الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزوال العذاب الشديد عنه كأنه رجع إلى نفسه معاتباً لها، كيف أن نفسه طاوعته على أن يصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما هو الكفر بعينه، فلم يجد توبة له إلا أن يذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن يحدثه بما وقع له لعله يجد له مخرجاً، فلما جاء إليه صلى الله عليه وآله وسلم وقص عليه القصة، قال له عليه الصلاة والسلام:«كيف تجد قلبك؟ قال: أجده مطمئناً بالإيمان» فأنزل الله هذه الآية: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} (النحل:106)، وقال له عليه الصلاة والسلام:«فإن عادوا فعد» إن عادوا إلى تعذيبك، فعد أنت إلى الخلاص من هذا العذاب بهذا الكلام الذي التلفظ به كفر، ولكن ليس كفراً ما دام أن قلبك مطمئن بالإيمان، فإذا لاحظنا هذا التفصيل في حكم من فعل الكفر أو نطق بالكفر وأنه لا يؤاخذ، حينذاك نجد في حديث الذبابة شيئاً من الغلو والمبالغة
…
"الهدى والنور"(410/ 59: 36: 00)
[739] باب من شذ في مسألة عقدية
هل يعد ضالاًّ أم مجتهداً
؟
سؤال: إذا شذ إمام من الأئمة في أمر من أمور العقيدة كان في بعض الصفات فهل يكون ضالاً أم مجتهداً وله أجر؟
الشيخ: يعني بالإمام العالم؟
مداخلة: أي نعم.
الشيخ: الجواب عن هذا السؤال يتعلق بمثل قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد» ذلك أن هذا الحديث وإن اشتهر عند العلماء استعماله في الأحكام الشرعية والمسائل التي
يسمونها بالمسائل الفرعية دون استعمال هذا الحديث في المسائل الأصولية أو الاعتقادية، وإن كان هذا اشتهر عند الأصوليين؛ فإنه مما لا شك ولا ريب فيه أن الحديث يشمل الاجتهاد في كلٍّ من الأمرين المذكورين، أي: سواء كان فرعاً أو أصلاً .. سواء كان عقيدة أو حكماً فقهياً، المهم: أن العالم المسلم لا يلقي هكذا الكلام على عواهنه، وإنما يجتهد في معرفة حكم ربه في كل ما كلف الله عز وجل به عباده سواء كان فرعاً أو أصلاً .. سواء كان فقهاً أو عقيدةً.
ومعلوم أن الله عز وجل يقول في صريح القرآن الكريم: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15) والآية ينبغي أن نتنبه للمعنى الحقيقي منها؛ لأن ظاهر الآية: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15) أي: بشخصه، وهذا بلا شك هو الخطوة الأولى من بعثة الرسول، ولكن ليس المقصود هو شخص الرسول بذاته وإنما المقصود دعوة الرسول عليه السلام أكثر من الشخص.
ونحن نقرب لكم القضية بمثلين سمحين سهلين جداً: بُعِثَ رسول ما إلى قوم ما، وفي هؤلاء القوم شخص أصم فهو لم يسمع دعوة الرسول، هذا بعث إليه الرسول إلى قومه لكنه لم يسمع دعوة هذا الرسول فهو لم تقم حجة الله عليه، وقيسوا على ذلك الشيخ الفاني بمعنى الخَرْفَان ونحو ذلك .. الأطفال الصغار، فهؤلاء بالرغم أنهم كانوا في الوقت الذي بعث الرسول إلى قومهم فهم لم تبلغهم الدعوة هذا هو المثال الأول.
واعكسوا الآن: دعوة هذا الرسول جاء إلى الجيل الثاني وهم لم يروا الرسول ولا سمعوا دعوته منه مباشرةً ولكن الدعوة بلغتهم فهل تشملهم الآية الكريمة؟ الجواب: نعم: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15).
فإذاً: إما أن تكون الحجة تقوم بواسطة الرسول مباشرةً، أو بواسطة غيره ممن
يبلغ رسالته كما بلغها هو قومه، إذاً: الحجة تقوم ببلوغ الدعوة إلى المكلف، الدعوة كما ذكرنا آنفاً قد تكون متعلقة بالعقيدة وقد تكون متعلقة بحكم شرعي، فإذا افترضنا إنساناً بلغته دعوة نبيٍّ على الوجه الصحيح في حكم فرعي فقهي، ومع ذلك هو أنكر هذا الحكم فإنكاره وأؤكد ما قلت آنفاً: بلغه الحكم كما لو كان سمع الحكم من النبي أو الرسول مباشرةً ومع ذلك فهو أنكره فهذا يكفر.
على العكس من ذلك إنسان آخر لم تبلغه دعوة الرسول فيما يتعلق بعقيدةٍ ما، ولنضرب على ذلك مثلاً: فنقول: مثل عقيدة عذاب القبر، أو سؤال منكر ونكير، ونحو ذلك من الغيبيات التي تدخل في عموم قوله تعالى:{الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} (البقرة:1 - 3) فهذا المثال الثاني الرجل الثاني لم تبلغه دعوة الرسول فيما يتعلق بمثالنا هذا عذاب القبر، فهذا ليس مكلفاً .. ليس مسئولاً فيما إذا لم يؤمن بعذاب القبر؛ لأن الحجة لم تبلغه ولم تقم عليه، إذا عرفنا هذه الحقيقة حينئذٍ نعود إلى أصل السؤال: أي إمام من أئمة المسلمين سواء كان خطؤه متعلقاً بعقيدة أو كان خطؤه متعلقاً بحكم فقهيٍ فهو غير مؤاخذ إذا لم تبلغه الحجة، والعكس بالعكس تماماً كل من بلغته الحجة سواء في العقيدة أو في الفقه وأنكرها فهو الذي قامت عليه حجة الله فذاك نادم وهذا هالك.
فلا فرق إذاً بين من يقع في خطأ إنكار صفة من الصفات مثلاً إلهية إذا كان إنكار هذا ليس عناداً وليس جحوداً وإنما كان باجتهاد منه، ولو أن هذا الاجتهاد كان منه خطئاً، هنا يرد الحديث الذي ابتدأنا الجواب به عن هذا السؤال:«إذا حكم الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد» لذلك ما يشاع في هذا الزمان أن من أخطأ في الأصول أو في العقيدة فهو غير معذور هذا الإطلاق خطأ
جلي جداً لا يصح أن يتبناه المسلم.
مداخلة: شيخ بارك الله فيك! بالنسبة لقضية الاجتهاد في العقيدة فهنالك قاعدة عند أهل السنة أن الأمور السمعية لا يجتهد فيها، وقد سألت الشيخ مشهوراً جزاه الله خيراً فقال لي هذه القاعدة.
الشيخ: سألت ماذا؟
مداخلة: الشيخ مشهور.
الشيخ: نعم.
مداخلة: وقال لي هذه القاعدة، لكن هنا الذي نريد أن نستوضحه هو: أنه إذا جاء إلى عالم من العلماء قول وقد أجمع السلف عليهم جميعاً من الصحابة والتابعين إلى غيرهم، إلى عصره، ثم هذا القول رَدَّهُ، وقد أضرب على ذلك مثلاً في قضايا الصفات، وهو عالم ومعروف له بالعلم ومشهود له بالعلم، عند كافة أهل العلم فرد هذا القول بعقله أو برأيه أو باجتهاد منه لنقل ذلك! وأطلق على هؤلاء القوم بكلام من اجتهاده وبذلك أنكر الصفات فهل نقول: هل هو فعلاً هنا اجتهد مع أن الصحابة هنا كلهم مجمعون على ذلك؟
الشيخ: يا أخي بارك الله فيك! نحن ما نستطيع أن ندخل إلى قلوب الناس حينما قلنا ما قلنا آنفاً إنما نعني بذلك، هل هذا الإنسان مؤاخذ عند الله عز وجل أو غير مؤاخذ؟ هل هو مؤاخذ عند الله بمعنى: أقيمت الحجة عليه فهو مؤاخذ أو غير مؤاخذ؟ البشر لا يستطيع أن يتعمق ويصل إلى ما في القلب، ما يعلم ما في القلوب إلا علام الغيوب كما هو معلوم، الآن أنت دندنت حول ما نقلت عن قضية الإجماع، هل الإجماع إذا صح عند شخص لازمه أن يصح عند كل شخص؟
مداخلة: الجواب لا طبعاً.
الشيخ: طبعاً! طبعاً لا ولذلك حينما أنت تفترض أن السلف الصالح كلهم أجمعوا على كذا، وجاء رجل عالم وأنكر هذا الإجماع وقال قولاً مخالفاً لهم، نحن نستطيع أن نخطئ هذا المخالف؛ لكن لا نستطيع أن نكفره، أي: لا نستطيع أن ندخل إلى قلبه ونحكم عليه بأنه كما قال تعالى في بعض المشركين: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14) لا نستطيع أن نصل إلى هذه النقطة، نحن كل الذي نستطيعه أن نحكم بأن هذا أخطأ وإن شئتَ أو شئتُ، قلتَ أو قلتُ: ضل، أما أنه كفر وجحد هذا أمر قلبي لا نستطيع نحن أن نتوصل إليه.
مداخلة: شيخنا بارك الله فيك! أنا لا أقصد بكلامي التكفير أو التفسيق أو التضليل، لكن الذي أقصده: هل بِرَدِّه مثلاً للعلماء قد يتبنى إجماع عند عالم لا يرى الإجماع عند عالم آخر، لكن هل فعلاً هو اجتهد؟
الشيخ: مكانك راوح! لا يوجد شيء جديد في كلامك، الاجتهاد بالنسبة للمكلف يتعلق بالقلب والعمل، أما بالنسبة للآخرين فلا يستطيعون أن يحكموا عليه بأنه اجتهد أو لم يجتهد صحيح هذه البديهية أم لا؟ يعني: أنت ما تستطيع أن تحكم علي أنني اجتهدت أو لم أجتهد .. أنني تابعت البحث متابعةً بحيث يصدق علي قوله عليه السلام: «إذا حكم الحاكم فاجتهد» أنت ما تستطيع أن تحكم على أي إنسان أنه اجتهد أو لم يجتهد حتى تبني على اجتهاده أنه معذور أو تبني على عدم اجتهاده أنه غير معذور، لكن هو يدري ماذا يفعل، فهو إذا أفرغ جهده لمعرفة الحق بالطرق التي تتيسر له، وعلم الله منه الصدق والإخلاص في معرفة الحق لكنه لم يوفق إليه وهنا يأتي الحديث:«وإن أخطأ فله أجر واحد» .
إذا كان الحديث الواحد يختلف عالمان في تصحيحه وتضعيفه، الذي
يضعفه أنكر صحته فإن أنكر وهو معذور فهو معذور، وإن أنكر نكايةً وجحداً لجهد ذلك المجتهد الأول المصيب فهو الضلال المبين، لا يوجد فرق بين الفقه وبين العقيدة وبين الحديث تصحيحاً وتضعيفاً، تعرف أنت أن الحديث قد يكون صحيحاً عندهم جميعاً، ولكن قد يبلغ مبلغ التواتر عند بعضهم دون بعض آخر إلى آخره، فالقضية نسبية والحكم عند علام الغيوب هو الذي يعلم ما في القلوب، فهو الذي سيحكم ويدين كل إنسان بما فعل:«إن اجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد» على كل حال: أنا يعني: لا تكن في حرج صف ما عندك حتى أفهم جيداً وأعطيك ما عندي إن كان عندي.
مداخلة: شيخ هذه القضية: الأسماء والصفات معروف أنها قضية سمعية، يعني: أهل السنة متفقين عليها ومسلمين بها، لكن نحن كما قلت: نحن لا نريد أن نطلق هذه الألفاظ نحن نقول: أنه اجتهد أو أخطأ أو ضل أو مثل هذه الألفاظ، نحن لا نريد أن نكفر أحداً في هذه القضية، لكن أنا قصدي أنه مثل هذه مثل قضية أصولية عند أهل السنة والجماعة عندما يأتي مثلاً شخص ويرد الصفات كلها، نحن نقول: لو أنه مثلاً رد صفة واحدة أو أول صفة واحدة أو أنكر صفة واحدة نقول مثلاً اجتهد في فرعية من الفرعيات، لكن عندما مثلاً يرد جميع الصفات وينكر على غيره ويستعمل ألفاظاً لا تجوز، هذا الذي أريد أن أستوضحه.
الشيخ: أنا أرى الآن تطورت المسألة، كان السؤال: في إمام أنكر صفةً، الآن أنت قفزت قفزة الغزلان أنكر كل الصفات.
مداخلة: أنا قصدي هذا أنكر كلها.
الشيخ: معليش، أنت كنت سئلت السؤال الأول؟
مداخلة: لا، ليس أنا.
الشيخ: طيب يا أخي! لكل سؤال جواب، أنا لا أتصور الآن كما يقال نضع النقاط على الحروف أنا ما أتصور إماماً من أئمة المسلمين أنكر الصفات هذه كلها، هذا إما أن يكون الجهمي الأول الجهم بن صفوان أو الجعد أو أمثاله، أما إمام من أئمة المسلمين ينكر الصفات كلها هذا لا يتصور، الآن أنت تقول أنكر كل الصفات طيب! دعنا نحدد رجل أنكر الصفات كلها ما هو السؤال حتى أعطيك الجواب بأوجز عبارة؟
مداخلة: السؤال.
الشيخ: نعم، أنكر كل الصفات ما هو السؤال؟
مداخلة: هل يكون هو في هذه الحالة اجتهد أم لا؟
الشيخ: لا، لا يكون اجتهد.
مداخلة: لا يكون اجتهد.
الشيخ: طبعاً! لكن يعود البحث السابق: ما أنكر كل الصفات آمن بالبعض وأنكر البعض، ممكن أن يكون مجتهداً؟
مداخلة: في هذه الحالة ممكن.
الشيخ: طيب إذاً؟!
مداخلة: لكن أنا كان قصدي - عفواً أعتذر - أنه كان قصدي عن مسألة الصفات كلها.
الشيخ: خير إن شاء الله.
"الهدى والنور"(820/ 41: 22: 00) و (820/ 41: 31: 00)