الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أحكام المساجد: أن لا يجعل فيه خوخات وأبواب ينفذ إليه منها من حوله من ساكني البيوت
[ذكر الإمام ضمن أحكام بناء المساجد]: «أن لا يجعل فيه خوخات وأبواب ينفذ إليه منها من حوله من ساكني البيوت لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر» وفي لفظ: «باب» في الموضعين».
الحديث من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر فقال:
«عبد خيره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده» فبكى أبو بكر وبكى فقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا قال: فكان رسول الله هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام لا تبقين
…
» إلخ.
أخرجه البخاري ومسلم والترمذي واللفظ لهما وأحمد واللفظ الآخر له وهو رواية للبخاري وقال الترمذي:
وله شاهد من حديث ابن عباس بنحوه.
أخرجه البخاري وأحمد وسيأتي لفظه في «المناهي» فقرة «12» .
وفي الباب قوله عليه الصلاة والسلام:
«سدوا أبواب المسجد غير باب علي» .
أخرجه أحمد من طريق أبي عوانة: ثنا ابو بلج: ثنا عمرو بن ميمون عن ابن
عباس به مرفوعا.
وأخرجه الترمذي من طريق شعبة عن أبي بلج به نحوه. وقال:
«حديث غريب لا نعرفه عن شعبة بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه» . ثم قال:
«وأبو بلج اسمه يحيى بن سليم» .
قلت: وهو مختلف فيه ففي الميزان:
«وثقه ابن معين وغيره ومحمد بن سعد والنسائي والدارقطني وقال أبو حاتم: صالح الحديث لا بأس به وقال البخاري: فيه نظر وقال أحمد: روى حديثا منكرا وقال ابن حبان: كان يخطئ وقال الجوزجاني: غير ثقة ومن مناكيره هذا الحديث» . وقال الحافظ في «التقريب» :
قلت: وبقية رجال أحمد ثقات رجال الشيخين فالإسناد حسن عندي وقد قال الحافظ في «الفتح» :
«رواه أحمد والنسائي ورجالهما ثقات» .
وهو عند النسائي من طريق أبو عوانة كما في «البداية» وزادا:
«فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره» .
وحكم الذهبي على الحديث بأنه منكر لأن أبا بلج لم يتفرد به بل له شواهد كثيرة:
منها: عن سعد بن أبي وقاص قال:
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي رضي الله عنه.
أخرجه أحمد من طريق عبد الله بن شريك عن عبد الله بن الرقي الكناني عنه.
ورجاله ثقات غير ابن الرقيم هذا لم يرو عنه سوى ابن شريك هذا ولذلك قال
الحافظ في «التقريب» والخزرجي في «الخلاصة» إنه مجهول.
وأما الهيثمي فزعم أنه حسن حيث قال:
«رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني في «الأوسط» وزادا:
قالوا: يا رسول الله سددت أبوابنا كلها إلا باب علي؟ قال: ما أنا سددت أبوابكم ولكن الله سدها. وإسناد أحمد حسن».
وتبعه الحافظ في «الفتح» فقال:
«وإسناده قوي ورواية الطبراني في «الأوسط» رجالها ثقات».
قلت: فتناقض الحافظ فإن قوله: «إسناده قوي» يناقض قوله في بعض رواته: إنه مجهول كما سبق. وأما طريق الطبراني ومن ذكر معه فيظهر أنها طريق أخرى عن سعد فقد ساقه الحافظ ابن كثير من طريق أبي يعلى بسند آخر فيه من لم أعرفه وغالب الظن أنه وقع في أسماء رجاله تحريف مطبعي. والله أعلم.
ومنها: عن زيد بن أرقم قال:
كان لنفر من أصحاب رسول الله أبواب شارعة في المسجد فقال يوما: «سدوا هذه الأبواب إلا باب علي» قال: فتكلم في ذلك الناس قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله تعالى وأثنى عليه. ثم قال:
أخرجه أحمد: ثنا محمد بن جعفر: ثنا عوف عن ميمون أبي عبد الله عنه.
ورجاله ثقات رجال الشيخين غير ميمون هذا وهو البصري مولى ابن سمرة وهو ضعيف كما في «التقريب» وفي «المجمع» :
«وثقه ابن حبان وضعفه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح» .
وساق له الذهبي هذا الحديث وقال:
«قال العقيلي عقبه: وقد روي من طريق أصلح من هذا وفيها لين أيضا» .
وأما الحافظ في «الفتح» فقال:
«أخرجه أحمد والنسائي والحاكم ورجاله ثقات» .
كذا قال وقد تناقض أيضا وهو في «مستدرك الحاكم» من طريق أحمد وقال:
«صحيح الإسناد» ووافقه الذهبي.
ومنها: عن ابن عمر قال: ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم: زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته وولدت له وسد الأبواب إلا بابه في المسجد وأعطاه الراية يوم خيبر».
أخرجه أحمد عن هشام بن سعد عن عمر بن أسيد عنه.
وهذا إسناد حسن كما قال الحافظ.
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير هشام بن سعد فمن رجال مسلم وحده وهو صدوق له أوهام كما قال في «التقريب» .
وعمر بن أسيد هو عمرو بن أبي سفيان بن أسيد كما في كتب الرجال.
وفي الباب عن علي نفسه وجابر بن سمرة وابن عباس أيضا لكن أسانيدها لا تستحق الذكر فاقتصرنا على ما سبق.
ولحديث ابن عمر طريق أخرى رواه الطبراني في «الأوسط» وكذا النسائي كما في «التفح» من طريق العلاء بن عرار بمهملات قال: فقلت لا بن عمر: أخبرني عن علي وعثمان
…
فذكر الحديث وفيه:
أخرجه من حديث سعد بن أبي وقاص وزيد بن أرقم وابن عمر مقتصرا على
بعض طرقه عنهم وأعله بعض من تكلم فيه من رواته وليس ذلك بقادح لما ذكرت من كثرة الطرق وأعله أيضا بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة في باب أبي بكر وزعم أنه من وضع الرافضة قابلوا به الحديث الصحيح في باب ابي بكر. انتهى. وأخطأ في ذلك خطأ شنيعا فإنه سلك في ذلك رد الأحاديث الصحيحة بتوهمه المعارضة مع أن الجمع بين القصتين ممكن».
ثم ذكر وجه الجمع بينهما وخلاصته: «أن باب علي رضي الله عنه كان إلى جهة المسجد ولم يكن لبيته باب غيره فلذلك لم يؤمر بسده وإنهم لما سدوا الأبواب بأمره عليه الصلاة والسلام أحدثوا خوخا يستقربون الدخول إلى المسجد منها فأمروا بعد ذلك بسدها» . واستحسن الحافظ في هذا الجمع.
قلت: وفيه نظر بين عندي لأنه على هذا لا منقبة لعلي رضي الله عنه في إبقاء بابه طالما أنه لم يكن له غيره فمن أين يدخل ويخرج؟ فهو مضطر فإذنه عليه الصلاة والسلام له يكون للضرورة ولا فرق حينئذ بينه رضي الله عنه وبين غيره إذا كان في مثل بيته مع أن الأحاديث المتقدمة تفيد أنها منقبة لعلي رضي الله عنه حتى إن ابن عمر رضي الله عنه تمنى أن تكون له هذه المنقبة كما سبق فالأقرب في الجمع ما ذكره ابن كثير رحمه الله حيث قال بعد أن ساق بعض طرق هذا الحديث:
«وهذا لا ينافي ما ثبت في «صيح البخاري» من أمره عليه الصلاة والسلام في مرض الموت بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد إلا باب أبي بكر الصديق لأن نفي هذا في حق علي كان في حال حياته لاحتياج فاطمة إلى المرور من بيتها إلى بيت أبيها فجعل هذا رفقا بها، وأما بعد وفاته فزالت هذه العلة فاحتيج إلى فتح باب الصديق لأجل خروجه إلى المسجد ليصلي بالناس إذ كان الخليفة عليهم بعد موته عليه الصلاة والسلام وفيه إشارة إلى خلافته».
هذا والظاهر أن أمره عليه الصلاة والسلام بسد الخوخات والأبواب هو من قبيل سد الذرائع لأن وجودها يؤدي إلى استطراق المسجد وهو منهي عنه كما يأتي في المناهي فقرة «12» ولذلك قال الحافظ في صدد ذكر ما في الحديث من الفوائد: