الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مداخلة: ليش؟ مع وجود هذا الشرط شيخنا؟
الشيخ: نعم، نحن ندعو إلى هذا، وندعو إلى رفع الحجب من الجدر القائمة بين مصلى النساء في المسجد وبين مصلى الرجال.
مداخلة: حتى لو تَخَوَّض المتخوضون
…
؟
الشيخ: حتى ولو، أما هذا خلاف الصورة التي أنت تسأل عنها؛ لأن هذا معناه تغيير هيئة المسجد السلفي إذا صح التعبير.
أما مجلس خاص، أنت تُشرف على النساء وفيها، وفيها ثم فيها كما نرى اليوم أكثر النساء لا يتجلببن الجلباب الشرعي، ولو في حدود المذهب الواسع المُيسر المتبع للكتاب والسنة، مع ذلك فهن متساهلات جداً.
فخلاصة الكلام: يجب أن نفرق بين مجلس خاص للنساء، ينبغي الاحتياط بالغ الاحتياط، أما في المساجد فما ينبغي أن توضع الستائر أو الجُدُر التي تفصل النساء عن الرجال.
مداخلة: الله يبارك فيك، أنت الآن يعني كلامك
…
الحجاب الواجب التزامه عند النساء ما عم بيلتزموه وبده يعظهم، فهل يضع الساتر البرداية؟
الشيخ: نعم، يضع البرداية، إذا كان يغلب على ظنه أنهن لا يستجبن.
(الهدى والنور/756/ 50: 46: 00)
نصيحة من الشيخ تضمنت الحديث على مخالفات المساجد
مداخلة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
ما كان لمثلي أن يتحدث في مجلس شيخه العالم العلامة، محدث العصر وقامع البدعة ومحيي السنة، وارث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي عبد الرحمن محمد ناصر الدين
الألباني حفظه الله ورعاه، ولكن الله تبارك وتعالى قدر أن أكون مستضيفاً لهذا الحفل الكريم، فالله المستعان.
كما تعلمون يا إخوتي أن الله تبارك وتعالى قد تعهد بحفظ هذا الدين، والله تبارك وتعالى يرسل أو يبعث في هذه الأمة من يحفظ لها دينها، أمثال شيخنا: أبي عبد الرحمن حفظه الله ورعاه، والله إنه مساء سعيد، وإنها ساعة مباركة، قبول شيخنا أبي عبد الرحمن هذه الدعوة وهذا اللقاء مع أبنائه، وهو الآن سيحدثنا بما فتح الله عليه، وعندما يكتفي إن شاء الله سيكون مجال السؤال مفتوح، بشرط أن يكون
السؤال مكتوب على ورقة ولن يجاب عن أي سؤال شفوي، راجياً من الإخوة التَقَيُّد بهذا الأمر، وجزاكم الله كل خير.
باسم والدي: أبو رياض وإخوتي في الحي، نرحب بشيخنا فليتفضل مشكوراً.
الشيخ: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
بين يدي الكلمة التي سألقيها على مسامعكم، سائلاً المولى سبحانه وتعالى أن ينفعني وإياكم بها، لا بد لي من الاعتذار، والاعتذار السلفي، كجواب عن تلك المقدمة التي أطرى فيها أبا عبد الرحمن هذا الذي سيتكلم بين أيديكم ما فتح الله عليه، فأعتذر بتلك الكلمة السلفية التي أرى أنه من واجب الدعاة السلفيين أن يحيوها في جملة ما يُحيون من الآثار السلفية، فضلاً عن السنة المحمدية.
أعني بتلك الكلمة: «اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون» .
أما الكلمة التي أرى أنه لا بد من تقديمها بين يدي تلك الأسئلة التي قد ترد علي، هذه الكلمة وإن كانت مكررة أكثر من مَرَّة، لكني أعتقد أن ذلك التكرار مهما تكرر .. التكرار نفسه مهما تكرر فهو قليل جداً جداً بالنسبة لما أصاب العالم
الإسلامي من الانحراف عن الخطة التي لا بد للمسلمين أن يسلكوها؛ لكي يعود إليهم عزهم ومجدهم الغابر، ودون ذلك لن يصلوا إلى رغبتهم هذه.
كل مسلم مهما كان فهمه للإسلام صواباً أو خطأً، أو خليطاً من صواب وخطأ .. كل مسلم يعلم أن المسلمين اليوم من حيث عددهم يبلغون مبلغاً أو عدداً خيالياً، ومع ذلك فكما ترون مشتركين جميعاً مع الأسف الشديد، فهم اليوم كالغنم التي لا راعي لها، بل هم كما وصفهم نبيهم صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المعروف، وإنما أَذْكُر منه موضع الشاهد، قال:«أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل» .
لماذا المسلمون اليوم هم كما أخبرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم، هم غثاء كغثاء السيل؟ الأمر في فهمي وعلمي الذي قُدِّر لي يعود إلى أمرين اثنين:
أحدهما يتعلق بالعلم، والآخر يتعلق بالعمل.
فقد انحرف المسلمون عن كلٍّ من الأمرين المذكورين: عن العلم النافع، وعن العمل الصالح، فينبغي أن نعلم علماً يقينياً حقيقة العلم النافع وحقيقة العمل الصالح؛ لأن هذه المعرفة هي التي ستجعل المسلمين خلاف ذلك الوصف المذكور في حديث الرسول عليه السلام آنفاً، وهذه المعرفة ستجعلهم يتمثلون بالحديث الآخر الصحيح الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم:«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» .
أنتم تعلمون أن هذا المثل آسفاً مرة أخرى، أبعد ما يكون عن واقع المسلمين اليوم، فإنكم ترون الذل قد ران على بعض بلاد المسلمين والبلاد الأخرى لا تحرك منهم ساكناً، ولا تجد أي وجع في عضو من تلك الأعضاء التي تمثل الجسد المسلم.
فإذاً: معرفة العلم النافع والعمل الصالح، هو العلاج لهذا المرض الوبيل الذي أصاب المسلمين من هذا الذل والفُرْقة، فما هو العلم النافع، وما هو العمل الصالح؟ تكلمت كثيراً عن العلم النافع، وقد يلتقي مع بعض ما نتكلمه كل الجماعات الإسلامية، ولكنهم قد لا يلتقون إما فهماً وإما عملاً، معنا في بعض
صفات العلم النافع.
من المتفق عليه بين كافة المسلمين أن العلم إنما هو، وبالطبع وهذا من باب تحصيل الحاصل إنما نعني الآن بالعلم: العلم الشرعي.
فمن المعلوم لدى كافة المسلمين أن العلم النافع مصدره كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
حول هذين المصدرين لا بد من الكلام البَيِّن الواضح في كل منهما من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث كيفية فهم هذين المصدرين الكتاب والسنة.
من المتفق عليه أيضاً أن السنة تفسر القرآن، وأن القرآن لا سبيل إلى فهمه، كما أراد الله تبارك وتعالى، حين أنزله على قلب نبيه صلى الله عليه وسلم .. لا يمكن تحقيق هذا الفهم إلا بالرجوع إلى السنة، هاتان ركيزتان متفق عليهما بين كافة المسلمين الذين لا يزالون معنا في دائرة الإسلام، وإن كانوا يختلفون اقتراباً وابتعاداً عنها.
سيظهر الاقتراب والابتعاد فيما يأتي من البيان: السنة تفسر القرآن، لكن معلوم أيضاً وبخاصة عند أهل العلم أن السنة قد دخلها ما لم يكن فيها يوم خاطب الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] هذا البيان الذي هو سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، لم يبقَ كما كان إلى وفاته عليه الصلاة والسلام، وإنما دخل في هذه السنة، ما لم يكن منها يومئذٍ، وقد يكون وأرجوا الانتباه: وقد يكون ذهب بعض هذه السنة التي كانت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ذهبت عن بعض علماء المسلمين فضلاً عن عامتهم؛ من أجل هذا وهذا، أعني: من أجل أنه دخل في السنة ما لم يكن منها، ومن أجل أنه قد ذهب بعضها عن بعض العلماء، من أجل هذا وهذا لا يمكن فهم القرآن الكريم فهماً صحيحاً، إلا بالعناية التامة المتوفرة على جمع السنة أولاً، ثم على تمحيص صحيحها من ضعيفها ثانياً.
هذا الواجب، وهو: جمع السنة وتمييز صحيحها من ضعيفها، هذا مع الأسف الشديد لم يأخذ حَقَّه طيلة هذه القرون الكثيرة التي مَرَّت على المسلمين .. لم تأخذ
السنة حقها سواء من حيث الجمع أولاً، ثم من حيث التمحيص ثانياً.
أُدَنْدِن حول نقطة ذكرتُها آنفاً؛ لأنني أشعر أنني نادراً ما تعرضت لبيانها: العادة أن نتعرض لبيان، أنه دخل في السنة ما ليس منها، أما أن نتعرض لبيان أنه قد ضاعت بعض السنة على بعض العلماء، فيجب نحن أن نتحرى هذه السنة الضائعة على بعض العلماء فنضُمُّها إلى المجموعة التي اخترنا منها ما صح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وإن مما لا شك فيه أن هذا الواجب المزدوج أي: من حيث الجمع أولاً، ثم من حيث تصفية الصحيح من الضعيف ثانياً ..
لا شك ولا ريب أن مثل هذا العمل لا يمكن أن يقوم به فرد أو أفراد أو عشرات أو مئات، ومتفرقين في العالم الإسلامي.
الأمر أعظم بكثير جداً جداً مما يتصوره البعض أنه أمر ميسور، الجمع ثم التمحيص وتمييز الصحيح من الضعيف.
ولكن لما كان من القواعد الإسلامية المُتَّفق عليها بين الأمة، قوله تبارك وتعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] لا ينبغي لمن كان عنده قدرة على الجمع أو التمحيص، بل وعلى الجمع بين الأمرين كليهما، لا بد أن يقوم به من هذا الباب:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
ولا شك ولا ريب أن العالم المسلم كلما كان أكثر جمعاً للسنة، وأعرف بتمييز صحيحها من ضعيفها، كلما كان متمكناً من تفسير القرآن تفسيراً صحيحاً، وبالتالي كلما كان أفقه بالإسلام من أولئك الآخرين الذي لم يُؤْتَوا حَظًّا من الجمع للسنة ومن التمييز للصحيح من الضعيف منها.
إذاً: فالعلم النافع هو المستقى من كتاب الله، والمفسر على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذا التمحيص الذي نُدَنْدِن حوله، ذلك مما نراه أشبه ما يمكن أن نقول عنه إن هذه الحقيقة العلمية ضائعة اليوم من أفكار كثير من العلماء، فضلاً عن طلاب العلم الذين ابتلوا بالإفتاء أو بالتأليف والتصنيف.
لذلك ننصح كل من كان معنا على هذا الخط المستقيم الكتاب والسنة، أنه يجب تفسير القرآن بالسنة، والسنة الصحيحة، مع الحرص الشديد على جمع أكبر كمية ممكنة من السنة الصحيحة؛ ليتمكن من تفسير القرآن تفسيراً صحيحاً، في أوسع دائرة يتمكن منها.
هذا هو العلم النافع! العلم النافع معلوم جملةً، أنه ما كان مستقىً من الكتاب والسنة، لكن مع الأسف ليس معلوم: أن السنة يجب تَحَرِّيها عملاً وفكراً، معلوم عند العلماء الذين يدرسون علم مصطلح الحديث مثلاً وعلم الجرح والتعديل، هذا أمر معروف نظرياً، لكنه مع الأسف غير مُطَبِّق عملياً، لذلك يجب علينا نحن معشر طلاب العلم أن يدندن دائماً وأبداً حول هذا الذي نُكَنِّي عنه بالتصفية!
فقد عرفنا الآن التصفية التي نحن نتكلم عنها في كثير من الجلسات أو المحاضرات: تصفية الإسلام مما دخل فيه، مما لم يكن يوم قال الله عز وجل:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3] هذا بطبيعة الحال كلام مجمل من حيث الأصل .. من حيث معرفة العلم النافع ما هو.
أما التصفية، هذه دائرة عملها واسع جداً جدا؛ لأنه يتطلب فقهاً صحيحاً مستقىً من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وهذا لا يتمكن منه إلا أفراد قليلون جداً، ممن أُوتوا حظاً من العلم النافع، ولا أُكرر، فقد عرفتم ما هو العلم النافع.
فمن كان على أمرٍ، وعلى علمٍ بهذا العلم النافع، هو الذي يستطيع أن يقوم بتصفية الإسلام مما دخل فيه؛ لأن هذه التصفية تعني: تصفية العقائد والأفكار مما توارثها الخلف عن بعض من تقدمهم .. تصفية الأفكار والعقائد مما ليس له صلة بالإسلام .. بالكتاب والسنة.
هذه التصفية تعني: تصفية كتب الفقه من الآراء والاجتهادات التي وإن كانت قد صدرت من بعض العلماء والأئمة، وكانوا مأجورين على تلك الآراء، ففيها
الشيء الكثير مما يخالف الكتاب والسنة، فهم وإن كانوا مأجورين، ولكن لا بد لأهل العلم من تمييز آرائهم التي خالفت الكتاب والسنة ولو باجتهاداتهم، من تلك الآراء المطابقة للكتاب والسنة، حتى يَتَبَنَّى المسلمون إسلاماً مُصفى.
وهنا لا بد لي من وقفة، لعلها تكون قصيرة إن شاء الله:
حينما قال الله تبارك وتعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ندري يقيناً أن الله عز وجل حينما شرع لعباده هذا الإسلام على ما قام ببيانه نبينا عليه الصلاة والسلام، إنما كلفهم في حدود طاقتهم، فإذا وسع هذا الإسلام بآراء اجتهادية أو ببدع إضافية، أُلحقت بسبب انحراف في قاعدة ليست هذه القاعدة إسلامية كقول بعضهم مثلاً: إن البدعة تنقسم إلى خمسة أقسام، باسم هذا التقسيم أدخلوا في الإسلام ما ليس منه، وبذلك الاجتهاد الذي لا بد منه من أهل العلم والاجتهاد، قد وقعت منهم آراء خالفت الكتاب والسنة قليلة أو كثيرة، ليس هذا هو البحث الآن.
فمن مجموع تلك البدع التي أضيفت باسم وجود بدع حسنة وسيئة، وباسم تلك الآراء الاجتهادية المخالفة للسنة، اتَّسعت دائرة الإسلام، فصار هذا الإسلام بصورة واسعة، لا يستطيع أعبد الناس أن ينهض به؛ لأن الذي كلف به في عهد النبي عليه السلام هو الذي يستطاع، فما ألحق بهذا الإسلام فيما بعد بطريقة من الطريقتين المشار إليهما آنفاً، فهنا سيقع من المسلم كلما أخذ شيئاً مما هذه الزيادات نقص من ما هو زيد عليه، أي: من الإسلام الصحيح؛ لذلك تظهر أهمية خطيرة جداً جداً، من ضرورة تصفية الإسلام مما ليس فيه.
قلت آنفاً: تصفية العقائد والأفكار، ثم ثنيت بتصفية الفقه من تلك الآراء أو البدع، ثم تصفية الأحاديث وما أداركم؟ وهذا سبق الإشارة إليه من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ولا سيما وأنه قد فتح على المسلمين باب واسع جداً برأي لا أقول بقاعدة .. برأي قاله بعض العلماء، كان نتيجة هذا الرأي: الإبقاء والمحافظة على الأحاديث الضعيفة، ليت كانت المحافظة وهي معروفةٌ ضعفها بل إبقاؤها على
ما هي عليه دون أن يعرف جماهير المسلمين ضعفها.
تلك القاعدة حملت العالم الإسلامي كله على إبقاء الأحاديث الضعيفة كما هي، باسم: الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال، هذا كنتيجة عملية، وأنا بفضل الله عز وجل مع بعض إخواننا من أعرف الناس بهذه الحقيقة أي: إن العالم الإسلامي اليوم يعيش في خضم بحر واسع جداً من الأحاديث الضعيفة، يعملون بها وقد أيَّدوهم بتلك القاعدة: الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال.
أنا أضرب لكم مثلاً؛ لأني وقفت عليه قريباً جداً، ومن عالم من كبار علماء الحديث، ولكنه يبدو لي أنه قال ذلك قبل أن يحرر القول في هذه القاعدة المذكورة: يعمل في الحديث الضعيف في فضائل الأعمال.
مرّ بي في بعض الرسائل حديث واسمعوا وتعجبوا .. اسمعوا وتعجبوا من ناحيتين اثنتين:
الناحية الأولى: كيف أن هذا الحديث أُلِّفت فيه رسالتان، ثم العالم الذي أشرت إليه آنفاً سَلَّك هذا الحديث باسم: أن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال، ما هو الحديث الضعيف؟ «لا تسبوا البرغوث لا تسبوا البرغوث، فإنه أيقظ نبياً للصلاة» وفي رواية: «لصلاة الصبح أو الفجر» أُلِّفت رسالتان في هذا الحديث:
إحداهما: مؤلفها معروف أنه مع الأسف جَمَّاع قَمَّاش غير فَتَّاش، قَمَّاش جَمَّاع لا يُفَتِّش لا يُحَقِّق، وإنما همه: روى فلان عن فلان، روى فلان عن فلان، ليس لنا كلام معه.
لكن الكلام الآن مع العالم الآخر الذي يُلَقَّب بحقٍ، أنه كان أمير المؤمنين في الحديث في زمانه، ولا تزال هذه الإمارة حَقٌ له ثابتاً إلى ما شاء الله؛ لأنني في اعتقادي وفي بحثي ما علمت له مثيلاً، ماذا قال بعد بحث علميٍّ صحيح؟ قال - معنى كلامه -: وخلاصة القول: أن هذا الحديث حديث البرغوث [ضعيف]، لكن يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، سبحان الله! هناك أحاديث صحيحة
ومبثوثة في كتب العلم تغنينا عن مثل هذا الحديث الضعيف، ما دام أنه ثبت بالنقد العلمي الصحيح أنه لا يصح، فلماذا نقول: لكنه يعمل به في فضائل الأعمال، أين الفضيلة هنا؟
أنا أقول لكم: الفضيلة أن المسلم يجب أن يُهَذِّب لفظه وألا يسب خلقًا من خلق الله وبخاصة إذا كان هذا الخلق غير مكلف .. حيوان غير مكلف، وقد جاءت أحاديث كثيرة وصحيحة تنهى المسلم عن اللعن بصورة عامة، وأحاديث أخرى تنهى عن لعن أشياء بأعيانها، فكلكم يعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة» هذه حقيقة معروفة.
إذاً: نهى عن سب الديك ونهى عن لعن الدواب ونحو ذلك، ثم جاء بعبارات عامة؛ لإبعاد المسلم عن أن يقع في شيء من اللعن حيث قال عليه السلام في بعض الأحاديث:«من لعن شيئاً ارتدَّت اللعنة عليه، إلا أن يكون الملعون مستحق للعنة» .
إذاً: في هذا ما يغنينا عن حديث البرغوث، وبخاصة كما قلت لكم آنفاً أنه ليس مكلفاً هو حيوان، ولا شك أن الله عز وجل كما قال بحقهم في القرآن الكريم:{مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} [الملك: 3] فما خلق شيئاً عبثاً إنما هو لحكمة بالغة.
فإذاً: ما ينبغي أن نحافظ على هذه الأحاديث الضعيفة ونسلّكها باسم: أنه يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال.
إذاً: من جملة ما تشمل قاعدة التصفية: تصفية السنة من الأحاديث الضعيفة، فضلاً عن الأحاديث الموضوعة.
إلى اليوم يا إخواننا لا تجدون كتاباً جامعاً .. كتاباً جامعاً للأحاديث الضعيفة والموضوعة، هذا المثال الذي أُقَدّمه إليكم، يكفيكم أن تقتنعوا بأن السنة لم تُخدم بعد .. لم تخدم بعد!
خذوا أيَّ كتاب من الكتب التي تعالج الأحاديث الضعيفة الموضوعة، فقد يصل أكبر عدد إلى ألفين يعني: من الأحاديث الضعيفة وليس إلا.
وأنا شخصياً، وهذا من فضل ربي علي أنني إلى اليوم قد توفر عندي نحو سبعة آلاف من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، فتصوّروا لو أن علماء المسلمين تتابعوا بواجب قيام تصفية السنة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ لوجدتم العالم الإسلامي اليوم لا يعمل بأحاديث ضعيفة وموضوعة، لماذا؟ لأن السنة قد قُدِّمت إليهم مُصَفَّاة عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
إذاً: التصفية تشمل هذه الأحاديث التي نسبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأً أو زورا.
وأيضاً التصفية تشمل تصفية كتب الرقائق والسلوك من كثير من الانحرافات باسم: الزهد، وباسم: الأخلاق العالية السامية.
هذه النقطة وحدها فيما علمت لم يقم بها عالم يُصَفِّي هذه الناحية فقط، هذا من العلم النافع أن تُصَفَّى السنة من كل هذه الجوانب التي تشملها السنة الصحيحة، وتغنينا عن كثير منها.
أما العمل الصالح: قلنا العلم النافع والعمل الصالح، فهذه مشكلة كبيرة وكبيرة جداً؛ لأن كثيراً من المسلمين الصالحين عملاً، عملاً أي: في ظاهر أعمالهم يفسدون أعمالهم بما وقر في قلوبهم من أنهم لا يبتغون بأعمالهم ثواب الآخرة، قال تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] معنى هذا: أن العمل لا بد أن يشترط فيه شرطان اثنان:
الشرط الأول: أن يكون على السنة، وهذا انتهينا من البحث ولو بشيء من الإجناب.
والشرط الثاني: أن يكون خالصاً لوجه الله تبارك وتعالى، وهذا بحث طويل وطويل جداً، وأرى أنني أخذت شيئاً من الوقت طويلاً، فأقتصر الآن على مثال واحد مما ابْتُلِي به العالم الإسلامي، وهذا المثل الواحد يشمل أنه انحرف أصحابه فيه عن العمل الصالح بشرطيه أي: أن يكون على وجه السنة، وأن يكون خالصاً لوجه الله تبارك وتعالى، ما هو هذا المثال؟
تجدون الآن في كثير من البلاد، ومنها بلدنا هذا قد انتشرت فيه المساجد والحمد لله كثرةً نباهي بها كثيراً من البلاد الأخرى، وليس كمباهاة البانين لها.
لكن هذه الكثرة من هذه المساجد التي تُبْنَى، هل تَوَفَّر فيها شرطا العمل الصالح: أن يكون على السنة، وأن يكون خالصاً لوجه الله تبارك وتعالى؟
أقول -آسفاً-: أكثر هذه المساجد لم يتوفر فيها لا الشرط الأول ولا الشرط الآخر:
أما الشرط الأول: فأن يكون بناؤه على السنة، هذه السنة التي جمعها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حينما قال للِبَنَّاء الذي كُلِّف ببناء الزيادة التي أضافها عمر إلى المسجد النبوي، قال له:«أكن الناس من الحَر والقَر، ولا تُحَمِّر ولا تُصَفِّر» .
فهو أشار إلى أمر إيجابي وإلى أمر آخر سلبي:
أما الأمر الإيجابي الذي من أجله بُنيت المساجد، فذلك قوله:«أكن الناس من الحر والقر» فبناء المساجد لا يُقْصَد بها إلا تحقيق الراحة النفسية للذين يدخلون هذه المساجد يصلون فيها لله تبارك وتعالى تحفظهم، هذه المساجد من الحر والقر.
هذا هو المقصود من بناء المساجد، ليس المقصود زخرفتها، هذه الزخرفة التي أشار إليها عمر الفاروق بكلمته السابقة: ولا تُحَمِّر ولا تُصَفِّر، من أين أخذ عمر هذا؟ هناك أحاديث تعرفونها من مثل قوله عليه الصلاة والسلام:«ما أُمرت بتشييد المساجد» .. «ما أُمرت بتشييد المساجد» التشييد هنا فُسِّر بمعنيين اثنين:
المعنى الأول: هو المبالغة في رفع بنيانها كالقصور، هذا إضاعة للمال، ولا يُحَقِّق المقصود من مما صرح به عمر:«أكن الناس من الحر والقر»
وهذا الحديث لما رواه عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه عن رسول الله قال: «ما أمرت بتشييد المساجد»
قال: إما اقتباساً واجتهادًا صحيحاً منه، وإما تَلَقّياً منه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، بهذا النص أو بقريب من هذا النص، حيث قال بعد أن روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما
أمرت بتشييد المساجد، قال: لتُزَخْرِفُنَّها كما زخرفت اليهود والنصارى»
وهذه نبوءة قد تحققت من زمن بعيد وبعيد جداً، لكنها مع الأسف الشديد في هذا الزمن الذي تَفَنَّن فيه الكفار بزخرفة دنياهم، وقَلَّدهم كثير من المسلمين، فقد تفننوا تفنناً لا حدود له في زخرفة المساجد، كما أنتم تشاهدون، ولست بحاجة إلى ضرب الأمثلة.
ولكن ما بالكم أن المسجد النبوي الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم حديث ابن عباس هذا: «ما أمرت بتشييد المساجد» هو الآن يُشَيَّد كيف؟ تقليداً لليهود والنصارى، كما قال ابن عباس:«لتُزَخْرِفُنَّها كما زخرفت اليهود والنصارى»
لقد جاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، أن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله تعالى عنهما، وهما من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كما تعلمون لما رجعتا من الحبشة، ذكرتا كنيسةً رأتاها في الحبشة «وذكرتا» هنا الشاهد:«من حسنٍ وتصاوير فيها» فقال عليه الصلاة والسلام، تأملوا يا إخواننا كيف أن هذه الأخبار اليوم تطبق من المسلمين، تقليداً منهم للكافرين، كما لو كان الرسول عليه السلام أمرهم بذلك، بل لو أمرهم بذلك ما فعلوا ولا استجابوا، «فذكرتا من حسنٍ وتصاوير فيها» فقال عليه الصلاة والسلام:«أولئك كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنو على قبره مسجداً وصَوَّرا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخَلْقِ عند الله يوم القيامة» .
الآن المسلمون .. أمام الزخارف فهذه حَدِّث كما يقال ولا حرج، وهناك بعض المساجد يبنيها المنفقون عليها، وقد أوصوا أن يدفنوا فيها! هذا كما لو كان الرسول أمر بذلك بل إنه كما سمعتم في حديث عائشة المذكور آنفاً وفي أحاديث أخرى، حذر أشد التحذير من بناء المساجد على القبور، ومن ذلك حديث عائشة الآخر:«لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» .
وهناك أكثر من عشرة أحاديث، كلها تُدَنْدِن حول لعن المتخذين للمساجد على القبور، وحديث منها على الأقل يتعلق بهذه الأمة، حيث قال عليه الصلاة
والسلام: «لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، وعلى الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد» على هؤلاء تقوم الساعة.
لذلك: فبناء المساجد اليوم مع كثرتها التي تُبَشِّر بخير من جانب، ولكن من حيث كيفيتها لا تبشر بخير إطلاقاً؛ لأنه لم يتوفر فيها الشرطان اللذان لا بد من أن يتحققا في العمل الصالح، الأول: أن يكون على السنة.
فهذه المساجد ليست على السنة، ثم هل قصد بانوها وجه الله عز وجل في هذا البنيان، هذا نحن نقول: الله أعلم بما في صدورهم.
لكن إذا جاز لنا أن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر، نقول: إن هؤلاء الذين يبنون هذه المساجد وينفقون عليها الألوف، إن لم نقل الملايين يبدو والله أعلم، أقول -متحفظاً- لأني أعني ما أقول: يبدو والله أعلم أنهم كانوا غير مُخْلِصين، لماذا أتحفظ؟
لأني أضع احتمالاً وهذا الاحتمال وارد، وأقول هذا إنصافاً لهؤلاء الذين يبنون وماتوا، ولهؤلاء الذين لا يزالون ولا يزالون أحياء ما ماتوا.
أقول: ممكن أن يكونوا مخلصين، لكن وَرَّطهم بعض علماء السوء الذين لم يفهموا السنة، والذين يأتون بقياسات أشبه بقياس إبليس، حينما قال لربه وقد أمره أن يسجد:{قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء: 61]
هم يقولون: نحن نُزَخْرِف اليوم بيوتنا، فبيوت الله تبارك وتعالى أولى أن تزخرف، يمكن أن يكون في هؤلاء الذين ينفقون هذه الأموال الطائلة في بناء هذه المساجد على خلاف السنة، أن يكونوا قد غُرِّر بهم وضُلِّلوا وتوهموا فعلاً أن هذا من الأعمال التي تقربهم إلى الله زلفى.
وسواء كان هذا أو ذاك، فالحقيقة أن أحلاهما مر سواء كانوا غير مخلصين، أو كانوا مخلصين ولكن كان عملهم ليس على السنة.
إذاً: هذه الأموال الطائلة ذهبت هباءً منثوراً.