الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكفرية وإما يعيش في مجتمع إسلامي اسماً حينئذ هذا يكون معذوراً بأنه لم تبلغه الحجة، عرفت الفرق؟
مداخلة: نعم.
"الهدى والنور"(199/ 58: 56: 00) و (224/ 28: 02: 00)
[724] باب منه
السائل: موضوع العذر بالجهل هنالك من يقول ..
الشيخ: موضوع إيش ..
السائل: العذر بالجهل في العقيدة خاصة، هناك من يقول يعذر الإنسان بالجهل وهنالك من يقول لا، وقد ظهرت مؤلفات في ذلك، نرجو الإفادة
في ذلك ..
الشيخ: نعم، سبق أن أجبت عن مثل هذا السؤال بشيء من التفصيل ولا أستحسن إعادة الكلام في الإجابة عن سؤال متكرر إلا إيجازاً، فأقول لا يصح القول مطلقاً بأن الإنسان يعذر بالجهل مطلقاً أو لا يعذر مطلقاً كلاهما خطأ، وإنما لابد من التفصيل، من كان يعيش في جو إسلامي، وهذا الجو الإسلامي يفهم الإسلام فهماً صحيحاً ثم وجد هناك شخصٌ يجهل العقيدة الإسلامية، وهو يحيى في هذا الجو؛ فهو غير معذور، وعلى العكس من ذلك: إذا تصورنا شخصاً آخر يعيش في جو غير إسلامي، جو الكفر والضلال مثل أوربا وأمريكا مثلاً ثم أسلم فهذا يعذر بجهله لأنه لا يجد الجو الذي يساعده على أن يتعلم وأن لا يجهل، ثم نضرب المثال الذي يعاكس الصورة الأولى، الصورة الأولى قلنا رجل يعيش في
جو إسلامي يفهم الإسلام فهماً صحيحاً فهو غير معذور بجهله، الآن نقلب الصورة فنقول زيد من الناس يعيش في مجتمع إسلامي ولكن هذا المجتمع قد انحرف به الجمهور فيه عن العقيدة الصحيحة فيكون أيضاً هذا الشخص معذوراً لأنه لا يجد الجو الإسلامي الصحيح الذي يقدم إليه العقيدة الصحيحة كما يقولون اليوم أوتوماتيكيا، يعني ليس بحاجة إلى أن يتعلم بحلقات خاصة؛ لأن الجو كله مملوء بالعقيدة الصحيحة، مثال ذلك: حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: صليت يوماً ورأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعطس رجلٌ بجانبه، وعطس رجل بجانبه فقلت له: يرحمك الله، وهو يصلي مع المصلين، قال فنظروا إليَّ بمُؤخرة أعينهم فضقت ذرعاً فقلت: واثكل أُمياه، مالكم تنظرون إليَّ؟ فأخذوا ضرباً على أفخاذهم، يقولون له: اسكت ليس هذا مكان الكلام والصياح قال: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة أقبل إليَّ فوالله ما قهرني ولا كهرني ولا ضربني ولا شتمني وإنما قال لي:" إن هذه الصلاة لا يصلح فيها من كلام الناس ..
"، يرحمك الله، يهديكم الله، هذا الذي هو معتاد وعادة شرعية جيده إذا عطس الرجل فحمد الله فشمتوه هذا لا يجوز في حالة الصلاة " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها من كلام الناس، إنما هي تسبيحٌ وتكبيرٌ وتحميدٌ وتلاوة القرآن"، قال: فقلت يا رسول الله، أتصورُ نفسية هذا الإنسان الفاضل أنه كان حديث عهد بالإسلام وأنه لم يتعلم بعد ما يجوز في الصلاة وما لا يجوز ولذلك وقع منه هذا الخطأ، حيث قال لمن عطس يرحمك الله هذا كلام وقد كان مثل هذا جائز في أول الإسلام حتى أنزل الله تبارك وتعالى القرآن {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِين} فحرم الله عليهم الكلام، كان الرجل قبل استقرار تحريم الكلام يدخل
المسجد فيجد الناس في الصف يصلون وراء الإمام فيقف فيقول لصاحبه إي ركعةٍ هذه يقول هذه الركعة الثانية فيفهم في صلاة الصبح مثلاً أنه قد فاتته الركعة الأولى فينوي ويكبر ويقرأ ماتيسر له ويركع لوحده ثم ينضم مع الإمام في الركعة الثانية، حتى دخل يوماً معاذ ابن جبل رضي الله عنه دخل المسجد فوجد الناس قياماً كالعادة فنوى مباشرة ولم يسأل ذلك السؤال التقليدي ثم قام وصلى ماسُبق به من الصلاة فقال عليه الصلاة والسلام إن معاذًا قد سن لكم سنة أي سنة حسنة، فصار من ذلك اليوم الحكم المعروف حتى اليوم ألا وهو قوله عليه السلام:«فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» بينما كان الحكم كما عرفتم، يستوضح متكلماً مع صاحبه وهو في الصلاة فيصلي ما فاته لوحده، ثم ينضم، هذا الرجل يبدو أنه لم يكن قد بلغه تحريم الكلام في الصلاة وبخاصة أن هذا ليس من الكلام المعتاد، كيف حالك وشلونك وكِيف السوق وما أشبه ذلك، إنما عطس فحمد الله، فقال له: يرحمك الله، ولم يكن قد علم بعد أن هذا شيء ممنوع في الصلاة ولذلك ازداد ثورةً وغضباً حينما وجدهم ينكرون عليه أشد الإنكار، أولاً بنظرهم إليه بمؤخرة أعينهم، ثانياً بضربهم على أفخاذهم بأكفهم، فلا شك تتصورون معي أنه هذا الإنسان ما يدري كيف صلى وهو يفكر -عرف أنه قد أخطأ لكن ما خطؤه- وعلى ذلك انتظر حينما سلم الرسول عليه السلام من الصلاة أن يأتيه وأن يؤنبه وأن يقسو عليه في الكلام كما هو شأن كثير من الأئمة ومن المدرسين الذين لا يتحملون سؤال عادي إلا ويثورون ويغضبون، هكذا تصور هو أن الرسول لما أقبل إليه لكن خاب ظنه والحمد لله حينما قال معبراً عن لطفه عليه السلام ورأفته قال: أقبل إليَّّ فوالله ما قهرني ولا كهرني ولا ضربني ولا شتمني إنما قال لي: «إن هذه الصلاة لا
يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي تسبيح ٌ وتحميدٌ وتكبيرٌ وتلاوة للقرآن» حينما وجد هذا اللطف المحمدي تفتحت معه ذاكرته وذكرته لتوجيه السؤال بعد السؤال، قال يا رسول الله إنا منا أقوام يأتون الكهان قال:«فلا تأتوهم» ، قال إنا منا أقواماً يتطيرون، قال:«فلا يصدنكم» ، قال إنا منا أقوام يخطون الرًّمَل، قال:«قد كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطهُ خطه فذاك» ، قال يا رسول الله -وهنا الشاهد- إن لي جاريه في أحد ترعى الغنم لي فسطى الذئب يوماً على غنمي، وأنا بشر أغضب كما يغضب البشر فصككتها صكة، وعليَّ عتق رقبة، كأنه يقول أفتجديني أن أعتقها كفارة لما علي من عتق رقبة قال:
«هاتِها» فجاءت قال لها: «أين الله» قالت في السماء، قال لها:«من أنا» قالت أنت رسول الله فالتفت إلى سيدها السائل وهو معاوية بن الحكم السلمي، قال:«أعتقها فإنها مؤمنة» .
الشاهد من هذا الحديث وفيه أحكام جمة كما سمعتم وفوائد عديدة، إنما الشاهد فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سألها عن عقيدة تتعلق بكل مسلم ألا هو قوله عليه السلام: أين الله؟ فأجابت بالجواب الصحيح قالت في السماء، قال لها: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. فحكم عليها بأنها مؤمنة لأنها أجابت عن السؤالين جواباً صحيحاً، انظروا الآن الفوارق؛ هذه جارية ترعى الغنم عرفت العقيدة الصحيحة في قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5) هذه العقيدة التي لا زال المسلمون يختلفون فيها اختلافًا جمًّا، ولا يزال جماهيرهم منهم بعض العرب وأكثرهم من العجم لا يزالون يجهلون هذه العقيدة الصحيحة بل ويحاربونها أيضاً، فإذا افترضنا جواً مثل هذا الجو النبوي، جارية ترعى الغنم، عرفت ما لا يعرفه كبار المشائخ في بعض البلاد، فمن كان من عامة الناس في تلك البلاد ومن أين
له أن يعرف العقيدة الصحيحة كما عرفتها هذه الجارية والعلماء في تلك البلاد هم يعتقدون خلافها ويقولون ما لا يجوز، كمثل قولهم إذا قلت لهم أين الله؟ يقولون نعوذ بالله، هذا سؤال لا يجوز، سؤال لا يجوز والرسول هو الذي سَنَّهُ! هكذا يقولون لا يجوز هذا السؤال، لماذا؟ لأن الجواب لا يجوز، أكثر وأكثر عندهم: لا يجوز أن يقول المسلم كما قالت الجارية: الله في السماء، وكثير من هؤلاء العلماء الأعاجم بل وفيهم العرب وبعضهم من الشراكسة وبعضهم من المغاربة حاولوا [الطعن في] صحة هذا الحديث وما ذاك إلا لأنه يحمل في طواياه العقيدة الصحيحة فيما يتعلق بتفسير قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، فيعللون هذا الحديث مع كونه في صحيح مسلم ومع كونه يشهد الله لا علة له إطلاقاً، أقول هذا لأنه قد يوجد في صحيح مسلم وفي غيره ما يمكن أن يكون فيه طعن ما كتدليس ونحو ذلك، أما هذا الحديث فذلك من فضل الله علينا وعلى الناس فليس فيه أي طعن من حيث إسناده، ولكن أهل الأهواء إن كانت العقيدة في القرآن حاولوا اللف والدوران حولها بتأويلها وإخراجها عن دلا لتها الصريحة، وإن كانت العقيدة في السنة حاولوا الطعن فيها بكل وسيلةٍ ولو كانت فاشلة.
فإذاً الذي يعيش مثلاً في جو مثل الأردن، مثل سوريا مثل مصر أكثر علمائها لا يعرفون هذه العقيدة بصورة خاصة، والعقيدة السلفية بصورة عامة، أفلا يعذر المسلمون الذين يقيمون في تلك البلاد، نقول نعم، لكن ليس الأمر كذلك، الغرباء الذين يعيشون في هذه البلاد والتي فضلها الله تبارك وتعالى وميزها بكثير من الخصال من أهما دعوة التوحيد التي سخر الله لها في هذه البلاد منذ نحو مئتي سنة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فأحيى دعوة التوحيد حيث كانت الشركيات والوثنيات قد كادت أن تعم البلاد الإسلامية كلها ومنها هذه البلاد في الجزيرة
العربية فأنقذ الله بهِ عباده هناك، ثم سَرَت يقظته هذه إلى البلاد الإسلامية الأخرى لكن بنسب متفاوته وقليله جداً، فمن كان غريباً هنا من الأعاجم أو العرب فهو يسمع ليل نهار عقيدة التوحيد، وأن الله على العرش استوى، وأن استواءه معلوم لغةً وهو الاستعلاء، وأن الكيف مجهول، وأن السؤال عن كيفية الأستواء بدعة، فهذا لا يكون معذوراً لأنه قد وجد في جو يشبه جو تلك الجارية، من أين عرفت الجارية العقيدة؟ من المجتمع التي عاشت فيه فسيدها وسيدتها وأبناؤهما كلهم ينطقون بالعقيدة الصحيحة، فلماذا هي لا تكون كذلك عقيدتها صحيحة، وهذا مما يفسر به قوله عليه الصلاة والسلام وهو من أنباء الغيب:«إن الله ليعجب من أقوامٍ يجرون غلى الجنة في السلاسل، إن ربك ليعجب من أقوام يجرون إلى الجنة بالسلاسل» ، كيف هذا؟! إشارة عظيمة جداً من نبينا صلى الله عليه وآله وسلم إلى الفتوحات الإسلامية التي ستقع من بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ويأتون بالأسرى مغللين في الأصفاد فيعاشرون المسلمين وهم عبيد أرقاء لكن رقهم هذا سينقلب نعمة ما بعدها نعمة عليهم، فإنهم قد كانوا من قبل وهم أحرار في بلادهم يسمعون عن الإسلام كل سيئة بسبب القساوسة والرهبان والجهال وما شابه ذلك من الذين يذيعون السوء عن الإسلام والأفكار والعقائد السيئة، فلما ابتلاهم الله ووقعوا في الأسر وسيقوا إلى بلاد الإسلام بالأغلال عاشوا مع المسلمين عن كثب وعن قرب واطَّلعوا أولاً على عقائدهم وعلى عبادتهم ثم على سلوكهم وأخلاقهم فوجدوها من أحسن ما يمكن أن يوجد على وجه الأرض، فكان ذلك سبباً لدخولهم في الإسلام اختيارا وليس اضطراراً، فدخلوا الجنة أي بسبب إسلامهم وهم قد سيقوا من قَبل بالأغلال.
فهذه البلاد إذاً من كان فيها من الغرباء سواء من العرب أو الأعاجم فلا يعذر بجهله؛ لأنه استمر في جهله، فمعنى ذلك أنه مكابر ومعاند لأنه قد أقيمت الحجة