{قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم} ، ومن الشواهد على ذلك قوله هنا:((وَلَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ))، وقوله:((وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ اللهُ الْمُرْسَلِينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللهُ الْجَنَّةَ)).
وقول سعد بن عبادة رضي الله عنه: ((كَلَّا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنْ كُنْتُ لَأُعَاجِلُهُ بِالسَّيْفِ قَبْلَ ذَلِكَ)) هل خالف به قول النبي صلى الله عليه وسلم وردَّه؟
الجواب: قال النووي رحمه الله: ((قال الماوردي وغيره ليس قوله هو ردا لقول النبي صلى الله عليه وسلم ولا مخالفة من سعد بن عبادة لأمره صلى الله عليه وسلم وإنما معناه الإخبار عن حالة الإنسان عند رؤيته الرجل عند امرأته واستيلاء الغضب عليه فإنه حينئذٍ يعاجله بالسيف وإن كان عاصيًا))
(1)
.
(1)
شرح مسلم، للنووي (10/ 131).
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ)) يحتمل أنه إنكار لما ذكر من مبادرته للقتل، ويحتمل أنه تعجب من غيرته، وظاهره: أنه تعجب من غيرته، ومن حال الإنسان أنه لا يصبر على مثل ذلك.
[1500]
وَحَدَّثَنَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ- وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ- قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ ))، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:((فَمَا أَلْوَانُهَا؟ ))، قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ:((هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ ))، قَالَ: إِنَّ فِيهَا لَوُرْقًا، قَالَ:((فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ؟ ))، قَالَ: عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ، قَالَ:((وَهَذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ)).
[خ: 5305]
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا، وَقَالَ الْآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح، وَحَدَّثَنِي ابْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَدَتِ امْرَأَتِي غُلَامًا أَسْوَدَ- وَهُوَ حِينَئِذٍ يُعَرِّضُ بِأَنْ يَنْفِيَهُ-، وَزَادَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الِانْتِفَاءِ مِنْهُ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى- وَاللَّفْظُ لِحَرْمَلَةَ- قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ، وَإِنِّي أَنْكَرْتُهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ ))، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:((مَا أَلْوَانُهَا؟ ))، قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ:((فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ ))، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((فَأَنَّى هُوَ؟ ! ))، قَالَ: لَعَلَّهُ- يَا
رَسُولَ اللهِ- يَكُونُ نَزَعَهُ عِرْقٌ لَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((وَهَذَا لَعَلَّهُ يَكُونُ نَزَعَهُ عِرْقٌ لَهُ)).
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا حُجَيْنٌ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِ حَدِيثِهِمْ.
في هذا الحديث: أن مخالفة الولد للون أبيه لا يوجب نفيه، ولا يجوز له أن ينفيه بمجرد مخالفة اللون، فهذا الأعرابي جاء يُعرِّض بنفي ولده، فيقول: إن امرأتي ولدت غلامًا أسود، يعني: وأنا أبيض، فكيف هذا؟
وفيه: ضرب الأمثال وقياس النظير على نظيره، فالنبي صلى الله عليه وسلم قاس الولد على الإبل، أي: فكما أن الإبل قد تأتي بشيء يخالف لونها، فكذلك أنت.
وفيه: إثبات القياس، والرد على من أنكره، كالظاهرية
(1)
وغيرهم، وهو من قياس النظير على نظيره، ومن أدلته: قوله تعالى: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} .
وقوله: ((هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ )) والأورق: الذي لونه أسود غير صافٍ.
وفيه: أن القياس المحسوس يثير في الإنسان الطمأنينة، ؛ ولا ينبغي للإنسان أن ينفي الولد، أو يتهم المرأة بمجرد الخلل في اللون، فلعله نزع عرق، وليس هناك دليل على الطعن، لا سيما إذا كانت المرأة لم يعرف عنها إلا الخير والصلاح، فلا تجوز التهمة بمجرد اختلاف اللون.
ومن هؤلاء الذين لعلهم نزعهم عرق: أسامة بن زيد رضي الله عنهما، فقد كان أسود، وأبوه أبيض؛ ولهذا طعن بعض الناس في نسب أسامة لأبيه زيد رضي الله عنهما، ولما مر مجزز المدلجي يعرف القيافة ورآهما وقد التحفا بقطيفة،
(1)
المحلى، لابن حزم (1/ 56).
وغطيا رؤوسهما، وبدت أرجلهم، وهو لا يعرفهم- فقال: إن هذه الأرجل بعضها من بعض، ففرح النبي صلى الله عليه وسلم وجاء إلى عائشة رضي الله عنها مسرورًا تبرق أسارير وجهه، وقَالَ:((أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ الْمُدْلِجِيُّ لِزَيْدٍ وَأُسَامَةَ- وَرَأَى أَقْدَامَهُمَا-: إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأَقْدَامِ مِنْ بَعْضٍ))
(1)
، وزال ما كان يطعن به بعض الناس في نسب أسامة من أبيه زيد.
والعرب كانت تعمل بالقيافة، وأقرها الإسلام، فدل على أن القيافة يعمل بها شرعًا إذا لم يعارضها دليل أقوى منها، مثل ما إذا كان الولد للفراش، أو مثل مسألة اللعان.
* * *
(1)
أخرجه البخاري (3555).