الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[661] باب هل يُكفر الشيعة بعامة
؟
سؤال: هل يصح تكفير الشيعة عامتهم أم فرق خاصة منهم؟ أم فرق خاصة منهم؟
الشيخ: نحن نقول دائماً وأبداً: لا يجوز في شرع الله تبارك وتعالى تكفير طائفة أو جماعة من المسلمين بالجملة، لا يجوز هذا؛ ذلك لأن أي طائفة قد يكون فيهم من لم يستحق أن يوجه إليه التكفير لعذر أو لآخر، كما أنه قد يوجد فيهم من يستحق التكفير، ولذلك فلا يجوز بوجه من الوجوه أن يقال: الشيعة مثلاً كلهم كفار، أو الزيدية مثلاً، أو الخوارج، أو الإباضية، أو غير هذه الفرق التي كانت قديماً، ولا يزال شيء من آثارها موجودة حتى يومنا هذا، هذا أولاً، وخلاصة ذلك: لا يجوز التكفير بالجملة، وإنما لا بد من التفصيل، ونحن نعلم بالتجربة بأن كثيراً من عامة المسلمين بغض النظر عن انتمائهم إلى السنة أو إلى الشيعة أو إلى غيرهم نجد فيهم من لا يزال على الفطرة ولم يتأثر بما يسمى عند العلماء بعلم الكلام، كما تأثر به كثير من المشتغلين بالعلم، ولذلك فهؤلاء العامة يبقون على سلامتهم، وعلى فطرتهم، بينما يكون بعض خاصتهم قد انحرفوا عن الخط المستقيم بسبب أنهم تثقفوا بثقافة غير إسلامية، وإن كان يطلق عليها أنها من الإسلام، فإذا تركنا هؤلاء العامة، وتوجهنا إلى الخاصة منهم من أي أعود لأقول: من أي جماعة كانت، حتى من أهل السنة الذين يقولون إنهم من أهل السنة والجماعة، فنحن مع الأسف نعلم بأن في أهل السنة والجماعة كثيراً من الطرق الصوفية التي يتبنى بعضها على الأقل مذهباً أو عقيدة يعتبر أنها تضل من عقيدة اليهود والنصارى، ألا وهي: عقيدة وحدة الوجود، فيوجد في الصوفية كثير من
أمثال هؤلاء الذين يؤمنون بالوحدة هذه، ولا شك أن من كان يؤمن بها يكون كافراً مرتداً عن الدين؛ لأن عقيدة وحدة الوجود تعني الطبيعة، كما يقول الكفار والملاحدة الشيوعيون وأمثالهم إنه ليس هناك إلا المادة، الكفر اليوم يعلن به صراحة، فالشيوعيون يعلنونها: ليس هناك شيء سوى المادة.
المؤمنون بوحدة الوجود يغمغمون للقضية ويلبسونها ثوباً من الإسلام والدين، كي يضللوا عامة المسلمين، فهم مثلاً حينما يفسرون كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، ينتهون بها إلى أن يقول: لا هو إلا هو، ثم يختصرون هذه الجملة التي تتضمن مستثنىً ومستثنىً منه، فيقولون: هو هو، لا هو إلا هو يلخصونها فيقولون: هو هو، لا شيء سواه، ويعبرون عن ذلك بكثير من العبادات الشركية المكشوفة القناع، كقول بعضهم مثلاً: كل ما تراه بعينك فهو الله، إذاً هذه هي المادة التي يؤمن بها الملاحدة، وبعض آخر فيقول: لما عبد المجوس النار ما عبدوا إلا الواحد القهار، والشاهد هؤلاء ليسوا في الشيعة، ولا في الخوارج، هؤلاء من أهل السنة والجماعة، فهل يجوز تكفير الصوفية عامة؟ الجواب: لا؛ لأن كثيراً منهم إنما يتبعون التصوف جملة بظنهم أنه هو السلوك الذي يوصلهم إلى رب العالمين، لكن أكثرهم لا يعلمون هذه العقيدة التي هي من أبطل الباطل، أما خاصتهم فهم يؤمنون بها، فإذاً لنبدأ بأصحابنا وأهل سنتنا ومذهبنا وهم أهل السنة والجماعة، وفيهم من ذكرنا ممن يؤمن بوحدة الوجود، وهؤلاء إنما يوجدون على الغالب عند الصوفية، ولكن مع ذلك يوجد هؤلاء حتى عند غير الصوفية، حتى عند بعض الذين يحاربون التصوف جملة وتفصيلاً كالمعتزلة مثلاً، المعتزلة الذين يسمون أنفسهم بأهل التوحيد، وأنهم يفخرون على الطوائف الأخرى منها أهل الحديث ومنها الأشاعرة والماتريدية وغيرهم، هؤلاء ليسوا من أهل التوحيد وأهل العدل؛
لأنهم في ظن المعتزلة يؤمنون بالجبر، يعني أهل السنة عند المعتزلة يؤمنون بالجبر حينما يعتقدون، واعتقادهم حق بلا شك أن ما من شيء يقع في هذا الكون من خير أو شر إلا بمشيئة الله تبارك وتعالى وإرادته، أما المعتزلة فيقولون لا: ليس كل شيء يقع في هذا الكون بإرادة الله ومشيئته، بل الإنسان هو الفعال لما يريد، وهو الذي يخلق، خاصة هم يدندنون حول الشر، فهو يخلق الشر وليس لله في ذلك إرادة، وهذا بحث طويل ولا نريد أن ننسى أصل السؤال، المهم أن هؤلاء المعتزلة يشتركون مع القائلين بوحدة الوجود حينماً ينكرون نصوصاً قاطعة في الكتاب والسنة تثبت أن لله عز وجل صفة العلو، {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (الأعلى:1)، نقول في السجود: سبحان ربي الأعلى، والنصوص التي أشرنا إليها -إن شاء الله- معروفة عندكم، هم ينكرون هذه النصوص، لا ينكرونها لفظاً، وإنما ينكرونها معنىً؛ لأنهم إن صرحوا بإنكارها لفظاً خرجوا عن الإسلام، فينكرونها بطريق التأويل، فهم لا يؤمنون بأن الله عز وجل على العرش استوى -كما قال الله عز وجل؛ لأنهم يؤولون الاستواء بمعنى الاستيلاء وهذا باطل -أيضاً-، وله مجال آخر لتفصيل القول في ذلك، فإذاً لو سئلوا السؤال الذي ورثنا إياه نبينا -صلوات الله وسلامه عليه- ألا وهو:«أين الله؟» فجوابهم: الله في كل مكان، إذاً الله في كل مكان، المكان خَلْقٌ من خلق الله، التقى قولهم هذا مع قول أهل الوحدة أي: لا شيء إلا هذا الكون المخلوق، وبخاصة حينما يؤكدون في نفي الوجود الإلهي بأن الله عز وجل، هكذا يقولون كما ستسمعون: الله لا يوصف بأنه فوق ولا تحت، ولا يمين ولا يسار، ولا أمام ولا
خلف، لا داخل العالم ولا خارجه؛ إذاً لم يبق إلا المادة؛ إلا هذا الكون المشاهد، فالتقت -أيضاً- المعتزلة مع الجماعة القائلين بوحدة الوجود في أن لا شيء هناك إلا الطبيعة، هل
يشترك مع المعتزلة ومع الصوفية الغلاة في هذه النقطة بالذات كثير ممن ينتمي إلى السنة والجماعة ممن ينتمي إلى الماتريدية أو الأشعرية؟ نقول: نعم، وهذا نلمسه ونسمعه دائماً أبداً في كل مجتمع سني ليس شيعياً ولا معتزلياً يقولون: الله موجود في كل مكان، الله موجود في كل وجود، أهل السنة هاللي عايشين معنا وعايشين معهم هكذا يقولون، إذا كان الأمر هكذا، فهل نكفر هؤلاء الذين ينكرون أن من صفة الله تبارك وتعالى أنه {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، و {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (فاطر:10)، إلى غير ما هنالك من كثيرة أجمعت على أن الله عز وجل فوق المخلوقات كلها، هل نكفر هؤلاء بالجملة بالكوم؟ نقول: لا، نبدأ بأهل العلم منهم: هل نكفرهم؟ أيضاً لا إلا بشرط واحد، بعد إقامة الحجة؛ لأنه يمنعنا من المبادرة إلى تكفير أي مسلم ما دام أنه يلتقي معنا في الأصل الأول من أصول الإسلام الخمسة، وهي شهادة أن لا إله إلا الله، فكل مسلم يشهد هذه الشهادة فابتداءً لا يجوز الحكم بتكفيره؛ لأنه رفع راية الإسلام بشهادته بشهادة الإسلام، وأنتم فيما أعتقد جميعاً تعلمون قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإذا قالوها: فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم عند الله-تبارك وتعالى» ، إذاً هذا المسلم الذي يشهد هذه الشهادة نحن لا يغيب عنا ولا يفوتنا أنه قد يقولها وهو كافر بما تدل عليه من الحق ومن العقيدة الصحيحة؛ لأن هذا من طبيعة المنافقين الذين كانوا موجودين حتى في العصر الأول الأنور الأطهر، وهو العصر الذي قال عنه الرسول عليه السلام:«خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» قد كان فيهم خاصة في المدينة من أهل المدينة مردوا على النفاق، الله كان يعلمهم، وقال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم:{لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} (التوبة:101)، فكيف
عاملهم الرسول عليه السلام هل عاملهم معاملة اليهود والنصارى؟ فرض عليهم الجزية يعطونها ويدفعون عن يد وهم صاغرون؟ أم مشى عليهم أحكام الإسلام؟ مشى عليهم أحكام الإسلام؛ لأنهم شهدوا بألسنتهم، أما قلوبهم فكما قال في الحديث السابق: حسابه عند الله تبارك وتعالى، يؤكد لكم هذا المعنى الذي خلاصته أن الإسلام يبني أحكامه على ما يظهر للناس، ولذلك كان من قواعد علماء الفقه والأصول: نحن نحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر.
وهذا مأخوذ من بضعة أحاديث ثابتة في السنة الصحيحة، منها تلك القصة الواردة في كتب السيرة وفي الصحيح -أيضاً- أن رجلاً كان يبارز مشركاً فلما شعر المشرك بأنه صار تحت ضربة السيف وأنه مقتول لا محالة قال: لا إله إلا الله، فالمسلم ما بالاه، قتله، ولما بلغ الخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسل خلفه وقال له:«كيف أنت ولا إله إلا الله» ، قال: يا رسول الله ما قالها إلا خوفاً من القتل، وحقيقة الأمر: كل واحد منا فضلاً عن ذاك الصحابي الذي باشر الأمر يشعر تماماً أنه هذا المشرك ما قال هذه الكلمة إلا فراراً من القتل، ولذلك ما اقتنع هذا الصحابي بهذه الشهادة فقتله، مع ذلك فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال له:«هلا شققت عن قلبه؟!» ، «هلا شققت عن قلبه؟!»؛ إذاً كأنه يقول: ليس لك إلا الظاهر، أما القلوب فلا يعلم ما فيها إلا علام الغيوب سبحانه وتعالى.
وحقيقة الأمر أننا في الوقت الذي نتصور ما سبق بيانه أنه من الممكن أن هذا المشرك ما قالها إلا تقية، وإلا خوفاً من القتل، يمكن -أيضاً- أن نلاحظ احتمالاً آخر، وهو أن يكون هذا المشرك معتداً بقوته وشجاعته وبطولته، فلما رأى نفسه مغلوباً، بل ومقتولاً تحت ضربة سيف ذلك الصحابي كأنه تجلى له أن هناك قوة قاهرة مُدّ بها هذا الصحابي حتى تمكن من أن يجعل ذلك المشرك الذي كان
يتوهم في نفسه أنه البطل الصنديد، فحينئذٍ خضع لهذه القوة وليس لأنه خاف كما قلنا في الاحتمال الأول من القتل فقال: لا إله إلا الله، وهذا يقربه إلينا -هذا الاحتمال الثاني- يقربه إلينا حادثة مصارعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لركانة، الذي كان يعد في زمن الجاهلية المصارع الذي لا غالب له، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وطلب منه المصارعة، فما كان منه عليه السلام بقوة من الله تبارك وتعالى ولا شك إلا مجرد أن أخذه ورماه على ظهره، قوة خارقة، طلب منه المرة الثانية والثالثة، فكان عاقبة أمره أن قال: أشهد أنك رسول الله، فآمن، لماذا؟ لأنه رأى قوة لا يعتقد إنها من قوة البشر.
إذاً الشارع الحكيم يبني أحكامه على ما يظهر للناس، فكل مسلم إذاً يرفع هذه الراية الإسلامية، فيشهد أن لا إله إلا الله؛ لا يجوز لنا أن نبادر إلى تكفيره إلا في حالة واحدة، حينما يعلن مع تلك الشهادة ما يعارضها وما يعطلها وينكرها، حينئذٍ ندينه ونلزمه بما يلزم منه، حينذاك باستطاعتنا أن نكفره، ومع ذلك رويدك، ولا يجوز -أيضاً- المسارعة إلى تكفيره إلا بعد إقامة الحجة عليه.
إذاً عندنا الآن شرطان؛ ليجوز للعالم المسلم أن يكفر مسلماً: الشرط الأول: أن يسمع من هذا المسلم ما يكفر به. الشرط الثاني: أن تقام الحجة عليه؛ لأن الله تبارك وتعالى ما أنزل الكتب وأرسل الرسل إلا لتكون حجة الله تبارك وتعالى قائمة على الناس، ولا يكون لإنسان ما ارتد أو كفر بالله ورسوله عذرٌ يوم القيامة، من هنا اتفق علماء المسلمين على أنه إذا وجد هناك قومٌ لم تبلغهم دعوة الإسلام فهؤلاء لا يحكم لهم بالنار التي وُعد بها الكفار؛ لأن الكفار هم الذين بلغتهم الدعوة ثم جحدوها وأنكروها، كما قال الله عز وجل في كثير من هؤلاء:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14) وأصل الكفر -كما تعلمون- من
الكَفْر وهو التغطية؛ لذلك فالزراع يسمون بالكفار {أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} (الحديد:20) أي الزراع، فلما كان الزارع يستر الحب بالحرث وبالتراب، كذلك الكافر يستر الحق بباطله، فمن كان بهذه المثابة فهو الذي يكفر، ويكون مخلداً في النار، أما من لم تأته الدعوة ولم تظهر له الحجة ثم ظل على كفره وعلى ضلاله، فهذا يعتبر عند علماء المسلمين من أهل الفترة، ولذلك فأهل الفترة لا يحكم لهم لا بإسلام ولا بكفر، لهم معاملة خاصة عند الله تبارك وتعالى، ونكتفي بهذه الإشارة إلى هؤلاء، والمهم: فلله الحجة البالغة على الناس، فلا يجوز المبادرة إلى تكفير أي إنسان ظهر منه ما يحملنا على أن نقتنع بأنه كفر بـ لا إله إلا الله، فلا بد من إقامة الحجة عليه، فإن جحدها ألحق بالكفار، وإن خضع لها فهو لا يزال في إسلامه، على هذا نحن نسوق هذه القاعدة بالنسبة لعامة المسلمين، سواء كانوا ينتمون إلى السنة أو إلى الشيعة أو إلى أي طائفة أخرى، لا بد قبل كل شيء من أن يعلن إنكاره لما هو ثابت في الشرع على طريق اليقين، وهنا يعبر العلماء بكلمة: أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، أنا أضرب لكم مثلاً: الذي ينكر حرمة الخمر، فهذا يعتبر كافراً مرتد عن الدين؛ لأن هذا معلوم من الدين بالضرورة، وليس كذلك من ينكر حرمة الحشيش المخدر أو الأفيون أو هذا الدخان الذي ابتلي به عامة الناس، هؤلاء لا يكفرون؛ لأنهم لا ينكرون ما هو معلوم من الدين بالضرورة، ثم إنهم يجدون كثيراً ممن يظنون أنهم من أهل العلم يفتونهم بأنه هذا مكروه، معليش تركه أولى، من هذا الكلام، ولذلك فمن أنكر ما كان معلوماً من الدين بالضرورة ثم أقيمت عليه الحجة الشرعية من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكفر وجحد فهذا هو الكافر، ما يهمنا كان سنياً منتسباً إلى السنة أو إلى الشيعة أو إلى غيرهم، هذا نهاية الجواب عن السؤال.