المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم الصلاة في المسجد الحرام مع كثرة الرجال والنساء، وحكم السترة فيه، وحكم ما يحدث في الحرم عند الإزدحام من صلاة الرجال خلف النساء - جامع تراث العلامة الألباني في الفقه - جـ ٨

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌متفرقات في أحكام المساجد

- ‌المساجد أحب البقاع إلى الله

- ‌فضل إتيان المساجد

- ‌يجب بناء المساجد في كل قرية أو محلة لا مساجد فيها وهم بحاجة إليها

- ‌في بناء المساجد فضل عظيم وأجر كبير

- ‌يستحب للمرء أن يباشر بناء المسجد بنفسه ما أمكنه

- ‌آداب المساجد

- ‌من آداب المساجد تطهيرها وتكنيسها وتطييبها

- ‌فضل القيام على العناية بالمساجد

- ‌حرمة إلقاء شئ في المسجد كالحشرات ونحوها

- ‌من آداب المساجد أن يمشي إلى المسجد بالسكينة والوقار

- ‌من آداب المساجد أن يدلك نعليه بالتراب إن أراد الدخول بهما

- ‌من آداب المساجد أن يبتدئ دخوله بالرجل اليمنى

- ‌من آداب المساجد أن يقول عند الدخول استحبابا:(أعوذ بالله العظيم

- ‌دعاء الدخول والخروج من المسجد

- ‌من آداب المساجد أن يُصَلَّى فيه صلاة القدوم من السفر

- ‌من آداب المساجد أن يبدأ الخروج منه بالرجل اليسرى

- ‌من آداب المساجد أن يقول عند الخروج: (بسم الله

- ‌من آداب المساجد أن يخرج منه وفي نيته أن يعود إليه

- ‌الأفضل لمن كان فارغًا لا عملَ له أو كان غنيًّا عن الكسب أن يبقى في المسجد انتظارًا للصلاة الأخرى

- ‌لا يحل الخروج من المسجد بعد الأذان قبل الصلاة

- ‌مناهي المساجد

- ‌النهي عن تشبيك الأصابع في المسجد

- ‌حكم تشبيك الأصابع في المسجد

- ‌يحرم قربان المساجد لمن أكل ثوما ونحوه من البقول والنباتات المنتنة

- ‌أهمية التفريق بين من كانت رائحة فمه كريهة بكسبه ومن ليس كذلك في حكم دخول المساجد

- ‌لا يجوز للمصلي اتخاذ مكان معين من المسجد للصلاة فيه لا يجاوزه

- ‌من مناهي المساجد جلوس الناس على هيئة الحلقة قبل صلاة الجمعة ولو للعلم والمذاكرة

- ‌من مناهي المساجد تناشد الأشعار

- ‌من مناهي المساجد نشدان الضالة وطلبها والسؤال عنها برفع الصوت

- ‌من مناهي المساجد البيع والشراء فيه

- ‌من مناهي المساجد إقامة الحدود والقصاص فيه

- ‌من مناهي المساجد البصق لا سيما نحو القبلة

- ‌من مناهي المساجد البول ونحوه فيه

- ‌مناهي المساجد وآدابها هي من الرفع المذكور في قوله تعالى: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه

- ‌من مناهي المساجد اتخاذه طريقًا

- ‌تحريم البصاق إلى القبلة داخل المسجد أو خارجه

- ‌كراهة النخاعة في المسجد

- ‌هل يوجد حديث صحيح ينهى عن الكلام في المسجد والمصلي يصلي

- ‌فرقعة الأصابع في المسجد

- ‌تسليم الداخل إلى المسجد

- ‌التَحَدُّث بأمور دنيوية بين الأذان والإقامة في المسجد

- ‌اصطحاب الأولاد غير المميزين إلى المسجد

- ‌من دخل المسجد وعليه ثياب فيها تصاوير

- ‌حكم الخروج من المسجد بعد سماع الأذان

- ‌حكم حجز المكان في المسجد

- ‌حكم تقصُّد الذهاب للمسجد الأبعد لتكثير الخُطا

- ‌مباحات المساجد

- ‌من مباحات المساجد المرور فيه أحيانا لحاجة

- ‌من مباحات المساجد إتيانه من النساء بشروط

- ‌من مباحات المساجد دخول الحائض والجنب لا سيما لحاجة

- ‌من مباحات المساجد الدخول بالسلاح غير مسلول

- ‌من مباحات المساجد إدخال الصبيان فيه

- ‌من مباحات المساجد إدخال الميت للصلاة عليه

- ‌من مباحات المساجد إدخال المشرك لحاجة إلا المسجد الحرام فيستثنى من هذا الحكم

- ‌من مباحات المساجد إدخال الدابة للحاجة

- ‌من مباحات المساجد الوضوء فيه

- ‌من مباحات المساجد الاجتماع والتحلق لدراسة القرآن والعلم

- ‌من مباحات المساجد إنشاد الشعر الحسن أحيانا ولا سيما إذا كان في الذب عن الإسلام

- ‌من مباحات المساجد نصب الخيمة للمريض وغيره للحاجة

- ‌من مباحات المساجد اللعب بالحراب ونحوها من آلات الحرب

- ‌من مباحات المساجد ربط الأسير بالسارية

- ‌من مباحات المساجد القضاء واللعان

- ‌من مباحات المساجد الاستلقاء

- ‌من مباحات المساجد النوم والقيلولة للمحتاج

- ‌من مباحات المساجد السكن في ناحية منه لمن لا مأوى له من الرجال أو النساء

- ‌من مباحات المساجد قسمة المال

- ‌من مباحات المساجد تعليق العذق أو العنقود للفقراء

- ‌من مباحات المساجد السؤال من المحتاج والتصدق عليه

- ‌من مباحات المساجد الكلام المباح أحيانا بحيث أن لا يجعل ذلك ديدنه

- ‌من مباحات المساجد الأكل والشرب أحيانًا

- ‌صلاة المأموم خارج المسجد

- ‌حكم صلاة المأموم خارج المسجد

- ‌الملحقات بالمسجد

- ‌الصلاة في مكان تابع للمسجد، مع العلم أن طريقاً يقطع بينهما

- ‌الغرفة أو الملاصقة للمسجد التي بابها إلى المسجد هل تعد من المسجد

- ‌الغرفة التي تكون داخل المسجد وبابها داخل المسجد هل تُعطى أحكام المسجد

- ‌هل يشرع إنشاء المرافق مع المسجد، وكلمة حول عدم مشروعية فصل مصلى النساء بفاصل عن باقي المسجد

- ‌إمام أو مؤذن سكن في غرفة في فناء المسجد فهل يُطبق أحكام المسجد في هذه الغرفة

- ‌دخول الحائض والجنب المسجد

- ‌حكم دخول المرأة الحائض المسجد لسماع الدرس، مع التنبيه على أن إقامة النساء للدروس في المساجد من البدع

- ‌حكم دخول الجنب المسجد

- ‌حكم دخول الحائض المسجد

- ‌إقامة مسجد على بيت أو في مكان بيت

- ‌حكم إقامة مسجد على بيت

- ‌حكم استئجار البيوت وتحويلها إلى مساجد تقام فيها الجمع والجماعات

- ‌الصلاة في الصف الأول بالمسجد النبوي أفضل، أم في الروضة

- ‌حكم الصلاة في المساجد المبنية تحت دورات المياه، وحكم بناء بيوت أو غرف على المسجد

- ‌حكم صلاة الجمعة في المساجد التي هي في أصلها بيوت مستأجرة

- ‌حكم النداء بمكبرات الصوت في المسجد على ابن ضائع

- ‌مواصفات المسجد السني وبيان مخالفات المساجد

- ‌أحكام في بناء المساجد: وجوب إتقان البناء

- ‌أحكام في بناء المساجد: ألا يشيده ويرفع بنيانه

- ‌أحكام في بناء المساجد: أن لا يُزَخْرَف ويُزيَّن

- ‌حكم المحراب في المسجد

- ‌بدعية المحراب في المسجد

- ‌حكم المحراب في المسجد، وحكم السواري، وكلمة حول بعض منهيات المساجد

- ‌أحكام في بناء المساجد: ألا يبنيه على قبر

- ‌أحكام في بناء المساجد: تقليل السواري

- ‌أحكام في بناء المساجد: أن يُجعل فيه بابًا خاصًّا للنساء

- ‌من أحكام المساجد: أن لا يجعل فيه خوخات وأبواب ينفذ إليه منها من حوله من ساكني البيوت

- ‌جواز بناء المساجد على متعبدات الكفار بعد كسرها وتغيير معالمها

- ‌جواز بناء المساجد على قبور المشركين بعد نبشها

- ‌مواصفات المسجد السني

- ‌لون فرش المساجد

- ‌المسجد المبني على السنة

- ‌السنة في بناء المساجد

- ‌المخالفات الحاصلة في بناء المساجد

- ‌المخالفات الحاصلة في المساجد

- ‌حكم تعليق لوحات فيها تذكير بالسنن في المساجد

- ‌حكم فصل مصلى النساء عن باقي المسجد بفاصل

- ‌نصيحة من الشيخ تضمنت الحديث على مخالفات المساجد

- ‌حكم الخط الذي يُشد في المسجد لتسوية الصفوف، وحكم المحاريب والمآذن

- ‌السواري في المساجد

- ‌هل المنارة للمسجد كانت معروفة في العهد النبوي

- ‌الصلاة في المساجد المخالفة للسنة وكيفية معالجة هذه المخالفات

- ‌الصلاة في المساجد المزخرفة

- ‌حكم إلتزام نفس المواد التي بنى النبي صلى الله عليه وسلم بها مسجده في بناء مسجد في هذا العصر

- ‌إذا دُفن ميت في صحن المسجد

- ‌الخيط لتسوية الصفوف

- ‌شد الخيط في المسجد لتسوية الصفوف

- ‌حكم شد الخيط في المسجد لتسوية الصفوف

- ‌وقفيات المساجد

- ‌إذا أخفى إمام المسجد الكتب الموقوفة على المسجد هل يجوز سرقتها

- ‌التصرف في الأموال الموقوف على المسجد

- ‌حكم التصرف بالفائض من حاجة المسجد

- ‌إقامة حفلات في المسجد

- ‌حكم إقامة الحفلات في المساجد

- ‌حكم العرس في المسجد

- ‌فصل مصلى النساء

- ‌حكم فصل مصلى النساء عن باقي المسجد بفاصل

- ‌عدم تخصيص مكان للنساء في المسجد

- ‌حكم فصل مصلى النساء في المسجد بجدار أو ستارة أو نحوه

- ‌المنبر

- ‌الزيادة في المنبر على ثلاث درجات

- ‌هل هيئة المنبر النبوي تُعد من العادات

- ‌المساجد الثلاث وأحكامها

- ‌المسجد الحرام هو أول مسجد بني على وجه الأرض

- ‌اختص المسجد الحرام بجواز صلاة النافلة فيه في كل وقت

- ‌الكعبة بحاجة إلى إصلاحات

- ‌حال حديث: تحية البيت الطواف

- ‌المسجد النبوي أفضل المساجد وأعظمها حرمة بعد المسجد الحرام

- ‌المسجد النبوي أفضل من المسجد الأقصى

- ‌من فضائل المسجد النبوي أن من أتاه لا لشئ إلا لخير يتعلمه فهو في منزلة المجاهد

- ‌من فضائل المسجد النبوي أن ما بين البيت النبوي والمنبر روضة من رياض الجنة

- ‌المسجد النبوي هو المسجد الذي أسس على التقوى كمسجد قباء

- ‌الزيادة والتوسعة في المسجد النبوي من المسجد

- ‌المسجد الأقصى أفضل المساجد بعد المسجدين الحرام والنبوي

- ‌لا يجوز قصد السفر إلى مسجد أو موضع من المواضع الفاضلة والصلاة فيها إلا إلى المساجد الثلاثة

- ‌من السنة شد الرحل إلى المسجد الأقصى

- ‌الصلاة في بيت المقدس بمئتي صلاة وخمسين صلاة

- ‌فضيلة مسجد قباء

- ‌فضل الصلاة في مسجد قباء

- ‌كان صلى الله عليه وسلم يأتي قباء كل سبت راكبا وماشيا فيصلي فيه ركعتين

- ‌هل باقي المساجد بينها تفاضل

- ‌هل مكة كلها لها فضل الصلاة في المسجد الحرام

- ‌حكم الصلاة في المسجد الحرام مع كثرة الرجال والنساء، وحكم السترة فيه، وحكم ما يحدث في الحرم عند الإزدحام من صلاة الرجال خلف النساء

- ‌صلاة المرأة في المسجد النبوي

- ‌الصلاة المضاعفة في الحرم، هل هي عامة في الصلوات أم في الفريضة فقط، ما تحقيقكم في المسألة

- ‌هل الأفضل للمراة الصلاة في الفندق أم في الحرم

- ‌حدود المسجد الحرام

- ‌التوسعات التي طرأت على المسجد الحرام هل لها فضل المسجد

- ‌هل لغسل الكعبة وقت معين

- ‌حكم الصلاة في العمائر المطلة على الحرم اقتداءً بصلاة إمام الحرم

- ‌كيفية السجود مع الإزدحام الشديد في الحرم

- ‌هل للصلاة في مسجد قباء ثواب معين

- ‌تحية المسجد

- ‌من آداب المساجد أن يصلي ركعتين قبل القعود وجوبًا

- ‌تحية المسجد واجبة أم غير واجبة

- ‌حكم تحية المسجد واتخاذ السترة في الصلاة

- ‌هل المسجد الذي لا تقام فيه الجمعة يصلى له تحية المسجد

- ‌هل يصلي تحية المسجد عند دخول مصلى البيت وما شابه

- ‌تحية المسجد للداخل إلى البيت الحرام

- ‌هل تجوز صلاة تحية المسجد في أوقات الكراهة

- ‌حكم صلاة تحية المسجد في أوقات الكراهة

- ‌حكم صلاة تحية المسجد وقت الكراهة

- ‌تحية المسجد لمن دخل المسجد قبل أذان المغرب بقليل

- ‌حكم صلاة تحية المسجد قبل أذان المغرب

- ‌لا تسقط تحية المسجد عن الداخل يوم الجمعة والخطيب على المنبر

- ‌إذا دخل شخص المسجد يوم الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الذي بين يدي الخطيب فهل يردد الأذان أم يشرع في تحية المسجد

- ‌من جلس في المسجد قبل أن يصلي تحية المسجد

- ‌من دخل المسجد والمؤذن يُؤَذِّن

- ‌أقيمت الصلاة وهو في الركعة الثانية من النافلة فهل يقطع الصلاة

- ‌هل تصلى الحائض تحية المسجد

- ‌من دخل المسجد قبيل غروب الشمس بدقائق

- ‌هل الفرض يغني عن تحية المسجد ركعتين

- ‌حكم مصافحة من على اليمين واليسار بعد صلاة تحية المسجد

- ‌مَن صلَّى تحية المسجد ثم خرج ثم رجع هل يعيد التحية

- ‌المصليات

- ‌ضابط المسجد والمصلى

- ‌هل يُصلَّى في مصلى الشركة أم في المسجد

الفصل: ‌حكم الصلاة في المسجد الحرام مع كثرة الرجال والنساء، وحكم السترة فيه، وحكم ما يحدث في الحرم عند الإزدحام من صلاة الرجال خلف النساء

مداخلة: هم يحتجون يقولون في الآية: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1]، يقولون: أسري به من بيت أم هانئ وليس المسجد الحرام.

الشيخ: أنا أجبت عن هذا آنفاً، قلت: الذي أراه أن الفضيلة تختص بالمسجد، وليس بمكة كلها بقرينة ذكر المسجد مع مسجد الرسول عليه السلام حيث قال في الحديث المعروف:«صلاة في مسجدي هذا تفضل ألف صلاة فيما سواه من المساجد؛ إلا المسجد الحرام» .

فقرن المسجد الحرام مع المساجد ومع مسجد الرسول عليه السلام، يكون هذا قرينة لكون المراد جزء من مكة، وهو مسجد مكة، أما الآية الجواب عنها سهل؛ لأنه قد لا يكون بيت أم هانئ مثلاً من المسجد المكي نفسه، وإنما يكون بجواره، فبحكم المجاورة جاء قوله تعالى في الآية:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1]؛ لأن الأسلوب العربي أن يُعْطَى حكم المجاوِر حكم المجاوَر.

(الهدى والنور/383/ 15: 35: 00)

‌حكم الصلاة في المسجد الحرام مع كثرة الرجال والنساء، وحكم السترة فيه، وحكم ما يحدث في الحرم عند الإزدحام من صلاة الرجال خلف النساء

السؤال: ما حكم الصلاة في المسجد الحرام مع كثرة الرجال والنساء، وحكم السترة فيه؟

الشيخ: لا شك أن هذه من الأمور التي يتساهل فيها بعض الناس، سواء كانوا رجالاً أو نساءً، والغالب أن الخطأ من النساء وليس من الرجال؛ لأنهن يتقدمن ويختلطن مع الرجال.

ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «خير صفوف الرجال أَوَّلها، وشرّها

ص: 335

آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرُّها أَوَّلها».

ففي هذا الحديث حض النبي صلى الله عليه وسلم النساء على أن يتأخرن عن الرجال مهما وسعهم الأمر، واتسعت بهن أرض المسجد، فإذا ما تعدت النساء صفوفهن وتقدمن إلى صفوف الرجال، وكما قيل قديماً: اختلط الحابل بالنابل، حينئذٍ المسؤولية إنما تقع على المعتدي، فإذا كان المعتدي إنما هي المرأة كما هو الغالب، فالإثم عليها، وإذا كان المعتدي هو الرجل بمعنى هو الذي خالط صف النساء أو صفوفهن، فيكون الإثم عليه.

أما الصلاة ففي كُلٍّ من الحالتين، أي: سواء كان المعتدي المرأة أو الرجل، فالصلاة صحيحة؛ لأنه لا يوجد في السنة فضلاً عن الكتاب، بل ولا في الآثار السلفية التي نستنير بها في فهم الكتاب والسنة كما نذكر دائماً وأبداً، لا يوجد في شيء من ذلك ما يدل على بطلان صلاة من حاذى المرأة أو من حاذته المرأة، لا شيء من ذلك سوى مخالفة نظام تسوية الصفوف، هذا النظام الذي سمعتموه آنفاً في حديث:«خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها» .

هذه المخالفة تستلزم الإثم والمعصية، ولا تستلزم بطلان الصلاة؛ لأن البطلان حكم مُسْتَقل لا بد له من دليل خاص، وهذا فيما علمنا مما لا وجود له، نقول هذا ذاكرين أن هناك في بعض المذاهب المعروفة اليوم، من مذاهب أهل السنة أن المرأة إذا وقفت حتى لو كانت هي المعتدية، لو حاذت الرجل بطلت صلاة الرجل، لكن هذا إنما هو الرأي ولا دليل عليه في الشرع.

فحسبنا إذاً: أن نُذَكِّر الرجال والنساء معاً، أن لا يقعن في الإثم، وفي مخالفة حديث الرسول عليه السلام، وبخاصة وهم جميعاً قد خرجن للحج إلى بيت الله الحرام، هذا الحج الذي لا يستفيد منه إلا من التزم أحكام الشرع.

كما قال تعالى في القرآن الكريم: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197]، وقال عليه الصلاة والسلام بياناً لمن التزم هذا النهج القرآني:«فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ» ، قال

ص: 336

عليه الصلاة والسلام مُبَيِّناً فضيلة هذا الذي يلتزم هذا النهج بقوله صلى الله عليه وسلم: «من حج فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» .

فالمقصود من كل الحجاج رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، إذا قصدوا الحج أن يكون غايتهم من وراء ذلك أن يعودوا إلى بلادهم كما ولدتهم أمهاتهم، أتقياء أنقياء من كل الذنوب والآثام، لا أن يعود أحدهم إلى بلده مفتخراً بأنه حج إلى بيت الله الحرام، واكتسب لقب الحاج، فصار الناس ينادونه بالحاج فلان، إن من يبتغي الحصول بسبب الحج على هذا اللقب، فهذا يُخْشَى عليه أن يعود من حجته بخفي حنين، أو كما قال ذلك الأعرابي لزميله يوم رجع من حجه: وما حججت ولكن حَجّت الإبل.

فالمقصود من الحج أن يعود المسلم تقياً نقياً كما ذكرنا، وليس متشرفاً بلقب الحاج، فهذا مما يبطل العمل؛ لأن الله عز وجل يقول:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]. نعم.

أما السترة: فقضية السترة أصبحت اليوم نسياً منسيا في بلاد الإسلام كلها إلا القليل جداً منها، أما في المسجد الحرام فقد كسيت ثوباً لا يليق بها؛ لأن هذا الثوب قضى على شرعيتها، لقد جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث عِدَّة فيها الأمر باتخاذ المصلي السترة في أيِّ مكان كان على الإطلاق، سواء كان في الصحراء أو كان في البنيان، أو كان في مسجد أو في مسجد جامع، ولو كان المسجد الحرام، فقد جاءت أولاً الأحاديث مطلقة أو عامة، يقول عليه الصلاة والسلام في بعضها:«إذا صلى أحدكم؛ فليصل إلى سترة لا يقطع الشيطان عليه صلاته» .

آنفاً حينما خرجت من خيمتي إلى الصلاة، رأيت بعضهم يصلي لا إلى سترة، والسترة هي أيَّ عمود، بل لو كان هناك شخص جالس، فيُمكن للمصلي أن يتخذه سترة، يصلي إلى هذا الشخص، فقوله عليه السلام:«إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة» لماذا؟ يأت الجواب مباشرة؛ خشية أن يقطع الشيطان عليه صلاته، «لا يقطع الشيطان عليه صلاته» أي: خشية أن يقطع الشيطان عليه صلاته.

ص: 337

ومعنى هذا: أن هناك وسائل شرعية لا يمكن للعقل البشري أن يُدْرِك تأثيرها، هذه الوسائل تَحُول بين المصلي وبين أن يتعرض الشيطان للإخلال بصلاته على الأقل، أو لإبطالها من أصلها، فنحن نسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذا الحديث آمراً لكل مُصَلٍّ أن يصلي إلى سترة، وهنا أدب آخر جاء بيانه في رواية أخرى، فينبغي التَنَبُّه لها، ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«إذا صلى أحدكم فليدْنُ من سترته» . الحديث الأول أو الرواية الأولى كانت: «فليُصَلِّ إلى سترة» لكن قد يسأل إنسان: إذا صليت أنا هنا والسترة هناك، فهل هذه سترة؟

الجواب في الرواية الثانية: «إذا صلى أحدكم فليَدْنُ من سترته» .

فلا بد أن يكون قريباً منها، وهذا القُرب جاء بيانه أيضاً في السنة، وهكذا فالسنة يُكَمِّل بعضها بعضاً، فهل يقترب المصلي من السُتْرَة بحيث أنه يكاد أن يمس برأسه السترة التي بين يديه، أم لا بد أن يكون بين رأسه وبين سترته فسحة وفراغ؟

الجواب: نعم، لا بد أن يكون بين موضع سجود المصلي وبين السترة ممر شاة، جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بين مصلاه أي: موضع سجوده، وبين السترة ممر شاة.

فإذاً: لا يبتعد عنها، ولا يدن منها، بحيث يكاد ينطحها برأسه، لا، وإنما يجعل بينه وبينها ممر شاة، تقريباً شبر أو قريباً من شبر.

إن من أهمية هذه السترة كما سيظهر لكم، تظهر هذه الأهمية في المسجد الحرام، لكثرة امتلاء المصلين بالمارَّة بين أيديهم، وبخاصة مرور النساء، فقد قال عليه الصلاة والسلام:«يقطع صلاة أحدِكم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل: المرأة والحمار والكلب الأسود» .

فإذاً: لهذه السترة وظيفتان: الوظيفة الأولى عامة، وهي أنها تحول بين الشيطان وبين أن يعرض صلاة هذا المصلي وراء السترة لشيء من النقصان، والأهمية الأخرى هي أن هذه السترة تحول بين المصلي وبين بطلان صلاته، إذا مر بين يديه واحد من الأمور الثلاثة، المرأة أو الحمار أو الكلب الأسود.

أما إذا كان يصلي إلى سترة، فلا يَضُرُّه بعد ذلك ما مَرَّ بين يديه، سواء كان جنساً من هذه الأجناس الثلاثة، أو كان شيئاً آخر.

ص: 338

أما الذي يصلي إلى لا سترة ولو في المسجد الحرام، فصلاته مُعَرَّضة للنقصان أو للبطلان، على حسب الجنس الذي يمر بين يدي المصلي.

هذا ما ينبغي أن نذكره بمناسبة السترة، وأنها واجبة في كل مسجد حتى المسجد الحرام، ولذلك كان بعض السلف إذا صلى في المسجد الحرام وضع بين يديه سترة، ومنهم عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كما كنت ذكرت ذلك ونحوه في كتاب:«تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد» نعم.

السائل: [أحيانًا مع إزدحام الحرم يصلي الرجال خلف النساء] فما حكم هذه الصلاة؟

الشيخ: هذا فُهِمَ من الجواب السابق.

مداخلة: نعم.

الشيخ: ولعله يظهر: هل صلاة المرأة بجنب الرجل أشد تأثيراً، أم إذا صلى الرجل خلف المرأة وليس بجانبها؟ ماذا ستقول أو ترى، أيُّهم أشدُّ تأثيراً؟

مداخلة: إذا حاذها.

الشيخ: وإذا كنت عرفت أن المحاذاة لا تُبْطِل الصلاة، فإذاً: الصلاة خلف المرأة لا تُبْطل الصلاة.

ويعود البحث السابق أنه ينبغي النظر هل الرجل هو الذي يُسأل عن صلاته خلف المرأة، فيكون آثماً، أم المرأة هي التي تُسأل؛ لأنها تقدمت ووقفت أمام الرجل، فستكون هي الآثمة.

أما الصلاة فعلى كل حال هي صحيحة بطبيعة الحال، إذا توفرت شروط الصحة المعروفة للصلاة. الجواب هو هو إذاً.

مداخلة: .....

(الهدى والنور /385/ 16: 38: 00)

(الهدى والنور /385/ 06: 55: 00)

ص: 339