الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[688] باب هل المشاركة في البرلمان كفر أكبر؟
والتفريق بين الكفر العملي والاعتقادي
سؤال: هل المشاركة في البرلمانات كفر أكبر يخرج كل من شارك في هذا البرلمان [من الملة]؟
الشيخ: لا
…
المشاركة عمل، فإذا لم يقترن به ما يدل على أنه يستحل هذا العمل بقلبه فهو ذنب ومعصية، وقد يكون كبيرة وأقول وأعني ما أقول: قد يكون كبيرة؛ لأن بعض الذين يشاركون يضلون بسبب جهلهم بالإسلام، ولا يكونون يعني قاصدين معصية الله عز وجل، فعلى كل حال، المشاركة في البرلمانات نحن نعتقد أولاً أنه لا يجوز إسلامياً؛ لأنه يعتبر من أوضح الموالاة للحكم بغير ما أنزل الله عز وجل، هذا عملي، هذا كقوله تعالى:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (المائدة:51)، فهذا التولي هو
كفر عملي، فإذا ما اقترن به كفر قلبي فهو كفر، كفر ملة يخرج به عن الإسلام، فالمشاركة بالبرلمانات بلا شك أنه معصية كبيرة، لكن لا يجوز القول بأنه كفر ردة إلا حسب الأفراد، إذا بدر من أحدهم ما يدل على أنه يستحل الحكم بغير ما أنزل الله بقلبه فهو كافر كما كنا شرحنا ذلك في جلسة سابقة.
علي حسن: الله يبارك فيكم. شيخنا مسألة كنا سمعنا منكم دليلاً واضحاً عن التفريق أو على التفريق بين الكفر العملي والكفر الاعتقادي وهو حديث: «فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك مثقال حبة من خرج من إيمان» (1).
(1) مسلم (رقم188).
الشيخ: نعم.
علي حسن: فحبذا لو هكذا نبذه يسيرة في الموضوع حتى يكون تماماً
لما قبله.
الشيخ: والله، أنت ما شاء الله، تذكر ما صار عندي نسياً منسياً.
علي حسن: جزاك الله خيراً يا شيخ.
الشيخ: فلعلك تساعدنا في الموضوع، وتذكر ما كنا ذكرناه في بعض المناسبة. الآن لا يحضرني شيئاً أكثر مما يتضمنه هذه الحديث، وهذا الحديث يلتقي كثيراً وكثيراً جداً مع أحاديث أخرى، من ذلك الحديث المعروف عند عامة طلاب العلم من مثل قوله عليه السلام:«من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» ، الحقيقة أن الإنكار القلبي لكل أنواع الشرك والضلال والذنوب والمعاصي هو مخرج إسلامي لكي لا يقع المسلم في الكفر المخرج عن الملة؛ لأنه جعل مساغاً وملجأً للمسلم أن ينكر المنكر، ومن ذلك بلا شك، بل هو من أوضح المنكرات: الحكم بغير ما أنزل الله، أنه ينجي منكره بقلبه من أن يكون داخلاً في قوله تبارك وتعالى على أحد وجهي المعنى الذي ذكرناه في الجلسة السابقة في قوله عز وجل:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44) أولئك هم الكافرون كفراً يخرج به عن الملة إذا استحله بقلبه، وكفراً عملياً إذا استحله بعمله دون قلبه، كذلك هذا المسلم إذا رأى منكراً ومن ذلك الحكم بغير ما أنزل الله كما قلنا، فلم ينكره بيده؛ لأنه لا يستطيع، الدرجة الثانية: لم ينكره بلسانه -أيضاً- لأنه لا يستطيع، أو يستطيع فلنقل وهذا أهم بلا شك، ولكنه لأمر ما وأسوأه أن يتبع
هواه لم ينكر -أيضاً- بيده، ولكنه أنكر ذلك بقلبه، فهذا الإنكار يرفع مسؤولية كونه أنه أقر هذا المنكر وبسبب هذا الإصرار كفر، لا، لا يكفر كفر ملة خروجاً عن الملة، ولكنه يدور عليه الحكم التفصيلي، إن كان يستطيع أن ينكر بيده فلم يفعل فهو عاصي، وإن كان يستطيع أن ينكر بيده بلسانه فهو عاصي، وإن أنكر بقلبه فهو مسلم عاصي، أما إذا وصل به الأمر إلى أن لا ينكر -أيضاً- بقلبه فهنا المشكلة الخطيرة جداً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال في هذا الحديث وفي ذاك الحديث أنه:«ليس وراء ذلك ذرة من إيمان» ، وهنا لا بد لي من التذكير بأنه المسلم يجب أن يأخذ حذره من أن يعتاد بعض المعاصي فلا يجد إنكاراً في قلبه لها، فيخشى حينذاك أن يقع في الكفر الذي يخرج من الملة، وأنا أعتقد أن كثيراً من المسلمين والمسلمات يقعون في هذه المشكلة الكبيرة جداً، بحيث أن قلوبهم أصبحت غلفاً لا تنكر منكراً حتى ولا بالقلب، فهذا المعاصي المنتشرة الآن، مثل التبرج، تبرج النساء وخلاعتهن، ومثل الربا وانتشار التعامل به، بحيث أن كثيراً من الناس انمحى من ذهنهم أن يكون كل هذه الأنواع من المعاصي هي معاصي، ما بقوا يشعرون بذلك، وأنا أستحضر مثالاً يتعلق ببعض النسوة، تجد المرأة متبرجة تبرج الجاهلية قبل العصر العشرين، بمعنى تكون قد لبست لباساً إلى نصف الساقين، ووضعت خماراً ما يسمونه الإيشار وهي تكشف بهذا ناصية رأسها، ولا تشعر بأنه قد عصت ربها، فإذا مرت بجانبها امرأة أخرى زادت عليها في التبرج الحديث كأن يكون مثلاً ثوبها إلى ركبتيها، كأن تكون حاسرة الرأس، كأن تكون مخصرة الثياب ونحو ذلك، فما تكاد تمر بها إلا وتلتفت هكذا تستنكر عليها بقلبها، هذا معناه أنها لا تشعر بأنها هي واقعة في مثلها من حيث أنها خالفت شريعة ربها، لكن
لا شك أن تلك أنكر، وقعت فيما هو أشد إنكاراً من هذه التي هي أنكرت ذلك، هذا أيش
معناه، هذا يدلنا أنه هذا النوع من النساء لم يعدن يشعرن بالمعصية، فإذاً لم يبق في قلوبهن إنكار هذه المعصية، فلذلك: على المسلمين أن يحافظوا على أنفسهم بأن يكونوا دائماً في صحبة من يذكرونهم دائماً وأبداً بأن يكونوا بعيدين عن استحلال ما حرم الله،
…
على كل حال وضح فيما أظن الجواب عن السؤال السابق أنا لا نؤيد الدخول في البرلمان مهما كان الباعث على ذلك، لكن لا بد من التذكير والتنبيه دائماً وأبداً على أنه لا يجوز الغفلة أو التغافل عن هذه القاعدة الإسلامية الهامة، والهامة جداً جداً، ألا وهو التفريق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي؛ لأنه هذه حقيقة جاءت عليها نصوص شرعية كثيرة وكثيرة جداً، تكلمنا عما يسر الله عز وجل من ذلك في الجلسة السابقة، فدخول البرلمان هو كفر عملي، فإذا اقترن به استحلال الحكم بغير ما أنزل الله بالقلب فهو الكفر الاعتقادي المخرج من الملة. غيره.
مداخلة: شيخنا بعض الدعوات الآن التي ترى دخول البرلمانات والوزارات يذبون عن الديموقراطية ويتبنونها، ونحن نعلم أن الديموقراطية هي حكم الطاغوت وهي كفر، ففي أي دائرة هؤلاء، بل سمعت أحدهم يقول لما رأى مقالة لشيخنا أبي مالك في المجلة الجديدة الأصالة، قال: هل تسمح لي أن أرد على هذا المقال الذي شيخنا يهاجم فيه الديموقراطية وينتقده، فهذا يعني هم يتبنونها ويدعون إليها، ماذا نقول في هؤلاء؟
الشيخ: يا أخي أنا ولا أظن غيري عنده جواب غير ما سبق، لا بد من التفريق بين الأمرين، هذا الذي أنت تشير إليه، كتب رداً على مقالة الأستاذ أبي مالك، حينذاك سيتبين موقفه إن كان كافراً مرتداً عن دينه، أو يكون ضعيف الإيمان يريد أن ينافح وأن يداهن وما شابه ذلك، فما يكفي، أنت تعرف وهذا -أيضاً- يجرنا
إلى بحث قد يكون -أيضاً- مهماً، في الجلسة السابقة ذكرنا الآية بأطرافها الثلاثة {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44) {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (المائدة:45){فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (المائدة:47)، وأشرنا إلى أنه كما ينقسم الكفر إلى هذين القسمين، كذلك الفسق، وكذلك الظلم، الآن أريد أن أذكر بتقسيم ثانٍ للفظ رابع، وأظن أن هذا التقسيم سيقضي -أيضاً- على مشكلة قد تكون قائمة في صدور بعض إخواننا من طلاب العلم، فحينما نقرأ قول الله تبارك وتعالى في المنافقين أنهم في الدرك الأسفل من النار، ثم نقرأ قوله عليه الصلاة والسلام:«آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» (1) فهل يكون هذا المنافق في الدرك الأسفل من النار، الآية تقول في المنافقين أنهم:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ في الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} (النساء:145)، والرسول يقول:«آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب» ، فهذا الذي إذا حدَّث كذب هل يكون في الدرك الأسفل من النار، استحضروا التقسيم الثالث، هذا الـ عفواً السابق، استحضروا معي التقسيم السابق، هذا الذي يستحل الكذب أو الخيانة أو ما شابه ذلك من المعاصي التي ذكرت في هذا الحديث أو في غيره، استحل ذلك بقلبه، فهو في جهنم ومع المنافقين، لا، استحله عملياً؛ إذاً كيف الرسول عليه السلام في هذا الحديث جعل آية المنافق ثلاثاً، هذا كمثل كثير من الآيات أنه عمل عمل المنافقين، هذا الذي يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ذلك يستلزم أن يحرم ما حرم الله ورسوله، فإذا هو استحل ما حرم الله ورسوله، فيكون قد خالف فعله قلبه، قد خالف فعله اعتقاده، لكن هنا المخالفة من نوعية تختلف عن مخالفة ظاهر المنافق الكافر لباطنه، المنافق الذي هو في الدرك الأسفل من النار يضمر الكفر ويظهر الإسلام،
(1) البخاري (رقم33) ومسلم (رقم220).
يضمر الكفر ويضمر الإسلام.
نعم، يضمر الكفر ويظهر الإسلام، أما هذا الذي قال فيه الرسول عليه السلام:«آية المنافق ثلاث» ، هو يضمر الإيمان، ويظهر عملاً خلاف ما أمره الإسلام، فالتقى مع المنافق في هذه الصورة ليس في الحقيقة، الفرق كبير جداً، المنافق الكافر هو كافر بقلبه مسلم في ظاهره، هذا المنافق الذي من علامته: إذا حدَّث كذب، هو مؤمن في قلبه لكنه يخالف في عمله حكم دينه الذي عمل به آمن به، لذلك قال عليه السلام:«آية المنافق ثلاث» إلى آخره، إذاً النفاق -أيضاً- ينقسم إلى قسمين: نفاق يخلد صاحبه في النار، ونفاق لا يخلد صاحبه في النار، النفاق الذي يخلد صاحبه في النار هو الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام، النفاق الذي لا يخلد هو الذي يبطل الإيمان ويظهر عملاً يخالف فيه الإسلام، لذلك قال عليه السلام:«آية المنافق ثلاث» إلى آخره، فهذه الدقائق ينبغي أن نكون على معرفة بها حتى ما نقع في إفراط أو تفريط، حتى ما نكفر مسلماً بذنب فنقع في مخالفة السلف الصالح جميعاً وأهل السنة، ولا نتساهل -أيضاً- نقول: معليش، فنقع في الإرجاء الذين كانوا يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية، ولا ينفع مع الشرك حسنة، نحن نقول: لا ينفع مع الشرك حسنة، لكن نقول: يضر في الإيمان المعصية والإيمان كما تعلمون جميعاً يقبل الزيادة والنقص، وزيادته بالطاعة ونقصانه بالمعصية؛ إذاً النفاق كالكفر كالفسق كالظلم، لا يمكن أن يساق مساقاً واحداً، وإنما حسب ما قام في الإنسان، فهذا المثال الذي ذكرته يا أبا أنس، هذا قد يرد على الأستاذ أبي مالك أو على غيره، لكن ينبغي أن ننظر إلى رده، هل هو رد يصرح بأنه ينكر شرع الله، فهو مرتد عن دينه.
"الهدى والنور"(672/ 58: 11: 00)