الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وختاماً أقول مُذَكِّراً لكل مسلم يريد أن يتقرب إلى الله تبارك وتعالى: عليه قبل أن يأتي بعمل يريد أن يتقرب به إلى الله، أن يعرف أولاً: هل هو على السنة؟ وثانياً: أن يخلص فيه لله عز وجل، لا يريد من وراء ذلك جزاءً ولا شكوراً، وإلا صدق عليهم قول ربنا تبارك وتعالى:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 103 - 104].
هذا ما تيسر لي إلقاؤه بهذه المناسبة، وخلاصة ذلك والبحث طويل وطويل جداً، ولا بد أن هناك أشرطة يمكن أن تعتبر من المُتَمِّم لمثل هذا الكلام.
ذلك أن موضوع التصفية والتربية كما قال بعض إخواننا: يتطلب تأليف رسالة، بل أنا أقول كتاباً يُوَضِّح هذا الموضوع، وعسى أن يوفق للقيام به بعض من يسر الله له العلم النافع إن شاء الله تبارك وتعالى، وبهذا القدر كفاية، والحمد لله رب العالمين.
(الهدى والنور / 796/ 15: 03: 00)
(الهدى والنور / 796/ 38: 38: 00)
حكم الخط الذي يُشد في المسجد لتسوية الصفوف، وحكم المحاريب والمآذن
مداخلة: قلتم إن الخطوط التي في الفرش للمساجد أنها فيها نوع من البدعة أو هي بدعة، هل يقاس على ذلك أن المحاريب بدعة، والمآذن بدعة، وغير ذلك؟
الشيخ: أنا لا أشك في ذلك، وخاصة فيما يتعلق بالمحاريب، وقد ألف الإمام السيوطي، أو بالأحرى الحافظ السيوطي رحمه الله رسالة سماها: تنبيه الأريب لبدعة المحاريب، وذكر هناك روايات تدل على أن هذا حدث، أي: اتخاذ المحراب، حدث في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فيما أذكر يوم أدخلت الحجرة النبوية في المسجد وصار
القبر في المسجد النبوي يومئذ اتخذ المحراب، ومن المعلوم أن المحاريب مشاهدة في كنائس النصارى، فالظاهر والله أعلم أن هذه البدعة بدعة المحراب إنما تسربت إلى المسلمين من النصارى كما تسربت إليهم أشياء أخرى ومنها مثلًا السبحة، فسبحة النصارى لا تزال إلى الآن ترى معلقة .. لذلك ما نجد ذكرًا للمحراب في أي حديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يصح، إنما هناك حديث طويل عند البزار أو الطبراني، لم أعد أذكر الآن من طريق وائل بن حجر يذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف في المحراب ورفع يديه ويحكي صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من التطويل، لكن في إسناد هذا الحديث متروك .. سوى هذا الحديث المتروك لم يأت للمحراب ذكر مطلقًا في أي حديث آخر.
وحديث البخاري من طريق أبي هريرة رضي الله عنه الذي فيه قال: بينما أنا أصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر إذ سلم على رأس ركعتين، فخرج سرعان من المسجد وذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ناحية في المسجد ووضع اليمنى على اليسرى، كأنه عليه الصلاة والسلام يستريح، وفي الناس رجل يقال له: ذو اليدين، فقال:«يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نسيت؟ قال: كل ذلك لم يكن، قال: بلى يا رسول الله، فالتفت إلى أصحابه وقال لهم: أصدق ذو اليدين؟ قالوا: نعم، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مقامه - ولم يقل: إلى محرابه - فصلى ركعتين ثم سجدتي السهو ثم سلم» فمثل هذا الحديث وأمثاله لا نجد فيه ذكر للمحراب إطلاقًا، زيادة على ذلك أن كتب التاريخ تذكر أن المحراب أدخل إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة الوليد بن عبد الملك حيث هو الذي أمر بإضافة الحجرة الشريفة إلى المسجد النبوي.
وهذا ما يتعلق بالمحراب، أما اتخاذ الخط اليوم في بعض المساجد وتلقت بعض الأسئلة استجابة لرغبة بعض أصحاب المساجد أو الذين بنوا المساجد على نفقاتهم فأخذوا يطبعون الخط الأبيض على السجاد، فيفرش السجاد وإذا بالخط يأتي مطبوعًا دون أي كلفة.
لا أرى أو لا أشك إلا أن هذا الخط هو ليس فقط بدعة، فمعلوم أن كل أمر
حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم فهو حادث وبدعةً لغةً، ولكن قد يكون الأمر الحادث، قد يكون ليس من البدع بل يكون من المصالح المرسلة، وهذه المسألة في الحقيقة تكلمت فيها كثيرًا، تارة مختصرًا وتارة مطولًا، فقلت: لأن كون الشيء مصلحة مرسلة لا يكون كذلك إلا إذا كان الدافع على ذلك، لم يكن أولًا في عهد الرسول عليه السلام، ثم لم يكن الدافع على ذلك هو تقصير المسلمين في القيام ببعض واجباتهم الدينية.
ومن الأمثلة على ذلك عدم شرعية الأذان لصلاة العيدين، وكل إنسان يعلم أنه في إحداث الأذان لصلاة العيدين فيه فائدة للناس لكي يعلموا متى يتوجهوا إلى صلاة العيدين كالأذان للصلوات الخمس، بل لعل العقل المجرد عن الاتباع يقول: أن الأذان لصلاة العيدين أولى من الأذان لصلاة الظهر مثلًا أو العصر؛ لأن وقت صلاة العيد حرج، لكن مع ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسن هذه الأذان، فلو قال قائل: توجد مصلحة من تشريع هذا الأذان قال: الرد على ذلك هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك.
ولذلك ذكر بعض العلماء المحققين من المتأخرين تقسيمًا جديدًا للسنة، فنحن نعلم أن بعض العلماء يقسمون السنة إلى مؤكدة ومستحبة، سنية عادة وسنية عبادة، فجاءت التقسيم الأخير الجديد من باب آخر، لكنه سليم، فقسموا السنة إلى قسمين: سنة فعلية، وسنة تركية، أي: ما فعله الرسول عليه السلام من العبادات فيسن فعلها، وما تركه عليه الصلاة والسلام من العبادات فيسن تركها، والمثال هو عدم فعل الرسول عليه السلام أو تشريعه للأذان في صلاة العيدين .. في صلاة الاستسقاء .. في الكسوف والخسوف إلى آخره.
فإذا جئنا إلى الخط، ما الذي يحمل الناس اليوم إلى مد الخط في المساجد سواء كان خيطًا كما هو الشأن في الأردن وفي سوريا، أو كان مطبوعًا كما هو الشأن في البسط التي نراها اليوم عندكم في بعض المساجد، هذه قد يقال: فيها مصلحة لتسوية الصف، لكن سبب اتخاذ هذا الخط في اعتقادي تقصير العلماء من جهة،
واتباعهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم التي تدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان [يحرص] خاصة في أمره للناس بتسوية الصفوف حتى كان أحيانًا يبالغ في ذلك فيقول: «لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» فأعرض أئمة المساجد عن مثل هذا التذكير الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم بعبارات شتى كلها تلتقي على أنه ينبغي للإمام أن يكون له عناية خاصة بتوجيه المصلين واعتنائهم بتسوية صفوفهم.
فلما أهمل أئمة المساجد إلا ما شاء الله من هذه السنة في الاهتمام بتسوية الصف، نتج من وراء ذلك خلاف، وعدم أمر المصلين بتسوية الصفوف، فوجدوا الحل في ذلك أن يربطوهم بالخيط، هذا بلا شك أنه سيكون استمرار في الإعراض عن السنة القديمة، زائد أن المصلين إذا خرجوا إلى العراء بمناسبة ما كما كنا اليوم هناك في مخيم ما يستطيع أن يصفوا؛ ولا نذهب بكم بعيدًا فنتذكر الصلاة في المصلى مصلى العيد، ليس هناك خيط، ولذلك فسيجد الإمام إن أراد أن يسوي الصفوف مشقة كبيرة جدًا؛ لأنهم اعتادوا أن يصلوا على الخيط، وهذا الخيط لا يتيسر في [ذلك] مكان، فإذًا معنى هذه البدعة ضد السنة، وقد اتفق العلماء حتى من قال منهم بالبدعة الحسنة، قالوا: إن البدعة السيئة هي التي تعارض السنة، وهذه إذًا تعارض السنة، فينبغي أن تكون بدعًة باتفاق العلماء حتى الذين يقسمون البدع إلى خمسة أقسام، فبالأولى الذين لا يقولون إلا بقول الرسول عليه السلام:«كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» .
المئذنة .. يمكن أن يقال: إنها مصلحة مرسلة؛ ذلك لأنها تحقق غرضًا شرعيًا بخلاف الخيط، فالخيط يقضي على سنة الأمر بتسوية الصفوف واعتناء المصلين بتسوية الصفوف كما ذكرنا آنفًا، أما المئذنة فلم يكن هناك وسيلة أخرى لتبليغ الصوت إلى أبعد مكان ممكن، فوجدت هذه المئذنة، وخاصة لما بدأت الأبنية تكثر في بعض المدن أو العراء، ثم بعدها ترتفع، فلم يعد صوت المؤذن
…
وراء المسجد يبلغ حيث ينبغي أن يبلغ، فوجدت هذه الوسيلة، أما اليوم فأصبحت كما يقال [هملاً] لأنها لا أحد يصعد إليها يؤذن عليها فيبلغ الناس، وإنما أصبحت [زينة] للمسجد، فأنا أرى مادام وجد مكبر الصوت فلا يجوز بناء المئذنة لسببين اثنين: