المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أحكام في بناء المساجد: أن لا يزخرف ويزين - جامع تراث العلامة الألباني في الفقه - جـ ٨

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌متفرقات في أحكام المساجد

- ‌المساجد أحب البقاع إلى الله

- ‌فضل إتيان المساجد

- ‌يجب بناء المساجد في كل قرية أو محلة لا مساجد فيها وهم بحاجة إليها

- ‌في بناء المساجد فضل عظيم وأجر كبير

- ‌يستحب للمرء أن يباشر بناء المسجد بنفسه ما أمكنه

- ‌آداب المساجد

- ‌من آداب المساجد تطهيرها وتكنيسها وتطييبها

- ‌فضل القيام على العناية بالمساجد

- ‌حرمة إلقاء شئ في المسجد كالحشرات ونحوها

- ‌من آداب المساجد أن يمشي إلى المسجد بالسكينة والوقار

- ‌من آداب المساجد أن يدلك نعليه بالتراب إن أراد الدخول بهما

- ‌من آداب المساجد أن يبتدئ دخوله بالرجل اليمنى

- ‌من آداب المساجد أن يقول عند الدخول استحبابا:(أعوذ بالله العظيم

- ‌دعاء الدخول والخروج من المسجد

- ‌من آداب المساجد أن يُصَلَّى فيه صلاة القدوم من السفر

- ‌من آداب المساجد أن يبدأ الخروج منه بالرجل اليسرى

- ‌من آداب المساجد أن يقول عند الخروج: (بسم الله

- ‌من آداب المساجد أن يخرج منه وفي نيته أن يعود إليه

- ‌الأفضل لمن كان فارغًا لا عملَ له أو كان غنيًّا عن الكسب أن يبقى في المسجد انتظارًا للصلاة الأخرى

- ‌لا يحل الخروج من المسجد بعد الأذان قبل الصلاة

- ‌مناهي المساجد

- ‌النهي عن تشبيك الأصابع في المسجد

- ‌حكم تشبيك الأصابع في المسجد

- ‌يحرم قربان المساجد لمن أكل ثوما ونحوه من البقول والنباتات المنتنة

- ‌أهمية التفريق بين من كانت رائحة فمه كريهة بكسبه ومن ليس كذلك في حكم دخول المساجد

- ‌لا يجوز للمصلي اتخاذ مكان معين من المسجد للصلاة فيه لا يجاوزه

- ‌من مناهي المساجد جلوس الناس على هيئة الحلقة قبل صلاة الجمعة ولو للعلم والمذاكرة

- ‌من مناهي المساجد تناشد الأشعار

- ‌من مناهي المساجد نشدان الضالة وطلبها والسؤال عنها برفع الصوت

- ‌من مناهي المساجد البيع والشراء فيه

- ‌من مناهي المساجد إقامة الحدود والقصاص فيه

- ‌من مناهي المساجد البصق لا سيما نحو القبلة

- ‌من مناهي المساجد البول ونحوه فيه

- ‌مناهي المساجد وآدابها هي من الرفع المذكور في قوله تعالى: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه

- ‌من مناهي المساجد اتخاذه طريقًا

- ‌تحريم البصاق إلى القبلة داخل المسجد أو خارجه

- ‌كراهة النخاعة في المسجد

- ‌هل يوجد حديث صحيح ينهى عن الكلام في المسجد والمصلي يصلي

- ‌فرقعة الأصابع في المسجد

- ‌تسليم الداخل إلى المسجد

- ‌التَحَدُّث بأمور دنيوية بين الأذان والإقامة في المسجد

- ‌اصطحاب الأولاد غير المميزين إلى المسجد

- ‌من دخل المسجد وعليه ثياب فيها تصاوير

- ‌حكم الخروج من المسجد بعد سماع الأذان

- ‌حكم حجز المكان في المسجد

- ‌حكم تقصُّد الذهاب للمسجد الأبعد لتكثير الخُطا

- ‌مباحات المساجد

- ‌من مباحات المساجد المرور فيه أحيانا لحاجة

- ‌من مباحات المساجد إتيانه من النساء بشروط

- ‌من مباحات المساجد دخول الحائض والجنب لا سيما لحاجة

- ‌من مباحات المساجد الدخول بالسلاح غير مسلول

- ‌من مباحات المساجد إدخال الصبيان فيه

- ‌من مباحات المساجد إدخال الميت للصلاة عليه

- ‌من مباحات المساجد إدخال المشرك لحاجة إلا المسجد الحرام فيستثنى من هذا الحكم

- ‌من مباحات المساجد إدخال الدابة للحاجة

- ‌من مباحات المساجد الوضوء فيه

- ‌من مباحات المساجد الاجتماع والتحلق لدراسة القرآن والعلم

- ‌من مباحات المساجد إنشاد الشعر الحسن أحيانا ولا سيما إذا كان في الذب عن الإسلام

- ‌من مباحات المساجد نصب الخيمة للمريض وغيره للحاجة

- ‌من مباحات المساجد اللعب بالحراب ونحوها من آلات الحرب

- ‌من مباحات المساجد ربط الأسير بالسارية

- ‌من مباحات المساجد القضاء واللعان

- ‌من مباحات المساجد الاستلقاء

- ‌من مباحات المساجد النوم والقيلولة للمحتاج

- ‌من مباحات المساجد السكن في ناحية منه لمن لا مأوى له من الرجال أو النساء

- ‌من مباحات المساجد قسمة المال

- ‌من مباحات المساجد تعليق العذق أو العنقود للفقراء

- ‌من مباحات المساجد السؤال من المحتاج والتصدق عليه

- ‌من مباحات المساجد الكلام المباح أحيانا بحيث أن لا يجعل ذلك ديدنه

- ‌من مباحات المساجد الأكل والشرب أحيانًا

- ‌صلاة المأموم خارج المسجد

- ‌حكم صلاة المأموم خارج المسجد

- ‌الملحقات بالمسجد

- ‌الصلاة في مكان تابع للمسجد، مع العلم أن طريقاً يقطع بينهما

- ‌الغرفة أو الملاصقة للمسجد التي بابها إلى المسجد هل تعد من المسجد

- ‌الغرفة التي تكون داخل المسجد وبابها داخل المسجد هل تُعطى أحكام المسجد

- ‌هل يشرع إنشاء المرافق مع المسجد، وكلمة حول عدم مشروعية فصل مصلى النساء بفاصل عن باقي المسجد

- ‌إمام أو مؤذن سكن في غرفة في فناء المسجد فهل يُطبق أحكام المسجد في هذه الغرفة

- ‌دخول الحائض والجنب المسجد

- ‌حكم دخول المرأة الحائض المسجد لسماع الدرس، مع التنبيه على أن إقامة النساء للدروس في المساجد من البدع

- ‌حكم دخول الجنب المسجد

- ‌حكم دخول الحائض المسجد

- ‌إقامة مسجد على بيت أو في مكان بيت

- ‌حكم إقامة مسجد على بيت

- ‌حكم استئجار البيوت وتحويلها إلى مساجد تقام فيها الجمع والجماعات

- ‌الصلاة في الصف الأول بالمسجد النبوي أفضل، أم في الروضة

- ‌حكم الصلاة في المساجد المبنية تحت دورات المياه، وحكم بناء بيوت أو غرف على المسجد

- ‌حكم صلاة الجمعة في المساجد التي هي في أصلها بيوت مستأجرة

- ‌حكم النداء بمكبرات الصوت في المسجد على ابن ضائع

- ‌مواصفات المسجد السني وبيان مخالفات المساجد

- ‌أحكام في بناء المساجد: وجوب إتقان البناء

- ‌أحكام في بناء المساجد: ألا يشيده ويرفع بنيانه

- ‌أحكام في بناء المساجد: أن لا يُزَخْرَف ويُزيَّن

- ‌حكم المحراب في المسجد

- ‌بدعية المحراب في المسجد

- ‌حكم المحراب في المسجد، وحكم السواري، وكلمة حول بعض منهيات المساجد

- ‌أحكام في بناء المساجد: ألا يبنيه على قبر

- ‌أحكام في بناء المساجد: تقليل السواري

- ‌أحكام في بناء المساجد: أن يُجعل فيه بابًا خاصًّا للنساء

- ‌من أحكام المساجد: أن لا يجعل فيه خوخات وأبواب ينفذ إليه منها من حوله من ساكني البيوت

- ‌جواز بناء المساجد على متعبدات الكفار بعد كسرها وتغيير معالمها

- ‌جواز بناء المساجد على قبور المشركين بعد نبشها

- ‌مواصفات المسجد السني

- ‌لون فرش المساجد

- ‌المسجد المبني على السنة

- ‌السنة في بناء المساجد

- ‌المخالفات الحاصلة في بناء المساجد

- ‌المخالفات الحاصلة في المساجد

- ‌حكم تعليق لوحات فيها تذكير بالسنن في المساجد

- ‌حكم فصل مصلى النساء عن باقي المسجد بفاصل

- ‌نصيحة من الشيخ تضمنت الحديث على مخالفات المساجد

- ‌حكم الخط الذي يُشد في المسجد لتسوية الصفوف، وحكم المحاريب والمآذن

- ‌السواري في المساجد

- ‌هل المنارة للمسجد كانت معروفة في العهد النبوي

- ‌الصلاة في المساجد المخالفة للسنة وكيفية معالجة هذه المخالفات

- ‌الصلاة في المساجد المزخرفة

- ‌حكم إلتزام نفس المواد التي بنى النبي صلى الله عليه وسلم بها مسجده في بناء مسجد في هذا العصر

- ‌إذا دُفن ميت في صحن المسجد

- ‌الخيط لتسوية الصفوف

- ‌شد الخيط في المسجد لتسوية الصفوف

- ‌حكم شد الخيط في المسجد لتسوية الصفوف

- ‌وقفيات المساجد

- ‌إذا أخفى إمام المسجد الكتب الموقوفة على المسجد هل يجوز سرقتها

- ‌التصرف في الأموال الموقوف على المسجد

- ‌حكم التصرف بالفائض من حاجة المسجد

- ‌إقامة حفلات في المسجد

- ‌حكم إقامة الحفلات في المساجد

- ‌حكم العرس في المسجد

- ‌فصل مصلى النساء

- ‌حكم فصل مصلى النساء عن باقي المسجد بفاصل

- ‌عدم تخصيص مكان للنساء في المسجد

- ‌حكم فصل مصلى النساء في المسجد بجدار أو ستارة أو نحوه

- ‌المنبر

- ‌الزيادة في المنبر على ثلاث درجات

- ‌هل هيئة المنبر النبوي تُعد من العادات

- ‌المساجد الثلاث وأحكامها

- ‌المسجد الحرام هو أول مسجد بني على وجه الأرض

- ‌اختص المسجد الحرام بجواز صلاة النافلة فيه في كل وقت

- ‌الكعبة بحاجة إلى إصلاحات

- ‌حال حديث: تحية البيت الطواف

- ‌المسجد النبوي أفضل المساجد وأعظمها حرمة بعد المسجد الحرام

- ‌المسجد النبوي أفضل من المسجد الأقصى

- ‌من فضائل المسجد النبوي أن من أتاه لا لشئ إلا لخير يتعلمه فهو في منزلة المجاهد

- ‌من فضائل المسجد النبوي أن ما بين البيت النبوي والمنبر روضة من رياض الجنة

- ‌المسجد النبوي هو المسجد الذي أسس على التقوى كمسجد قباء

- ‌الزيادة والتوسعة في المسجد النبوي من المسجد

- ‌المسجد الأقصى أفضل المساجد بعد المسجدين الحرام والنبوي

- ‌لا يجوز قصد السفر إلى مسجد أو موضع من المواضع الفاضلة والصلاة فيها إلا إلى المساجد الثلاثة

- ‌من السنة شد الرحل إلى المسجد الأقصى

- ‌الصلاة في بيت المقدس بمئتي صلاة وخمسين صلاة

- ‌فضيلة مسجد قباء

- ‌فضل الصلاة في مسجد قباء

- ‌كان صلى الله عليه وسلم يأتي قباء كل سبت راكبا وماشيا فيصلي فيه ركعتين

- ‌هل باقي المساجد بينها تفاضل

- ‌هل مكة كلها لها فضل الصلاة في المسجد الحرام

- ‌حكم الصلاة في المسجد الحرام مع كثرة الرجال والنساء، وحكم السترة فيه، وحكم ما يحدث في الحرم عند الإزدحام من صلاة الرجال خلف النساء

- ‌صلاة المرأة في المسجد النبوي

- ‌الصلاة المضاعفة في الحرم، هل هي عامة في الصلوات أم في الفريضة فقط، ما تحقيقكم في المسألة

- ‌هل الأفضل للمراة الصلاة في الفندق أم في الحرم

- ‌حدود المسجد الحرام

- ‌التوسعات التي طرأت على المسجد الحرام هل لها فضل المسجد

- ‌هل لغسل الكعبة وقت معين

- ‌حكم الصلاة في العمائر المطلة على الحرم اقتداءً بصلاة إمام الحرم

- ‌كيفية السجود مع الإزدحام الشديد في الحرم

- ‌هل للصلاة في مسجد قباء ثواب معين

- ‌تحية المسجد

- ‌من آداب المساجد أن يصلي ركعتين قبل القعود وجوبًا

- ‌تحية المسجد واجبة أم غير واجبة

- ‌حكم تحية المسجد واتخاذ السترة في الصلاة

- ‌هل المسجد الذي لا تقام فيه الجمعة يصلى له تحية المسجد

- ‌هل يصلي تحية المسجد عند دخول مصلى البيت وما شابه

- ‌تحية المسجد للداخل إلى البيت الحرام

- ‌هل تجوز صلاة تحية المسجد في أوقات الكراهة

- ‌حكم صلاة تحية المسجد في أوقات الكراهة

- ‌حكم صلاة تحية المسجد وقت الكراهة

- ‌تحية المسجد لمن دخل المسجد قبل أذان المغرب بقليل

- ‌حكم صلاة تحية المسجد قبل أذان المغرب

- ‌لا تسقط تحية المسجد عن الداخل يوم الجمعة والخطيب على المنبر

- ‌إذا دخل شخص المسجد يوم الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الذي بين يدي الخطيب فهل يردد الأذان أم يشرع في تحية المسجد

- ‌من جلس في المسجد قبل أن يصلي تحية المسجد

- ‌من دخل المسجد والمؤذن يُؤَذِّن

- ‌أقيمت الصلاة وهو في الركعة الثانية من النافلة فهل يقطع الصلاة

- ‌هل تصلى الحائض تحية المسجد

- ‌من دخل المسجد قبيل غروب الشمس بدقائق

- ‌هل الفرض يغني عن تحية المسجد ركعتين

- ‌حكم مصافحة من على اليمين واليسار بعد صلاة تحية المسجد

- ‌مَن صلَّى تحية المسجد ثم خرج ثم رجع هل يعيد التحية

- ‌المصليات

- ‌ضابط المسجد والمصلى

- ‌هل يُصلَّى في مصلى الشركة أم في المسجد

الفصل: ‌أحكام في بناء المساجد: أن لا يزخرف ويزين

رفع بنائها وهو الحقيقة بل المراد أن تعظم فلا يذكر فيها الخنى من الأقوال وتطييبها من الأدناس والأنجاس ولا ترفع فيها الأصوات. انتهى».

ومعنى الحديث: «ما أمرت برفع بنائها ليجعل ذريعة إلى الزخرفة والتزيين الذي هو من فعل أهل الكتاب وفيه نوع توبيخ وتأنيب» قال المناوي في «الفيض» . وقال الصنعاني:

«وفي قوله: ما أمرت. إشعار بأنه لا يحسن ذلك فإنه لو كان حسنا لأمره الله به» .

[الثمر المستطاب (1/ 459)].

‌أحكام في بناء المساجد: أن لا يُزَخْرَف ويُزيَّن

[ذكر الإمام ضمن أحكام بناء المساجد]: «الثالث: أن لا يزخرفه ويزينه لأنه تضييع للمال فيما لا فائدة فيه لما فيه من إلهاء المصلي عن الخشوع الذي هو روح الصلاة ولبها ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «لا ينبغي أن يكون في البيت «الكعبة» شيء يشغل المصلي» وقد تقدم».

الحديث قاله عليه الصلاة والسلام حينما رأى قرني الكبش - كما سبق في الصلاة في الكعبة - فماذا كان يقول عليه الصلاة والسلام لو رأى هذه النقوش والزخارف التي افتتن بها بعض أمراء المسلمين وملوكهم؟

وقد رويت أحاديث صريحة في النهي عن زخرفة المساجد ولكنها كلها لا تخلو من ضعف ولذلك آثرنا هذا الحديث الصحيح فإنه يقوم مقامها في المعنى ولا بأس من أن نسوق ما تيسر منها. [ثم ساق الإمام بعض الأحاديث في الباب مع تخريجها ثم قال: ].

وبالجملة فمجموع هذه الأحاديث يدل على ثبوت نهيه عليه الصلاة والسلام عن زخرفة المساجد وقد أشار إلى ذلك في الحديث الآتي:

ص: 162

وقال: «لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد» .

الحديث أخرجه النسائي والدارمي وابن ماجه والبيهقي وأحمد من طرق عن حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس مرفوعا به.

وهذا سند صحيح على شرط مسلم ولفظ النسائي:

«من أشراط الساعة أن يتباهى

» الحديث.

وقد تابعه قتادة عن أنس.

أخرجه أبو داود والطبراني في «الصغير» من طريق محمد بن عبد الله الخزاعي: ثنا حماد بن سملة عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس وقتادة عن أنس مرفوعا باللفظ الأول وقال الطبراني:

«تفرد به الخزاعي» .

قلت: وهو ثقة كما في «التقريب» . وقال البخاري في «صحيحه» :

«وقال أنس: يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلا» .

قال الحافظ:

«وهذا التعليق رويناه موصولا في «مسند أبي يعلى» و «صحيح ابن خزيمة» من طريق أبي قلابة: أن أنسا قال: سمعته يقول: يأتي على أمتي زمان يتباهون بالمساجد ثم لا يعمرونها إلا قليلا. وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان من طريق أخرى عن أبي قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم باللفظ الأول وعند أبي نعيم في كتاب المساجد من الوجه الذي عند ابن خزيمة: يتباهون بكثرة المساجد».

وفي هذا الحديث والذي قبله كراهة تزويق المساجد وتزيينها بالنقوش والحمرة والصفرة وكل ما يلهي المصلي ويشغله عن الخشوع الذي هو روح جسم العبادة كما قال الصنعاني وفوق هذا ففيه إضاعة المال بدون أية فائدة للمسجد وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال وذلك أنه ليس المقصود من

ص: 163

بناء المساجد إلا أن تكن الناس من الحر والقر كما سبق عن عمر رضي الله عنه وزخرفتها ليس من ذلك في شيء ولذلك نهى عنه عمر رضي الله عنه بقوله: وإياك أن تحمر أو تصفر. قال ابن بطال:

«كأن عمر فهم ذلك من رد الشارع الخميصة إلى أبي جهم من أجل الأعلام التي فيها وقال: «إنها ألهتني عن صلاتني» . قال الحافظ:

«ويحتمل أن يكون عند عمر من ذلك علم خاص بهذه المسألة» .

ثم ذكر الحديث المتقدم قريبا عن عمر مرفوعا بلفظ:

«ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم» .

وقد روى البخاري وأبو داود وأحمد وعنه البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنه:

أن المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيا باللبن وسقفه الجريد وعمده خشب النخل فلم يزد فيه أبو بكر شيئا وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد وأعاد عمده خشبا ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة «الجص» وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج.

قال الحافظ:

«و «الساج» : نوع من الخشب معروف يؤتى به من الهند وقال ابن بطال وغيره: هذا يدل على أن السنة في بنيان المسجد القصد وترك الغلو في تحسينه فقد كان عمر مع كثرة الفتوح في أيامه وسعة المال عنده لم يغير المسجد عما كان عليه وإنما احتاج إلى تجديده لأن جريد النخل كان قد نخر في أيامه ثم كان عثمان - والمال في زمانه أكثر - فحسنه بما لا يقتضي الزخرفة ومع ذلك فقد أنكر بعض الصحابة عليه كما سيأتي بعد قليل.

وأول من زخرف المساجد الوليد بن عبد الملك بن مروان وذلك في أواخر عصر الصحابة وسكت كثير من أهل العلم عن إنكار ذلك خوفا من الفتنة

وقال

ص: 164

ابن المنير: لما شيد الناس بيوتهم وزخرفوها ناسب أن يصنع ذلك بالمساجد صونا لها عن الاستهانة. وتعقب بأن المنع إن كان للحث على اتباع السلف في ترك الرفاهية فهو كما قال وإن كان لخشيته شغل بال المصلي بالزخرفة فلا لبقاء العلة. وفي حديث أنس علم من أعلام النبوة لإخباره صلى الله عليه وسلم بما سيقع فوقع كما قال».

قال الشوكاني: «ومن جملة ما عول عليه المجوزون للتزيين بأن السلف لم يحصل منهم الإنكار على من فعل ذلك وبأنه بدعة مستسحسنة وبأنه مرغب إلى المسجد، وهذه حجج لا يعول عليها من له حظ في التوفيق لا سيما مع مقابلتها للأحاديث الدالة على أن التزيين ليس من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه نوع من المباهاة المحرمة وأنه من علامات الساعة كما روي عن علي عليه السلام، وأنه من صنع اليهود والنصارى، وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب مخالفتهم ويرشد إليها عمومًا وخصوصًا.

ودعوى ترك إنكار السلف ممنوعة لأن التزيين بدعة أحدثها أهل الدول الجائرة من غير مؤاذنة لأهل العلم والفضل وأحدثوا من البدع ما لا يأتي عليه الحصر ولا ينكره أحد وسكت العلماء عنهم تقية لا رضا بل قام في وجه باطلهم جماعة من علماء الآخرة وصرخوا بين أظهرهم بنعي ذلك عليهم.

ودعوى أنه بدعة مستحسنة باطلة وقد عرفناك وجه بطلانها في شرح حديث: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» في باب الصلاة في ثوب الحرير والغصب.

ودعوى أنه مرغب إلى المسجد فاسدة لأن كونه داعيا إلى المسجد ومرغبا إليه لا يكون إلا لمن غرضه وغاية قصده النظر إلى تلك النقوش والزخرفة فأما من كان غرضه قصد المساجد لعبادة الله - التي لا تكون عبادة على الحقيقة إلا مع خشوع وإلا كانت كجسم بلا روح - فليست إلا شاغلة عن ذلك كما فعله صلى الله عليه وسلم في الأنبجانية التي بعث بها إلى أبي جهم وكما تقدم من هتكه للستور التي فيها نقوش وكما سيأتي في «باب تنزيه قبلة المصلي عما يلهي» وتقديم البدع المعوجة التي يحدثها الملوك توقع أهل العلم في المسالك الضيقة فيتكلفون لذلك من الحجج الواهية ما لا ينفق إلا على بهيمة».

ص: 165

ومما يدلك على أن دعوى كون السلف لم يقع منهم الإنكار على من فعل التزيين به دعوى باطلة في الجملة: ما روى سعيد بن منور: ثنا سفيان عن [ابن] أبي نجيح عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب قال: دخلت مع ابن عمر مسجدا بالجحفة فنظر إلى شرفاته فخرج إلى موضع فصلى فيه ثم قال لصاحب المسجد: إني رأيت في مسجدك هذا - يعني الشرفات - شبهتها بأنصاب الجاهلية فمر أن تكسر».

نقلته من «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم» لشيخ الإسلام ابن تيمية».

وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الستة غير إسماعيل هذا وهو ثقة كما في «التقريب» .

وفي «المدونة» لابن القاسم:

«قال: سمعت مالكا وذكر مسجد المدينة وما عمل في قبلته من التزويق وغيره قال: كره ذلك الناس حين فعلوه وذلك يشغل الناس في صلاتهم ينظرون إليه فيلهيهم» .

من أجل ذلك كره كثير من العلماء الصلاة في المساجد المزخرفة والمزينة فقال المناوي في «الفيض» :

«قالت الشافعية: وتكره الصلاة في مسجد مشرف لما في «سنن البيهقي» .

عن ابن عمر: نهانا - أو نهينا - أن نصلي في مسجد مشرف. وأخذ منه كراهتها في المزوق والمنقوش بالأولى لما فيه من شغل قلب المصلي ويحرم نقشه واتخاذ شرفات له من غلة ما وقف على عمارته أو مصالحه».

وبالغ ابن حزم فقال: «ولا تجزئ الصلاة في مسجد أحدث مباهاة أو ضرارا على مسجد آخر إذا كان أهله يسمعون نداء المسجد الأول، ولا حرج عليهم في قصده، والواجب هدمه وهدم كل مسجد أحدث لينفرد فيه الناس كالرهبان أو يقصدها أهل الجهل طلبا لفضلها وليست عندها آثار لنبي من الأنبياء عليهم السلام» .

ص: 166

وفي كلامه الأخير إشارة إلى جواز قصد آثار الأنبياء للصلاة عندها، وهذه مسألة اختلف فيها العلماء قديما، والذي يترجح عندنا المنع من قصدها لأنه لا دليل من الكتاب والسنة على جوازه ولأنه قد يؤدي إلى الغلو وهو منهي عنه ولنهي عمر رضي الله عنه فقد روى سعيد بن منصور في «سننه»: ثنا أبو معاوية: ثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن عمر رضي الله عنه قال:

خرجنا معه في حجة حجها فقرأ بنا في الفجر: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيل} [الفيل: 1] و {لإِيلافِ قُرَيْش} [قريش: 1] في الثانية فلما رجع من حجته رأى الناس ابتدروا المسجد فقال: ما هذا؟ قالوا: مسجد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه. فقال: هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا، من عرضت له منكم الصلاة فيه فليصل، ومن لم تعرض له الصلاة فليمض».

وهذا إسناد صحيح على شرط الستة.

فقد كره رضي الله عنه اتخاذ مصلى النبي عيدا وبين أن أهل الكتاب إنما هلكوا بمثل هذا. وهذا مذهب مالك وغيره من أهل المدينة فقد كانوا يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار التي في المدينة ما عدا قباء وأحدا.

وتفصيل القول في هذا المقام راجعه في «اقتضاء الصراط المستيقيم» .

وما رجحناه من المنع إنما هو في المواضع التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفاقا، وأما الأماكن التي كان عليه الصلاة والسلام يقصدها للصلاة والدعاء عندها فقصدها من أجل ذلك سنة اقتداء به عليه السلام. ثم إن ذلك المنع إذ لم يقترن به شد رحل وأما إذا اقترن به ذلك فهو ممنوع قطعا لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد

» الحديث وسيأتي إن شاء الله تعالى.

[الثمر المستطاب (1/ 462)].

ص: 167