الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. أخرجه مسلم وفيه أن النساء كن يحضرن الجماعة في المسجد».
[الثمر المستطاب (2/ 728)].
من مباحات المساجد دخول الحائض والجنب لا سيما لحاجة
ذكر الإمام من مباحات المساجد:
دخول الحائض لا سيما لحاجة لحديث عائشة رضي الله عنه قالت: قال لي رسول الله:
«ناوليني الخمرة من المسجد» فقلت: إني حائض فقال:
«إن حيضتك ليست في يدك» [فناولتها إياه]».
الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه والدارمي والطيالسي وأحمد من طريق الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد عنها. والزيادة للطيالسي وليس عنده: «من المسجد»
وقد تابعه عبد الملك بن حميد بن أبي غنية عن ثابت بن عبيد به.
أخرجه أحمد.
وهذه متابعة قوية عبد الملك هذا ثقة احتج به الستة. وقد أخرجه مسلم عنه وعن حجاج معا عن ثابت، وله طريق أخرى:
أخرجه ابن ماجه عن أبي الأحوص والطيالسي عن سلام كلاهما عن أبي إسحاق عن عبد الله البهي عنها به.
وهذا إسناد صحيح.
وخالفهما إسرائيل فقال: عن أبي إسحاق عن البهي عن عبد الله بن عمر عنها.
أخرجه أحمد.
وكذلك رواه شريك عن أبي إسحاق.
رواه أحمد أيضا.
وخالفهم جميعا زهير فقال: عن أبي إسحاق عن البهي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة. . . الحديث.
أخرجه أحمد.
فجعله من مسند ابن عمر لا من روايته عن عائشة وأغلب الظن أن هذا الاختلاف إنما هو من أبي إسحاق نفسه لا من الرواة عنهم فإنه كان قد اختلط في آخر عمره.
ويترجح عندي أن الصواب رواية من قال عنه عن البهي عنها. فقد تابعه إسماعيل السدي أخرجه الدارمي وأحمد والعباس بن ذريح عند أحمد كلاهما عن البهي عنها به.
وفي رواية السدي: أنه عليه الصلاة والسلام كان في المسجد حين قال ذلك. لكن السدي هذا - وهو الكبير إسماعيل بن عبد الرحمن - وإن كان ثقة ففيه كلام وفي «التقريب» :
«صدوق يهم» .
فمثله إذا تفرد بزيادة دون جميع الرواة لا تطمئن النفس لثبوتها. أقول هذا وإن كانت هذه الزيادة قد صحت عن صحابي آخر وهو أبو هريرة كما يأتي إلا أنه يحتمل أن تكون هذه قصة أخرى بل هذا هو الأقرب إلى ظاهر الرواية ولفظها:
عن أبي هريرة قال:
بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال:
«يا عائشة ناوليني الثوب» فقالت: إني حائض فقال:
«إن حيضتك ليست في يدك» . فناولته
أخرجه مسلم والنسائي وأحمد عن يحيى بن سعيد عن يزيد ابن كيسان عن أبي حازم عنه.
ويدلك أن الواقعة متعددة أن المطلوب في هذه هو: «الثوب» وفي تلك: «الخمرة» - وهي حصير أو نسيج خوص ونحوه من النباتات كما سبق - والقول بأنها واقعة واحدة يحتاج إلى كثير من التكلف كما بينه السندي في حاشيته على مسلم:
أولا أن المطلوب في الأصل هو الخمرة والثوب معا لكن بعض الرواة اقتصر على ذكر أحدهما أو نسي. وهذا فيه توهيم الراوي ونسبته إلى القصور بدون أي دليل ولا يخفى ما فيه.
ثانيا: أن قوله: «من المسجد» ليس من صلب الحديث ولا من كلامه عليه الصلاة والسلام وإنما هو من قول عائشة فهو متعلق بقولها: قال. أفاده النووي في «شرح مسلم» نقلا عن القاضي. فأصل الحديث عندهم هكذا: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد: «ناوليني الخمرة» وهذا خلاف ظاهر الحديث ويبعد جدا أن يكون أصل الحديث ما ذكروا ثم يتفق جميع الرواة على روايته بصورة لا يتبادر إلى الذهن إلا أن قوله: «من المسجد» هو من قوله عليه الصلاة والسلام وأنه متعلق
بقوله: «من المسجد» هو من قوله عليه الصلاة والسلام وأنه متعلق «ناوليني» يؤيد ما ذكرنا أن أصحاب السنن الأربعة إلا النسائي ترجموا للحديث بما يدل عليه ظاهره فقالوا:
«باب الحائض تتناول الشيء من المسجد» . وقال الترمذي:
«حديث عائشة حسن صحيح وهو قول عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك: بأن لا بأس أن تتناول الحائض شيئا من المسجد» . وقال الخطاب في «المعالم» :
وكلامه هذا يشير إلى أنه فهم من الحديث أن عائشة إنما أدخلت يدها فقط إلى المسجد ولذلك استنبط منه ما ذكر من الحلف، وهو فهم خفي وتقييد للحديث بما ليس فيه مما يدل عليه، ولعل الخطابي ممن يرون أن ليس للحائض الدخول إلى المسجد لدليل قام عنده بذلك فقيد الحديث به. وهذا كان سائغا لو أن الدليل صح بذلك ولكنه لم يصح كما سيأتي فينبغي إبقاء الحديث على إطلاقه.
وقد جاء ما يؤيد الإطلاق والعموم فقال الإمام: ثنا سفيان عن منبوذ عن أمه قالت:
كنت عند ميمونة فأتاها ابن عباس فقالت: يا بني ما لك شعثا رأسك؟ قال: أم عمار مرجلتي حائض. قالت: أي بني وأين الحيضة من اليد؟ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أحدانا وهي حائض فيضع رأسه في حجرها فيقرأ القرآن وهي حائض ثم تقوم إحدنا بخمرتها فتضعها في المسجد. أي بنى وأين الحيضة من اليد؟
وأخرجه النسائي عن محمد بن منصور عن سفيان به مختصرا بلفظ:
«فتبسطها وهي حائض» . قال الشوكاني:
وللحديث شواهد.
قلت: لكن أم منبوذ قال في «التقريب» :
«مقبولة» .
وكذلك قال في ابنها أنه:
«مقبول» .
فالإسناد حسن في الشواهد.
ثم قال الشوكاني:
«فهو حجة لمن قال بجواز دخول الحائض المسجد للحاجة ومؤيد لتعليق الجار والمجرور في الحديث الأول بقوله: «ناوليني» لأن دخولها المسجد لوضع الخمرة فيه لا فرق بينه وبين دخولها لإخراجها». [ثم ساق الإمام بعض شواهده ثم قال]:
وأما الحديث الذي أخرجه أبو داود من طريق الأفلت بن خليفة قال: حدثتني جسرة بنت دجاجة قالت: سمعت عائشة رضي الله عنه تقول:
جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: «وجهوا هذه البيوت عن المسجد» ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن ينزل فيهم رخصة فخرج إليهم بعد فقال:
«وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» .
فهو حديث مختلف فيه ولا يصح. [ثم بين الإمام ضعفه ثم قال]:
فتبين مما تقدم أنه لا يثبت أي حديث في تحريم دخول الحائض وكذا الجنب إلى المسجد، والأصل الجواز، فلا ينقل عنه إلا بناقل صحيح تقوم به الحجة لا سيما وقد صح ما يؤيد هذا الأصل وهو قوله عليه الصلاة والسلام المذكور في الاصل:«ناوليني الخمرة من المسجد» وغيره مما يأتي:
قال ابن حزم: «وجائز للحائض والنفساء أن يتزوجا وأن يدخلا المسجد وكذلك الجنب لأنه لم يأتي نهي عن شيء من ذلك وقد قال صلى الله عليه وسلم: «المؤمن لا ينجس» وقد كان أهل الصفة يبيتون في المسجد بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم جماعة كثيرة ولا شك في أن فيهم من يحتلم فما نهوا قط عن ذلك.
وقال قوم: لا يدخل المسجد الجنب والحائض إلا مجتازين. هذا قول الشافعي وذكروا قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُوا} [النساء / 43] فادعوا أن زيد بن أسلم أو غيره قال: معناه: لا تقربوا مواضع الصلاة.
قال ابن حزم: ولا حجة في قول زيد ولو صح أنه قاله لكان خطأ منه لأنه لا يجوز أن يظن أن الله تعالى أراد أن يقول: لا تقربوا مواضع الصلاة. فيلبس علينا قوله فيقول: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} وروي أن الآية في الصلاة نفسها عن علي بن أبي طالب وابن عباس وجماعة.
وقال مالك: لا يمر فيه أصلا.
وقال أبو حنيفة وسفيان: لا يمرا فيه فإن اضطرا إلى ذلك تيمما ثم مرا فيه واحتج من منع ذلك بحديث
…
».
قلت: فساق حديث عائشة وأم سلمة والمطلب بن عبد الله المتقدم آنفا وقال:
ثم بين عللها بنحو ما سبق ثم ما روى من طريق البخاري بسنده عن عائشة أم المؤمنين:
أن وليدة سوداء كانت لحي من العرب فأعتقوها فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت فكان لها خباء في المسجد أو حفش. قال ابن حزم: «فهذه امرأة ساكنة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمعهود من النساء الحيض فما منعها عليه الصلاة والسلام من ذلك ولا نهى عنه وكل ما لم ينه عليه الصلاة والسلام عنه فمباح» . قال:
وفي «تفسير القرطبي» :
«ورخصت طائفة في دخول الجنب المسجد واحتج بعضهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن ليس بنجس» قال ابن المنذر: وبه نقول».
قلت: وتوسط بعضهم فقال بجواز الدخول إذا توضأ ففي «تفسير العماد ابن كثير» :
«وذهب الإمام أحمد إلى أنه متى توضأ الجنب جاز له المكث في المسجد لما روى هو وسعيد بن منصور في «سننه» بسند صحيح: أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك. قال سعيد بن منصور: ثنا عبد العزيز بن محمد - هو الدراوردي - عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: رأيت رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤوا وضوء الصلاة. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. والله أعلم».
قلت: ورواه الدارمي من حديث جابر بلفظ:
«كنا نمشي في المسجد ونحن جنب لا نرى بذلك بأسا» .
أخرجه من طريق ابن أبي ليلى عن أبي الزبير عنه.
ورجاله ثقات. لكن ابن أبي ليلى سيء الحفظ.
وأبو الزبير مدلس وقد عنعنه.
وقد رواه عنه هشيم أيضا بنحوه.
أخرجه البيهقي.
ولعل الوضوء مستحب لعمل الصحابة. والله أعلم.