الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[741] باب بيان من هم أهل الفترة
سؤال: شيخ من أهل الفترة؟ وما حكمهم في الآخرة؟ وهل أهل الجاهلية يعتبرون من أهل الفترة؟
الشيخ: نعم.
المراد بأهل الفترة كل من لم تبلغه الدعوة على الوجه الصحيح الذي جاء في الشرع، ولكن ليس من المستطاع تحديد كل فرد من أفراد أهل الفترة؛ لأن هذا أولاً ليس بالمستطاع بالنسبة للبشر، وثانياً لم يرد مثل هذا التحديد عن الله ورسوله.
ثم هذه التسمية أهل الفترة وإطلاقها على من لم تبلغهم الدعوة هو اصطلاح علمي لا مانع منه؛ لأن لكل قوم أن يصطلحوا على ما شاؤوا بشرط أن لا يكون في اصطلاحهم شيء من المخالفة لنص من نصوص الكتاب أو السنة، نحن
نجد في القرآن مثل قوله عليه الصلاة والسلام، مثل قول رب الأنام:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، ولله الحجة البالغة ولو شاء الله لهدى الناس جميعاً.
أما أن نقول: إن العصر الفلاني أو الزمن الفلاني هم كلهم أفراداً وجماعات هم من أهل الفترة هذا أمر مستحيل، لكننا نقول: من كان من أهل الفترة بالمعنى الذي أشارت إليه الآية أي لم تبلغه الدعوة ولن تبلغه دعوة نبي أو رسول فهو الذي نستطيع أن نقول: إنه لا يعذب يوم القيامة من لم تبلغه الدعوة، أما من هم وفي أي زمن هم؟ هذا لا سبيل إلى تحديده، بل قد يمكن أن يوجد أهل فترة في كل زمان سواء كان هذا الزمان قبل الإسلام أو بعد الإسلام.
أما الذين كانوا قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام من العرب في الجاهلية فهو مما يدخل في كلامي السابق لا يمكن أن نقول: إنهم جميعاً ليسوا من أهل الفترة الذين لم تبلغهم الدعوة أو إنهم من أهل الفترة كلهم لم تبلغهم الدعوة، لا يمكن أن يقال: لا هذا ولا هذا بهذا الإطلاق والعموم والشمول، ولكننا نعتقد أن كلاً من النوعين كان موجوداً، أي كان في العرب من بلغتهم الدعوة وكان فيهم من لم تبلغهم الدعوة، فإذا جاء النص عن الله ورسوله يحدد أن فلاناً لم تبلغه الدعوة قلنا في عينه بأنه لم تبلغه الدعوة، والعكس بالعكس تماماً، إذا جاء النص عن شخص معين إما أنه لم تبلغه الدعوة أو جاءنا لازم ذلك أي: إنه من أهل النار فذلك يستلزم أن يكون قد بلغته الدعوة؛ لأن الله يقول كما ذكرنا آنفاً: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، فقبل بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت هناك رسالة إبراهيم وإسماعيل وكانت آثارها في العرب لا تزال قائمة وبخاصة في مكة المشرفة والمقدسة من الله تبارك وتعالى ببناء إبراهيم الكعبة فيها وعبادته لله عز وجل فيها هو وابنه إسماعيل ومن استجاب لدعوتهما، فإسماعيل عليه السلام كان قد أرسل إلى العرب ودعوته استمرت ظاهرة جلية في البلاد العربية وبخاصة في عاصمتها مكة، واستمرت هذه الدعوة في العرب ما شاء الله وكان فيهم إلى قدوم بعثة الرسول عليه السلام من يعبد الله وحده لا شريك له وإن كان غالبية العرب قد وقعوا في الشرك وهذا أمر أعني وقوعهم في الشرك وعبادتهم لغير الله عز وجل هذا أمر لا يحتاج إلى كثير من البحث، وإنما البحث الذي ينبغي أن نوجه الكلام فيه هو: هل كل من كان قبل الرسول عليه السلام لم تبلغه الدعوة من هؤلاء العرب فهم غير مؤاخذين وغير مخلدين في النار؟ الجواب: هذه الكلية باطلة لا يجوز إطلاقها، أن يقول قائل: كل من كان قبل بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو من أهل الفترة، ذلك لأن لدينا أحاديثاً كثيرة وكثيرة جداً تصرح بأن بعض من كانوا في الجاهلية قبل بعثة
الرسول عليه صلى الله عليه وآله وسلم هم من أهل النار، وأظن أن مثل هذه الأحاديث لا تخفى على أحد من الحاضرين، بل ولا على أحد من طلاب العلم من غيرهم.
إلا أن بعض هؤلاء المشار إليهم من غير الحاضرين إن شاء الله عندهم بعض الشبه والإشكالات حول هذه النصوص التي أشرت إليها بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر عن بعض من كان قبل بعثته من العرب وقد يكونون أو يكون بعضهم من أقاربه عليه الصلاة والسلام بل من أقرب الناس إليه وقد شهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه في النار، فيأتي هنا الإشكال ويحاول بعض الناس بالإطاحة بالإشكال من أصله بالحكم على الأحاديث التي وردت بعدم صحة ذلك بزعمهم لأنها تتنافى مع كون العرب الذين كانوا قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم من أهل الفترة.
فلذلك فأنا أريد أن ألفت النظر إلى شيئين قد سبق أن ذكرت آنفاً أحدهما وهو أنه لا يمكن أن يقال قولاً مطلقاً بأن كل من كانوا قبل بعثة الرسول عليه السلام من العرب كانوا من أهل الفترة أي من الذين لم تبلغهم الدعوة، وحين ذاك لا يصح الاستنزال لرد هذه الأحاديث التي أشرت إليها وسيأتي التنصيص على بعضها لا يجوز ردها بمثل الآية السابقة {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)؛ لأننا سنقول: هذه الآية محكمة، ولكن تطبيقها على كل فرد من الأفراد الذين كانوا في أمة قد أرسل إليهم رسول لا يمكن إلا أن نقول: إن كل فرد لم تبلغه الدعوة أو على العكس من ذلك والعكس ليس موضع إشكال وهو أن كل فرد قد بلغتهم الدعوة، لا نقول بلغتهم الدعوة فرداً فرداً كما أننا لا نقول: لم تبلغهم الدعوة فرداً فرداً، من لم تبلغه الدعوة فهو من أهل الفترة الذين لا يعذَّبون بكفرهم وضلالهم فحينئذ إنما نقف أمام أحاديث صحيحة يصرح فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن فلاناً وفلاناً من أهل النار فلا يجوز أن يقال في هذه الحالة: بأن هذا ليس صحيحاً لأنه
كان من أهل الفترة؛ لأننا سنقول: ما يدريك أنه من أهل الفترة وقد قال عليه الصلاة والسلام فيهم: أنهم من أهل النار.
كما جاء في الصحيحين مثلاً: «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر ذات يوم راكباً على دابته فشمست به وكادت أن ترميه فنظر فوجد قبرين فسأل من كان معه من الصحابة: متى مات هؤلاء؟ قالوا: في الجاهلية، فقال عليه الصلاة والسلام: لولا أن تدافنوا لأسمعتكم عذاب القبر» (1).
والشاهد من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شهد بأن هذين المقبورين ماتا في الجاهلية ومع ذلك فإنهما يعذبان ولو قال عليه السلام: «لولا أن تدافنوا لأسمعتكم عذاب القبر» هذا العذاب الذي شمست به دابته خوفاً من هذا العذاب الذي سمعته الدابة وهذا العذاب كان منصباً على رجلين ماتا في الجاهلية.
فحينئذ لازم هذا الحديث وأمثاله أنهما ماتا على الشرك وعلى الضلال من جهة وأنهما ليسوا ممن لم تبلغهم الدعوة؛ لأنهم لو كانوا كذلك لم يستحقوا العذاب بصريح الآية السابقة {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15).
كذلك قد جاء في غير ما حديث: «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن بعض الأجواد الكرماء الذين كان يضرب بهم المثل بجودهم وكرمهم ممن ماتوا في الجاهلية، هل نفعهم شيء من ذلك؟ قال: لا إنه لم يقل يوماً ما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين» (2).
وأخيراً: نأتي إلى مشكلة المشاكل بالنسبة لبعض الكتاب المعاصرين الذين
(1) مسلم (رقم7392).
(2)
مسلم (رقم540).
يتكؤون على قاعدة أن أهل الفترة غير معذبين فيردون هذا الحديث الأخير، مع ما سبق ذكره من أحاديث فلا يهمهم أن يتعرضوا لذكرها سلباً أو إيجاباً؛ لأنها لا علاقة لها بعواطفهم بخلاف الحديث الذي سأذكره آتياً ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«إني أستأذنت ربي في أن أزور قبر أمي فأذن لي واستأذنته في أن أستغفر لها فلم يأذن لي» (1) فهذا الحديث باعتباره يتعلق بوالدة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو سيد البشر فكثير من الناس الذين يستسلمون لعواطفهم دون أن يحكموا فيها شريعة ربهم وأن يسلموا لها تسليما يكبر عليهم جداً أن يتقبلوه كما هو واجب كل مسلم في أن يكون موقفه تجاه حكم من أحكام الله عز وجل كما قال تبارك وتعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء:65)، فهم لا يسلمون لهذا الحديث تسليماً كما أمرهم الله عز وجل في الآية المذكورة؛ لأنهم لا تتسع عقولهم لأن يعتقدوا بأن أم سيد البشر هي من أهل النار، مع علمهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول في حديث معروف في صحيح مسلم من:«من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» (2) والله عز وجل يقول: {فَإِذَا نُفِخَ في الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} (المؤمنون:101)، فالأنساب يوم القيامة بالنسبة لمن مات على الشرك فلا فائدة منه إطلاقاً، وهذا الحديث بخصوصه يدخل في هذا العموم أن النسب لا يفيد صاحبه إذا لم يكن مؤمناً بالله ورسوله.
فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «واستأذنت ربي في أن أستغفر لها» فلم يأذن لي دليل واضح
(1) مسلم (رقم2304).
(2)
مسلم (رقم7028).
جداً أن والدة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي من أهل النار مع أنها ماتت قبل أن يشب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فضلاً عن أنها ماتت قبل بعثته صلى الله عليه وآله وسلم فهي إذاً ماتت في الجاهلية فهل هي من أهل الفترة أي: الذين لم تبلغهم الدعوة؟ الجواب: لو كانت كذلك لمَا أبى الله تبارك وتعالى أن يأذن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يستغفر لها، فإذاً هي ماتت على الشرك ومن مات على الشرك فلا تنفعه شفاعة الشافعين.
كذلك الحديث الآخر ولعله عند بعض الناس أشهر وهو أيضاً في صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: «أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله! أين أبي؟ قال: في النار، ثم انصرف الرجل» .
قال عليه الصلاة والسلام: «هاتوا الرجل، فلما رجع قال له صلى الله عليه وآله وسلم: إن أبي وأباك في النار» (1)، فحكمه أيضاً عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث على والده الذي كان سبب وجوده أنه من أهل النار لدليل واضح أنه ليس من أهل الفترة الذين لم تبلغهم الدعوة؛ لأنه لو كان كذلك لم يكن أيضاً من أهل النار.
لهذه الأحاديث لا يجوز لنا أن نقول: إن كل من كان قبل بعثة الرسول عليه السلام من المشركين هو من أهل الفترة؛ لأننا بذلك نضرب أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دونما حجة من عند أنفسنا إلا التمسك بعمومات لا تفيد بالنسبة للنصوص الخاصة، وحينئذ وجب الجمع بين ما دلت عليه الآية وما في معناها، أن الله عز وجل لا يعذب أحداً من عباده إلا بعد إرسال الرسول إليه.
ولعل من المفيد أن نذكر هنا شبهة أخرى تعترض سبيل أولئك الشاكِّين في بعض هذه الأحاديث المقطوع بصحتها عند أهل العلم حينما يقولون: إن هؤلاء
(1) مسلم (رقم521).
الأفراد الذين جاءت الأحاديث لتصرح بأنهم من أهل النار لم تبلغهم الدعوة، فنقول حين ذاك: ما هو الدليل عندكم أن هذا الجنس من الناس المعذبين ممن ماتوا في الجاهلية، ما هو الدليل عندكم في النفي الذي تذكرونه أي: قولهم: لم تبلغهم الدعوة؛ لا يجدون جواباً إلا أن يقولوا: نحن نعلم يقيناً إن أبوي الرسول مثلاً وبعض أولئك الكرام الذين ماتوا في الجاهلية نعلم يقيناً أنه ما أرسل إليهم رسولاً، هنا لا بد من أن نقف قليلاً:
{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15) هل المقصود ببعثة الرسول التي تقوم الحجة بها على الناس الذين جحدوها وكفروا بها أن يأتيهم الرسول بشخصه ومعه الدعوة من ربه إليهم، أم يكفي أن تصل دعوة الرسول إلى أولئك الناس ولو بواسطة بعض أصحاب ذلك الرسول أو الذين جاءوا من بعدهم، هنا دقة في الموضوع، وأظن أنه لا يستطيع أحد أن يفسر الآية:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15) أن المقصود بعثة الرسول بشخصه فقط، أي: بمعنى أنه إذا مات الرسول ماتت الدعوة، وأن هذه الدعوة لو بلغت ناساً بواسطة أتباع الرسول الأولين أو أتباع أتباعهم وهكذا فلا تقوم حجة الله على الناس إلا في حالة بعثة الرسول بشخصه فقط.
لا أعتقد أن أحداً يضيق معنى هذه الآية فيقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15) بشخصه، أي: كل قوم لا بد أن يأتيهم الرسول بشخصه وبدعوته، ذلك؛ لأن من المعلوم أولاً بالنص قوله عليه الصلاة والسلام:«فضلت على الأنبياء قبلي بخمس خصال -وذكر فيها عليه الصلاة والسلام قوله: وأنه كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة» (1)، قوله عليه السلام: «وبعثت
(1) مسلم (رقم427).
إلى الناس كافة» مع قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (سبأ:28)، وقوله:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107)، كل هذا وذاك يدل على أن بعثة الرسول عليه السلام ليست فقط بشخصه بل وببلوغ الدعوة إلى من بعد وفاته عليه الصلاة والسلام.
كذلك نقول حينما قال عليه السلام: «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة» لا يعني: يبعث بشخصه فقط بل وبدعوته بعد وفاته عليه الصلاة والسلام.
هذه حقائق باعتقادي لا يمكن لأحد أن يماري أو يجادل فيها؛ لأنه سيلزمه محظوران اثنان:
المحظور الأول: أن يعتقد أن بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى الناس كافة محصورة بالعرب الذين دعاهم الرسول عليه الصلاة والسلام مباشرًة إلى الإسلام، أما بعد وفاته فقد انتهت دعوته عليه السلام وبعثته ورسالته، وهذا بلا شك باطل.
والشيء الآخر مثله وهو: أن يعتقد أولئك الشاكين المرتابين في صحة تلك الأحاديث وهي صحيحة دون خلاف بين العلماء أن يعتقدوا أننا نحن اليوم معشر المسلمين وعددهم يبلغ عشرات الملايين، لم تبلغنا الدعوة، لماذا؟ لأنه ما جاءنا رسول مباشرةً، فهل من عاقل يقول بمثل هذا القول الذي يلزمهم أن يقولوا به إذا ما قالوه في العرب الذين كانوا قبيل بعثة الرسول عليه السلام؛ لأنهم يقولون: هؤلاء ما جاءهم رسول لكنهم يعلمون أنهم جاءتهم دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، وهي دعوة التوحيد فكفر من كفر بها وآمن من آمن بها، فإذًا: لا فرق بين دعوة إبراهيم وإسماعيل من حيث شمولها لكل من بلغته الدعوة ولو بعد وفاة الرسول المرسل إليهم مباشرةً؛ لأنه ليس المقصود من بعثة الرسول
هو الشخص، وإنما المقصود دعوته ورسالته.
ذلك لأننا لو فرضنا إنسانًا في زمن الرسول المبعوث مباشرةً إلى قومٍ ما كان أصم أبكم، التقى مع الرسول المبعوث ولكنه هو لا يفقه شيئًا مما يقول لما به من صمم وبكم، فهذا لم تبلغه الدعوة وإن كان قد بلغه الرسول بشخصه، والعكس كذلك حينما نتصور قومًا جاءتهم دعوة الرسول عليه السلام دون أن يروا الرسول وبعينه وشخصه فقد قامت الحجة عليهم.
إذا كان الأمر كذلك وهو كذلك دون خلاف بين مسلمين فحينئذٍ لا محظور بالنسبة لتلك الأحاديث الصحيحة التي تشهد بأن أولئك الأشخاص هم من أهل النار، فلازم ذلك أنهم قد بلغتهم الدعوة، وأقيمت عليهم الحجة، فلا جرم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكم عليهم بأنهم من أهل النار، فقول من يقول بدفع هذه الأحاديث أن إسماعيل أو إبراهيم أو غيرهما من الأنبياء الذين أرسلوا إلى العرب ما جاءهم رسول مباشرةً، هذا كما لو قال قائل اليوم: أن التابعين وأتباع التابعين إلى هذا الزمان وإلى آخر الزمان الذي لا يبقى على وجه الأرض من يشهد ألا إله إلا الله إلا جاءت ريح طيبة وقبضت أرواحهم، كل هؤلاء من المسلمين أتباع الصحابة ومن بعدهم نقول: لم تبلغهم الدعوة؛ لأنهم ما جاءهم الرسول، فهل من عاقل يقول بمثل هذه الكلمة؟
ظني أن لا أحد يقول، إذًا: نحن نلزمهم بأن يقولوا نفس الكلمة معنا: بأنه ليس المقصود من إرسال الرسل فيما قبل الرسول عليه السلام هو أشخاصهم فقط، بل المقصود: دعوتهم أيضًا، فسواء لا فرق بين قوم جاءهم الرسول مباشرةً بدعوته، وبين قوم أو أقوام آخرين جاءتهم دعوة الرسول بوساطة أتباع الرسول،
فكل من هؤلاء وهؤلاء قد قامت حجة الله عز وجل على الناس جميعًا بطريق من هاتين الطريقتين: إما وصول دعوة الرسول بواسطته هو مباشرةً، أو وصول دعوة الرسول بواسطة غيره من أتباعه الذين آمنوا به، فحينئذٍ نعرف من هم أهل الفترة.
وخلاصة ذلك: أن أهل الفترة هم الذين لم تبلغهم دعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مباشرةً منه إليهم، أو بواسطة أحد أتباع هذا الرسول.
إلى هنا فيما يبدو لي ينتهي الجواب عن السؤال السابق، ولكن لا بد لي من كلمة قصيرة حول الدعوة التي يجب أن تبلغ ناسًا لتكون حجة الله قائمةً عليه؛ لأنهم قد تكون جاءتهم الدعوة بطريق غير طريق الرسول، فلا تكون الحجة قائمةً في هذه الحالة، لتقصير وقع من هؤلاء المبلغين، فقد ذكرت آنفًا أن الرسالة قد تبلغ بطريق من طريقتين:
الطريقة الأولى: بشخص الرسول، وهذه بلا شك ولا ريب أقوى من الطريقة الأخرى.
وهي: أن تصل الدعوة إلى قوم ما بواسطة أتباع الرسول، سواء كان هؤلاء الأتباع من أتباع الرسول مباشرًة، أو على التسلسل كما نقول في فهم حديث الرسول:«خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» فخير الناس أصحابه عليه السلام؛ لأنهم هم الذين أرسل إليهم الرسول مباشرةً، ثم التابعون لهؤلاء الأصحاب، ثم أتباعه.
فالطريقة الأخرى أن تصل الدعوة إلى ناس ما بطريق أتباع الرسول، سواء التابعين للصحابة أو أتباعهم، أو من جاءوا من بعدهم كما هو واقعنا اليوم.
الذي أريد الآن أن أذكر به إتمامًا للفائدة: أن الدعوة التي تصل إلى قوم ما
بالطريقة الأخرى، ليس بطريقة الرسول مباشرةً يجب أن تكون هذه الدعوة قد بلغتهم صافيةً نقية، لا تغيير فيها ولا تبديل ولا تحوير، لأنها في هذه الحالة إذا بلغتهم كذلك تكون بلوغ الدعوة إليهم بواسطة الأتباع كما لو كانت وصلت إليهم بواسطة الرسول مباشرةً، أما إذا كان الأمر على خلاف ذلك، أي: إن قومًا ما أو ناسًا ما بلغتهم دعوة الإسلام محرفةً .. مغيرةً .. مبدلةً، وبخاصة ما كان منها متعلقًا في أصولها وفي عقيدتها، فهؤلاء الناس أنا أول من يقول إنهم لم تبلغهم الدعوة؛ لأن المقصود ببلوغ الدعوة على صفائها وبياضها ونقائها، أما والفرض الآن أنها بلغتهم مغيرةً مبدلة، فهؤلاء لم تبلغهم الدعوة وبالتالي لم تقم حجة الله تبارك وتعالى عليهم.
هذا الذي أردت أن أضيفه إلى ما سبق من البيان لتتم الفائدة إن شاء الله.
مداخلة:
…
هو لا شك بأن الدعوة وصلت إلى كثير من الناس
…
ولكن هؤلاء الناس يختلفوا، إذا عرب درسوا إلى جانب هذه الدعوة المحرفة .. درسوا القرآن واللغة العربية بعلومها من بلاغة وبيان وإلى آخر والنحو والصرف، فهموا اللغة فهمًا واضحًا يعني: فهموا أيضًا القرآن .. اطلعوا على شيء من تفاسير السلف، هناك دعوة قائمة أيضًا تؤكد المبادئ وقواعد التوحيد التي جاء بها القرآن الكريم، كل هذا تتوفر لكثير من الناس خصوصًا العرب منهم، فهل نقول في هؤلاء: إنهم ما قامت عليهم الحجة وما بلغتهم الدعوة؟
الشيخ: من يقول بهذا؟
مداخلة: أخشى أن يتبادر فهم ..
الشيخ: لكن اعكس تصل الطرف الثاني بلغتهم الدعوة؟
مداخلة: أي طرف ثاني؟
الشيخ: الذي يقابل هذا الطرف الذي وصفته.
مداخلة: لا لا.
الشيخ: هذا هو المهم بارك الله فيك.
مداخلة: لا أقول بهذا، مثلاً الآن: مدرسة الأزهر تدرس العلوم الإسلامية بلغاتها وعقائدها وتراثها وكذا وكذا .. مثلهم بعض المدارس
…
أيضًا يدرسون هذه العلوم، يدرسون القرآن وعلومه ولغته بأصنافها، فهل نقول في هؤلاء فعلًا وصلتهم الدعوة المحرفة أو بطريق الأشعرية أو غيرهم، لكن بقي هناك ما تقوم به عليهم الحجة من فهمهم اللغة العربية وبفهمهم لعلوم القرآن وعلوم الحديث وتراث السلف الصالح، هل نقول في هؤلاء: بلغتهم الحجة فعلًا وقامت عليهم أو نقول: إن هناك احتمال أنه ما بلغتهم الحجة أو بعضهم ما بلغته الحجة.
الشيخ: أنا أعتقد بارك الله فيك أننا في كل المسائل يجب أن نأخذ أوضح الأمثلة وليس أغمضها، فالآن لنقل عن المسلمين الأعاجم، لا نتحدث عن علمائه، بل لنقل عن العرب أمة العرب الذين ليسو من العلماء، هل بلغتهم الدعوة؛ لأن المهم أن نتكلم في الأمة التي نقول عنها إنها أمة مسلمة سواء كانوا عربًا أو كانوا عجمًا، لا نريد أن نتكلم عن نخبة منها .. عن خاصة هذه الأمة العربية أو الأعجمية، وإنما نتكلم عن عامة هذه الأمة، هل بلغتهم الدعوة في هذا العصر؟ أنت ذكرت الأزهريين بخاصة، ترى! المصريين هل المصريون كشعب هل بلغتهم الدعوة كما جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الصحابة، وكما نقلها الصحابة إلى التابعين وهكذا؟
أنا أقطع بأن هذا الشعب كشعب لم تبلغهم الدعوة كما جاءت وكما أنزلت، لكن بلا شك بعض الخاصة من أولئك كما شرحتم آنفًا قد بلغتهم الدعوة وأقيمت عليهم الحجة، ونحن غرضنا من هذا البيان هو أن نخلص عامة المسلمين وبخاصة منهم الأعاجم من أن نبادر إلى تسليط سيف التكفير عليهم، ونحن نعرف أنهم يعيشون بين علماء كثير منهم من لم يفهم الدعوة كما يجب، وقسم منهم كما أشرت فهمها كما جاءت ولكنه اتبع هواه كما وقع مع العرب الأولين تمامًا الذين بعث إليهم الرسول مباشرًة، ولذلك أنا فرقت بين الدعوة بالطريقة الأولى حيث يأتي الرسول فيبلغ قومه مباشرًة، هنا ليس هناك مجال أن يكون التبليغ فيه سوء تبليغ .. فيه تقصير، بينما نقل الدعوة بالطريقة الأخرى يمكن أن يرد عليها شيء من هذا التقصير، أو من ذاك السوء سوء التبليغ.
فهناك فرق بين الطريقة الأولى والطريقة الأخرى تمامًا، وما دمنا نحن نعيش اليوم وقد بلغنا الدعوة بالوسائط، وبخاصة وبيننا وبين الرسول الذي أرسل مباشرةً إلى الصحابة أربعة عشر قرنًا فيجب أن نتصور أن الدعوة إلى جمهور الأمة الإسلامية اليوم حتى العرب لم تبلغهم الدعوة كما جاءت أو كما أنزلت من العلماء؛ لأنهم من علماء السوء ومن الذين وصفهم الرسول عليه السلام في الحديث الصحيح حين قال:«إن الله لا ينتزع العلم انتزاعًا من صدور العلماء، ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» (1).
غرضي من هذا ليس أن نقدم عذرًا لمن لا عذر له وهم الأقلية، وإنما أن نقدم
(1) مسلم (رقم6974).
عذرًا لمن لهم عذر في أن الدعوة لم تبلغهم كما جاءت، اليوم المصريون مثلًا وكثير من أمثالنا من السوريين العرب زعموا، هل بلغتهم دعوة التوحيد كما بلغت العرب الأولين؟ أنا أقول: لا، العامة عامة المسلمين العرب فضلًا عن الأعاجم لم تبلغهم الدعوة؛ لأن هؤلاء الذين يفترض أن يكونوا أداة هداية وإرشاد من هؤلاء المنتمين إلى العلم أن يكونوا أداة هداية وإرشاد للعامة وأداة إضلال وإفساد للعامة بسبب أن علمهم هو الجهل بعينه؛ لأنهم يتأولون لهم النصوص الصريحة من الكتاب والسنة التي تصرح بأن ما يسمونه بالتوسل مثلًا هو الشرك بعينه.
فالعامة من أين لهم أن يفهموا هذا الفهم الصحيح الذي تفردت لا أقول: كل أفراد هذه البلاد إنما أقول: كثير من أفراد هذه البلاد تفردت بفهم التوحيد فهمًا صحيحًا بسبب دعوة الدعاة المخلصين منهم، أما تلك البلاد فقل ما يوجد فيهم عالم بمعنى الكلمة وبلغهم الدعوة الصحيحة ثم هم نكلوا عنها، هذا واقع العالم الإسلامي فضلًا عن العالم الغربي.
لننتقل الآن إلى الغرب: أوروبا وأمريكا، هل هؤلاء الأقوام من الكفار بلغتهم دعوة الإسلام كما أنزلها الله عز وجل على قلب محمد عليه الصلاة والسلام؟ مع الأسف الشديد ما بلغتهم، وأنا أضرب لكم مثلًا قريبًا جدًا: الذي نعرفه ولو من سنين طويلة، ولا أدري الوضع هو الآن، إن الطائفة القديانية التي خرجت من الإسلام بما تحمل من عقائد باطلة، هي من أنشط الفرق التي تتبنى الإسلام دينًا في دعوة الأوروبيين إلى الإسلام، وقد استجاب لهم المئات بل الألوف من الأوروبيين، سواء من الألمان أو البريطان أو الأمريكان .. استجابوا لدعوة القديانيين فصاروا مسلمين قاديانيين.
ومن عقيدة هؤلاء أن النبوة لم تختم، وأن قوله تبارك وتعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ
اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40) ليس معناه كما نفهم نحن، أي: آخر النبيين وأنه لا نبي بعده، وإنما تأولوا لهؤلاء الأعاجم من الأوربيين والأمريكان خاتم النبيين، يعني: زينة النبيين! أي: ليس معنى الآية بأنه آخر الأنبياء، فأسلم الأوروبيون على دين القديانيين، هل هؤلاء بلغتهم الدعوة كما أنزلها الله عز وجل؟ الجواب: لا، أما من انحرف منهم من العلماء فهذا أمر واضح لا إشكال فيه.
مداخلة: طيب لو قال قائل يا شيخ: بالنسبة لموضوع الفترة .. لو قال قائل:
…
نفس المقالة هذه التي نحن نقولها: أن مشركي العرب ما بلغتهم الدعوة كما جاءت عن الرسول السابق، أليس له الحق في ذلك؟
الشيخ: لا ليس له الحق في ذلك، أولًا: هذا القول ليس هي المشكلة، المشكلة هي في العرب الأولين ليس في العرب الآخرين، مشكلة أولئك الذين سميتهم بالخصوم هو ردهم للأحاديث الصريحة التي ذكرنا آنفًا بعضها ..
مداخلة: والد النبي ووالدته
…
يقولون أنهم ما يمكن أن يكونوا في النار، لماذا لا نقول: نحن أمة كلفنا بأن نؤمن بالغيب؟ والله امتدحنا بالإيمان بالغيب، فنحن نقول: أن الله سبحانه وتعالى هو أعلم بعباده، ويعلم بأن والد النبي ووالدة النبي وكل من كان من أهل الفترة، وأخبر الله نبيه أنه من أهل النار أنه يستحق ذلك حتى ولو بعث إليه نبي ما يمكن أن يؤمن به، ونرتاح من هذه الإشكالات حتى لا يرد علينا أي شيء
…
الشيخ: ما فهمت عليك كثيرًا مما تقول!
مداخلة: أنا أقول: الذين يقولون: أن أهل الفترة هؤلاء .. أن بعض أهل الفترة ممن أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنهم بأنهم في النار، هؤلاء ما بلغتهم الدعوة.
الشيخ: نحن انتهينا من هذا، قلنا: من لم تبلغهم الدعوة فهم غير معذبين، ولكن هل كل أهل الفترة لم تبلغهم الدعوة؟
مداخلة: لا أنا ما أقول .. أقول عن هؤلاء بخصوصهم ..
الشيخ: بارك الله فيك أنا ما أسألك أنت، أسأل عن أولئك الناس هل يعتقدون أن كل أهل الفترة ما بلغتهم الدعوة، أم بعضهم بلغتهم وبعضهم لم تبلغهم، أنا أسألك أنت عنهم، ليس ما تقول أنت.
مداخلة: هم يقولون البعض والبعض .. يقولون يخصصون والد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن جاءوا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولُبِّسَ عليهم، كما حصل من عمرو بن لحي الخزاعي الذي جاء بالأصنام إلى مكة وفعل وفعل، وغطى عليهم دعوة الأنبياء، يقولوا: أن هؤلاء ما بلغتهم الدعوة، ومن ذلك والد النبي ووالدته.
نقول لهم: والد النبي ووالدته ورد في النصوص الصحيحة التي تبين، ونحن أمة آمنا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا أخبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأمر لا يمكن أن نقول عن الأمر الذي بلغنا به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن هذا فيه كذا أو فيه ما يوحي أن هؤلاء بلغتهم أو ما بلغتهم، علينا أن نسلم بأننا مسلمين
…
الشيخ: أنت تتكلم عن من يا شيخ؟ أنت تتكلم عن الذين يؤمنون بصحة هذه الأحاديث أم الذين ينكرونها؟
مداخلة: لا يؤمنون بها ولكن ينكرونها، يقولون: أن الأحاديث هذه واردة صحيحة لكن ..
الشيخ: أرجوك أن تجيبني: هل تتكلم عن الذين يؤمنون بهذه الأحاديث ويصدقون بها فيقولون كما قال عليه السلام: أبي في النار، أم أنت تتحدث عن غير
هؤلاء الذين ينكرون هذه الأحاديث؟
مداخلة: أنا أتكلم عمن يقول بها ثم يحرف فيقول: الأب المراد به العم؛ لأنهم يؤولون يقولون: والعم أصلًا هو الأب، هم يقولون: نحن نقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال بأن والده في النار
…
الشيخ: الآن انحرفت عن السؤال .. الآن بارك الله فيك خرجت عن الصدد، الآن دخلت في موضوع تأويل الأحاديث.
مداخلة: نعم.
الشيخ: طيب! نحن أتينا بأحاديث أخرى صريحة الدلالة بأن بعض من مات في الجاهلية يعذبون في القبر.
مداخلة: نعم.
الشيخ: طيب! فهؤلاء كيف يؤولون هذه الأحاديث إلا بالتسليم بأن هناك في العرب من بلغتهم الدعوة ولذلك عذبوا، فنحن الآن ما نريد أن ندخل في متاهات تخرجنا عما كنا في صدده، والرد عندنا واضح، لكن ما بين أيدينا الآن شخص يقول: أنا أؤمن بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن أبي وأباك في النار» لكن أنا أتأول: الأب هنا بمعنى العم فحينئٍذ نبدأ ونرد عليه، لسنا في هذا الصدد، سنقول: وكيف تفسر حديث الأم: «واستأذنت ربي في أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي» لعله يقول ..
مداخلة: يأتي بأحاديث يقول أنه ما مات وأحاديث موضوعة ومكذوبة ما مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى أحيا الله له الاثنين ....
الشيخ: هذا موقف المسلم؟
مداخلة: ليس موقف مسلم، لكن أنا أقول مثل هذا
…
كيف نرد عليه؟
…
الشيخ: سبق كيف نرد عليهم، الآن أتينا بأحاديث صريحة بأن بعض من مات في الجاهلية معذب.
مداخلة: نعم، نرد بالإيمان بالغيب ونستريح.
الشيخ: هل يؤمنون بها؟
مداخلة: لذا يجب عليهم أن يؤمنوا بالغيب
…
الشيخ: يا أخي بارك الله فيك! أنت تقول: يجب عليهم، نحن ليس هذا موضع الخلاف، نسأل عن واقعهم: هل هم يؤمنون بها، أم تدفعهم عاطفتهم الجامحة التي لا تقف ..
مداخلة: تدفعهم العاطفة.
الشيخ: طيب! فإذًا: هم لا يؤمنون بها وإلا هو ..
مداخلة: الذين يؤمنون بالغيب لا يستحق المناقشة.
مداخل آخر: لو سمحت يا شيخ! لا شك أن الدعوة السلفية لها نشاط في العالم العربي والإسلامي عمومًا في بلاد العجم وغيرها، ومن آثار هذه الدعوة تجد مثلًا المسلمين في الهند يبلغون ملايين السلفيين اثنا عشر مليون مثلًا بنجلاديش .. اثنا عشر مليون في باكستان .. اثنا عشر مليون في الهند، أكثرهم عوام، يعني:
…
الشيخ: الحمد لله ذلك ما نبغي.
مداخلة: هذا شيء.
الشيخ: طيب.
مداخلة: هؤلاء السلفيون حركتهم تتمثل في الخطابة .. تتمثل في نشر الكتب مترجمة التي تبلغ العوام وغير العوام، هذا على مستوى واحد، العامي والعامي يأتي إلى هذا الكتاب يدعو إلى التوحيد ويحارب الشرك أنا اقتنعت، أخي بنفس المستوى
…
يقرأ هذا ولا يعمل، يكتب: هل يعذر هذا
…
الشيخ: لا يعذر إذا قدمت إليه العقيدة صحيحة كما جاءت.
مداخلة: قدمت له صحيحة
…
الشيخ: لا يعذر.
مداخلة: طيب! في مصر مثلًا هناك نشاط سلفي قوي جدًا .. في السودان نشاط سلفي قوي .. في سوريا نشاط سلفي جيد .. في الأردن على مستوى الكتب والدعوة في المساجد والخطابة، تجلس أمام أناس درجاتهم يعني: متحدة في الفهم وكذا وكذا، واحد يسمع هذه الخطبة تقول كلمة الحق تبين التوحيد الشرك البدعة، قال: والله هذا كلام حق وسلم، هذا أخوه في نفس المستوى، مثله سمع هذا الكلام الحق الذي يشرح لا إله إلا الله وبين التوحيد من الشرك، يرفض يقول: هذا وهابي! ما يقبل، هذا قامت عليه الحجة أو ما قامت؟
الشيخ: بارك الله فيك! هذه حياة عشناها نحن في سوريا، لكن لماذا تدع الجانب الآخر السلبي الذي لا شك فيه؟ ضربنا لكم مثلًا بالقاديانيين ودعوتهم، هل هؤلاء الأوربيون الذين جاءتهم الدعوة الإسلامية بطريق القاديانيين قامت عليهم الحجة؟
مداخلة: لا.
الشيخ: هذا هو.
مداخلة: أنا ما أعرض هذا، أعرض فيمن بلغتهم الدعوة على الوجه الصحيح.
الشيخ: وأنا معك في هذا بارك الله فيك، لكن المشكلة ليس في هذا النوع، المشكلة في النوع الثاني.
مداخلة: انتهينا من الثاني هذا نعرفه، [نتكلم] عن كثير من العوام إن عوام أمامي في هذا المسجد .. في هذه المدرسة .. في هذا المجال يخطب واحد، يقدم لهم كتب يعني: كلهم في مستوى واحد، هذا يقبل الحق وهذا يرفضه ويعارضه بتهمة أن هذا وهابي وهذا الكلام الذي يقوله ضلال وتحريف لكلام الله، بينما الآخر يقول: والله هذا كلام سليم وهذا كلام حق يقوم على قال الله قال رسول الله، تَقَبَّل هذا ورفض هذا، هل نفهم إخواننا أن هؤلاء والذي سميناهم عوام عندهم عقول .. وإن سميناهم عوام إنهم قد قامت عليهم الحجة ولم تكن عاميتهم هذه عذرًا لهم ما دامت قد بلغتهم الدعوة على المنهج الصحيح عن طريق الكتب أو عن طريق
…
الشيخ: حولها ندندن! بلغتهم الدعوة .. بلغتهم الدعوة انتهى الأمر .. بلغتهم الدعوة سليمة انتهى الأمر .. بلغتهم الدعوة غير سليمة انتهى الأمر .. ما بلغتهم الدعوة مطلقًا انتهى الأمر، المسألة واضحة جدًا.
"الهدى والنور"(363/ 06: 30: 00)