الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[657] باب كفر القائلين بوحدة الوجود
السؤال: الصوفية حديثة عهد في بلدنا، بماذا تنصحنا؟
الشيخ: الصوفية فيها خلاف قديم جداً بين المسلمين، المسلمين بالمعنى العام كما شرحناه آنفاً، والحقيقة أن لهذا الاسم التصوف والذين ينتمون إليه الصوفية أو المتصوفة معاني كثيرة ومختلفة، نحن نعلم لمخالطتنا لكثير من هؤلاء، أنهم حينما تقام عليهم الحجة فهم يقولون: التصوف ليس إلا التمسك بالأخلاق التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومنها مثلاً: الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة، هكذا يقولون حينما تقوم عليهم الحجة، وحينئذ نحن نقول إن كان التصوف هو هذا بزعمكم، فيبقى الخلاف بيننا وبينكم لفظياً، ارفعوا كلمة التصوف؛ لأنها أصبحت كلمة لها معاني كثيرة وكثيرة جداً، بعضها ومنها ما ذكرنا عنهم آنفاً التمسك بالأخلاق الكريمة والزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة، ليس هناك ضرورة أن نطلق هذا الاسم المشكوك في المراد منه على هذا الأمر المتفق عليه من التمسك بأخلاق الرسول عليه السلام والزهد في الدنيا والإقبال على الآخرة، لكن الحقيقة أن لمفهوم التصوف معاني أبعد بكثير عن هذا المعنى الصحيح، ثم هذا البعد تارة يخرج صاحبه من دائرة الإسلام، وتارة يلحقه بفرقة من الفرق الضالة، أما الحالة الأولى فأولئك هم الذين يؤمنون بما يعرف عند أهل العلم بعقيدة الوحدة، أو وحدة الوجود بالتعبير الأوضح، وحدة الوجود تعني -هنا إلحاد بعينه- تعني الطبيعة بتعبير علماء الطبيعة، أي: لا شيء إلا المادة، حيث يقول قائلهم:
كل ما تراه بعينك فهو الله.
إذاً: فهي المادة، كل ما تراه بعينك فهو الله!
ويقول آخر:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهب في كنيسة
ويقول ثالث: العبد رب والرب عبد فليت شعري من المكلف؟
إن قلت عبد فذاك نفي أو قلت رب أنى يكلف؟
والرابع يقول:
لما عبد المجوس النار
…
ما عبدوا إلا الواحد القهار
هذه كلها عبارات مسطرة في كتبهم التي يتبركون بها، فمثل هذه العقيدة تخرج صاحبها من دائرة الإسلام؛ لأنها عقيدة أكفر من عقيدة اليهود والنصارى، وهذا يذكرني بقول أحد غلاتهم، حيث قال: إنما كفر اليهود والنصارى؛ لأن اليهود حصروا الله في العزير، أما النصارى فحصروا الله في الآب والابن والروح القدس، أما نحن أي: هم، قال: فقد عممناه في كل شي، ولذلك فمن ذكرهم ليس ذكرهم ذكر المسلمين كما قال عليه السلام:«أفضل الذكر لا إله إلا الله» ذكرهم: هو هو. ويقولوا في بعض العبارات التي مع الأسف تلقفها بعض العامة عندنا في سوريا، تجد الواحد جالساً يريد أن يذكر الله فيقول: ما في غيره. ماذا يعني بما في غيره؟ في خالق وهناك مخلوق.
فهذه عقيدة وحدة الوجود تلت في ألفاظ بعض الناس، لكنهم لا ينتبهون إلى ضلالها، ومثلها تماماً قول كثير من الخاصة والعامة: الله موجود في كل الوجود، الله موجود في كل مكان، .. عقيدة وحدة الوجود، لكنها مع ذلك عقيدة الأشاعرة والماتريدية في آخر الزمان، الله موجود في كل مكان، هذا مكان، الله موجود هنا، ما هو الموجود؟ زيد وبكر وعمرو ومادة وحيطان وهواء .. إلى آخره، الله هنا؟!
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، هذه عقيدة السلف الصالح.
فهذا النوع من التصوف هو أكفر الكفر الذي وجد على وجه الأرض.
هناك نوع دونه وهو الذي انحرف في سلوكه عما كان عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من تحميل النفس ما لا تطيق، باسم تربيتها، وهنا نحن نقول: لسنا نحن بصفتنا مسلمين، لسنا بحاجة أبداً إلى وسيلة نتلقاها من طريق غير طريق نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، لنربي بها أنفسنا، كيف وفي الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في المسند، وغيره في غيره من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى ذات يوم في يد عمر بن الخطاب صحيفة يقرأ فيها، قال: ما هذا يا عمر؟ قال: هذه صحيفة كتبها لي رجل من اليهود، فقال عليه الصلاة والسلام: يا ابن الخطاب! أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟! والذي نفس محمد بيده! لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي» .
إذاً: إذا كان موسى كليم الله والذي أنزل الله عليه التوراة مباشرة لو كان أدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يسعه أن يتبع توراته، بل لا يسعه إلا أن يتبع نبينا صلى الله عليه وآله وسلم.
إذاً: كيف بنا نحن اليوم باسم الإسلام الصوفي نربي أنفسنا على طريقة من الحمل عليها بزعم تهذيب النفس الأمارة بالسوء بالتشديد عليها، لهم قصص عجيبة وغريبة جداً، كان أحدهم، وهذا في بعض القرون الأولى المشهود لها بالخيرية، أما فيما بعد في عهد الشعراني، وما أدراك ما الشعراني فحدث ولا حرج، لكن في العهود الأولى حيث بدأ التصوف يذر قرنه، كان فيهم من يلبس أغلظ الثياب، ثم ينغمس في نهر دجلة أو طلاء الفرات في اليوم البارد الشديد البرودة، ثم يصعد فيقف على سطح الدار، تلفحه الرياح الباردة، ما هذا؟ قال:
تهذيباً للنفس.
هذا ليس تهذيباً، هذا تعذيب، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال بحق، ونحن بحاجة لنعرف أثر هذه الكلمة في حياتنا العلمية الإسلامية اليوم:«ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به، وما تركت شيئاً يبعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه» (1) ومن ذلك حديثان في صحيحي البخاري ومسلم أحدهما من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: جاء رهط إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يجدوه، وسألوا أهله عن عبادته، عن قيامه في الليل وقيامه في النهار، وقربانه للنساء، فتحدثن بما يعلمن وقلن: إنه عليه السلام يصوم ويفطر، ويقوم الليل وينام، ويتزوج النساء. قال أنس: فلما سمعوا ذلك تقالوها، أي: وجدوا عبادة الرسول عليه السلام قليلة؛ لأنهم كانوا يتصورون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينام الليل؟! لازم أن يقوم الليل كله. كذلك يفطر؟! لا بد أن يفطر الدهر كله، كذلك يتزوج النساء؟! وبعض الناس يقولون: ضاع العلم بين أفخاذ النساء. كيف الرسول يتزوج أربع، يتزوج تسعة وزيادة، فوجدوا عبادته عن الكلام قليلة، لكن رجعوا إلى أنفسهم قالوا: هذا رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من
(1) الصحيحة (6/ 2/865).
ذنبه وما تأخر.
الحقيقة هذا الكلام يخرج من أناس أفهم من بعيد أنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام، لأنه ليس من الممكن من إنسان فهم نبيه عليه السلام في كماله السامي الذي لا مثل له، يقول: لماذا يتزوج الرسول، ولماذا ينام؟ ولماذا يفطر؟ الله غفر له، ماذا يريد أكثر من هكذا. لا ينبغي أن يقال هذا الكلام، لكن هكذا وقع.
المهم، فرجعوا إلى أنفسهم، قالوا: هذا رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
إذاً: نحن لا بد أن نكد ونتعب ونتعبد لله حتى يغفر لنا الله.
ما هو السبيل في زعمهم؟
قال أحدهم: أما أنا فأصوم الدهر لا أفطر أبداً.
قال الآخر: أما أنا فأقوم الليل ولا أنام.
وقال الثالث: أما أنا فلا أتزوج النساء.
وانصرفوا، بعد قليل جاء الرسول عليه السلام فأخبر الخبر، خطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطبة وجيزة فقال:«ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وكذا، أما إني أتقاكم لله وأخشاكم لله، أما أني أصوم وأفطر، وأقوم الليل وأنام، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني» (1).
هنا الشاهد: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» فهؤلاء الصوفية الصالحين قديماً لا أعني عن جماعة الشعراني وأمثاله ووحدة الوجود، لا، هؤلاء حادوا عن هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فجاءوا بأساليب بوذية هندية قديمة، توارثوها، ولعلهم كانوا من الأعاجم الذين دخلوا في الإسلام ولما يفقهوا الإسلام بعد، فجاءوا بطريقة تعذيب النفس بزعم تصفيتها، وهذا هو نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم يقول:«فمن رغب عن سنتي فليس مني» .
ثم إنه عليه السلام طبق هذا النهج في بعض أصحابه حينما بلغه عن عبد الله بن عمر بن العاص صحابي ابن صحابي رضي الله عنهما، بلغه أن أباه زوجه بفتاة
(1) البخري (رقم4776) ومسلم (رقم3469).
من قريش (1)، فدخل عليها يوماً فسألها عن زوجها، فقالت له: ما به من بأس إلا أنه لم يطأ لنا بعد فراشاً، إنه قائم الليل صائم النهار، أي: تزوج وما تزوج. فصعب الأمر على عمر وشكا ابنه إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فقال له عليه الصلاة والسلام: يا عبد الله! بلغني عنك أنك تقوم الليل وتصوم النهار ولا تقرب النساء، قال: قد كان ذلك يا رسول الله! وهنا الحديث فيه طول وأختصره فأقول: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضع له منهجاً ليتعبد الله فيه ويجمع كما يقولون اليوم بين حق الجسم وحق النفس من جهة، وحق الروح من جهة أخرى، أي: العبادة، فقال وقد كان يقوم الليل كله
يختم القرآن، ويصوم الدهر، قال بالنسبة لقراءة القرآن هذا في نهاية المطاف، والقصة طويلة، قال: اقرأ القرآن في ثلاث ليال، فمن قرأ القرآن في أق ل من ثلاث لم يفقه.
وفيما يتعلق بالصيام قال له في أول الأمر: صم من كل شهر ثلاث أيام، والحسنة بعشرة أمثالها، فكأنهما صمت الشهر كله، فكان يقول: يا رسول الله! إني شاب إن بي قوة، إنني أستطيع أكثر من ذلك، وتلاحظون هنا الفرق بين ذاك الجيل وجيلنا اليوم، شاب في مقتبل العمر زوجه أبوه بفتاة من قريش يعرض عنها ويقوم الليل ويصوم النهار و .. إلى آخره، وعندما يقول له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هون على نفسك يقول له: يا رسول الله! أنا شاب، أنا قوي، أنا أستطيع أكثر من ذلك، اليوم على العكس من ذلك ينشأ شاب في طاعة الله تجد الصادين من حوله القريب والبعيد، أولاً الأب وثانياً الأم يقولون له: ما زلت شاباً تعبد فيما بعد، انظر الفرق بين ذاك الزمان وهذا الزمان.
(1) البخاري (رقم4765).