الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السبب الأول: أن المئذنة في الأصل ليس لها أصل، وقلنا بجواز اتخاذها يومئذ؛ لأنها تحقق مصلحة مرسلة، الآن مكبر الصوت يحقق مصلحة مرسلة فما يجوز بناء مئذنة، وبخاصة على الطرق التي اتبع في كثير من المساجد حيث يباهى بها بطريقة بنائها ورفع بنيانها ونحو ذلك، مما لا يخلو من الإسراف والتبذير وإضاعة المال، وبخاصة إذا كانت هذه الأموال هي أموال وقف أو ناس تبرعوا على أساس أنه يراد أن يبنى بهذه الأموال مسجد، وفي ذلك فضلًا معروف في بعض الأحاديث كقوله عليه الصلاة والسلام:«من بنى مسجدًا ولو كمِفْحَص قَطَاة بنى الله له بيتًا في الجنة» وإذا كثير من هذه الأموال تذهب هكذا سُدى دون فائدة.
قديمًا كنا نقول: لتحقيق مصلحة مرسلة، أما بهذه الارتفاع فليس في ذلك مصلحة إطلاقًا .. أما اليوم فلا مصلحة إطلاقًا في بناء مئذنة، لولا العرف السائد فيدل الغريب أن هذا مسجد فلا مانع من اتخاذ مئذنة مصغرة جدًا وبأقل كلفة؛ لأننا قلنا بأن مكبر الصوت يغني عن تلك المئذنة.
(رحلة النور: 38 أ/00: 08: 46)
السواري في المساجد
قال تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55]، وإن من أهم ما يجب التذكير به، إنما هو ما ابتُلي به جماهير الناس لجهله، أو على الأقل بالغفلة عنه، الذي ينبغي الاعتناء بالتذكير به قبل كل شيء إنما هو ما كان مجهولاً عن جماهير الناس، أو كانوا غافلين عنه، أن أكثر المساجد القديمة بُنِيت يوم بنيت، والهندسة المعمارية لم تكن قد ساعدتهم على بناء مسجد دون أعمدة ودون سَوَاري، ولذلك فلا يكاد مسجد يخلو من أن يكون فيه عديد من الأعمدة والسواري، وهذه الأعمدة يوم بُني، بنيت دون التخطيط من مهندس فقيه بالإسلام، أو على الأقل أن يتعاون مع عالم من العلماء؛ لأن الحقيقة: أن العلوم التي أشرنا إليها في الكلمة السابقة -وهي العلوم الكفائية- لا يستطيع أن ينوءَ، أو أن ينهض بها فرد من أفراد
العلماء، وإنما يقوم كُلُّ فرد منهم بفرض من هذه الفروض الكفائية، ولكن لا تفيدهم هذه الفروض إلا إذا كانوا متعاونين، كما قال رب العالمين:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2].
كان ينبغي حين تُبْنَى المساجد، أن يستعين المهندسون بآراء العلماء في بناء المسجد، دعنا نُسَمِّيه المسجد السُّنِّي أو السَّلفي، هناك شخص سَلفي، وهناك مسجد سلفي -أيضاً- أي: على السنة، على ما جاء في الأحاديث التي نَقَلَتْها الصحابة إلينا.
إن من الأحاديث العجيبة الغريبة التي أُهْمل تطبيقُها حتى اليوم مع أن ذلك من الميسور.
أعني: ينبغي أن يكون هناك في كل مسجد باب يُسَمّى بباب النساء، أي: لا يدخله إلا النساء، كما أن الباب الخاص بالرجال أو الأبواب الخاصة بالرجال، ما ينبغي للنساء أن تدخل المسجد من باب من تلك الأبواب.
ذلك مأخوذ من حديث «رواه أبو داود» في «سننه» من طريق نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، قال نافع: عن ابن عمر، أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم يوماً إلى المسجد، -المسجد النبوي- فقال عليه الصلاة والسلام:«لو تركنا هذا الباب للنساء» . قال نافع عن مولاه ابن عمر: فما دخل ابن عمر بعد ذلك المسجد من هذا الباب إطلاقاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو تركنا هذا الباب للنساء» .
وتَعلمون اليوم، من ذهب منكم في حج أو عمرة، إلى المسجد النبوي، فهناك باب اسمه «باب النساء» هذا متوارث خلفاً عن سلف.
وإني لأذكر -جيداً- أنه كان أُتِيح لي الذهاب إلى مصر، وزرتُ بعضَ البلاد هناك، لعلها سُوهاج أو غيرها، نسيت اسمها، فأخذني بعض أصحابي هناك إلى مسجد يُبْنَى جديداً، فقالوا لي: هنا سيكون الميضَأَة وهنا المرحاض، وهنا باب لي، قلت لهم: وأين باب النساء؟ قالوا: جزاك الله خيراً، فوضعوا مكاناً يُتَخَذ منه
باب للنساء.
هذا أمر سهل، مع ذلك فالناس في غفلة، لكن الشيء الصعب الذي كان لا يمكن تحقيقه إلا في هذا الزمان، أن يُبنى مسجد مهم كبيرٌ واسع، دون أعمدة؛ لأن هذه الأعمدة تكون سبباً لتعريض صلاة المصلين، لا أقول للبطلان والفساد، وإنما على الأقل للنقص من الثواب.
ذلك لأنه قد جاء عن النَّبي صلى الله عليه وسلم حديثان اثنان، أحدُهما: من حديث أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: كنا نُطْرَد عن الصف بين السَّوَاري طرداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث الآخر:«لا تَصُفُّوا بين السَّواري» .
الذي أوحى إليَّ بهذه الكلمة: أننا دخلنا الآن المسجد، فوجدنا صفاً بين الأعمدة الضَّخْمَة، وكِدْت أتورط أن أُصَلِّي في صف منقطع؛ لأني أُلاحظ لعل هناك صف لما يكتمل بعد، فوجدت فراغاً فَهَمَمْت أن أَسُدَّه، وإذا هو صف منقطع بسبب السواري، فهذه واحدة ينبغي ملاحظتها:«لا تصفوا بين السواري» .
هذا ليس كلامي، وإنما كلام نبيكم صلى الله عليه وسلم، وفعله وأمرُه، كانوا يُطْرَدون عن الصف بين السَّواري طَرداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
الشيء الثاني: أنني تأخرت لِأَصُفّ في صَفّ غير منقطع، فوجدته والحمد لله، لكن الشيء الذي لَفَت نظري، الذي تَحاشى الاصطفاف بين السواري وقع في مخالفة أخرى، والسبب هو الغفلة أو الجهل بالسنة.
أي: كان هذا الصف بعيداً جداً عن الصف الذي بين يديه، وهو الذي يتخلله الأعمدة والسواري؛ والسبب هذه البدعة التي ابتليت بها المساجد في هذا الزمان، وهي الخطوط التي تُمَدُّ في المسجد بعضها خط بالحبر، بعضها أسلاك، بعضها .. إلى آخره.
كثير من الناس يتوهمون والكلام كما يقال: ذو شجون، كلام يجر بعضُه بعضاً، أن مَدَّ هذه الخطوط هو من الأمور المشروعة؛ ذلك لأن الناس يُسَوُّون الصفوف عليها، وهذا في الواقع فيه بحث أصولي علمي هام جداً، وهو: هناك قاعدتان،
إحداهما: منصوص عليها في كلام الرسول عليه الصلاة السلام، وهو قوله:«كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» ولا أريد الخوض في هذا الحديث، وموقف كثير من العلماء اليوم تجاه هذا الحديث، حيث أنهم عَطَّلوا عمومه، وضربوا الحديث في صدره، فقالوا: ليس كل بدعة ضلالة.
هذه المشاقَّة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم والمعاكسة له، رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«كل بدعة ضلالة» هؤلاء الناس يقولون: لا، ليس كل بدعة ضلالة.
لا أريد الخوض هنا، يكفيكم القاعدة العامة من كلام المعصوم -عليه الصلاة السلام-.
لكن أريد أن أُذَكِّر بقاعدة أخرى، أُخذت من أدلة الكتاب والسنة أخذاً واستنباطاً، وليس عليها نَصٌّ صريح، كما هو الشأن في القاعدة الأولى، وهي القاعدة التي نسميها بِسَد الذرائع، قاعدة «سَدّ الذرائع» ومثلها «ما لا يقوم الواجب إلا به، فهو واجب» هنا نقف الآن: كثير من الناس يظنون أن مد هذه الخيوط في المساجد، هو من باب المصالح المرسلة التي منها: ما ذكرنا «ما لا يقوم الواجب إلا به، فهو واجب» فهل قاعدة المصالح المرسلة -وهي صحيحة ولا شك-على إطلاقها؟
هنا البحث: وأرجو أن أخْتَصِرَه ما استطعت، هذه القاعدة يجب الأخذ بها، وتطبيقها في أوسع معانيها، بشرط واحد: أن لا تخالف السنة.
والسنة كما تعلمون ثلاثة أقسام: قول وفعل وتقرير، -ولا شك ولا ريب- أن إخواننا الحاضرين جميعاً يَعْلَمون أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان لا يُكَبِّر في الصلاة إماماً بالناس، إلا بعد أن يأمر بتسوية الصفوف وأن يقول لزيد: تقدم، وآخر تأخر .. إلى آخره، حتى كان يُسَوّى الصفوف كما تُسَوّى قِدَاح الرماح، وكان عليه السلام يُشَدِّد جداً، ويؤكد الأمر بتسوية الصفوف، حتى كان يقول:«لتُسوونَّ صفوفَكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم» .
فإذاً: رسول الله كان يُعْنَى بالأمر بتسوية الصفوف، ويقول: تقدم، وتأخر ..
تُرى هل كان من الممكن مد خيط من خيطان النخيل -يومئذ- وما أكثره! كان يمكنه عليه السلام يفعل ذلك، أم لا؟ الجواب بداهة!
إذاً: هل فعل الرسول ذلك؟
الجواب: لا.
إذاً: هل يجوز لنا نحن أن نفعل ذلك؟
الجواب: لا؛ لأنه: ما كان المقتضي قائماً، لإحداث أمر في عهد الرسول، ولم يفعله، فإحداثنا له مع وجود المقتضي في ذاك الزمان، وعدم إيجاده إياه، هو من البدع الداخلة في عموم قوله عليه السلام -السابق الذكر-:«كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» .
إذاً: لا يجوز الاغترار بهذه المحدثة والبدعة التي شاعت اليوم في مساجد المسلمين، وسبب شروعُها هو أحد شيئين: أحلاهما مُرَّ، غفلة العلماء عن الفقه الصحيح المُسْتَقى من الكتاب والسنة، أو -مع عدم غفلتهم- هم لا يُعْنون بتعليم إخوانهم المسلمين.
لذلك نشأت هذه البدعة وعَمَّت المساجد، ثَمَّ مشكلة أخرى: الذين يَخُطُون هذه الخطوط -أيضاً- ليسوا بعلماء، وهنا الشاهد الآن في البحث، تجد خَطاً، لو وقف عنده المصلي ينطح العمود برأسه، لماذا خَطَطَتم هذا الخط، تأخَّروا به قليلاً؛ حتى يتمكن المصلون أن يسجدوا لربهم كما ينبغي لهم السجود، ليس هناك مجال.
إذاً: هذا الخط لماذا؟ ذهب الخط سدًى وضاع ذلك المكان سدًى.
ماذا نشأ؟ جاء الخط الثاني وراءه، وهذا الذي شاهدته الليلة، فوقف الناس، لما وقفنا نحن كاد الصف يكاد يمتلئ، ممكن إدخال صف ثاني بين العمود وبين هذا الصف، لكن الخطأ من أين نشأ؟ من الذين خَطّوا هذه الخطوط دون تفكير ودون وعي، فلما انضَمْمَت للصف، وجدت بيني وبين السارية مسافة بعيدة، هل هنا مخالفة للشريعة؟ نقول: نعم. قال عليه الصلاة والسلام: «قاربوا بين الصفوف» هنا صار مباعدةً ما بين الصفوف.
إذاً: كان ينبغي أن يكون هناك الصف الأول، الذي إذا وقف المصلي لا يستطيع أن يسجد وراء الساريات، يتأخر خط مقدار شبرين، فيقف الصف، وبالتالي الصف الثاني وراءه. هكذا.
إذاً: بدعة جرت، بدع كثيرة وكثيرة جداً، هذه البدعة هي الخطوط المنتشرة اليوم في المسجد، هذه ما ينبغي أن تكون؛ لأن الناس يتواكلون عليها في تسوية الصفوف.
وخذوا المثال الآن: في هذه السُّنة التي شاعت -بفضل الله عز وجل في هذه السنين المتأخرة، في كثير من البلاد -في الأردن- وقد كانت أُمِيتت من قَبْل، هي: سنة إقامة صلاة العيدين في المصلى، في المصلى أرض عادية، وليس هناك خطوط ممدودة، فتجد الصفوف من أسوأ ما ترى من صفوف، ذلك لأن الناس لا يَصُفُّون إلا على الخيط، هنا لا يوجد خيط.
منظر من أفسد المناظر، ما الذي أدى إلى عدم الاهتمام بتسوية الصفوف، هذه الخطوط التي تُمَدُّ في المسجد وتخالف سنة الرسول عليه السلام -القولية والفعلية-:«سَوّوا صفوفكم؛ فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة» ، تقدم، تأخر، استراح أئمة المساجد من القيام بهذا الواجب، أراحهم من ذلك هذا الخيط.
ولذلك: فأنا أُذَكِّر بهذا الذي شاهدته، هذا الخط الذي هو قريب من العمود، يجب أن يُؤَخَّر قليلاً، حتى يتمكن مَن وقف وراء العمود من السجود، وحتى ما يكون الصف الذي ما يريد أن يصف بين السواري، بعيداً عن الصف الذي بين يديه، ثم هذا الصف الذي بين السواري، لماذا؟
فليكن الصف أمام السواري، فليكن الصف يكون الخيط هنا، ما يقفون هنا، والمسألة سهلة جداً، ولكنها تحتاج إلى مُذَكّر، وها أنا قد ذَكّرتكم، «وليبلغ الشاهد الغائب» .
(الهدى والنور /633/ 41: 00: 00)