الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للمسلم الأوروبي الذي أسلم بسببٍ بدا له من نور الإسلام فآمن، كذاك البدوي الذي أسلم في بعض المعارك وسأل الرسول عليه السلام: أنه إذا قاتل واستشهد أيدخل الجنة؟ قال: نعم، فهجم على الكفار وقاتل حتى قتل، هذا ما يتصور أنه عرف تفاصيل الإسلام، صح أو لا؟ نرجع للمثال السابق: هذا الأوروبي الذي أسلم من أين يستمد المعلومات التفصيلية فيما يتعلق بالصفات الإلهية سواء ما كان منها في الكتاب أو ما كان منها في السنة، فهذا يعذر، هذا أعلى شيء مثال، ننزل قليلًا إلى الوسط: المسلم الذي يعيش في جو خلفي ماتريدي أو أشعري، لو سأل أي عالم من العلماء الذين يقال إنهم من أهل العلم، فسيفتونه بما تعلم من التأويل والتعطيل، فهذا بلا شك يعذر، أما من كان يعيش في بلاد فيها علماء سلفيين .. فيها علماء خلفيين، فهذا عليه أن يجتهد، أما من كان في بلاد سلفية محضة فهنا يقال: لا يعذر بجهله، واضح؟ فالأصل في هذا هو قوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15).
(فتاوى جدة -الأثر-" (5/ 00:42:19)
[729] باب هل يعذر الإنسان بجهله في زمن انتشار العلم
؟
السائل: [هل يعذر الإنسان بجهله في هذا الزمان مع انتشار العلم؟]
الشيخ: هذا ليس على إطلاقه، وكثيراً ما سئلنا مثل هذا السؤال في هذه البلاد وفي غيرها، السؤال التقليدي: هل يعذر الجاهل بجهله أم لا؟ فجوابي: أنه قد يعذر وقد لا يعذر، إذا كان الجاهل يعيش في بلاد إسلامية يغلب عليها العلم الإسلامي وخاصة بعقائده وبصورة أخص ما يتعلق منها بالتوحيد فهنا لا يعذر هذا الإنسان بجهله؛ لأنه يعيش في جو إسلامي يفترض أن يكون قد عرف من الجو الصالح الذي يعيش فيه العقيدة الصحيحة وهذا بلا شك أيضاً يستطيع الإنسان أن
يتصور صوراً متعددة.
جو إسلامي والحمد لله أن البلاد السعودية لا تزال من حيث صلاح عقيدتها هي في القمة ولكن يقصدها كثير من المسلمين العرب أو العجم لقضاء مصالحهم وأحياناً عباداتهم من الحج أو العمرة، فقد يكون الواحد منهم أقام في هذه البلاد مدة من الزمن لم يتمكن في المدة لقصرها أن يتعرف على عقيدة التوحيد مثلاً فهو لا يزال يحمل في أفكاره بعض الانحرافات عن التوحيد الصحيح، فهذا بالرغم أنه أقام في جو إسلامي وتوحيده صحيح لا يمكن أن يقاس به من ولد في هذه البلاد وعاش فيها وترعرع ونشأ وتعلم فهناك فرق كبير بين الأول وبين الثاني؛ ولذلك إذا أخذنا هذا الإنسان الأول أي: البلد الإسلامي الصحيح توحيده وعقيدته ثم قابلناه ببلد آخر ليس بلداً إسلامياً فالمسلمون الذين يسلمون في بلاد الكفر كأوروبا مثلاً .. أو نحو ذلك، فهؤلاء إذا لم يفهموا بعض العقائد الإسلامية على وجهها الصحيح .. هؤلاء يعذرون لأنهم لا يجدون الجو الذي يعطينا المعنى الذي أشرت أنت إليه آنفاً بقول: صار من المعلوم من الدين بالضرورة، هذا إنما [هو في] المجتمع الأول وفي التفصيل الذي ذكرته: من نشأ وترعرع به وليس بالنسبة لمن [زاره] حالاًّ فيه لمدة قصيرة من الزمن.
ثم نأخذ مثلاً بل أمثلة أخرى ما بين المثل الأول الطالح والمثل الآخر الصالح نأخذ مثلاً كالبلاد المصرية حيث يوجد فيها مشايخ وعلماء الأزهر وما أدراك ما علماء الأزهر من حيث الأزهر الشريف وإلى آخره، ومع ذلك فتجد هناك الشرك ضارباً أطنابه في الأزهر وفي المساجد التي في الحسين وغيره، فيعيش المصري هناك مسكينًا ولا يسمع صوت التوحيد إطلاقاً، فهذا ليس كهذا الذي عاش في المجتمع الأول؛ فلذلك فمن الخطورة بمكان مع استحضارنا لهذا التفصيل وما
أشير إليه مما لم يذكر .. من الخطورة بمكان أن يقال بأن الجاهل لا يعذر؛ لأنه يعيش في بلد إسلامي، يشترط في هذا البلد الإسلامي أن تكون عقائده مشهورة وكما قلت معلومة من الدين بالضرورة.
لنفترض كما قلنا آنفاً رجل فرنسي أو ألماني أسلم، ما الذي دفعه للإسلام؟ شيء من عظمة الإسلام، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، لكن يا ترى هل مجرد أن أعلن إسلامه وعودي من قومه عرف الإسلام بتفاصيله؟ طبعاً الجواب: لا، فقد يكون يعيش هو وزوجته وزوجته لا تزال سافرة متبرجة كما كان قبل إسلامه بل وكما كانت هي قبل إسلامها ويعيشون مع بعضهم البعض أشقاء وإخوة وتظهر أمامهم كما تظهر أمام زوجها، هل يعذر أم لا؟ يعذر؛ لأنه حديث عهد بالإسلام؛ ولذلك نجد في بعض الأحاديث ما يمكن اتخاذه حجة؛ لأن القول بأن الجاهل لا يعذر قول يخالف سنة الرسول عليه السلام العملية.
ماذا نقول اليوم لو أن مسلماً في بلاد الإسلام صاح في صلاته بأعلى صوته واستمر في صلاته ولم يعد الصلاة صلاته صحيحة أو باطلة؟ صلاته باطلة لكن الرسول ما أبطل صلاة
…
؛ لأنه عذره بجهله وما ذاك إلا لأنه كان حديث عهد بالإسلام وعلى ذلك يقاس هذه المسألة الحساسة فلا يقال مطلقاً: الجاهل يعذر، ولا يقال مطلقاً: الجاهل لا يعذر وإنما المسألة تتحمل تفاصيل كثيرة ذكرت
آنفاً بعضها.
أنا أشرت في مثالي الأخير إلى قصة معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه وهو بداهةًَ غير معاوية بن أبي سفيان الأموي، فقد حدث كما جاء في موطأ الإمام مالك ومسند الإمام أحمد وصحيح الإمام مسلم بالسند الصحيح عنه أنه صلى
ذات يوم ورأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عطس رجل بجانبه فقال له وهو في الصف في الصلاة: يرحمك الله، فنظروا إليه بأطراف أعينهم تسكيتاً له، فعظم عليه هذا الأمر فصاح بأعلى صوته وهو يصلي: واثكل أمياه، ما لكم تنظرون إلي؟ فما كان لمن حوله إلا أن أخذوا ضرباً على أفخاذهم تسكيتاً، يبدوا أن الرجل تنبه ولو بعد لأي بأنه أخطأ فيما فعل من الكلام والصياح؛ لذلك قال: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة أقبل إليّ .. تصوروا مصلياً في هذا الزمان لو فعل مثل ذلك الإنسان وجاء الإمام إليه ما الذي يتصوره؟ سيشتمه ويسبه إن لم يضربه، كأن معاوية هذا رضي الله عنه تصور شيئاً من ذلك لما رأى الرسول مقبلاً إليه ولكن خاب تصوره؛ لأنه رسول الله:{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران:159) قال: فما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة أقبل إلي ووالله ما قهرني ولا كهرني ولا ضربني ولا شتمني وإنما قال لي: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما تسبيح وتحميد وتكبير وتلاوة القرآن.
انتهت قصة الرجل هاهنا، ولكن يبدو من ناحية النفس أنه لما رأى هذا اللطف النبوي شجعه لأن يتعلم؛ لأنه عرف أنه جاهل .. يصيح في الصلاة بما سمعتم فيقول الرسول: أنه لا يصلح شيء من كلام الناس وإنما هو التسبيح والتحميد والتكبير وتلاوة القرآن، فتشجع على أن يوجه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعض الأسئلة فأخذ [يطرح] هذه الأسئلة سؤالاً بعد سؤال.
كان مما جاء ذكره في هذا الحديث أن قال: «يا رسول الله! إن منا أقواماً يتطيرون، قال: فلا يصدنكم، قال: إن منا أقواماً يخطون بالرمل، فقال عليه الصلاة والسلام: قد كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطُه خطَه فذاك، قال: يا رسول الله! إن لي جارية ترعى لي غنماً في أُحُد فسطا الذئب يوماً على غنمي وأنا بشر
أغضب كما يغضب البشر فصككتها صكة وعلي عتق رقبة، فقال عليه السلام: هاتها، قال لها عليه الصلاة والسلام: أين الله؟ قالت: في السماء، قال لها: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، فالتفت إلى سيدها وقال له: اعتقها فإنها مؤمنة».
الآن: لو وجه هذا السؤال النبوي إلى بعض شيوخ الأزهر: أين الله؟ لأقاموا [الدنيا] عليه، فضلاً عن أنه لا يحسن جواب الجارية، لا يقول ذاك الله في السماء، وإن كان عنده شيء من العلم فيحاول أن يطعن في صحة هذا الحديث، وإن سلم بصحته فسيعلل جواب الجارية بتعليلات تعود بالطعن في الرسول عليه السلام من حيث هو لا يدري ولا يشعر ولا أرى الآن ضرورة أن أخوض في تفصيل هذا الكلام وإنما حسبي أن أربط هذا الكلام بما سبق.
إذا كان بعض شيوخ الأزهر اليوم من كثرة كاثرة في مصر مثلاً لا يتبنون العقيدة السلفية التي اتضح فيها الآيات الكريمة وتتابعت عليها الأحاديث النبوية الصحيحة لا يعتقدون أن الله عز وجل له صفة العلو فماذا يكون عقيدة عامة الشعب المصري؟ هل يعتقد كما تعتقد هذه الجارية؟
إذاً: ينبغي أن نقول: أن هؤلاء العامة في مصر وفي أمثالها من البلاد الأخرى سواء ما كان منها بلاداً عربية أو أعجمية فالشعب هنا وهناك معذور؛ لأنه لا يعيش في ذلك الجو الإسلامي الذي منه تعلمت الجارية تلك العقيدة الصحيحة، من أين للجارية وهي راعية غنم أن تعرف هذه العقيدة التي لا يعرفها علماء الأزهر؟ من الجوّ .. الصحابة سيدها وسيدتها وما حولها من الناس كلهم يدينون ديناً واحداً ويتبنون عقيدة واحدة فعرفت هذه العقيدة من المجتمع الذي عاشته، وربما تكون قد قرأت واتبعت سنة الرسول عليه السلام بقراءة سورة تبارك التي يسن للمسلم