الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للآخر: أتشهد أن محمداً رسول الله؛ قال: نعم. فقال: أتشهد أني رسول الله؛ قال: نعم. فأرسله. فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله! هلكت. قال: "وما شأنك"؛ فأخبروه بقصته وقصة صاحبه، فقال:" أما صاحبك؛ فمضى على إيمانه، وأما أنت؛ فأخذت بالرخصة ".
قلت: وهذه قصة جيدة، لولا أنها من مراسيل الحسن البصري؛ لكن الآية السابقة وسبب نزولها يشهدان لصحتها، والله أعلم.
وقد روى الشطر الأول منها ابن إسحاق في " السيرة "(2/ 74 - 75) بسند حسن عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة مرسلاً أيضاً، وسمى صاحبها حبيب بن زيد؛ أي: ابن عاصم الأنصاري المازني شهد العقبة، وقد ذكرها ابن كثير في تفسير الآية، وابن حجر في ترجمة حبيب من " الإصابة " جازمين بها. والله سبحانه وتعالى أعلم.
"الضعيفة"(12/ 2/721 - 725).
[738] باب بيان نكارة متن حديث الذبابة لمخالفته لقوله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}
سؤال: هل في كتاب التوحيد للشيخ ابن عبد الوهاب حديث ضعيف؟
الشيخ: والله هو ليس بصحيح البخاري ففيه.
مداخلة: بعضهم يقول أنه ليس فيه حديث ضعيف، فأحببنا أن نسمع منكم الجواب.
الشيخ: أنا لا أستطيع الآن أن أجزم بالجواب سلباً أو إيجاباً، لكني أتردد في
حديث فإن كنت تذكره هل هو في كتاب التوحيد أم في شرح من شروحه وهو حديث الذبابة، هل هو في المتن أم في الشرح؟
مداخلة: في المتن.
الشيخ: في المتن، فإذاً: صدق من قال: ليس هو بصحيح البخاري، فحديث الذبابة لا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإن كان هو نقله من كتاب ابن القيم رحمه الله، وابن القيم ذكره ولم يتكلم عن إسناده، ولما بحثنا عنه وجدناه حديثاً موقوفاً على سلمان الفارسي، وإسناده إليه صحيح، ولكنه موقوف، والموقوفات - هنا أمامنا بحث مهم جداً بالنسبة لكل طالب علم يريد أن يكون على بصيرة من دينه، الأحاديث الموقوفة تارةً لها حكم الرفع، وتارةً ليس لها هذا الحكم، أما الحالة الأولى أي: متى يكون للحديث الموقوف حكم الرفع؟
شرطان لا بد منهما أن يجتمعا وأحدهما شرط في كل حديث وهو: الثبوت، فإذا ثبت حديث ما عن صحابي ما موقوفاً عليه، وجب الشرط الثاني ألا وهو: أن يكون مما لا يقال بمجرد الرأي والاجتهاد والاستنباط، وإنما يقطع الواقف على معناه أنه لا بد أن يكون بتوقيف من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان هذا الصحابي مصاحباً له، فإذا وجد هذان الشرطان: الثبوت أولاً، وأن يكون معناه مما لا يقال بالاجتهاد والرأي والاستنباط ثانياً، فهو في حكم المرفوع.
ومن الأمثلة على ذلك حديث: «أحلت لنا ميتتان ودمان: الحوت والجراد، والكبد والطحال» (1) هذا الحديث جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً ولكن إسناده ضعيف، ولو كان حديثاً عادياً لم تقم به الحجة لما ذكرت من ضعف سنده،
(1) صحيح الجامع (رقم210).
لكن هذا الحديث قد جاء بإسناد قوي موقوفاً على ابن عمر، حينئذ لو صرفنا النظر عن السند الأول المرفوع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لو صرفنا النظر عنه بالكلية، ووقفنا عند حديثه الموقوف الثابت عنه لم نخسر شيئاً؛ لأن هذا الحديث الموقوف على ابن عمر يغنينا عن ذاك الحديث المرفوع الضعيف إسناده، كيف كان هذا الحديث الموقوف في حكم المرفوع؛ لأنه يقول:«أحلت لنا ميتتان» فمن الذي يحلل ويحرم، إنما هو الله تبارك وتعالى تارة في كتابه، وتارة في سنة نبيه صلى الله عليه وآله سلم، وعلى ذلك قال أهل العلم بالحديث: إذا قال الصحابي من السنة كذا، فهو في حكم المرفوع، بخلاف ما إذا قال التابعي: من السنة كذا، فليس له حكم المرفوع.
هذا مثال للحديث الموقوف الذي هو في حكم المرفوع، وصدق فيه أنه لا يقال بمجرد الرأي والاجتهاد.
مثال آخر وهو أدق وأبعد عن أن يكون من موارد الاجتهاد، ذاك هو حديث ابن عباس الموقوف أيضاً عليه والذي قال:«نزل القرآن إلى بيت العزة في السماء الدنيا جملة واحدة، ثم نزل أنجماً حسب الحوادث» فهذا حديث موقوف، ولم نجده مرفوعاً إطلاقاً، جاء بالسند الصحيح عن ابن عباس موقوفاً عليه، فقال العلماء: إن هذا الحديث في حكم المرفوع؛ لأنه يتحدث عن أمر غيبي، وهو أنه يقول: نزل كلام الله القرآن الكريم جملة واحدة إلى السماء الدنيا، وهذا لا يستطيع العقل البشري أن يتحدث به إلا من إنسان لا يبالي ما يخرج من فيه، أما ابن عباس وهو صحابي جليل ابن صحابي ابن عم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يخطر في بال إنسان أن يتحدث رجل بالغيب.
فإذاً: قوله أن القرآن نزل جملة واحدة .. إلى آخر الحديث، فيه من الدقائق ما
يبعد أن يكون هذا الحديث قد قاله بالرأي، فيقول مثلاً بعد أن ذكر نزل جملة واحدة إلى بيت العزة، ما هو بيت العزة، وهل يستطيع الإنسان أن يعين مكاناً في السماء ويسميه باسم من عنده، هذا أبعد عن أن يكون قد حصل من رأي الصحابي، ثم هو يعين مكان بيت العزة هذا في السماء لا يقول لا السابعة، ولا .. ولا .. وإنما يقول السماء الدنيا.
فإذاً: هذا حديث موقوف في حكم المرفوع.
إذا عرفنا هذين المثالين فكان ذلك تمهيداً للوصول إلى الحكم على حديث الذبابة، دخل رجل النار في ذبابة، هل هذا وقد صح إسناده عن سلمان الفارسي موقوفاً، هل هو في حكم المرفوع؟
كان يمكن أن يقال إنه في حكم المرفوع؛ لأنه يتحدث أيضاً عن أمر غيبي تقدم على بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكن يحول بيننا وبين أن نقول إنه أيضاً في حكم المرفوع أنه يحتمل أن يكون من الإسرائيليات، والإسرائيليات هي منبعها أهل الكتاب، وأهل الكتاب ولا شك نزل عليهم الكتاب التوراة والإنجيل وبعث الله عز وجل إلى إسرائيل الأنبياء الكثيرين، فقد كانوا يحدثونهم بأشياء من الأمور الغيبية، ولكن قد دخل في هذه الأخبار التي نزلت على أنبياء الله من وحي السماء، دخل فيها ما لم يكن منها أشبه ما يكون - وهو بلا تشبيه كما يقولون، كما دخل في السنة بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة، كذلك دخل على بني إسرائيل كثير من الأحاديث التي لا أصل لها في شرائعهم المتقدمة، مع فرق كبير جداً بين أحاديث نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وأحاديث أنبيائهم، فأحاديث نبينا قد سخر الله تبارك وتعالى لها من يخدمها ويميز صحيحها من ضعيفها كما جاء في بعض الآثار عن بعض أئمة الحديث أنه لما ألقي القبض على أحد الزنادقة وحكم الخليفة بقطع رأسه،
لزندقته، أروى غيظ قلبه بقوله لا أموت إلا وقد دسست في أحاديث نبيكم خمسة آلاف حديث، فهو مرتاح بهذا الميتة، فقال له أحد العلماء من أهل الحديث الحاضرين: خسئت، ما تمشي هذه الأحاديث بين المسلمين وفيهم فلان لعله قال: ابن المبارك أو غيره، وقد أخذ الغربال بيده فهو يغربل هذه الأحاديث ويصفيها ويخرجها عن أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصحيحة.
الشاهد أن أحاديث الأنبياء الأولين قد دخلها ما ليس منها وهي التي تعرف عند المسلمين اليوم بالإسرائيليات، ولذلك فلا يجوز للمسلم أن يروي شيئاً مما وقع فيمن قبلنا من الأحاديث إذا جاءت من غير طريق النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الإسرائيليات تنقسم من حيث روايتها إلى قسمين:
قسم وهو الأقل ما تحدث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بها، فهذا إذا صح السند إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيكون من الإسرائيليات الصحيحة كمثل مثلاً حديث ذاك الرجل الذي قال عنه عليه الصلاة والسلام: كان فيمن قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، ثم أراد أن يتوب فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب -أي: على جاهل متعبد ليس بعالم- فذهب إليه وقال له: إني قتلت تسعة وتسعين نفساً بغير حق، فهل لي من توبة؟ قال له: قتلت تسعة وتسعين نفساً وتريد أن تتوب، لا توبة لك، فقتله وأتم به العدد المائة لكن الرجل يبدو من سياق الحديث أنه كان مخلصاً، كان حريصاً في أن يتوب إلى ربه تبارك وتعالى، ولكنه يريد عالماً بحق أن يدله على الطريق، فلم يزل يسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على عالم، هذه المرة وفق بعالم، فذهب إليه وقال: إني قتلت مائة نفس بغير حق، فهل لي من توبة؟ قال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ ولكنك بأرض سوء، من هنا يظهر علم هذا الرجل العالم-ولكنك بأرض سوء، لو كنت في أرض صالحة أهلها ما تمكنت من قتل مائة نفس بغير
حق، ولكنك بأرض موبوءة بالفساد والقتل وسفك الدماء بغير حق، فأخرج منها إلى القرية الفلانية الصالح أهلها.
فانطلق الرجل يمشي تائباً إلى الله عز وجل، قاصداً القرية الصالح أهلها، فجاءه الموت في الطريق، فتنازعته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، كل يدعي أنه من اختصاصه، وملائكة العذاب لما يعلمون من سفكه الدماء بغير حق، ملائكة الرحمة؛ لأنهم علموا أنه خرج تائباً إلى الله عز وجل، فأرسل الله إليهم حكماً، فقال لهم: قيسوا ما بين موضع موته وما بينه وبين القرية التي خرج منها، والقرية التي قصد إليها، فقاسوا ووجدوه أقرب إلى القرية الصالحة بنحو شبر فتولته ملائكة الرحمة، وقبضت روحه وألحق بالصالحين لتوبته.
هذا حديث أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
…
فهذا حديث مرفوع ويتعلق ببني إسرائيل، فهو من الأحاديث القليلة الصحيحة التي تتعلق بالإسرائيليات، أما القسم الثاني من الأحاديث وهي الأكثر، فهي التي تروي ولو موقوفة على بعض الصحابة، ولو بالسند الصحيح، حينئذ لا تأخذ حكم المرفوع (حصل هنا انقطاع صوتي).
لا تصدقوهم ولا تكذبوهم؛ لأننا إن صدقناهم من الممكن أن نصدقهم بما كذبوا، وإن كذبناهم يمكن أن نكذبهم فيما توارثوه عن أنبيائهم، لذلك لا نصدقهم ولا نكذبهم إلا إذا جاء من طريق الرسول عليه السلام الذي من صفاته أنه ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
إذا عرفنا هذا التفصيل في الحديث الموقوف، وأنه لا يكون مرفوعاً أو لا
يكون في حكم المرفوع إلا إذا كان يتحدث بما يتعلق بالشريعة الإسلامية، أما إذا كان الحديث يتعلق بما وقع فيمن كان قبلنا فحينئذ لا نتحدث به، وإذا كان الأمر كذلك عدنا إلى حديث الذبابة فهو موقوف ويتحدث عما وقع فيمن قبلنا، حينئذ لا نصدقه ولا نكذبه، لما ذكرته آنفاً من قوله عليه السلام:«فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم» .
ولكن في حديث الذبابة في حد تعبير علماء الحديث نكارة في المتن؛ ذلك أن الرجل الأول دخل الجنة في ذبابة؛ لأنه مر بالمشركين فطلبوا منه أن يقدم قرباناً ذبابة لصنمهم فأبى؛ فدخل الجنة، ثم جاء الرجل الثاني فطلبوا منه أن يقدم ذبابة فقدم؛ فدخل النار.
نحن نعلم أن الله عز وجل استثنى من الكفر المخلد لصاحبه في النار، فقال:{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} (النحل:106).
ونعلم مما ذكره علماء التفسير في سبب نزول هذه الآية، وإن كان في الرواية شيء من الضعف من الناحية الحديثية، ولكن السبب يتناسب مع هذه الآية، {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} (النحل:106).
قالوا: بأن هذه الآية نزلت في عدي بن حاتم الطائي رضي الله تعالى عنه، فإنه كان من أوائل الأصحاب الذين عذبوا في سبيل الله كبلال الحبشي رضي الله عنهم جميعاً.
عذب عمار بن ياسر عذاباً شديداً، وكأن المشركين قتلهم الله لاحظوا فيه أنه انهارت قواه، فعرضوا عليه أن ينال من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن يسبه وأن يقول فيه ساحر شاعر كذاب، إذا هو أراد أن يطلقوا سبيله، فقال ما أرادوا منه، ولما شعر بالراحة