المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[777] باب هل يغني أخذ الميثاق في الأزل عن إقامة الحجة - جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة = موسوعة العقيدة - جـ ٥

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌جماع أبواب الكلام حول حكم جحد شيءٍ من القرآن والسنة وحكم رد الأحاديث النبوية بالعقل ورد حديث الآحاد

- ‌[636] باب حكم جحد شيء من القران أو الشك فيه

- ‌[637] باب بيان كفرمن يدعي أن القرآن الذي بين أيدينا ليس كاملاً

- ‌[638] باب حكم من يطعن في آيات الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[639] باب هل الكفر في قوله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} اعتقادي أم عملي

- ‌[640] باب حكم الاستهزاء بكلام الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[641] باب حكم منكري السنة

- ‌[642] باب هل من رد السنة يكفر

- ‌[643] باب هل يكفر من ينكر الحديث المتواتر

- ‌[644] باب الضابط في تكفير المستهزئ بالسنة، وهل إنكار خبر الآحاد يعد كفراً

- ‌[645] باب هل يكفر من ينكر خبر الآحاد

- ‌[646] باب حكم الصلاة خلف من ينكر بعض الأحاديث الصحيحة، وخلف من يتلبس ببعض الشركيات

- ‌[647] باب هل يكفر من يرد الأحاديث الصحيحة

- ‌[648] باب هل يكفر من ينكر حديثًا بعقله

- ‌[649] باب هل يكفر من يقول: هذا الحديث لا يدخل عقلي

- ‌جماع أبواب الكلام على البدع الكفرية هل يكفر أصحابهاوالكلام على بعض البدع العقدية وموقعها من الكفر

- ‌[650] باب هل كل من وقع في البدعة المكفرة كافر

- ‌[651] باب هل يجوزتكفير الفرق الضالة بعد إقامة الحجة عليهم

- ‌[652] باب متى يكفر أتباع الفرق الإسلامية

- ‌[653] باب ضابط كفر المتأولوالتنبيه على أن ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه

- ‌[654] باب متى يكفر المؤولة

- ‌[655] باب هل يُكفر من ينفي رؤية الله تعالى يوم القيامة؟وهل يكفر القائل بأن كلام الله مخلوق

- ‌[656] باب هل استتيب أبو حنيفة من الكفر مرتين

- ‌[657] باب كفر القائلين بوحدة الوجود

- ‌[658] باب هل يكفر المعتزلة

- ‌[659] باب لماذا كفر السلفُ الجهمية

- ‌[660] باب هل يُكَفَّر الجهمية أم يعذروا بجهلهم

- ‌[661] باب هل يُكفر الشيعة بعامة

- ‌[662] باب منه

- ‌[663] باب من كَفَّرَ معاوية رضي الله عنه هل يكفر

- ‌[664] باب كفر من أنكر عالم الجن

- ‌جماع أبواب حكم سب الله أو الرسول أو الدين

- ‌[665] باب حكم سب الله ورسوله والدين

- ‌[666] باب منه

- ‌[667] باب منه

- ‌[668] باب منه وكلمة حول خطورة التوسع في التكفير

- ‌[669] باب حكم من سب الله ورسوله مع أنه يصلي

- ‌[670] باب حكم سب الدين، وبيان موانع التكفير

- ‌[671] باب منه

- ‌[672] باب منه

- ‌[673] باب منه

- ‌جماع أبواب متفرقة في مسائل التكفير

- ‌[674] باب متى يكفرمن أنكر شيئًا معلومًا من الدين بالضرورة

- ‌[675] باب حكم الاستخفاف بفرائض الله

- ‌[676] باب حكم ترك الأعمال

- ‌[677] باب هل تَرْكُ الفرائض مخرج من الملة

- ‌[678] باب حكم تارك الزكاة

- ‌[679] باب منه

- ‌[680] باب الشك في قدرة الله؛ من أي أنواع الكفر هو

- ‌[681] باب كيف غفر الله للرجل الذي أمر بنيه بأن يحرقوه…والله عز وجل يقول: «إن الله لا يغفر أن يشرك به»

- ‌[682] باب معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن»

- ‌[683] باب هل الاستعانة بالمشركين ردة

- ‌[684] باب التألي على الله يحبط العمل كالكفر

- ‌[685] باب هل سوء الخلق لا يُغفَر كالشرك

- ‌[686] باب معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الكاسيات العاريات:«لا يدخلن الجنة…» وهل هو على التأبيد

- ‌[687] باب هل السجود لشخصٍ كفر

- ‌[688] باب هل المشاركة في البرلمان كفر أكبر؟والتفريق بين الكفر العملي والاعتقادي

- ‌[689] باب معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من كفر مسلماً فقد كفر»

- ‌[690] باب هل يكفر من عطل الجهاد؟والكلام على الفرق بين الكفر العملي والاعتقادي

- ‌[691] باب هل كَفَرَ سلمان رشدي بكتابه"الآيات الشيطانية" وهل يجب قتله

- ‌[692] باب معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«من قال أنا يهودي أو نصراني فهو كما قال»

- ‌[693] باب هل المنتحر كافر

- ‌[694] باب هل الكذب المتعمد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كفر

- ‌[695] باب ما حد الإعراض عن دين الله الذي يكفر صاحبه

- ‌[696] باب هل صدام كافر

- ‌[697] باب ذكر أذناب الخوارج

- ‌[698] باب بدعة البراءة

- ‌[699] باب رَدُّ شبهةٍ لمكفري أصحاب الكبائر

- ‌[700] باب في الرد على من يكفر بالذنوبومن يوجب تعذيب الفاسق

- ‌[701] هل إخراج أهل الكبائر من النار خاص بأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[702] باب من عقائد الخوارج في العبادات

- ‌[703] باب هل للقاتل توبة

- ‌[704] باب منه

- ‌[705] باب هل يقبل الله توبة القاتل

- ‌[706] باب كيف الجمع بين عدم قبول توبة القاتلوبين ما هو معلوم من قبول توبة الكافر

- ‌[707] باب حكم من يدوس المصحفوالكلام على الكفر العملي والاعتقادي

- ‌[708] باب حكم رمي المصحف على الأرض حال الغضب

- ‌[709] باب امرأة رمت المصحفعلى الأرض هل يطلقها زوجها

- ‌[710] باب الجمع بين حديث: «إذا اقتتل مسلمان .. »وقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به

- ‌[711] باب: معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَجْتَمِعَانِ فِي النَّارِ…» قِيلَ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «مُؤْمِنٌ قَتَلَ كَافِرًا ثُمَّ سَدَّدَ»

- ‌[712] باب الرد على من قال بأن شيخ الإسلام كافر

- ‌[713] باب في كفر اليهود مع ما أوتوا من علم

- ‌[714] باب هل يباح الدعاء على الكفار في قنوت الوتر

- ‌[715] باب هل الفرح بتغيير رؤساء أمريكا خلل عقدي

- ‌[716] باب هل يجوز استغابة الكافر والمشرك وسبهم

- ‌[717] باب هل يجوز لعن اليهود والنصارى

- ‌[718] باب هل يجوز لعن المعين

- ‌كتاب أهل الأعذار في التوحيد

- ‌جماع أبواب الكلام حول مدى صحة تقسيم الدين إلى أصول وفروع وربط ذلك بمسائل التكفير

- ‌[719] الكلام حول مدى صحة تقسيم الدين إلى أصول وفروع وربط ذلك بمسائل التكفير

- ‌[720] باب منه

- ‌[721] باب منه

- ‌[722] باب ضوابط العذر بالجهل

- ‌[723] باب منه

- ‌[724] باب منه

- ‌[725] باب هل يُعذر بالجهلفي مسائل الاعتقاد في بلادنا اليوم

- ‌[726] باب هل يعذر بالجهلمن عاش في مجتمع مليء بالشركيات

- ‌[727] باب هل يعذر المخالف في العقيدة

- ‌[728] باب هل يعذر بالجهل في الأسماء والصفات

- ‌[729] باب هل يعذر الإنسان بجهله في زمن انتشار العلم

- ‌[730] باب حكم الطواف بالقبور وهل يعذر بالجهل في مثل ذلك وهل أخذ الميثاق يكفي كحجة؟ وحكم أهل الفترة

- ‌[731] باب حكم من مات من المسلمينوهو يجهل التوحيد لعذر

- ‌[732] باب هل يُدعى لمن مات جاهلاً بحقيقة التوحيدونقاش حول ذلك

- ‌[733] باب منه

- ‌[734] باب العذر بالجهل، وبيان أن الموحِّد لا يخلد في النار مهما كان فعله مخالفاً لما يسلتزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال [قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[735] باب هل يحشر قول عائشة:«مهما يكتم الناس يعلمه الله» في أبواب العذر بالجهل

- ‌[736] باب هل العذر بالإكراهكان موجوداً في شريعة من سبقنا

- ‌[737] باب بيان ضعفحديث: «دخل رجل الجنة في ذبابة»

- ‌[738] باب بيان نكارة متن حديث الذبابة لمخالفته لقوله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}

- ‌[739] باب من شذ في مسألة عقديةهل يعد ضالاًّ أم مجتهداً

- ‌[740] باب متى يكفرمن أنكر شيئًا معلومًا من الدين بالضرورة

- ‌جماع أبواب أحكام أهل الفترة ومن في حكمهموالكلام على مصير أبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم-غير ما تقدم

- ‌[741] باب بيان من هم أهل الفترة

- ‌[742] باب منه

- ‌[743] باب هل يوجد في هذا الزمان من له حكم أهل الفترة

- ‌[744] باب هل من لم يصله الدين في هذا الزمان، أو وصله على غير وجهه له حكم أهل الفترة

- ‌[745] باب حكم من لم تبلغهم الدعوة في الآخرة

- ‌[746] باب مصير من وصلهم الدين على غير حقيقته

- ‌[747] باب من وُصف له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على خلاف الواقع فصده ذلك عن الإسلام هل هو في حكم أهل الفترة

- ‌[748] باب الكلام على أهل الأعذارالذين لم تصلهم الدعوة، وأطفال المشركين

- ‌[749] باب من وصلته الدعوةعلى غير حقيقتها ليس من أهل الوعيد

- ‌[750] باب من مات في الجاهلية ليس من أهل الفترة

- ‌[751] باب أهل الجاهلية ليسوا من أهل الفترة

- ‌[752] باب أهل الجاهلية ليسوا من أهل الفترة

- ‌[753] باب بيان أن مشركي الجاهلية في الناروليسوا من أهل الفترة بما فيهم والدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌[754] باب هل يمتحن بعض أهل الجاهلية في عرصات القيامة

- ‌[755] باب الجمع بين قوله تعالى: {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا} وقوله تعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير}

- ‌[756] باب منه

- ‌[757] باب هل كان والدا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أهل الفترة

- ‌[758] باب منه

- ‌[759] باب منه

- ‌[760] باب كيف يكون والدا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النار

- ‌[761] باب كيف الجمع بين كون من لم تبلغهم الرسالة من أهل الفترة وبين قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم «أبي وأبوك في النار»

- ‌[762] باب هل يصح تأويل حديث«أبي وأبوك في النار» بعمي وعمك

- ‌جماع أبواب مسألةمصير أطفال المؤمنين وأطفال المشركين في الآخرة

- ‌[763] باب عدم التكليف قبل البلوغ وقيام الحجة

- ‌[764] باب أطفال المؤمنين في الجنة

- ‌[765] باب منه

- ‌[766] باب أطفال الكفار في الجنة

- ‌[767] باب منه

- ‌[768] باب هل أطفال المشركين، ومن لم يبلغه الإسلام الحق من المسلمين؛ من أهل الفترة

- ‌[769] باب حكم أولاد النصارى والمنافقين ممن لم يبلغ سن التكليف في الآخرة، ومن بلغته الدعوة في سن الخرف، ومن لم تبلغه أصلا، وأمثالهم

- ‌[770] باب الكلام على أهل الأعذار الذين لم تصلهم الدعوة، ومصير أطفال المشركين وأطفال المؤمنين

- ‌[771] باب معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الوائدة والموؤدة في النار»

- ‌[772] باب منه

- ‌جماع أبواب الكلامعلى إقامة الحجة وشروطها

- ‌[773] باب تعريف الحجة ومن يقيم الحجة على الحكام

- ‌[774] باب هل يجوز تكفير الفرق الضالة بعد إقامة الحجة عليهم؟ والتطرق لمعنى إقامة الحجة

- ‌[775] باب من شروط إقامة الحجة

- ‌[776] باب هل يشترط فهم الحجة

- ‌[777] باب هل يغني أخذ الميثاق في الأزل عن إقامة الحجة

- ‌[778] باب كيف تقام الحجة

- ‌[779] باب كيف الجمع بين ضرورة إقامة الحجةعلى من تلبس بعمل شركي، وبين قول النبي صلى الله عليه وآله وسلملمن لبس الصفرة: «إذا مت على ذلك لن تفلح أبداً»

- ‌جماع أبواب الكلامحول أحكام المتلبس بالشركيات من المسلمين(غير ما تقدم)

- ‌[780] باب حكم من نطق بالشهادة وبقى متلبساً بالشركيات

- ‌[781] باب كيف يتعامل مع المسلمين المتلبسين بالشركيات

- ‌[782] باب هل يجزئ حج المتلبس بالشركيات

- ‌[783] باب هل يصلى خلف المتلبس بالبدع الشركية المكفرة

- ‌[784] باب هل تجوز الصلاة خلف من يستغيث بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم وينكر أن عيسى عليه السلام رُفِعَ إلى السماء حقيقة

- ‌[785] باب هل يعلم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الغيب؟ وما حكم الصلاة خلف من يعتقد ذلك

الفصل: ‌[777] باب هل يغني أخذ الميثاق في الأزل عن إقامة الحجة

بلسان عربي مبين، وأولئك الناس لا يفقهون منه شيئًا، كيف وكثير من العرب أنفسهم من عامتهم هم عادوا أشباه الأعاجم لا يفهمون كثيرًا مما يتلى عليهم من كتاب ربهم فكيف يقال بأن حجة الله تبارك وتعالى قد قامت على أولئك الأوروبيين وأمثالهم من الأعاجم لمجرد أنهم يسمعون كل يوم صباحًا ومساءَ تلاوة القرآن من الإذاعات العربية، فلا جرم أنه يجب على طائفة من المسلمين أن يبلّغوا شريعة الإسلام بلغة أولئك الأقوام، وعلى هؤلاء أن يكونوا من أهل العلم حقًا يحسنون ترجمة القرآن، ترجمة معنوية وليس ترجمة لفظية، هذا هو جواب ذاك السؤال الهام.

"فتاوى جدة -الأثر-"(26أ /00:15:39)

[777] باب هل يغني أخذ الميثاق في الأزل عن إقامة الحجة

؟

سؤال: شيخ في سورة الأعراف آية الفطرة، {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ} (الأعراف:172) .. الآية، ففيها أن الله تبارك وتعالى يسأل كل بني آدم يوم القيامة عندما يشركون بالله تبارك وتعالى شركاً، إذ أن الله تبارك وتعالى جعل فيهم الفطرة وأشهدهم على أنفسهم، هل في الآية دليل على أن الله تبارك وتعالى يحاسب الذي يشرك به من غير إرسال رسول بدليل آية الفطرة ويؤاخذه؟

الشيخ: البتة لا يوجد في الآية دليل لذلك إطلاقاً، وإنما فيه أن حجة الله عز وجل قائمة على عباده من جهة الفطرة أولاً، لكن ليس في الآية أنه يؤاخذهم بناء على هذه الحجة فقط للأدلة المعروفة التي منها قوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، وحديث الأربعة الذين يدافعون عن أنفسهم، كالذي

ص: 927

مات في الفترة ولم تبلغه دعوة نبي، وكالذي أصابه الخرف أو المجنون ونحو ذلك .. فهذه الأدلة هي التي توجب المؤاخذة والمحاسبة يوم القيامة إن خيراً فخير وإن شراً فشر، أما هذه الآية التي ذكرتها والتي تتحدث عن خلق الأرواح في عالم الذر فهذه لا تفيد المحاسبة والمؤاخذة قبل قيام الحجة.

مداخلة: يعني قوله: {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} (الأعراف:172 - 173).

الشيخ: أي نعم، لأنه ليس في الآية إلا هذه الحجة الفطرية من الله عز وجل وهذه الآية تلتئم مع الحديث الصحيح وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» (1)، فهذه الفطرة هي حجة الله عز وجل من ذاك العالم، لكن هذه لا تعني أنه يعذب على أساسها.

مداخلة: بعض العلماء يذكرون أيضا ويضيفون إلى هذا الكلام الذي ذكرته أحاديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم أبيه: «أبي وأبوك في النار» .. «واستأذنت ربي لأمي

أن أستغفر لها فلم يأذن لي»، ويضاف إلى ذلك قوله تعالى:{وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} (آل عمران:103)، مع أن الله تعالى يقول: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا

أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} (يس:6) .. {مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ} (القصص:46) .. في

الآية الأخرى.

في الآية ظاهر أن قريش لم يأتهم نذير، وفي نفس الوقت أن الله تبارك وتعالى جعلهم في النار، جعل بعضهم .. كعمرو بن لحي .. فما قولك يا شيخ؟

(1) مسلم (رقم6929).

ص: 928

الشيخ: بارك الله فيك، لتوضيح السؤال للحاضرين أولاً، ثم لي ربما ثانياً، نرجو تلخيص السؤال.

مداخلة: نعم.

الشيخ: ما هو السؤال؟

مداخلة: السؤال: أليس في آية الفطرة في الأعراف التي هي آية العهد {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} (الأعراف:172) ..

الشيخ: هذا انتهينا منه، لكن فيما بعد الذي ذكرته بعد ذلك.

مداخلة: أقول الذين يقولون بأن الله تبارك وتعالى يحاسب يوم القيامة المشركين وإن لم يأتهم رسول، استدلوا بالأحاديث في قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«أبي وأبوك في النار» وحديث أمه، وكذلك عمرو بن لحي، مع أن القرآن يثبت أن قريشاً ما أتاهم من نذير، أليس في هذا دليل على القول الأول أن الله تبارك وتعالى يعذب المشرك يوم القيامة مع عدم إرسال الرسول وأن آيات إرسال الرسول:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، قالوا بتخصيصها في غير المشرك.

الشيخ: ما هو المخصص في رأيهم.

مداخلة: الجمع على أساس هذا التعارض، بعدئذ أثبتوا التعارض، قالوا هناك تعارض بين هذين الدليلين، فـ .. الجمع بين النصين هو المقدم.

الشيخ: هذا التعارض واضح لديك؟

مداخلة: التعارض هذا قائم عندي.

الشيخ: طيب.

ص: 929

{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، فسروه قلت بماذا؟

مداخلة: بغير الإشراك بالله تبارك وتعالى، يعني وهو أنه الله تبارك وتعالى فرض على الناس أشياء كثيرة غير التوحيد

فالشريعة هي التي جاءت لتعلم الناس، لتبين للناس ما أمروا به من الواجبات الشرعية، فمن لم يفعل

تلك الواجبات؛ لأن الرسول لم يأته، فلا يحاسب يوم القيامة إذ لم يشرك بالله تبارك وتعالى.

الشيخ: أنا أرى أن الأدلة التي تمسك بها في تخصيص عموم آية: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، فليست صريحة الدلالة لتنهض وتقوم على تخصيص الآية:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، ويؤكد هذا أمران اثنان:

الأمر الأول أن الآية كما تعلم دائماً من أصول وقواعد الشريعة أن السنة توضح القرآن وتبين القرآن، فتعلم من قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن تخصيص الآية بما ذكرت أمر غير مسلم به، أقل ما يقال إن لم نقل إنه باطل؛ ذلك لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:«ما من رجل من هذه الأمة من يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» .

فإذاً: الآية يجب أن تظل على عمومها بدليل هذا الحديث الذي يؤكد المعنى الذي رفع من الآية بزعم أن تلك الأدلة هي التي تقيدها أو تخصصها، فهذا الحديث الصحيح ولعلي ذكرت أنه في صحيح مسلم فضلاً عن غيره يؤكد بقاء الآية على عمومها وعلى شمولها، ثم الاستدلال بآية:{لِتُنذِرَ قَوْمًا} (القصص:46)، استدلال خطأ واضح جداً، وإلا كان كل مسلم اليوم يصدق فيه أو عليه أنه ما أنذر، ما جاءنا نحن من نذير على المفهوم الذي ذكرته آنفاً، فنحن ما جاءنا من نذير،

ص: 930

لكن نحن جاءنا أو جاءتنا دعوة النذير، فالآية ما تعني الشخص فقط كما تعني دعوته، فالشخص بالنسبة للدعوة هو كالوسيلة مع الغاية والغاية هو الدعوة، فإذا بلغت الدعوة شخصاً ما أو شعباً ما أو أمة ما فقد أقيمت الحجة، سواء كان هذا البلوغ مباشرة من الرسول عليه السلام إلى قومه أو بواسطة أصحابه أو من يأتون من بعدهم، المهم بلوغ الدعوة.

وعلى هذا نحن نقول إن الأحاديث [حصل هنا انقطاع] الآية؛ لأن الإنذار المذكور فيها لا يعني الإنذار المباشر من النذير فقط، وإنما يعني وصول النذارة، فسواء كان بالواسطة أو بدون واسطة، وحينئذ تسلم لنا الأحاديث الكثيرة التي يمكن أن نقول عنها بأنها متواترة المعنى حيث أنها كلها تجتمع على أن الذين ماتوا قبل بعثة الرسول عليه السلام وأخبر الرسول عليه السلام أنهم يعذبون وقد بلغتهم الدعوة، وليست الدعوة التي بلغتهم إلا هي دعوة أبينا إبراهيم وإسماعيل الذين قاموا ببناء الكعبة وتوارثوا الطواف أو الحج إلى بيت الله الحرام من نبيهم إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فحينما يأتي حديث كحديث:«إن أبي وأباك في النار» أو الحديث الثاني الذي ذكرته: «استأذنت ربي .. » والحديث الثالث: «كلما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار» . والحديث الرابع الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بقبرين فشمست به الدابة، وإذا به يرى قبرين فسأل عنهما، قالوا: ماتا في الجاهلية. فقال: «لولا أن تدافنوا لأسمعتكم عذاب القبر» يشير بهذا الحديث إلى أن الدابة حينما شمست سمعت عذاب المعذبين بالقبر، فإذاً: هؤلاء ماتوا في الجاهلية ومع ذلك يعذبون، فلا يمكن أن تفسر هذه الأحاديث وهي كما قلت آنفاً تعطينا معنى متواتراً وهي أن الذين ماتوا في الجاهلية أخبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنهم يعذبون ونعلم بالضرورة أنهم ما جاءهم من نذير بالمعنى الضيق الأول، لكن نعلم أنهم جاءهم

ص: 931

النذير بالمعنى الواسع، أي: جاءتهم الدعوة دعوة التوحيد، دعوة إبراهيم عليه السلام وإسماعيل، فأقيمت الحجة عليهم ولذلك فهم يعذبون.

إذاً: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (الإسراء:15)، هي على عمومها ومؤيدة بالنص الصريح:«ما من رجل من هذه الأمة من يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» والأحاديث الأخرى التي ذكرناها، كلها تلتئم وتضطرنا اضطراراً علمياً أن نقول بأن الآية على عمومها، وأنه ليس المقصود كما هو المتبادر من لفظ الآية:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} دون التوحيد، هذا لا يتبادر مع ذلك الحديث يؤيد عموم وشمول الآية والأحاديث الأخرى، ولذلك فهنا مما أعتقد من كتب التوحيد لا أحد يقول بتخصيص الآية فيما أعلم من أهل السنة والجماعة:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} أن هذا خاص بالأحكام دون التوحيد.

أنا الذي أعرفه من قديم أن المعتزلة وهم المعروفون بأنهم يقدمون حكم عقلهم على حكم كتاب ربهم وسنة نبيهم بمعنى أنهم يسلطون عقولهم على نصوص الكتاب والسنة، ويفسرونها بأهوائهم، فهؤلاء هم الذين يقولون المقصود بالرسول هو العقل، ويعودون بهذا التفسير إلى الفطرة، أما أن يقول أحد فيما علمت من أهل العلم أن الآية مخصصة فهذا لا أعرفه، ولا أستبعد أن يكون مثل هذا التخصيص؛ لأنه أقرب ممن يقول:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} أي: عقلاً، مع العلم أن العقول متفاوتة أشد التفاوت.

أظن أنني أتيت بالإجابة عن سؤالك إن شاء الله.

مداخلة: إن شاء الله تعالى، ولو يعني شيخ الاعتراض الذي يرد عندي في

ص: 932

جانب من الجوانب، في مسألة الآية:{لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ} (القصص:46)، واعتراضك على أننا لم يأتنا نذير، بأن نقول نحن أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فالنذير قائم بأننا منسوبون إلى أمته، فبالتالي نحن منذورون، وكذلك إن ظاهر الآية:{مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ} (القصص:46)، بمعنى أنهم غير منذورين، هذا ظاهرها والله أعلم، ليس بمعنى أقصد التفريق بين المعنى الواسع للإنذار مما ذكرت، لا أرى دليله بشكل ظاهر، والله أعلم.

الشيخ: نحن الآن دخلنا في تفصيل جديد. يعني نحن أيضاً ما يشملنا الآية: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} ، أي: اليوم لا يوجد أهل فترة في رأيك؟

مداخلة: الذين لم يصلهم ..

الشيخ: ما يحتاج إلى التفسير، أهل الفترة هم الذين لم تبلغهم الدعوة، لا يوجد اليوم؟

مداخلة: ممكن أن يكونوا موجودين في مجاهيل أفريقيا ..

الشيخ: عفواً ليكن جوابك مختصراً، وبلاش تقول ولا مؤاخذة: ممكن، لأن كل لفظة ممكن تقابل بعكسها، أي: يمكن هكذا ويمكن هكذا، وهذا ليس جواباً، لكني أريد أن تكون معي واضحاً كما كنت معك، هل معنى تخصيصك الجديد للآية:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} أي: هذه الآية لا يدخل فيها أمة الرسول عليه السلام وينتج من وراء ذلك أنه في مجاهيل أفريقيا كما قلت ناس لم تبلغهم دعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ربما ما سمعوا باسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ربما ما سمعوا بأهل الإسلام، فهؤلاء يعذبون يوم القيامة بناء على هذا التخصيص الجديد؛ لأننا نحن أتباع محمد عليه السلام؟

ص: 933

مداخلة: أقول يا شيخ بأننا أتباع محمد منذورين، فلذلك

الشيخ: أرجوك لا تعيد الكلام السابق؛ لأنه مفهوم وواضح وبلسان عربي مبين، لكن أريد أنا جواباً عما سألتك.

مداخلة: لم أفهم سؤالك.

الشيخ: هذا هو الجواب.

اليوم يوجد أهل فترة أم لا، لم تبلغهم دعوة الرسول؟ يوجد أم لا؟

مداخلة: لا.

الشيخ: كيف لا، يا شيخ الله يهديك.

أين ذهبت بالذين في مجاهيل أفريقيا.

مداخلة: يمكن أن يكون، أقول في الغالب أكثر الناس بلغتهم الدعوة.

الشيخ: يا شيخ الله يهديك قلت لك كن واضحاً معي، تقول أكثر الناس، وأنا أقول لإخواننا الذي من الله بهم علينا: يا إخواننا خذوها قاعدة أي سؤال يجاب عليه بجواب يضطر السائل أن يعيد السؤال بطريقة أخرى، يعني يضطر أن يتفلسف على المجيب، لكن المسؤولية على المجيب، على قاعدة، قال الحائط للوتد لم تشقني؟ قال: سل من يدقني، فأنت تقول الأكثر، طيب والأقل سؤالي الثاني الآن: والأقل ما هم؟

مداخلة: ما أتاهم من نذير.

الشيخ: إذاً قلها من قبل بارك الله فيك.

مداخلة: نعم.

ص: 934

الشيخ: لأنه ليس موضوعنا الآن أكثر وأقل، هل هناك ناس لم تبلغهم الدعوة أم لا؟

مداخلة: نعم.

الشيخ: طيب بارك الله فيك، هذا هو.

طيب: هؤلاء تشملهم الآية: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} أم لا؟ يشملهم الحديث: «ما من رجل من هذه الأمة من يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» ؟

مداخلة: لا يا شيخ.

الشيخ: إذاً: لم يبق لنا نحن معشر أمة محمد عليه السلام خصوصية في هذا المجال، نحن ومن قبلنا يدخلون جميعاً تحت عموم قوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} لذلك الإنذار المذكور في الآية لا بد من فهمه بالدائرة الواسعة التي شرحتها آنفاً، أي: لا بد أن يكون إما مباشرة أو بتبليغ الدعوة، مثلاً: لنعد إلى موسى وعيسى عليهما السلام، إذا أحد الحواريين سمع دعوة التوحيد من عيسى عليه السلام ونقلها إلى ولده إلى صديقه إلى قريبه إلى آخره .. قامت الحجة عليه أم لا؟

مداخلة: أي نعم.

الشيخ: طيب، بالواسطة أو مباشرة.

مداخلة: بالواسطة.

الشيخ: إذاً: لا بد بارك الله فيك من أن نلاحظ هذا المعنى الواسع وإلا ضللنا

ص: 935

ضلالاً بعيداً عن الحقيقة، وبذلك أظن يتم الجواب إن شاء الله.

مداخلة: بالنسبة للآية: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ} (القصص:46)، يعني ..

الشيخ: أي نذير.

مداخلة: يعني ممكن نقول ما بلغتهم دعوة إبراهيم؛ لأنه أيضاً من نذير عموم صور النذارة، النذير الذي هو الرسول أو النذير يعني الدعوة نفسها ..

الشيخ: هنا قد يقال وإن كنت أنا لا أتبنى هذا، أنه قد يقال:«ما من نبي إلا بعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة» فالعرب جاءهم نذير منهم إسماعيل عليه السلام، اليهود جاءهم موسى جاءهم عيسى .. إلى آخره.

فهنا مجال أن يجاب من نذير منهم، وإن كنت أنا لا أتقيد بهذا، لكن أقول هذا من باب الاحتياط.

مداخلة: شيخنا أنا قصدي أن رسول العرب هو إبراهيم وإسماعيل، لكن من نذير، صورة النذارة ..

الشيخ: كأنك تريد أن تقول أن النذير ليس بمعنى نبي ..

مداخلة: أي نعم، من يحمل الدعوة كما

الشيخ: تقصد نذير، هو لا يريد أن يفسر نذير بمعنى نبي، وهذا يمكن أن يقال هذا، هذا يمكن أن يقال. ما جاء

مداخلة: سؤال آخر يتعلق بالموضوع، هل هناك فرق في الشريعة في مسألة الإنذار أو قيام الحجة بين قيام الحجة وفهمها حتى تكون سبب من أسباب حجة الله .. على عباده؟

ص: 936

الشيخ: هل تقصد فهمها أم إفهامها؟

مداخلة: فهمها.

الشيخ: طبعاً هناك فرق، فلو كان رجلاً مجنوناً أو كان رجلاً أعجمياً لا يفقه اللغة العربية أو .. أو .. احتمالات كثيرة، ربما نضطر أن نذكر شيئاً منها أو لا، هل تكون الحجة قائمة؟

مداخلة: لا طبعاً ..

الشيخ: طبعاً لا.

جوابي هذا على سؤالك هذا يذكرني بمناقشة جرت في مجلس لأول مرة حينما انتدبت للتدريس في الجامعة الإسلامية، وقبل أن تفتتح أبواب الدراسة اجتمعنا في مجلس في سهرة مع بعض أهل العلم والفضل، فأثير هذا الموضوع، فقال بعضهم بأن دعوة الإسلام الآن بلغت كل بلاد الدنيا وأتبع كلامه بقوله القرآن والحمد لله يذاع من كل البلاد الإسلامية إلى كل أقطار الدنيا، فأنا أجبت بما خلاصته: يا أستاذ أنت تقول القرآن وأنا أقول معك كما قلت، لكن العرب كشعب أو كأمة فيهم الآن من لا يفهم القرآن، فكيف تريد من الأعاجم الألبان والبريطان والأمريكان أن يفهموا القرآن بلغة القرآن وهو غير مترجم إلى لغتهم على الأقل، كيف تقوم الحجة على هؤلاء بأن يسمعوا القرآن يتلى بلغة القرآن، هذا لا يعني أنه أقيمت الحجة عليه، ولذلك فأنأ أقول لا بد من أن يفهم الذي بلغته الحجة أن يفهمها، وأنا أضيف شيئاً آخر: ليس كل من ينقل الحجة يحسن نقلها، قد يكون الذي نقلت إليه الحجة يفهمها، لكن قد يكون الناقل لم يحسن نقلها، ولذلك فقيام الحجة على شخص ما ليس من السهل نحن أن نقول أقيمت الحجة على فلان.

ص: 937

ولذلك أنا كثير ما أعترض على بعض إخواننا المبتدئين في طلب العلم والسالكين معنا في هذا الدرب من الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، ومتحمسين فيقول أحدهم: أنا بالأمس اجتمعت مع الشيخ فلان أو الدكتور الفلاني وناقشته في مسألة الاستغاثة بغير الله أو التوسل أو ما شابه ذلك، وقلت هذا لا يجوز، هذا حرام، هذا شرك .. إلى آخره، وهو يصلي بنا إماماً، فأنا أقمت الحجة عليه، فهل تجوز صلاتي خلفه؟

أنا أقول أنت كيف تتصور أنك أقمت الحجة عليه وأنت لا تزال في التعبير السوري في الرقراق يعني في الضحضاح يعني في أول العلم، فما ينبغي أن أتصور أن كل طالب علم يستطيع أن يقيم الحجة على المسلم الضال فضلاً عن الكافر المشرك، لكن كل إنسان مكلف أن يبلغ ما يستطيع، أما هل قامت الحجة عليه أم لم تقم، هذا علمه عند ربه، ولذلك أنا لا أتصور أن كل شخص أفهم الحجة وبالتالي قامت عليه الحجة، لكن أنا أقول من علم الله عز وجل منه أنه قامت الحجة عليه وتبينت له وجحدها فهو الذي يحكم عليه بالنار يوم القيامة. ولذلك كما تعلمون جميعاً أن الكفر مشتق من معنى التغطية، فحينما نقول: فلان كافر، يعني تبين له الحق ثم حاد عنه، ولذلك قال تعالى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14)، فأي كافر بَلَغَتْهُ حجة الله عز وجل وفهمها جيداً، ثم جحد هذا الذي يعذب، ولذلك ربنا عز وجل وصف بعض أهل الكتاب بقوله ويعني نبيه عليه السلام:{يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة:146)، فهم يعلمون أن الرسول عليه السلام رسول وصادق ومبعوث إلى الناس كافة، وليس إلى العرب فقط كما قالت بعض الطوائف من اليهود، لا يعرفونه كما يعرفون أبنائهم لكن مع ذلك تعصبوا لمن كانوا ينتظرونه أن يبعث منهم وفيهم، هذا هو الذي أعتقده بالنسبة

ص: 938

لسؤالك المذكور آنفاً.

مداخلة: يا شيخ هناك آيات من القرآن تبين أن الله تبارك وتعالى يجعل بين الكافرين والقرآن حجاباً ولا يفقهون ما يقوله تبارك وتعالى كما قال تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} (الإسراء:45).

الشيخ: نعم.

مداخلة: فهنا أن الإعراض عندما يكون عن سماع الدين وفهمه وفهم الحجة، الإعراض إنما يكون سبب عن عدم فهمه للحجة، فبالتالي تكون الحجة قائمة في مثل هذه الأدلة وإن لم يفهمها لكن قيام الحجة بسبب الإعراض.

الشيخ: أولاً: هذا الجعل هو جعل شرعي وليس كونياً، لعله هذا التقريب واضح عندك.

يعني: هذا الجعل سببه هو كفر هذا الإنسان وسعيه إلى الكفر وعدم فتح قلبه للحق فيما إذا جاءه، وأضرب الآن أنا لك مثلاً بعد ذلك التفصيل الذي ذكرته آنفاً أن المفروض أن المنذر أو المبلغ أن تقوم الحجة عليه فيما إذا فهمها، نحن لماذا قلنا هذا؟ لأننا أمة خاتم الأنبياء والرسل فليس بعده من رسول، إذاً: فمن الذي سيبلغ الدعوة؟ هم أتباع هذا الرسول، أتباع هذا الرسول كما شرحنا آنفاً فيهم طلبة علم ومبتدئين .. إلى آخره، الآن سؤالك السابق أصوره بصورة ضيقة جداً: هل يمكن أن نتصور رسولاً بل أن نتصور نبياً بلغ قومه شريعة الله عز وجل، وكما قال عز وجل:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (إبراهيم:4)، مع ذلك نتصور إنساناً عادياً ولم يفهم الحجة من ذاك النبي، هل يمكن هذا؟

ص: 939

مداخلة: لا.

الشيخ: إذاً: حجة الله بطبيعتها أن تكون قائمة على كل إنسان، لكني أنا وضعت قيداً:«إنسان طبيعي» أعني: غير مصاب بآفة من آفات الجنون أو الغيبوبة عن الفهم .. إلى آخره، فأي قوم وأي فرد سليم الفهم والعقل قامت حجة الله عليه لا شك أنه فهمها، لكننا نحن الآن لا نستطيع أن نقول إننا بمنزلة الرسول بل النبي في أننا نحسن إقامة الحجة على أي طائفة أو جماعة أو فرد، فمن هنا إذاً نحن لا نستطيع أن نتصور كما قلت آنفاً أن حجة الله قامت على كل من نقلت إليه الحجة لاحتمال أن النقل لم يكن سليماً، كان ناقصاً، والأمثلة الآن كثيرة وكثيرة جداً.

الآن أظن كل إخواننا الحاضرين يعلمون أن هناك جماعات منحرفة عن الإسلام كلاً أو بعضاً أو جزءاً، يدعون إلى الإسلام بنشاط حتى يدخل اليهود والنصارى في إسلامهم ولا أقول في الإسلام، كالقاديانية مثلاً فهؤلاء يبلغونهم الإسلام بمفهومهم المنحرف عن الإسلام الصحيح، فهم مثلاً يبلغونهم أن الرسول عليه السلام ليس خاتم الأنبياء بالمعنى المفهوم عند أهل السنة، وإنما هو بالمعنى المفهوم عند القاديانية خاتم الأنبياء يعني: زينة الأنبياء، أما في أنبياء بعد الرسول عليه السلام، وقد جاء أحدهم زعموا وهو ميرزا غلام أحمد القادياني وسيأتي آخرون أيضاً في زعمهم، فهذا النصراني الذي أسلم وهو يحمل هذه العقيدة، هذا ليس مسلماً بالمعنى الصحيح؛ لأن الحجة ما تقدمت إليه بالمفهوم الصحيح بمثل قوله تعالى:{وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40)، والحديث المتواتر أيضاً معناه:«ولكن لا نبي بعدي» .

كذلك هم مثلاً ينكرون كثيراً من الأخبار الغيبية كمثل مثلاً الجن كخلق من

ص: 940