الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حجة الوداع، ولكني أريد من قولي: إنه معذور، أي: لا نحكم له بالنار التي وعد بها الكفار، له معاملة يوم القيامة معروفة في بعض الأحاديث الثابتة، فإن أطاع دخل الجنة وإن عصى دخل النار.
"فتاوى جدة-الأثر-"(11/ 01:18:48)
[727] باب هل يعذر المخالف في العقيدة
؟
سؤال: فضيلة الشيخ! هل يعذر من خالف في العقيدة لمجرد اشتراكه في النية حتى وإن خالف المنهج الصحيح في أصول الاستدلال؟
الشيخ: هذه المسألة كثيراً ما تثار في هذا الزمان، وأنا أرى أنها تحتاج إلى شيء من التفصيل، وقد يُطرح هذا السؤال بصيغة أخرى، وهي هل يُعذر الجاهل بجهله؟، ولا شك أن الجهل قد يكون جهلاً جزئيًّا أو يكون جهلاً كليًّا، أنا أشرت آنفاً إلى أن بعض المخالفين قديماً خالفوا في بعض العقائد
…
[فهذا] إذا كان قصده الوصول إلى معرفة حكم الله عز وجل فيما ذهبوا إليه فأخطأ، الخطأ في اعتقادي معذور إذا كان صادراً عن اجتهاد قد أفرغ صاحبه جهده ولم يقصر، فلا فرق في الخطأ في الأصول أو في الفروع إذا لاحظت هذه القاعدة: لو أن رجل استحل حكماً هو في الشرع حرام، لا شك أنه إذا علم حرمته ومع ذلك استحله، فإنه يكفر، وهذا حكم شرعي وليس عقيدةً، وكذلك العكس تماماً لو أنه استحل محرماً باجتهاده فلا يعتبر هذا كفراً وإن كان يعتبر خطأ وضلالة فمن حيث
…
به لا يجوز حتمًا، لكن من حيث أنه مؤاخذ عند الله عز وجل مؤاخذته للكافر الذي عرف الحق وجحده فليس الأمر كذلك، فالمناط في هذه المسألة من حيث المؤاخذة ليس هو كونه أخطأ في العقيدة أو في أصل من الأصول، وإنما المناط
في القضية: هل تبين من الحق ثم جحده كما قال تعالى في حق المشركين: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14) وقال في حق اليهود ومعرفتهم بصدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومع ذلك كفروا به، قال تعالى:{يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة:146).
فإذاً: المناط في المؤاخذة في الخطأ في العقيدة أو في الأحكام ليس هو التفريق بين هذه وهذه، وإنما التفريق بين أن يكون المخطئ قصد الحق بإخلاص وإفراغ الجهد للوصول فيه أو لم يقصد، فعلى هذا يحكم بأنه معاقب عند الله عز وجل أو لا.
ويحضرني بهذه المناسبة حديثان اثنان: أحدهما يتعلق بما ذكر آنفاً في قوله تعالى لليهود: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة:146) ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (1) أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان له غلام من اليهود يخدمه فمرض هذا اليهودي، فعاده عليه الصلاة والسلام فوجده في حضرة الموت فقال له عليه الصلاة والسلام:«قل: لا إله إلا الله» وعند رأس الغلام والده، فرفع بصره إليه كأنه يستشيره يسأله: ما رأيك في قول محمد عليه السلام، فالخبيث أجاب بكلمة حق فقال لابنه: أطع أبا القاسم، فقال الغلام: لا إله إلا الله ومات، فقال عليه الصلاة والسلام:«الحمد لله الذي نجاه بي من النار» الشاهد في هذا الحديث هو كتفسير الآية الكريمة: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة:146) والد هذا الغلام لما رأى ابنه في حضرة الموت ويعرف حقيقة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نبي صادق أراد أن ينقذ ابنه من الورود في العذاب فقال له: أطع أبا القاسم، أما هو نفسه فصدق فيه قوله تعالى:
(1) البخاري (رقم1290).
{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14) فعاش أبوه كافراً وربما مات كذلك، ولكنه نصح ابنه وقال له: أطع أبا القاسم.
هذا الكفر الذي هو الجحد هو الذي يحاسب عليه الإنسان عند الله عز وجل ويكون خالداً مخلداً في النار.
الحديث الثاني: حديث في اعتقادي مهم جداً فيما يتعلق بالكفر وأنه ليس الخطأ في الكفر غير معذور؛ لأنه كفر وإنما المناط كما ذكرنا الجحد، لقد روى البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري وغيره أيضاً قال:«كان رجل فيمن قبلكم لم يعمل خيراً قط، فلما حضرته الوفاة جمع أولاده حوله وقال لهم: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب، قال: فإني مذنب مع ربي» وهنا يبدأ الشاهد: قال: «فإني مذنب مع ربي ولئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً شديداً، فإذا مت فخذوني وحرقوني بالنار، ثم ذروا نصفي في الريح ونصفي في البحر» فلما مات نفذوا فيه هذه الوصية العجيبة الغريبة فقال الله عز وجل لذراته: كوني فلاناً فكانت بشراً سوياً، قال الله عز وجل:«أي عبدي! ما حملك على ما فعلت، قال: يا رب! خشيتك، قال: فقد غفرت لك» .
الشاهد: أن هذا الإنسان لا يشك مسلم بأنه قد وقع في الكفر حينما شك في قدرة الله تبارك وتعالى أن يعيده كما كان وهو يستحق العذاب، فصورت له غفلته أن يضيع على ربه بزعمه فأوصى بتلك الوصية الجائرة الغريبة حيث أمر أولاده بأن يحرقوه بالنار وأن يذروا نصفه في الريح الشديدة والنصف في البحر المائل، فما كان ذلك بالذي يضيع على ربه كما قال في القرآن الكريم:{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (يس:78) إلى آخر الآيات، تعالى الله عز وجل والله أعلم بما كان، في نفسه من الوازع والدافع الذي دفعه على مثل هذه