الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أم هو تواتر، ولا هو بطريقة وصول الحديث إلى غير المنكر، فقد يكون عند غير المنكر متواتر، وهو ما عنده خبر بهذا الحديث، كما ذكرنا آنفاً، لكن الحديث عند جميع العلماء غير متواتر لكنه صحيح، والذي أنكره أيضاً يعتقد أنه صحيح، مع ذلك ينكره فهو كافر.
إذاً قضية التكفير لا تتعلق بما قام في نفس المكفِّر، وإنما ما قام في نفس المكفَّر؛ فإن كان المكفَّر يعتقد بأن هذا الحديث صح عن الرسول مع ذلك ينكره فلا شك بأنه يكفر بذلك، وإن قال- وإن كان لاهياً- هذا الحديث والله أنا أستبعد صحته عن الرسول والله يعلم من قلبه أنه لا ينافق، يقول ما في قلبه؛ هذا لا يكفر عند رب العالمين، لكنه إذا كان يعلم أن هذا الحديث قاله الرسول لكن ظهر بيقول أنا أشك في أن الرسول قال هذا، فهو عند الله كافر؛ لأنه في قرارة قلبه يؤمن بأن النبي عليه السلام قد قال هذا الحديث مع ذلك ينكره.
فإذاً التكفير لا يجوز أن يحكم به بالنسبة لما قام في نفس المكفِّر وإنما لما قام في نفس المكفَّر، واضح إن شاء الله.
السائل: واضح، [لكن الفرق] بين المنكر والمستهزئ.
الشيخ: ما في فرق الذي يستهزئ بحديث يؤمن بأن الرسول قاله مثل ذاك الذي أنكر فهما سواء.
"الهدى والنور"(269/ 12: 27: 00)
[645] باب هل يكفر من ينكر خبر الآحاد
؟
سؤال: يقول: ما حكم الأشخاص الذين ينكرون أحاديث الآحاد على الرغم من إقامة الحجة عليهم، هل هم فساق أو ضالين أو كفرة؟
الشيخ: لا شك أن كل مسلم يتبنى مذهباً له أو منهجاً أو سبيلاً أو طريقاً لم يكن عليه سلفنا الصالح، الذي يعني صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتابعين لهم، وأتباع التابعين، لا شك أن هذا المسلم الذي يخالف هؤلاء يعيش في ضلال مبين، ثم هذا الضلال الذي لا نشك في أنه واقع فيه ومتلبس له من قمة رأسه إلى أخمص قدمه قد يكون يورده موارد الكفر والخروج من الملة؛ ذلك لأن الله عز وجل قال في صريح القرآن الكريم:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115)، فالذين يتفلسفون بفلسفة إنكار حديث الآحاد، هؤلاء يخالفون سبيل المؤمنين، وقد ذكرنا أكثر من مرة: أن هدي السلف الصالح وتبليغهم لدعوة الإسلام، حتى شملت قسماً كبيراً من أقطار الدنيا، إنما كان ذلك بنقل الآحاد والأفراد في دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام، من أشهر ذلك مما هو معروف في السيرة النبوية وفي التاريخ الإسلامي الأول، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرسل الشخص الواحد يدعو القبيلة الواحدة إلى الدخول في الإسلام، فيأمرهم بأن يوحدوا الله وحده لا شريك له، وإذا استجابوا أن يصلوا وأن يصوموا وأن يزكوا .. وو إلى آخره، كيف انتشر الإسلام بهؤلاء الأفراد؟ وهكذا استمر انتشار الإسلام حتى شمل كثيراً من البلاد، حتى البلاد التي هي في وسط البحار كأستراليا مثلاً وأمثالها؛ بسبب: أن مسلماً يسافر في سبيل التجارة فينزل في بلد ما طرقته قدمه من قبل فيقول لهم: الإسلام كذا وكذا وكذا، فيدخل الناس في دين الله أفواجاً بخبر الواحد؛ ولذلك فهؤلاء الذين يستهينون بخبر ويقولون: أن خبر الواحد لا تثبت به عقيدة، يخالفون سبيل المؤمنين، بل سبيل سيد المؤمنين الذي كان أرسل معاذاً وأرسل علياً وأرسل أبا
موسى الأشعري دعاة إلى الإسلام في اليمن، ودحية الكلبي إلى بلاد سوريا إلى الروم .. وهكذا، هؤلاء الدعاة الأولين معروفين في التاريخ الإسلامي كانوا أفراداً، فكيف يقال: أن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة؟!
نحن لنا والحمد لله رسالتان تعالج هذه القضية معالجة علمية وعقلية شرعية، ليس عقل فلتان، عقل شرعي مأخوذ من الكتاب ومن السنة، وكل ما خرج عن الكتاب والسنة .. فصدقوا حينما قالوا: ليس عقلاً؛ لأن الله عز وجل حينما ذكر الكفار وهم في عذاب النار حكى عنهم أنهم قالوا: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (الملك:10)، فإذاً من هو العاقل؟
هو الذي يحكم الشرع على عقله؛ لأن هذا العقل كما قلنا العقل المطلق موزع في البشر، ليس معروفاً محدوداً بشخص، لو قيل: عقل الرسول المعصوم على الرأس والعين، هذا مرجع، لكن عقل البشر الضائع الفلتان الذي لا حدود له هذا من تمام الضلال حينما تبنوا ما أداه عقلهم المجرد عن انطباع الكتاب والسنة إلى أن يقولوا: أن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة.
وأنا أضرب لكم مثلاً يحمل في طواياه نكتتين، وكيف يظهر، وما هو الموقف هؤلاء الناس الذين حكموا عقولهم على نصوص نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم.
لقد قال صلى الله عليه وآله وسلم صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم حديث البخاري ومسلم: «إذا جلس أحدكم في التشهد الأخير فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال» (1)، هذا حديث آحاد يؤخذ عندهم في الأحكام، لا يؤخذ به في العقيدة، لكن هذا
(1) البخاري (رقم6016) ومسلم (رقم7046).