المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌لا يجوز قصد السفر إلى مسجد أو موضع من المواضع الفاضلة والصلاة فيها إلا إلى المساجد الثلاثة - جامع تراث العلامة الألباني في الفقه - جـ ٨

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌متفرقات في أحكام المساجد

- ‌المساجد أحب البقاع إلى الله

- ‌فضل إتيان المساجد

- ‌يجب بناء المساجد في كل قرية أو محلة لا مساجد فيها وهم بحاجة إليها

- ‌في بناء المساجد فضل عظيم وأجر كبير

- ‌يستحب للمرء أن يباشر بناء المسجد بنفسه ما أمكنه

- ‌آداب المساجد

- ‌من آداب المساجد تطهيرها وتكنيسها وتطييبها

- ‌فضل القيام على العناية بالمساجد

- ‌حرمة إلقاء شئ في المسجد كالحشرات ونحوها

- ‌من آداب المساجد أن يمشي إلى المسجد بالسكينة والوقار

- ‌من آداب المساجد أن يدلك نعليه بالتراب إن أراد الدخول بهما

- ‌من آداب المساجد أن يبتدئ دخوله بالرجل اليمنى

- ‌من آداب المساجد أن يقول عند الدخول استحبابا:(أعوذ بالله العظيم

- ‌دعاء الدخول والخروج من المسجد

- ‌من آداب المساجد أن يُصَلَّى فيه صلاة القدوم من السفر

- ‌من آداب المساجد أن يبدأ الخروج منه بالرجل اليسرى

- ‌من آداب المساجد أن يقول عند الخروج: (بسم الله

- ‌من آداب المساجد أن يخرج منه وفي نيته أن يعود إليه

- ‌الأفضل لمن كان فارغًا لا عملَ له أو كان غنيًّا عن الكسب أن يبقى في المسجد انتظارًا للصلاة الأخرى

- ‌لا يحل الخروج من المسجد بعد الأذان قبل الصلاة

- ‌مناهي المساجد

- ‌النهي عن تشبيك الأصابع في المسجد

- ‌حكم تشبيك الأصابع في المسجد

- ‌يحرم قربان المساجد لمن أكل ثوما ونحوه من البقول والنباتات المنتنة

- ‌أهمية التفريق بين من كانت رائحة فمه كريهة بكسبه ومن ليس كذلك في حكم دخول المساجد

- ‌لا يجوز للمصلي اتخاذ مكان معين من المسجد للصلاة فيه لا يجاوزه

- ‌من مناهي المساجد جلوس الناس على هيئة الحلقة قبل صلاة الجمعة ولو للعلم والمذاكرة

- ‌من مناهي المساجد تناشد الأشعار

- ‌من مناهي المساجد نشدان الضالة وطلبها والسؤال عنها برفع الصوت

- ‌من مناهي المساجد البيع والشراء فيه

- ‌من مناهي المساجد إقامة الحدود والقصاص فيه

- ‌من مناهي المساجد البصق لا سيما نحو القبلة

- ‌من مناهي المساجد البول ونحوه فيه

- ‌مناهي المساجد وآدابها هي من الرفع المذكور في قوله تعالى: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه

- ‌من مناهي المساجد اتخاذه طريقًا

- ‌تحريم البصاق إلى القبلة داخل المسجد أو خارجه

- ‌كراهة النخاعة في المسجد

- ‌هل يوجد حديث صحيح ينهى عن الكلام في المسجد والمصلي يصلي

- ‌فرقعة الأصابع في المسجد

- ‌تسليم الداخل إلى المسجد

- ‌التَحَدُّث بأمور دنيوية بين الأذان والإقامة في المسجد

- ‌اصطحاب الأولاد غير المميزين إلى المسجد

- ‌من دخل المسجد وعليه ثياب فيها تصاوير

- ‌حكم الخروج من المسجد بعد سماع الأذان

- ‌حكم حجز المكان في المسجد

- ‌حكم تقصُّد الذهاب للمسجد الأبعد لتكثير الخُطا

- ‌مباحات المساجد

- ‌من مباحات المساجد المرور فيه أحيانا لحاجة

- ‌من مباحات المساجد إتيانه من النساء بشروط

- ‌من مباحات المساجد دخول الحائض والجنب لا سيما لحاجة

- ‌من مباحات المساجد الدخول بالسلاح غير مسلول

- ‌من مباحات المساجد إدخال الصبيان فيه

- ‌من مباحات المساجد إدخال الميت للصلاة عليه

- ‌من مباحات المساجد إدخال المشرك لحاجة إلا المسجد الحرام فيستثنى من هذا الحكم

- ‌من مباحات المساجد إدخال الدابة للحاجة

- ‌من مباحات المساجد الوضوء فيه

- ‌من مباحات المساجد الاجتماع والتحلق لدراسة القرآن والعلم

- ‌من مباحات المساجد إنشاد الشعر الحسن أحيانا ولا سيما إذا كان في الذب عن الإسلام

- ‌من مباحات المساجد نصب الخيمة للمريض وغيره للحاجة

- ‌من مباحات المساجد اللعب بالحراب ونحوها من آلات الحرب

- ‌من مباحات المساجد ربط الأسير بالسارية

- ‌من مباحات المساجد القضاء واللعان

- ‌من مباحات المساجد الاستلقاء

- ‌من مباحات المساجد النوم والقيلولة للمحتاج

- ‌من مباحات المساجد السكن في ناحية منه لمن لا مأوى له من الرجال أو النساء

- ‌من مباحات المساجد قسمة المال

- ‌من مباحات المساجد تعليق العذق أو العنقود للفقراء

- ‌من مباحات المساجد السؤال من المحتاج والتصدق عليه

- ‌من مباحات المساجد الكلام المباح أحيانا بحيث أن لا يجعل ذلك ديدنه

- ‌من مباحات المساجد الأكل والشرب أحيانًا

- ‌صلاة المأموم خارج المسجد

- ‌حكم صلاة المأموم خارج المسجد

- ‌الملحقات بالمسجد

- ‌الصلاة في مكان تابع للمسجد، مع العلم أن طريقاً يقطع بينهما

- ‌الغرفة أو الملاصقة للمسجد التي بابها إلى المسجد هل تعد من المسجد

- ‌الغرفة التي تكون داخل المسجد وبابها داخل المسجد هل تُعطى أحكام المسجد

- ‌هل يشرع إنشاء المرافق مع المسجد، وكلمة حول عدم مشروعية فصل مصلى النساء بفاصل عن باقي المسجد

- ‌إمام أو مؤذن سكن في غرفة في فناء المسجد فهل يُطبق أحكام المسجد في هذه الغرفة

- ‌دخول الحائض والجنب المسجد

- ‌حكم دخول المرأة الحائض المسجد لسماع الدرس، مع التنبيه على أن إقامة النساء للدروس في المساجد من البدع

- ‌حكم دخول الجنب المسجد

- ‌حكم دخول الحائض المسجد

- ‌إقامة مسجد على بيت أو في مكان بيت

- ‌حكم إقامة مسجد على بيت

- ‌حكم استئجار البيوت وتحويلها إلى مساجد تقام فيها الجمع والجماعات

- ‌الصلاة في الصف الأول بالمسجد النبوي أفضل، أم في الروضة

- ‌حكم الصلاة في المساجد المبنية تحت دورات المياه، وحكم بناء بيوت أو غرف على المسجد

- ‌حكم صلاة الجمعة في المساجد التي هي في أصلها بيوت مستأجرة

- ‌حكم النداء بمكبرات الصوت في المسجد على ابن ضائع

- ‌مواصفات المسجد السني وبيان مخالفات المساجد

- ‌أحكام في بناء المساجد: وجوب إتقان البناء

- ‌أحكام في بناء المساجد: ألا يشيده ويرفع بنيانه

- ‌أحكام في بناء المساجد: أن لا يُزَخْرَف ويُزيَّن

- ‌حكم المحراب في المسجد

- ‌بدعية المحراب في المسجد

- ‌حكم المحراب في المسجد، وحكم السواري، وكلمة حول بعض منهيات المساجد

- ‌أحكام في بناء المساجد: ألا يبنيه على قبر

- ‌أحكام في بناء المساجد: تقليل السواري

- ‌أحكام في بناء المساجد: أن يُجعل فيه بابًا خاصًّا للنساء

- ‌من أحكام المساجد: أن لا يجعل فيه خوخات وأبواب ينفذ إليه منها من حوله من ساكني البيوت

- ‌جواز بناء المساجد على متعبدات الكفار بعد كسرها وتغيير معالمها

- ‌جواز بناء المساجد على قبور المشركين بعد نبشها

- ‌مواصفات المسجد السني

- ‌لون فرش المساجد

- ‌المسجد المبني على السنة

- ‌السنة في بناء المساجد

- ‌المخالفات الحاصلة في بناء المساجد

- ‌المخالفات الحاصلة في المساجد

- ‌حكم تعليق لوحات فيها تذكير بالسنن في المساجد

- ‌حكم فصل مصلى النساء عن باقي المسجد بفاصل

- ‌نصيحة من الشيخ تضمنت الحديث على مخالفات المساجد

- ‌حكم الخط الذي يُشد في المسجد لتسوية الصفوف، وحكم المحاريب والمآذن

- ‌السواري في المساجد

- ‌هل المنارة للمسجد كانت معروفة في العهد النبوي

- ‌الصلاة في المساجد المخالفة للسنة وكيفية معالجة هذه المخالفات

- ‌الصلاة في المساجد المزخرفة

- ‌حكم إلتزام نفس المواد التي بنى النبي صلى الله عليه وسلم بها مسجده في بناء مسجد في هذا العصر

- ‌إذا دُفن ميت في صحن المسجد

- ‌الخيط لتسوية الصفوف

- ‌شد الخيط في المسجد لتسوية الصفوف

- ‌حكم شد الخيط في المسجد لتسوية الصفوف

- ‌وقفيات المساجد

- ‌إذا أخفى إمام المسجد الكتب الموقوفة على المسجد هل يجوز سرقتها

- ‌التصرف في الأموال الموقوف على المسجد

- ‌حكم التصرف بالفائض من حاجة المسجد

- ‌إقامة حفلات في المسجد

- ‌حكم إقامة الحفلات في المساجد

- ‌حكم العرس في المسجد

- ‌فصل مصلى النساء

- ‌حكم فصل مصلى النساء عن باقي المسجد بفاصل

- ‌عدم تخصيص مكان للنساء في المسجد

- ‌حكم فصل مصلى النساء في المسجد بجدار أو ستارة أو نحوه

- ‌المنبر

- ‌الزيادة في المنبر على ثلاث درجات

- ‌هل هيئة المنبر النبوي تُعد من العادات

- ‌المساجد الثلاث وأحكامها

- ‌المسجد الحرام هو أول مسجد بني على وجه الأرض

- ‌اختص المسجد الحرام بجواز صلاة النافلة فيه في كل وقت

- ‌الكعبة بحاجة إلى إصلاحات

- ‌حال حديث: تحية البيت الطواف

- ‌المسجد النبوي أفضل المساجد وأعظمها حرمة بعد المسجد الحرام

- ‌المسجد النبوي أفضل من المسجد الأقصى

- ‌من فضائل المسجد النبوي أن من أتاه لا لشئ إلا لخير يتعلمه فهو في منزلة المجاهد

- ‌من فضائل المسجد النبوي أن ما بين البيت النبوي والمنبر روضة من رياض الجنة

- ‌المسجد النبوي هو المسجد الذي أسس على التقوى كمسجد قباء

- ‌الزيادة والتوسعة في المسجد النبوي من المسجد

- ‌المسجد الأقصى أفضل المساجد بعد المسجدين الحرام والنبوي

- ‌لا يجوز قصد السفر إلى مسجد أو موضع من المواضع الفاضلة والصلاة فيها إلا إلى المساجد الثلاثة

- ‌من السنة شد الرحل إلى المسجد الأقصى

- ‌الصلاة في بيت المقدس بمئتي صلاة وخمسين صلاة

- ‌فضيلة مسجد قباء

- ‌فضل الصلاة في مسجد قباء

- ‌كان صلى الله عليه وسلم يأتي قباء كل سبت راكبا وماشيا فيصلي فيه ركعتين

- ‌هل باقي المساجد بينها تفاضل

- ‌هل مكة كلها لها فضل الصلاة في المسجد الحرام

- ‌حكم الصلاة في المسجد الحرام مع كثرة الرجال والنساء، وحكم السترة فيه، وحكم ما يحدث في الحرم عند الإزدحام من صلاة الرجال خلف النساء

- ‌صلاة المرأة في المسجد النبوي

- ‌الصلاة المضاعفة في الحرم، هل هي عامة في الصلوات أم في الفريضة فقط، ما تحقيقكم في المسألة

- ‌هل الأفضل للمراة الصلاة في الفندق أم في الحرم

- ‌حدود المسجد الحرام

- ‌التوسعات التي طرأت على المسجد الحرام هل لها فضل المسجد

- ‌هل لغسل الكعبة وقت معين

- ‌حكم الصلاة في العمائر المطلة على الحرم اقتداءً بصلاة إمام الحرم

- ‌كيفية السجود مع الإزدحام الشديد في الحرم

- ‌هل للصلاة في مسجد قباء ثواب معين

- ‌تحية المسجد

- ‌من آداب المساجد أن يصلي ركعتين قبل القعود وجوبًا

- ‌تحية المسجد واجبة أم غير واجبة

- ‌حكم تحية المسجد واتخاذ السترة في الصلاة

- ‌هل المسجد الذي لا تقام فيه الجمعة يصلى له تحية المسجد

- ‌هل يصلي تحية المسجد عند دخول مصلى البيت وما شابه

- ‌تحية المسجد للداخل إلى البيت الحرام

- ‌هل تجوز صلاة تحية المسجد في أوقات الكراهة

- ‌حكم صلاة تحية المسجد في أوقات الكراهة

- ‌حكم صلاة تحية المسجد وقت الكراهة

- ‌تحية المسجد لمن دخل المسجد قبل أذان المغرب بقليل

- ‌حكم صلاة تحية المسجد قبل أذان المغرب

- ‌لا تسقط تحية المسجد عن الداخل يوم الجمعة والخطيب على المنبر

- ‌إذا دخل شخص المسجد يوم الجمعة والمؤذن يؤذن الأذان الذي بين يدي الخطيب فهل يردد الأذان أم يشرع في تحية المسجد

- ‌من جلس في المسجد قبل أن يصلي تحية المسجد

- ‌من دخل المسجد والمؤذن يُؤَذِّن

- ‌أقيمت الصلاة وهو في الركعة الثانية من النافلة فهل يقطع الصلاة

- ‌هل تصلى الحائض تحية المسجد

- ‌من دخل المسجد قبيل غروب الشمس بدقائق

- ‌هل الفرض يغني عن تحية المسجد ركعتين

- ‌حكم مصافحة من على اليمين واليسار بعد صلاة تحية المسجد

- ‌مَن صلَّى تحية المسجد ثم خرج ثم رجع هل يعيد التحية

- ‌المصليات

- ‌ضابط المسجد والمصلى

- ‌هل يُصلَّى في مصلى الشركة أم في المسجد

الفصل: ‌لا يجوز قصد السفر إلى مسجد أو موضع من المواضع الفاضلة والصلاة فيها إلا إلى المساجد الثلاثة

صالح بن أبي مريم وهو ثقة من رجال الستة.

قلت: ولعل وجه الغرابة أنه ثبت في حديث ميمونة المتقدم أن الصلاة في المسجد الأقصى بألف صلاة، وفي حديث أبي الدرداء - الذي سبق ذكره في تخريج أول أحاديث المسجد - أن الصلاة فيه بخمسمائة صلاة وفي حديث أبي ذر هذا أن صلاة في مسجده عليه الصلاة والسلام أفضل من أربع صلوات في المسجد الأقصى وهذا لا يتفق في معناه في الحديثين المشار إليهما فإنه يفيد أن فضل الصلاة فيه أربعة أضعاف الصلاة في الأقصى وينتج منه أن الصلاة في المسجد الأقصى على الربع من الصلاة في المسجد النبوي أي: بمائتين وخمسين صلاة. وهذه النتيجة لا تتفق مع ما ثبت في الأحاديث الكثيرة المتقدمة أن الصلاة في الأقصى بألف أو بخمسمائة.

فيقال: إن الله سبحانه وتعالى جعل فضيلة الصلاة في الأقصى مائتين وخمسين صلاة أولا ثم أوصلها إلى الخمسمائة، ثم إلى الألف، فضلا منه تعالى على عباده ورحمة. والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.

[الثمر المستطاب (2/ 541)].

‌لا يجوز قصد السفر إلى مسجد أو موضع من المواضع الفاضلة والصلاة فيها إلا إلى المساجد الثلاثة

«ومن فضل هذه المساجد الثلاثة أنه لا يجوز قصد السفر إلى مسجد أو موضع من المواضع الفاضلة والصلاة فيها إلا إليها لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تشد «وفي رواية: لا تشدوا» الرحال إلا «وفي لفظ: إنما يسافر» إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا ومسجد الحرام ومسجد الأقصى».

الحديث ورد عن جمع من الصحابة [ثم ساق الإمام الأحاديث إلى أن قال]:

قوله: «لا تشد الرحال» قال الحافظ:

«بضم أوله بلفظ النفي والمراد النهي عن السفر إلى غيرها. قال الطيبي: هو أبلغ

ص: 316

من صريح النهي كأنه قال: لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذه البقاع لاختصاصها بما اختصت به، والرحال جمع رحل: وهو للبعير كالسرج للفرس. وكنى بشد الرحال عن السفر لأنه لازمه وخرج ذكرها مخرج الغالب في ركوب المسافر وإلا فلا فرق بين ركوب الرواحل والخيل والبغال والحمير والمشي في المعنى المذكور ويدل عليه قوله في اللفظ الثاني: «إنما يسافر» .

قوله: «إلا إلى ثلاثة مساجد» قال الحافظ:

«الاستثناء مفرغ والتقدير: لا تشد الرحال إلى موضع ولازمه منع السفر إلى كل موضع غيرها لأن المستثنى منه في المفرغ مقدر بأعم العام لكن يمكن أن يكون المراد بالعموم هنا الموضع المخصوص وهو المسجد كما سيأتي» .

قلت: وهذا ضعيف والصواب الأول كما سنذكره. ثم قال:

«وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء ولأن الأول قبلة الناس وإليه حجهم والثاني كان قبلة الأمم السالفة والثالث أسس على التقوى.

واختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتا وإلى المواضع الفاضلة لقصد التبرك بها والصلاة فيها فقال الشيخ أبو محمد الجويني:

«يحرم شد الرحال إلى غيرها عملا بظاهر الحديث» .

وأشار القاضي حسين إلى اختياره وبه قال عياض وطائفة. ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار أبي بصرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور وقال له: «لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت» واستدل بهذا الحديث فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه ووافقه أبو هريرة.

والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية: أنه لا يحرم وأجابوا عن الحديث بأجوبة منها:

أن المراد: أن الفضيلة التامة إنما هي شد الرحال إلى هذه المساجد بخلاف

ص: 317

غيرها فإنه جائز وقد وقع في رواية لأحمد سيأتي ذكرها بلفظ: «لا ينبغي للمطي أن تعمل» وهو لفظ ظاهر في غير التحريم.

ومنها: أن النهي مخصوص بمن نذر على نفسه الصلاة في مسجد من سائر المساجد غير الثلاثة فإنه لا يجب الوفاء به. قاله ابن بطال.

ومنها: أن المراد حكم الساجد فقط وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد للصلاة فيه غير هذه الثلاثة وأما قصد غير المساجد لزيارة صالح أو قريب أو صاحب أو طلب علم أو تجارة أو نزهة فلا يدخل في النهي ويؤيده ما روى أحمد من طريق شهر بن حوشب قال: سمعت أبا سعيد وذكرت عنده الصلاة في الطور فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغي للمصلي (1) أن يشد رحاله إلى مسجد تبتغى

فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي». وشهر حسن الحديث وإن كان فيه بعض الضعف».

وأقول: لقد ألان الحافظ رحمه الله القول هنا في شهر وحسن حديثه بهذا اللفظ مع أنه حكم عليه بأنه كثير الأوهام كما سبق نقله عنه فيما تقدم فمن كان كذلك كيف يحسن حديثه؟ لا سيما إذا تفرد به دون كل من روى الحديث فقد ورد من طرق ثلاثة أخرى عن أبي سعيد وليس فيها هذه الزيادة التي احتج بها الحافظ وهي: «إلى مسجد» .

يضاف إلى ذلك أنه ورد الحديث عن سبعة من الصحابة غير أبي سعيد من طرق كثيرة عن رواة ثقات ولم يقل أحد منهم ما قال شهر فهل بعد هذا دليل وبرهان على خطأ شهر في هذه الزيادة؟

على أنه قد اختلف فيها على شهر فذكرها بعضهم عنه دون بعض كما سبق بيان ذلك عند الكلام على الحديث من الطريق الرابع عن أبي سعيد. من أجل ذلك ذهبنا

(1) كذا في الأصل ولعله تصحيف من بعض الرواة والصواب: «لا ينبغي للمطي أن تشد» كما في «المسند» وغيره كما سبق. [منه].

ص: 318

هناك إلى أنه لا يجوز الاحتجاج بهذه الرواية.

وقد بدا لي حجة أخرى تؤيد خطأ شهر فأقول:

ومما يدلك على ضعف هذه الزيادة بل بطلانها: أن في حديث شهر نفسه أن أبا سعيد أنكر عليه الذهاب إلى الطور واحتج عليه بهذا الحديث فلو كان فيه هذه الزيادة التي تخص معناه بالمساجد دون سائر المواضع الفاضلة لما جاز لأبي سعيد - وهو العربي الصميم - أن يحتج به لأن شهرا لم يقصد الذهاب إلا إلى الطور وليس هو مسجدا وإنما هو جبل مقدس كلم الله تعالى عليه موسى عليه السلام فلا يشمله الحديث لو كانت فيه الزيادة فإنكاره الذهاب إليه أكبر دليل على بطلان نسبتها إلى حديثه ودليل أيضا على أن الحديث على عمومه وأنه يشمل الأماكن الفاضلة لأنه الذي فهمه أبو سعيد وكذا فهم منه عبد الله بن عمر وأبو بصرة الغفاري ووافقه أبو هريرة فكلهم أنكروا الذهاب إلى الطور محتجين بالحديث كما تقدم في تخريج أحاديثهم. فهؤلاء أربعة من الصحابة - لا مخالف لهم منهم - قد فهموا ذلك وهم أعلم بما سمعوه منه صلى الله عليه وسلم وأدرى بما يقول.

ثم إن النظر يحكم بصحة عموم الحديث لأنه إذا كان منع من السفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة مع العلم بأن العبادة في كل المساجد أفضل منها في غير المساجد وغير البيوت وقد قال عليه الصلاة والسلام:

«أحب البقاع إلى الله المساجد» كما مر، وكان منع أيضا من السفر إلى الطور الذي سماه الله تعالى بالوادي المقدس فالمنع من السفر إلى غيرها أولى لا سيما إذا كان المكان المقصود قبور أنبياء وصالحين فإنه حرم بناء المساجد عليها كما مضى فكيف يسمح بالذهاب إليها ولم يسمح بالسفر إلى المساجد المبنية على تقوى الله؟ وهذا - بحمد الله - بين لا يخفى.

وأما الجوابان الآخران اللذان حكاهما الحافظ فهما ضعيفان أيضا وإليك البيان:

أما الجواب الأول فالحديث وإن كان بلفظ النفي فهو بمعنى النهي كما حكاه

ص: 319

الحافظ نفسه عن الطيبي. ويؤيد ذلك أمران:

الأول: أنه جاء صريحا بالنهي في الرواية الثانية: «لا تشدوا» .

والآخر: أنه الذي فهمه الصحابة فنهوا عن الذهاب إلى الطور كما سبق.

وهناك أمر ثالث يقوي ذلك: وهو أن الحديث من رواية أبي سعيد في «الصحيحين» وغيرهما قطعة من حديث ورد فيه النهي عن أربعة أمور:

«أ» شد الرحال.

«ب» سفر المرأة بغير محرم.

«ج» صوم يومي الفطر والأضحى.

«د» الصلاة بعد الصبح والعصر.

والنهي في هذا للتحريم فحمل النهي عن شد الرحال خاصة للتنزيه خلاف الظاهر المتبادر وفيه جمع بين الحقيقة والمجاز وهذا لا يجوز إلا لصارف ولا صارف هنا ورواية أحمد التي احتج بها الحافظ بلفظ: «لا ينبغي للمطي أن تعمل» غير صحيحة كما سبق بيانه مرارا فلا حجة فيها.

على أن هذه الرواية لو صحت فهي لا تفيد الجواز المجرد عن الكراهة بل هي نص في الكراهة وحينئذ فقول النووي في شرح الحديث من رواية أبي سعيد:

«الصحيح عند أصحابنا أنه لا يحرم ولا يكره» .

غير صحيح. وقد قال النووي أيضا في شرح الحديث من رواية أبي هريرة ما نصه:

«معناه عند جمهور العلماء: لا فضيلة في شد الرحال إلى مسجد غيرها» .

وهذا تسليم منه أن السفر إلى غير المساجد الثلاثة لا فضيلة فيه فليس هو بعمل صالح ولا قربة ولا طاعة ومن المعلوم المشاهد أن من يقصد السفر إلى غيرها يبتغي بذلك التقرب إلى الله تعالى وهذا محرم اتفاقا لأنه تعبد الله تعالى بما لم يجعله عبادة ولذلك ذكر العلماء أنه «لو نذر أن يصلي في مسجد أو مشهد أو يعتكف فيه أو يسافر

ص: 320

إليه غير هذه الثلاثة لم يجب عليه ذلك باتفاق الأئمة، بخلاف لو نذر أن يأتي المسجد الحرام لحج أو عمرة وجب ذلك باتفاق العلماء، ولو نذر أن يأتي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أو المسجد الأقصى لصلاة أو اعتكاف وجب عليه الوفاء بهذا النذر عند مالك والشافعي وأحمد.

ولم يجب عند أبي حنيفة لأنه لا يجب عنده بالنذر إلا ما كان من جنسه واجب بالشرع وأما الجمهور فيوجبون الوفاء بكل طاعة لما رواه البخاري وغيره عن عائشة رضي الله عنه مرفوعا: «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» .

والسفر إلى المسجدين هو طاعة فلهذا وجب الوفاء به.

وأما السفر إلى بقعة غير المساجد الثلاثة فلم يوجب أحد من العلماء السفر إليها إذا نذره حتى نص العلماء على أنه لا يسافر إلى مسجد قباء لأنه ليس من الثلاثة مع أنه يستحب زيارته لمن كان بالمدينة لأن ذلك ليس بشد رحل كما سيأتي قالوا: ولأن السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة لم يفعلها أحد من الصحابة والتابعين ولا أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين فمن اعتقد ذلك عبادة وفعلها فهو مخالف للسنة ولإجماع الأئمة. وهذا مما ذكره أبو عبد الله بن بطة في «إبانته الصغرى» من البدع المخالفة للسنة والإجماع» (1).

بقي علينا الجواب عن الجواب الثاني الذي أورده الحافظ فنقول:

إنه تخصيص للحديث بدون أي مخصص والحديث أعم من ذلك وكل أحد يستطيع أن يدعي تخصيص أي عموم من كتاب أو سنة ولكن ذلك لا يقبل منه إلا مقرونا بالدليل والبرهان فأين الدليل هنا على هذه الدعوى؟

ولذلك قال المحقق الصنعاني في «سبل السلام» «2/ 251» :

(1) نقلته من «الفتاوى» لشيخ الإسلام «1/ 119 - 120» . [منه].

ص: 321

«وذهب الجمهور إلى أن ذلك غير محرم واستدلوا بما لا ينهض وتأولوا أحاديث الباب بتآويل بعيدة ولا ينبغي إلا بعد أن ينهض على خلاف ما أولوه الدليل» .

زاد أبو الطيب صديق حسن خان في «فتح العلام» «1/ 310» :

«ولا دليل والأحاديث الواردة في الحث على الزيارة النبوية وفضيلتها ليس فيها الأمر بشد الرحال إليها مع أنها كلها ضعاف أو موضوعات لا يصلح شيء منها للاستدلال، ولم يتفطن أكثر الناس للفرق بين مسألة الزيارة وبين مسألة السفر لها فصرفوا حديث الباب عن منطوقه الواضح بلا دليل يدعو إليه» .

قلت: وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى الاستدلال عليها بالأحاديث الضعيفة المشار إليها ففي الباب ما يغني عنها ولو لم يكن في الباب إلا الأحاديث العامة في زيارة القبور كفى في إثبات زيارة قبره عليه الصلاة والسلام وذلك من باب أولى كما لا يخفى ولعله يأتي توضيح ذلك وبيانه في المحل المناسب له.

والخلاصة: أن ما ذهب إليه أبو محمد الجويني ومن وافقه من تحريم السفر إلى غير المساجد الثلاثة من المواضع الفاضلة هو الحق الذي يجب المصير إليه بخلاف السفر للتجارة وطلب العلم ونحو ذلك فإن السفر لطلب تلك الحاجة حيث كانت وكذلك السفر لزيارة الأخ في الله فإنه هو المقصود حيث كان كما قال شيخ الإسلام في «الفتاوى» «2/ 186» (1).

وقد جرى له رحمه الله فتن عظيمة بسبب إفتائه بتحريم شد الرحال لزيارة قبور الأنبياء والصالحين حتى قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكتبه طافحة بالاستدلال لما ذهب إليه وقد رد عليه الإمام السبكي - وكان من معاصريه - وألف في ذلك كتابه المسمى: «شفاء السقام في زيارة خير الأنام» أورد فيه الأحاديث الواردة في زيارة قبره عليه الصلاة والسلام وأقوال العلماء في مشروعيتها وقد وقعت له فيه هفوة عظيمة حيث

ص: 322

عزا إلى شيخ الإسلام القول بإنكار مطلق الزيارة النبوية - أعني بدون شد رحل - مع أنه من القائلين بها والذاكرين لفضلها وآدابها وقد ذكر ذلك فيما غير كتاب من كتبه، ولذلك فقد قام بالرد على السبكي العلامة الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الهادي في مؤلف له كبير أسماه:«الصارم المنكي في الرد على السبكي» وهو كتاب قيم فيه فوائد كثيرة فقهية وحديثية وتاريخية وقد بين فيه بتوسع وتفصيل حال الأحاديث المشار إليها وما فيها من ضعف ووضع، وبرأ ابن تيمية مما نسب إليه من الإنكار بما نقله عنه من النصوص الكثيرة فمن شاء فليرجع إليه.

ومن الغريب أن تروج تلك النسبة الخاطئة إلى ابن تيمية على كثير من العلماء والمشايخ الذين جاؤا بعده وكان آخرهم - إن شاء الله تعالى - الشيخ يوسف النبهاني فقد سود صحائف كثيرة بالطعن في ابن تيمية بجهل ضلال فقام أحد العلماء الأفاضل فرد عليه في كتاب ضخم اسمه: «غاية الأماني في الرد على النبهاني» أبان فيه عن جهل النبهاني وضلالته وانتصر فيه لابن تيمية بحق وعدل فمن شاء الوقوف على الحقيقة فليرجع إليه وليجعل كل اعتماده عليه.

هذا ولا بأس من أن أنقل إليك ما ذكره ولي الله الدهلوي في مسألة شد الرحل لأنه لا يخلو من فائدة جديدة قال رحمه الله في «الحجة البالغة» «1/ 192» :

«كان أهل الجاهلية يقصدون مواضع معظمة بزعمهم يزورونها ويتبركون بها وفيه من التحريف والفساد ما لا يخفى فسد صلى الله عليه وسلم الفساد لئلا يلحق غير الشعائر بالشعائر ولئلا يصير ذريعة لعبادة غير الله والحق عندي أن القبر ومحل عبادة ولي من الأولياء والطور كل ذلك سواء في النهي» .

[الثمر المستطاب (2/ 549)].

ص: 323