الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَحَرَّرَ فَتَدَبَّرْ
قَالَ مُؤَلِّفُهُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ الْعَاجِزُ الْحَقِيرُ مُحَمَّدٌ عَلَاءُ الدِّينِ ابْنُ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْحِصْنِيِّ الْحَنَفِيُّ الْحِصْنِيُّ الْعَبَّاسِيُّ الْإِمَامُ بِجَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ ثَمَّ الْمُفْتِي بِدِمَشْقَ الْمَحْمِيَّةِ قَدْ فَرَغْتُ مِنْ تَأْلِيفِهِ أَوَاخِرَ شَهْرِ مُحَرَّمٍ الْحَرَامِ سَنَةَ إحْدَى وَسَبْعِينَ وَأَلْفٍ هِجْرِيَّةً، عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى التَّحِيَّةِ، وَقَدْ بَالَغْتُ فِي تَلْخِيصِهِ وَتَحْرِيرِهِ وَتَنْقِيحِهِ، وَتَبِعْتُ الْمُصَنِّفَ رحمه الله فِي تَغْيِيرِهِ لِمَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ مَتْنِهِ، وَتَصْحِيحِهِ وَنَبَّهْتُ عَلَيْهَا وَعَلَى مَوَاضِعِ سَهْوٍ أُخَرَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالسَّلَامَةُ مِنْ هَذَا الْخَطَرِ، أَمْرٌ يَعِزُّ عَلَى الْبَشَرِ، فَسَتَرَ اللَّهُ عَلَى مَنْ سَتَرَ وَغَفَرَ لِمَنْ غَفَرَ:
وَإِنْ تَجِدْ عَيْبًا فَسُدَّ الْخَلَلَا
…
جَلَّ مَنْ لَا فِيهِ عَيْبٌ وَعَلَا
ــ
[رد المحتار]
أَصْلَهَا مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى ثَمَانِيَةٍ فَإِذَا اسْتَوْفَتْ الْأُخْتُ نَصِيبَهَا وَهُوَ ثَلَاثَةٌ بَقِيَ خَمْسَةٌ وَلَوْ جُعِلَتْ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لَكَانَتْ مِنْ 6 وَبَقِيَ سَهْمٌ لِلْعَصَبَةِ اهـ وَصَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ لَكَانَتْ مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ بِسَهْمٍ إلَى سَبْعَةٍ كَمَا وُجِدَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الزَّيْلَعِيِّ وَلَكِنْ مَا مَرَّ وُجِدَ بِخَطِّهِ كَذَلِكَ فَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ إذْ لَا عَصَبَةَ هُنَا (قَوْلُهُ: ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَحَرَّرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ فَاطْرَحْ سِهَامَهُ مِنْ التَّصْحِيحِ
[خَاتِمَة الْكتاب]
(قَوْلُهُ: قَالَ مُؤَلِّفُهُ) مِنْ التَّأْلِيفِ وَهُوَ إيقَاعُ الْأُلْفَةِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ، أَخَصُّ مِنْ التَّرْكِيبِ، وَيُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى كِتَابٍ جُمِعَتْ فِيهِ مَسَائِلُ مُؤْتَلِفَةٌ مِنْ أَيِّ عِلْمٍ كَانَ بِمَعْنَى الْمُؤَلَّفِ بِالْفَتْحِ وَجَامِعُهُ مُؤَلِّفٌ بِالْكَسْرِ (قَوْلُهُ: الْحَقِيرُ) مِنْ الْحَقْرِ وَهُوَ الذِّلَّةُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: الْحِصْنِيُّ) نِسْبَةٌ إلَى مَوْضِعٍ يُسَمَّى حِصْنَ كَيْفَا وَاشْتُهِرَ فِي نِسْبَةِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَفْظُ الْحَصْكَفِيِّ فَهُوَ مِنْ بَابِ النَّحْتِ (قَوْلُهُ: الْعَبَّاسِيُّ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ نِسْبَةٌ إلَى سَيِّدِنَا الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمِّ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ: الْإِمَامُ) بِالرَّفْعِ صِفَةُ مُحَمَّدٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ صِفَةٌ لِعَلِيٍّ لَكِنْ الَّذِي كَانَ إمَامَ الْحَنَفِيَّةِ بِجَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ وَالْمُفْتِي بِدِمَشْقَ الْمَحْمِيَّةِ هُوَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَذَا كَانَ مُدَرِّسَ الْحَدِيثِ تَحْتَ الْقُبَّةِ بِجَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ وَمُدَرِّسَ التَّكِيَّةِ السَّلِيمَةِ وَلَمْ يَشْتَهِرْ وَالِدُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: هِجْرِيَّةً) نِسْبَةٌ إلَى الْهِجْرَةِ أَيْ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنُسِبَ التَّارِيخُ إلَيْهَا لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ مِنْهَا وَأَوَّلُ مَنْ ابْتَدَأَ بِهِ عُمَرُ رضي الله عنه وَالْعَرَبُ كَانَتْ تُؤَرِّخُ بِعَامِ التَّفَرُّقِ وَهُوَ تَفَرُّقُ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ عليه السلام وَخُرُوجُهُمْ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ أَرَّخُوا بِعَامِ الْفِيلِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَبْلَ الْمَحَاضِرِ.
(قَوْلُهُ: فِي تَلْخِيصِهِ) التَّلْخِيصُ التَّبْيِينُ وَالشَّرْحُ وَالتَّخْلِيصُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: وَتَحْرِيرِهِ وَتَنْقِيحِهِ) تَحْرِيرُ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ تَقْوِيمُهُ وَالتَّنْقِيحُ التَّهْذِيبُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: لِمَوَاضِعَ) اللَّامُ زَائِدَةٌ لِلتَّقْوِيَةِ (قَوْلُهُ: وَتَصْحِيحِهِ) عَطْفٌ عَلَى تَغْيِيرِهِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى مَوَاضِعِ سَهْوٍ أُخَرَ) أَيْ مِمَّا فَاتَ الْمُصَنِّفَ تَغْيِيرُهَا (قَوْلُهُ: وَبِالْجُمْلَةِ) أَيْ وَأَقُولُ قَوْلًا مُلْتَبِسًا بِالْجُمْلَةِ أَيْ مُجْتَمِعًا قَالَ فِي الْقَامُوسِ جَمَلَ جَمَعَ، وَأَجْمَلَ الشَّيْءَ جَمَعَهُ عَنْ تَفْرِقَةٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ مِنْ الْمُصَنِّفِ سَهْوٌ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ وَإِنْ نَبَّهْتُ عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ السَّهْوِ فَإِنِّي قَدْ أَسْهُو لِأَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ هَذَا الْخَطَرِ بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الْإِشْرَافُ عَلَى الْهَلَاكِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْأَمْرُ الشَّاقُّ عَبَّرَ بِهِ عَنْ السَّهْوِ، أَمْرٌ يَعِزُّ بِالْكَسْرِ كَيَقِلُّ وَزْنًا وَمَعْنًى أَيْ يَنْدُرُ أَوْ يَعْسُرُ أَوْ يَضِيقُ أَوْ يَعْظُمُ عَلَى الْبَشَرِ فَلَا يُحَصِّلُونَهُ لِأَنَّ السَّهْوَ وَالنِّسْيَانَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِنْسَانِ وَأَوَّلُ نَاسٍ أَوَّلُ النَّاسِ وَفِي هَذَا هَضْمٌ لِنَفْسِهِ وَاعْتِذَارٌ عَنْهُ وَعَنْ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: فَسَتَرَ اللَّهُ عَلَى مَنْ سَتَرَ) الْفَاءُ فَصِيحَةٌ أَيْ إذَا كَانَ مَا ذُكِرَ فَالْمَطْلُوبُ السَّتْرُ إلَّا فِي مَقَامِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: وَغَفَرَ لِمَنْ غَفَرَ) الْغَفْرُ السَّتْرُ فَهُوَ عَطْفٌ مُرَادِفٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَجِدْ عَيْبًا إلَخْ) هَذَا الْبَيْتُ بِمَعْنَى الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: فَسُدَّ الْخَلَلَا) الْخَلَلُ مُنْفَرِجُ مَا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَالْوَهَنُ فِي الْأَمْرِ وَأَمْرٌ مُخْتَلٌّ وَاهٍ وَأَخَلَّ بِالشَّيْءِ أَجْحَفَ قَامُوسٌ وَأَلِفُهُ لِلْإِطْلَاقِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَيْبُ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَأْتِيَ بَدَلَهُ الضَّمِيرُ وَلَكِنْ أَتَى بِالظَّاهِرِ مُعَبِّرًا عَنْهُ بِلَفْظٍ آخَرَ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّ الْعَيْبَ مِنْ سَهْوٍ وَنَحْوِهِ خَلَلٌ، نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 98] بَعْدَ قَوْلِهِ {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ} [البقرة: 98] الْآيَةَ لِلتَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ وَالْمُرَادُ بِسَدِّهِ سَتْرُهُ أَوْ تَأْوِيلُهُ حَيْثُ أَمْكَنَ.
(قَوْلُهُ: جَلَّ) أَيْ عَظُمَ وَتَعَالَى فَعَطْفُ عَلَا عَلَيْهِ تَفْسِيرٌ وَهَذَا الْكَلَامُ مُرْتَبِطٌ بِكَلَامٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ
كَيْفَ لَا وَقَدْ بَيَّضْتُهُ وَفِي قَلْبِي مِنْ نَارِ الْبِعَادِ، عَنْ الْبِلَادِ وَالْأَوْلَادِ، وَالْإِخْوَانِ وَالْأَحْفَادِ مَا يُفَتِّتُ الْأَكْبَادَ. فَرَحِمَ اللَّهُ التَّفْتَازَانِيُّ حَيْثُ اعْتَذَرَ وَأَجَادَ، حَيْثُ قَالَ نَظْمًا:
يَوْمًا بِحُزْوَى وَيَوْمًا بِالْعَقِيقِ
…
وَبِالْعَذِيبِ يَوْمًا وَيَوْمًا بِالْخُلَيْصَاءِ
لَكِنْ لِلَّهِ الْحَمْدُ أَوَّلًا وَآخِرًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا
ــ
[رد المحتار]
السِّيَاقُ أَيْ فَسُدَّ الْخَلَلَ وَلَا تُعَيِّرْ بِهِ وَلَا تَفْضَحْ فَإِنَّ كُلَّ بَنِي آدَمَ مَا عَدَا مَنْ عُصِمَ مِنْهُمْ فِيهِ عَيْبٌ وَاَلَّذِي تَنَزَّهَ عَنْ الْعُيُوبِ بِتَمَامِهَا هُوَ الْحَقُّ جَلَّا وَعَلَا ط وَالشَّطْرُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ مِنْ بَحْرِ الرَّجَزِ وَالشَّطْرُ الثَّانِي مِنْ بَحْرِ الرَّمَلِ وَلَوْ قَالَ إنْ تَجِدْ بِدُونِ وَاوٍ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ صَارَ الْأَوَّلُ مِنْ بَحْرِ الثَّانِي أَوْ قَالَ فَجَلَّ بِالْفَاءِ صَارَ الثَّانِي مِنْ بَحْرِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: كَيْفَ لَا) مَنْفِيُّ لَا مَحْذُوفٌ أَيْ كَيْفَ لَا يُوجَدُ مِنِّي سَهْوٌ وَالْحَالُ كَذَا فَهُوَ اعْتِذَارٌ آخَرُ عَنْ وُجُودِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بَيَّضْتُهُ) أَيْ نَقَلْتُهُ مِنْ الْمُسَوَّدَةِ إلَى الْمُبَيَّضَةِ وَالْمُسَوَّدَةُ فِي اصْطِلَاحِ الْمُؤَلِّفِينَ الْأَوْرَاقُ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا إنْشَاءُ التَّأْلِيفِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ سَوَادِهَا بِكَثْرَةِ الْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ، وَالْمُبَيَّضَةُ الَّتِي نَقَلَ إلَيْهَا الْمُؤَلِّفُ مَا أَنْشَأَهُ وَأَثْبَتَهُ فِي الْمُسَوَّدَةِ (قَوْلُهُ: مِنْ نَارِ الْبِعَادِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ مَصْدَرُ بَاعَدَ، وَمِنْ بَيَانٌ لِمَا فِي قَوْلِهِ مَا يُفَتِّتُ أَوْ تَعْلِيلِيَّةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} [نوح: 25] وَقَدْ شَبَّهَ مَا بِقَلْبِهِ مِنْ مَشَقَّةِ الْبِعَادِ وَأَلَمِ الْفِرَاقِ بِالنَّارِ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ أَصْلِيَّةٌ وَالْقَرِينَةُ إضَافَةُ النَّارِ إلَى الْبِعَادِ أَوْ شَبَّهَ الْبِعَادَ بِحَطَبٍ لَهُ نَارٌ اسْتِعَارَةٌ مَكِنِيَّةٌ وَإِثْبَاتُ النَّارِ لَهُ تَخْيِيلٌ أَوْ أَضَافَ الْمُشَبَّهَ بِهِ إلَى الْمُشَبَّهِ أَيْ مِنْ بِعَادٍ كَالنَّارِ، مِثْلُ لُجَيْنِ الْمَاءِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَحْفَادِ) الْبَنَاتُ أَوْ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ أَوْ الْأَصْهَارُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: مَا يُفَتِّتُ الْأَكْبَادَ) أَيْ يُقَطِّعُهَا وَيَشُقُّهَا وَالْأَكْبَادُ جَمْعُ كَبْدٍ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَكَكَتِفٍ وَقَدْ يُذَكَّرُ قَامُوسٌ وَالْمُرَادُ كَبِدٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ كَبِدُهُ لِأَنَّ مَا فِي قَلْبِهِ لَا يُفَتِّتُ كَبِدَ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا جَمَعَ لِلسَّجْعَةِ أَوْ عَلَى مَعْنَى أَنَّ فِي قَلْبِي مِنْ جِنْسِ مَا يُفَتِّتُ الْأَكْبَادَ أَوْ أَنَّ فِي قَلْبِي مَا لَوْ كَانَ لِي أَكْبَادٌ مُتَعَدِّدَةٌ لَفَتَّتَهَا أَوْ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ مِمَّا فِي قَلْبِي يَسْتَقِلُّ بِتَفْتِيتِ الْكَبِدِ فَصَارَتْ كَأَنَّهَا أَكْبَادٌ مُتَعَدِّدَةٌ (قَوْلُهُ: فَرَحِمَ اللَّهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ حَيْثُ ذَاقَ أَلَمَ الْفِرَاقِ وَكَابَدَ مَا يُكَابِدُهُ الْمُشْتَاقُ مِنْ تَشْتِيتِ الْبَالِ وَتَوَاتُرِ الْبَلْبَالِ عَلِمَ أَنَّ اعْتِذَارَ هَذَا الْإِمَامِ الَّذِي سَبَقَهُ بِنَحْوِ هَذَا الْكَلَامِ اعْتِذَارٌ مَقْبُولٌ لَا مَحَالَةَ فَتَحَرَّكَتْ نَفْسُهُ إلَى الدُّعَاءِ لَهُ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
لَا يَعْرِفُ الْوَجْدَ إلَّا مَنْ يُكَابِدُهُ
…
وَلَا الصَّبَابَةَ إلَّا مَنْ يُعَانِيهَا
(قَوْلُهُ: التَّفْتَازَانِيُّ) اسْمُهُ مَسْعُودٌ وَلَقَبُهُ سَعْدُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ نِسْبَةٌ إلَى تَفْتَازَانَ بِالْفَتْحِ بَلَدٌ بِخُرَاسَانَ وُلِدَ بِهَا سَنَةَ 722 وَتُوُفِّيَ بِسَمَرْقَنْدَ سَنَةَ 792 وَنُقِلَ إلَى سَرْخَسَ فَدُفِنَ بِهَا (قَوْلُهُ: حَيْثُ اعْتَذَرَ) أَيْ فِي خُطْبَةِ الْمُخْتَصَرِ شَرْحِ تَلْخِيصِ الْمَعَانِي وَقَالَ قَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ أَيْضًا مَعَ جُمُودِ الْقَرِيحَةِ بِصَرِّ الْبَلِيَّاتِ، وَخُمُودِ الْفَطِنَةِ بِصَرْصَرِ النَّكَبَاتِ، وَتَرَامِي الْبُلْدَانِ بِي وَالْأَقْطَارِ، وَنُبُوِّ الْأَوْطَانِ عَنِّي وَالْأَوْطَارِ، حَتَّى طَفِقْتُ أَجُوبُ كُلَّ أَغْبَرَ قَاتِمِ الْأَرْجَاءِ، وَأُحَرِّرُ كُلَّ سَطْرٍ مِنْهُ فِي شَطْرٍ مِنْ الْبَيْدَاءِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ قَالَ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ حَيْثُ اعْتَذَرَ.
(قَوْلُهُ: يَوْمًا بِحُزْوَى إلَخْ) أَسْمَاءُ مَوَاضِعَ وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ مُطْلَقُ الْوَقْتِ وَمُتَعَلَّقُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ أَكُونُ (قَوْلُهُ: لَكِنْ لِلَّهِ الْحَمْدُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ أَيْ إنَّهُ وَإِنْ حَصَلَ لِي مَا حَصَلَ مِنْ الْبِعَادِ عَنْ الْبِلَادِ فَقَدْ أَثْمَرَ لِي ثَمَرَةً عَظِيمَةَ الْمُفَادِ الَّتِي هِيَ عَلَامَةُ الْقَبُولِ وَدَلِيلُ الْوُصُولِ إلَى الْمَأْمُولِ (قَوْلُهُ: أَوَّلًا وَآخِرًا) أَيْ أَوَّلَ كُلِّ أَمْرٍ وَآخِرَهُ (قَوْلُهُ: ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) أَيْ حَمْدًا فِي الظَّاهِرِ بِالثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْبَاطِنِ
فَلَقَدْ مَنَّ بِابْتِدَاءِ تَبْيِيضِهِ تُجَاهَ وَجْهِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ وَالْقَدْرِ الْمُنِيفِ، وَبِخَتْمِهِ تُجَاهَ قَبْرِ صَاحِبِ هَذَا الْمَتْنِ الشَّرِيفِ، فَلَعَلَّهُ عَلَامَةُ الْقَبُولِ مِنْهُمْ وَالتَّشْرِيفِ قَالَ مُؤَلِّفُهُ:
فَيَا شَرَفِي إنْ كُنْتَ رَبِّي قَبِلْتَهُ
…
وَإِنْ كَانَ كُلُّ النَّاسِ رَدُّوهُ عَنْ حَسَدْ
فَتَقْبَلُنِي مَعْ مَاتِنٍ وأَسَاتِذٍ
…
وَتَحْشُرُنَا جَمْعًا مَعَ الْمُصْطَفَى أَحْمَدْ
وَإِخْوَانِنَا الْمُسْدِي لَنَا الْخَيْرَ دَائِمًا
…
وَوَالِدِنَا دَاعٍ لَنَا طَالِبِ الرَّشَدْ
ــ
[رد المحتار]
بِالْجَنَانِ (قَوْلُهُ: فَلَقَدْ) الْفَاءُ لِلتَّعْلِيلِ وَاللَّامُ لِلْقَسَمِ فَهُوَ حَمْدٌ عَلَى نِعْمَةٍ مُعَيَّنَةٍ (قَوْلُهُ: مَنَّ) أَيْ أَنْعَمَ هُوَ أَيْ الْمَوْلَى تَعَالَى (قَوْلُهُ: بِابْتِدَاءِ تَبْيِيضِهِ) أَيْ الْمُؤَلَّفِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ مُؤَلِّفُهُ وَقَوْلُهُ قَدْ فَرَغْتُ مِنْ تَأْلِيفِهِ (قَوْلُهُ: تُجَاهَ) أَصْلُهُ وِجَاهَ أُبْدِلَتْ الْوَاوُ تَاءً مِنْ الْمُوَاجَهَةِ بِمَعْنَى الْمُقَابَلَةِ (قَوْلُهُ: صَاحِبِ الرِّسَالَةِ) أَلْ لِلْعَهْدِ أَيْ الرِّسَالَةِ الْعَامَّةِ الدَّائِمَةِ (قَوْلُهُ: وَالْقَدْرِ) أَيْ الرُّتْبَةِ الْعَلِيَّةِ (قَوْلُهُ: الْمُنِيفِ) أَيْ الزَّائِدِ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ الْعَالِي مِنْ قَوْلِهِمْ لِمَا زَادَ عَلَى الْعَقْدِ نَيِّفٌ وَنَافَ وَأَنَافَ عَلَى الشَّيْءِ أَشْرَفَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: تُجَاهَ قَبْرِ صَاحِبِ هَذَا الْمَتْنِ الشَّرِيفِ) وَذَلِكَ بِبَلَدِهِ وَهِيَ غَزَّةُ هَاشِمٌ (قَوْلُهُ: فَلَعَلَّهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَالْخَتْمِ (قَوْلُهُ: عَلَامَةُ الْقَبُولِ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ صَاحِبِ الْمَتْنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْقَبُولُ الرِّضَا بِالشَّيْءِ مَعَ تَرْكِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى فَاعِلِهِ وَقِيلَ الْإِثَابَةُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: وَالتَّشْرِيفِ) يُقَالُ شَرُفَ كَكَرُمَ شَرَفًا عَلَا فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا وَشَرَّفَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ مِنْ الشَّرَفِ قَامُوسٌ.
(قَوْلُهُ: قَالَ مُؤَلِّفُهُ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ: فَيَا شَرَفِي) أَيْ اُحْضُرْ فَهَذَا وَقْتُك لِحُصُولِ مُقْتَضِيك وَالْأَبْيَاتُ مِنْ الطَّوِيلِ وَالضَّمِيرُ فِي قَبِلْتَهُ لِلتَّأْلِيفِ ط (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ كُلُّ النَّاسِ) أَيْ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ أَوْ مِنْهُمْ وَمِمَّنْ بَعْدَهُمْ (قَوْلُهُ: رَدُّوهُ عَنْ حَسَدْ) بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَعَنْ بِمَعْنَى اللَّامِ أَيْ لِأَجْلِ حَسَدِهِمْ لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ} [هود: 53] أَوْ بِمَعْنَى مِنْ أَيْ رَدًّا نَاشِئًا مِنْ حَسَدٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25](قَوْلُهُ: فَتَقْبَلُنِي) بِالتَّخْفِيفِ أَيْ تُثِيبُنِي وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ (قَوْلُهُ: وأَسَاتِذٍ) جَمْعُ أُسْتَاذٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَمَعْنَاهُ الْمَاهِرُ بِالشَّيْءِ وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا أَشْيَاخُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ لِمَا فِي الْقَامُوسِ لَا تَجْتَمِعُ السِّينُ وَالذَّالُ الْمُعْجَمَةُ فِي كَلِمَةٍ عَرَبِيَّةٍ (قَوْلُهُ: وَتَحْشُرُنَا جَمْعًا) أَيْ حَالَ كَوْنِنَا مُجْتَمِعِينَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَالْمَصْدَرُ حَالٌ وَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ جَمْعًا بِمَعْنَى جَمِيعًا تَأْكِيدٌ لِضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِأَنَّ الْحَشْرَ بِمَعْنَى الْجَمْعِ وَقَدْ وَرَدَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُحْشَرُ وَأُمَّتَهُ فِي مَحْشَرٍ مُنْفَرِدٍ عَنْ مَحْشَرِ كُلِّ الْخَلَائِقِ، فَالْمَعِيَّةُ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ لَا أَنْ يُرَادَ بِهَا حَالَةٌ مَخْصُوصَةٌ كَالْقُرْبِ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ: مَعَ الْمُصْطَفَى أَحْمَدْ) قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَبْيَاتِ مِنْ بَحْرِ الطَّوِيلِ، وَالطَّوِيلُ لَهُ عَرُوضٌ وَاحِدَةٌ مَقْبُوضَةٌ وَزْنُهَا مَفَاعِلُنْ وَلِعَرُوضِهِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ وَزْنُهُ مَفَاعِيلُنْ الثَّانِي مَقْبُوضٌ مِثْلُهَا الثَّالِثُ مَحْذُوفٌ وَزْنُهُ فَعُولُنْ وَهَذَا الْبَيْتُ مِنْ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ وَالْبَيْتُ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْبَيْتُ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ الضَّرْبِ الثَّانِي وَهَذَا مَعْدُودٌ مِنْ عُيُوبِ الْقَوَافِي وَيُسَمَّى التَّحْرِيدَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا فِي الْخَزْرَجِيَّةِ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَبْيَاتٌ لِنَظْمِ شُرُوطِ الْوُضُوءِ وَقَعَ فِيهَا نَظِيرُ ذَلِكَ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ هُنَاكَ وَلَوْ قَالَ النَّاظِمُ مَعَ الْمُصْطَفَى السَّنَدْ؛ لَكَانَ أَسَدَّ.
(قَوْلُهُ: وَإِخْوَانِنَا) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَاتِنٍ أَوْ عَلَى قَوْلِهِ الْمُصْطَفَى أَوْ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى نَا فِي تَحْشُرُنَا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى (قَوْلُهُ: الْمُسْدِي) مِنْ الْإِسْدَاءِ بِمَعْنَى الْإِعْطَاءِ أَوْ لَفْظُهُ مُفْرَدٌ مَعْطُوفٌ بِإِسْقَاطِ الْعَاطِفِ أَوْ جَمْعٌ نَعْتٌ لِإِخْوَانِنَا وَأَصْلُهُ الْمُسْدِينَ حُذِفَتْ نُونُهُ لِإِضَافَتِهِ إلَى الْخَبَرِ الْمَجْرُورِ بِهِ وَقَدْ
وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
ــ
[رد المحتار]
فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالظَّرْفِ لِكَوْنِ الْمُضَافِ شِبْهَ الْفِعْلِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي السَّعَةِ قَالَ فِي الْأَلْفِيَّةِ:
فَصْلُ مُضَافٍ شِبْهِ فِعْلٍ مَا نَصَبْ
…
مَفْعُولًا أَوْ ظَرْفًا أَجِزْ وَلَمْ يُعَبْ
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي» وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
كَنَاحِتِ يَوْمًا صَخْرَةٍ بِعَسِيلِ
(قَوْلُهُ: دَائِمًا) صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ قَبُولًا أَوْ حَشْرًا أَوْ إسْدَاءً.
(قَوْلُهُ: دَاعٍ) أَيْ وَدَاعٍ عَلَى حَذْفِ الْعَاطِفِ أَوْ بَدَلٌ مِنْ وَالِدِنَا (قَوْلُهُ: طَالِبِ الرَّشَدْ) أَيْ لَنَا، حَذَفَهُ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ يُقَالُ رَشَدَ كَنَصَرَ وَفَرِحَ رُشْدًا وَرَشَدًا وَرَشَادًا اهْتَدَى وَاسْتَقَامَ عَلَى الْحَقِّ وَالرَّشِيدُ فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى الْهَادِي إلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ. نَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يَهْدِيَنَا إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَيُدِيمَنَا عَلَى الْحَقِّ الْقَوِيمِ، وَيُمَتِّعَنَا بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ فِي جِوَارِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ آمِينَ.