الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخطؤوا فلكم وعليهم».
(الهدى والنور / 797/ 25: 31: 00)
حكم إلتزام نفس المواد التي بنى النبي صلى الله عليه وسلم بها مسجده في بناء مسجد في هذا العصر
؟
السائل: يا شيخ، فيه مسألة بخصوص بناء المسجد، يوجد جماعة أرادوا بناء مسجد في القرية، فقالوا يبنوا المسجد بطين وجذوع النخل، وجريد يسقفوه بجريد، وقالوا لا نحيد عن هذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بنى مسجده بهذه الطريقة، وجاء من بعده أبو بكر رضي الله عنه، وعمر وزادوا في المسجد، ولم يَحِيدوا عن طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا، وعندما جاء عثمان من بعدهم بَدَّل في البناء، وأضاف الحجارة، وأضاف أشياء أخرى، فيقولوا: إن هذا هو السنة في بناء المسجد، ولا يزيدوا عن هذه الطريقة في البناء، فما أدري جوابك عليهم.
ويستدلوا كذلك من الآثار الصحيحة: ذكرت أن الصحابة عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعْطوه أموالاً، ويُحَسِّن المسجد، فقال:«لا، إنما هو عريش كعريش موسى» وأبى إلا أن يجعله بهذه الصورة، وكانت عنده إمكانية أن يجعله بأفضل مما كان، ولم يجعله إلا بهذه الصورة؟
الشيخ: هذا الكلام فيه حق وفيه خطأ، لا شك أن المساجد في الإسلام لا يجوز المباهاة في بنيانها، ولا يجوز كذلك تشييدها ورفع بنائها، لكن هذا لا يعني أن الأمر يقف عند الشكلية التي حكيتها عن أولئك الناس الذين تمسكوا بطريقة بناء الرسول عليه الصلاة والسلام لمسجده، أي على جذوع النخيل مثلاً، والسقف من أغصان النخيل ونحو ذلك؛ لأن هذا الأمر الواقع الذي وقع من الرسول عليه السلام هو أمر عادي، وليس هناك ما يدل من قوله عليه الصلاة والسلام أن هذا الفعل الذي وقع هو الذي ويجب التزامه ولا يجوز الحَيْدة عنه.
لا يوجد في كلام الرسول عليه الصلاة السلام مثل هذا التضييق، يوجد في كلام الرسول «بل عريش كعريش موسى» يوجد في كلام الرسول «لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد» ويقول ابن عباس «لتُزَخْرُفنّها كما زخرفت اليهود والنصارى» يوجد في كلام الرسول عليه السلام من مثل هذه الأحاديث التي تنهى عن زخرفة المساجد والمباهاة في بنيانها، لكن لا يوجد أي كلمة تُلزم المسلمين إذا أرادوا أن يبنوا المساجد بالطريقة التي بنى فيها مسجده الأول، انظر الآن التزام هذه الطريقة أن الرسول عليه السلام عندما بنى مسجده، جاء إلى بعض الغلمان من الأنصار، وقال لهم:«ثامنوني حائطكم» يعني: خذوا مني الثمن، قالوا: يا رسول الله، -هنا الشاهد، وكان هناك قبور المشركين فنبشها عليه السلام وأزالها، وكان هناك جذوع من النخيل فقطعها، وجعلها أعمدة اللمسجد
…
إلخ.
الجمود على هذه الصورة، يعني لازم تشتري أرض يكون فيها قبور وتنبشها وتُزيلها ولازم يكون فيها نخيل، وما بيجوز تشتري أرض عراء وتجيب أنت نخيل مثلاً أعمده جذوع من نخيل.
هذا ما يقوله إنسان عنده شيء من الفقه الإسلامي أبداً، أنا أعتقد أن هؤلاء بعد ما صاروا طلاب علم، فضلاً من أن يكونوا من أهل العلم الذين يشهد لهم أهل العلم بالفضل والعلم وهذه آفة العصر الحاضر، بل آفة الشباب المسلم في العصر الحاضر، هو أنهم لمجرد أن يشعروا بأنهم عرفوا شيئاً من العلم، لم يكونوا من قبل على علم به، رفعوا رؤوسهم، وظنوا أنهم قد أحاطوا بكل شيء علما، فَتَسَلَّط عليهم الغرور والعُجب، ونخشى أن يشملهم قول الرسول عليه الصلاة والسلام:«ثلاث مهلكات، شُحٌّ مُطاع وهوىً متّبع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه» هذا أولاً.
ثانياً: هؤلاء يجهلون ولا أقول يتجاهلون؛ لأنهم من أهل الجهل، متى نقول عن الشخص يتجاهل؟ إذا كان من أهل العلم، فهو لهوىً في نفسه يتجاهل، فهؤلاء ليسوا من أهل العلم، حينما عثمان جاء بالخشب بدل النخيل كما جاء في الحديث أيضاً، ما كان موقف الصحابة تجاهه، هل أنكروا ذلك عليه؟ أم كان أمراً أقروه عليه
وما أحد أنكره عليه فيما علمت أنا.
وما أظن أن أولئك علموا أن أحداً من الصحابة أنكر عليه فعلته هذه، ثم نفترض أنه قد وجد من أنكر، ما وَزْن هذا الإنكار: أهو التحريم أم هو مخالفة الأفضل؟
لا شك أن المسائل الفقهية يجب أن تُوْزن بميزان دقيق جداً، فلا نُحَرِّم ما كان مكروهاً ولا نكره ما كان مباحاً .. إلخ.
وأنا أخشى ما أخشى على هؤلاء أن يعودوا بنا إلى أن يفرضوا على المسلمين عدم التَمَتُّع، أو لعلي أكون غير دقيق في التعبير، أقول لعل هؤلاء يعودون بنا إلى أن نقول: لا يجوز التمتع بما خلق الله للمسلمين من وسائل الركوب التي لا يعرفها الأولون، ويوجبون علينا أن نعود إلى ركوب الإبل والجِمَال والحمير والبغال والخيول، وندع هذه الوسائل التي خلقها الله وأشار إليها بمثل قوله تعالى {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 8] أخشى ما أخشى أن نصل إلى هنا، نعم.
السائل: هم يقولوا هذا فقط في بناء المسجد، أما في مكتبة مُلْحَقة بالمسجد، فقالوا لا مانع أن تُبْنى بالاسمنت والحديد، وهذه ما لها دخل ولكن البناء يريدوا يأتَسُوا ..
الشيخ: أيش هو اللي ما في مانع؟
السائل: ما في مانع أن تُبْنَى مكتبة، مكتبة ملحقة بالمسجد و .. والحمامات والمرافق هذه يقولون لا مانع أن تُبنى بالحديد والأسمنت وهذا، وإنما المسجد فقط اقتداءً بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أبي بكر وعمر؟
الشيخ: يا أخي ما اختلفنا، فعل أبو بكر وعمر يدل على ماذا؟
السائل: لا، هم يقولون: هذا هو الأفضل، ونريد أن نُحيي هذه السنة.
الشيخ: هؤلاء الذين يقولون هو الأفضل يتمسكون بكل شيء هو الأفضل؟
السائل: والله هم متمسكون تمسك، والله أعلم على خير نحسبهم.
الشيخ: الله أعلم ..
السائل: ثم يا شيخ لحظة هم يا شيخ قالوا اسأل الشيخ ناصر، واسأل الشيخ مقبلاً واسأل المشايخ في هذه المسألة، هم الآن أوقفوا هذا، قالوا اسأل العلماء؛ لأنه في هناك تبرع بالمسجد، فهم كانوا على هذا الرأي، وقالوا: اسألوا المشايخ أهل العلم فماذا يجيبوا في هذا هم هذا طلبهم يا شيخ هم كانوا مُسْتَفْتين.؟
الشيخ: سبق الجواب، أنا ما عندي غير ما سمعت، لكني الآن أُصَرِّح فأقول: قولهم هذا أهو في كل بلد، أم في بلاد النخيل؟
السائل: والله في بلدهم هم يريدون أن يفعلوا هذا الفعل، ما سألتهم هذا السؤال الله أعلم.
الشيخ: يا شيخ، يجب أن تسألهم حتى تعرف ضِيْق عَطَنِهم، ودائرة فكرهم محدودة جداً، هؤلاء لا ينظرون إلى أبعد من أرنبة أنفهم، هؤلاء يحصرون شريعة الله بأرض هم فيها.
فإذا أردنا نحن أن نبني مسجداً، هنا يُرسلوا إلينا جذوع النخيل؟ أيش الكلام هذا إذا كان عندهم متيسر هذا الأمر، وما يحتاجون إلى دفع الحَرّ والقر في الشتاء، إلى مثل هذه السقوف التي نحن نتعاطها اليوم، فليفعلوا ذلك ما شاؤوا.
نحن معهم في عدم إدخال الزخارف إلى المساجد، ونحن نُنْكِر كل هذه الأبنية التي تُبنى اليوم على نمطها المساجد، وننكر طريقة التوسعة في المسجدين في الحرم المكي والحرم المدني، هذه كلها زخارف غير مشروعة.
ويعجبني هنا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي رواه الإمام البخاري في
صحيحه مُعَلقاً، قال للذي أمره بالزيادة في المسجد النبوي:«أكن الناس من الحر والقر» وأنا هذا أتخذه حجة على جماعتك هؤلاء، «أكن الناس من الحر والقر، ولا تُحَمر ولا تُصَفر» شايف جمع بين دفع المفسدة وجلب المصلحة، «أكن الناس من الحر والقر، ولا تُحَمر ولا تُصَفر» في بعض البلاد مثلاً في البلاد العربية التي يغلب عليها الحرارة، هم اعتادوا في مثل هذه المساجد التي يتخللها الهواء والرياح، لكن أنه إذا كان بالباطون
…
بيصير جحيم فيه بسبب أن هذا الباطون يحبس الحرارة
…
إلخ.
فقصدي أن أقول: إن عمر بن الخطاب حينما ضم الزيادة نَبَّه إلى القاعدة في بناء المساجد: «أكن الناس من الحر والقر، ولا تحمر ولا تصفر» .
التحمير والتصفير زينة، وهذا منهي عنه في بعض الأحاديث التي ذكرناها، لكن محافظةً على الناس من الحر والقر، هذه وسيلة ليتمكنوا أولاً للمحافظة على صحتهم، وهذا داخل في مثل قوله عليه السلام:«إن لجسدك عليك حقاً» والحديث معروف في الصحيح، فمن حق الجسد على صاحبه أن يدفع عنه شَرّ الحر والقَرّ.
فإذا ما بنوا مسجداً، كان هذا الحق قائماً أيضاً في هذا المسجد، فما في مانع أن يُبْنَى هذا المسجد بطريق يكونون فيه مطمئنين بعبادتهم وصلاتهم وخشوعهم، ولا يهتمون بأخذ المراوح
…
في أثناء الصلاة حينما يكون المسجد قد بني بطريقة ليس فيها الأحمر والأصفر وو إلخ، لكن أمنوا الحر والقر، فالطريقة التي يتبناها هؤلاء كشيء لازم لا يحقق هذا الذي قاله عمر بن الخطاب:«أكن الناس من الحر والقر» .
وأنا أقول إن ما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام حينما فعل ما فعل؛ لأنه هذا الذي تيسر له من أين لهم أنه لو كان تيسر للرسول عليه السلام أعمدة من خشب مثلاً جاهزة .. وتيسر لهم من السقوف الخشبية، كما كانوا يفعلون عندنا في سوريا من العهد القريب يمدون خشباً رقيقاً وفوق منه الطين الأحمر الخليط بالتبن فهذا يدفع الحر.
أنا أعتقد أن هذا لو كان مَيْسوراً للرسول عليه الصلاة والسلام ما كان يتأخر عنه ويبنيه كما بنى مسجده الأول، ثم الرسول يا جماعة ليس كأمثالنا نحن اليوم، هو الرسول مشغول بتبليغ الدعوة هو فاضي ومتفرغ أن يبني مسجداً على مهل وعلى تخطيط وعلى دراسة، لا هو الآن يريد أن يجمع الناس في هذا المسجد بأقرب طريق ميسرة له، لكن لو تيسر له مثلما قال عمر بن الخطاب وهو الفاروق كما ذكرنا، ما بيقصر الرسول عليه السلام في ذلك؛ لأنه جاء في الحقيقة كما نفتخر نحن معشر المسلمين على أصحاب الأديان الأخرى، أن من فضيلة الإسلام أنه جاء بتحقيق