الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ تَحْرِيمِ بَيْعِ الْخَمْرِ
[1578]
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى أَبُو هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَرِّضُ بِالْخَمْرِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ سَيُنْزِلُ فِيهَا أَمْرًا، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلْيَبِعْهُ، وَلْيَنْتَفِعْ بِهِ)) قَالَ: فَمَا لَبِثْنَا إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْخَمْرَ، فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ، فَلَا يَشْرَبْ، وَلَا يَبِعْ)) قَالَ: فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ، فَسَفَكُوهَا.
في هذا الحديث: بيان من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تحرم الخمر قال: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَرِّضُ بِالْخَمْرِ))، يعني: لما نزلت آية البقرة، وهي قوله تعالى:{يسألونك عَنِ الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما} فهذا تعريض بتحريمها، وهذا من نصحه عليه الصلاة والسلام لأمته، حيث أمرهم أن يبيعوا ما عندهم منها، وأن ينتفعوا به قبل أن تحرم، ثم بعد ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:((إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْخَمْرَ، فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ، فَلَا يَشْرَبْ، وَلَا يَبِعْ))، وقد جاء تحريم الخمر على مراحل:
وأول ما نزل في تحريم الخمر آية البقرة: {يسألونك عَنِ الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما} ، بين الله عز وجل أن فيها منافعَ وإثمًا، وأن الإثم أكبر من المنافع، فتركها بعض أهل البصيرة والعقل، وكان عمر رضي الله عنه قد أشكل عليه الأمر، فلما نزلت هذه
الآية وقرئت عليه قال: ((اللَّهُمَّ بيِّنْ لَنَا فِي الخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا))
(1)
، فنزلت آية النساء:{يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} .
وجاء في الحديث الآخر: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه كُنْتُ سَاقِيَ القَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَانَ خَمْرُهُمْ- يَوْمَئِذٍ- الفَضِيخَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُنَادِيًا يُنَادِي:((أَلا إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ))، قَالَ: فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ، فَأَهْرِقْهَا، فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا، فَجَرَتْ فِي سِكَكِ المَدِينَةِ، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: قَدْ قُتِلَ قَوْمٌ، وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا
…
} الآيَةَ))
(2)
.
واحتج به بعض العلماء
(3)
على أن الخمر ليست بنجسة؛ لأنها لو كانت نجسة لما أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على إهراقها في سكك المدينة، فتصيب الأقدام، وتصيب أطراف الثياب، فدل على أنها ليست نجسة، وأما قوله تعالى:{إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس} فالمراد: الرجس المعنوي، والجمهور على أنها نجسة
(4)
، وأجابوا عن هذا بأنهم لم يعلموا بنجاستها في أول الأمر، ولا يلزم من التحريم النجاسة.
(1)
أخرجه أحمد (378)، وأبو داود (3670)، والترمذي (3049)، والنسائي (5540).
(2)
أخرجه البخاري (2464)، ومسلم (1980).
(3)
الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (6/ 288).
(4)
المبسوط، للسرخسي (24/ 3)، المقدمات الممهدات، لابن رشد (1/ 442)، المجموع، للنووي (2/ 563 (، المغني، لابن قدامة (4/ 169).
[1579]
حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ- رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ- أَنَّهُ جَاءَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ. ح، وَحَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ- وَاللَّفْظُ لَهُ- أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ السَّبَأِيِّ- مِنْ أَهْلِ مِصْرَ- أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَمَّا يُعْصَرُ مِنَ الْعِنَبِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ رَجُلًا أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَاوِيَةَ خَمْرٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَهَا؟ )) قَالَ: لَا، فَسَارَّ إِنْسَانًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((بِمَ سَارَرْتَهُ؟ ))، فَقَالَ: أَمَرْتُهُ بِبَيْعِهَا، فَقَالَ:((إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا)) قَالَ: فَفَتَحَ الْمَزَادَةَ حَتَّى ذَهَبَ مَا فِيهَا.
حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
[1580]
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاقْتَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ نَهَى عَنِ التِّجَارَةِ فِي الْخَمْرِ.
[خ: 459]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ- وَاللَّفْظُ لِأَبِي كُرَيْبٍ- قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَتِ الْآيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرِّبَا قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَسْجِدِ، فَحَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ.
في هذه الأحاديث: أن إهداءَ الرجلِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم راويةَ خمرٍ كان أولًا
قبل أن يعلم هذا الرجل بتحريم الخمر، فأهدى للنبي صلى الله عليه وسلم؛ بناءً على ما كان عليه الناس، فقد كانوا يشربونها في الجاهلية وفي أول الإسلام وكانت نفوسهم متعلقة بها.
وفيها: دليل على أن الواعظ والخطيب والمحدِّث لا بأس أن يسأل الإنسان بم سارَّه مَن بجواره؟ حتى يخبره بالحكم إذا كان يحتمل أن يعتقد الخطأ؛ ولهذا سأله النبي صلى الله عليه وسلم: ((بِمَ سَارَرْتَهُ؟ ))، فأخبره بالحكم؛ لأنه كان يعتقد الخطأ.
وفيها: دليل على تحريم الخمر بجميع وجوه التصرف، فيحرم شربها، ويحرم بيعها، وإهداؤها، وحملها، وسقيها غيره؛ ولهذا جاء في الحديث:((لُعِنَتِ الْخَمْرُ عَلَى عَشْرَةِ وُجُوهٍ: لُعِنَتِ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا، وَشَارِبُهَا، وَسَاقِيهَا، وَبَائِعُهَا، وَمُبْتَاعُهَا، وَعَاصِرُهَا، وَمُعْتَصِرُهَا، وَحَامِلُهَا، وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ، وَآكِلُ ثَمَنِهَا))
(1)
.
وقول عائشة رضي الله عنها: ((لَمَّا أُنْزِلَتِ الْآيَاتُ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرِّبَا قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَسْجِدِ، فَحَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ)): قال القاضي عياض: ((وقوله: (لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة اقترأهن رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس، ثم نهى عَنِ التجارة في الخمر): يحتمل أن يكون هذا متصلًا بعد تحريم الخمر ومنها فهم، أو أوصى إليه بمنع بيع الخمر بظاهر الحديث؛ لأن سورة المائدة التي فيها تحريم الخمر من آخر ما نزل من القرآن، وآية الربا آخر ما نزل. قال ذلك عمر، قال:(ومات رسول الله ولم يفسرها لنا)، ويحتمل أن يكون هذا بعد بيان النبي تحريم له في الخمر. فلما نزلت آية الربا وقد اشتملت على تحريم ما عدا البيع الصحيح أكد تحريم ذلك، ولا علم أن التجارة في الخمر من جملة ذلك، والله أعلم))
(2)
.
(1)
أخرجه أحمد (4787)، وابن ماجه (3380).
(2)
إكمال المعلم، للقاضي عياض (5/ 253).
فالقاضي رحمه الله ذكر احتمالين:
الاحتمال الأول: أنه أعاد ذكر التحريم ليبلغ من لم يبلغه.
والاحتمال الآخر: أن التجارة في الخمر هي التي تأخر تحريمها، فحُرمت الخمر نفسها، ثم بعد ذلك حُرمت التجارة فيها، لكن يُبعد هذا الاحتمالَ القصةُ التي سبقت، وهو هذا الرجل الذي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم راوية الخمر، وهذا ظاهره: أن هذا متقدم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قرن بينهما، حرم الربا وحرم تجارة الخمر، وإن كان أخبر بتحريمها قبل ذلك.