الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسجد الحرام فيبسط النطع ويستوفي فيه تعجيلا لاستيفاء الحق عند الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يقتل في الحرم بل يلجأ إلى الخروج».
قلت: والظاهر ما قاله أبو حنيفة لأن الحديث أطلق ولم يفصل، وفي «المرقاة»:
«لأن في ذلك نوع هتك لحرمته ولاحتمال تلوثه بجرح أو حدث وقول ابن أبي ليلى: تقام شاذ. كذا ذكره ابن حجر. قال ابن الملك: لئلا يتلوث المسجد. وفي «شرح السنة» : قال عمر رضي الله عنه فيمن لزمه حد في المسجد: أخرجوه. وعن علي مثله.
والمعروف من هديه عليه الصلاة والسلام إقامة الحدود خارج المسجد كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة ماعز فقال رضي الله عنه:
أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فناداه فقال: يا رسول الله إني زنيت. فأعرض عنه حتى رد عليه أربع مرات فلما شهد على نفسه أربع مرات
…
الحديث. وفيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اذهبوا به فارجموه» قال جابر ابن عبد الله: فرجمناه بالمصلى. ا. هـ مختصرا من البخاري ومسلم وأحمد.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال:
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم اليهودي واليهودي عند باب المسجد
…
الحديث.
أخرجه أحمد والحاكم. [وإسناده حسن].
[الثمر المستطاب (2/ 695)].
من مناهي المساجد البصق لا سيما نحو القبلة
[ذكر الإمام من مناهي المساجد]: «البصق لا سيما نحو القبلة واليمين وهو حرام فقد رأى صلى الله عليه وسلم بصاقا في جدار القبلة فحكه ثم أقبل على الناس [فتغيظ عليهم] فقال:
«إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه إذا صلى» .
الحديث من رواية نافع عن ابن عمر رضي الله عنه.
أخرجه البخاري ومسلم.
وهو يدل على تحريم البصاق في المسجد نحو القبلة من وجهين:
الأول: تغيظه صلى الله عليه وسلم عليهم حينما رأى البصاق في القبلة.
والآخر: نهيه عليه الصلاة والسلام إياهم عن ذلك والنهي الأصل فيه التحريم. قال الحافظ العراقي في «شرح التقريب» :
«هذا النهي عن بصاق المصلي أمامه أو عن يمينه هل هو على التحريم أو التنزيه؟ قال القرطبي: إن إقباله صلى الله عليه وسلم على الناس مغضبا يدل على تحريم البصاق في جدار القبلة وعلى أنه يكفر بدفنه وبحكه كما قال في جملة المسجد: البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها. قلت: ويدل على تحريم البصاق في القبلة ما رواه أبو داود بإسناد جيد من حديث السائب بن خلاد أن رجلا أمَّ قوما فبصق في القبلة. قلت: فذكر الحديث الآتي بعد هذا وفيه: أنه عليه الصلاة والسلام قال له: إنك آذيت الله ورسوله. وأطلق جماعة من الشافعية كراهة البصاق في المسجد منهم المحاملي وسليم الرازي والروياني وأبو العباس الجرجاني وصاحب «البيان» وجزم النووي في «شرح المهذب» التحقيق بتحريمه وكأنه تمسك بقوله في الحديث الصحيح أنه خطيئة». وقال الحافظ:
«وهذا التعليل «يعني قوله: «فإن الله قبل وجهه» يدل على أن البزاق في القبلة حرام سواء كان في المسجد أم لا ولا سيما من المصلي فلا يجري فيه الخلاف في أن كراهية البزاق في المسجد هل هي للتنزيه أو للتحريم؟ ».
ثم ساق حديث السائب وحديث حذيفة ويأتي أيضا.
«وأم رجل قوما فبصق في القبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ: «لا يصلي لكم» فأراد بعد ذلك أن يصلي لهم» فمنعوه وأخبروه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «نعم» وحسبت أنه قال: «إنك آذيت الله ورسوله» . [حسن صحيح].
الحديث أخرجه أبو داود والزيادة له وأحمد من طريق عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكر بن سوادة الجذامي عن صالح ابن خيوان عن أبي سهلة السائب بن خلاد أن رجلا أم قوما
…
الحديث.
سكت عليه المنذري في «مختصره» وكذا الحافظ في «الفتح» وقال شيخه العراقي في «شرح التقريب» :
«إسناده جيد» .
ورواه ابن حبان أيضا في «صحيحه» كما في «الترغيب» .
ورجال إسناد الحديث ثقات رجال مسلم غير صالح بن خيوان - بالمعجمة ويقال: بالمهملة - وثقه العجلي وابن حبان مع أنه ما روى عنه سوى بكر هذا كما صرح به الذهبي في «الميزان» ولذلك قال عبد الحق الأزدي:
وعاب ذلك عليه ابن القطان وصحح حديثه.
قلت: والقواعد العلمية تشهد لما قاله الأزدي غير أن الحديث حسن أو صحيح لأن له شاهدا من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه بمعناه أورده المنذري وقال:
رواه الطبراني في «الكبير» بإسناد جيد ورجاله ثقات» كما في «المجمع» .
- «وقال عليه الصلاة والسلام: «من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة تفله بين عينيه» . [صحيح].
وهذا الحديث يدل بظاهره على كراهة التفل في القبلة داخل الصلاة وخارجها لعدم تقييده بحال الصلاة. قال الحافظ:
«وقد جزم النووي بالمنع في كل حالة داخل الصلاة وخارجها سواء كان في المسجد أم غيره وقد نقل عن مالك أنه قال: لا بأس به - يعني خارج الصلاة -
ويشهد للمنع ما رواه عبد الرزاق وغيره عن ابن مسعود أنه كره [أن] يبصق عن يمينه وليس في صلاة. وعن معاذ بن جبل قال: ما بصقت عن يميني منذ أسلمت. وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى عنه ابنه مطلقا».
قلت: وأثر ابن مسعود أخرجه الطبراني أيضا في «الكبير» ورجاله ثقات كما في «المجمع» . وأما حديث عمرو بن حزم:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بزق عن يمينه وعن يساره وبين يده.
فلا يصح بل هو ضعيف جدا فيه الواقدي أخرجه الطبراني في «الكبير» أيضا.
«وإن كان لا بد من البصق فليبصق عن شماله إن كان فارغا من المصلين، وإلا فتحت قدمه اليسرى بشرط أن يمكن دفنه فيه بأن يكون أرضه من رمل أو حصى لا من بلاط أو مفروشا بالبسط، وإلا فليبصق في ثوبه أو نعله لقوله عليه السلام:
«[ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه؟ أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخع في وجهه؟ ] إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق أمامه فإنما يناجي الله ما دام في مصلاه ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكا وليبصق عن يساره «زاد في حديث ثان: «إن كان فارغا» أو تحت قدمه [اليسرى] فليدفنه» زاد في حديث ثالث: «فإن لم يجد مبصقا ففي ثوبه أو نعله» .
الحديث ورد عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم. [صحيح].
وفي هذه الأحاديث دلالة على تحريم البصاق في المسجد نحو القبلة واليمين لنهيه عليه الصلاة والسلام وتغليظه على من خالف ذلك حتى إنه عزل الإمام الذي فعل ذلك من الإمامة وقال له: «إنك آذيت الله ورسوله» فهو أكبر دليل على التحريم وقد سبق ذكر ما قاله الأئمة في ذلك قريبا.
وفيها دلالة صريحة على جواز البصق فيه نحو اليسار أو تحت القدم اليسرى بشرطه وهو الدفن ففيه رد على النووي حيث قال في «شرحه» على مسلم: «وقوله صلى الله عليه وسلم: «وليبزق تحت قدمه وعن يساره» هذا في غير المسجد أما المصلي في المسجد فلا يبزق إلا في ثوبه».
ووجه الرد عليه أن قوله عليه الصلاة والسلام هذا إنما قاله بخصوص المسجد حينما رأى النخامة في قبلته فنهاهم عن ذلك وعن البصق نحو اليمين ورخص لهم بالبزق فيه تحت القدم وعن اليسار وأمرهم بدفنه بقوله: «فليدفنه» . فمن خالف ولم يدفن فقد أثم وإلا فلا.
وأما تعليق النووي لما ذهب بقوله: «لقوله صلى الله عليه وسلم: «البزاق في المسجد خطيئة» فكيف يأذن فيه صلى الله عليه وسلم».
قلت: قد قضي الأمر وأذن فيه عليه الصلاة والسلام وإنما جاء الإشكال من فهمه للحديث الذي ذكره والآتي بعده على خلاف ما فهم العلماء كما صرح هو نفسه وسننقل كلامه في ذلك إن شاء الله ليتبين لك الحق.
«وقال عليه الصلاة والسلام: «البصاق «وفي لفظ: التفل. وفي آخر: النخاعة» في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها».
الحديث رواه قتادة عن أنس مرفوعًا.
أخرجه البخاري ومسلم.
«البصاق» . بالصاد بدل الزاي.
«التفل» - بالمثناة الفوقية -: نفخ معه أدنى بزاق وهو أكثر من النفث.
«و «النخامة» وهي «النخاعة» من الرأس أيضا ومن الصدر ويقال: تنخم وتنخع».
«وفي رواية: «التفل في المسجد سيئة ودفنه حسنة» .
هي من حديث أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعا.
الحديث من رواية أبي ذر رضي الله عنه.
أخرجه مسلم.
«وقال: إذا تنخم أحدكم في المسجد فليغيب نخامته أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فيؤذيه» .
هو من حديث سعد بن أبي وقاص. [حسن].
وهذه الأحاديث تدل على ما دل عليه حديث أبي هريرة المتقدم وهو جواز البصق في المسجد - عند الحاجة طبعا - إذا دفنه قال الحافظ العراقي في «شرح التقريب» :
«قال أبو الوليد الباجي: فإن بصق في المسجد وستر بصاقه فلا إثم عليه وحكى القرطبي أيضا عن ابن مكي أنه إنما يكون خطيئة لمن تفل فيه ولم يدفنه. قال القرطبي: وقد دل على صحة هذا قوله في حديث أبي ذر: «ووجدت في مساوئ أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تدفن» فلم يثبت لها حكم السيئة بمجرد إيقاعها في المسجد بل بذلك وببقائها غير مدفونة. قلت: ويدل عليه أيضا إذنه في ذلك في حديث الباب «يعني حديث أبي هريرة السابق» بقوله: «أو تحت رجليه فيدفنه» . إن حملنا الحديث على إرادة كونه في المسجد كما تقدم وهو مصرح به في حديث أبي سعيد وأبي هريرة المذكور في أول الباب».
وخالف في ذلك النووي وبالغ حيث قال في «شرح مسلم» :
«وحاصل النزاع أن هنا عمومين تعارضا وهما قوله: «البزاق في المسجد خطيئة» وقوله: «وليبصق عن يساره أو تحت قدمه» . فالنووي يجعل الأول عاما
ويخص الثاني بما إذا لم يكن في المسجد، والقاضي بخلافه يجعل الثاني عاما ويخص الأول بمن لم يرد دفنها وقد وافق القاضي جماعة منهم ابن مكي في «التنقيب» والقرطبي في «المفهم» وغيرهما. ويشهد لهم، ثم ذكر حديث سعيد بن أبي وقاص ثم حديث أبي أمامة وقال:«إنه أوضح منه في المقصود» . ثم حديث أبي ذر وكلام القرطبي المتقدم فيه ثم قال: «وروى سعيد بن منصور عن أبي عبيدة بن الجراح:
أنه تنخم في المسجد ليلة فنسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله فأخذ شعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها ثم قال: الحمد لله الذي لم يكتب علي خطيئة الليلة.
فدل على أن الخطيئة تختص بمن تركها لا بمن دفنها وعلة النهي ترشد إليه وهي تأذي المؤمن بها، ومما يدل على أن عمومه مخصوص: جواز ذلك في الثوب ولو كان في المسجد بلا خلاف وعند أبي داود من حديث عبد الله ابن الشخير أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله. إسناده صحيح وأصله في مسلم. والظاهر أن ذلك كان في المسجد فيؤيد ما تقدم».
قلت: وتخصيص النووي للحديث الثاني الذي أشار إليه الحافظ بما إذا لم يكن في المسجد باطل لأنه ورد في خصوص المسجد كما سبق عن العراقي.
فكيف يجوز تخصيصه بغير ما ورد الحديث لأجله؟
والحق أنه لا تعارض بين الحديثين مطلقا:
فالحديث الأول - وما في معناه - أفاد أن البصق في المسجد خطيئة إذا لم يدفنها وأما إذا دفنها فليست بخطيئة لأنه - أعني الدفن - حسنة أطاحت خطيئة البصق كما في حديث أبي أمامة.
والحديث الثاني - أي حديث أبي هريرة المتقدم - إنما أجاز البصق مع الدفن كما سبق فإذا لم يدفنها فقد ارتكب الخطيئة لا محالة وحينئذ فالحديثان متفقان. والحمد لله.
ثم قال الحافظ العراقي:
«في قوله: «فيدفنه» . ما يقتضي أن الترخص في البصاق في المسجد هو ما إذا كان
فراش المسجد حصى أو ترابا دون ما إذا كان رخاما أو بلاطا أو بساطا أو حصيرا وقد حكاه صاحب «المفهم» عن بعضهم فقال: وقد سمعنا من بعض مشايخنا أن ذلك إنما يجوز إذا لم يكن في المسجد إلا التراب أو الرمل كما كانت مساجدهم في الصدر الأول فأما إذا كانت في المسجد بسط وما له بال من الحصير بما يفسده البصاق ويقذره فلا يجوز احتراما للملائكة. قلت: قد ورد دلكها بالنعل عوضا عن الدفن فيما رواه مسلم من حديث عبد الله بن الشخير قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته تنخع فدلكها بنعله. وهذا يحتمل أن يكون أيضا في تراب أو حصباء فيحصل بدلكها دفنها في التراب. وقال الباجي: ليس له أن يبصق في الأرض ويحكه برجله لأن ذلك يقذر الموضع لمن أراد الجلوس فيه. قلت: قد روى أبو داود من رواية أبي سعيد «كذا في الأصل والصواب: أبو سعد» قال:
رأيت واثلة بن الأسقع في مسجد دمشق يبصق على البوري ثم مسحه برجله فقيل له لم فعلت؟ قال: لأني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.
والبوري: الحصير المعمولة من القصب قاله الهروي في «الغريبين» وعلى هذا فهي لا تفسد بذلك والحديث أيضا لا يصح».
قلت: وعلة هذا الحديث أبو سعد هذا وهو الحمصي الحميري رواه عنه الفرج بن فضالة عند أبي داود. قال الذهبي في «الميزان» :
«ما روى عنه سوى الفرج بن فضالة» .
قلت: فهو مجهول وقد صرح بذلك الحافظ في «التقريب» .
والفرج بن فضالة ضعيف أيضا كما قال المنذري في «مختصره» وبه أعل الحديث وكذلك قال في «التقريب» .
[الثمر المستطاب (2/ 703)].