الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حيث معناها ومبناها تخالف أحاديث كثيرة جداً، هي التي تنهى عن زخرفة المساجد وعن المباهاة فيها، وأظن إن لم تَخُنِّي ذاكرتي أنني في جلسة سابقة في هذا المسجد، كنت أسمعتكم بعض الأحاديث المتعلقة بالنهي عن زخرفة المساجد، فلا أريد الآن أن أُعِيد إلى أذهانكم ما كنت أسمعتكم إياه من قبل، وإنما أُريد أن أُذَكِّركم بشيء آخر يشمل جميع نواحي الحياة ألا وهو حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال» .
الشاهد من هذا الحديث هو: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، لا فرق بين المسجد في شهر رمضان ولا في غيره من شهور السنة، فالنور الذي يحتاجه المسجد هو الذي لابد منه، أما النور الزائد على حاجة المسجد فهذا إضاعة للمال وإسراف في المال، وإن الله عز وجل لا يُحب المسرفين، هذا الذي أردت التذكير به، ونرجو الله عز وجل أن يُمَكِّن القائمين على المسجد بأن ينهضوا به خلاف عامة المساجد؛ لأن عامة المساجد كثير منها لم يُؤَسِّس على تقوى من الله، حتى ولو كان الكثير منها قد أُسِّس على تقوى من الله، أي: كان بناؤه على المال الحلال، ولكن مع ذلك ما استمروا فيه على السنة، بل هم لا يزالون يخالفون في تلك المساجد السنة، هذا الذي خطر في بالي بهذه المناسبة أن أُذَكِّركم، ونسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً.
(الهدى والنور/656/ 31: 36: 00)
المخالفات الحاصلة في المساجد
الشيخ: كنت شرعت في كلمة ونحن خارجون من صلاة المغرب مع الأخ أبو لؤي، حيث صلى بنا صلاة العصر وجزاه الله خيراً، وقد قلت في نفسي وأنا أصلي هنيئاً لهذا المسجد الذي إمامه يصلي هذه الصلاة، لكن بمقدار ما فرحت أسفت، لأنني علمت أنه ليس إماماً في المسجد، أكذلك؟
مداخلة: نعم.
فَزَوَّرت في نفسي بناءً على ظني أنه هو إمام المسجد، أن أُذَكِّره بمسألة يغفل
عنها كثير من إخواننا أهل السنة، وعلى رغم أنني علمت بأنه ليس هو الإمام، لكنني قلت لابد من الذكرى لأن الذكرى تنفع المؤمنين.
أما بالنسبة إليه أولاً، فقد يعود ويصلي في نفس المسجد إماماً كما صلى صلاة العصر، ثم لو لم يتح له أن يصلي في هذا المسجد فقد يصلي في مسجد آخر، فشأنه شأن هذا المسجد من حيث أن أكثر المساجد اليوم لا تخلوا من المحاريب، والمحاريب لم تكن في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، لا في مسجده المسجد النبوي، ولا في المساجد الأخرى المنبثة في المدينة، فلم يكن المحراب معروفاً في أول الإسلام في مساجد المسلمين، ولكن المسلمين مع الأسف الشديد فيما بعد بدؤوا يتأثرون ببعض العادات التي عُرِف فيها النصارى وانتشر واشتهروا بها، منها مثلاً: زخرفة المساجد، كما قال ابن عباس بعد أن روى قول النبي صلى الله عليه وسلم:«ما أُمرت بتشييد المساجد» قال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أمرت بتشييد المساجد» أي: برفع بنيانها وتشييدها وزخرفتها، ولذلك عقب ابن عباس رضي الله تعالى عنه على هذا الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«لتُزَخْرِفنها كما زخرفت اليهود والنصارى» .
فزخرفت المساجد بدأت تذر قرنها في العهد الأول، ولذلك لما بدا لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أن يُوَسِّع المسجد النبوي، قال للمُشْرِف على البنيان بالزيادة العمرية قال:«أكن الناس من الحر والقر، ولا تُحَمِّر ولا تُصَفِّر» يعني: أبعد عن زخرف مثل الأحمر والأصفر، واقتصر من البنيان على ما يدفع الحر والقر عن المصلين.
الشاهد: أن هذه الزخارف هي: مما جرى عليها النصارى وتسربت العدوى عدواها .. بدأت تتسرب إلى المسلمين الأولين بعض عادات النصارى وغيرهم من الكفار الضالين، ولذلك انتبه لمثل هذا التسرب عمر بن الخطاب، الذي سماه بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاروق، وأخبر بقوله عليه السلام عن هذه الحقيقة:«يا ابن الخطاب، ما سلكتَ فَجًّا إلا سلك الشيطان فَجًّا غير فَجِّك» .
ولهذا قال للذي كلف بضم الزيادة إلى المسجد النبوي ما ذكرته لكم آنفاً: «أكِن الناس من الحر والقر، ولا تُحَمّر ولا تُصَفِّر» .
هذا يشعرنا بأن عمر كان وَصَلَه شيء من هذا، ولذلك حذر القائم على بنيان هذه الزيادة، وإضافتها إلى المسجد النبوي بقوله له:«أكن الناس من الحر والقر، ولا تحمر ولا تصفر» ذلك لأن المساجد ينبغي أن تكون، ليس فقط فيما يقام فيها من عبادة الله وتوحيده على خلاف الشرك الذي يقع في البيعات والمساجد والكنائس، وإنما حتى في بنيانها، يجب أن تكون مخالفة لبنيان اليهود والنصارى لبيعهم وكنائسهم؛ من أجل ذلك جاء فيما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت:«لما رجعت أم سلمة وأم حبيبة من الحبشة، ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم» .
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: «لما رجعت أم سلمة وأم حبيبة من الحبشة» تعني كانتا من المهاجرات من ظلم المشركين في المدينة لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نساءً ورجالاً قالت: «لما رجعتا من الحبشة ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها في الحبشة، وذكرتا» هنا الشاهد، «وذكرتا من حسن التصوير فيها» فقال عليه الصلاة والسلام:«أولئك كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجداً وصَوَّروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله تعالى يوم القيامة» .
فالنبي صلى الله عليه وسلم اقتباساً منه مما في القرآن، حينما يقص رَبُّنا عز وجل بعض قصص الأولين الغابرين ما يقصها لنا للقصص فقط، وإنما للموعظة والعبرة كما قال:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ} [يوسف: 111].
فهو ربنا عز وجل يقص في القرآن الكريم قصص الأولين للعبرة، وليس للتاريخ فقط، وإنما للعبرة.
كذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولاشك أنه هو ينطلق من نفس المشكاة التي ينطلق كلام الله عز وجل، في أن كلامه عليه السلام هو وحي السماء كما في القرآن أيضاً:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} [النجم: 1]{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 2] {وَمَا يَنْطِقُ
عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3].
فلا غرابة أن يقص عليهم وعلينا النبي صلى الله عليه وسلم بعض قصص الأولين من اليهود والنصارى، لماذا؟ لكي نأخذ من ذلك عبرةً، فَقَصَّ هذا الحديث:«أولئك كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله تبارك وتعالى يوم القيامة» .
فهذا كله أقصد به أن المسلمين من أول العهد الأنور، بدأ بعض الداخلين في الإسلام من جديد، يحاولون أن يُدخلوا في الإسلام ما لا يرضاه الإسلام باسم الإسلام، وباسم عظمة شعائر الإسلام منها: زخرفة المساجد، ولا أُطيل، أو لا أُريد أن أُطيل الكلام هنا كثيراً؛ لأنه هدفي فقط المحراب.
هذا المحراب لم يكن في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا المحراب الذي ترونه شائعاً في مساجد الإسلام كلها، لا تكاد أو لا تكادون تجدون مسجداً دون محراب، هذا المحراب أُخِذ من النصارى.
أما مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فليس للمحراب فيه ذكر إطلاقاً، وحينما تأتي الأحاديث تتحدث عن قيام الرسول عليه السلام للصلاة بالجماعة، لا تقول هذه الأحاديث: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحراب، وإنما تقول: قام في مقامه؛ ولذلك ألَّف بعض الحُفَّاظ من حفاظ الحديث المشهورين وهو: الملقب «بجلال الدين» والمنسوب إلى أسيوط «السيوطي المصري» ألف رسالة لطيفة جداً أسماها: «تنبيه» ما أذكر الآن «الأريب ببدعة المحاريب» هذه رسالة مطبوعة.
وهذه حقيقة ينبغي على الأقل لأئمة المساجد أن يعرفوا هذه المسألة أن المحراب بدعة محدثة دخيلة في الإسلام.
وكان الموضوع الذي جَرَّنا إلى هذا الكلام هو: أن أحد إخواننا صلى بنا العصر، وهو يعلم فيما يبدو لي أن المحراب ليس له أصل في الشرع، ولذلك هو لم يصل في المحراب، فشكرته على ذلك في نفسي، وتذكرت بهذه المناسبة أثراً رواه
أحد أئمة الحديث ألا وهو: «أبو بكر ابن أبي شيبة الكوفي» في «كتابه العظيم المعروف: «بالمصنف» وهناك في كتب الحديث والآثار كتابان: معروفان مشهوران بهذا الاسم: المصنف، أحدهما: هذا «مصنف ابن أبي شيبة» والآخر: «مصنف عبد الرزاق بن همام اليماني» .
فروى ابن أبي شيبة في مُصَنَّفه عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: أنه كان يكره الصلاة في الطاق، ويعني: المحراب، كان يكره، كان يكره الصلاة في الطاق، يعني: في المحراب، فكان يحيد عنه يميناً أو يساراً، وهذه سُنَّة طيبة من ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، الذي كان من أكبر فقهاء الصحابة رضي الله عنهم جميعاً، والذي قام على فِقْهه مذهب «أبي حنيفة النعمان بن ثابت» أكثر فقهه أخذه ليس عن ابن مسعود مباشرة؛ لأنه هو لم يُدْرك ابن مسعود، وإنما عن أصحابه وتلامذته المعروفين مثل: علقمة، ومثل: عبد الرحمن بن يزيد بن الأسود ونحوهم.
ابن مسعود هذا الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أَحَبَّ أن يقرأ القرآن غَضًّا طرياً كما أُنزل، فليقرأه على قراءة ابن أُم عبد» يعني: ابن مسعود.
فعبد الله بن مسعود اسم أبيه: مسعود أما الأم فالرسول يكني عنها فيقول: أم عبد الله بن مسعود فيقول في الحديث: فليقرأه على قراءة ابن أُم ماذا؟
مداخلة: أم عبد ..
الشيخ: أم عبد، هذا يعني: فيه إجلال كبير لهذا الصحابي الجليل، هذا كان يكره أن يصلي في الطاق، وهذا معناه: بدأت الطيقات إذا صح التعبير أي: المحاريب أن تنتشر في المساجد الصغيرة، أما في عهد عمر فلم يكن شيء من ذلك.
الشاهد: أن الإمام المشار إليه، صلى بنا العصر بعيداً عن الطاق أخذ يميناً، أخذ إلى جهة المنبر، وأنا رأيت مثل هذا أكثر من مرة، ومنذ عهد قريب في عمان صلى أحد إخواننا أيضاً، وانحرف عن المحراب يميناً، فهنا تبدو ظاهرة ما هي مشكورة شرعاً وهي: أن الإمام إذا أخذ يميناً فراراً من المحراب وقع في مشكلة أخرى، صار
المصلون عن يمينه قلة، والمصلون عن يساره كَثْرَة، والعكس هو الصواب.
ولذلك قلنا في الجلسة السابقة: إن المسلم إذا وقع بين شرين اختار أقلهما، فأقلُّهما شراً بلا شك خارج المحراب، لكن في مجال أن نبتعد عن المخالفة جزئياً، وذلك بأن نأخذ عن يسارنا، فبدل أن نأخذ عن يميننا نأخذ عن يسارنا، هنا يُصبح الصف الذي على جهة اليمين أكثر من بقية الصف الذي هو على جهة اليسار، ولولا أني لمست مِن الذي صلى بنا تجاوباً مع السنة، حيث رأيته يصلي صلاة السنة التي قَلَّما أراها في الأئمة اليوم، ما تشجعت لأدخل في مثل هذا التنبيه؛ لأنني أعلم أن هناك كثيراً من الناس يقولون: هذه أمور تافهة، هذه أمور يعني: قشور، بعضهم قد يسميها قشور، وهم يريدون أن يتكلموا بعظائم الأمور، هكذا زعموا، لكننا نحن الدعاة إلى السنة، وعلى منهج السلف الصالح، نرى أنه لا يجوز تقسيم الإسلام إلى لُبّ وقشر، ولا يجوز تقسيم الإسلام إلى ما هو ثانوي وما هو جوهري لسببين اثنين:
أحدهما: أن هذا الذي ليس في ظن البعض جوهرياً؛ قد يكون في ظن البعض الآخر جوهرياً.
والسبب الثاني: أننا على التسليم بأن هناك الأحكام تختلف، وهذا أمر بدهي جداً، فهناك فرض وهناك سنة، وهناك مستحب ومندوب وإلى آخره، هذه حقيقة لا يمكن إنكارها، لكن الإسلام يجب أن يُؤخَذ كُلًّا لا يتجزأ، كل مسلم يأخذ منه حسب طاقته ونشاطه، ورغبته في التقرب إلى الله ربه تبارك وتعالى، ولا يجوز للمسلم البصير في دينه أن يسوق الناس مساقاً واحداً؛ لأن الناس يتفاوتون كل التفاوت في منطلقهم، في تمسكهم في دينهم.
رُبَّ إنسان مثلاً: يقنع فيما يتعلق بالصلاة على الفرائص الخمس، ولا يهتم بالسنن والنوافل، لكنه من جانب آخر: يكثر من الحج والعمرة، فنحن لا نتدخل في شأنه؛ لأن كل مسلم يعلم من نفسه ما يُصلحه التنفل من الصلاة أم التنفل من الحج والعمرة، أم الزكاة أم أم إلى آخره، وإنما نحن علينا البيان، وعلى الآخرين أن يأخذ كل منهم ما يتناسب مع وضعه مع نفسه مع مع إلى آخره.
فأنا الآن أقول: بالنسبة لتقسيم الصلوات إلى فريضة ونافلة، لا ننكر هذا التقسيم لا ننكره؛ لأنه قد جاء الحديث الصحيح الصريح في هذا التقسيم، أو فيما يدل عليه.
روى الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أخبرني بما فرض الله عَليَّ؟ قال له: «خمس صلوات في كل يوم وليلة» خمس صلوات في كل يوم وليلة، قال:«هل عليَّ غيرهن؟ قال: إلا أن تطوع» ماذا كان موقف هذا الرجل السائل حينما سمع منه عليه الصلاة والسلام، أنه ما عليه فرض كل يوم وليلة إلا خمس صلوات، وما سوى ذلك تطوع قال:«والله يا رسول الله، لا أزيد عليهن ولا أنقص» .
أنا أتمنى اليوم أن يكون المسلمون، كل المسلمين كهذا الأعرابي أو هذا البدوي، يعني: يُحافظون على ما فرض الله عليهم، ولا يأتون بشيء من المستحبات إذاً: لنصرهم الله عز وجل؛ لأنه لا نتصور أن الإسلام قام فقط على الخمس الصلوات؛ لأنه في هناك فرائض وفي هناك محرمات، فلو فرضنا أن المسلمين قاموا بكل ما فرض الله عليهم من فرائض وانتهوا عما حرم الله عليهم من المحرمات، إذاً: حَقّ فيهم قول رَبِّنا: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد: 7].
لكن بالكاد أن ترى أكثر المسلمين يحافظون على الصلوات الخمس، هذا لا تكاد تراه.
الشاهد: فنحن لا ننكر هذا التقسيم المصطلح عليه بين الفقهاء، ولكن لا أُريد الاستهانة بما دون الفريضة، بمثلما ذكرت لكم آنفاً أنه هذه قشور، هذه من توافه الأمور؛ لأن هناك حديث آخر، وهذا مهم جداً خاصة للمُقَصِّر، ليس تقصير ذاك الأعرابي البدوي الذي عاهد الله ألَاّ يزيد على الصلوات الخمس ولا ينقص منها، والذي قال عليه السلام في حقه منبهاً له أنه هذا كلام صحيح إذا وفيت به، فقال عليه السلام لأصحابه:«أفلح الرجل إن صدق، دخل الجنة إن صدق» وقد لا يصدق، فنحن نقول لكثير من الناس شباباً وكهولاً، بل ومع الأسف شيوخاً قد لا
يُصَلُّون، وإن صَلُّوا فقد يقصرون ويخلون.
اسمعوا الحديث التالي، قال عليه الصلاة والسلام:«أول ما يحاسب العبد يوم القيامة الصلاة، فإن تمت فقد أفلح وأنجح، وإن نقصت فقد خاب وخسر» من أجل ذلك شهد الرسول عليه الصلاة والسلام لذاك السائل بأنه أفلح دخل الجنة إن صدق.
أما المسلمون اليوم -مع الأسف- أكثرهم غير صادقين حينما يُؤَدُّون الصلوات الخمس، فأكثرهم من المقصرين، وليس فقط أكثرهم من المقصرين في المحافظة على أداء الصلوات في أوقاتها، ليس هذا فقط بل تجد الذين يُحافظون على هذه الصلوات في أوقاتها يكتفون على هذه المحافظة، بينما رَبُّنا عز وجل فرض عليهم محافظةً أخرى، حيث قال لهم في القرآن الكريم وبَيَّن ذلك عليه الصلاة والسلام في الأحاديث الصحيحة الكثيرة، فقال تبارك وتعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43].
اركعوا مع الراكعين يعني: صلوها مع جماعة المسلمين، يعني: صلوها في المساجد، لا تُصَلُّوها في بيوتكم تكونون كالنساء، النساء قال عليه الصلاة والسلام في حقهن:«ائذنوا للنساء بالخروج إلى المساجد في الليل» .
قال في حديث آخر: «وبيوتهن خير لهن» .
فإذاً: من الذي يصلي في البيت؟ الجنس الذي تسموه اليوم الجنس اللطيف، والذي سماه الرسول عليه السلام بالقوارير، الرجال ما هو جنس لطيف، ولا هم قوارير.
فإذاً: ينبغي ألَاّ يتشبه الرجال بالنساء، ليس فقط في المظهر بل وفي المَخْبَر، وفي العمل فالنساء بيوتُهنّ خير لهن، أما الرجال فمساجدهم خير لهم؛ لذلك قال تعالى: -ليس في الآية المذكورة آنفاً تكرار، كما يظن بعض الغافلين حينما قال-:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43].
هذا ليس به تكرار، إنما في الطرف الأول من الآية فيه أمر بأداء الصلوات وإحسان أدائها بقوله:«أقيموا» أما في الفقرة الثالثة والأخيرة من الآية حينما قال:
{وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] في إنشاء حكم جديد وهو: كأن الله عز وجل يقول: وهذا هو مراده يقيناً: أقيموا الصلاة أحسنوا أداءها، ولا تكونون محسنين لأدائها إلا إذا أدّيتموها مع الجماعة في المساجد، وجاءت الأحاديث تترى تؤكد هذا المعنى، بمثل قوله عليه الصلاة والسلام:«من سمع النداء ولم يُجِب، فلا صلاة له إلا من عذر» .
ولا يجوز للمسلم أن يتخذ له عذراً أنه والله مشغول، والله هو موظف، والله والله
…
إلى آخره من المعاذير، إذا ما قسناها مع ذلك الرجل الذي كان ضريراً وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أنا رجل ضرير كما ترى، وداري شاسعة بعيدة، وليس لي قائد يقودني، انظروا الأعذار كيف تتجمع في هذا الرجل، ومع ذلك لا يجد الرسول له عذراً، قال: أنا ضرير وداري شاسعة بعيدة وفي طريقي الأشجار والأحجار، مش الطريق المعبد المزفت كما يقولون اليوم، في طريق الأشجار والأحجار، ورابعاً: ليس لي قائد يقودني، يأخذ بيدي يقودني، أفتجد لي رخصة في أن أَدَع الصلاة مع الجماعة، قال له عليه السلام في أول الأمر:«نعم، ثم قال له: أتسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب» .
أيها الضرير الذي دارك شاسعة، وليس وفي طريقك الأشجار والأحجار، وليس لك من يقودك إلى المسجد، إذا سمعت الأذان فلا عذر لك في عدم الحضور.
فانظروا اليوم المسلمون أكثرهم عُمي أم مُبصرون؟ هم مبصرون، لكنهم عُمِّي، لماذا؟ لأنهم لا يستجيبون لأمر الله ولا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك فلا تعجبوا إذا ما هوجمنا في عقر دارنا يميناً أو شمالاً وجنوباً وغرباً وشرقاً إلى آخره.
هذه كلمة حول تلك النصيحة التي خلاصتها: أن الصلاة الإمام يقف في منتصف الصف، ولا يقف يميناً ولا يساراً، وإنما يوازن بين اليمنى واليسرى، لكن إذا حوصر بين المحراب والمنبر فحينئذٍ هو بين مشكلتين: إما أن يجعل القسم اليمين من الصف أقل عدداً، والعكس والأكثر أو يقال له: اعكس تصب يعني: قف عن يسارك بعيد عن المنبر بين دفع المفسدة، والوقوف في المحراب وبين جلب المصلحة