الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مداخلة: هم يحتجون يقولون في الآية: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1]، يقولون: أسري به من بيت أم هانئ وليس المسجد الحرام.
الشيخ: أنا أجبت عن هذا آنفاً، قلت: الذي أراه أن الفضيلة تختص بالمسجد، وليس بمكة كلها بقرينة ذكر المسجد مع مسجد الرسول عليه السلام حيث قال في الحديث المعروف:«صلاة في مسجدي هذا تفضل ألف صلاة فيما سواه من المساجد؛ إلا المسجد الحرام» .
فقرن المسجد الحرام مع المساجد ومع مسجد الرسول عليه السلام، يكون هذا قرينة لكون المراد جزء من مكة، وهو مسجد مكة، أما الآية الجواب عنها سهل؛ لأنه قد لا يكون بيت أم هانئ مثلاً من المسجد المكي نفسه، وإنما يكون بجواره، فبحكم المجاورة جاء قوله تعالى في الآية:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الإسراء: 1]؛ لأن الأسلوب العربي أن يُعْطَى حكم المجاوِر حكم المجاوَر.
(الهدى والنور/383/ 15: 35: 00)
حكم الصلاة في المسجد الحرام مع كثرة الرجال والنساء، وحكم السترة فيه، وحكم ما يحدث في الحرم عند الإزدحام من صلاة الرجال خلف النساء
السؤال: ما حكم الصلاة في المسجد الحرام مع كثرة الرجال والنساء، وحكم السترة فيه؟
الشيخ: لا شك أن هذه من الأمور التي يتساهل فيها بعض الناس، سواء كانوا رجالاً أو نساءً، والغالب أن الخطأ من النساء وليس من الرجال؛ لأنهن يتقدمن ويختلطن مع الرجال.
ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «خير صفوف الرجال أَوَّلها، وشرّها
آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرُّها أَوَّلها».
ففي هذا الحديث حض النبي صلى الله عليه وسلم النساء على أن يتأخرن عن الرجال مهما وسعهم الأمر، واتسعت بهن أرض المسجد، فإذا ما تعدت النساء صفوفهن وتقدمن إلى صفوف الرجال، وكما قيل قديماً: اختلط الحابل بالنابل، حينئذٍ المسؤولية إنما تقع على المعتدي، فإذا كان المعتدي إنما هي المرأة كما هو الغالب، فالإثم عليها، وإذا كان المعتدي هو الرجل بمعنى هو الذي خالط صف النساء أو صفوفهن، فيكون الإثم عليه.
أما الصلاة ففي كُلٍّ من الحالتين، أي: سواء كان المعتدي المرأة أو الرجل، فالصلاة صحيحة؛ لأنه لا يوجد في السنة فضلاً عن الكتاب، بل ولا في الآثار السلفية التي نستنير بها في فهم الكتاب والسنة كما نذكر دائماً وأبداً، لا يوجد في شيء من ذلك ما يدل على بطلان صلاة من حاذى المرأة أو من حاذته المرأة، لا شيء من ذلك سوى مخالفة نظام تسوية الصفوف، هذا النظام الذي سمعتموه آنفاً في حديث:«خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها» .
هذه المخالفة تستلزم الإثم والمعصية، ولا تستلزم بطلان الصلاة؛ لأن البطلان حكم مُسْتَقل لا بد له من دليل خاص، وهذا فيما علمنا مما لا وجود له، نقول هذا ذاكرين أن هناك في بعض المذاهب المعروفة اليوم، من مذاهب أهل السنة أن المرأة إذا وقفت حتى لو كانت هي المعتدية، لو حاذت الرجل بطلت صلاة الرجل، لكن هذا إنما هو الرأي ولا دليل عليه في الشرع.
فحسبنا إذاً: أن نُذَكِّر الرجال والنساء معاً، أن لا يقعن في الإثم، وفي مخالفة حديث الرسول عليه السلام، وبخاصة وهم جميعاً قد خرجن للحج إلى بيت الله الحرام، هذا الحج الذي لا يستفيد منه إلا من التزم أحكام الشرع.
كما قال تعالى في القرآن الكريم: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197]، وقال عليه الصلاة والسلام بياناً لمن التزم هذا النهج القرآني:«فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ» ، قال
عليه الصلاة والسلام مُبَيِّناً فضيلة هذا الذي يلتزم هذا النهج بقوله صلى الله عليه وسلم: «من حج فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» .
فالمقصود من كل الحجاج رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، إذا قصدوا الحج أن يكون غايتهم من وراء ذلك أن يعودوا إلى بلادهم كما ولدتهم أمهاتهم، أتقياء أنقياء من كل الذنوب والآثام، لا أن يعود أحدهم إلى بلده مفتخراً بأنه حج إلى بيت الله الحرام، واكتسب لقب الحاج، فصار الناس ينادونه بالحاج فلان، إن من يبتغي الحصول بسبب الحج على هذا اللقب، فهذا يُخْشَى عليه أن يعود من حجته بخفي حنين، أو كما قال ذلك الأعرابي لزميله يوم رجع من حجه: وما حججت ولكن حَجّت الإبل.
فالمقصود من الحج أن يعود المسلم تقياً نقياً كما ذكرنا، وليس متشرفاً بلقب الحاج، فهذا مما يبطل العمل؛ لأن الله عز وجل يقول:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]. نعم.
أما السترة: فقضية السترة أصبحت اليوم نسياً منسيا في بلاد الإسلام كلها إلا القليل جداً منها، أما في المسجد الحرام فقد كسيت ثوباً لا يليق بها؛ لأن هذا الثوب قضى على شرعيتها، لقد جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث عِدَّة فيها الأمر باتخاذ المصلي السترة في أيِّ مكان كان على الإطلاق، سواء كان في الصحراء أو كان في البنيان، أو كان في مسجد أو في مسجد جامع، ولو كان المسجد الحرام، فقد جاءت أولاً الأحاديث مطلقة أو عامة، يقول عليه الصلاة والسلام في بعضها:«إذا صلى أحدكم؛ فليصل إلى سترة لا يقطع الشيطان عليه صلاته» .
آنفاً حينما خرجت من خيمتي إلى الصلاة، رأيت بعضهم يصلي لا إلى سترة، والسترة هي أيَّ عمود، بل لو كان هناك شخص جالس، فيُمكن للمصلي أن يتخذه سترة، يصلي إلى هذا الشخص، فقوله عليه السلام:«إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة» لماذا؟ يأت الجواب مباشرة؛ خشية أن يقطع الشيطان عليه صلاته، «لا يقطع الشيطان عليه صلاته» أي: خشية أن يقطع الشيطان عليه صلاته.
ومعنى هذا: أن هناك وسائل شرعية لا يمكن للعقل البشري أن يُدْرِك تأثيرها، هذه الوسائل تَحُول بين المصلي وبين أن يتعرض الشيطان للإخلال بصلاته على الأقل، أو لإبطالها من أصلها، فنحن نسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذا الحديث آمراً لكل مُصَلٍّ أن يصلي إلى سترة، وهنا أدب آخر جاء بيانه في رواية أخرى، فينبغي التَنَبُّه لها، ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم:«إذا صلى أحدكم فليدْنُ من سترته» . الحديث الأول أو الرواية الأولى كانت: «فليُصَلِّ إلى سترة» لكن قد يسأل إنسان: إذا صليت أنا هنا والسترة هناك، فهل هذه سترة؟
الجواب في الرواية الثانية: «إذا صلى أحدكم فليَدْنُ من سترته» .
فلا بد أن يكون قريباً منها، وهذا القُرب جاء بيانه أيضاً في السنة، وهكذا فالسنة يُكَمِّل بعضها بعضاً، فهل يقترب المصلي من السُتْرَة بحيث أنه يكاد أن يمس برأسه السترة التي بين يديه، أم لا بد أن يكون بين رأسه وبين سترته فسحة وفراغ؟
الجواب: نعم، لا بد أن يكون بين موضع سجود المصلي وبين السترة ممر شاة، جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بين مصلاه أي: موضع سجوده، وبين السترة ممر شاة.
فإذاً: لا يبتعد عنها، ولا يدن منها، بحيث يكاد ينطحها برأسه، لا، وإنما يجعل بينه وبينها ممر شاة، تقريباً شبر أو قريباً من شبر.
إن من أهمية هذه السترة كما سيظهر لكم، تظهر هذه الأهمية في المسجد الحرام، لكثرة امتلاء المصلين بالمارَّة بين أيديهم، وبخاصة مرور النساء، فقد قال عليه الصلاة والسلام:«يقطع صلاة أحدِكم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل: المرأة والحمار والكلب الأسود» .
فإذاً: لهذه السترة وظيفتان: الوظيفة الأولى عامة، وهي أنها تحول بين الشيطان وبين أن يعرض صلاة هذا المصلي وراء السترة لشيء من النقصان، والأهمية الأخرى هي أن هذه السترة تحول بين المصلي وبين بطلان صلاته، إذا مر بين يديه واحد من الأمور الثلاثة، المرأة أو الحمار أو الكلب الأسود.
أما إذا كان يصلي إلى سترة، فلا يَضُرُّه بعد ذلك ما مَرَّ بين يديه، سواء كان جنساً من هذه الأجناس الثلاثة، أو كان شيئاً آخر.
أما الذي يصلي إلى لا سترة ولو في المسجد الحرام، فصلاته مُعَرَّضة للنقصان أو للبطلان، على حسب الجنس الذي يمر بين يدي المصلي.
هذا ما ينبغي أن نذكره بمناسبة السترة، وأنها واجبة في كل مسجد حتى المسجد الحرام، ولذلك كان بعض السلف إذا صلى في المسجد الحرام وضع بين يديه سترة، ومنهم عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كما كنت ذكرت ذلك ونحوه في كتاب:«تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد» نعم.
السائل: [أحيانًا مع إزدحام الحرم يصلي الرجال خلف النساء] فما حكم هذه الصلاة؟
الشيخ: هذا فُهِمَ من الجواب السابق.
مداخلة: نعم.
الشيخ: ولعله يظهر: هل صلاة المرأة بجنب الرجل أشد تأثيراً، أم إذا صلى الرجل خلف المرأة وليس بجانبها؟ ماذا ستقول أو ترى، أيُّهم أشدُّ تأثيراً؟
مداخلة: إذا حاذها.
الشيخ: وإذا كنت عرفت أن المحاذاة لا تُبْطِل الصلاة، فإذاً: الصلاة خلف المرأة لا تُبْطل الصلاة.
ويعود البحث السابق أنه ينبغي النظر هل الرجل هو الذي يُسأل عن صلاته خلف المرأة، فيكون آثماً، أم المرأة هي التي تُسأل؛ لأنها تقدمت ووقفت أمام الرجل، فستكون هي الآثمة.
أما الصلاة فعلى كل حال هي صحيحة بطبيعة الحال، إذا توفرت شروط الصحة المعروفة للصلاة. الجواب هو هو إذاً.
مداخلة: .....
(الهدى والنور /385/ 16: 38: 00)
(الهدى والنور /385/ 06: 55: 00)