الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشاهد قال له في نهاية المطاف: صم يوماً وأفطر يوماً، فإنه صوم داود عليه السلام، وكان لا يفر إذا لاقى، قال: يا رسول الله! إني أريد أفضل من ذلك، قال: لا أفضل من ذلك.
فأين هذه الصوفية الزاهدة الزاعمة، مخالفة للكتاب والسنة.
فإذاً: ما كان من التصوف مفسراً بما يوافق الكتاب والسنة حقيقة فحينئذ ارفعوا هذا الاسم ونبقى على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، وما خالفهما فنحن نضرب بذلك عرض الحائط.
"الهدى والنور"(632/ 00:40:29)
[658] باب هل يكفر المعتزلة
؟
سؤال: يقول السائل: ذكرتم .. أن المعتزلة لا يكفرون، فكيف ذلك وهم يقولون بخلق القرآن وغيره من الأمور العقدية المخالفة، فما هو الضابط في قضية الكفر؟
الجواب: نعم، هذا سؤال مهم.
الحقيقة أن هناك شيئاً وسطاً: لا يلزم من وقوع الإنسان في الكفر أن يقع الكفر عليه، ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، لكن إذا أردنا أن نقول: إنه كفر وارتد عن الدين فلا بد من إقامة الحجة عليه حتى تتجلى له الحقيقة وتزول عنه الشبهة التي كانت هي السبب في انحرافه عن الحق الذي جاء به الشرع وخالفه فوقع في الضلال المبين.
هذا الجواب يشمل كل الفرق الإسلامية التي لا تزال مسلمة معنا، لا تنكر شيئاً من الأحكام المتعلقة بالإسلام، يعني الأحكام العملية.
فما دام مسلماً لا ينكر ما هو ثابت من الدين بالضرورة - كما يقول الفقهاء - فهو مسلم ولو ضل سواء السبيل في بعض الأفكار أو في بعض العقائد، فمن أنكر - كما قلنا عن المعتزلة وغيرهم من الجبرية وأمثالهم من المبتدعة قديماً وحديثاً، حديثاً اليوم جبرية ما شئت من المسلمين جبرية، يقول لك: ما في فائدة، الإنسان مجبور، وكلمة سائرة على الألسنة يمكن كلكم يشترك في معرفتها، الإنسان مسير وإلا مخير؟ ويش يقولون؟ مسير، أيش هو معنى مسير؟
مداخلة: مجبور.
الشيخ: يعني مجبور. فإذاً أمة يغلب عليها هذه العقيدة أن الإنسان مسير ما هو مخير مش ممكن أنها تنهض، بدها علاج بدها تصحيح المفهوم. هل نكفر هؤلاء؟ نقول: لا. لماذا؟ لأنهم يعيشون في جو جاهلي الحقيقة.
نرجع للمعتزلة الموجودين اليوم، كثير منهم بيقول لك: أن الإنسان مش معقول أن الله يكتب عليه أنه شقي وبعدين أيش يعذبه، فأنكروا الكتاب الإلهي السابق، قال تعالى:{وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} (القمر:53) يعني: مسجل.
{مَا فَرَّطْنَا في الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام:38) الكتاب هنا ليس كما تسمعون أحياناً من بعض الكتاب المعاصرين يعني القرآن، ويريدون [أن] يتفاخروا على سائر الأديان بباطل، والمسلمون ليسوا بحاجة إلى مثل هذا الافتخار بالباطل حين يقولون: أن القرآن كل شيء مذكور فيه.
{مَا فَرَّطْنَا في الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام:38) الكتاب هنا هو اللوح المحفوظ، الكتاب في هذه الآية هو اللوح المحفوظ وليس القرآن الكريم.
القرآن الكريم بشهادة أهل السنة والجماعة ليس فيه كل شيء مما يتعلق
بإصلاح عبادة الإنسان وسلوكه، وإنما تمام ذلك في سنة نبيه، كما قال عليه السلام في الحديث الصحيح:«تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض» .
فإذا كانت السنة متممة للقرآن فكيف يقال: إن القرآن فيه كل شيء من الاختراعات والابتكارات وعلم الفلك والجغرافيا وو، هذه مبالغة ليس الإسلام بحاجة إليها أبداً.
{مَا فَرَّطْنَا في الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام:38) أي: اللوح المحفوظ، فالناس اليوم ينكرون هذه الكتابة ويتوهمون شيئاً آخر وهو الذي وقع فيه المعتزلة: أن القدر الإلهي هو العلم الإلهي، بينما القدر ليس هو العلم الإلهي كالكتابة، القدر مشتق من التقدير من تفصيل كل شيء ووضعه في مكان لائق به، فالقدر الإلهي هو فعل الإله عز وجل، لكن حسب العلم الإلهي الأزلي.
كذلك الكتابة، كتب كل شيء في اللوح المحفوظ كما جاء في الحديث الصحيح:«لما خلق الله القلم، أو أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة» (1) هذه عقيدة المسلمين كافة، إلا المعتزلة يقولون: لا قدر، لا كتابة. إذاً: ليس فقط إلا العلم الإلهي.
الحقيقة أنهم حينما يؤمنون بالعلم الإلهي من جهة يجعلهم في دائرة الإسلام، لكن من جهة يخرجون عن الإيمان - كما قلنا آنفاً - بعض الخروج بإنكارهم التقدير الإلهي والتسطير الإلهي والكتابة الإلهية.
لكن من عجائب عقولهم: أنهم ما استفادوا شيئاً من تعطيل هذه النصوص
(1) صحيح الجامع (رقم2017).
التي قصدوا بهذا التعطيل تخليص جماهير الجبريين من الجبر، ما استفادوا شيئاً، لماذا؟ لأن الذي قدره الله وفق علمه ولأن الذي كتبه الله هو وفق علمه، فإذاً بزعمهم الجبر لا يزال ملازماً لهذا الإنسان المخلوق.
إذا رفعنا الآن من أذهاننا كما يريد المعتزلة لا كتابة ولا قدر، طيب. ألم يسبق في علم الله أن فلاناً من أهل النار؟ مثلاً: أن إبليس هو في أسفل الدرك من النار؟ نعم، سبق في علم الله.
طيب. هل يستطيع ألا يفعل ذلك؟ نفس الشبهة هم يوردونها على أهل السنة حينما يقولون بالقدر ويقولون بالكتابة، الشبهة واردة عليهم أيضاً، لأن الكتابة لا تزيد على أكثر مما في العلم الإلهي.
بلا تشبيه، إنسان منا عنده فكرة أجى كتبها، الكتابة هذه ما زادت على ما في فكره وفي عقله فهي تبقى هذا الفكر، فما أدت بشيء جديد إلا لماذا يكتب أحدنا الآن؟ ليبين للناس الحقيقة التي في مخه.
بلا تشبيه، ربنا عز وجل أراد أن يبين ما سبق في علمه فقدر كل شيء وكتب كل شيء، وذلك لتأكيد أن الله عز وجل على كل شيء قدير.
إذاً: الجواب لإبطال شبهة الجبر ليس هو بإنكار الكتابة والقدر وإنما بأن نلاحظ شيئاً واحداً وهو: أن ندرس طبيعة هذا الإنسان الذي خلقه ربنا عز وجل في أحسن تقويم، هل هو فعل المجبور؟ أو بالتعبير العامي: هل هو ميسر ما
هو مخير؟
الجواب: لا يصح أن نقول كما يقولون، الإنسان مسير ما هو مخير، ولا يصح العكس أيضاً أن نقول: الإنسان مخير ما هو مسير، وإنما نقول: إنه تارة يكون
مسيراً أي: مجبوراً، وتارة يكون مخيراً مختاراً، فلا نطلق لا سلباً ولا إيجاباً، لا نقول كما تقول العامة: مسير ما هو مخير، ولا العكس نكاية في العامة نقول: لا، هو مخير ما هو مسير، لأن الواقع يشهد أن الإنسان تارة مسير وتارة مخير.
بدليل حينما يكون الإنسان في أي شيء ما صدر منه، لوحظ في ذلك أنه كان مجبوراً، كان مسيراً من الغير وهو رب العالمين ولم يكن مخيراً هل عليه مسئولية عند الله تبارك وتعالى؟ لا مسئولية. لماذا؟ لأنه ثابت كتاباً وسنة وعقلاً: أن المسئولية والجبر لا يجتمعان، كما قال الجبري المقيت واصفاً ربه عز وجل بما لا يصح أن نصف به جباراً ظالماً مبيراً، قال في الله واصفاً علاقة العبد مع ربه:
ألقاه في اليم مكتوفاً ثم قال له إياك إياك أن تبتل بالماء
هكذا الإنسان مع رب الأنام؟ حاشا لله عز وجل.
قال بصريح القرآن: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (الكهف:29).
قال الرسول: «من أراد الحج فليتعجل، ومن أراد أن يضحي ودخل عليه عشر ذي الحجة فلا يأخذن من شعره وظفره» إلى غير ذلك من النصوص.
إذاً: الإنسان له إرادة، له اختيار، فإذا سلبت منه هذه الإرادة رفع عنه التكليف، وإذا ثبتت هذه الإرادة وهذا الاختيار ترتب من ورائه التكليف.
فإذاً: الإنسان تارة يكون مسيراً وتارة يكون مخيراً، الذي يقتل إنساناً خطأً هذا مسير، رمى عصفور، رمى غزال، رمى أرنب راحت الرصاصة وصابت أيش؟ وراء الأكمة مزارع يعمل في الأرض هذا قتل خطأ، لا يقول لهذا الإنسان رب العالمين: لماذا قتلت فلاناً؟ لأنه غير مختار.
وعلى العكس من ذلك الذي يُبَيِّتُ قتل زيد من الناس ويتخذ الأسباب
ويعزم على قتله ويقتله كما يقولون اليوم في لغة المحامين: عن سابق إصرار وترصد. نعم.
هذا يستوي مع ذاك؟ لا يستويان مثلاً، هذا سيقول رب العالمين: لم قتلت فلاناً؟ ولم عزمت على قتله؟ وسيحاسبه حساباً عسيراً جداً.
فكل نصوص الشريعة فضلاً عن العقل الفطري السليم يحكمان معاً على أن الإنسان تارة يكون مختاراً وتارة مجبوراً، فلما يقول لك الجبري: لا قدر، كيف لا قدر يا أخي؟ هذا أرغم وقتل إنسان خطأً هذا هو القدر، لكن أين الذي قتل الإنسان بإرادته وبسابق ترصد؟ هذا أيضاً بقدر، لكن الذي أردت بهذه الأمثلة أن أقول: كتب الله على فلان هكذا في اللوح المحفوظ بوفق العلم الإلهي، كتب الله على إبليس أنه سيكون في أسفل سافلين، في الدرك الأسفل من النار، لماذا؟ لأنه يؤمر بالسجود وهو مستطيع فيستكبر على أمر ربه ويقول ناسباً إلى الله الظلم:{أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} (الإسراء:61).
إذاً هو لا يسجد وباستطاعته أن يسجد، فإذاً كُتب من أهل النار بل أشقى أهل النار، لكن على العكس، نرجع الآن لموضوع المعتزلة؛
الذي مات في القطب الشمالي أو القطب الجنوبي ولم يطرق سمعه شيء اسمه دين الإسلام، أو إنسان اسمه محمد بن عبد الله نبي الإسلام ما طرق سمعه فعاش يعبد الأصنام التي كان يعبدها أهل الجاهلية الأولى هل هذا يقال له يوم القيامة: لم كفرت؟ لا. قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15).
وهذا باب واسع جداً، ولذلك فلا أريد أن أذهب بعيداً عن السؤال. فالمعتزلة وكل الفرق الضالة إذا ضلوا سواء السبيل وظلوا مع المسلمين يقومون بالواجبات