المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسجد المبني على السنة - جامع تراث العلامة الألباني في الفقه - جـ ٨

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌متفرقات في أحكام المساجد

- ‌المساجد أحب البقاع إلى الله

- ‌فضل إتيان المساجد

- ‌يجب بناء المساجد في كل قرية أو محلة لا مساجد فيها وهم بحاجة إليها

- ‌في بناء المساجد فضل عظيم وأجر كبير

- ‌يستحب للمرء أن يباشر بناء المسجد بنفسه ما أمكنه

- ‌آداب المساجد

- ‌من آداب المساجد تطهيرها وتكنيسها وتطييبها

- ‌فضل القيام على العناية بالمساجد

- ‌حرمة إلقاء شئ في المسجد كالحشرات ونحوها

- ‌من آداب المساجد أن يمشي إلى المسجد بالسكينة والوقار

- ‌من آداب المساجد أن يدلك نعليه بالتراب إن أراد الدخول بهما

- ‌من آداب المساجد أن يبتدئ دخوله بالرجل اليمنى

- ‌من آداب المساجد أن يقول عند الدخول استحبابا:(أعوذ بالله العظيم

- ‌دعاء الدخول والخروج من المسجد

- ‌من آداب المساجد أن يُصَلَّى فيه صلاة القدوم من السفر

- ‌من آداب المساجد أن يبدأ الخروج منه بالرجل اليسرى

- ‌من آداب المساجد أن يقول عند الخروج: (بسم الله

- ‌من آداب المساجد أن يخرج منه وفي نيته أن يعود إليه

- ‌الأفضل لمن كان فارغًا لا عملَ له أو كان غنيًّا عن الكسب أن يبقى في المسجد انتظارًا للصلاة الأخرى

- ‌لا يحل الخروج من المسجد بعد الأذان قبل الصلاة

- ‌مناهي المساجد

- ‌النهي عن تشبيك الأصابع في المسجد

- ‌حكم تشبيك الأصابع في المسجد

- ‌يحرم قربان المساجد لمن أكل ثوما ونحوه من البقول والنباتات المنتنة

- ‌أهمية التفريق بين من كانت رائحة فمه كريهة بكسبه ومن ليس كذلك في حكم دخول المساجد

- ‌لا يجوز للمصلي اتخاذ مكان معين من المسجد للصلاة فيه لا يجاوزه

- ‌من مناهي المساجد جلوس الناس على هيئة الحلقة قبل صلاة الجمعة ولو للعلم والمذاكرة

- ‌من مناهي المساجد تناشد الأشعار

- ‌من مناهي المساجد نشدان الضالة وطلبها والسؤال عنها برفع الصوت

- ‌من مناهي المساجد البيع والشراء فيه

- ‌من مناهي المساجد إقامة الحدود والقصاص فيه

- ‌من مناهي المساجد البصق لا سيما نحو القبلة

- ‌من مناهي المساجد البول ونحوه فيه

- ‌مناهي المساجد وآدابها هي من الرفع المذكور في قوله تعالى: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه

- ‌من مناهي المساجد اتخاذه طريقًا

- ‌تحريم البصاق إلى القبلة داخل المسجد أو خارجه

- ‌كراهة النخاعة في المسجد

- ‌هل يوجد حديث صحيح ينهى عن الكلام في المسجد والمصلي يصلي

- ‌فرقعة الأصابع في المسجد

- ‌تسليم الداخل إلى المسجد

- ‌التَحَدُّث بأمور دنيوية بين الأذان والإقامة في المسجد

- ‌اصطحاب الأولاد غير المميزين إلى المسجد

- ‌من دخل المسجد وعليه ثياب فيها تصاوير

- ‌حكم الخروج من المسجد بعد سماع الأذان

- ‌حكم حجز المكان في المسجد

- ‌حكم تقصُّد الذهاب للمسجد الأبعد لتكثير الخُطا

- ‌مباحات المساجد

- ‌من مباحات المساجد المرور فيه أحيانا لحاجة

- ‌من مباحات المساجد إتيانه من النساء بشروط

- ‌من مباحات المساجد دخول الحائض والجنب لا سيما لحاجة

- ‌من مباحات المساجد الدخول بالسلاح غير مسلول

- ‌من مباحات المساجد إدخال الصبيان فيه

- ‌من مباحات المساجد إدخال الميت للصلاة عليه

- ‌من مباحات المساجد إدخال المشرك لحاجة إلا المسجد الحرام فيستثنى من هذا الحكم

- ‌من مباحات المساجد إدخال الدابة للحاجة

- ‌من مباحات المساجد الوضوء فيه

- ‌من مباحات المساجد الاجتماع والتحلق لدراسة القرآن والعلم

- ‌من مباحات المساجد إنشاد الشعر الحسن أحيانا ولا سيما إذا كان في الذب عن الإسلام

- ‌من مباحات المساجد نصب الخيمة للمريض وغيره للحاجة

- ‌من مباحات المساجد اللعب بالحراب ونحوها من آلات الحرب

- ‌من مباحات المساجد ربط الأسير بالسارية

- ‌من مباحات المساجد القضاء واللعان

- ‌من مباحات المساجد الاستلقاء

- ‌من مباحات المساجد النوم والقيلولة للمحتاج

- ‌من مباحات المساجد السكن في ناحية منه لمن لا مأوى له من الرجال أو النساء

- ‌من مباحات المساجد قسمة المال

- ‌من مباحات المساجد تعليق العذق أو العنقود للفقراء

- ‌من مباحات المساجد السؤال من المحتاج والتصدق عليه

- ‌من مباحات المساجد الكلام المباح أحيانا بحيث أن لا يجعل ذلك ديدنه

- ‌من مباحات المساجد الأكل والشرب أحيانًا

- ‌صلاة المأموم خارج المسجد

- ‌حكم صلاة المأموم خارج المسجد

- ‌الملحقات بالمسجد

- ‌الصلاة في مكان تابع للمسجد، مع العلم أن طريقاً يقطع بينهما

- ‌الغرفة أو الملاصقة للمسجد التي بابها إلى المسجد هل تعد من المسجد

- ‌الغرفة التي تكون داخل المسجد وبابها داخل المسجد هل تُعطى أحكام المسجد

- ‌هل يشرع إنشاء المرافق مع المسجد، وكلمة حول عدم مشروعية فصل مصلى النساء بفاصل عن باقي المسجد

- ‌إمام أو مؤذن سكن في غرفة في فناء المسجد فهل يُطبق أحكام المسجد في هذه الغرفة

- ‌دخول الحائض والجنب المسجد

- ‌حكم دخول المرأة الحائض المسجد لسماع الدرس، مع التنبيه على أن إقامة النساء للدروس في المساجد من البدع

- ‌حكم دخول الجنب المسجد

- ‌حكم دخول الحائض المسجد

- ‌إقامة مسجد على بيت أو في مكان بيت

- ‌حكم إقامة مسجد على بيت

- ‌حكم استئجار البيوت وتحويلها إلى مساجد تقام فيها الجمع والجماعات

- ‌الصلاة في الصف الأول بالمسجد النبوي أفضل، أم في الروضة

- ‌حكم الصلاة في المساجد المبنية تحت دورات المياه، وحكم بناء بيوت أو غرف على المسجد

- ‌حكم صلاة الجمعة في المساجد التي هي في أصلها بيوت مستأجرة

- ‌حكم النداء بمكبرات الصوت في المسجد على ابن ضائع

- ‌مواصفات المسجد السني وبيان مخالفات المساجد

- ‌أحكام في بناء المساجد: وجوب إتقان البناء

- ‌أحكام في بناء المساجد: ألا يشيده ويرفع بنيانه

- ‌أحكام في بناء المساجد: أن لا يُزَخْرَف ويُزيَّن

- ‌حكم المحراب في المسجد

- ‌بدعية المحراب في المسجد

- ‌حكم المحراب في المسجد، وحكم السواري، وكلمة حول بعض منهيات المساجد

- ‌أحكام في بناء المساجد: ألا يبنيه على قبر

- ‌أحكام في بناء المساجد: تقليل السواري

- ‌أحكام في بناء المساجد: أن يُجعل فيه بابًا خاصًّا للنساء

- ‌من أحكام المساجد: أن لا يجعل فيه خوخات وأبواب ينفذ إليه منها من حوله من ساكني البيوت

- ‌جواز بناء المساجد على متعبدات الكفار بعد كسرها وتغيير معالمها

- ‌جواز بناء المساجد على قبور المشركين بعد نبشها

- ‌مواصفات المسجد السني

- ‌لون فرش المساجد

- ‌المسجد المبني على السنة

- ‌السنة في بناء المساجد

- ‌المخالفات الحاصلة في بناء المساجد

- ‌المخالفات الحاصلة في المساجد

- ‌حكم تعليق لوحات فيها تذكير بالسنن في المساجد

- ‌حكم فصل مصلى النساء عن باقي المسجد بفاصل

- ‌نصيحة من الشيخ تضمنت الحديث على مخالفات المساجد

- ‌حكم الخط الذي يُشد في المسجد لتسوية الصفوف، وحكم المحاريب والمآذن

- ‌السواري في المساجد

- ‌هل المنارة للمسجد كانت معروفة في العهد النبوي

- ‌الصلاة في المساجد المخالفة للسنة وكيفية معالجة هذه المخالفات

- ‌الصلاة في المساجد المزخرفة

- ‌حكم إلتزام نفس المواد التي بنى النبي صلى الله عليه وسلم بها مسجده في بناء مسجد في هذا العصر

- ‌إذا دُفن ميت في صحن المسجد

- ‌الخيط لتسوية الصفوف

- ‌شد الخيط في المسجد لتسوية الصفوف

- ‌حكم شد الخيط في المسجد لتسوية الصفوف

- ‌وقفيات المساجد

- ‌إذا أخفى إمام المسجد الكتب الموقوفة على المسجد هل يجوز سرقتها

- ‌التصرف في الأموال الموقوف على المسجد

- ‌حكم التصرف بالفائض من حاجة المسجد

- ‌إقامة حفلات في المسجد

- ‌حكم إقامة الحفلات في المساجد

- ‌حكم العرس في المسجد

- ‌فصل مصلى النساء

- ‌حكم فصل مصلى النساء عن باقي المسجد بفاصل

- ‌عدم تخصيص مكان للنساء في المسجد

- ‌حكم فصل مصلى النساء في المسجد بجدار أو ستارة أو نحوه

- ‌المنبر

- ‌الزيادة في المنبر على ثلاث درجات

- ‌هل هيئة المنبر النبوي تُعد من العادات

- ‌المساجد الثلاث وأحكامها

- ‌المسجد الحرام هو أول مسجد بني على وجه الأرض

- ‌اختص المسجد الحرام بجواز صلاة النافلة فيه في كل وقت

- ‌الكعبة بحاجة إلى إصلاحات

- ‌حال حديث: تحية البيت الطواف

- ‌المسجد النبوي أفضل المساجد وأعظمها حرمة بعد المسجد الحرام

- ‌المسجد النبوي أفضل من المسجد الأقصى

- ‌من فضائل المسجد النبوي أن من أتاه لا لشئ إلا لخير يتعلمه فهو في منزلة المجاهد

- ‌من فضائل المسجد النبوي أن ما بين البيت النبوي والمنبر روضة من رياض الجنة

- ‌المسجد النبوي هو المسجد الذي أسس على التقوى كمسجد قباء

- ‌الزيادة والتوسعة في المسجد النبوي من المسجد

- ‌المسجد الأقصى أفضل المساجد بعد المسجدين الحرام والنبوي

- ‌لا يجوز قصد السفر إلى مسجد أو موضع من المواضع الفاضلة والصلاة فيها إلا إلى المساجد الثلاثة

- ‌من السنة شد الرحل إلى المسجد الأقصى

- ‌الصلاة في بيت المقدس بمئتي صلاة وخمسين صلاة

- ‌فضيلة مسجد قباء

- ‌فضل الصلاة في مسجد قباء

- ‌كان صلى الله عليه وسلم يأتي قباء كل سبت راكبا وماشيا فيصلي فيه ركعتين

- ‌هل باقي المساجد بينها تفاضل

- ‌هل مكة كلها لها فضل الصلاة في المسجد الحرام

- ‌حكم الصلاة في المسجد الحرام مع كثرة الرجال والنساء، وحكم السترة فيه، وحكم ما يحدث في الحرم عند الإزدحام من صلاة الرجال خلف النساء

- ‌صلاة المرأة في المسجد النبوي

- ‌الصلاة المضاعفة في الحرم، هل هي عامة في الصلوات أم في الفريضة فقط، ما تحقيقكم في المسألة

- ‌هل الأفضل للمراة الصلاة في الفندق أم في الحرم

- ‌حدود المسجد الحرام

- ‌التوسعات التي طرأت على المسجد الحرام هل لها فضل المسجد

- ‌هل لغسل الكعبة وقت معين

- ‌حكم الصلاة في العمائر المطلة على الحرم اقتداءً بصلاة إمام الحرم

- ‌كيفية السجود مع الإزدحام الشديد في الحرم

- ‌هل للصلاة في مسجد قباء ثواب معين

- ‌تحية المسجد

- ‌من آداب المساجد أن يصلي ركعتين قبل القعود وجوبًا

- ‌تحية المسجد واجبة أم غير واجبة

- ‌حكم تحية المسجد واتخاذ السترة في الصلاة

- ‌هل المسجد الذي لا تقام فيه الجمعة يصلى له تحية المسجد

- ‌هل يصلي تحية المسجد عند دخول مصلى البيت وما شابه

- ‌تحية المسجد للداخل إلى البيت الحرام

- ‌هل تجوز صلاة تحية المسجد في أوقات الكراهة

- ‌حكم صلاة تحية المسجد في أوقات الكراهة

- ‌حكم صلاة تحية المسجد وقت الكراهة

- ‌تحية المسجد لمن دخل المسجد قبل أذان المغرب بقليل

- ‌حكم صلاة تحية المسجد قبل أذان المغرب

- ‌لا تسقط تحية المسجد عن الداخل يوم الجمعة والخطيب على المنبر

- ‌إذا دخل شخص المسجد يوم الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الذي بين يدي الخطيب فهل يردد الأذان أم يشرع في تحية المسجد

- ‌من جلس في المسجد قبل أن يصلي تحية المسجد

- ‌من دخل المسجد والمؤذن يُؤَذِّن

- ‌أقيمت الصلاة وهو في الركعة الثانية من النافلة فهل يقطع الصلاة

- ‌هل تصلى الحائض تحية المسجد

- ‌من دخل المسجد قبيل غروب الشمس بدقائق

- ‌هل الفرض يغني عن تحية المسجد ركعتين

- ‌حكم مصافحة من على اليمين واليسار بعد صلاة تحية المسجد

- ‌مَن صلَّى تحية المسجد ثم خرج ثم رجع هل يعيد التحية

- ‌المصليات

- ‌ضابط المسجد والمصلى

- ‌هل يُصلَّى في مصلى الشركة أم في المسجد

الفصل: ‌المسجد المبني على السنة

إذاً: المقصود بأثر عمر هو الابتعاد عن الزخرفة. أي نعم.

لكن في الوقت نفسه أقول: إن الأفضل أن يكون اللون ولو كان ساذجاً، أن يكون أبعد عن البهرجة.

مداخلة: نحن نبحث عن اللون الذي تراه مناسباً من خلال خبرتك.

الشيخ: الذي أراه هو هذا لون التراب؛ حتى يُذَكِّرنا بمساجد السلف الأُوَل الذين كانوا يصلون في التراب، ويصلون في الحصباء.

مداخلة: لأنه كنا سنختار لوناً أبيضاً، لكن اللون الأبيض يجلب أولاً الأوساخ ..

الشيخ: يتسخ بسرعة.

مداخلة: أي نعم، فقلنا البُنِّي الفاتح.

الشيخ: الفاتح، نعم.

(الهدى والنور/246/ 01: 00: 00)

‌المسجد المبني على السنة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70]{يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71].

ص: 200

أما بعد:

فإن خيرَ الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشَرَّ الأمور محدثاتها، وكُلَّ محدثة بدعة، وكُلَّ بدعة ضلالة وكُلَّ ضلالة في النار.

وبعد:

فأول ما يبدي لي أن أهنئ جوار هذا المسجد المبارك إن شاء الله، والذي نرجو أن يكون قد أُسس على تقوى من الله، ولا يكون المسجد قد أسس على تقوى من الله تبارك وتعالى إلا إذا كان على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ذلك أن من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أنه أول ما هاجر من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، كان أول ما بدأ به هو أن بنى مسجده عليه الصلاة والسلام؛ ذلك لأن المساجد هي مأوى ومجتمع المسلمين، بل هي مدرستهم التي يتلقون فيها الدروس التي تُعَلِّمهم شريعة الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك كَثُرت الأحاديث التي تحض المسلمين على بناء المساجد، وبخاصة في الأرض أو في المحلة التي لا مسجد فيها، من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما من ثلاثة في بدو لا يُؤَذَّن فيهم، ولا تقام فيهم الصلاة، إلا استحوذ عليهم الشيطان» ، «إلا استحوذ عليهم الشيطان» أي: أحاط بهم: «فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» .

ولذلك: كان من الواجب على كل مسلم مكلف أن يحافظ على أداء الصلوات الخمس في المسجد، وليس أن يصلي في داره أو في دكانه أو في معمله، بل عليه أن يدع كل شيء يُشْغِله عن الاستجابة لداعي الله ألا وهو المؤذن حينما يقول: حيَّ على الصلاة .. حيَّ على الفلاح.

فحينما يسمع المسلم هذا الأمر المُنَظَّم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل يوم خمس مرات؛ ذلك لكيلا يكون لأي مسلم عذر في التَخَلُّف عن صلاة الجماعة، فقد قال عليه الصلاة والسلام:«من سمع النداء ولم يُجب ولا عذر له، فلا صلاة له» ، هذا حديث يحض المسلم على أن يُجيب منادي الله حينما يقول: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح.

ص: 201

فإذا لم يفعل ولم يكن له عذر شرعي، فصلاته تدور بين ألَاّ تُرفع مطلقاً أي: ألَاّ تكون مقبولة، وبين أن تكون مقبولة في أدنى درجات الثواب والأجر.

ولذلك: أكد النبِّي صلى الله عليه وسلم المعنى المُتَضَمَّن في هذا الحديث، الآمر كل من يسمع النداء أن يجيب بمثل قوله عليه الصلاة والسلام:«لقد هممت أن آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم آمر رجلاً فيحطب حطباً، ثم أُخَالف إلى أناس يدعون الصلاة مع الجماعة، فأُحَرِّق عليهم بيوتَهم، والذي نفس محمد بيده لو يعلم أحدهم أن في المسجد مرماتين حسنتين لشهدها» .

في هذا الحديث وعيد شديد جداً لمن يتخلف عن الصلاة في مسجد المسلمين دون عذر شرعي، أنه يستحق أن يُحَرَّق بالنار في الدنيا قبل الآخرة؛ ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال كما سمعتم:«لقد هممت أن آمر رجلاً فيصلي بالناس» أي: نيابة عنه: ثم هو يفعل ما يأتي، قال:«ثم أُخَالف إلى أناس يَدَعُون الصلاة مع الجماعة، فأُحَرِّق عليهم بيوتهم» ، أُخالف إلى أناس يَدَعُون الصلاة مع الجماعة أي: أُبَاغتهم وأفاجِئهم؛ لأن المفروض في هؤلاء المتخلفين أن يُجيبوا منادي الله كما قلنا، والمفروض أنهم يعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي في المسجد إماماً كما هي عادته، ولكنه هَمَّ عليه الصلاة والسلام أن يُوكِل رجلاً أن يصلي نيابةً عنه؛ ليباغت المُتَخَلِّفين عن الصلاة في المسجد، فيُحَرِّق عليهم بيوتهم.

ثم قال عليه الصلاة والسلام مُبَيِّناً البلاء الذي يصيب الكثير من الناس، وبخاصة في هذا آخر الزمان كزماننا هذا، أنهم يتخلفون عن الجماعة لأمر دنيوي مهما كان حقيراً، فقال عليه الصلاة والسلام:«والذي نفس محمد بيده لو يعلم أنه يجد في المسجد مرماتين حسنتين» ، يعني: عظمتين من أسفل قدم الشاة أو المعزاية، تُرْمى عادةً في الأرض لا قيمة لها، لو يعلم أنه يجد في المسجد فائدة دنيوية كهاتين المرماتين لشهدها أي صلاة العشاء، إلى هنا ينتهي هذا الحديث، وهو من أصح الأحاديث حيث أخرجه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحهما.

وهنا سؤال قد يَرِد في خاطر بعض الناس عادةً، ألا وهو: لماذا هَمَّ عليه الصلاة والسلام بحرق المتخلفين عن صلاة الجماعة ولم يفعل؟ قال: «لقد هممت» ، لكنه ما

ص: 202

فعل؟ ولذلك هذا الحديث يُذَكِّرنا بآية في القرآن الكريم قد يسيء فهمها بعض التالين والقارئين للقرآن الكريم، حينما يمرون بقوله تبارك وتعالى في سورة يوسف:{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف: 24]، فالهَمَّ لا يعني الفعل، وإنما هو من مقدمات الفِعل، فالعلماء يُقَسِّمون ما يخطر في بال المسلم، ثم ما ينتج من وراء ذلك من العمل إلى أقسام:

القسم الأول: الخاطرة، خاطرة تخطر في بال إنسان، سواء كان خيراً أو كان شراً، فإذا قَوِيت هذه الخاطرة وأخذت مكانها من بال الإنسان صار هَمًّا، فإذا قويت وازدادت قوة هذه الخاطرة، ووصلت إلى مرتبة الهَمّ يلي ذلك العزم، وليس بعد العزم إلا الفعل، ولذلك قال تعالى في مسألة الطلاق:{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227]، الشاهد أن العزم هو قبل الفعل ليس بعده إلا الفعل، فلما هَمَّ النبي صلى الله عليه وسلم على التحريق فهو لم يعزم، لماذا؟ فضلاً عن أنه لم يُنَفِّذ.

الجواب: أن في البيوت كما تعلمون من لا تجب عليه صلاة الجمعة أول ذلك النساء، ثم الصبيان الذين لم يدخلوا في مرتبة التكليف، [وقد] يكون أيضاً في البيوت ناس مكلفين ولكنهم من المعذورين.

ولذلك: فكان من حِكْمَة الرسول عليه السلام أن أوعد ولم يُنَفِّذ، فقد جمع بين تحقيق المصلحة والحض على حضور الجماعة، ودفع المفسدة، وهو عدم تحريق البيوت بمن فيها؛ لأنه لو فعل ذلك لأصاب الحريق من لا يستحق الحرق.

إذاً: في هذا الحديث وعيد شديد لأولئك الذين يتخلفون عن صلاة الجماعة دون عذر شرعي، وليس هناك من الأعذار ما يُمكن أن يذكر بهذه المناسبة، إلا أن يكون الرجل مريضاً، إلا أن يكون نائماً، وأن يكون نومه أيضاً مشروعاً، وهذا له بحث طويل ولا أريد الآن الخوض فيه؛ خشية أن نَخْرُج عَمَّا نحن في صدده.

فالشاهد: أن الله عز وجل قد امتن على آل هذه المحلة بهذا المسجد، وهو أقول .. وهو أقرب ما يكون إلى السنة، ولا أقول -آسفاً لا أقول- إنه على السنة، فإني أرى فيه بعض الأشياء التي ما كانت تنبغي، ولكني أقول كلمة حَقٍّ: إنه أقرب

ص: 203

ما يكون إلى السنة، بالنسبة للمساجد الأخرى التي تُبنى في هذا الزمان، وتُنْفَق في سبيل تشييدها وزَخْرَفَتِها الأموال الطائلة، في زعم أنهم يُعَظِّمون شعائر الله، والأمر ليس كذلك؛ لأن تعظيم شعائر الله عز وجل، ليس ببنيان المساجد مشيدة مزخرفة زخارف تلهي المصلين عن الإقبال في صلاتهم على رب العالمين.

لقد جاء في صحيح البخاري وصحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «لما رجعت أم سلمة وأم حبيبة من الحبشة، ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها في الحبشة، وذكرتا من حُسْنٍ وتصاوير فيها، فقال عليه الصلاة والسلام: «أولئك كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح، بنوا عليه مسجداً وصَوَّروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله تبارك وتعالى» أولئك أي: النصارى، «كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً» وزادوا إثماً على إثم أن صَوَّروا تلك التصاوير، المقصود هنا بالتصاوير هي نقوش وزخارف.

ولذلك جاء في حديث آخر في «سنن أبي داود» وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما أُمرت بتشييد المساجد» تشييد المساجد أي: رفع بنيانها، فوق الحاجة التي يحتاجها المصلون فيها.

هذا الحديث رواه أبو داود من حديث ابن عباس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما سمعتم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أُمرت بتشييد المساجد» .

قال ابن عباس بعد أن روى هذا الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، قال:«لتُزَخْرِفُنها كما زخرفت اليهود والنصارى» .

هذا القول الصادر من ابن عباس في ظاهره .. في ظاهر إسناده موقوف عليه هو من كلامه، ويمكن أن يقال فيه في التعبير العلمي الحديثي: إنه موقوف في حكم المرفوع، وإما أن يقال -وهذا لابد منه، إن لم يُقَل الأول-: إنه فهمه من مجموع الأحاديث الواردة في هذا الصدد، من ذلك حديث عائشة حينما تحدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«أولئك كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك التصاوير» ، فيمكن أن ابن عباس أخذ هذا القول من مثل هذا الحديث،

ص: 204

ومن قوله صلى الله عليه وسلم الثابت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتَتَّبِعُنَّ سنن من قبلكم شبراً بشبر، وذرعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» .

إذاً: قوله عليه السلام: «لتتبعن سنن من قبلكم» هذا معناه: يشمل كل شيء يقع اليوم وفيه تشبه باليهود والنصارى، فزخرفة المساجد قد وقعت اليوم في كثير من المساجد، وكان ذلك نبأ تنبأ به الرسول عليه السلام من قبل، ثم صدقت نبوءته عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كما قال رَبُّنا عز وجل في القرآن في حقه:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3]{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4]، قال عليه الصلاة والسلام كما ترون في هذا الزمان:«لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد» ، والآن ترون المساجد يتباهى القائمون على بنائها بطريقة هندسة بنيانها، وبطريقة طبع الزخارف المختلفة الأشكال والألوان عليها، وهذا مما يُلهي المصلين عن الإقبال على رب العالمين عز وجل.

ولذلك جاء هناك حديثان اثنان يلفتان نظر المصلين إلى أنه لا ينبغي أن يكون في مسجدهم ما يشغل بالهم، أو يُلهيهم عن الإقبال على الله عز وجل بكل وجودهم.

أحد هذين الحديثين: جاء في صحيح البخاري: «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوماً في قميص يسمى بالخميصة، قال عليه الصلاة والسلام بعد أن صلى: خذوا خميصتي هذه وأتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني وفي رواية كادت أن تُلْهِيني عن صلاتي» ، ما الذي كادت أن تلهيه عن صلاته؟ الخميصة، ما هي الخمصية؟ هي ثوب له أعلام، له خطوط أخضر أزرق أسود إلى آخره، قال:«خذوا خميصتي هذه وائتوني بأنبجانية أبي جهم» ثوب ساذج، «فإن هذه الخميصة كادت أن تلهيني عن صلاتي» .

هذا الحديث الأول الذي يُلفت نبينا صلى الله عليه وسلم أنظارنا إلى أنه لا ينبغي أن نبني مساجدنا، وأن نزخرفها زخارف تلهينا عن الإقبال على الله في صلاتنا.

الحديث الثاني: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة فاتحاً منصوراً، دخل جوف الكعبة وصلى ركعتين، فوجد في الجدار الذي صلى إليه قَرْني كبش إسماعيل عليه السلام

ص: 205

مُعَلَّقين على الجدار، فأمر عليه السلام بتخميرهما» بتغطيتهما، لماذا؟ لأنها تُلهي بال المصلي، حتى ولو كان سيد المصلين وهو رسولنا صلوات الله وسلامه عليه، فماذا نقول نحن عن أنفسنا؟ إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم المقبل على الله كليته يخشى على نفسه أن تلهيه بعض الزخارف التي تليه، فنحن بلا شك أولى ثم أولى ثم أولى أن تلهينا الزخارف التي تكون حولنا؛ لذلك: لا يجوز لمساجد المسلمين أن تكون مُشَبَّهة بكنائس النصارى وغيرهم من الكفار؛ لأن هذه البيوت يجب أن تبنى ساذجاً ليس فيها ما يُلهي.

أعود لأقول: إن هذا المسجد بالنسبة للمساجد الأخرى قد أُقيم على نسبة كبيرة من تقوى الله تبارك وتعالى، ولذلك فأرجو أن تُتَدارك النواقص التي لم تتم في بنيان المسجد مادياً، أن تُتَدارك معنوياً في هذا المسجد المبارك إن شاء الله؛ وذلك إنما يكون بإحياء السنة في صلاتنا في هذا المسجد، في كيفية صلاتنا، في كيفية إلقائنا لدروسنا، وأول ذلك مما أرى لزاماً عليّ أن يكون الدرس في هذا المسجد يُدَنْدِن دائماً إلى أن تُرَسَّخ ثمرة هذا الدرس في أذهان جوار المسجد والمصلين في المسجد، وبعد ذلك ينتقلون إلى مرحلة ثانية، ما هي المرحلة الأولى التي يجب على كل مسلم، بل وعلى كل مسلمة؟ أن يفقه هذا الدرس الأول وهو تحقيق قول الله تبارك وتعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19].

نعلم جميعاً أن الإسلام قام على خمس، أول هذه الأركان: هي شهادة أن لا إله إلا الله، هذه الشهادة قَلَّ -مع الأسف- من المسلمين من يعرف معناها، ثم إذا وُجِد من عرف معناها .. لو وُجِد من بعض المسلمين أنهم فهموا المعنى الصحيح لهذه الكلمة الطيبة: لا إله إلا الله، فقليل منهم من يُحَقِّقها عملياً.

إن هذه الشهادة تعني باختصار: لا معبود بحق في الوجود إلا الله تبارك وتعالى، لا معبود بحق في الوجود إلا الله تبارك وتعالى، ومعنى ذلك أن المُوَحِّد حقاً يجب أن يُوَجِّه عبادته لله وحده لا شريك له، وهذا موضوع واسع وواسع جداً، لابد أن بعض إخوانا في هذا المسجد إما أن يكونوا شرعوا ومضوا قُدُماً في بيان هذه

ص: 206

الكلمة الطيبة، وفي المقدمة إمام المسجد أخونا أبو أنس بارك الله فيه وفي قراءته وفي علمه، فهذا موجز معنى هذه الكلمة، أما الشرح فسيكون إن شاء الله في دروس ثانية كما أشرنا آنفاً.

لا معبود بحق في الوجود إلا الله، لا معبود: ما هي العبادة؟ هي العبادة التي شرعها الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن فرضنا أن مسلماً شهد هذه الشهادة، لكنه توجه بشيء من هذه العبادة إلى غير الله عز وجل، يكون قد أشرك مع الله غيرَه ولم يَعْبُده وحده.

إذاً: يجب أن تكون هذه العبادة خالصة لله، كما قال:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5].

لكن هناك شيء ثان، أريد أن أُدَنْدِن حوله شيئاً بأوسع مما سبق، أن هذه العبادة، قلنا: إذا وُجِّهت إلى غير الله، فهذا قد أشرك مع الله غيره، وهذا أمر واضح، لكن متى يكون المُوَحِّد القائل لا إله إلا الله، والمؤمن بهذا المعنى الصحيح: لا معبود في الوجود إلا الله، متى يكون عابداً لله؟ حينما يكون طائعاً لرسول الله في كيفية أدائه لعبادته لله.

ولذلك فنحن نقول في هذه الشهادة: لا إله إلا الله وتمامها محمداً رسول الله، حقيقتان عظيمتان جداً جداً، لا يكون المرء مسلماً حقاً إلا إذا حقق معنى هاتين الشهادتين، أما الأولى فكما ذكرنا أن يُخْلِص في عبادته لله لا يشرك معه أحداً، الثانية: أن يعبد الله كما شرع الله على لسان رسول الله.

وحينئذٍ يكون قد آمن حقاً حينما يقول: محمد رسول الله، أما إذا اتَّبع غير رسول الله، فكما أن المسلم الذي يعبد غير الله يكون قد أشرك مع الله في عبادته، فذلك المسلم إذا عبد الله على غير سنة رسول الله، وعلى غير ما شرع الله على منهج سنة رسول الله، فيكون قد أشرك مع رسول الله غيره في رسالته، ولذلك فهنا توحيدان -إذا صح التعبير- توحيد الله في عبادته، وتوحيد الرسول في اتباعه:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران: 31]، اتبعوني أنا فقط.

ص: 207

ولذلك فلا يجوز للمسلم أن يتخذ له متبوعاً غير رسول الله، كما لا يجوز له بداهة، أن يتخذ له معبوداً غير الله؛ لذلك فإن هناك حكمة بالغة في الجمع بين الشهادتين كركن أول من الأركان الخمسة: أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ولذلك جاء في الحديث المتفق عليه -والمعلوم لديكم جميعاً- قوله صلى الله عليه وسلم:«أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم عند الله تبارك وتعالى» ، حَقُّ هذه الشهادة هو العمل بها على مقتضى ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا كانت هذه حقيقة لا يمكن أن يماري وأن يجادل فيها مسلم، هذه حقيقة تتلخص، أعيد الكلام ليرسخ في الأذهان، هي أن نعبد الله وحده لا شريك له، وأن نتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نتبع معه غيره.

هنا قد يرد سؤال: فما هو موقف المسلم بالنسبة لعلماء المسلمين، وبخاصة من كان منهم مشهوراً بالعلم والصلاح والتقوى، وهم لا أقول الأئمة الأربعة، فإن من فضل الله تبارك وتعالى أن مَنّ على المسلمين على مر الزمان والقرون بمئات بل وبألوف علماء المسلمين.

فما موقف المسلم في هذا الزمان الذي يدعو الناس إلى أن يُوَحِّدوا رسول الله في اتباعه، ما موقف هذا المسلم بالنسبة لعلماء المسلمين؟

نقول: الموقف وجوب اتّباعهم، ماداموا متمسكين ودالين لنا على سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وهنا أُلفت النظر إلى آية في القرآن يجب أن يكون معناها ماثل في الأذهان، ألا وهي قوله تبارك وتعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].

هذه الآية تجعل الناس عامة المسلمين قسمين: عالم وغير عالم، وعلى كُلٍّ من القسمين أوجب عليه حكماً يليق به، القسم الأكبر هم الذين لا يعلمون، فخاطبهم بقوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].

هذا هو القسم الأكبر من المسلمين أنهم ليسوا بعلماء، فواجبهم أن يسألوا أهل الذكر، وواجب أهل العلم أنهم إذا سُئلوا أن يجيبوا، وهذا قد أخذ منهم العهد في

ص: 208

القرآن الكريم أن يُبَلِّغوا العلم إلى الناس وألَّا يكتموه، وجاءت السنة تُؤكِّد ذلك تمام التأكيد، من ذلك الحديث المشهور:«من سُئِل عن علم فكتمه، أُلْجِم يوم القيامة بلجام من نار» .

فإذاً: عامة المسلمين واجبهم أن يَسْعَوا لهذا العلم، فإذاً هؤلاء لا غنى لهم إلا أن يرجعوا عند الحاجة وعند الملمات إلى العلماء؛ لأن الله عز وجل أمرهم بذلك:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].

ولكن أهل العلم ليسوا في المنزلة عندنا كمنزلة نبينا صلى الله عليه وسلم، المعصوم والمبلغ عن الله والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ لأنه معصوم، أما العلماء فليسوا كذلك، إنما هم مُبَلِّغون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد يصيب أحدهم وقد يخطئ ولا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، خلافاً لبعض الفرق التي تَدَّعي العصمة لأهل البيت، فهذا من الانحراف عن الكتاب والسنة، فلا عصمة لأحد بعد رسول الله لا لعلي ولا لأبي بكر ولا لغيرهم من الصحابة الأجلاء، فضلاً عن العلماء الذين جاؤوا من بعدهم.

وإلى هذه الحقيقة أشار النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث الصحيح، قال:«إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد» .

إذاً: العالم يخطئ ويصيب، أما نبينا فلا يخطئ في الشرع مطلقاً، بل هو معصوم كما ذكرنا آنفاً.

من هنا يجب أن نجعل تَعَصُّبنا في ديننا فقط لرجل واحد ألا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نتعصب لعالم من علماء المسلمين، وإنما نستعين بهم ونسترشد بهم، ليدلونا على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا شيء، وشيء ثانٍ: قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بحقيقة نلمسها الآن في هذا الزمان لمس اليد كما يقال؛ ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً فطوبى للغرباء» ، «إن الإسلام بدأ غريباً -أي: كما بدأ- وسيعود غريباً فطوبى للغرباء».

هذا الحديث هكذا في صحيح مسلم، ثم جاء في بعض الروايات الأخرى

ص: 209

الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم تفسير هؤلاء الغرباء.

والتفسير جاء على نوعين: أحدهما: لما قيل له: «من هم الغرباء يا رسول الله؟ قال: هم ناس قليلون صالحون بين ناس كثيرين، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم» ، وهذه الحقيقة لا يشترك في معرفتها خاصة الناس وهم العلماء، بل بعض العلماء، وإنما كل المتدينين يلمسون هذه الحقيقة؛ وذلك يتضح من السؤال التالي: هل أكثر المسلمين اليوم يطيعون الله في أحكام دينهم، أم يعصونه؟ يعصونه، الأكثرون هم المخالفون.

فإذًا: صدق هذا الحديث: «الغرباء: هم ناس قليلون صالحون، بين ناس كثيرين من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم» ، الذين لا يصلون أكثر من الذين يصلون، الذين لا يتقون الله في أنفسهم وفي ذويهم ونسائهم وبناتهم وأولادهم أكثر من الذين يتقون وهكذا.

لكن هناك شيء آخر الغرباء ناس قليلون صالحون بين ناس كثيرين، من يعصيهم أكثر ممن يُطيعهم، المعصية قسمان: قسم الأمر معروف فيه باتفاق المسلمين كالأمثلة السابقة كالصلاة مثلاً، تبرج النساء، فهذا فرض وذاك محرم كل هذه الأحكام متفق عليها بين المسلمين، مع ذلك فأكثر الناس لها تاركون ومخالفون.

لكن هناك أحكام أخرى، يختلف فيها علماء المسلمين أنفسهم، يخرج مثلاً خلافهم في البدع الحسنة والبدع السيئة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صَرَّح في أكثر من حديث واحد فقال:«وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» ، وقال في الحديث الآخر:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد» مع هذه الأحاديث وغيرها تسمعون اليوم بعض من يُنْسَب إلى العلم يقول: هناك بدع حسنة، فهنا خلاف بين طائفتين من خاصة المسلمين وهم العلماء، فطائفة تقول بقول الرسول:«كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» ، وطائفة تقول: لا، هذا الحديث ليس على عمومه، وإنما هناك بدعة حسنة، وأيضاً هذا يحتاج إلى درس خاص ولا أستطيع الخوض فيه الآن، وإنما التذكير بمعنى هذا

ص: 210

الحديث؛ حديث الغربة فيه روايتان، نحن الآن في صدد الرواية الأولى:«الغرباء: هم ناس قليلون صالحون بين ناس كثيرين، من يعصيهم أكثر ممن يُطيعهم» ، الحديث الثاني سَيُجَلِّي لنا معنى ثانٍ في الحديث الأول لا يتنبه له كثير من الناس، لما قيل له عليه السلام:«من هم الغرباء؟ قال: هم الذين يُصلحون ما أفسد الناس من سُنَّتي من بعدي» .

إذاً: هنا غربتان: غربة الصالحين بين الجمهور الطالحين، وغربة ثانية: غربة الصالحين في الصالحين؛ لأن الصالحين هنا قسمان: صالحين اتجهوا إلى عبادة الله قسم منهم على سنة رسول الله، وقسم منهم خرجوا عن سنة رسول الله، من حيث لا يشعرون أو يشعرون، حسابهم عند الله تبارك وتعالى.

فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبر عن واقعنا في هذا الزمان، قال:«الغرباء: هم الذين يُصْلِحون ما أفسد الناس من سنتي من بعدي» .

والآن أختم هذه الكلمة بمثال، لعل غيرَنا من إخواننا الحاضرين يشاركوننا في بيان ما يحكيه إن شاء الله أضرب لكم مثالاً واحداً، يبين لكم الخلاف الآن بين من يَدْعُون إلى إحياء السنة وإماتة البدعة، وبين الذين يناصرون البدعة على حساب إماتة السنة، لا نذهب بكم بعيداً، عندكم الآن الأذان، فهل الأذان في كل البلاد الإسلامية إلا البعض القليل منها، هل هو على السنة؟ الجواب: لا؛ لأن الأذان في كثير من البلاد له مقدمة وله مؤخرة، في بلاد أخرى وهذا الأكثر لابد لها من مؤخرة، والأذان كما نعلم جميعاً في السنة يبدأ: بالله أكبر .. الله أكبر، وينتهي: لا إله إلا الله

هذا هو أذان بلال، وأذان ابن أم مكتوم وأذان أبي محذورة

هؤلاء من أشهر مؤذني الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يُؤَذِّنون في زمانه، لا يُقَدِّمون شيئاً ولا يُعَقِّبون على الأذان شيئاً آخر، هذا هو السنة بالاتفاق.

لكن الذين يناصرون البدعة، يقولون: هذه البدعة حسنة، أي: زيادة على الأذان سواء كان من قبل أو من بعد، وهذا أمر كتب فيه رسائل بين أنصار السنة وأنصار البدعة، ولا أُريد أيضاً أن أقف هنا كثيراً؛ لأني أعتقد أن الحاضرين إن شاء

ص: 211

الله جميعاً يعلمون هذه الحقيقة، أن السنة في الأذان هو فقط كما قلنا: الله أكبر .. الله أكبر ..

لا إله إلا الله، لكن أريد أن أُذَكِّر الآن ببدعة اختص مع الأسف بلدكم هذا دون بلاد الإسلام كلها، وهو ما يسمونه بالأذان المُوَحَّد، الأذان الموحد ينافي التوحيد؛ لأن التوحيد كما قلنا بَيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد جعل في كل مسجد أذاناً وفي كل محلة مسجداً، وأنتم تعلمون أن المسجد الجامع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة إنما كان مسجده صلى الله عليه وسلم، وهناك كان يجتمع المسلمون من كل المساجد التي كانت حول المدينة في العوالي ونحوها، أما مسجده عليه السلام فقد كان مسجداً جامعاً، أي: تصلى فيه صلاة الجمعة، دون المساجد الأخرى التي كانت حوال العوالي، والتي من تلك المساجد مسجد معاذ بن جبل رضي الله عنه، الذي جاء حديثه في صحيح البخاري، أنه كان يصلي صلاة العشاء الآخرة وراء النبي صلى الله عليه وسلم يكسب فضيلتين اثنتين؛ فضيلة الصلاة في المسجد النبوي أولاً، التي هي بألف صلاة مما سواه من المساجد؛ مساجد العوالي مثلاً، وفضيلة الصلاة خلف النبي نفسه صلى الله عليه وسلم، فكان يصلي صلاة العشاء الآخرة خلفه، ثم يأتي إلى مسجد قومه فيؤمهم، يصلي بهم إماماً صلاة العشاء، هي له نافلة؛ لأن الفريضة كان قد أَدَّاها خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وهي له نافلة، لم يكن هناك أذان مُوَحَّد، وإن كان قد يقال هنا: إن الوسيلة لم تكن متيسّرة كما هو مُتَيَسِّر اليوم بإذاعة الأذان من مكان واحد إلى سائر أقطار الدنيا، كما تفعل الإذاعات العالمية اليوم، لكننا نقول: لا مانع من إذاعة الأذان بأوسع دائرة ممكنة، بمثل هذه الوسائل التي خلقها الله عز وجل، ويَسَّرها الله لعباده، ولكن في حدود التزام السنة.

إذا كان من السنة لكل مسجد أذان وإقامة، فلا يجوز توحيد الأذان في البلد الواحد وفي مساجد كثيرة، لاسيما أن بلدنا هذا يختلف عن كثير من البلاد الأخرى، حيث فيه الهضاب وفيه الجبال وفيه الوديان، وربما يكون هناك بعض السهول، فالأوقات الشرعية للصلوات الخمس تختلف من الجبل إلى الهضبة إلى السهل إلى الوادي، فلا يجوز توحيد الأذان والحالة هذه.

ولذلك: تقع هنا مشاكل ومخالفة للشرع والأحكام الشرعية، مخالفة جذرية،

ص: 212