الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا أولاً؛ وثانياً: فإن قول المؤلف: أن الذي مات في الفترة مخاطب بشرع من قبله .. لا يدل عليه قوله تعالى: {وإن من أمة} ؛ لأن المعنى: «ما من أمة من الأمم الماضية إلا مضى فيها نذير من الأنبياء ينذرها» كما قال الشوكاني في
«فتح القدير» .
وأما أنها تدل على أن من مات في الفترة مخاطب بشرع من قبله فهذا شيء لا تدل عليه الآية لا من قريب ولا من بعيد بل لا بد له من دليل خاص. فكيف والثابت خلافه وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة» . رواه الشيخان وهو مخرج في «الإرواء» (285).
"تحقيق رفع الأستار"(ص113 - 114).
[757] باب هل كان والدا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أهل الفترة
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أَبِى؟ قَالَ: «فِي النَّارِ» . فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ فَقَالَ «إِنَّ أَبِى وَأَبَاكَ في النَّارِ» .
[قال الإمام]:
[أخرجه] مسلم (1/ 132 - 133) ، وله شواهد، منها حديث سعد بن أبي وقاص الآتي بعده.
واعلم أن هذا الحديث مع صحة إسناده، وكثرة شواهده، وتلقي العلماء
النقاد بالقبول له، فإن الشيخ (أبو زهرة) قد رده بجرأة وجهالة متناهية، فقال (1/ 132):
«إنه خبر غريب في معناه، كما هو غريب في سنده، لأن الله تعالى يقول: [وما
كنا معذبين حتى نبعث رسولاً] (الإسراء:15) ، وقد كان أبو محمد عليه الصلاة والسلام وأمه على فترة من الرسل، فكيف يعذبون؟!!
…
وفي الحق إني ضرست في سمعي وفهمي عندما تصورت أن عبد الله وآمنة يتصور أن يدخلا النار»!
فأقول: يا سبحان الله! هل هذا موقف من يؤمن برسول الله أولاً، ثم بالعلماء الصادقين المخلصين ثانياً، الذين رووا لنا أحاديثه صلى الله عليه وآله وسلم وحفظوها لنا، وميزوا ما صح مما لم يصح منها، واتفقوا على أن هذا الحديث من الصحيح الثابت عنه صلى الله عليه وآله وسلم؟! أليس موقف (أبو زهرة) هذا هو سبيل أهل الأهواء - كالمعتزلة وغيرهم- الذين قالوا بالتحسين والتقبيح العقليين، مما رده عليهم أهل السنة؟! والشيخ يزعم أنه منهم، فما باله خالفهم، وسلك سبيل المعتزلة في تحكيم العقل، وردهم للأحاديث الصحيحة لمجرد مخالفتها لأهوائهم، إما تأويلاً إذا لم يستطيعوا رده من أصله؟! وهذا عين ما فعله الشيخ، فإنه رد هذا الحديث لظنه أنه حديث غريب فرد - كما رأيت - وتأول أحاديث الزيارة بقوله:
ونحن نقول له - كما تعلمنا من بعض السلف-: اجعل (لعل) عند ذاك الكوكب! فإن أحاديث الزيارة تدل دلالة قاطعة على أن بكاءَه صلى الله عليه وآله وسلم إنما كان شفقة عليها من النار، وهذا صريح في بعض طرق حديث بريدة، كما سبق ذكره مني في التعليق عليه قريباً. ولذلك علق الإمام النووي على حديث أبي هريرة منها بقوله في «شرح مسلم»:
«فيه جواز زيارة المشركين في الحياة، وقبورهم بعد الوفاة، لأنه إذا جازت
زيارتهم بعد الوفاة ففي الحياة أولى، وفيه النهي عن الاستغفار للكفار».
وقال في شرح حديث أنس هذا:
قلت: وفي كلام الإمام النووي رد صريح على زعم (أبو زهرة) أن أهل الفترة الذين كانوا من قبل بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يعذبون! ومع أن قوله هذا مجرد دعوى، لأنه لا يلزم من صحة القاعدة - وهي هنا أن من لم تبلغه الدعوة لا يعذب - أن الشخص الفلاني أو الأمة الفلانية لم تبلغهم الدعوة، بل هذا لا بد له من دليل كما هو ظاهر، وهذا مما لم يعرج عليه (أبو زهرة) مطلقاً، وحينئذ يتبين للقارئ الكريم كم قد تجنى على العلم حين رد حديث أنس، وتأول أحاديث الزيارة بما يفسد دلالتها بمجرد هذه الدعوى الباطلة؟!
وإن مما يؤكد لك بطلانها مخالفتها لأحاديث كثيرة جدّاً يدل مجموعها على أن الصواب على خلافها، وأرى أنه لا بد هنا من أن أذكر بعضها:
1 -
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار، كان أول من سيب السوائب» . رواه الشيخان.
وفي رواية: «كان أول من غير دين إسماعيل» .
2 -
سألوه صلى الله عليه وآله وسلم عن عبد الله بن جدعان، فقالوا: كان يقرى الضيف، ويعتق، ويتصدق، فهل ينفعه ذلك يوم القيامة؟ فقال:
«لا، إنه لم يقل يوماً: رب! اغفر لي خطيئتي يوم الدين» . رواه مسلم.
3 -
أنه صلى الله عليه وآله وسلم مر بنخل فسمع صوتاً (يعني: من قبر)، فقال:«ما هذا؟» . قالوا: قبر رجل دفن في الجاهلية فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
«لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله عز وجل أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمعني» ، رواه أحمد من طرق عن أنس، وعن جابر، وله شاهد من حديث زيد بن ثابت عند مسلم وأحمد، وهو مخرج في «الصحيحة» (158و159)
4 -
حديث رؤيته صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة الكسوف صاحب المحجن يجر قصبة في النار، لأنه كان يسرق الحاج بمحجنه.
رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في «الإرواء» (656).
وفي الباب أحاديث أخرى خرجها الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/ 116 - 119) ، فليراجعها من شاء، وهي بمجموعها تدل دلالة قاطعة على أن المشركين في الجاهلية من أهل النار، فهم ليسوا من أهل الفترة، فسقط استدلال (أبو زهرة) بالآية جملة وتفصيلاً.
وأما قوله في حديث أنس المتقدم أعلاه:
فأقول: وهذه دعوى باطلة كسابقتها، فالحديث صحيح لا غرابة فيه، وحسبك دليلاً أنه أخرج في «الصحيح» ، وإن أراد بذلك أنه غريب بمعنى أنه تفرد به واحد، فذلك مما لا يضره، لأن كل رواته ثقات أثبات، على أن له شواهد تزيده قوة على قوة كما تقدم. وأنا حين أقول هذا أعلم أن السيوطي تورط أيضاً وغلبه الهوى، فأعل الحديث بتفرد حماد بن سلمة به - إلى درجة أنه لم يورده في «الجامع