المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[734] باب العذر بالجهل، وبيان أن الموحد لا يخلد في النار مهما كان فعله مخالفا لما يسلتزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال [قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة = موسوعة العقيدة - جـ ٥

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌جماع أبواب الكلام حول حكم جحد شيءٍ من القرآن والسنة وحكم رد الأحاديث النبوية بالعقل ورد حديث الآحاد

- ‌[636] باب حكم جحد شيء من القران أو الشك فيه

- ‌[637] باب بيان كفرمن يدعي أن القرآن الذي بين أيدينا ليس كاملاً

- ‌[638] باب حكم من يطعن في آيات الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[639] باب هل الكفر في قوله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} اعتقادي أم عملي

- ‌[640] باب حكم الاستهزاء بكلام الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[641] باب حكم منكري السنة

- ‌[642] باب هل من رد السنة يكفر

- ‌[643] باب هل يكفر من ينكر الحديث المتواتر

- ‌[644] باب الضابط في تكفير المستهزئ بالسنة، وهل إنكار خبر الآحاد يعد كفراً

- ‌[645] باب هل يكفر من ينكر خبر الآحاد

- ‌[646] باب حكم الصلاة خلف من ينكر بعض الأحاديث الصحيحة، وخلف من يتلبس ببعض الشركيات

- ‌[647] باب هل يكفر من يرد الأحاديث الصحيحة

- ‌[648] باب هل يكفر من ينكر حديثًا بعقله

- ‌[649] باب هل يكفر من يقول: هذا الحديث لا يدخل عقلي

- ‌جماع أبواب الكلام على البدع الكفرية هل يكفر أصحابهاوالكلام على بعض البدع العقدية وموقعها من الكفر

- ‌[650] باب هل كل من وقع في البدعة المكفرة كافر

- ‌[651] باب هل يجوزتكفير الفرق الضالة بعد إقامة الحجة عليهم

- ‌[652] باب متى يكفر أتباع الفرق الإسلامية

- ‌[653] باب ضابط كفر المتأولوالتنبيه على أن ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه

- ‌[654] باب متى يكفر المؤولة

- ‌[655] باب هل يُكفر من ينفي رؤية الله تعالى يوم القيامة؟وهل يكفر القائل بأن كلام الله مخلوق

- ‌[656] باب هل استتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين

- ‌[657] باب كفر القائلين بوحدة الوجود

- ‌[658] باب هل يكفر المعتزلة

- ‌[659] باب لماذا كفر السلفُ الجهمية

- ‌[660] باب هل يُكَفَّر الجهمية أم يعذروا بجهلهم

- ‌[661] باب هل يُكفر الشيعة بعامة

- ‌[662] باب منه

- ‌[663] باب من كَفَّرَ معاوية رضي الله عنه هل يكفر

- ‌[664] باب كفر من أنكر عالم الجن

- ‌جماع أبواب حكم سب الله أو الرسول أو الدين

- ‌[665] باب حكم سب الله ورسوله والدين

- ‌[666] باب منه

- ‌[667] باب منه

- ‌[668] باب منه وكلمة حول خطورة التوسع في التكفير

- ‌[669] باب حكم من سب الله ورسوله مع أنه يصلي

- ‌[670] باب حكم سب الدين، وبيان موانع التكفير

- ‌[671] باب منه

- ‌[672] باب منه

- ‌[673] باب منه

- ‌جماع أبواب متفرقة في مسائل التكفير

- ‌[674] باب متى يكفرمن أنكر شيئًا معلومًا من الدين بالضرورة

- ‌[675] باب حكم الاستخفاف بفرائض الله

- ‌[676] باب حكم ترك الأعمال

- ‌[677] باب هل تَرْكُ الفرائض مخرج من الملة

- ‌[678] باب حكم تارك الزكاة

- ‌[679] باب منه

- ‌[680] باب الشك في قدرة الله؛ من أي أنواع الكفر هو

- ‌[681] باب كيف غفر الله للرجل الذي أمر بنيه بأن يحرقوه…والله عز وجل يقول: «إن الله لا يغفر أن يشرك به»

- ‌[682] باب معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن»

- ‌[683] باب هل الاستعانة بالمشركين ردة

- ‌[684] باب التألي على الله يحبط العمل كالكفر

- ‌[685] باب هل سوء الخلق لا يُغفَر كالشرك

- ‌[686] باب معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الكاسيات العاريات:«لا يدخلن الجنة…» وهل هو على التأبيد

- ‌[687] باب هل السجود لشخصٍ كفر

- ‌[688] باب هل المشاركة في البرلمان كفر أكبر؟والتفريق بين الكفر العملي والاعتقادي

- ‌[689] باب معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من كفر مسلماً فقد كفر»

- ‌[690] باب هل يكفر من عطل الجهاد؟والكلام على الفرق بين الكفر العملي والاعتقادي

- ‌[691] باب هل كَفَرَ سلمان رشدي بكتابه"الآيات الشيطانية" وهل يجب قتله

- ‌[692] باب معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«من قال أنا يهودي أو نصراني فهو كما قال»

- ‌[693] باب هل المنتحر كافر

- ‌[694] باب هل الكذب المتعمد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كفر

- ‌[695] باب ما حد الإعراض عن دين الله الذي يكفر صاحبه

- ‌[696] باب هل صدام كافر

- ‌[697] باب ذكر أذناب الخوارج

- ‌[698] باب بدعة البراءة

- ‌[699] باب رَدُّ شبهةٍ لمكفري أصحاب الكبائر

- ‌[700] باب في الرد على من يكفر بالذنوبومن يوجب تعذيب الفاسق

- ‌[701] هل إخراج أهل الكبائر من النار خاص بأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[702] باب من عقائد الخوارج في العبادات

- ‌[703] باب هل للقاتل توبة

- ‌[704] باب منه

- ‌[705] باب هل يقبل الله توبة القاتل

- ‌[706] باب كيف الجمع بين عدم قبول توبة القاتلوبين ما هو معلوم من قبول توبة الكافر

- ‌[707] باب حكم من يدوس المصحفوالكلام على الكفر العملي والاعتقادي

- ‌[708] باب حكم رمي المصحف على الأرض حال الغضب

- ‌[709] باب امرأة رمت المصحفعلى الأرض هل يطلقها زوجها

- ‌[710] باب الجمع بين حديث: «إذا اقتتل مسلمان .. »وقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به

- ‌[711] باب: معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَجْتَمِعَانِ فِي النَّارِ…» قِيلَ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «مُؤْمِنٌ قَتَلَ كَافِرًا ثُمَّ سَدَّدَ»

- ‌[712] باب الرد على من قال بأن شيخ الإسلام كافر

- ‌[713] باب في كفر اليهود مع ما أوتوا من علم

- ‌[714] باب هل يباح الدعاء على الكفار في قنوت الوتر

- ‌[715] باب هل الفرح بتغيير رؤساء أمريكا خلل عقدي

- ‌[716] باب هل يجوز استغابة الكافر والمشرك وسبهم

- ‌[717] باب هل يجوز لعن اليهود والنصارى

- ‌[718] باب هل يجوز لعن المعين

- ‌كتاب أهل الأعذار في التوحيد

- ‌جماع أبواب الكلام حول مدى صحة تقسيم الدين إلى أصول وفروع وربط ذلك بمسائل التكفير

- ‌[719] الكلام حول مدى صحة تقسيم الدين إلى أصول وفروع وربط ذلك بمسائل التكفير

- ‌[720] باب منه

- ‌[721] باب منه

- ‌[722] باب ضوابط العذر بالجهل

- ‌[723] باب منه

- ‌[724] باب منه

- ‌[725] باب هل يُعذر بالجهلفي مسائل الاعتقاد في بلادنا اليوم

- ‌[726] باب هل يعذر بالجهلمن عاش في مجتمع مليء بالشركيات

- ‌[727] باب هل يعذر المخالف في العقيدة

- ‌[728] باب هل يعذر بالجهل في الأسماء والصفات

- ‌[729] باب هل يعذر الإنسان بجهله في زمن انتشار العلم

- ‌[730] باب حكم الطواف بالقبور وهل يعذر بالجهل في مثل ذلك وهل أخذ الميثاق يكفي كحجة؟ وحكم أهل الفترة

- ‌[731] باب حكم من مات من المسلمينوهو يجهل التوحيد لعذر

- ‌[732] باب هل يُدعى لمن مات جاهلاً بحقيقة التوحيدونقاش حول ذلك

- ‌[733] باب منه

- ‌[734] باب العذر بالجهل، وبيان أن الموحِّد لا يخلد في النار مهما كان فعله مخالفاً لما يسلتزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال [قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[735] باب هل يحشر قول عائشة:«مهما يكتم الناس يعلمه الله» في أبواب العذر بالجهل

- ‌[736] باب هل العذر بالإكراهكان موجوداً في شريعة من سبقنا

- ‌[737] باب بيان ضعفحديث: «دخل رجل الجنة في ذبابة»

- ‌[738] باب بيان نكارة متن حديث الذبابة لمخالفته لقوله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}

- ‌[739] باب من شذ في مسألة عقديةهل يعد ضالاًّ أم مجتهداً

- ‌[740] باب متى يكفرمن أنكر شيئًا معلومًا من الدين بالضرورة

- ‌جماع أبواب أحكام أهل الفترة ومن في حكمهموالكلام على مصير أبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم-غير ما تقدم

- ‌[741] باب بيان من هم أهل الفترة

- ‌[742] باب منه

- ‌[743] باب هل يوجد في هذا الزمان من له حكم أهل الفترة

- ‌[744] باب هل من لم يصله الدين في هذا الزمان، أو وصله على غير وجهه له حكم أهل الفترة

- ‌[745] باب حكم من لم تبلغهم الدعوة في الآخرة

- ‌[746] باب مصير من وصلهم الدين على غير حقيقته

- ‌[747] باب من وُصف له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على خلاف الواقع فصده ذلك عن الإسلام هل هو في حكم أهل الفترة

- ‌[748] باب الكلام على أهل الأعذارالذين لم تصلهم الدعوة، وأطفال المشركين

- ‌[749] باب من وصلته الدعوةعلى غير حقيقتها ليس من أهل الوعيد

- ‌[750] باب من مات في الجاهلية ليس من أهل الفترة

- ‌[751] باب أهل الجاهلية ليسوا من أهل الفترة

- ‌[752] باب أهل الجاهلية ليسوا من أهل الفترة

- ‌[753] باب بيان أن مشركي الجاهلية في الناروليسوا من أهل الفترة بما فيهم والدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[754] باب هل يمتحن بعض أهل الجاهلية في عرصات القيامة

- ‌[755] باب الجمع بين قوله تعالى: {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا} وقوله تعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير}

- ‌[756] باب منه

- ‌[757] باب هل كان والدا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أهل الفترة

- ‌[758] باب منه

- ‌[759] باب منه

- ‌[760] باب كيف يكون والدا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النار

- ‌[761] باب كيف الجمع بين كون من لم تبلغهم الرسالة من أهل الفترة وبين قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم «أبي وأبوك في النار»

- ‌[762] باب هل يصح تأويل حديث«أبي وأبوك في النار» بعمي وعمك

- ‌جماع أبواب مسألةمصير أطفال المؤمنين وأطفال المشركين في الآخرة

- ‌[763] باب عدم التكليف قبل البلوغ وقيام الحجة

- ‌[764] باب أطفال المؤمنين في الجنة

- ‌[765] باب منه

- ‌[766] باب أطفال الكفار في الجنة

- ‌[767] باب منه

- ‌[768] باب هل أطفال المشركين، ومن لم يبلغه الإسلام الحق من المسلمين؛ من أهل الفترة

- ‌[769] باب حكم أولاد النصارى والمنافقين ممن لم يبلغ سن التكليف في الآخرة، ومن بلغته الدعوة في سن الخرف، ومن لم تبلغه أصلا، وأمثالهم

- ‌[770] باب الكلام على أهل الأعذار الذين لم تصلهم الدعوة، ومصير أطفال المشركين وأطفال المؤمنين

- ‌[771] باب معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الوائدة والموؤدة في النار»

- ‌[772] باب منه

- ‌جماع أبواب الكلامعلى إقامة الحجة وشروطها

- ‌[773] باب تعريف الحجة ومن يقيم الحجة على الحكام

- ‌[774] باب هل يجوز تكفير الفرق الضالة بعد إقامة الحجة عليهم؟ والتطرق لمعنى إقامة الحجة

- ‌[775] باب من شروط إقامة الحجة

- ‌[776] باب هل يشترط فهم الحجة

- ‌[777] باب هل يغني أخذ الميثاق في الأزل عن إقامة الحجة

- ‌[778] باب كيف تقام الحجة

- ‌[779] باب كيف الجمع بين ضرورة إقامة الحجةعلى من تلبس بعمل شركي، وبين قول النبي صلى الله عليه وآله وسلملمن لبس الصفرة: «إذا مت على ذلك لن تفلح أبداً»

- ‌جماع أبواب الكلامحول أحكام المتلبس بالشركيات من المسلمين(غير ما تقدم)

- ‌[780] باب حكم من نطق بالشهادة وبقى متلبساً بالشركيات

- ‌[781] باب كيف يتعامل مع المسلمين المتلبسين بالشركيات

- ‌[782] باب هل يجزئ حج المتلبس بالشركيات

- ‌[783] باب هل يصلى خلف المتلبس بالبدع الشركية المكفرة

- ‌[784] باب هل تجوز الصلاة خلف من يستغيث بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم وينكر أن عيسى عليه السلام رُفِعَ إلى السماء حقيقة

- ‌[785] باب هل يعلم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الغيب؟ وما حكم الصلاة خلف من يعتقد ذلك

الفصل: ‌[734] باب العذر بالجهل، وبيان أن الموحد لا يخلد في النار مهما كان فعله مخالفا لما يسلتزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال [قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

[733] باب منه

سؤال: (الذين) يقرؤون القرآن جاهلين بفهم القرآن من آبائنا وأجدادنا الذين مضوا، وهم على عقيدة دعاء الأموات، وما أشبه ذلك مما هو حاصل، وماتوا وظهر لنا أن هذا الشيء أنه لا يجوز، فكيف من ناحية الدعاء هل ندعو لهم أم لا، وهم لا يعرفون، ما عرفوا الحقيقة، عندهم العلماء الذين كانوا موجودين معهم هم الذين دلوهم على هذا الشيء، أن هذا هو الدين، ولا يوجد غيره؟

الشيخ: ما دام أنهم كانوا يحافظون على أركان الإسلام فأنتم تدعون لهم؛ لأنكم لا تعلمون ما في قلوبهم.

(الهدى والنور/ 95/ 55: 21: .. )

[734] باب العذر بالجهل، وبيان أن الموحِّد لا يخلد في النار مهما كان فعله مخالفاً لما يسلتزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال [قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

-]:

«كانَ رجلٌ ممَّن كان قبلكم لم يعمل خيراً قطُّ؛ إلا التوحيد، فلما احتُضر قال لأهله: انظروا: إذا أنا متُّ أن يحرِّقوه حتى يدعوه حمماً، ثم اطحنوه، ثم اذروه في يوم ريح، [ثم اذروا نصفه في البر، ونصفه في البحر، فوالله؛ لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين]، فلما مات فعلوا ذلك به، [فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه]، فإذا هو [قائم] في قبضة الله، فقال الله عز وجل: يا ابن آدم! ما حملك على ما فعلت؟ قال: أي ربِّ! من مخافتك (وفي طريق آخر: من خشيتك وأنت أعلم)، قال: فغفر له بها، ولم يعمل خيراً قطُّ إلا التوحيد» .

ص: 772

[قال الإمام]:

واعلم أن قوله في حديث الترجمة: "إلا التوحيد" مع كونها صحيحة الإسناد، فقد شكك فيها الحافظ ابن عبد البر من حيث الرواية، وإن كان قد جزم بصحتها من حيث الدراية، فكأنه لم يقف على إسنادها، لأنه علقها على أبي رافع عن أبي هريرة، فقال رحمه الله (18/ 40):

"وهذه اللفظة- إن صحت- رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل، وإن لم تصح من جهة النقل؛ فهي صحيحة من جهة المعنى، والأصول كلها تعضدها، والنظر يوجبها، لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار؛ لأن الله عز وجل قد أخبر أنه {لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} لمن مات كافراً، وهذا ما لا مدفع له، ولا خلاف فيه بين أهل القبلة.

والدليل على أن الرجل كان مؤمناً قوله حين قيل له " لم فعلت هذا؟ " فقال:" من خشيتك يا رب! ". والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق؛ بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم؛ كما قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} (فاطر:28)، قالوا: كل من خاف الله فقد آمن به وعرفه، ومستحيل أن يخافه من لا يؤمن به. وهذا واضح لمن فهم وألهم رشده.

وأما قوله: "لئن قدر الله علي "؛ فقد اختلف العلماء في معناه؛ فقال منهم قائلون: هذا رجل جهل بعض صفات الله عز وجل، وهي القدرة، فلم يعلم أن الله على كل ما يشاء قدير، قالوا: ومن جهل صفة من صفات الله عزوجل، وآمن بسائر صفاته وعرفها؛ لم يكن بجهله بعض صفات الله كافراً. قالوا: وإنما الكافر من عاند الحق لا من جهله.

ص: 773

وهذا قول المتقدمين من العلماء ومن سلك سبيلهم من المتأخرين.

وقال آخرون: أراد بقوله: "لئن قدر الله علي " من القدر الذي هو القضاء، وليس من باب القدرة والاستطاعة في شيء. قالوا: وهو مثل قول الله عز وجل في ذي النون: {إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} (الأنبياء:87).

وللعلماء في تأويل هذه اللفظة قولان:

أحدهما: أنها من التقدير والقضاء.

والآخر: أنها من التقتير والتضييق.

وكل ما قاله العلماء في تأويل هذه الآية فهو جائز في تأويل هذا الحديث في قوله: "لئن قدر الله علي "، فأحد الوجهين تقديره: كأن الرجل قال: لئن كان سبق في قدر الله وقضائه أن يعذب كل ذي جرم على جرمه؛ ليعذبني الله على إجرامي وذنوبي عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين غيري.

والوجه الآخر: تقديره: والله! لئن ضيق الله علي وبالغ في محاسبتي وجزائي على ذنوبي ليكونن ذلك. ثم أمر بأن يحرق بعد موته من إفراط خوفه.

وأما جهل هذا الرجل بصفة من صفات الله في علمه وقدره؛ فليس ذلك بمخرجه من الإيمان، ألا ترى أن عمر بن الخطاب وعمران بن حصين وجماعة من الصحابة سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن القدر. ومعلوم أنهم إنما سألوه عن ذلك وهم جاهلون به، وغير جائز عند أحد من المسلمين أن يكونوا بسؤالهم عن ذلك كافرين، أو يكونوا حين سؤالهم عنه غير مؤمنين.

وروى الليث عن أبي قبيل عن شُفَيٍّ الأصبحي عن عبد الله بن عمرو بن

ص: 774

العاص- فذكر حديثاً في القدر، وفيه: فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فأي شيء نعمل إن كان الأمر قد فرغ منه؟ (1)، فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم العلماء الفضلاء- سألوا عن القدر سؤال متعلم جاهل؛ لا سؤال متعنت معاند، فعلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما جهلوا من ذلك، ولم يضرهم جهلهم به قبل أن يعلموه، ولو كان لا يسعهم جهله وقتاً من الأوقات؟ لعلمهم ذلك مع الشهادة بالإيمان، وأخذ ذلك عليهم في حين إسلامهم، ولجعله عموداً سادساً للإسلام، فتدبر واستعن بالله.

فهذا الذي حضرني على ما فهمته من الأصول ووعيته، وقد أديت اجتهادي في تأويل حديث هذا الباب كله ولم آلُ، وما أبرئ نفسي، وفوق كل ذي علم عليم. وبالله التوفيق ".

هذا كله كلام الحافظ ابن عبد البر، وهو كلام قوي متين يدل على أنه كان إماماً في العلم والمعرفة بأصول الشريعة وفروعها، جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً.

وخلاصته؛ أن الرجل النباش كان مؤمناً موحداً، وأن أمره أولاده بحرقه

إنما كان إما لجهله بقدرة الله تعالى على إعادته- وهذا ما أستبعده أنا- أو لفرط خوفه من عذاب ربه، فغطى الخوف على فهمه؛ كما قال ابن الملقن فيما ذكره الحافظ (11/ 314)، وهو الذي يترجح عندي من مجموع روايات قصته، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(1) رواه أحمد والترمذي وصححه، وهو مخرج في "الصحيحة "(848)، و"المشكاة"(96)، وحديث عمران الذي أشار إليه متفق عليه، وهو مخرج في "ظلال الجنة"(412 و413)، وفيه حديث عمر (170). [منه].

ص: 775

وسواء كان هذا أو ذاك؛ فمن المقطوع به أن الرجل لم يصدر منه ما ينافي توحيده، ويخرج به من الإيمان إلى الكفر؛ لأنه لو كان شيء من ذلك لما غفر الله له؛ كما تقدم تحقيقه من ابن عبد البر.

ومن ذلك يتبين بوضوح أنه ليس كل من وقع في الكفر من المؤمنين وقع الكفر عليه وأحاط به. ومن الأمثلة على ذلك: الرجل الذي كان قد ضلت راحلته، وعليها طعامه وشرابه، فلما وجدها قال من شدة فرحه:

"اللهم! أنت عبدي وأنا ربك "! (1).

وفي ذلك كله رد قوي جداً على فئتين من الشباب المغرورين بما عندهم من علم ضحل: الفئة الأولى: الذين يطلقون القول بأن الجهل ليس بعذر مطلقاً؛ حتى ألف بعض المعاصرين منهم رسالة في ذلك!

والصواب الذي تقتضيه الأصول والنصوص التفصيل؛ فمن كان من المسلمين يعيش في جو إسلامي علمي مصفى، وجهل من الأحكام ما كان منها معلوماً من الدين بالضرورة- كما يقول الفقهاء- فهذا لا يكون معذوراً؛ لأنه بلغته الدعوة وأقيمت الحجة.

وأما من كان في مجتمع كافر لم تبلغه الدعوة، أو بلغته وأسلم؛ ولكن خفي

(1) رواه مسلم (8/ 93)، ومن طريقه البغوي في "شرح السنة"(5/ 87) وصححه من حديث أنس، وعزاه الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء"(4/ 5) لمسلم من حديث النعمان بن بشير أيضاً بزيادة " اللهم! أنت .. "، وهو وهم؛ فإنه عنده دون الزيادة، وكذلك أخرجه أحمد (4/ 273 و275) عن النعمان، والبخاري، ومسلم أيضاً من طريق أخرى عن أنس مختصراً، وأخرجاه من حديث ابن مسعود مطولاً؛ غير أن البخاري أوقفه. ومسلم، وابن حبان (2/ 9/ 620 - الإحسان)، وأحمد (2/ 316 و500) عن أبي هريرة مختصراً نحو روايتهما عن أنس. [منه].

ص: 776

عليه بعض تلك الأحكام لحداثة عهده بالإسلام، أو لعدم وجود من يبلغه ذلك من أهل العلم بالكتاب والسنة؛ فمثل هذا يكون معذوراً.

ومثله- عندي- أولئك الذين يعيشون في بعض البلاد الإسلامية التي انتشر فيها الشرك والبدعة والخرافة، وغلب عليها الجهل، ولم يوجد فيهم عالم يبين لهم ما هم فيه من الضلال، أو وجد ولكن بعضهم لم يسمع بدعوته وإنذاره؛ فهؤلاء أيضاً معذورون بجامع اشتراكهم مع الأولين في عدم بلوغ دعوة الحق إليهم؛ لقوله تعالى:{لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} (الأنعام:19) وقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} (الإسراء:15)، ونحو ذلك من الأدلة التي تفرع منها تبني العلماء عدم مؤاخذة أهل الفترة؛ سواء كانوا أفراداً أو قبائل أو شعوباً؛ لاشتراكهم في العلة؛ كما هو ظاهر لا يخفى على أهل العلم والنُّهى.

ومن هنا يتجلى لكل مسلم غيور على الإسلام والمسلمين عظم المسؤولية الملقاة على أكتاف الأحزاب والجماعات الإسلامية الذين نصبوا أنفسهم للدعوة للإسلام، ثم هم مع ذلك يدعون المسلمين على جهلهم وغفلتهم عن الفهم الصحيح للإسلام، ولسان حالهم يقول- كما قال لي بعض الجهلة بهذه المناسبة

-: "دعوا الناس في غفلاتهم"! بل وزعم أنه حديث شريف!! أو يقولون- كما تقول العوام في بعض البلاد-: "كل مين على دينه، الله يعينه "! وهذا خطأ جسيم لو كانوا يعلمون، ولكن صدق من قال:"فاقد الشيء لا يعطيه "!.

والفئة الثانية: نابتة نبتت في هذا العصر؛ لم يؤتوا من العلم الشرعي إلا نزراً يسيراً، وبخاصة ما كان منه متعلقاً بالأصول الفقهية، والقواعد العلمية المستقاة من الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح، ومع ذلك؛ اغتروا بعلمهم فانطلقوا

ص: 777

يبدِّعون كبار العلماء والفقهاء، وربما كفروهم لسوء فهم أو زلة وقعت منهم، لا يرقبون فيهم (إلاً ولا ذمة)، فلم يشفع عندهم ما عرفوا به عند كافة العلماء من الإيمان والصلاح والعلم، وما ذلك إلا لجهلهم بحقيقة الكفر الذي يخرج به صاحبه من الإيمان؛ ألا وهو الجحد والإنكار لما بلغه من الحجة والعلم؛ كما قال تعالى في قوم فرعون:{فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِين، وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ} (النمل:13، 14). وقال في الذين كفروا بالقرآن: {ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُون} (فصلت:28) ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض فتاويه (16/ 434 - مجموع الفتاوى):

" لا يجوز تكفير كل من خالف السنة؛ فليس كل مخطئ كافراً، لا سيما في المسائل التي كثر فيها نزاع الأمة ".

يشير إلى مثل مسألة كلام الله وأنه غير مخلوق، ورؤية الله في الآخرة، واستواء الله على عرشه، وعلوه على خلقه؛ فإن الإيمان بذلك واجب، وجحدها كفر، ولكن لا يجوز تكفير من تأولها من المعتزلة والخوارج والأشاعرة بشبهة وقعت لهم؛ إلا من أقيمت عليه الحجة وعاند.

وهذا هو المثال بين أيدينا: الرجل النباش؟ فإنه مع شكه في قدرة الله على بعثه غفر الله له؛ لأنه لم يكن جاحداً معانداً؛ بل كان مؤمناً بالله وبالبعث على الجملة دون تفصيل لجهله. قال شيخ الإسلام بعد أن ساق الحديث برواية " الصحيح " وذكر أنه حديث متواتر (12/ 491):

" وهنا أصلان عظيمان:

ص: 778

أحدهما: متعلق بالله تعالى؛ وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير.

والثاني: متعلق باليوم الآخر؛ وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا الميت، ويجزيه على أعماله. ومع هذا فلما كان مؤمناً بالله في الجملة، ومؤمناً باليوم الآخر في الجملة، وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت، وقد عمل عملاً صالحاً- وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه-؛ غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح ".

ولهذا؛ فإني أنصح أولئك الشباب أن يتورعوا عن تبديع العلماء وتكفيرهم، وأن يستمروا في طلب العلم حتى ينبغوا فيه، وأن لا يغتروا بأنفسهم، ويعرفوا حق العلماء وأسبقيتهم فيه، وبخاصة من كان منهم على منهج السلف الصالح كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية، وأَلْفِتُ نظرهم إلى "مجموع الفتاوى" فإنه "كُنَيْف مُلِىءَ علماً"، وبخاصة إلى فصول خاصة في هذه المسالة الهامة "التكفير"، حيث فَرَّقَ بين التكفير المطلق وتكفير المعين، وقال في أمثال أولئك الشباب:

"ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين؛ إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه ".

يعني الذين كانوا يقولون: القرآن مخلوق. ومن قال: إن الله لا يرى في الآخرة؛ وأمثالهم.

فأقول: وملاحظة هذا الفرق هو الفيصل في هذا الموضوع الهام، ولذلك

ص: 779

فإني أحث الشباب على قراءته وتفهمه من "المجموع "(12/ 464 - 501) الذي ختمه بقوله:"وإذا عُرف هذا؛ فتكفير (المعين) من هؤلاء الجهال وأمثالهم- بحيث يحكم عليه أنه من الكفار- لا يجوز الإقدام عليه؛ إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل، وإن كانت مقالتهم لا ريب أنها كفر، (يعني: الدعاة إلى البدعة).

وهكذا الكلام في تكفير جميع (المعينين)؛ مع أن بعض هذه البدع أشد من بعض، وبعض المبتدعة يكون فيه من الإيمان ما ليس في بعض، فليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين- وإن أخطأ وغلط- حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة ".

هذا؛ وفي الحديث دلالة قوية على أن الموحد لا يخلد في النار؛ مهما كان فعله مخالفاً لما يستلزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال؛ كالصلاة ونحوها من الأركان العملية، وإن مما يؤكد ذلك ما تواتر في أحاديث الشفاعة؛ أن الله يأمر الشافعين بأن يخرجوا من النار من كان في قلبه ذرة من الإيمان. ويؤكد ذلك حديث أبي سعيد الخدري أن الله تبارك وتعالى يخرج من النار ناساً لم يعملوا خيراً قط، ويأتي تخريجه وبيان دلالته على ذلك، وأنه من الأدلة الصريحة الصحيحة على أن تارك الصلاة المؤمن بوجوبها يخرج من النار أيضاً ولا يخلد فيها، فانظره بالرقم (3054).

"الصحيحة"(7/ 1/105 - 116).

ص: 780