المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌يحرم قربان المساجد لمن أكل ثوما ونحوه من البقول والنباتات المنتنة - جامع تراث العلامة الألباني في الفقه - جـ ٨

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌متفرقات في أحكام المساجد

- ‌المساجد أحب البقاع إلى الله

- ‌فضل إتيان المساجد

- ‌يجب بناء المساجد في كل قرية أو محلة لا مساجد فيها وهم بحاجة إليها

- ‌في بناء المساجد فضل عظيم وأجر كبير

- ‌يستحب للمرء أن يباشر بناء المسجد بنفسه ما أمكنه

- ‌آداب المساجد

- ‌من آداب المساجد تطهيرها وتكنيسها وتطييبها

- ‌فضل القيام على العناية بالمساجد

- ‌حرمة إلقاء شئ في المسجد كالحشرات ونحوها

- ‌من آداب المساجد أن يمشي إلى المسجد بالسكينة والوقار

- ‌من آداب المساجد أن يدلك نعليه بالتراب إن أراد الدخول بهما

- ‌من آداب المساجد أن يبتدئ دخوله بالرجل اليمنى

- ‌من آداب المساجد أن يقول عند الدخول استحبابا:(أعوذ بالله العظيم

- ‌دعاء الدخول والخروج من المسجد

- ‌من آداب المساجد أن يُصَلَّى فيه صلاة القدوم من السفر

- ‌من آداب المساجد أن يبدأ الخروج منه بالرجل اليسرى

- ‌من آداب المساجد أن يقول عند الخروج: (بسم الله

- ‌من آداب المساجد أن يخرج منه وفي نيته أن يعود إليه

- ‌الأفضل لمن كان فارغًا لا عملَ له أو كان غنيًّا عن الكسب أن يبقى في المسجد انتظارًا للصلاة الأخرى

- ‌لا يحل الخروج من المسجد بعد الأذان قبل الصلاة

- ‌مناهي المساجد

- ‌النهي عن تشبيك الأصابع في المسجد

- ‌حكم تشبيك الأصابع في المسجد

- ‌يحرم قربان المساجد لمن أكل ثوما ونحوه من البقول والنباتات المنتنة

- ‌أهمية التفريق بين من كانت رائحة فمه كريهة بكسبه ومن ليس كذلك في حكم دخول المساجد

- ‌لا يجوز للمصلي اتخاذ مكان معين من المسجد للصلاة فيه لا يجاوزه

- ‌من مناهي المساجد جلوس الناس على هيئة الحلقة قبل صلاة الجمعة ولو للعلم والمذاكرة

- ‌من مناهي المساجد تناشد الأشعار

- ‌من مناهي المساجد نشدان الضالة وطلبها والسؤال عنها برفع الصوت

- ‌من مناهي المساجد البيع والشراء فيه

- ‌من مناهي المساجد إقامة الحدود والقصاص فيه

- ‌من مناهي المساجد البصق لا سيما نحو القبلة

- ‌من مناهي المساجد البول ونحوه فيه

- ‌مناهي المساجد وآدابها هي من الرفع المذكور في قوله تعالى: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه

- ‌من مناهي المساجد اتخاذه طريقًا

- ‌تحريم البصاق إلى القبلة داخل المسجد أو خارجه

- ‌كراهة النخاعة في المسجد

- ‌هل يوجد حديث صحيح ينهى عن الكلام في المسجد والمصلي يصلي

- ‌فرقعة الأصابع في المسجد

- ‌تسليم الداخل إلى المسجد

- ‌التَحَدُّث بأمور دنيوية بين الأذان والإقامة في المسجد

- ‌اصطحاب الأولاد غير المميزين إلى المسجد

- ‌من دخل المسجد وعليه ثياب فيها تصاوير

- ‌حكم الخروج من المسجد بعد سماع الأذان

- ‌حكم حجز المكان في المسجد

- ‌حكم تقصُّد الذهاب للمسجد الأبعد لتكثير الخُطا

- ‌مباحات المساجد

- ‌من مباحات المساجد المرور فيه أحيانا لحاجة

- ‌من مباحات المساجد إتيانه من النساء بشروط

- ‌من مباحات المساجد دخول الحائض والجنب لا سيما لحاجة

- ‌من مباحات المساجد الدخول بالسلاح غير مسلول

- ‌من مباحات المساجد إدخال الصبيان فيه

- ‌من مباحات المساجد إدخال الميت للصلاة عليه

- ‌من مباحات المساجد إدخال المشرك لحاجة إلا المسجد الحرام فيستثنى من هذا الحكم

- ‌من مباحات المساجد إدخال الدابة للحاجة

- ‌من مباحات المساجد الوضوء فيه

- ‌من مباحات المساجد الاجتماع والتحلق لدراسة القرآن والعلم

- ‌من مباحات المساجد إنشاد الشعر الحسن أحيانا ولا سيما إذا كان في الذب عن الإسلام

- ‌من مباحات المساجد نصب الخيمة للمريض وغيره للحاجة

- ‌من مباحات المساجد اللعب بالحراب ونحوها من آلات الحرب

- ‌من مباحات المساجد ربط الأسير بالسارية

- ‌من مباحات المساجد القضاء واللعان

- ‌من مباحات المساجد الاستلقاء

- ‌من مباحات المساجد النوم والقيلولة للمحتاج

- ‌من مباحات المساجد السكن في ناحية منه لمن لا مأوى له من الرجال أو النساء

- ‌من مباحات المساجد قسمة المال

- ‌من مباحات المساجد تعليق العذق أو العنقود للفقراء

- ‌من مباحات المساجد السؤال من المحتاج والتصدق عليه

- ‌من مباحات المساجد الكلام المباح أحيانا بحيث أن لا يجعل ذلك ديدنه

- ‌من مباحات المساجد الأكل والشرب أحيانًا

- ‌صلاة المأموم خارج المسجد

- ‌حكم صلاة المأموم خارج المسجد

- ‌الملحقات بالمسجد

- ‌الصلاة في مكان تابع للمسجد، مع العلم أن طريقاً يقطع بينهما

- ‌الغرفة أو الملاصقة للمسجد التي بابها إلى المسجد هل تعد من المسجد

- ‌الغرفة التي تكون داخل المسجد وبابها داخل المسجد هل تُعطى أحكام المسجد

- ‌هل يشرع إنشاء المرافق مع المسجد، وكلمة حول عدم مشروعية فصل مصلى النساء بفاصل عن باقي المسجد

- ‌إمام أو مؤذن سكن في غرفة في فناء المسجد فهل يُطبق أحكام المسجد في هذه الغرفة

- ‌دخول الحائض والجنب المسجد

- ‌حكم دخول المرأة الحائض المسجد لسماع الدرس، مع التنبيه على أن إقامة النساء للدروس في المساجد من البدع

- ‌حكم دخول الجنب المسجد

- ‌حكم دخول الحائض المسجد

- ‌إقامة مسجد على بيت أو في مكان بيت

- ‌حكم إقامة مسجد على بيت

- ‌حكم استئجار البيوت وتحويلها إلى مساجد تقام فيها الجمع والجماعات

- ‌الصلاة في الصف الأول بالمسجد النبوي أفضل، أم في الروضة

- ‌حكم الصلاة في المساجد المبنية تحت دورات المياه، وحكم بناء بيوت أو غرف على المسجد

- ‌حكم صلاة الجمعة في المساجد التي هي في أصلها بيوت مستأجرة

- ‌حكم النداء بمكبرات الصوت في المسجد على ابن ضائع

- ‌مواصفات المسجد السني وبيان مخالفات المساجد

- ‌أحكام في بناء المساجد: وجوب إتقان البناء

- ‌أحكام في بناء المساجد: ألا يشيده ويرفع بنيانه

- ‌أحكام في بناء المساجد: أن لا يُزَخْرَف ويُزيَّن

- ‌حكم المحراب في المسجد

- ‌بدعية المحراب في المسجد

- ‌حكم المحراب في المسجد، وحكم السواري، وكلمة حول بعض منهيات المساجد

- ‌أحكام في بناء المساجد: ألا يبنيه على قبر

- ‌أحكام في بناء المساجد: تقليل السواري

- ‌أحكام في بناء المساجد: أن يُجعل فيه بابًا خاصًّا للنساء

- ‌من أحكام المساجد: أن لا يجعل فيه خوخات وأبواب ينفذ إليه منها من حوله من ساكني البيوت

- ‌جواز بناء المساجد على متعبدات الكفار بعد كسرها وتغيير معالمها

- ‌جواز بناء المساجد على قبور المشركين بعد نبشها

- ‌مواصفات المسجد السني

- ‌لون فرش المساجد

- ‌المسجد المبني على السنة

- ‌السنة في بناء المساجد

- ‌المخالفات الحاصلة في بناء المساجد

- ‌المخالفات الحاصلة في المساجد

- ‌حكم تعليق لوحات فيها تذكير بالسنن في المساجد

- ‌حكم فصل مصلى النساء عن باقي المسجد بفاصل

- ‌نصيحة من الشيخ تضمنت الحديث على مخالفات المساجد

- ‌حكم الخط الذي يُشد في المسجد لتسوية الصفوف، وحكم المحاريب والمآذن

- ‌السواري في المساجد

- ‌هل المنارة للمسجد كانت معروفة في العهد النبوي

- ‌الصلاة في المساجد المخالفة للسنة وكيفية معالجة هذه المخالفات

- ‌الصلاة في المساجد المزخرفة

- ‌حكم إلتزام نفس المواد التي بنى النبي صلى الله عليه وسلم بها مسجده في بناء مسجد في هذا العصر

- ‌إذا دُفن ميت في صحن المسجد

- ‌الخيط لتسوية الصفوف

- ‌شد الخيط في المسجد لتسوية الصفوف

- ‌حكم شد الخيط في المسجد لتسوية الصفوف

- ‌وقفيات المساجد

- ‌إذا أخفى إمام المسجد الكتب الموقوفة على المسجد هل يجوز سرقتها

- ‌التصرف في الأموال الموقوف على المسجد

- ‌حكم التصرف بالفائض من حاجة المسجد

- ‌إقامة حفلات في المسجد

- ‌حكم إقامة الحفلات في المساجد

- ‌حكم العرس في المسجد

- ‌فصل مصلى النساء

- ‌حكم فصل مصلى النساء عن باقي المسجد بفاصل

- ‌عدم تخصيص مكان للنساء في المسجد

- ‌حكم فصل مصلى النساء في المسجد بجدار أو ستارة أو نحوه

- ‌المنبر

- ‌الزيادة في المنبر على ثلاث درجات

- ‌هل هيئة المنبر النبوي تُعد من العادات

- ‌المساجد الثلاث وأحكامها

- ‌المسجد الحرام هو أول مسجد بني على وجه الأرض

- ‌اختص المسجد الحرام بجواز صلاة النافلة فيه في كل وقت

- ‌الكعبة بحاجة إلى إصلاحات

- ‌حال حديث: تحية البيت الطواف

- ‌المسجد النبوي أفضل المساجد وأعظمها حرمة بعد المسجد الحرام

- ‌المسجد النبوي أفضل من المسجد الأقصى

- ‌من فضائل المسجد النبوي أن من أتاه لا لشئ إلا لخير يتعلمه فهو في منزلة المجاهد

- ‌من فضائل المسجد النبوي أن ما بين البيت النبوي والمنبر روضة من رياض الجنة

- ‌المسجد النبوي هو المسجد الذي أسس على التقوى كمسجد قباء

- ‌الزيادة والتوسعة في المسجد النبوي من المسجد

- ‌المسجد الأقصى أفضل المساجد بعد المسجدين الحرام والنبوي

- ‌لا يجوز قصد السفر إلى مسجد أو موضع من المواضع الفاضلة والصلاة فيها إلا إلى المساجد الثلاثة

- ‌من السنة شد الرحل إلى المسجد الأقصى

- ‌الصلاة في بيت المقدس بمئتي صلاة وخمسين صلاة

- ‌فضيلة مسجد قباء

- ‌فضل الصلاة في مسجد قباء

- ‌كان صلى الله عليه وسلم يأتي قباء كل سبت راكبا وماشيا فيصلي فيه ركعتين

- ‌هل باقي المساجد بينها تفاضل

- ‌هل مكة كلها لها فضل الصلاة في المسجد الحرام

- ‌حكم الصلاة في المسجد الحرام مع كثرة الرجال والنساء، وحكم السترة فيه، وحكم ما يحدث في الحرم عند الإزدحام من صلاة الرجال خلف النساء

- ‌صلاة المرأة في المسجد النبوي

- ‌الصلاة المضاعفة في الحرم، هل هي عامة في الصلوات أم في الفريضة فقط، ما تحقيقكم في المسألة

- ‌هل الأفضل للمراة الصلاة في الفندق أم في الحرم

- ‌حدود المسجد الحرام

- ‌التوسعات التي طرأت على المسجد الحرام هل لها فضل المسجد

- ‌هل لغسل الكعبة وقت معين

- ‌حكم الصلاة في العمائر المطلة على الحرم اقتداءً بصلاة إمام الحرم

- ‌كيفية السجود مع الإزدحام الشديد في الحرم

- ‌هل للصلاة في مسجد قباء ثواب معين

- ‌تحية المسجد

- ‌من آداب المساجد أن يصلي ركعتين قبل القعود وجوبًا

- ‌تحية المسجد واجبة أم غير واجبة

- ‌حكم تحية المسجد واتخاذ السترة في الصلاة

- ‌هل المسجد الذي لا تقام فيه الجمعة يصلى له تحية المسجد

- ‌هل يصلي تحية المسجد عند دخول مصلى البيت وما شابه

- ‌تحية المسجد للداخل إلى البيت الحرام

- ‌هل تجوز صلاة تحية المسجد في أوقات الكراهة

- ‌حكم صلاة تحية المسجد في أوقات الكراهة

- ‌حكم صلاة تحية المسجد وقت الكراهة

- ‌تحية المسجد لمن دخل المسجد قبل أذان المغرب بقليل

- ‌حكم صلاة تحية المسجد قبل أذان المغرب

- ‌لا تسقط تحية المسجد عن الداخل يوم الجمعة والخطيب على المنبر

- ‌إذا دخل شخص المسجد يوم الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الذي بين يدي الخطيب فهل يردد الأذان أم يشرع في تحية المسجد

- ‌من جلس في المسجد قبل أن يصلي تحية المسجد

- ‌من دخل المسجد والمؤذن يُؤَذِّن

- ‌أقيمت الصلاة وهو في الركعة الثانية من النافلة فهل يقطع الصلاة

- ‌هل تصلى الحائض تحية المسجد

- ‌من دخل المسجد قبيل غروب الشمس بدقائق

- ‌هل الفرض يغني عن تحية المسجد ركعتين

- ‌حكم مصافحة من على اليمين واليسار بعد صلاة تحية المسجد

- ‌مَن صلَّى تحية المسجد ثم خرج ثم رجع هل يعيد التحية

- ‌المصليات

- ‌ضابط المسجد والمصلى

- ‌هل يُصلَّى في مصلى الشركة أم في المسجد

الفصل: ‌يحرم قربان المساجد لمن أكل ثوما ونحوه من البقول والنباتات المنتنة

‌يحرم قربان المساجد لمن أكل ثوما ونحوه من البقول والنباتات المنتنة

ذكر الإمام من مناهي المساجد:

«قربانه ممن أكل ثوما ونحوه من البقول والنباتات المنتنة فإن ذلك يحرم ما دامت الرائحة الكريهة فيه لقوله عليه الصلاة والسلام في غزوة خيبر: «من أكل من هذه الشجرة المنتنة [قال أول يوم: الثوم ثم قال: الثوم والبصل والكراث] فلا يقربن مسجدنا «وفي لفظ: مساجدنا وفي حديث ثاني: فلا يقربنا ولا يصلين معنا زاد في ثالث: ثلاثا [وليقعد في بيته]، وفي رابع: حتى يذهب ريحه منه، وفي خامس: ولا يؤذينا بريح الثوم» فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس وفي سادس: وقال: إن كنتم لا بد أكليهما فأميتوهما طبخا يعني: البصل والثوم». [ثم ساق الإمام شواهده ثم قال]:

وفي هذه الأحاديث النهي الأكيد بنهي من أكل الثوم ونحوه عن دخول كل مسجد، وهو مذهب كافة العلماء إلا ما حكي عن بعضهم أن النهي خاص بمسجده عليه الصلاة والسلام لقوله في اللفظ الأول:«مسجدنا» وهذا لا حجة فيه لأن الحديث الثالث دل على أن القول المذكور صدر منه عليه السلام عقب غزوة خيبر وفتحها فقوله: «مسجدنا» يريد به المكان الذي أعد ليصلى فيه مدة إقامته هناك، أو يكون المراد بالمسجد الجنس والإضافة على المسلمين أي: فلا يقربن مسجد المسلمين ويؤيده اللفظ الثاني: مساجدنا.

قلت: ويقوي ذلك التعليل بإيذاء المسلمين والملائكة وهذا متحقق في كل مسجد كما لا يخفى.

ثم إن هذه العلة تقتضي أمرين لم ينص عليهما في الحديث:

الأول: إلحاق مجامع العبادة بالمساجد كمصلى العيد والجنائز ونحوها ويدل لذلك

ص: 38

أيضا عموم قوله عليه الصلاة والسلام: «فلا يقربنا ولا يصلين معنا» . قال الحافظ:

«وقد ألحقها بعضهم بالقياس والتمسك بهذا العموم أولى ونظيره قوله: «وليقعد في بيته» .

الثاني: إلحاق كل ما له رائحة كريهة من المأكولات وغيرها بالثوم وقد نقله النووي عن العلماء وقال:

«قال القاضي: ويلحق به من أكل فجلا وكان يتجشأ قال: وقال ابن المرابط: ويلحق به من به بخر في فيه أو به جرح له رائحة» .

قلت: وفيما قاله ابن المرابط نظر بين لأن المذكورين ليست الرائحة منهم بكسبهم ولا باختيارهم فلا يصح إلحاقهم بالأولين فإنهم مختارون في ذلك في طوقهم الابتعاد عنها إذا شاؤا ولذلك قال ابن المنير في «الحاشية» :

«ألحق بعض أصحابنا المجذوم وغيره بأكل الثوم في المنع من دخول المسجد» . قال:

«وفيه نظر لأن آكل الثوم أدخل على نفسه باختياره هذا المانع والمجذوم علته سماوية» .

قلت: فهو بذلك معذور فلا يمنع من الدخول ويؤيده أن المغيرة بن شعبة حين وجد عليه الصلاة والسلام منه رائحة الثوم أنكر عليه فلما أبدى له عذره - وهو أنه إنما أكله من الجوع - عذره كما سبق في الحديث السابع فالمجذوم ونحوه يعذر من باب أولى (1). وقال الحافظ:

«وألحق بعضهم بذلك من بفيه بخر أو به جرح له رائحة وزاد بعضهم فألحق أصحاب الصنائع كالسماك والعاهات كالمجذوم ومن يؤذي الناس بلسانه. وأشار

(1) إلا أنه قد يقال: إنه يجوز منع المجذوم لا لعلة الرائحة بل لأن داءه يعدي فيضر المصلي وهو مأمور بالابتعاد عنه بقوله عليه الصلاة والسلام: «فر من المجذوم فرارك من الأسد» . ولما كان تطبيق هذا الأمر يستلزم ابتعاد المصلين جميعا أو بعضهم عن المسجد وتعطيل صلاة الجماعة أو تقليلها ولا يخفى ما في ذلك من المخالفة ولذلك يقتضي أن يمنع المجذوم من هذه الوجهة ويلحق به كل من به داء معد. والله أعلم. [منه].

ص: 39

ابن دقيق العيد إلى أن ذلك كله توسع غير مرضي».

وبالجملة فالذي لا شك فيه ويكاد يكون متفقا عليه بن العلماء: أن علة الإيذاء تقتضي المنع من دخول كل من يتعاطى شيئا ذا رائحة كريهة سواء كان مأكولا أو مشروبا أو غير ذلك بشرط أن يكون مختارا في ذلك غير مضطر كمداواة أو كصنعة كالجزارة ونحوها.

قلت: يكاد يكون متفقا لأنه قد خالف فيه ابن حزم رحمه الله حيث قال:

«ومن أكل ثوما أو بصلا أو كراثا ففرض عليه أن لا يصلي في المسجد حتى تذهب الرائحة وفرض إخراجه من المسجد إن دخله قبل انقطاع الرائحة فإن صلى في المسجد كذلك فلا صلاة له ولا يمنع أحد من المسجد غير من ذكرنا ولا أبخر ولا مجذوم ولا ذو عاهة» .

ثم ساق حديث عمر الآتي وحديث جابر ثم قال:

«قال علي: لم يمنع عليه السلام من حضور المساجد أحدا غير من ذكرنا {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} .

قلت: وهذا منه جمود على اللفظ دون النظر في المعنى فإن التعليل في حديث جابر بالإيذاء يدل دلالة واضحة على المنع من كل ما رائحته تؤذي على التفصيل الذي ذكرنا آنفا ولذلك نقول جازمين:

إن أول تلك الملحقات بالثوم: النبات الخبيث المعروف ب «التتن» لأن نتن ريحه أشد إيذاء للمسلمين من الثوم وغيره مما نص عليه في الحديث كما يشهد بذلك كل من عافاه الله من هذه البلية التي لا يكاد ينجو منها إلا القليل بل يشهد بذلك المبتلون أنفسهم عافاهم الله منه ولن يعافيهم الله إلا إذا سلكوا سبيلها: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} تلك هي سنة الله في عباده ولن تجد لسنة الله تبديلا.

وإنها لعقوبة شديدة أن يمنع هؤلاء وأمثالهم من دخول المساجد التي يجتمع

ص: 40

فيها المؤمنون ويحضرها الملائكة المقربون فيحرموا بذلك شهود الخير الكثير الذي فيه تضعيف الصلاة بسبع وعشرين درجة وأشد من ذلك أن يخرجوا منها - إذا دخلوا - قهرا وبالقوة كما كان يفعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما يأتي وإن في ذلك لعبرة {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَار} [الحشر: 2].

قال في «الفتح» :

«فائدة» : حكم رحبة المسجد وما قرب منها حكمه ولذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحها في المسجد أمر بإخراج من وجدت منه إلى البقيع كما ثبت في مسلم».

قلت: ولعل التعبير بقوله: «فلا يقربن» لإفادة هذا المعنى بخلاف ما لو قال: فلا يدخلن فتأمل. ثم قال:

«تنبيه» : وقع في حديث حذيفة عند ابن خزيمة: «من أكل من هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا ثلاثا» . وبوب عليه بوقت النهي على إتيان الجماعة لأكل الثوم. وفيه نظر لاحتمال أن يكون قوله: «ثلاثا» يتعلق بالقول أي: قال ذلك ثلاثا بل هذا هو الظاهر لأن علة المنع وجود الرائحة وهي لا تستمر هذه المدة».

ثم إن النهي في الأحاديث المتقدمة للتحريم وقد ذهب إلى ذلك الظاهرية ومنهم ابن حزم وقد سبق نص كلامه في ذلك قريبا وهو الحق إن شاء الله تعالى وذلك لأمور:

أولا: أن الأصل في النهي التحريم فلا يجوز الخروج منه إلا لدليل أو قرينة ولا شيء من هذا هنا.

الثاني: أنه اقترن بنون التأكيد المشددة وذلك يؤكد النهي والتحريم.

الثالث: أنه مسقط لصلاة الجماعة وهي فرض في أصح الأقوال كما سيأتي بيانه في محله فتركها حرام فلو لم يكن دخول المسجد من المذكورين في الحديث أشد تحريما لما عاقبهم الشارع الحكيم بالمنع منه ولما أضاع عليهم التضعيف المذكور آنفا والله عز وجل يقول: {إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ

ص: 41

أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40] وهو سبحانه وتعالى أعلم.

ومما ذكرنا تعلم أن الاحتجاج بالحديث على أن الجماعة ليست فرض عين غير صواب لأن الشارع إنما حرمهم منها عقوبة لهم على إتيانها بما هو أعظم جرما من تركها بدون عذر.

ومن الدليل على أن النهي للتحريم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بإخراج من وجد منه رائحة الثوم أو البصل من المسجد وليس هذا من شأن من ارتكب مكروها كما لا يخفى ولذلك قلنا:

«ويجب على المستطيع إخراجهم من المسجد لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين هذا البصل والثوم ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع فمن أكلهما فليمتهما طبخا» .

الحديث أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه والطيالسي وأحمد من طريق قتادة عن سالم بن أبي الجعد الغطفاني عن معدان بن أبي طلحة اليعمري أن عمر بن الخطاب قال

فذكره. قال النووي:

«فيه إخراج من وجد منه ريح الثوم والبصل ونحوهما من المسجد وإزالة المنكر باليد لمن أمكنه» . قال السندي رحمه الله:

«ولعل في الإخراج إلى البقيع تنبيها على أنه لا ينبغي له صحبة الأحياء بل ينبغي له صحبة الأموات الذين لا يتأذون بمثله أو هو للإشارة على أنه التحق بالأموات الذين لا يذكرون الله ولا يصلون حيث تسبب لمنع نفسه من المساجد ويحتمل أنهم وضعوا [في] تلك الجهة للتعزير» .

قلت: وظاهر الأمر يفيد وجوب الإخراج وقد صرح بذلك ابن حزم كما سبق فهو دليل آخر على تحريم دخول المسجد على هؤلاء لأنه المقابل للوجوب.

«إلا من أكلها لعذر كجوع أو مداواة فإنه يدخل ولا يخرج لحديث المغيرة بن

ص: 42

شعبة قال: «أكلت ثوما فأتيت مصلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد سبقت بركعة فلما دخلت المسجد وجد النبي صلى الله عليه وسلم ريح الثوم فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: «من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا حتى يذهب ريحها أو ريحه» فلما قضيت الصلاة جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله لتعطيني يدك قال: فأدخلت يده في كم قميصي إلى صدري فإذا أنا معصوب الصدر قال:

«إن لك لعذرا» .

الحديث أخرجه أبو داود بإسناد حسن كما سبق في تخريج أحاديث الباب وأخرجه أيضا البيهقي في «سننه الكبرى» .

وأما الحديث الذي أورده البخاري تعليقا فقال:

«وقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أكل الثوم والبصل من الجوع أو غيره فلا يقربن مسجدنا» فقال الحافظ: «ولم أر التقييد بالجوع وغيره صريحا لكنه مأخوذ من كلام الصحابي في بعض طرق حديث جابر وغيره فعند مسلم من رواية أبي الزبير عن جابر قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث فغلبتنا الحاجة

الحديث.

وله من رواية أبي نضرة عن أبي سعيد: لم نعد أن فتحت خيبر فوقعنا في هذه البقلة والناس جياع

الحديث. قال ابن المنير في «الحاشية» : ألحق بعض أصحابنا المجذوم وغيره بأكل الثوم في المنع من المسجد قال: وفيه نظر لأن آكل الثوم أدخل على نفسه باختياره هذا المانع والمجذوم علته سماوية قال: لكن قوله صلى الله عليه وسلم: من جوع أو غيره. يدل على التسوية بينهما. انتهى. وكأنه رأى قول البخاري في الترجمة وقول النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخر فظنه لفظ حديث وليس كذلك بل هو من تفقه البخاري وتجويزه لذكر الحديث بالمعنى».

فالحديث لا يدل على المعنى الذي ذهب إليه البخاري لاحتمال أنه عليه الصلاة والسلام لم يعلم أن الحاجة والجوع هو الذي دفعهم إلى الأكل بل هذا هو الظاهر لأنه عليه الصلاة والسلام لو علم ذلك لعذرهم كما في حديث المغيرة هذا وعليه

ص: 43