الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من مباحات المساجد إدخال المشرك لحاجة إلا المسجد الحرام فيستثنى من هذا الحكم
ذكر الإمام من مباحات المساجد: «إدخال المشرك لحاجة» وفيه أحاديث:
«أ» قال أبو هريرة:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال [سيد أهل اليمامة] فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال [له]: «ماذا عندك يا ثمامة؟ » فقال: عندي يا محمد خير: إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل [تعط] منه ما شئت. فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان الغد فقال: «ما عندك يا ثمامة؟ » قال: ما قلت لك: إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل [تعط] منه ما شئت. فتركه [رسول الله] حتى كان من «وفي لفظ: «بعد» .
الغد فقال: «ما عندك يا ثمامة؟ » فقال: عندي ما قلت لك [إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت] فقال [رسول الله صلى الله عليه وسلم]: «أطلقوا ثمامة» . فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله «وفي لفظ يارسول الله» يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه [كلها] إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين [كله] إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد [كلها] إلي، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل: أصبوت؟ فقال: لا ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم».
الحديث أخرجه البخاري ومسلم - والسياق له -.
«ب» قال جبير بن مطعم:
أتيت المدينة في فداء بدر «وفي رواية: فداء المشركين» قال: وهو يومئذ مشرك قال: فدخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة المغرب فقرأ فيها بـ {وَالطُّور} فلما بلغ هذه الآية: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُون * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لَاّ يُوقِنُون* أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُون * أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِين} [الطور / 38][كاد قلبي أن يطير]«وفي الرواية الأولى: فكأنما صدع قلبي لقراءة القرآن» . [صحيح].
والآية دليل على تحريم دخول الكفار والمشركين إلى المسجد الحرام وهذا اللفظ يدل على جميع الحرم وهو مذهب عطاء بن أبي رباح قال: «الحرم كله قبلة ومسجد فينبغي أن يمنعوا من دخول الحرم لقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وإنما رفع من بيت أم هانئ» .
ذكره القرطبي ثم قال:
«فإذا يحرم تمكين المشرك من دخول الحرم أجمع فإذا جاءنا رسول منهم خرج الإمام إلى الحل ليسمع ما يقول» .
قلت: وتخصيص المسجد الحرام بالذكر في الآية الكريمة يدل على أن غيره من المساجد ليس في حكمه فيجوز دخول المشركين إليها ويؤيد ذلك الأحاديث المتقدمة. وإلى هذا ذهب ابن حزم في «المحلى» فقال:
«ودخول المشركين في جميع المساجد جائز حاشا حرم مكة كله المسجد وغيره فلا يحل البتة أن يدخله كافر. وهو قول الشافعي وأبي سليمان وقال أبو حنيفة: لا
بأس أن يدخله اليهودي والنصراني ومنع منه سائر الأديان.
وكره مالك دخول أحد من الكفار في شيء من المساجد قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ
…
} الآية قال ابن حزم: فخص الله المسجد الحرام فلا يجوز تعتديه إلى غيره بغير نص».
قلت: واحتج أتباع مالك لمذهبه بالتعليل المذكور في الآية فأجروه في سائر المساجد فقال القرطبي:
«قال الشافعي رحمه الله: الآية عامة في سائر المشركين خاصة في المسجد الحرام ولا يمنعون من دخول غيره فأباح دخول اليهود والنصارى في سائر المساجد» . قال ابن العربي:
«وهذا جمود منه على الظاهر لأن قوله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة / 28] تنبيه على العلة بالشرك والنجاسة» . قال صديق خان في «نيل المرام» :
قلت: أما ربط ثمامة فقد أجاب عنه ابن العربي نفسه بأنه كان قبل نزول الآية وبمثل هذا أجاب عنه ابن العربي نفسه كان قبل نزول الآية وبمثل هذا أجاب عن دخول أبي سفيان المسجد كما سبق.
وأما نزول وفد ثقيف فيه فلو صح إسناده لكان حجة عليهم لا جواب لهم عنه لأنه كان بعد نزول الآية كما سبق ذكره عن أبي بكر الجصاص.
قلت: وقد اختلف النقل عن أبي حنيفة في هذه المسألة فابن حزم نقل عنه - كما سبق - جواز دخول اليهودي والنصراني فقط إلى المسجد الحرام وغيره من المساجد وهو موافق لما حكاه الجصاص في «الأحكام» والعيني في «العمدة» عن أبي حنيفة. قال العيني:
«واحتج بما رواه أحمد في «مسنده» بسند جيد عن جابر رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل مسجدنا هذا بعد عامنا هذا مشرك إلا أهل العهد وخدمهم» .».
وغير هؤلاء نسبوا إلى أبي حنيفة القول بجواز دخول المشرك أيضا ففي «فتح الباري» : «وفي دخول المشرك المسجد مذاهب فعن الحنفية الجواز مطلقا وعن المالكية والمزني المنع مطلقا وعن الشافعية التفصيل بين المسجد الحرام وغيره للآية وقيل: يؤذن للكتابي خاصة وحديث الباب يرد عليه فإن ثمامة ليس من أهل الكتاب» .
ويؤيد هذا النقل ما في «فيض الباري» : «وأما الحنفية فإنهم قالوا: إن المشرك ليس بنجس وله أن يدخل المسجد الحرام وغيره كما في «الجامع الصغير» فأشكلت عليهم الآية. قلت: وفي «السير الكبير» أنه لا يدخل المسجد الحرام عندنا أيضا كما هو ظاهر النص واختاره في «الدر المختار» لأنه آخر تصانيف محمد رضي الله عنه».
ثم صرح الشيخ الكشميري صاحب «الفيض» باختياره وعلل ذلك بقوله فيما سبق من الكتاب:
«فإنه أوفق بالقرآن وأقرب إلى الأئمة» .
وأما حديث جابر الذي احتج به أبو حنيفة فلا يصح. [ثم بين الإمام علته ثم قال]: «لطيفة» : قال ابن العربي: «ولقد كنت أرى بدمشق عجبا: كان لجامعها بابان: باب شرقي وهو باب جيرون وباب غربي وكان الناس يجعلونه طريقا يمشون عليها نهارهم كله في حوائجهم، وكان الذمي إذا اراد المرور وقف على الباب حتى يمر به مسلم مجتاز فيقول له الذمي: يا مسلم اتأذن لي أن أمر معك؟ فيقول: نعم فيدخل معه وعليه الغيار - علامة أهل الذمة - فإذا رآه القيم صاح به: ارجع ارجع فيقول له المسلم: أنا أذنت له. فيتركه القيم» .
هذا ولابن حزم في هذا المقام بحث قيم في تحقيق أن لفظ «المشركين» في الآية السابقة يشمل اليهود والنصارى خلافا لأبي حنيفة رحمه الله فلا بد من نقله لما فيه
من الفوائد ودفع بعض الشبهات حول بعض الآيات مما قد لا يوجد في كتاب آخر فقال رحمه الله: «وأما قول أبي حنيفة فإنه قال: إن الله تعالى قد فرق بين المشركين وبين سائر الكفار فقال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ} [البينة / 1] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ} [الحج / 17] قال: والمشرك هو من جعل لله شريكا لا من لم يجعل له شريكا.
قال ابن حزم: لا حجة له غير ما ذكرنا.
فأما تعلقه بالآيتين فلا حجة له فيهما لأن الله تعالى قال: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّان} [الرحمن / 68] والرمان من الفاكهة وقال تعالى: {مَن كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة / 98] وهما من الملائكة وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب / 7] وهؤلاء من النبيين.
إلا أنه كان يكون ما احتج به أبو حنيفة حجة إن لم يأت برهان بأن اليهود والنصارى والمجوس والصابئين مشركون لأنه لا يحمل شيء معطوف على شيء إلا أنه غيره حتى يأتي برهان بأنه هو أو بعضه. فنقول وبالله التوفيق:
أن أول مخالف لنص الآيتين أبو حنيفة لأن المجوس عنده مشركون وقد فرق الله تعالى في الذكر بين المجوس وبين المشركين فبطل تعلقه بعطف الله تعالى إحدى الطائفتين على الأخرى.
ثم وجدنا الله تعالى قد قال: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء / 48] فلو كان ههنا كفر ليس شركا لكان مغفورا لمن شاء الله تعالى بخلاف الشرك وهذا لا يقوله مسلم.
ثم روى ابن حزم من طريق مسلم بإسناده إلى ابن مسعود قال: قال رجل: يا رسول الله أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: أن تدعو لله ندا وهو خلقك. قال: ثم
أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك.
ومن طريقه أيضا بسنده عن أبي بكرة قال:
كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثا الإشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور أو قول الزور» .
وعنه أيضا عن أبي هريرة مرفوعا:
«اجتنبوا السبع الموبقات» . قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: «الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» .
قال علي بن حزم: فلو كان ههنا كفر ليس شركا لكان ذلك الكفر خارجا عن الكبائر ولكان عقوق الوالدين وشهادة الزور أعظم منه وهذا لا يقوله مسلم فصح أن كل كفر شرك وكل شرك كفر وأنهما اسمان شرعيان أوقعهما الله تعالى على معنى واحد.
وأما حجته بأن المشرك هو من جعل لله شريكا فقط فهي منتقضة عليه من وجهين:
أحدهما: أن النصارى يجعلون لله شريكا يخلق كخلقه وهو يقول: إنهم ليسوا مشركين. وهذا تناقض ظاهر.
والثاني: أن البراهمة والقائلين بأن العالم لم يزل وأن له خالقا واحدا لم يزل والقائلين بنبوة علي بن أبي طالب والمغيرة وبزيغ - كلهم لا يجعلون لله تعالى شريكا وهم عند أبي حنيفة مشركون. وهو تناقض ظاهر.
ووجه ثالث: وهو أنه لم يكن المشرك إلا ما وقع عليه اسم التشريك في اللغة - وهو من جعل الله تعالى شريكا فقط - لوجب أن لا يكون الكفر إلا من كفر بالله تعالى وأنكره جملة لا من أقر به ولم يجحده فيلزم من هذا أن لا يكون الكفار إلا الدهرية فقط وأن لا يكون اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا البراهمة كفارا لأنهم كلهم مقرون بالله تعالى، وهو لا يقول بهذا ولا مسلم على ظهر الأرض، أو كان يجب أن يكون كل من غطى شيئا كافرا فإن الكفر في اللغة: التغطية. فإذ كل
هذا باطل فقد صح أنهما اسمان نقلهما الله تعالى عن موضوعهما في اللغة على كل من أنكر شيئا من دين الإسلام يكون بإنكاره معاندا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بلوغ النذارة إليه. وبالله تعالى التوفيق».
قلت: والإلزام المذكور في الوجه الثالث لم يتبين لي صوابه لأن من يقول بأن الشرك غير الكفر يجعله أخص منه، ومن المعلوم أن الأخص يدخل في الأعم كدخول النصارى واليهود في المشركين عند ابن حزم في الآية السابقة وعند غيره من سلف الصحابة والتابعين في قوله تعالى:{وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة / 221] الآية.
فكل من أشرك فقد كفر اتفاقا فالإلزام غير وارد غير أن ابن حزم يقول العكس أيضا وهو أن كل من كفر بشيء من المكفرات فقد أشرك والأدلة التي ساقها تؤيد ذلك ولا أعلم ما يباين ذلك من الكتاب والسنة بل إن ظاهر قوله تعالى في سورة الكهف: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} [الكهف / 32] إلى قوله تعالى: {فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً * لَّكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} الآيات [الكهف / 34 - 38] إلى قوله تعالى: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} [الكهف / 42]