الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ
(كُرِهَ بَيْعُ الْعَذِرَةِ) رَجِيعِ الْآدَمِيِّ (خَالِصَةً لَا) يُكْرَهُ بَلْ يَصِحُّ بَيْعُ (السِّرْقِينِ) أَيْ الزِّبْلِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَصَحَّ) بَيْعُهَا (مَخْلُوطَةً بِتُرَابٍ أَوْ رَمَادٍ غَلَبَ عَلَيْهَا) فِي الصَّحِيحِ (كَمَا صَحَّ الِانْتِفَاعُ بِمَخْلُوطِهَا) أَيْ الْعَذِرَةِ بَلْ بِهَا خَالِصَةً عَلَى مَا صَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ خِلَافًا لِتَصْحِيحِ الْهِدَايَةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَفِي الْمُلْتَقَى أَنَّ الِانْتِفَاعَ كَالْبَيْعِ أَيْ فِي الْحُكْمِ فَافْهَمْ.
(وَجَازَ أَخْذُ دَيْنٍ عَلَى كَافِرٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ) لِصِحَّةِ بَيْعِهِ (بِخِلَافِ) دَيْنٍ عَلَى (الْمُسْلِمِ) لِبُطْلَانِهِ إلَّا إذَا وَكَّلَ ذِمِّيًّا بِبَيْعِهِ فَيَجُوزُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَتَرَكَ ثَمَنَ خَمْرٍ بَاعَهُ مُسْلِمٌ لَا يَحِلُّ لِوَرَثَتِهِ كَمَا بَسَطَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَفِي الْأَشْبَاهِ الْحُرْمَةُ تَنْتَقِلُ
ــ
[رد المحتار]
[فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ]
ِ (قَوْلُهُ كُرِهَ بَيْعُ الْعَذِرَةِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الذَّالِ قُهُسْتَانِيٌّ وَالْكَرَاهَةُ لَا تَقْتَضِي الْبُطْلَانَ لَكِنْ يَأْخُذُ مِنْ مُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ وَصَحَّ مَخْلُوطُهُ أَنَّ بَيْعَ الْخَالِصَةِ بَاطِلٌ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَفِي الْهِدَايَةِ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَنَقَلَهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنْ الْبُرْجَنْدِيُّ عَنْ الْخِزَانَةِ، وَقَالَ وَكَذَا بَيْعُ كُلِّ مَا انْفَصَلَ عَنْ الْآدَمِيِّ كَشَعْرٍ وَظُفْرٍ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْآدَمِيِّ، وَلِذَا وَجَبَ دَفْنُهُ كَمَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ بَلْ يَصِحُّ بَيْعُ السِّرْقِينِ) بِالْكَسْرِ مُعَرَّبُ سِرْكِينٍ بِالْفَتْحِ وَيُقَالُ سِرْجِينٌ بِالْجِيمِ (قَوْلُهُ أَيْ الزِّبْلِ) وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ هُوَ رَجِيعُ مَا سِوَى الْإِنْسَانِ (قَوْلُهُ غَلَبَ عَلَيْهَا) كَذَا قَيَّدَهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمُحِيطِ وَالْكَافِي وَالظَّهِيرِيَّةِ، وَأَطْلَقَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَالْمُحِيطِ فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ أَوْ يُحْمَلَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، أَوْ عَلَى الرُّخْصَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ، لَكِنْ فِي زِيَادَاتِ الْعَتَّابِيِّ أَنَّ الْمُطْلَقَ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ إلَّا إذَا قَامَ دَلِيلُ التَّقْيِيدِ نَصًّا أَوْ دَلَالَةً فَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ لِلْفَقِيهِ ضَرُورِيٌّ قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَصَحَّ بَيْعُهَا مَخْلُوطَةً، وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْإِصْلَاحِ، وَصَحَّ فِي الصَّحِيحِ مَخْلُوطَةٌ وَعِبَارَةُ شَرْحِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُلْتَقَى إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَشَارَ بِنَقْلِهِ إلَى أَنَّ تَصْحِيحَ الِانْتِفَاعِ بِالْخَالِصَةِ تَصْحِيحٌ لِجَوَازِ بَيْعِهَا أَيْضًا وَقَوْلُهُ فَافْهَمْ تَنْبِيهٌ عَلَى ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ) بِأَنْ بَاعَ الْكَافِرُ خَمْرًا وَأَخَذَ ثَمَنَهَا وَقَضَى بِهِ الدَّيْنَ (قَوْلُهُ لِصِحَّةِ بَيْعِهِ) أَيْ بَيْعِ الْكَافِرِ الْخَمْرَ، لِأَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِ فَمَلَكَ الثَّمَنَ فَيَحِلُّ الْأَخْذُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ لِعَدَمِ تَقَوُّمِهَا فِي حَقِّهِ فَبَقِيَ الثَّمَنُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ بَاعَهُ مُسْلِمٌ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ بَاعَهُ هُوَ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُسْلِمَ الْمَيِّتَ أَوْ مُسْلِمٌ غَيْرُهُ بِالْوَكَالَةِ عَنْهُ (قَوْلُهُ كَمَا بَسَطَهُ الزَّيْلَعِيُّ) حَيْثُ قَالَ لِأَنَّهُ كَالْمَغْصُوبِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ: قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: كَسْبُ الْمُغَنِّيَةِ كَالْمَغْصُوبِ لَمْ يَحِلَّ أَخْذُهُ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ مَاتَ الرَّجُلُ وَكَسْبُهُ مِنْ بَيْعِ الْبَاذَقِ أَوْ الظُّلْمِ أَوْ أَخْذِ الرِّشْوَةِ يَتَوَرَّعُ الْوَرَثَةُ، وَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا وَهُوَ أَوْلَى بِهِمْ وَيَرُدُّونَهَا عَلَى أَرْبَابِهَا إنْ عَرَفُوهُمْ، وَإِلَّا تَصَدَّقُوا بِهَا لِأَنَّ سَبِيلَ الْكَسْبِ الْخَبِيثِ التَّصَدُّقُ إذَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ عَلَى صَاحِبِهِ اهـ لَكِنْ فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ فِي كَسْبِ النَّائِحَةِ، وَصَاحِبُ طَبْلٍ أَوْ مِزْمَارٍ، لَوْ أَخَذَ بِلَا شَرْطٍ، وَدَفَعَهُ الْمَالِكُ بِرِضَاهُ فَهُوَ حَلَالٌ وَمِثْلُهُ فِي الْمَوَاهِبِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَمَا جَمَعَ السَّائِلُ مِنْ الْمَالِ فَهُوَ خَبِيثٌ (قَوْلُهُ وَفِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيُّ فِي كِتَابِ الْمِنَنِ: وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْحَرَامَ لَا يَتَعَدَّى إلَى ذِمَّتَيْنِ سَأَلْت عَنْهُ الشِّهَابَ ابْنَ الشَّلَبِيِّ فَقَالَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ، أَمَّا مَنْ رَأَى الْمَكَّاسَ يَأْخُذُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا مِنْ الْمَكْسِ، ثُمَّ يُعْطِيهِ آخَرَ ثُمَّ يَأْخُذُهُ مِنْ ذَلِكَ الْآخَرِ فَهُوَ حَرَامٌ اهـ.
مَعَ الْعِلْمِ إلَّا لِلْوَارِثِ إلَّا إذَا عَلِمَ رَبُّهُ.
قُلْت: وَمَرَّ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لَكِنْ فِي الْمُجْتَبَى مَاتَ وَكَسْبُهُ حَرَامٌ فَالْمِيرَاثُ حَلَالٌ ثُمَّ رَمَزَ وَقَالَ لَا نَأْخُذُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ حَرَامٌ مُطْلَقًا عَلَى الْوَرَثَةِ فَتَنَبَّهْ.
(وَ) جَازَ (تَحْلِيَةُ الْمُصْحَفِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِهِ كَمَا فِي نَقْشِ الْمَسْجِدِ (وَتَعْشِيرُهُ وَنَقْطُهُ) أَيْ إظْهَارُ إعْرَابِهِ وَبِهِ يَحْصُلُ الرِّفْقُ جِدًّا خُصُوصًا لِلْعَجَمِ فَيُسْتَحْسَنُ وَعَلَى هَذَا لَا بَأْسَ بِكِتَابَةِ أَسَامِي السُّوَرِ وَعَدِّ الْآيِ وَعَلَامَاتِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهَا فَهِيَ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ دُرَرٌ وَقُنْيَةٌ وَفِيهَا لَا بَأْسَ بِكَوَاغِدِ أَخْبَارٍ وَنَحْوِهَا فِي مُصْحَفٍ وَتَفْسِيرٍ وَفِقْهٍ وَتُكْرَهُ فِي كُتُبِ نُجُومٍ وَأَدَبٍ وَيُكْرَهُ تَصْغِيرُ مُصْحَفٍ وَكِتَابَتُهُ بِقَلَمٍ دَقِيقٍ يَعْنِي تَنْزِيهًا وَلَا يَجُوزُ لَفُّ شَيْءٍ فِي كَاغِدِ فِقْهٍ وَنَحْوِهِ وَفِي كُتُبِ الطِّبِّ يَجُوزُ.
ــ
[رد المحتار]
وَفِي الذَّخِيرَةِ: سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ عَمَّنْ اكْتَسَبَ مَالَهُ مِنْ أَمْرِ السُّلْطَانِ وَالْغَرَامَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ هَلْ يَحِلُّ لِمَنْ عَرَفَ ذَلِكَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ طَعَامِهِ؟ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ فِي دِينِهِ أَنْ لَا يَأْكُلَ وَيَسَعُهُ حُكْمًا إنْ لَمْ يَكُنْ غَصْبًا أَوْ رِشْوَةً اهـ وَفِي الْخَانِيَّةِ: امْرَأَةٌ زَوْجُهَا فِي أَرْضِ الْجَوْرِ إذَا أَكَلَتْ مِنْ طَعَامِهِ، وَلَمْ يَكُنْ عَيْنُهُ غَصْبًا أَوْ اشْتَرَى طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً مِنْ مَالٍ أَصْلُهُ لَيْسَ بِطَيِّبٍ فَهِيَ فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ وَالْإِثْمُ عَلَى الزَّوْجِ اهـ حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ مَعَ الْعِلْمِ) أَمَّا بِدُونِهِ فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة اشْتَرَى جَارِيَةً أَوْ ثَوْبًا، وَهُوَ لِغَيْرِ الْبَائِعِ فَوَطِئَ أَوْ لَبِسَ، ثُمَّ عَلِمَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْجِمَاعَ وَاللُّبْسَ حَرَامٌ إلَّا أَنَّهُ وَضَعَ عَنْهُ الْإِثْمَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، الْوَطْءُ حَلَالٌ مَأْجُورٌ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَ وَوَطِئَهَا فَبَانَ أَنَّهَا مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا عَلِمَ رَبُّهُ) أَيْ رَبُّ الْمَالِ فَيَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ حَرَامٌ مُطْلَقًا عَلَى الْوَرَثَةِ) أَيْ سَوَاءٌ عَلِمُوا أَرْبَابَهُ أَوْ لَا فَإِنْ عَلِمُوا أَرْبَابَهُ رَدُّوهُ عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا تَصَدَّقُوا بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ.
أَقُولُ: وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ لِأَنَّ الطَّعَامَ أَوْ الْكِسْوَةَ لَيْسَ عَيْنَ الْمَالِ الْحَرَامِ فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِهِ شَيْئًا يَحِلُّ أَكْلُهُ عَلَى تَفْصِيلٍ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ بِخِلَافِ مَا تَرَكَهُ مِيرَاثًا فَإِنَّهُ عَيْنُ الْمَالِ الْحَرَامِ وَإِنْ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ وَالْخَلْطِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ أَدَاءُ ضَمَانِهِ، وَكَذَا لِوَارِثِهِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ حُرْمَتَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي الدِّيَانَةِ لَا الْحُكْمِ فَلَا يَجُوزُ لِوَصِيِّ الْقَاصِرِ التَّصَدُّقُ بِهِ وَيُضَمِّنَهُ الْقَاصِرُ إذَا بَلَغَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ) أَشَارَ بِهِ إلَى ضَعْفِ مَا فِي الْأَشْبَاهِ ط.
(قَوْلُهُ وَجَازَ تَحْلِيَةٌ الْمُصْحَفِ) أَيْ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ كَمَا فِي نَقْشِ الْمَسْجِدِ) أَيْ مَا خَلَا مِحْرَابَهُ أَيْ بِالْجِصِّ وَمَاءِ الذَّهَبِ لَا مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَضَمِنَ مُتَوَلِّيهِ لَوْ فَعَلَ إلَّا إذَا فَعَلَ الْوَاقِفُ مِثْلَهُ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ نَقْشَ حَائِطِ الْقِبْلَةِ، وَيَجُوزُ حَفْرُ بِئْرٍ فِي مَسْجِدٍ لَوْلَا ضَرَرٍ فِيهِ أَصْلًا وَفِيهِ نَفْعٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا يَضْمَنُ فِيهِ الْحَافِرُ لِمَا حَفَرَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا أَفَادَهُ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ (قَوْلُهُ وَتَعْشِيرُهُ) هُوَ جَعْلُ الْعَوَاشِرَ فِي الْمُصْحَفِ وَهُوَ كِتَابَةُ الْعَلَامَةِ عِنْدَ مُنْتَهَى عَشْرِ آيَاتٍ عِنَايَةٌ (قَوْلُهُ أَيْ إظْهَارُ إعْرَابِهِ) تَفْسِيرٌ لِلنَّقْطِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: نَقَطَ الْحَرْفَ أَعْجَمَهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِعْجَامَ لَا يَظْهَرُ بِهِ الْإِعْرَابُ إنَّمَا يَظْهَرُ بِالشَّكْلِ فَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا مَا يَعُمُّهُ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَبِهِ يَحْصُلُ الرِّفْقُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ جَوِّدُوا الْقُرْآنَ كَانَ فِي زَمَنِهِمْ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَمَا بَسَطَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى اعْتِبَارِ حُصُولِ الرِّفْقِ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهَا) كَالسَّجْدَةِ وَرُمُوزِ التَّجْوِيدِ (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِكَوَاغِدِ أَخْبَارٍ) أَيْ بِجَعْلِهَا غِلَافًا لِمُصْحَفٍ وَنَحْوِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَخْبَارِ التَّوَارِيخُ دُونَ الْأَحَادِيثِ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ تَصْغِيرُ مُصْحَفٍ) أَيْ تَصْغِيرُ حَجْمِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَهُ بِأَحْسَنِ خَطٍّ وَأَبْيَنِهِ عَلَى أَحْسَنِ وَرَقٍ وَأَبْيَضِهِ بِأَفْخَمِ قَلَمٍ وَأَبْرَقِ مِدَادٍ وَيُفَرِّجُ السُّطُورِ وَيُفَخِّمُ الْحُرُوفَ وَيُضَخِّمُ الْمُصْحَفَ اهـ قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ وَنَحْوِهِ) الَّذِي فِي الْمِنَحِ وَنَحْوُهُ فِي الْهِنْدِيَّةِ، وَلَا يَجُوزُ
(وَ) جَازَ (دُخُولُ الذِّمِّيِّ مَسْجِدًا) مُطْلَقًا وَكَرِهَهُ مَالِكٌ مُطْلَقًا وَكَرِهَهُ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
قُلْنَا: النَّهْيُ تَكْوِينِيٌّ لَا تَكْلِيفِيٌّ وَقَدْ جَوَّزُوا عُبُورَ عَابِرِ السَّبِيلِ جُنُبًا وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى لَا يَقْرَبُوا لَا يَحُجُّوا وَلَا يَعْتَمِرُوا عُرَاةً بَعْدَ حَجِّ عَامِهِمْ هَذَا عَامِ تِسْعٍ حِينَ أَمَرَ الصِّدِّيقُ وَنَادَى عَلِيٌّ بِهَذِهِ السُّورَةِ قَالَ: أَلَا لَا يَحُجُّ بَعْدَ عَامِنَا هَذَا مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ عُرْيَانٌ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا فَلْيُحْفَظْ قُلْت: وَلَا تَنْسَ مَا مَرَّ فِي فَصْلِ الْجِزْيَةِ
ــ
[رد المحتار]
لَفُّ شَيْءٍ فِي كَاغَدٍ فِيهِ مَكْتُوبٌ مِنْ الْفِقْهِ، وَفِي الْكَلَامِ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ وَفِي كِتَابِ الطِّبِّ يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ اسْمُ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام يَجُوزُ مَحْوُهُ لِيُلَفَّ فِيهِ شَيْءٌ وَمَحْوُ بَعْضِ الْكِتَابَةِ بِالرِّيقِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ مَحْوِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبُصَاقِ، وَلَمْ يُبَيَّنْ مَحْوُ كِتَابَةِ الْقُرْآنِ بِالرِّيقِ هَلْ هُوَ كَاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ كَغَيْرِهِ ط.
(قَوْلُهُ وَجَازَ دُخُولُ الذِّمِّيِّ مَسْجِدًا) وَلَوْ جُنُبًا كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ، وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ التَّتِمَّةِ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ الدُّخُولُ فِي الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَجْمَعُ الشَّيَاطِينِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الدُّخُولِ اهـ وَانْظُرْ هَلْ الْمُسْتَأْمَنُ وَرَسُولُ أَهْلِ الْحَرْبِ مِثْلُهُ وَمُقْتَضَى اسْتِدْلَالِهِمْ عَلَى الْجَوَازِ بِإِنْزَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفْدَ ثَقِيفٍ فِي الْمَسْجِدِ جَوَازُهُ وَيُحَرَّرُ ط (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ قُلْنَا) أَيْ فِي الْجَوَابِ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمَانِعُونَ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى - {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28]- وَمَا ذَكَرَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ (قَوْلُهُ تَكْوِينِيٌّ) نِسْبَةً إلَى التَّكْوِينِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ قَدِيمَةٌ تَرْجِعُ إلَيْهَا صِفَاتُ الْأَفْعَالِ عِنْدَ الْمَاتُرِيدِيَّةِ، فَمَعْنَى لَا يَقْرَبُوا: لَا يَخْلُقُ اللَّهُ فِيهِمْ الْقُرْبَانَ، وَمِثَالُ الْأَمْرِ التَّكْوِينِيِّ:{ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} [فصلت: 11] : وَمِثَالُ الْأَمْرِ التَّكْلِيفِيِّ وَيُقَالُ التَّدْوِينِيُّ أَيْضًا: أَقِيمُوا الصَّلَاةَ: وَالْفَرْقُ أَنَّ الِامْتِثَالَ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الْأَوَّلِ عَقْلًا بِخِلَافِ الثَّانِي اهـ ح وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ خَبَرٌ مَنْفِيٌّ فِي صُورَةِ النَّهْيِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا تَكْلِيفِيٌّ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِالْفُرُوعِ (قَوْلُهُ وَقَدْ جَوَّزُوا إلَخْ) هَذَا إنَّمَا يَحْسُنُ لَوْ ذُكِرَ دَلِيلُ الشَّافِعِيِّ الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ، وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَخْلُو عَنْ الْجَنَابَةِ فَوَجَبَ تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَنْهُ وَحَاصِلُ كَلَامِهِ: أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ لَا يَتِمُّ لِأَنَّهُ قَدْ جَوَّزَ إلَخْ ط (قَوْلُهُ فَمَعْنَى لَا يَقْرَبُوا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ تَكْوِينِيٌّ وَهُوَ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَجُّوا وَاعْتَمَرُوا عُرَاةً كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَافْهَمْ.
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَنْزَلَ وَفْدَ ثَقِيفٍ فِي مَسْجِدِهِ وَهُمْ كُفَّارٌ» ، وَلِأَنَّ الْخُبْثَ فِي اعْتِقَادِهِمْ فَلَا يُؤَدِّي إلَى تَلْوِيثِ الْمَسْجِدِ وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْحُضُورِ اسْتِيلَاءً وَاسْتِغْلَاءً أَوْ طَائِفِينَ عُرَاةً كَمَا كَانَتْ عَادَتُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ اهـ أَيْ فَلَيْسَ الْمَمْنُوعُ نَفْسَ الدُّخُولِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِإِسْنَادِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَرَهُ فِيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ أَلَا لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» ، إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ عَامِ تِسْعٍ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ عَامِهِمْ ط (قَوْلُهُ وَنَادَى عَلِيٌّ بِهَذِهِ السُّورَةِ) كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْتهَا وَفِي نُسْخَةٍ وَنَادَى عَلَى بَعِيرِهِ بِسُورَةِ بَرَاءَةَ، وَهِيَ الَّتِي كَتَبَ عَلَيْهَا ط وَقَالَ إنَّ الْمُنَادِيَ عَلَى الْبَعِيرِ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ بَرَاءَةَ هُوَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَقَدْ أَرْسَلَهُ عليه الصلاة والسلام عَقِبَ الصِّدِّيقِ، فَلَحِقَهُ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ لِيَكُونَ الْآمِرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ عليه الصلاة والسلام اهـ (قَوْلُهُ وَلَا تَنْسَ مَا مَرَّ فِي فَصْلِ الْجِزْيَةِ) حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا دُخُولُهُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ الْمَنْعَ.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَدَمَهُ وَالسِّيَرُ الْكَبِيرُ آخِرُ تَصْنِيفِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَوْرَدَ فِيهِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَالُ اهـ.
أَقُولُ: غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُهُ وَلِذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ آنِفًا مَعَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، لِأَنَّ شَأْنَ الْمُتُونِ ذَلِكَ غَالِبًا تَأَمَّلْ هَذَا.
وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي الْجِزْيَةِ أَيْضًا أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ اسْتِيطَانِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ قَالَ عليه الصلاة والسلام -
(وَ) جَازَ (عِيَادَتُهُ) بِالْإِجْمَاعِ وَفِي عِيَادَةِ الْمَجُوسِيِّ قَوْلَانِ (وَ) جَازَ (عِيَادَةُ فَاسِقٍ) عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَالْعِيَادَةُ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ.
(وَ) جَازَ (خِصَاءُ الْبَهَائِمِ) حَتَّى الْهِرَّةِ، وَأَمَّا خِصَاءُ الْآدَمِيِّ فَحَرَامٌ قِيلَ وَالْفَرَسِ وَقَيَّدُوهُ بِالْمَنْفَعَةِ وَإِلَّا فَحَرَامٌ.
(وَإِنْزَاءُ الْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ) كَعَكْسِهِ قُهُسْتَانِيُّ.
(وَالْحُقْنَةُ)
ــ
[رد المحتار]
«لَا يَجْتَمِعُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ دِينَانِ» وَلَوْ دَخَلَ لِتِجَارَةٍ جَازَ وَلَا يُطِيلُ اهـ
(قَوْلُهُ وَجَازَ عِيَادَتُهُ) أَيْ عِيَادَةُ مُسْلِمٍ ذِمِّيًّا نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا، لِأَنَّهُ نَوْعُ بِرٍّ فِي حَقِّهِمْ وَمَا نُهِينَا عَنْ ذَلِكَ، وَصَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ اللَّهُ «عَادَ يَهُودِيًّا مَرِضَ بِجِوَارِهِ» هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي عِيَادَةِ الْمَجُوسِيِّ قَوْلَانِ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِهِ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُمْ أَبْعَدُ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تُبَاحُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِ وَنِكَاحُهُمْ اهـ.
قُلْت: وَظَاهِرُ الْمَتْنِ كَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ اخْتِيَارُ الْأَوَّلِ لِإِرْجَاعِهِ الضَّمِيرَ فِي عِيَادَتِهِ إلَى الذِّمِّيِّ وَلَمْ يَقُلْ عِيَادَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، كَمَا قَالَ الْقُدُورِيُّ وَفِي النَّوَادِرِ جَارٌ يَهُودِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ مَاتَ ابْنٌ لَهُ أَوْ قَرِيبٌ يَنْبَغِي أَنْ يُعَزِّيَهُ، وَيَقُولَ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك خَيْرًا مِنْهُ، وَأَصْلَحَك وَكَانَ مَعْنَاهُ أَصْلَحَك اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ يَعْنِي رَزَقَك الْإِسْلَامَ وَرَزَقَك وَلَدًا مُسْلِمًا كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَجَازَ عِيَادَةُ فَاسِقٍ) وَهَذَا غَيْرُ حُكْمِ الْمُخَالَطَةِ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُلْتَقَطِ يُكْرَهُ لِلْمَشْهُورِ الْمُقْتَدَى بِهِ الِاخْتِلَاطُ بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ وَالشَّرِّ إلَّا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ، لِأَنَّهُ يَعْظُمُ أَمْرُهُ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَوْ كَانَ رَجُلًا لَا يَعْرِفُ يُدَارِيهِ لِيَدْفَعَ الظُّلْمَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إثْمٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ.
[تَنْبِيهٌ]
مِنْ الْعِيَادَةِ الْمَكْرُوهَةِ إذَا عُلِمَ أَنَّك تُثْقِلُ عَلَى الْمَرِيضِ: فَلَا تَعُدْهُ فَقَدْ قِيلَ مُجَالَسَةُ الثَّقِيلِ حُمَّى الرُّوحِ، وَلَا تُهَوِّلْ عَلَى الْمَرِيضِ، وَلَا تُحَرِّكْ رَأْسَك وَلَا تَقُلْ مَا عَلِمْت أَنَّك عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ الشَّدِيدَةِ، بَلْ هَوِّنْ عَلَيْهِ الْمَرَضَ وَطَيِّبِ قَلْبَهُ، وَقُلْ لَهُ أَرَاك فِي خَيْرٍ بِتَأْوِيلٍ وَاذْكُرْ لَهُ مَا يُزِيدُ رَجَاءَهُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَشُوبًا بِشَيْءٍ مِنْ التَّخْوِيفِ وَلَا تَضَعْ يَدَك عَلَى رَأْسِهِ فَرُبَّمَا يُؤْذِيهِ إلَّا إذَا طَلَبَهُ وَقُلْ لَهُ إذَا دَخَلْت عَلَيْهِ، كَيْف تَجِدُك هَكَذَا جَاءَ عَنْ السَّلَفِ وَلَا تَقُلْ لَهُ أَوْصِ فَإِنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْجُهَّالِ اهـ مُجْتَبًى ط. [فَائِدَةٌ]
يَتَشَاءَمُ النَّاسُ فِي زَمَانِنَا مِنْ الْعِيَادَةِ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ، فَيَنْبَغِي تَرْكُهَا إذَا كَانَ يَحْصُلُ لِلْمَرِيضِ بِذَلِكَ ضَرَرٌ وَرَأَيْت فِي تَارِيخِ الْمُحِبِّي فِي تَرْجَمَةِ الشَّيْخِ فَتْحِ اللَّهِ الْبَيْلُونِيِّ أَنَّهُ قَالَ:
السَّبْتُ وَالِاثْنَيْنِ وَالْأَرْبَعَا
…
تَجَنَّبْ الْمَرْضَى بِهَا أَنْ تُزَارَ
فِي طَيْبَةَ يُعْرَفُ هَذَا فَلَا
…
تَغْفُلْ فَإِنَّ الْعُرْفَ عَالِي الْمَنَارِ
قَالَ الْمُحِبِّيُّ قُلْت: هَذَا عُرْفٌ مَشْهُورٌ لَكِنْ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مَا يَرُدُّ السَّبْتَ مِنْهُ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَفْقِدُ أَهْلَ قَبَاءٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَيَسْأَلُ عَنْ الْمَفْقُودِ فَيُقَالُ لَهُ إنَّهُ مَرِيضٌ، فَيَذْهَبُ يَوْمَ السَّبْتِ لِزِيَارَتِهِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَجَازَ خِصَاءُ الْبَهَائِمِ) عَبَّرَ فِي الْهِدَايَةِ بِالْإِخْصَاءِ، وَالصَّوَابُ مَا هُنَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ نَزْعُ الْخُصْيَةِ، وَيُقَالُ: خَصِيٌّ وَمَخْصِيٌّ (قَوْلُهُ قِيلَ وَالْفَرَسُ) ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ حَرَامٌ ط (قَوْلُهُ وَقَيَّدُوهُ) أَيْ جَوَازُ خِصَاءِ الْبَهَائِمِ بِالْمَنْفَعَةِ وَهِيَ إرَادَةُ سِمَنِهَا أَوْ مَنْعُهَا عَنْ الْعَضِّ بِخِلَافِ بَنِي آدَمَ فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْمَعَاصِي فَيَحْرُمُ أَفَادَهُ الأتقاني عَنْ الطَّحَاوِيِّ.
[تَنْبِيهٌ]
لَا بَأْسَ بِكَيِّ الْبَهَائِمِ لِلْعَلَامَةِ وَثَقْبِ أُذُنِ الطِّفْلِ مِنْ الْبَنَاتِ لِأَنَّهُمْ «كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ» ، وَلَا بَأْسَ بِكَيِّ الصِّبْيَانِ لِدَاءٍ إتْقَانِيٌّ وَالْهِرَّةُ الْمُؤْذِيَةُ لَا تُضْرَبُ، وَلَا تُعْرَكُ أُذُنُهَا بَلْ تُذْبَحُ
لِلتَّدَاوِي وَلَوْ لِلرَّجُلِ بِطَاهِرٍ لَا بِنَجَسٍ وَكَذَا كُلُّ تَدَاوٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِطَاهِرٍ وَجَوَّزَهُ فِي النِّهَايَةِ بِمُحَرَّمٍ إذَا أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً وَلَمْ يَجِدْ مُبَاحًا يَقُومُ مَقَامَهُ. قُلْت: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ» نَفْيُ الْحُرْمَةِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالشِّفَاءِ دَلَّ عَلَيْهِ جَوَازُ شُرْبِهِ لِإِزَالَةِ الْعَطَشِ اهـ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ (وَ) جَازَ إسَاغَةُ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ.
وَجَازَ (رِزْقُ الْقَاضِي) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَوْ بَيْتُ الْمَالِ حَلَالًا جُمِعَ بِحَقٍّ وَإِلَّا لَمْ يَحِلَّ وَعَبَّرَ بِالرِّزْقِ لِيُفِيدَ تَقْدِيرَهُ بِقَدْرِ مَا يَكْفِيهِ وَأَهْلَهُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَلَوْ غَنِيًّا فِي الْأَصَحِّ وَهَذَا لَوْ بِلَا شَرْطٍ وَلَوْ بِهِ كَالْأُجْرَةِ فَحَرَامٌ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ طَاعَةٌ،
ــ
[رد المحتار]
بِسِكِّينٍ حَادٍّ، وَلَوْ مَاتَتْ حَامِلٌ وَأَكْبَرُ رَأْيِهِمْ أَنَّ الْوَلَدَ حَيٌّ شُقَّ بَطْنُهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ، وَبِالْعَكْسِ قُطِعَ الْوَلَدُ إرْبًا إرْبًا تَتَارْخَانِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ لِلتَّدَاوِي) أَيْ مِنْ مَرَضٍ أَوْ هُزَالٍ مُؤَدٍّ إلَيْهِ لَا لِنَفْعٍ ظَاهِرٍ كَالتَّقَوِّي عَلَى الْجِمَاعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَا لِلسِّمَنِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ لِلرَّجُلِ) الْأَوْلَى وَلَوْ لِلْمَرْأَةِ (قَوْلُهُ وَجَوَّزَهُ فِي النِّهَايَةِ إلَخْ) وَنَصُّهُ وَفِي التَّهْذِيبِ: يَجُوزُ لِلْعَلِيلِ شُرْبُ الْبَوْلِ وَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ لِلتَّدَاوِي إذَا أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ أَنَّ شِفَاءَهُ فِيهِ، وَلَمْ يَجِدْ مِنْ الْمُبَاحِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَإِنْ قَالَ الطَّبِيبُ يَتَعَجَّلُ شِفَاؤُك بِهِ فِيهِ وَجْهَانِ، وَهَلْ يَجُوزُ شُرْبُ الْقَلِيلِ مِنْ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي؟ فِيهِ وَجْهَانِ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ اهـ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى بَعْدَ نَقْلِهِ مَا فِي النِّهَايَةِ: وَأَقَرَّهُ فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهَا وَقَدَّمْنَاهُ فِي الطَّهَارَةِ وَالرَّضَاعِ أَنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَيْضًا (قَوْلُهُ نَفْيُ الْحُرْمَةِ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالشِّفَاءِ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ كَمَا مَرَّ.
وَحَاصِلُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَذِنَ لَكُمْ بِالتَّدَاوِي، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَإِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ الدَّوَاءِ شَيْءٌ مُحَرَّمٌ وَعَلِمْتُمْ بِهِ الشِّفَاءَ، فَقَدْ زَالَتْ حُرْمَةُ اسْتِعْمَالِهِ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ (قَوْلُهُ دَلَّ عَلَيْهِ إلَخْ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ إسَاغَةَ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ وَشُرْبَهُ لِإِزَالَةِ الْعَطَشِ إحْيَاءٌ لِنَفْسِهِ مُتَحَقِّقُ النَّفْعِ، وَلِذَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ كَمَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ بِخِلَافِ التَّدَاوِي وَلَوْ بِغَيْرِ مُحَرَّمٍ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ لَا يَأْثَمُ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ) أَيْ أَوَّلَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ حَيْثُ قَالَ الْأَكْلُ لِلْغِذَاءِ وَالشُّرْبُ لِلْعَطَشِ وَلَوْ مِنْ حَرَامٍ أَوْ مَيْتَةٍ أَوْ مَالِ غَيْرٍ وَإِنْ ضَمِنَهُ فَرْضٌ اهـ.
[تَتِمَّةٌ]
لَا بَأْسَ بِشُرْبِ مَا يَذْهَبُ بِالْعَقْلِ فَيَقْطَعُ الْأَكْلَةَ وَنَحْوَهُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ آخِرَ كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ.
(قَوْلُهُ وَجَازَ رِزْقُ الْقَاضِي) الرِّزْقُ بِالْكَسْرِ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَبِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَمْ يَحِلَّ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ حَرَامًا جُمِعَ بِبَاطِلٍ لَمْ يَحِلَّ أَخْذُهُ لِأَنَّ سَبِيلَ الْحَرَامِ وَالْغَصْبِ رَدُّهُ عَلَى أَهْلِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَالِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ اهـ.
أَقُولُ: ظَاهِرُ الْعِلَّةِ أَنَّ أَهْلَهُ مَعْلُومُونَ فَحُرْمَةُ الْأَخْذِ مِنْهُ ظَاهِرَةٌ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمُوا فَهُوَ كَاللُّقَطَةِ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَيُصْرَفُ فِي مَصَارِفِ اللُّقَطَةِ فَقَدْ صَرَّحُوا فِي الْهَدِيَّةِ وَالرِّشْوَةِ لِلْقُضَاةِ وَنَحْوِهِمْ أَنَّهَا تُرَدُّ عَلَى أَرْبَابِهَا إنْ عُلِمُوا وَإِلَّا أَوْ كَانُوا بَعِيدًا حَتَّى تَعَذَّرَ الرَّدُّ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ اللُّقَطَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي كُلِّ زَمَانٍ) مُتَعَلِّقٌ بِتَقْدِيرٍ أَوْ بِيَكْفِيهِ أَيْ يُقَدَّرُ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ (قَوْلُهُ وَلَوْ غَنِيًّا فِي الْأَصَحِّ) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ ثَمَّ الْقَاضِي إذَا كَانَ فَقِيرًا، فَالْأَفْضَلُ بَلْ الْوَاجِبُ الْأَخْذُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إقَامَةُ فَرْضِ الْقَضَاءِ إلَّا بِهِ إذْ الِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ يُقْعِدُهُ عَنْ إقَامَتِهِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَالْأَفْضَلُ الِامْتِنَاعُ عَلَى مَا قِيلَ رِفْقًا بِبَيْتِ الْمَالِ، وَقِيلَ الْأَخْذُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ صِيَانَةً لِلْقَضَاءِ عَنْ الْهَوَانِ، وَنَظَرًا لِمَنْ تَوَلَّى بَعْدَهُ مِنْ الْمُحْتَاجِينَ، لِأَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ زَمَانًا تَعَذَّرَ إعَادَتُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَهَذَا لَوْ بِلَا شَرْطٍ إلَخْ) بِأَنْ تَقَلَّدَ الْقَضَاءَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ،
فَلَمْ تَجُزْ كَسَائِرِ الطَّاعَاتِ قُلْت: وَهَلْ يَجْرِي فِيهِ كَلَامُ الْمُتَأَخِّرِينَ يُحَرَّرُ.
(وَ) جَازَ (سَفَرُ الْأَمَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ) وَالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُبَعَّضَةِ (بِلَا مَحْرَمٍ) هَذَا فِي زَمَانِهِمْ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا لِغَلَبَةِ أَهْلِ الْفَسَادِ وَبِهِ يُفْتِي ابْنُ كَمَالٍ.
(وَ) جَازَ (شِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ وَبَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ (لِأَخٍ وَعَمٍّ وَأُمٍّ وَمُلْتَقِطٍ هُوَ فِي حِجْرِهِمْ) أَيْ فِي كَنَفِهِمْ وَإِلَّا لَا (وَ) جَازَ (إجَارَتُهُ لِأُمِّهِ فَقَطْ) لَوْ فِي حِجْرِهَا وَكَذَا الْمُلْتَقِطُ عَلَى الْأَصَحِّ كَذَا عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ لِشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَمْ أَرَهُ فِيهِ وَيَأْتِي مَتْنًا مَا يُنَافِيهِ فَتَنَبَّهْ. وَكَذَا لِعَمِّهِ عِنْدَ الثَّانِي خِلَافًا لِلثَّالِثِ وَلَوْ أَجَرَ الصَّغِيرُ نَفْسَهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا فَرَغَ الْعَمَلُ لِتَمَحُّضِهِ نَفْعًا فَيَجِبُ الْمُسَمَّى وَصَحَّ إجَارَةُ أَبٍ وَجَدٍّ وَقَاضٍ وَلَوْ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ فِي الصَّحِيحِ
ــ
[رد المحتار]
ثُمَّ رَزَقَهُ الْوَالِي كِفَايَتَهُ، أَمَّا إنْ قَالَ ابْتِدَاءً إنَّمَا أَقْبَلُ الْقَضَاءَ إنْ رَزَقَنِي الْوَالِي كَذَا بِمُقَابَلَةِ قَضَائِي، وَإِلَّا فَلَا أَقْبَلُ فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى الطَّاعَةِ اهـ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ فَلَمْ تَجُزْ) أَيْ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِ أَيْ لَمْ يَجُزْ أَخْذُهَا (قَوْلُهُ يُحَرَّرُ) أَقُولُ: قَدَّمْنَا تَحْرِيرَهُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ كَلَامَ الْمُتَأَخِّرِينَ لَيْسَ عَامًّا فِي كُلِّ طَاعَةٍ بَلْ فِيمَا فِيهِ ضَرُورَةٌ كَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ وَالْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ
(قَوْلُهُ وَجَازَ سَفَرُ الْأَمَةِ) لِأَنَّ الْأَجَانِبَ فِي حَقِّ الْإِمَاءِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى النَّظَرِ وَالْمَسِّ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَارِمِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَأُمِّ الْوَلَدِ إلَخْ) عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَأُمُّ الْوَلَدِ أَمَةٌ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهَا وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ، لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةُ الرَّقَبَةِ وَكَذَا مُعْتَقَةُ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا كَالْمُكَاتَبَةِ عِنْدَهُ اهـ.
وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحُرَّةَ لَا تُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا مَحْرَمٍ.
وَاخْتُلِفَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ وَقِيلَ: إنَّهَا تُسَافِرُ مَعَ الصَّالِحِينَ، وَالصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ غَيْرُ مَحْرَمَيْنِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ قُهُسْتَانِيُّ
(قَوْلُهُ وَجَازَ شِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ) كَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَاسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ مِنَحٌ (قَوْلُهُ فِي حِجْرِهِمْ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا مِنَحٌ (قَوْلُهُ لِشَرْحِ الْمَجْمَعِ) أَيْ لِابْنِ مَلَكٍ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُ فِيهِ) بَلْ الَّذِي فِيهِ بَعْدَ قَوْلِ الْمَجْمَعِ، وَيُسَلِّمُهُ فِي صِنَاعَةٍ وَلَا يُؤَجِّرُهُ فِي الْأَصَحِّ مَا نَصُّهُ قَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ مِنْ أَنَّ إجَارَتَهُ جَائِزَةٌ كَإِجَارَةِ الْأُمِّ الصَّغِيرَ، لِأَنَّ فِيهَا صَوْنًا عَنْ الْفَسَادِ بِكَوْنِهِ مَشْغُولًا بِعَمَلٍ. وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَا يَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ، فَلَا يُؤَجِّرُهُ كَالْعَمِّ بِخِلَافِ الْأُمِّ، لِأَنَّهَا تَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ مَجَّانًا فَتَمْلِكُهُ بِعِوَضٍ اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْوِقَايَةِ نَعَمْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ رِوَايَةَ الْقُدُورِيِّ أَقْرَبُ.
أَقُولُ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمَعِ وَالْوِقَايَةِ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كِتَابِ اللَّقِيطِ وَوَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ هُنَا اضْطِرَابٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا لِعَمِّهِ) أَيْ لِعَمِّ الصَّغِيرِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمِنَحِ وَنَصُّهُ وَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي يَدِ الْعَمِّ فَآجَرَهُ صَحَّ لِأَنَّهُ مِنْ الْحِفْظِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِحُّ اهـ، وَفِي نُسْخَةٍ مُصَحَّحَةٍ كُشِطَ الضَّمِيرُ مِنْ قَوْلِهِ فَآجَرَهُ وَأَبْدَلَهُ بِقَوْلِهِ فَأَجَّرَتْهُ أُمُّهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي التَّبْيِينِ والشُّرُنبُلالِيَّة، لَكِنْ رَأَيْت فِي النِّهَايَةِ عَنْ جَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ مَا نَصُّهُ: وَالْأُمُّ لَوْ آجَرَتْهُ يَجُوزُ إذَا كَانَ فِي حِجْرِهَا وَكَذَا ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْهُ اهـ فَرَاجِعْهُ وَفِي 27 مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَلَا جَدٌّ وَلَا وَصِيٌّ فَآجَرَهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ هُوَ فِي حِجْرِهِ صَحَّ وَلَوْ فِي حِجْرِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَآجَرَهُ آخَرُ أَقْرَبُ كَمَا لَوْ لَهُ أُمٌّ وَعَمَّةٌ وَهُوَ فِي حِجْرِ عَمَّتِهِ فَآجَرَتْهُ أُمُّهُ صَحَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلِمَنْ آجَرَهُ قَبَضَ أُجْرَتَهُ اهـ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ) أَيْ لَمْ يَلْزَمْ كِفَايَةً لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِالضَّرَرِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَصَحَّ إجَارَةُ أَبٍ وَجَدٍّ) وَكَذَا تَصِحُّ إجَارَةُ وَصِيِّهِمَا بِخِلَافِ وَصِيِّ الْقَاضِي حَمَوِيٌّ، وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ عِبَارَةِ الدُّرَرِ فَرَاجِعْهَا. نَعَمْ عَدَّهَا الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا وَصِيُّ الْأَبِ وَصِيَّ
كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الدُّرَرِ فَتَبَصَّرْ.
(وَ) جَازَ (بَيْعُ عَصِيرِ) عِنَبٍ (مِمَّنْ) يُعْلَمُ أَنَّهُ (يَتَّخِذُهُ خَمْرًا) لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَقُومُ بِعَيْنِهِ بَلْ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ وَقِيلَ يُكْرَهُ لِإِعَانَتِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ السِّرَاجِ وَالْمُشْكِلَاتِ أَنَّ قَوْلَهُ مِمَّنْ أَيْ مِنْ كَافِرٍ أَمَّا بَيْعُهُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَيُكْرَهُ وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْبَاقَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا زَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ مَعْزِيًّا لِلْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ بِالِاتِّفَاقِ.
(بِخِلَافِ بَيْعِ أَمْرَدَ مِمَّنْ يَلُوطُ بِهِ وَبَيْعِ سِلَاحٍ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ) لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَقُومُ بِعَيْنِهِ ثُمَّ الْكَرَاهَةُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمْرَدِ مُصَرَّحٌ بِهَا فِي بُيُوعِ الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَاعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْعَيْنِيِّ وَإِنْ أَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْبُغَاةِ. قُلْت: وَقَدَّمْنَا ثَمَّةَ مَعْزِيًّا لِلنَّهْرِ أَنَّ مَا قَامَتْ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ يُكْرَهُ بَيْعُهُ تَحْرِيمًا وَإِلَّا فَتَنْزِيهًا. فَلْيُحْفَظْ تَوْفِيقًا.
(وَ) جَازَ تَعْمِيرُ كَنِيسَةٍ وَ (حَمْلُ خَمْرِ ذِمِّيٍّ) بِنَفْسِهِ أَوْ دَابَّتِهِ (بِأَجْرٍ) .
ــ
[رد المحتار]
الْقَاضِي (قَوْلُهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الدُّرَرِ) أَيْ صَرِيحًا وَعِبَارَتُهَا وَفِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ إذَا آجَرَ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ أَوْ الْقَاضِي الصَّغِيرَ فِي عَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ قِيلَ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ، حَتَّى إذَا آجَرَهُ أَحَدُهُمْ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ وَلَوْ بِالْأَقَلِّ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَلَوْ حُمِلَ الْأَقَلُّ عَلَى الْغَبْنِ الْيَسِيرِ دُونَ الْفَاحِشِ انْتَفَتْ الْمُخَالَفَةُ.
(قَوْلُهُ وَجَازَ) أَيْ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا بَيْعُ عَصِيرِ عِنَبٍ أَيْ مَعْصُورُهُ الْمُسْتَخْرَجُ مِنْهُ فَلَا يُكْرَهُ بَيْعُ الْعِنَبِ وَالْكَرْمِ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا فِي الْمُحِيطِ لَكِنْ فِي بَيْعِ الْخِزَانَةِ أَنَّ بَيْعَ الْعِنَبِ عَلَى الْخِلَافِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يُكْرَهْ بِلَا خِلَافٍ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا تَقُومُ بِعَيْنِهِ إلَخْ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا لَا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ مَا يَحْدُثُ لَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَصْفٌ آخَرُ يَكُونُ فِيهِ قِيَامُ الْمَعْصِيَةِ وَأَنَّ مَا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ مَا تُوجَدُ فِيهِ عَلَى وَصْفِهِ الْمَوْجُودِ حَالَةَ الْبَيْعِ كَالْأَمْرَدِ وَالسِّلَاحِ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ أَمَّا بَيْعُهُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَيُكْرَهُ) لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْجَوَاهِرِ.
أَقُولُ: وَهُوَ خِلَافُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ وَتَعْلِيلِ الشُّرُوحِ بِمَا مَرَّ وَقَالَ ط: وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الْكُفَّارَ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَالْأَصَحُّ خِطَابُهُمْ وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ إعَانَةً عَلَى الْمَعْصِيَةِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فِي بَيْعِ الْعَصِيرِ مِنْهُمَا فَتَدَبَّرْ اهـ وَلَا يَرِدُ هَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالتَّعْلِيلِ الْمَارِّ.
(قَوْلُهُ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْعَيْنِيِّ) وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ عَنْ إجَارَاتِ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ (قَوْلُهُ مَعْزِيًّا لِلنَّهْرِ) قَالَ فِيهِ مِنْ بَابِ الْبُغَاةِ وَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَيْعُ مَا لَمْ تَقُمْ الْمَعْصِيَةُ بِهِ كَبَيْعِ الْجَارِيَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَالْكَبْشِ النَّطُوحِ وَالْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ وَالْعَصِيرِ وَالْخَشَبِ مِمَّنْ يُتَّخَذَ مِنْهُ الْمَعَازِفُ، وَأَمَّا فِي بُيُوعِ الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ بَيْعُ الْأَمْرَدِ مِنْ فَاسِقٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَعْصِي بِهِ مُشْكِلٌ.
وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَيْعُ جَارِيَةٍ مِمَّنْ يَأْتِيهَا فِي دُبُرِهَا أَوْ بَيْعُ غُلَامٍ مِنْ لُوطِيٍّ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ وَعِنْدِي أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، وَهُوَ الَّذِي تَطْمَئِنُّ إلَيْهِ النُّفُوسُ إذْ لَا يُشْكِلُ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعِينًا أَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ فِي الْإِعَانَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذَا اهـ وَفِي حَاشِيَةِ الشَّلَبِيِّ عَلَى الْمُحِيطِ اشْتَرَى الْمُسْلِمُ الْفَاسِقُ عَبْدًا أَمْرَدَ وَكَانَ مِمَّنْ يَعْتَادُ إتْيَانَ الْأَمْرَدِ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ (قَوْلُهُ فَلْيُحْفَظْ تَوْفِيقًا) بِأَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ إثْبَاتِ الْكَرَاهَةِ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ نَفْيِهَا عَلَى التَّحْرِيمِ، فَلَا مُخَالَفَةَ وَأَقُولُ هَذَا التَّوْفِيقُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّ الْأَمْرَدَ مِمَّا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ وَعَلَى مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ هُنَا يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ فِيهِ لِلتَّحْرِيمِ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَإِنَّمَا مَبْنَى كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَدَ لَيْسَ مِمَّا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَتِهِ قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِهِ وَجَازَ إجَارَةُ بَيْتٍ.
(قَوْلُهُ وَجَازَ تَعْمِيرُ كَنِيسَةٍ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ آجَرَ نَفْسَهُ لِيَعْمَلَ فِي الْكَنِيسَةِ وَيُعَمِّرَهَا لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا مَعْصِيَةَ فِي عَيْنِ الْعَمَلِ (قَوْلُهُ وَحَمْلُ خَمْرِ ذِمِّيٍّ)
لَا عَصْرُهَا لِقِيَامِ الْمَعْصِيَةِ بِعَيْنِهِ.
(وَ) جَازَ (إجَارَةُ بَيْتٍ بِسَوَادِ الْكُوفَةِ) أَيْ قُرَاهَا (لَا بِغَيْرِهَا عَلَى الْأَصَحِّ) وَأَمَّا الْأَمْصَارُ وَقُرَى غَيْرِ الْكُوفَةِ فَلَا يُمَكَّنُونَ لِظُهُورِ شِعَارِ الْإِسْلَامِ فِيهَا وَخُصَّ سَوَادُ الْكُوفَةِ، لِأَنَّ غَالِبَ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ (لِيُتَّخَذَ بَيْتَ نَارٍ أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بِيعَةً أَوْ يُبَاعَ فِيهِ الْخَمْرُ) وَقَالَا لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ زَيْلَعِيٌّ.
(وَ) جَازَ (بَيْعُ بِنَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ
ــ
[رد المحتار]
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا عِنْدَهُ وَقَالَا هُوَ مَكْرُوهٌ " لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً وَعَدَّ مِنْهَا حَامِلَهَا» وَلَهُ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الْحَمْلِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَلَا سَبَبَ لَهَا وَإِنَّمَا تَحْصُلُ الْمَعْصِيَةُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَلَيْسَ الشُّرْبُ مِنْ ضَرُورَاتِ الْحَمْلِ، لِأَنَّ حَمْلَهَا قَدْ يَكُونُ لِلْإِرَاقَةِ أَوْ لِلتَّخْلِيلِ، فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِعَصْرِ الْعِنَبِ أَوْ قَطْعِهِ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَمْلِ الْمَقْرُونِ بِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ اهـ زَادَ فِي النِّهَايَةِ وَهَذَا قِيَاسٌ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ، ثُمَّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ آجَرَهُ دَابَّةً لِيَنْقُلَ عَلَيْهَا الْخَمْرَ أَوْ آجَرَهُ نَفْسَهُ لِيَرْعَى لَهُ الْخَنَازِيرَ يَطِيبُ لَهُ الْأَجْرُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَا يُكْرَهُ بَيْعُ الزَّنَانِيرِ مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَالْقَلَنْسُوَةِ مِنْ الْمَجُوسِيِّ، لِأَنَّ ذَلِكَ إذْلَالٌ لَهُمَا وَبَيْعُ الْمُكَعَّبِ الْمُفَضَّضِ لِلرَّجُلِ إنْ لِيَلْبَسَهُ يُكْرَهُ، لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى لُبْسِ الْحَرَامِ وَإِنْ كَانَ إسْكَافًا أَمَرَهُ إنْسَانٌ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ خُفًّا عَلَى زِيِّ الْمَجُوسِ أَوْ الْفَسَقَةِ أَوْ خَيَّاطًا أَمَرَهُ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ ثَوْبًا عَلَى زِيِّ الْفُسَّاقِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّشَبُّهِ بِالْمَجُوسِ وَالْفَسَقَةِ اهـ (قَوْلُهُ لَا عَصْرُهَا لِقِيَامِ الْمَعْصِيَةِ بِعَيْنِهِ) فِيهِ مُنَافَاةٌ ظَاهِرَةٌ لِقَوْلِهِ سَابِقًا لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَقُومُ بِعَيْنِهِ ط وَهُوَ مُنَافٍ أَيْضًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ جَوَازِ اسْتِئْجَارِهِ لِعَصْرِ الْعِنَبِ أَوْ قَطْعِهِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ هُنَا عَصْرُ الْعِنَبِ عَلَى قَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ فَإِنَّ عَيْنَ هَذَا الْفِعْلِ مَعْصِيَةٌ بِهَذَا الْقَصْدِ، وَلِذَا أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى الْخَمْرِ مَعَ أَنَّ الْعَصْرَ لِلْعِنَبِ حَقِيقَةٌ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الْعَصِيرِ وَاسْتِئْجَارِهِ عَلَى عَصْرِ الْعِنَبِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَجَازَ إجَارَةُ بَيْتٍ إلَخْ) هَذَا عِنْدَهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبَيْتِ، وَلِهَذَا يَجِبُ الْأَجْرُ بِمُجَرَّدِ التَّسْلِيمِ، وَلَا مَعْصِيَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ وَهُوَ مُخْتَارٌ فَيَنْقَطِعُ نِسْبِيَّتُهُ عَنْهُ، فَصَارَ كَبَيْعِ الْجَارِيَةِ مِمَّنْ لَا يَسْتَبْرِئُهَا أَوْ يَأْتِيهَا مِنْ دُبُرٍ وَبَيْعِ الْغُلَامِ مِنْ لُوطِيٍّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ آجَرَهُ لِلسُّكْنَى جَازَ وَهُوَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عِبَادَتِهِ فِيهِ اهـ زَيْلَعِيٌّ وَعَيْنِيٌّ وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ، قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْغُلَامِ مِنْ اللُّوطِيِّ، وَالْمَنْقُولُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْفَتَاوَى أَنَّهُ يُكْرَهُ وَهُوَ الَّذِي عَوَّلْنَا عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ اهـ.
أَقُولُ: هُوَ صَرِيحٌ أَيْضًا فِي أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ، وَلِذَا كَانَ مَا فِي الْفَتَاوَى مُشْكِلًا كَمَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْغُلَامِ وَبَيْنَ الْبَيْتِ وَالْعَصِيرِ " فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ التَّعْوِيلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى. نَعَمْ عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ يُشْكِلُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ وَبَيْنَ مَا لَا تَقُومُ بِعَيْنِهِ، فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي السِّلَاحِ وَالْمُكَعَّبِ الْمُفَضَّضِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا هِيَ بِفِعْلِ الشَّارِي فَلْيُتَأَمَّلْ فِي وَجْهِ الْفَرْقِ فَإِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ. نَعَمْ يَظْهَرُ الْفَرْقُ عَلَى مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ التَّعْلِيلِ، لِجَوَازِ بَيْعِ الْعَصِيرِ بِأَنَّهُ لَا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ، بَلْ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ فَهُوَ كَبَيْعِ الْحَدِيدِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ، لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يُعْمَلُ مِنْهُ السِّلَاحُ لَكِنْ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ أَيْضًا إلَى صِفَةٍ أُخْرَى. وَعَلَيْهِ يَظْهَرُ كَوْنُ الْأَمْرَدِ مِمَّا تَقُومُ الْمَعْصِيَةُ بِعَيْنِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْأَمْصَارُ) الْأَنْسَبُ فِي التَّعْبِيرِ كَالْأَمْصَارِ إلَخْ ط (قَوْلُهُ فَلَا يُمَكَّنُونَ) أَيْ مِنْ اتِّخَاذِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَإِظْهَارِ بَيْعِ الْخُمُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بِيعَةً) الْأَوَّلُ مَعْبَدُ الْيَهُودِ وَالثَّانِي مَعْبَدُ النَّصَارَى ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ وَمَنْ ظَنَّ عَكَسَ هَذَا فَقَدْ سَهَا اهـ ابْنُ كَمَالٍ لَكِنْ تُطْلَقُ الْكَنِيسَةُ عَلَى الثَّانِي أَيْضًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْقَامُوسِ وَالْمُغْرِبِ وَالْبِيعَةُ بِالْكَسْرِ جَمْعُهُ بِيَعٌ كَعِنَبٍ.
(قَوْلُهُ وَجَازَ بَيْعُ بِنَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ) أَيْ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِمَنْ بَنَاهُ كَمَنْ بَنَى فِي أَرْضِ الْوَقْفِ لَهُ بَيْعُهُ إتْقَانِيٌّ
وَأَرْضهَا) بِلَا كَرَاهَةٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبِهِ يُفْتَى عَيْنِيٌّ وَقَدْ مَرَّ فِي الشُّفْعَةِ وَفِي الْبُرْهَانِ فِي بَابِ الْعَشْرِ وَلَا يُكْرَهُ بَيْعُ أَرْضِهَا كَبِنَائِهَا وَبِهِ يُعْمَلُ وَفِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ بِنَائِهَا وَإِجَارَتِهَا لَكِنْ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ يُكْرَهُ إجَارَتُهَا وَفِي آخِرِ الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَإِجَارَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ قَالَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَكْرَهُ إجَارَةَ بُيُوتِ مَكَّةَ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ وَكَانَ يُفْتِي لَهُمْ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَيْهِمْ فِي دُورِهِمْ - {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: 25]- وَرَخَّصَ فِيهَا فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ اهـ فَلْيُحْفَظْ. قُلْت: وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ وَالتَّوْفِيقُ وَهَكَذَا كَانَ يُنَادِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَيَّامَ الْمَوْسِمِ وَيَقُولُ يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَتَّخِذُوا لِبُيُوتِكُمْ أَبْوَابًا لِيَنْزِلْ الْبَادِي حَيْثُ شَاءَ ثُمَّ يَتْلُو الْآيَةَ فَلْيُحْفَظْ.
(وَ) جَازَ (قَيْدُ الْعَبْدِ) تَحَرُّزًا عَنْ التَّمَرُّدِ وَالْإِبَاقِ وَهُوَ سُنَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْفُسَّاقِ (وَقَبُولُ هَدِيَّتِهِ تَاجِرًا وَإِجَابَةُ دَعْوَتِهِ وَاسْتِعَارَةُ دَابَّتِهِ) اسْتِحْسَانًا (وَكُرِهَ كِسْوَتُهُ) أَيْ قَبُولُ هَدِيَّةِ الْعَبْدِ (ثَوْبًا وَإِهْدَاؤُهُ النَّقْدَيْنِ) لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ.
(وَاسْتِخْدَامُ الْخَصِيِّ) ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ وَقِيلَ بَلْ دُخُولُهُ عَلَى الْحُرُمِ.
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَأَرْضِهَا) جَزَمَ بِهِ فِي الْكَنْزِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ، لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا لِظُهُورِ آثَارِ الْمِلْكِ فِيهَا وَهُوَ الِاخْتِصَاصُ بِهَا شَرْعًا وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَقَدْ مَرَّ فِي الشُّفْعَةِ) وَمَرَّ أَيْضًا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي دُورِ مَكَّةَ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مِلْكِيَّةِ أَرْضِهَا كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَإِجَارَتُهَا (قَوْلُهُ قَالَا) أَيْ صَاحِبَا الْكِتَابَيْنِ (قَوْلُهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَخْ) أَقُولُ: فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَوْلُهُمَا أَيْضًا حِينَ نَقَلَ عَنْ تَقْرِيبِ الْإِمَامِ الْكَرْخِيِّ مَا نَصُّهُ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَرِهَ إجَارَةَ بُيُوتِ مَكَّةَ فِي الْمَوْسِمِ، وَرَخَّصَ فِي غَيْرِهِ وَكَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ هِشَامٌ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ يُكْرَهُ كِرَاءُ بُيُوتِ مَكَّةَ فِي الْمَوْسِمِ وَيَقُولُ لَهُمْ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَيْهِمْ فِي دُورِهِمْ إذَا كَانَ فِيهَا فَضْلٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ اهـ فَأَفَادَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْإِجَارَةِ وِفَاقِيَّةٌ وَكَذَا قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى صَرَّحُوا بِكَرَاهَتِهَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ اهـ (قَوْلُهُ وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ) أَيْ بِحَمْلِ الْكَرَاهَةِ عَلَى أَيَّامِ الْمَوْسِمِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ جَوَازِ الْبَيْعِ دُونَ الْإِجَارَةِ، وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، حَيْثُ نَقَلَ كَرَاهَةَ إجَارَةِ أَرْضِهَا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالْكَافِي وَالْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ: فَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَ جَوَازِ الْبَيْعِ، وَبَيْنَ عَدَمِ جَوَازِ الْإِجَارَةِ اهـ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ كَرَاهَةَ الْإِجَارَةِ لِحَاجَةِ أَهْلِ الْمَوْسِمِ (قَوْلُهُ وَالتَّوْفِيقُ) بَيْنَ مَا فِي النَّوَازِلِ وَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ بِحَمْلِ الْكَرَاهَةِ عَلَى أَيَّامِ الْمَوْسِمِ وَعَدَمِهَا عَلَى غَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَهَكَذَا) أَيْ كَمَا كَانَ الْإِمَامُ يُفْتِي ط.
(قَوْلُهُ وَاسْتِعَارَةُ دَابَّتِهِ) فَلَا يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ لَوْ عَطِبَتْ تَحْتَهُ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) لِأَنَّ «النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَبِلَ هَدِيَّةَ سَلْمَانَ حِينَ كَانَ عَبْدًا وَقَبِلَ هَدِيَّةَ بَرِيرَةَ وَكَانَتْ مُكَاتَبَةً، وَأَجَابَ رَهْطٌ مِنْ الصَّحَابَةِ دَعْوَةَ مَوْلَى أَبِي أَسِيد وَكَانَ عَبْدًا» ، وَلِأَنَّ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ضَرُورَةً وَلَا يَجِدُ التَّاجِرُ بُدًّا مِنْهَا هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ أَيْ قَبُولُ هَدِيَّةِ الْعَبْدِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ كِسْوَتَهُ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ
(قَوْلُهُ وَاسْتِخْدَامُ الْخَصِيِّ) لِأَنَّ فِيهِ تَحْرِيضَ النَّاسِ عَلَى الْخِصَاءِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ وَيُكْرَهُ كَسْبُ الْخُصْيَانِ وَمِلْكُهُمْ وَاسْتِخْدَامُهُمْ اهـ قَالَ الْحَمَوِيُّ: لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ كَرَاهَةِ كَسْبِهِ.
أَقُولُ: لَعَلَّ الْمُرَادَ كَرَاهَةُ كَسْبِهِ عَلَى مَوْلَاهُ بِأَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهِ ضَرِيبَةً أَوْ مُطْلَقًا لِأَنَّ كَسْبَهُ عَادَةً فِي اسْتِخْدَامِهِ وَدُخُولِهِ عَلَى الْحُرُمِ تَأَمَّلْ.
ثُمَّ رَأَيْت الثَّانِيَ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ وَنَصُّهُ لِأَنَّ كَسْبَهُ يَحْصُلُ بِالْمُخَالَطَةِ مَعَ النِّسْوَانِ اهـ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (قَوْلُهُ وَقِيلَ بَلْ دُخُولُهُ) الْأَوْلَى بَلْ فِي دُخُولِهِ وَعَلَى الْقِيلِ اقْتَصَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ وَالْحَدِيثُ وَالْعِلَّةُ يُفِيدَانِ الْإِطْلَاقَ فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدَ ط وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ (قَوْلُهُ عَلَى الْحُرَمِ) جَمْعُ حُرْمَةٍ بِمَعْنَى الْمَرْأَةِ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرَفٍ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ حَمَوِيٌّ، فَيَكُونُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى الْحَرِيمِ،
لَوْ سِنُّهُ خَمْسَةَ عَشْرَ.
(وَ) كُرِهَ (إقْرَاضُ) أَيْ إعْطَاءُ (بَقَّالٍ) كَخَبَّازٍ وَغَيْرِهِ (دَرَاهِمَ) أَوْ بُرًّا لِخَوْفِ هُلْكِهِ لَوْ بَقِيَ بِيَدِهِ. يُشْتَرَطُ (لِيَأْخُذَ) مُتَفَرِّقًا (مِنْهُ) بِذَلِكَ (مَا شَاءَ) وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ حَالَةَ الْعَقْدِ لَكِنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَدْفَعُ لِذَلِكَ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، لِأَنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ نَفْعًا وَهُوَ بَقَاءُ مَالِهِ فَلَوْ أَوْدَعَهُ لَمْ يُكْرَهْ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ لَا يَضْمَنُ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ قَبْلَ الْإِقْرَاضِ ثُمَّ أَقْرَضَهُ يُكْرَهُ اتِّفَاقًا قُهُسْتَانِيُّ وشُرُنْبُلالِيَّة.
(وَ) كُرِهَ تَحْرِيمًا (اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ وَ) كَذَا (الشِّطْرَنْجِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَيُهْمَلُ وَلَا يُفْتَحُ إلَّا نَادِرًا وَأَبَاحَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ وَنَظَمَهَا شَارِحُ الْوَهْبَانِيَّةِ فَقَالَ:
وَلَا بَأْسَ بِالشِّطْرَنْجِ وَهِيَ رِوَايَةٌ
…
عَنْ الْحَبْرِ قَاضِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ تُؤْثَرُ
وَهَذَا إذْ لَمْ يُقَامِرْ وَلَمْ يُدَاوِمْ وَلَمْ يُخِلَّ بِوَاجِبٍ وَإِلَّا فَحَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ.
ــ
[رد المحتار]
وَفِي الْقَامُوسِ وَالْحَرِيمُ كَأَمِيرٍ مَا حَرُمَ فَلَمْ يُمَسَّ وَثَوْبُ الْمُحْرِمِ وَمَا كَانَ الْمُحْرِمُونَ يُلْقَوْنَهُ مِنْ الثِّيَابِ، فَلَا يَلْبَسُونَهُ وَمِنْ الدَّارِ مَا أُضِيفَ إلَيْهَا مِنْ حُقُوقِهَا وَمَرَافِقِهَا وَهَتْكِ مَا تَحْمِيهِ وَتُقَاتِلُ عَنْهُ كَالْحُرُمِ جَمْعُهُ أَحْرَامٌ وَحُرُمٌ بِضَمَّتَيْنِ وَحُرُمُك بِضَمِّ الْحَاءِ نِسَاؤُك وَمَا تَحْمِي وَهِيَ الْمَحَارِمُ الْوَاحِدَةُ كَمَكْرُمَةٍ وَتُفْتَحُ رَاؤُهُ اهـ فَالْحُرَمُ بِالْفَتْحِ وَالْحَرِيمُ بِمَعْنَى مَا يُحْمَى مُنَاسِبٌ هُنَا أَيْضًا (قَوْلُهُ لَوْ سِنُّهُ خَمْسَةَ عَشْرَ) قَيَّدَ بِالسِّنِّ لِمَا قِيلَ إنَّ الْخَصِيَّ لَا يَحْتَلِمُ.
(قَوْلُهُ بَقَّالٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبَقَّالُ بَيَّاعُ الْأَطْعِمَةِ عَامِّيَّةٌ وَالصَّحِيحُ الْبَدَّالُ اهـ (قَوْلُهُ يُشْتَرَطُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ يُشْتَرَطُ الْأَخْذُ وَقَيَّدَ بِهِ لِمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّمَا يُكْرَهُ إذَا كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِهَا فَصَارَ كَالرُّجْحَانِ الَّذِي دَفَعَهُ صلى الله عليه وسلم اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ حَالَةَ الْعَقْدِ إلَخْ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَسَقَطَ مِنْ بَعْضِهَا قَالَ ط وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ لِيُفِيدَ اتِّحَادَ الْحُكْمِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَيَكُونَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: يُشْتَرَطُ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَجَعَلَ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّنْجِيسِ وَالْمَزِيدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ فِي الْقَرْضِ، أَنْ يَأْخُذَهَا تَبَرُّعًا أَوْ شِرَاءً، أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَلَكِنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَدْفَعُ لِهَذَا وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً وَفِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ: جَازَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطِ الْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا أَخَذَ يَقُولُ فِي كُلِّ وَقْتٍ يَأْخُذُ هُوَ عَلَى مَا قَاطَعْتُك عَلَيْهِ اهـ. أَقُولُ: الْوَجْهُ الثَّالِثُ يَلْزَمُ مِنْهُ الثَّانِي فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الثَّالِثُ عَلَى مَا إذَا أَعْرَضَا وَقْتَ الْقَرْضِ عَنْ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ بَيْنَهُمَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ وَهُوَ بَقَاءُ مَالِهِ) وَكِفَايَتُهُ لِلْحَاجَاتِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ لَخَرَجَ مِنْ سَاعَتِهِ. وَلَمْ يَبْقَ مِنَحٌ (قَوْلُهُ قُهُسْتَانِيٌّ وشُرُنْبُلالِيَّة) عِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ: فَلَوْ تَقَرَّرَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْإِقْرَاضِ أَنْ يُعْطِيَهُ كَذَا دِرْهَمًا لِيَأْخُذَ مِنْهُ مُتَفَرِّقًا ثُمَّ أَقْرَضَهُ لَمْ يُكْرَهْ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْمُحِيطِ اهـ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِمَّا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ إنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى مَا قُلْنَاهُ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الشَّرْحِ: يُكْرَهُ اتِّفَاقًا صَوَابُهُ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ.
(قَوْلُهُ بِالنَّرْدِ) هُوَ اسْمٌ مُعَرَّبٌ وَيُقَالُ لَهُ النَّرْدَشِيرُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَالشَّيِّرُ اسْمُ مَلِكٍ وُضِعَ لَهُ النَّرْدُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ، وَفِي زَيْنِ الْعَرَبِ قِيلَ: إنَّ الشَّيِّرَ مَعْنَاهُ الْحُلْوُ، وَفِيهِ نَظَرٌ قَالُوا هُوَ مِنْ مَوْضُوعَاتِ سَابُورَ بْنِ أَرْدَشِيرَ ثَانِي مُلُوكِ السَّاسَانِيَّةِ وَهُوَ حَرَامٌ مُسْقِطٌ لِلْعَدَالَةِ بِالْإِجْمَاعِ قُهُسْتَانِيُّ (قَوْلُهُ وَالشِّطْرَنْجُ) مُعَرَّبُ شِدْرَنْجَ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّ مَنْ اشْتَغَلَ بِهِ ذَهَبَ عَنَاؤُهُ الدُّنْيَوِيُّ، وَجَاءَهُ الْعَنَاءُ الْأُخْرَوِيُّ فَهُوَ حَرَامٌ وَكَبِيرَةٌ عِنْدَنَا، وَفِي إبَاحَتِهِ إعَانَةُ الشَّيْطَانِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي الْكَافِي قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ إلَخْ) قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمَذْهَبَ مَنْعُ اللَّعِبِ بِهِ كَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ قَاضِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ) هُوَ الْإِمَامُ الثَّانِي أَبُو يُوسُفَ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ شَمَلَتْ الْمَشَارِقَ وَالْمَغَارِبَ، لِأَنَّهُ كَانَ قَاضِي الْخَلِيفَةِ هَارُونِ الرَّشِيدِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَهَذَا إلَخْ) وَكَذَا إذَا لَمْ يَكْثُرْ الْخُلْفُ
(وَ) كُرِهَ (كُلُّ لَهْوٍ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «كُلُّ لَهْوِ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ إلَّا ثَلَاثَةً مُلَاعَبَتَهُ أَهْلَهُ وَتَأْدِيبَهُ لِفَرَسِهِ وَمُنَاضَلَتَهُ بِقَوْسِهِ» .
(وَ) كُرِهَ (جَعْلُ الْغُلِّ) طَوْقٌ لَهُ رَايَةٌ (فِي عُنُقِ الْعَبْدِ) يُعْلَمُ بِإِبَاقِهِ وَفِي زَمَانِنَا لَا بَأْسَ بِهِ لِغَلَبَةِ الْإِبَاقِ خُصُوصًا فِي السُّودَانِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْعَيْنِيِّ (بِخِلَافِ الْقَيْدِ) فَإِنَّهُ حَلَالٌ كَمَا مَرَّ.
(وَ) كُرِهَ (قَوْلُهُ فِي دُعَائِهِ بِمَقْعَدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك)
ــ
[رد المحتار]
عَلَيْهِ وَبِدُونِ هَذِهِ الْمَعَانِي لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ لِلِاخْتِلَافِ فِي حُرْمَتِهِ عَبْدُ الْبَرِّ عَنْ أَدَبِ الْقَاضِي.
[فَرْعٌ]
اللَّعِبُ بِالْأَرْبَعَةِ عَشَرَ حَرَامٌ وَهُوَ قِطْعَةٌ مِنْ خَشَبٍ يُحْفَرُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَسْطُرٍ وَيُجْعَلُ فِي تِلْكَ الْحُفَرِ حَصًى صِغَارٌ يُلْعَبُ بِهَا اهـ مِنَحٌ:
قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهَا الْمُسَمَّاةُ الْآنَ بِالْمِنْقَلَةِ لَكِنَّهَا تُحْفَرُ سَطْرَيْنِ، كُلُّ سَطْرٍ سَبْعُ حُفَرٍ
(قَوْلُهُ وَكُرِهَ كُلُّ لَهْوٍ) أَيْ كُلُّ لَعِبٍ وَعَبَثٍ فَالثَّلَاثَةُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ وَالْإِطْلَاقُ شَامِلٌ لِنَفْسِ الْفِعْلِ، وَاسْتِمَاعُهُ كَالرَّقْصِ وَالسُّخْرِيَةِ وَالتَّصْفِيقِ وَضَرْبِ الْأَوْتَارِ مِنْ الطُّنْبُورِ وَالْبَرْبَطِ وَالرَّبَابِ وَالْقَانُونِ وَالْمِزْمَارِ وَالصَّنْجِ وَالْبُوقِ، فَإِنَّهَا كُلَّهَا مَكْرُوهَةٌ لِأَنَّهَا زِيُّ الْكُفَّارِ، وَاسْتِمَاعُ ضَرْبِ الدُّفِّ وَالْمِزْمَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ حَرَامٌ وَإِنْ سَمِعَ بَغْتَةً يَكُونُ مَعْذُورًا وَيَجِبُ أَنْ يَجْتَهِدَ أَنْ لَا يَسْمَعَ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَمُنَاضَلَتَهُ بِقَوْسِهِ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ النُّقَايَةِ يُقَالُ: انْتَضَلَ الْقَوْمُ وَتَنَاضَلُوا أَيْ رَمَوْا لِلسَّبْقِ وَنَاضَلَهُ إذَا رَمَاهُ اهـ وَفِي الْجَوَاهِرِ قَدْ جَاءَ الْأَثَرُ فِي رُخْصَةِ الْمُسَارَعَةِ، لِتَحْصِيلِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُقَاتَلَةِ دُونَ التَّلَهِّي فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي تَأْدِيبِ الْفَرَسِ وَالْمُنَاضَلَةِ بِالْقَوْسِ ط.
(قَوْلُهُ وَكُرِهَ جَعْلُ الْغُلِّ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ (قَوْلُهُ طَوْقٌ لَهُ رَايَةٌ) الرَّايَةُ بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَالدَّالُ غَلَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ غُلٌّ يُجْعَلُ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ مِنْ الْحَدِيدِ عَلَامَةً عَلَى أَنَّهُ آبِقٌ إتْقَانِيٌّ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ هُوَ طَوْقٌ مُسَمَّرٌ بِمِسْمَارٍ عَظِيمٍ يَمْنَعُهُ مِنْ تَحْرِيكِ رَأْسِهِ اهـ فَتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ يُعْلَمُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ مِنْ الْإِعْلَامِ وَضَمِيرُهُ لِلْغُلِّ وَهُوَ وَجْهُ تَسْمِيَتِهِ بِالرَّايَةِ
(قَوْلُهُ بِمَعْقِدِ الْعِزِّ) بِكَسْرِ الْقَافِ شَلَبِيٌّ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: مَعْقِدُ الْعِزِّ مَوْضِعُ عَقْدِهِ اهـ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ بِالْعَرْشِ وَالْعَرْشُ حَادِثٌ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ يَكُونُ حَادِثًا ضَرُورَةً وَاَللَّهُ تَعَالَى مُتَعَالٍ عَنْ تَعَلُّقِ عِزِّهِ بِالْحَادِثِ سُبْحَانَهُ، بَلْ عِزُّهُ قَدِيمٌ لِأَنَّهُ صِفَتُهُ، وَجَمِيعُ صِفَاتِهِ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِهَا فِي الْأَزَلِ، وَلَا يَزَالُ فِي الْأَبَدِ وَلَمْ يَزِدْ شَيْئًا مِنْ الْكَمَالِ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَزَلِ بِحُدُوثِ الْعَرْشِ وَغَيْرِهِ زَيْلَعِيٌّ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ تَعَالَى بِالْعَرْشِ تَعَلُّقًا خَاصًّا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَرْشُ مَبْدَأً وَمَنْشَأً لِعِزِّهِ تَعَالَى كَمَا تُوهِمُهُ كَلِمَةُ مِنْ فَإِنَّ جَمِيعَ مَعَانِيهَا تَرْجِعُ إلَى مَعْنَى ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَذَلِكَ الْمَعْنَى غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى فَإِنَّ مُؤَدَّاهُ أَنَّ صِفَةَ الْعِزِّ نَاشِئَةٌ مِنْ الْعَرْشِ الْحَادِثِ، فَتَكُونُ حَادِثَةً فَافْهَمْ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أُورِدَ أَنَّ حُدُوثَ تَعَلُّقِ الصِّفَةِ بِالْحَادِثِ لَا يُوجِبُ حُدُوثَهَا، لِعَدَمِ تَوَقُّفِهَا عَلَيْهِ كَتَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ وَنَحْوِهَا بِالْمُحْدَثَاتِ كَمَا بَسَطَهُ الطُّورِيُّ وَوَجْهُ الِانْدِفَاعِ أَنَّ مُجَرَّدَ إيهَامِ الْمَعْنَى الْمُحَالِ كَافٍ فِي الْمَنْعِ عَنْ التَّلَفُّظِ بِهَذَا الْكَلَامِ، وَإِنْ احْتَمَلَ مَعْنًى صَحِيحًا وَلِذَا عَلَّلَ الْمَشَايِخُ بِقَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ يُوهِمُ إلَخْ وَنَظِيرُهُ مَا قَالُوا فِي أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ، وَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ دُونَ التَّعْلِيقِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيهَامِ كَمَا قَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ وَابْنُ الْهُمَامِ فِي الْمُسَايَرَةِ، وَعَلَى هَذَا يُمْنَعُ عَنْ هَذَا اللَّفْظِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْعِزِّ عِزُّ الْعَرْشِ الَّذِي هُوَ صِفَةٌ لَهُ، لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ أَنَّ الْمُرَادَ عِزُّ اللَّهِ تَعَالَى فَيُشْكِلُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ، وَلَوْ جُعِلَ الْعِزُّ صِفَةً لِلْعَرْشِ كَانَ جَائِزًا لِأَنَّ الْعَرْشَ مَوْصُوفٌ فِي الْقُرْآنِ بِالْمَجْدِ وَالْكَرَمِ، فَكَذَا بِالْعِزِّ وَلَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ مَوْضِعُ الْهَيْبَةِ وَإِظْهَارُ كَمَالِ الْقُدْرَةِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ اهـ لَكِنْ أَقَرَّهُ فِي الدُّرَرِ وَالْمِنَحِ وَكَذَا الْمَقْدِسِيَّ وَقَالَ: وَعَلَيْهِ تَكُونُ مِنْ بَيَانِيَّةً أَيْ بِمَعْقِدِ الْعِزِّ الَّذِي هُوَ عَرْشُك، وَهَذَا وَجْهٌ وَجِيهٌ لِمَا اخْتَارَهُ
وَلَوْ بِتَقْدِيمِ الْعَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ لِلْأَثَرِ وَالْأَحْوَطُ الِامْتِنَاعُ لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ فِيمَا يُخَالِفُ الْقَطْعِيَّ إذْ الْمُتَشَابِهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْقَطْعِيِّ هِدَايَةٌ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا لِلْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ إلَّا بِهِ وَالدُّعَاءُ الْمَأْذُونُ فِيهِ الْمَأْمُورُ بِهِ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ قَوْله تَعَالَى - {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180]- قَالَ وَكَذَا لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ
ــ
[رد المحتار]
الْفَقِيهُ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ بِتَقْدِيمِ الْعَيْنِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الَّذِي فِي الْمَتْنِ بِتَقْدِيمِ الْقَافِ، وَهُوَ الَّذِي فِي أَغْلَبِ نُسَخِ الشَّرْحِ وَفِي بَعْضِهَا بِتَقْدِيمِ الْعَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي شَرَحَ عَلَيْهِ فِي الْمِنَحِ، وَهُوَ الْأَوْلَى لِمُوَافَقَتِهِ لِلْمُتُونِ، وَلِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْخِلَافِ وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا رَيْبَ فِي امْتِنَاعِ الثَّانِي لِأَنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ (قَوْلُهُ لِلْأَثَرِ) وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ دُعَائِهِ صلى الله عليه وسلم «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك وَمُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِك وَبِاسْمِك الْأَعْظَمِ وَجَدِّك الْأَعْلَى وَكَلِمَاتِك التَّامَّةِ» ، زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْأَحْوَطُ الِامْتِنَاعُ) وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ إلَى شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ والتمرتاشي وَالْمَحْبُوبِيِّ وَفِي الْفَصْلِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ آخِرِ الْحِلْيَةِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ قَالَ بَعْدَمَا تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْأَثَرِ وَسَنَدِهِ وَأَنَّهُ عَدَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ: قَدْ عَرَفْت أَنَّ هَذَا الْأَثَرَ لَيْسَ بِثَابِتٍ فَالْحَقُّ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُطْلَقَ إلَّا بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ أَوْ بِإِجْمَاعٍ قَوِيٍّ، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ فَالْوَجْهُ الْمَنْعُ، وَتُحْمَلُ الْكَرَاهَةُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ فِيمَا يُخَالِفُ الْقَطْعِيَّ) وَهُوَ تَنْزِيهُ الْحَقِّ تَعَالَى عَنْ مِثْلِهِ ط (قَوْلُهُ إذْ الْمُتَشَابِهُ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَالْمُتَشَابِهُ أَيْ الَّذِي هُوَ كَهَذَا الدُّعَاءِ أَيْ مِمَّا كَانَ ظَاهِرُهُ مُحَالًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ هِدَايَةٌ) أَقُولُ: الْعِبَارَةُ الْمَذْكُورَةُ لِصَاحِبِ الْمِنَحِ، وَأَمَّا عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ فَنَصُّهَا، وَلَكِنَّا نَقُولُ هَذَا خَبَرٌ وَاحِدٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِامْتِنَاعِ اهـ.
[تَنْبِيهٌ]
لِيُنْظَرْ فِي أَنَّهُ يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي نَحْوِ مَا يُؤْثَرُ مِنْ الصَّلَوَاتِ مِثْلِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَدَدَ عِلْمِك وَحِلْمِك، وَمُنْتَهَى رَحْمَتِك، وَعَدَدَ كَلِمَاتِك، وَعَدَدَ كَمَالِ اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُوهِمُ تَعَدُّدَ الصِّفَةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ انْتِهَاءَ مُتَعَلِّقَاتِ نَحْوِ الْعِلْمِ وَلَا سِيَّمَا مِثْلُ عَدَدِ مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُك، وَوَسِعَهُ سَمْعُك وَعَدَدِ كَلِمَاتِك إذْ لَا مُنْتَهَى لِعِلْمِهِ وَلَا لِرَحْمَتِهِ وَلَا لِكَلِمَاتِهِ تَعَالَى وَلَفْظَةُ عَدَدٍ وَنَحْوِهَا تُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ، وَرَأَيْت فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الْفَاسِيِّ عَلَى دَلَائِلِ الْخَيْرَاتِ الْبَحْثَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ إطْلَاقِ الْمُوهِمِ عِنْدَ مَنْ لَا يَتَوَهَّمُ بِهِ أَوْ كَانَ سَهْلَ التَّأْوِيلِ وَاضِحَ الْمَحْمَلِ أَوْ تَخْصِيصٌ بِطُرُقِ الِاسْتِعْمَالِ فِي مَعْنًى صَحِيحٍ، وَقَدْ اخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَيْفِيَّاتٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا إنَّهَا أَفْضَلُ الْكَيْفِيَّاتِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ عَفِيفُ الدِّينِ الْيَافِعِيُّ وَالشَّرَفُ الْبَارِزِيُّ وَالْبَهَاءُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ تِلْمِيذُهُ الْمَقْدِسِيَّ اهـ.
أَقُولُ: وَمُقْتَضَى كَلَامِ أَئِمَّتِنَا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا فِيمَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْفَقِيهُ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ إلَّا بِهِ) أَيْ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ (قَوْلُهُ {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ بَعْضِهِمْ إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَلْفَ اسْمٍ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَهَذَا قَلِيلٌ فِيهَا وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إلَّا وَاحِدًا مِنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَصْرٌ فِيهَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْإِخْبَارُ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِإِحْصَائِهَا.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِإِحْصَائِهَا فَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ مَعْنَاهُ: حِفْظُهَا وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ حَفِظَهَا وَقِيلَ عَدَّهَا فِي الدُّعَاءِ، وَقِيلَ أَحْسَنَ الْمُرَاعَاةَ لَهَا وَالْمُحَافَظَةَ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ بِمَعَانِيهَا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ) أَيْ اسْتِقْلَالًا أَمَّا تَبَعًا كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ جَازَ خَانِيَّةٌ، وَالْمُرَادُ غَيْرُ الْمَلَائِكَةِ، أَمَّا هُمْ فَيَجُوزُ عَلَيْهِمْ اسْتِقْلَالًا
إلَّا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
(وَ) كُرِهَ قَوْلُهُ (بِحَقِّ رُسُلِك وَأَنْبِيَائِك وَأَوْلِيَائِك) أَوْ بِحَقِّ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْخَلْقِ عَلَى الْخَالِقِ تَعَالَى وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ بِحَقِّ اللَّهِ أَوْ بِاَللَّهِ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى فِعْلَهُ دُرَرٌ.
وَفِي الْمُخْتَارَاتِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: سَأَلَ لِوَجْهِ اللَّهِ أَوْ لِحَقِّ اللَّهِ يُعْجِبُنِي أَنْ لَا يُعْطِيَهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ عَظَّمَ مَا حَقَّرَ اللَّهُ وَفِيهَا قَرَأَ الْقُرْآنَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمُوجَبِهِ يُثَابُ عَلَى قِرَاءَتِهِ كَمَنْ يُصَلِّي وَيَعْصِي.
ــ
[رد المحتار]
قَالَ فِي الْغَرَائِبِ: وَالسَّلَامُ يُجْزِي عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ط وَفِي خُطْبَةِ شَرْحِ الْبِيرِيِّ: فَمَنْ صَلَّى عَلَى غَيْرِهِمْ أَثِمَ وَيُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْمُسْتَصْفَى وَحَدِيثِ «صَلَّى اللَّهُ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى» الصَّلَاةُ حَقُّهُ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى غَيْرِهِ ابْتِدَاءً أَمَّا الْغَيْرُ فَلَا اهـ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ آخِرَ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ إلَّا عَلَى النَّبِيِّ) أَلْ لِلْجِنْسِ، وَالْمُنَاسِبُ زِيَادَةُ الْمَلَائِكَةِ ط
(قَوْلُهُ وَكُرِهَ قَوْلُهُ بِحَقِّ رُسُلِك إلَخْ) هَذَا لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَبُو يُوسُفَ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ السَّابِقَةِ كَمَا أَفَادَهُ الْأَتْقَانِيُّ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَجَاءَ فِي الْآثَارِ مَا دَلَّ عَلَى الْجَوَازِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْخَلْقِ عَلَى الْخَالِقِ) قَدْ يُقَالُ إنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ وُجُوبًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى جَعَلَ لَهُمْ حَقًّا مِنْ فَضْلِهِ أَوْ يُرَادُ بِالْحَقِّ الْحُرْمَةُ وَالْعَظَمَةُ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْوَسِيلَةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: - {وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35]-: وَقَدْ عَدَّ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ التَّوَسُّلَ عَلَى مَا فِي الْحِصْنِ، وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ:«اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْك، وَبِحَقِّ مَمْشَايَ إلَيْك، فَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشَرًا وَلَا بَطَرًا» الْحَدِيثَ اهـ ط عَنْ شَرْحِ النُّقَايَةِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِحَقِّهِمْ عَلَيْنَا مِنْ وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِهِمْ وَتَعْظِيمِهِمْ، وَفِي الْيَعْقُوبِيَّةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مَصْدَرًا لَا صِفَةً مُشَبَّهَةً فَالْمَعْنَى بِحَقِّيَّةِ رُسُلِك فَلَا مَنْعَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ أَيْ الْمَعْنَى بِكَوْنِهِمْ حَقًّا لَا بِكَوْنِهِمْ مُسْتَحَقِّينَ.
أَقُولُ: لَكِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا احْتِمَالَاتٌ مُخَالِفَةٌ لِظَاهِرِ الْمُتَبَادَرِ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ وَمُجَرَّدُ إيهَامِ اللَّفْظِ مَا لَا يَجُوزُ كَافٍ فِي الْمَنْعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا يُعَارِضُ خَبَرَ الْآحَادِ فَلِذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَطْلَقَ أَئِمَّتُنَا الْمَنْعَ عَلَى أَنَّ إرَادَةَ هَذِهِ الْمَعَانِي مَعَ هَذَا الْإِيهَامِ فِيهَا الْإِقْسَامُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مَانِعٌ آخَرُ تَأَمَّلْ. نَعَمْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْمُنَاوِيُّ فِي حَدِيثِ «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك وَأَتَوَجَّهُ إلَيْك بِنَبِيِّك نَبِيِّ الرَّحْمَةِ» عَنْ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ يَنْبَغِي كَوْنُهُ مَقْصُورًا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنْ لَا يُقْسِمَ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِهِ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ خَصَائِصِهِ قَالَ وَقَالَ السُّبْكِيُّ: يَحْسُنُ التَّوَسُّلُ بِالنَّبِيِّ إلَى رَبِّهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ وَلَا الْخَلَفِ إلَّا ابْنَ تَيْمِيَّةَ فَابْتَدَعَ مَا لَمْ يَقُلْهُ عَالِمٌ قَبْلَهُ اهـ وَنَازَعَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي دَعْوَى الْخُصُوصِيَّةِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثَ عَشَرَ آخِرَ شَرْحِهِ عَلَى الْمُنْيَةِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ سَأَلَ) أَيْ طَلَبَ مِنْ شَخْصٍ شَيْئًا مِنْ الدُّنْيَا الْحَقِيرَةِ (قَوْلُهُ يُعْجِبُنِي أَنْ لَا يُعْطِيَهُ شَيْئًا) مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ ضَرُورَتَهُ ط.
أَقُولُ: وَلْيُتَأَمَّلْ الْمَنْعُ مَعَ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْجِرَاحِيُّ مِمَّا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ وَمَلْعُونٌ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ اللَّهِ ثُمَّ مَنَعَ سَائِلَهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ هُجْرًا» يَعْنِي قَبِيحًا وَلِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما رَفَعَهُ «مَنْ يَسْأَلْ بِوَجْهِ اللَّهِ فَأَعْطُوهُ» وَلِلطَّبَرَانِيِّ «مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ وَمَلْعُونٌ مَنْ يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ فَيَمْنَعُ سَائِلَهُ» " اهـ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى السُّؤَالِ مِنْ غَيْرِ الدُّنْيَا أَوْ عَلَى مَا إذَا عَلِمَ عَدَمَ حَاجَتِهِ وَأَنَّ سُؤَالَهُ لِلتَّكْثِيرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ يُثَابُ عَلَى قِرَاءَتِهِ) وَإِنْ كَانَ يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْعَمَلِ فَالثَّوَابُ مِنْ جِهَةٍ وَالْإِثْمُ مِنْ أُخْرَى ط
فَرْعٌ]
هَلْ يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ؟ قِيلَ نَعَمْ وَتَمَامُهُ قُبَيْلَ جِنَايَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ.
(وَ) كُرِهَ (احْتِكَارُ قُوتِ الْبَشَرِ) كَتِبْنٍ وَعِنَبٍ وَلَوْزٍ (وَالْبَهَائِمِ) كَتِبْنٍ وَقَتٍّ (فِي بَلَدٍ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ) لِحَدِيثِ «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ لَمْ يُكْرَهْ
ــ
[رد المحتار]
(قَوْلُهُ قِيلَ نَعَمْ) يُشْعِرُ بِضَعْفِهِ مَعَ أَنَّهُ مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَارِ وَالْمُلْتَقَى قَالَ: وَعَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَرِهَ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْجِنَازَةِ وَالزَّحْفِ وَالذِّكْرِ فَمَا ظَنُّك عِنْدَ الْغِنَاءِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ وَجْدًا وَمَحَبَّةً فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الدِّينِ اهـ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ قُبَيْلَ جِنَايَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ) أَقُولُ: اضْطَرَبَ كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ فَنَقَلَ أَوَّلًا عَنْ فَتَاوَى الْقَاضِي أَنَّهُ حَرَامٌ لِمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَخْرَجَ جَمَاعَةً مِنْ الْمَسْجِدِ يُهَلِّلُونَ وَيُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَهْرًا وَقَالَ لَهُمْ " مَا أَرَاكُمْ إلَّا مُبْتَدِعِينَ " ثُمَّ قَالَ الْبَزَّازِيُّ وَمَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لِرَافِعِي أَصْوَاتِهِمْ بِالتَّكْبِيرِ «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إنَّكُمْ لَنْ تَدْعُوا أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا قَرِيبًا إنَّهُ مَعَكُمْ» الْحَدِيثَ - يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلرَّفْعِ مَصْلَحَةٌ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي غَزَاةٍ وَلَعَلَّ رَفْعَ الصَّوْتِ يَجُرُّ بَلَاءً وَالْحَرْبُ خُدْعَةٌ وَلِهَذَا نَهَى عَنْ الْجَرَسِ فِي الْمَغَازِي، وَأَمَّا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ فَجَائِزٌ كَمَا فِي الْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ وَالْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ اهـ وَقَدْ حَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَحَمَلَ مَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي عَلَى الْجَهْرِ الْمُضِرِّ وَقَالَ: إنَّ هُنَاكَ أَحَادِيثَ اقْتَضَتْ طَلَبَ الْجَهْرِ، وَأَحَادِيثَ طَلَبَ الْإِسْرَارِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ، فَالْإِسْرَارُ أَفْضَلُ حَيْثُ خِيفَ الرِّيَاءُ أَوْ تَأَذِّي الْمُصَلِّينَ أَوْ النِّيَامِ وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ حَيْثُ خَلَا مِمَّا ذُكِرَ، لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَلِتَعَدِّي فَائِدَتِهِ إلَى السَّامِعِينَ، وَيُوقِظُ قَلْبَ الذَّاكِرِ فَيَجْمَعُ هَمَّهُ إلَى الْفِكْرِ، وَيَصْرِفُ سَمْعَهُ إلَيْهِ، وَيَطْرُدُ النَّوْمَ وَيَزِيدُ النَّشَاطَ اهـ مُلَخَّصًا.
زَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَأَمَّا رَفْعُ الصَّوْتِ عِنْدَ الْجَنَائِزِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ النَّوْحُ أَوْ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بَعْدَمَا افْتَتَحَ النَّاسُ الصَّلَاةَ أَوْ الْإِفْرَاطُ فِي مَدْحِهِ كَعَادَةِ الْجَاهِلِيَّةِ مِمَّا هُوَ شَبِيهُ الْمُحَالِ، وَأَمَّا أَصْلُ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ اهـ وَقَدْ شَبَّهَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ ذِكْرَ الْإِنْسَانِ وَحْدَهُ وَذِكْرَ الْجَمَاعَةِ بِأَذَانِ الْمُنْفَرِدِ، وَأَذَانِ الْجَمَاعَةِ قَالَ: فَكَمَا أَنَّ أَصْوَاتَ الْمُؤَذِّنِينَ جَمَاعَةً تَقْطَعُ جُرْمَ الْهَوَاءِ أَكْثَرَ مِنْ صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ الْوَاحِدِ كَذَلِكَ ذِكْرُ الْجَمَاعَةِ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ أَكْثَرُ تَأْثِيرًا فِي رَفْعِ الْحُجُبِ الْكَثِيفَةِ مِنْ ذِكْرِ شَخْصٍ وَاحِدٍ.
(قَوْلُهُ وَكُرِهَ احْتِكَارُ قُوتِ الْبَشَرِ) الِاحْتِكَارُ لُغَةً: احْتِبَاسُ الشَّيْءِ انْتِظَارًا لِغَلَائِهِ وَالِاسْمُ الْحُكْرَةُ بِالضَّمِّ وَالسُّكُونِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَشَرْعًا: اشْتِرَاءُ طَعَامٍ وَنَحْوِهِ وَحَبْسُهُ إلَى الْغَلَاءِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ» قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: أَيْ خَذَلَهُ وَالْخِذْلَانُ تَرْكُ النُّصْرَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ اهـ وَفِي أُخْرَى «فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» الصَّرْفُ: النَّفَلُ، وَالْعَدْلُ الْفَرْضُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَقِيلَ شَهْرًا وَقِيلَ أَكْثَرَ وَهَذَا التَّقْدِيرُ لِلْمُعَاقَبَةِ فِي الدُّنْيَا بِنَحْوِ الْبَيْعِ وَلِلتَّعْزِيرِ لَا لِلْإِثْمِ لِحُصُولِهِ وَإِنْ قَلَّتْ الْمُدَّةُ وَتَفَاوُتُهُ بَيْنَ تَرَبُّصِهِ لِعِزَّتِهِ أَوْ لِلْقَحْطِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى دُرٌّ مُنْتَقًى مَزِيدًا، وَالتَّقْيِيدُ بِقُوتِ الْبَشَرِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْكَافِي، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كُلُّ مَا أَضَرَّ بِالْعَامَّةِ حَبْسُهُ، فَهُوَ احْتِكَارٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ الِاحْتِكَارُ فِي الثِّيَابِ ابْنُ كَمَالٍ.
(قَوْلُهُ كَتِينٍ وَعِنَبٍ وَلَوْزٍ) أَيْ مِمَّا يَقُومُ بِهِ بَدَنُهُمْ مِنْ الرِّزْقِ وَلَوْ دَخَنًا لَا عَسَلًا وَسَمْنًا دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَقَتٍّ) بِالْقَافِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ الْفِصْفِصَةُ بِكَسْرِ الْفَاءَيْنِ وَهِيَ الرَّطْبَةُ مِنْ عَلَفِ الدَّوَابِّ اهـ ح وَفِي الْمُغْرِبِ: الْقَتُّ الْيَابِسُ مِنْ الْإِسْفِسْتِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ فِي الْفِصْفِصَةِ بِالْكَسْرِ هُوَ نَبَاتٌ فَارِسِيَّتُهُ إسْفِسْتٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي بَلَدٍ) أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ كَالرُّسْتَاقِ وَالْقَرْيَةِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ) بِأَنْ كَانَ الْبَلَدُ صَغِيرًا هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ) أَيْ مُبْعَدٌ عَنْ دَرَجَةِ الْأَبْرَارِ، وَلَا يُرَادُ الْمَعْنَى الثَّانِي لِلَّعْنِ وَهُوَ
وَمِثْلُهُ تَلَقِّي الْجَلَبِ (وَ) يَجِبُ أَنْ (يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِبَيْعِ مَا فَضَلَ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ أَهْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَبِعْ) بَلْ خَالَفَ أَمْرَ الْقَاضِي (عَزَّرَهُ) بِمَا يَرَاهُ رَادِعًا لَهُ (وَبَاعَ) الْقَاضِي (عَلَيْهِ) طَعَامَهُ (وِفَاقًا) عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي السِّرَاجِ لَوْ خَافَ الْإِمَامُ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ الْهَلَاكَ أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ الْمُحْتَكِرِينَ وَفَرَّقَ عَلَيْهِمْ فَإِذَا وَجَدُوا سَعَةً رَدُّوا مِثْلَهُ وَهَذَا لَيْسَ بِحَجْرٍ بَلْ لِلضَّرُورَةِ وَمَنْ اُضْطُرَّ لِمَالِ غَيْرِهِ وَخَافَ الْهَلَاكَ تَنَاوَلَهُ بِلَا رِضَاهُ وَنَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الِاخْتِيَارِ وَأَقَرَّهُ (وَلَا يَكُونُ مُحْتَكِرًا بِحَبْسِ غَلَّةِ أَرْضِهِ) بِلَا خِلَافٍ (وَمَجْلُوبِهِ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ) خِلَافًا لِلثَّانِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ يُجْلَبُ مِنْهُ عَادَةً كُرِهَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
(وَلَا يُسَعِّرُ حَاكِمٌ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا تُسَعِّرُوا فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ
ــ
[رد المحتار]
الْإِبْعَادُ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي حَقِّ الْكُفَّارِ إذْ الْعَبْدُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِيمَانِ بِارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ، وَأَقَرَّهُ الْقُهُسْتَانِيُّ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ تَلَقِّي الْجَلَبِ) أَيْ فِي التَّفْصِيلِ بَيْنَ كَوْنِهِ يَضُرُّ أَهْلَ الْبَلَدِ أَوْ لَا يَضُرُّ: وَصُورَتُهُ كَمَا مِنْ مُنْلَا مِسْكِينٍ: أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ إلَى الْقَافِلَةِ الَّتِي جَاءَتْ بِالطَّعَامِ، وَيَشْتَرِيَ مِنْهَا خَارِجَ الْبَلَدِ وَهُوَ يُرِيدُ حَبْسَهُ وَيَمْتَنِعَ عَنْ بَيْعِهِ وَلَمْ يَتْرُكْ حَتَّى تَدْخُلَ الْقَافِلَةُ الْبَلَدَ قَالُوا هَذَا إذَا لَمْ يُلَبِّسْ الْمُلْتَقِي سِعْرَ الْبَلَدِ عَلَى التُّجَّارِ، فَإِنْ لَبَّسَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ فِي الْوَجْهَيْنِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ يَأْمُرُ الْقَاضِي بِبَيْعِ مَا فَضَلَ إلَخْ) أَيْ إلَى زَمَنٍ يُعْتَبَرُ فِيهِ السَّعَةُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ وَيَنْهَاهُ عَنْ الِاحْتِكَارِ وَيَعِظُهُ وَيَزْجُرُهُ عَنْهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَبِعْ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنْ رَفَعَ إلَيْهِ ثَانِيًا فَعَلَ بِهِ كَذَلِكَ وَهَدَّدَهُ فَإِنْ رَفَعَ إلَيْهِ ثَالِثًا حَبَسَهُ وَعَزَّرَهُ، وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَكَذَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَتَنَبَّهْ.
(قَوْلُهُ وَبَاعَ الْقَاضِي عَلَيْهِ طَعَامَهُ) أَيْ إذَا امْتَنَعَ بَاعَهُ جَبْرًا عَلَيْهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهَلْ يَبِيعُ الْقَاضِي عَلَى الْمُحْتَكِرِ طَعَامَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ قِيلَ: هُوَ عَلَى اخْتِلَافٍ عُرِفَ فِي بَيْعِ مَالِ الْمَدْيُونِ، وَقِيلَ: يَبِيعُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى الْحَجْرَ لِدَفْعِ ضَرَرٍ عَامٍّ وَهَذَا كَذَلِكَ اهـ (قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) كَذَا نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ وَفِي السِّرَاجِ إلَخْ) مِثْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا بَيَانٌ لِلْعِلَّةِ الْأُخْرَى لِلْقَوْلِ الصَّحِيحِ غَيْرِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا عَنْ الْهِدَايَةِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بِعَدَمِ الْحَجْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ الْمُحْتَكِرِينَ) أَيْ وَيُبْقِي لَهُمْ قُوتَهُمْ وَقُوتَ عِيَالِهِمْ كَمَا لَا يَخْفَى ط أَيْ كَمَا مَرَّ فِي أَمْرِهِ بِالْبَيْعِ (قَوْلُهُ وَلَا يَكُونُ مُحْتَكِرًا إلَخْ) لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَزْرَعَ فَكَذَا لَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ هِدَايَةٌ قَالَ ط وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ إثْمَ الْمُحْتَكِرِ وَإِنْ أَثِمَ بِانْتِظَارِ الْغَلَاءِ أَوْ الْقَحْطِ لِنِيَّةِ السُّوءِ لِلْمُسْلِمِينَ اهـ وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ الظَّاهِرُ نَعَمْ إنَّ اضْطَرَّ النَّاسُ إلَيْهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمَجْلُوبُهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ) لِأَنَّ حَقَّ الْعَامَّةِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا جُمِعَ فِي الْمِصْرِ وَجُلِبَ إلَى فِنَائِهَا هِدَايَةٌ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبِيعَهُ، فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ كَرَاهَةٍ كَمَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ.
(قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) فَعِنْدَهُ يُكْرَهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَاعْتَرَضَهُ الْأَتْقَانِيُّ، بِأَنَّ الْفَقِيهَ جَعَلَهُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، وَبِأَنَّ الْقُدُورِيَّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ جَلَبَهُ مِنْ نِصْفِ مِيلٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحُكْرَةٍ، وَإِنْ اشْتَرَاهُ مِنْ رُسْتَاقٍ، وَاحْتَكَرَهُ حَيْثُ اشْتَرَاهُ فَهُوَ حُكْرَةٌ قَالَ فَعُلِمَ أَنَّ مَا جَلَبَهُ مِنْ مِصْرٍ آخَرَ لَيْسَ بِحُكْرَةٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُثْبِتُ الْحُكْرَةَ فِيمَا جَلَبَهُ مِنْ نِصْفِ مِيلٍ فَكَيْفَ فِيمَا جَلَبَهُ مِنْ مِصْرٍ آخَرَ نَصَّ عَلَى هَذَا الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ اهـ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ يُجْلَبُ مِنْهُ عَادَةً) احْتِرَازًا عَمَّا إذَا كَانَ الْبَلَدُ بَعِيدًا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالْحَمْلِ مِنْهُ إلَى الْمِصْرِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ مُلْتَقًى) قَالَ فِي شَرْحِهِ تَبَعًا للشُّرُنبُلاليَّة: وَقَدْ أَخَّرَ فِي الْهِدَايَةِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِدَلِيلِهِ اهـ أَيْ فَإِنَّ عَادَتَهُ تَأْخِيرُ دَلِيلَ مَا يَخْتَارُهُ.
(قَوْلُهُ وَلَا يُسَعِّرُ حَاكِمٌ) أَيْ يُكْرَهُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ «لَا تُسَعِّرُوا» ) قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةُ إسْمَاعِيلُ الْجِرَاحِيُّ فِي الْأَحَادِيثِ
الرَّازِقُ» (إلَّا إذَا تَعَدَّى الْأَرْبَابُ عَنْ الْقِيمَةِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا فَيُسَعِّرُ بِمَشُورَةِ أَهْلِ الرَّأْيِ) وَقَالَ مَالِكٌ: عَلَى الْوَالِي التَّسْعِيرُ عَامَ الْغَلَاءِ وَفِي الِاخْتِيَارِ ثُمَّ إذَا سَعَّرَ وَخَافَ الْبَائِعُ ضَرْبَ الْإِمَامِ لَوْ نَقَصَ لَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي وَحِيلَتُهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: بِعْنِي بِمَا تُحِبُّ وَلَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى سِعْرِ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَوُزِنَ نَاقِصًا رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالنُّقْصَانِ فِي الْخُبْزِ لَا اللَّحْمِ لِشُهْرَةِ سِعْرِهِ عَادَةً.
قُلْت: وَأَفَادَ أَنَّ التَّسْعِيرَ فِي الْقُوتَيْنِ لَا غَيْرُ وَبِهِ صَرَّحَ الْعَتَّابِيُّ وَغَيْرُهُ، لَكِنَّهُ إذَا تَعَدَّى أَرْبَابُ غَيْرِ الْقُوتَيْنِ وَظَلَمُوا عَلَى الْعَادَةِ فَيُسَعِّرُ عَلَيْهِمْ الْحَاكِمُ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ يَعْتَبِرُ حَقِيقَةَ الضَّرَرِ كَمَا تَقَرَّرَ فَتَدَبَّرْ.
ــ
[رد المحتار]
الْمُشْتَهِرَةِ: قَالَ النَّجْمُ هَذَا اللَّفْظُ لَمْ يَرِدْ لَكِنْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى فِي مَسَانِيدِهِمْ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ غَلَا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ» وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالتِّرْمِذِيُّ اهـ (قَوْلُهُ الرَّازِقُ) كَذَا فِي أَغْلَبِ النُّسَخِ وَفِي نُسْخَةٍ: الرَّزَّاقُ عَلَى صِيغَةِ فَعَّالٍ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ تَعَدِّيًا فَاحِشًا) بَيَّنَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْبَيْعِ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ ط (قَوْلُهُ فَيُسَعِّرُ إلَخْ) أَيْ لَا بَأْسَ بِالتَّسْعِيرِ حِينَئِذٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ عَلَى الْوَالِي التَّسْعِيرُ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَيْضًا لَمْ يُشْتَرَطْ التَّعَدِّي الْفَاحِشُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ (قَوْلُهُ لَوْ نَقَصَ) أَيْ لَوْ نَقَصَ الْوَزْنُ عَمَّا سَعَّرَهُ الْإِمَامُ بِأَنْ سَعَّرَ الرِّطْلَ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا فَجَاءَ الْمُشْتَرِي وَأَعْطَاهُ دِرْهَمًا وَقَالَ بِعْنِي بِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي) أَيْ لَا يَحِلُّ لَهُ الشِّرَاءُ بِمَا سَعَّرَهُ الْإِمَامُ، لِأَنَّ الْبَائِعَ فِي مَعْنَى الْمُكْرَهِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ.
أَقُولُ: وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّهُ مِثْلُ مَا قَالُوا فِيمَنْ صَادَرَهُ السُّلْطَانُ بِمَالٍ، وَلَمْ يُعَيِّنْ بَيْعَ مَالِهِ فَصَارَ يَبِيعُ أَمْلَاكَهُ بِنَفْسِهِ يَنْفُذُ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ عَلَى الْبَيْعِ وَهُنَا كَذَلِكَ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَبِيعَ أَصْلًا، وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ بِمَا قَدَّرَهُ الْإِمَامُ صَحَّ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَى الْبَيْعِ اهـ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَأْمُرْ بِالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ لَا يَزِيدَ الثَّمَنَ عَلَى كَذَا وَفَرْقٌ مَا بَيْنَهُمَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِمَا تَجِبُ) فَحِينَئِذٍ بِأَيِّ شَيْءٍ بَاعَهُ يَحِلُّ زَيْلَعِيٌّ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِأَكْثَرَ يَحِلُّ وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى رَجُلٌ وَبَاعَ بِأَكْثَرَ أَجَازَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْقَاضِيَ يُمْضِيهِ وَلَا يَفْسَخُهُ، وَلِذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: جَازَ وَأَمْضَاهُ الْقَاضِي، خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ أَبُو السُّعُودِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ مَا لَمْ يُجِزْهُ الْقَاضِي (قَوْلُهُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالنُّقْصَانِ فِي الْخُبْزِ لَا اللَّحْمِ) جَعَلَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ سِعْرَ الْخُبْزِ يَظْهَرُ عَادَةً فِي الْبُلْدَانِ وَسِعْرُ اللَّحْمِ لَا يَظْهَرُ إلَّا نَادِرًا اهـ أَيْ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْغَرِيبِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ فَالْبَلَدِيُّ يَرْجِعُ فِيهِمَا، وَالْمُرَادُ الرُّجُوعُ فِي حِصَّةِ النُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ. وَفِي بُيُوعِ الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ الْقَصَّابِ كُلَّ يَوْمٍ لَحْمًا بِدِرْهَمٍ، وَالْقَصَّابُ يَقْطَعُ وَيَزِنُ وَالْمُشْتَرِي يَظُنُّ أَنَّهُ مَنٌّ، لِأَنَّ اللَّحْمَ يُبَاعُ فِي الْبَلَدِ مَنًّا بِدِرْهَمٍ، فَوَزَنَهُ الْمُشْتَرِي يَوْمًا فَوَجَدَهُ أَنْقَصَ وَصَدَّقَهُ الْقَصَّابُ قَالُوا: إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ يَرْجِعُ بِحِصَّةِ النُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ لَا مِنْ اللَّحْمِ لِأَنَّ الْبَائِعَ أَخَذَ حِصَّةَ النُّقْصَانِ مِنْ الثَّمَنِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ، وَأَنْكَرَ الْقَصَّابُ أَنَّهُ دَفَعَ عَلَى أَنَّهُ مَنْ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ لِأَنَّ سِعْرَ الْبَلَدِ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْغُرَبَاءِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَأَفَادَ أَنَّ التَّسْعِيرَ فِي الْقُوتَيْنِ) أَيْ قُوتِ الْبَشَرِ وَقُوتِ الْبَهَائِمِ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ التَّسْعِيرَ فِي بَحْثِ الِاحْتِكَارِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَظَلَمُوا عَلَى الْعَامَّةِ) ضَمَّنَهُ مَعْنَى تَعَدَّى فَعَدَّاهُ بِعَلَى اهـ ح (قَوْلُهُ فَيُسَعِّرُ عَلَيْهِمْ الْحَاكِمُ) الْأَوْلَى فَسَعَّرَ بِلَفْظِ الْمَاضِي عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ تَعَدَّى لِأَنَّ جَوَابَ إذَا قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ)
(يُكْرَهُ إمْسَاكُ الْحَمَامَاتِ) وَلَوْ فِي بُرْجِهَا (إنْ كَانَ يَضُرُّ بِالنَّاسِ) بِنَظَرٍ أَوْ جَلَبٍ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا ثُمَّ يَشْتَرِيَهَا أَوْ تُوهَبَ لَهُ مُجْتَبًى (فَإِنْ كَانَ يُطَيِّرُهَا فَوْقَ السَّطْحِ مُطَّلِعًا عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَيَكْسِرُ زُجَاجَاتِ النَّاسِ بِرَمْيِهِ تِلْكَ الْحَمَامَاتِ عُزِّرَ وَمُنِعَ أَشَدَّ الْمَنْعِ فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ بِذَلِكَ ذَبَحَهَا) أَيْ الْحَمَامَاتِ (الْمُحْتَسِبُ) وَصَرَّحَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ بِوُجُوبِ التَّعْزِيرِ وَذَبْحِ الْحَمَامَاتِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا مَرَّ وَلَعَلَّهُ اعْتَمَدَ عَادَتَهُمْ. وَأَمَّا لِلِاسْتِئْنَاسِ فَمُبَاحٌ كَشِرَاءِ عَصَافِيرَ لِيُعْتِقَهَا إنْ قَالَ مَنْ أَخَذَهَا فَهِيَ لَهُ وَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِإِعْتَاقِهِ، وَقِيلَ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ تَضْيِيعُ الْمَالِ جَامِعُ الْفَتَاوَى.
وَفِي الْمُخْتَارَاتِ سَيَّبَ دَابَّتَهُ وَقَالَ هِيَ لِمَنْ أَخَذَهَا لَمْ يَأْخُذْهَا مِمَّنْ أَخَذَهَا وَمَرَّ فِي الْحَجِّ وَجَازَ رُكُوبُ الثَّوْرِ وَتَحْمِيلُهُ وَالْكِرَابُ عَلَى الْحَمِيرِ بِلَا جَهْدٍ وَضَرْبٍ إذْ ظُلْمُ الدَّابَّةِ
ــ
[رد المحتار]
أَيْ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا أَضَرَّ بِالْعَامَّةِ حَبْسُهُ فَهُوَ احْتِكَارٌ، وَلَوْ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ ثَوْبًا قَالَ ط: وَفِيهِ أَنَّ هَذَا فِي الِاحْتِكَارِ لَا فِي التَّسْعِيرِ اهـ.
قُلْت: نَعَمْ وَلَكِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ قِيَاسًا أَوْ اسْتِنْبَاطًا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ وَلِذَا قَالَ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ قَوْلَهُ تَأَمَّلْهُ عَلَى أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِمَامَ يَرَى الْحَجْرَ إذْ عَمَّ الضَّرَرُ كَمَا فِي الْمُفْتِي الْمَاجِنِ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ وَالطَّبِيبِ الْجَاهِلِ، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ عَامَّةٌ فَتَدْخُلُ مَسْأَلَتُنَا فِيهَا لِأَنَّ التَّسْعِيرَ حَجْرٌ مَعْنًى، لِأَنَّهُ مَنَعَ عَنْ الْبَيْعِ بِزِيَادَةٍ فَاحِشَةٍ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَقَطْ كَذَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَالِاحْتِيَاطُ) يَعْنِي فِيمَا إذَا جَلَبَ حَمَامًا وَلَمْ يَدْرِ صَاحِبَهَا اهـ ح (قَوْلُهُ ذَبَحَهَا) أَيْ ثُمَّ يُلْقِيهَا لِمَالِكِهَا أَفَادَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ وَصَرَّحَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ) أَيْ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَوْرَاتِ وَكَسْرِ الزُّجَاجَاتِ قَالَ شَارِحُهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ: وَلَمْ أَرَ إطْلَاقَ التَّعْزِيرِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ) أَيْ صَاحِبُ الْوَهْبَانِيَّةِ اعْتَمَدَ عَادَتَهُمْ أَيْ أَطْلَقَ اعْتِمَادًا عَلَى عَادَةِ الَّذِينَ يُطَيِّرُونَ الْحَمَامَ (قَوْلُهُ وَأَمَّا لِلِاسْتِئْنَاسِ فَمُبَاحٌ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى رَامِزًا: لَا بَأْسَ بِحَبْسِ الطُّيُورِ وَالدَّجَاجِ فِي بَيْتِهِ، وَلَكِنْ يَعْلِفُهَا وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ إرْسَالِهَا فِي السِّكَكِ اهـ وَفِي الْقُنْيَةِ رَامِزًا: حَبَسَ بُلْبُلًا فِي الْقَفَصِ وَعَلَفهَا لَا يَجُوزُ اهـ.
أَقُولُ: لَكِنْ فِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ: سُئِلَ هَلْ يَجُوزُ حَبْسُ الطُّيُورِ الْمُفْرَدَةِ وَهَلْ يَجُوزُ عِتْقُهَا، وَهَلْ فِي ذَلِكَ ثَوَابٌ، وَهَلْ يَجُوزُ قَتْلُ الْوَطَاوِيطِ لِتَلْوِيثِهَا حُصْرَ الْمَسْجِدِ بِخُرْئِهَا الْفَاحِشِ؟ فَأَجَابَ: يَجُوزُ حَبْسُهَا لِلِاسْتِئْنَاسِ بِهَا، وَأَمَّا إعْتَاقُهَا فَلَيْسَ فِيهِ ثَوَابٌ، وَقَتْلُ الْمُؤْذِي مِنْهَا وَمِنْ الدَّوَابِّ جَائِزٌ اهـ.
قُلْت: وَلَعَلَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْحَبْسِ فِي الْقَفَصِ، لِأَنَّهُ سِجْنٌ وَتَعْذِيبٌ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ فَتَأَمَّلْ.
[تَنْبِيهٌ]
قَالَ الْجَارِحِيُّ: وَمِنْ الْوَاهِي مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَادِ وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «اتَّخِذُوا الْمَقَاصِيصَ فَإِنَّهَا تُلْهِي الْجِنَّ عَنْ صِبْيَانِكُمْ» وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ الثَّوْرِيِّ «إنَّ اللَّعِبَ بِالْحَمَامِ مِنْ عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ» (قَوْلُهُ وَلَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِإِعْتَاقِهِ) فَإِذَا وَجَدَهَا بَعْدَهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ لَهَا أَخَذَهَا إلَّا إذَا كَانَ قَالَ مَنْ أَخَذَهَا فَهِيَ لَهُ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ لَمْ يَأْخُذْهَا) ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْفَتَاوَى فِي بَابِ السِّيَرِ وَشَرَطَ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمٍ مَعْلُومِينَ: مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيَأْخُذْ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَا تَنَاوَلَ فُلَانٌ مِنْ مَالِي فَهُوَ حَلَالٌ لَهُ فَتَنَاوَلَ حَلَّ، وَفِي كُلِّ مَنْ تَنَاوَلَ مِنْ مَالِي فَهُوَ حَلَالٌ لَهُ فَتَنَاوَلَ رَجُلٌ شَيْئًا لَا يَحِلُّ وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ: يَحِلُّ وَلَا يَضْمَنُ. قَالَ أَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ مَالِي خُذْ مِنْهُ مَا شِئْت قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ حِلٌّ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ خَاصَّةً (قَوْلُهُ وَجَازَ رُكُوبُ الثَّوْرِ وَتَحْمِيلُهُ إلَخْ) وَقِيلَ لَا يَفْعَلُ لِأَنَّ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ الْأَنْعَامِ خُلِقَ لِعَمَلٍ فَلَا يُغَيَّرُ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ بِلَا جَهْدٍ وَضَرْبٍ) أَيْ
أَشَدُّ مِنْ الذِّمِّيِّ وَظُلْمُ الذِّمِّيِّ أَشَدُّ مِنْ الْمُسْلِمِ.
(وَلَا بَأْسَ بِالْمُسَابَقَةِ فِي الرَّمْيِ وَالْفَرَسِ) وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ كَذَا فِي الْمُلْتَقَى وَالْمَجْمَعِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلَ شَتَّى فَتَنَبَّهْ (وَالْإِبِلِ وَ) عَلَى (الْأَقْدَامِ) لِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْجِهَادِ فَكَانَ مَنْدُوبًا وَعِنْدَ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ فِي الْأَقْدَامِ أَيْ بِالْجُعْلِ أَمَّا بِدُونِهِ فَيُبَاحُ فِي كُلِّ الْمَلَاعِبِ كَمَا يَأْتِي (حَلَّ الْجُعْلُ) وَطَابَ لَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا ذَكَرَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَلَّلَهُ الْبَزَّازِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ بِالشَّرْطِ شَيْءٌ لِعَدَمِ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ اهـ وَمُفَادُهُ لُزُومُهُ بِالْعَقْدِ كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ فَتَبَصَّرْ (إنْ شُرِطَ الْمَالُ) فِي الْمُسَابَقَةِ
ــ
[رد المحتار]
لَا يُحَمِّلُهَا فَوْقَ طَاقَتِهَا وَلَا يَضْرِبُ وَجْهَهَا وَلَا رَأْسَهَا إجْمَاعًا، وَلَا تُضْرَبُ أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ح وَإِنْ كَانَتْ مِلْكَهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «تُضْرَبُ الدَّوَابُّ عَلَى النِّفَارِ وَلَا تُضْرَبُ عَلَى الْعِثَارِ» لِأَنَّ الْعِثَارَ مِنْ سُوءِ إمْسَاكِ الرَّاكِبِ اللِّجَامَ وَالنِّفَارَ مِنْ سُوءِ خُلُقِ الدَّابَّةِ فَتُؤَدَّبُ عَلَى ذَلِكَ كَذَا فِي فُصُولِ الْعَلَامِيِّ (قَوْلُهُ أَشَدُّ مِنْ الذِّمِّيِّ) لِأَنَّهُ لَا نَاصِرَ لَهُ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى وَوَرَدَ " اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى «مَنْ ظَلَمَ مَنْ لَا يَجِدُ نَاصِرًا إلَّا اللَّهَ تَعَالَى» ط.
(قَوْلُهُ أَشَدُّ مِنْ الْمُسْلِمِ) لِأَنَّهُ يُشَدِّدُ الطَّلَبَ عَلَى ظَالِمِهِ لِيَكُونَ مَعَهُ فِي عَذَابِهِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ طَرْحِ سَيِّئَاتِ غَيْرِ الْكُفْرِ عَلَى ظَالِمِهِ فَيُعَذَّبُ بِهَا بَدَلَهُ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ ط.
(قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِالْمُسَابَقَةِ إلَخْ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " «لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلِ حَافِرٍ» وَالسَّبَقُ بِفَتْحِ الْبَاءِ مَا يُجْعَلُ مِنْ الْمَالِ لِلسَّابِقِ عَلَى سَبْقِهِ، وَبِالسُّكُونِ: مَصْدَرُ سَبَقْت أَيْ لَا تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ بِعِوَضٍ إلَّا فِي هَذِهِ الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَالرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ بِالْفَتْحِ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْمُنَاوِيِّ قَالَ الْجِرَاحِيُّ: وَزِيَادَةُ أَوْ جَنَاحٌ مَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ اهـ وَالْخُفُّ الْإِبِلُ وَالْحَافِرُ الْخَيْلُ وَالنَّصْلُ حَدِيدَةُ السَّهْمِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُرَامَاةُ وَالضَّادُ الْمُعْجَمَةُ تَصْحِيفٌ مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ كَذَا فِي الْمُلْتَقَى وَالْمَجْمَعِ) وَمِثْلُهُ فِي الْمُخْتَارِ وَالْمَوَاهِبِ وَدُرَرِ الْبِحَارِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلَ شَتَّى) أَيْ قُبَيْلَ كِتَابِ الْفَرَائِضِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَرَسِ وَالْإِبِلِ وَالْأَرْجُلِ وَالرَّمْيِ، وَمِثْلُهُ فِي الْكَنْزِ وَالزَّيْلَعِيِّ، وَأَقَرَّهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِبَاقُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ كَالْبَغْلِ بِالْجُعْلِ وَأَمَّا بِلَا جُعْلٍ فَيَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ والتتارخانية، وَنَقَلَ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ أَنَّهُ رَدَّ مَا فِي الْمَجْمَعِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْمُسَابَقَةِ عَلَى الْحَمِيرِ، لِأَنَّ ذَلِكَ مُعَلَّلٌ بِالتَّحْرِيضِ عَلَى الْجِهَادِ، وَلَمْ يُعْهَدْ فِي الْإِسْلَامِ الْجِهَادُ عَلَى الْحَمِيرِ اهـ وَلَمْ يُذْكَرْ الْبَغْلُ مَعَ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَعْتَبِرْهُ حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ سَهْمًا مِنْ الْغَنِيمَةِ، فَلَيْسَ فِيهِ تَحْرِيضٌ عَلَى الْجِهَادِ أَيْضًا؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ عَدَمُ السَّهْمِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْخُفَّ لَا سَهْمَ لَهُ، وَتَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ.
أَقُولُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَافِرَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ عَامٌّ، فَمَنْ نَظَرَ إلَى عُمُومِهِ أَدْخَلَ الْبَغْلَ وَالْحِمَارَ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى الْعِلَّةِ أَخْرَجَهُمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا آلَةَ جِهَادٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَكَانَ مَنْدُوبًا) إنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ بِالْقَصْدِ؛ أَمَّا إذَا قَصَدَ التَّلَهِّيَ أَوْ الْفَخْرَ أَوْ لِتُرَى شُجَاعَتُهُ فَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ، لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ فَكَمَا يَكُونُ الْمُبَاحُ طَاعَةً بِالنِّيَّةِ تَصِيرُ الطَّاعَةُ مَعْصِيَةً بِالنِّيَّةِ ط (قَوْلُهُ أَمَّا بِدُونِهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُرْتَبِطٌ بِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَمَا يَأْتِي يُفِيدُ أَنَّ هَذَا لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ ط وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ مَسَائِلَ شَتَّى (قَوْلُهُ فَيُبَاحُ كُلُّ الْمَلَاعِبِ) أَيْ الَّتِي تُعَلِّمُ الْفُرُوسِيَّةَ وَتُعِينُ عَلَى الْجِهَادِ، لِأَنَّ جَوَازَ الْجُعْلِ فِيمَا مَرَّ إنَّمَا ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فَيَجُوزُ مَا عَدَاهَا بِدُونِ الْجُعْلِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُلْتَقِطِ مَنْ لَعِبَ بِالصَّوْلَجَانِ يُرِيدُ الْفُرُوسِيَّةَ يَجُوزُ وَعَنْ الْجَوَاهِرِ قَدْ جَاءَ الْأَثَرُ فِي رُخْصَةِ الْمُصَارَعَةِ لِتَحْصِيلِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُقَاتَلَةِ دُونَ التَّلَهِّي فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ (قَوْلُهُ لَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا) حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ الْمَغْلُوبُ مِنْ الدَّفْعِ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي وَلَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِهِ زَيْلَعِيٌّ فِي مَسَائِلَ شَتَّى (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ لُزُومُهُ بِالْعَقْدِ) اُنْظُرْ مَا صُورَتُهُ. وَقَدْ يُقَالُ مَعْنَى قَوْلِهِ لِعَدَمِ الْعَقْدِ: أَيْ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ عَلَى أَنَّ جَوَازَ الْجُعْلِ فِيمَا ذُكِرَ اسْتِحْسَانٌ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِمَا
(مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَحَرُمَ لَوْ شُرِطَ) فِيهَا (مِنْ الْجَانِبَيْنِ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ قِمَارًا (إلَّا إذَا أَدْخَلَا ثَالِثًا) مُحَلِّلًا (بَيْنَهُمَا) بِفَرَسٍ كُفْءٍ لِفَرَسَيْهِمَا يُتَوَهَّمُ أَنْ يَسْبِقَهُمَا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ ثُمَّ إذَا سَبَقَهُمَا أَخَذَ مِنْهُمَا وَإِنْ سَبَقَاهُ لَمْ يُعْطِهِمَا وَفِيمَا بَيْنَهُمَا أَيُّهُمَا سَبَقَ أَخَذَ مِنْ صَاحِبِهِ (وَ) كَذَا الْحُكْمُ (فِي الْمُتَفَقِّهَةِ) فَإِذَا شَرَطَ لِمَنْ مَعَهُ الصَّوَابَ صَحَّ وَإِنْ شَرْطَاهُ لِكُلٍّ عَلَى صَاحِبِهِ لَا دُرَرٌ وَمُجْتَبًى.
ــ
[رد المحتار]
فِيهِ مِنْ تَعْلِيقِ التَّمْلِيكِ عَلَى الْخَطَرِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِيمَا عَدَا الْأَرْبَعَةَ كَالْبَغْلِ وَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مَشْرُوطًا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ اهـ فَتَأَمَّلْ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَيَحْتَاجُ فِي الْمَسْأَلَةِ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ، لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُحْتَمَلٌ وَرَأَيْت فِي الْمُجْتَبَى مَا نَصُّهُ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَإِنْ سَبَقَهُ حَلَّ الْمَالُ وَإِنْ أَبَى يُجْبَرُ عَلَيْهِ اهـ.
أَقُولُ: لَكِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمَشَاهِيرِ كَالزَّيْلَعِيِّ وَالذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ والتتارخانية وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا كَمَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ) أَوْ مِنْ ثَالِثٍ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ سَبَقْتنِي أَعْطَيْتُك كَذَا، وَإِنْ سَبَقْتُك لَا آخُذُ مِنْك شَيْئًا أَوْ يَقُولُ الْأَمِيرُ لِفَارِسَيْنِ أَوْ رَامِيَيْنِ مَنْ سَبَقَ مِنْكُمَا فَلَهُ كَذَا، وَإِنْ سَبَقَ فَلَا شَيْءَ لَهُ اخْتِيَارٌ وَغُرُرُ الْأَفْكَارِ (قَوْلُهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) بِأَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقَ فَرَسُك فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، وَإِنْ سَبَقَ فَرَسِي فَلِي عَلَيْك كَذَا زَيْلَعِيٌّ وَكَذَا إنْ قَالَ إنْ سَبَقَ إبِلُك أَوْ سَهْمُك إلَخْ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قِمَارًا) لِأَنَّ الْقِمَارَ مِنْ الْقَمَرِ الَّذِي يَزْدَادُ تَارَةً وَيَنْقُصُ أُخْرَى، وَسُمِّيَ الْقِمَارُ قِمَارًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُقَامِرَيْنِ مِمَّنْ يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ مَالُهُ إلَى صَاحِبِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَفِيدَ مَالَ صَاحِبِهِ وَهُوَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ، وَلَا كَذَلِكَ إذَا شُرِطَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ لَا تُمْكِنُ فِيهِمَا بَلْ فِي أَحَدِهِمَا تُمْكِنُ الزِّيَادَةُ، وَفِي الْآخَرِ الِانْتِقَاصُ فَقَطْ فَلَا تَكُونُ مُقَامَرَةً لِأَنَّهَا مُفَاعَلَةٌ مِنْهُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَسْبِقَهُمَا) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ كُفْءٍ، لِفَرَسَيْهِمَا أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَسْبِقَ أَوْ يُسْبَقَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ) أَيْ إنْ كَانَ يَسْبِقُ أَوْ يُسْبَقُ لَا مَحَالَةَ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ آمِنٌ أَنْ يَسْبِقَ فَهُوَ قِمَارٌ» ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا سَبَقَهُمَا إلَخْ) صُورَتُهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ سَبَقَهُمَا أَخَذَ مِنْهُمَا أَلْفًا إنْصَافًا، وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ لَمْ يُعْطِهِمَا شَيْئًا، وَإِنْ سَبَقَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ فَلَهُ مِائَةٌ مِنْ مَالِ الْآخَرِ فَلَا يُعْطِيهِمَا شَيْئًا إنْ لَمْ يَسْبِقْهُمَا، وَيَأْخُذُ مِنْهُمَا الْجُعْلَ إنْ سَبَقَهُمَا وَيَجُوزُ أَنْ يَعْكِسَ التَّصْوِيرَ أَخْذًا وَإِعْطَاءً وَفِيمَا بَيْنَهُمَا أَيُّهُمَا سَبَقَ أَخَذَ مِنْ صَاحِبِهِ مَا شَرَطَ لَهُ؛ وَإِنْ سَبَقَاهُ وَجَاءَا مَعًا فَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ سَبَقَ الْمُحَلِّلُ مَعَ أَحَدِهِمَا ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُ فَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ مَعَ الْمُحَلِّلِ بَلْ لَهُ مَا شَرَطَهُ الْآخَرُ لَهُ كَمَا لَوْ سَبَقَ، ثُمَّ جَاءَ الْمُحَلِّلُ ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُ وَلَا شَيْءَ لِلْمُحَلِّلِ اهـ غُرَرُ الْأَفْكَارِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَإِنَّمَا جَازَ هَذَا لِأَنَّ الثَّالِثَ لَا يَغْرَمُ عَلَى التَّقَادِيرِ كُلِّهَا قَطْعًا وَيَقِينًا وَإِنَّمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَأْخُذَ أَوْ لَا يَأْخُذَ فَخَرَجَ بِذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قِمَارًا، فَصَارَ كَمَا إذَا شَرَطَ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّ الْقِمَارَ هُوَ الَّذِي يَسْتَوِي فِيهِ الْجَانِبَانِ فِي احْتِمَالِ الْغَرَامَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا اهـ.
[تَتِمَّةٌ]
يُشْتَرَطُ فِي الْغَايَةِ أَنْ تَكُونَ مِمَّا تَحْتَمِلُهَا الْفَرَسُ، وَأَنْ يَكُونَ فِي كُلٍّ مِنْ الْفَرَسَيْنِ احْتِمَالُ السَّبْقِ زَيْلَعِيٌّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي السَّهْمِ وَالْأَقْدَامِ كَذَلِكَ تَأَمَّلْ. وَنَقَلَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ عَنْ الْمُحَرَّرِ إنْ كَانَتْ الْمُسَابَقَةُ عَلَى الْإِبِلِ فَاعْتِبَارٌ فِي السَّبَقِ بِالْكَتِفِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْخَيْلِ فَبِالْعُنُقِ وَقِيلَ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْأَقْدَامِ اهـ.
[فَرْعٌ]
فِي مُتَفَرِّقَاتِ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ السِّرَاجِيَّةِ يُكْرَهُ الرَّمْيُ إلَى هَدَفٍ نَحْوَ الْقِبْلَةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُتَفَقِّهَةِ) أَيْ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَكَذَا الْمُصَارَعَةُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَإِنَّمَا جَازَ، لِأَنَّ فِيهِ حَثًّا عَلَى الْجِهَادِ وَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ، فَإِنَّ قِيَامَ الدِّينِ بِالْجِهَادِ وَالْعِلْمِ فَجَازَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَيْهِمَا لَا غَيْرُ كَذَا فِي فُصُولِ الْعَلَامِيِّ (قَوْلُهُ فَإِذَا شَرَطَ لِمَنْ مَعَهُ الصَّوَابُ) أَيْ
وَالْمُصَارَعَةُ لَيْسَتْ بِبِدْعَةٍ إلَّا لِلتَّلَهِّي فَتُكْرَهُ بُرْجُنْدِيٌّ، وَأَمَّا السِّبَاقُ بِلَا جُعْلٍ فَيَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَمَا يَأْتِي وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: الْمُسَابَقَةُ بِالْأَقْدَامِ وَالطَّيْرِ وَالْبَقَرِ وَالسُّفُنِ وَالسِّبَاحَةِ وَالصَّوْلَجَانِ وَالْبُنْدُقِ وَرَمْيِ الْحَجَرِ وَإِشَالَتِهِ بِالْيَدِ وَالشِّبَاكِ وَالْوُقُوفِ عَلَى رَجُلٍ وَمَعْرِفَةِ مَا بِيَدِهِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ فَرْدٍ وَاللَّعِبِ بِالْخَاتَمِ وَكَذَا يَحِلُّ كُلُّ لَعِبٍ خَطَرٍ لِحَاذِقٍ تَغْلِبُ سَلَامَتُهُ كَرَمْيٍ لِرَامٍ وَصَيْدٍ لِحَيَّةٍ وَيَحِلُّ التَّفَرُّجُ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ وَحَدِيثُ «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ» يُفِيدُ حِلَّ
ــ
[رد المحتار]
لِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ مَعَهُ الصَّوَابُ لَا مَا يُفِيدُهُ عُمُومُ مِنْ وَإِلَّا كَانَ عَيَّنَ مَا بَعْدَهُ اهـ ح أَيْ بِأَنْ يَقُولَ: إنْ ظَهَرَ الصَّوَابُ مَعَك فَلَكَ كَذَا، أَوْ ظَهَرَ مَعِي فَلَا شَيْءَ لِي أَوْ بِالْعَكْسِ. أَمَّا لَوْ قَالَا: مَنْ ظَهَرَ مَعَهُ الصَّوَابُ مِنَّا فَلَهُ عَلَى صَاحِبِهِ كَذَا فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ شَرْطٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ قِمَارٌ إلَّا إذَا أَدْخَلَا مُحَلِّلًا بَيْنَهُمَا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَصَوَّرَهُ ط بِأَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ ذَاتَ أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٍ، وَجَعَلَا لِلثَّالِثِ جُعْلًا إنْ ظَهَرَ مَعَهُ الصَّوَابُ وَإِنْ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْمُصَارَعَةُ لَيْسَتْ بِبِدْعَةٍ) فَقَدْ «صَرَعَ عليه الصلاة والسلام جَمْعًا مِنْهُمْ ابْنَ الْأَسْوَدِ الْجُمَحِيَّ، وَمِنْهُمْ رُكَانَةَ فَإِنَّهُ صَرَعَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ لِشَرْطِهِ أَنَّهُ إنْ صُرِعَ أَسْلَمَ» كَمَا فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ لِلْقَارِي، قَالَ الْجِرَاحِيُّ وَمُصَارَعَتُهُ عليه الصلاة والسلام لِأَبِي جَهْلٍ لَا أَصْلَ لَهَا (قَوْلُهُ فَيَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ) أَيْ مِمَّا يُعَلِّمُ الْفُرُوسِيَّةَ وَيُعِينُ عَلَى الْجِهَادِ بِلَا قَصْدِ التَّلَهِّي كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ فُقَهَائِنَا مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ شَيْئًا مِنْ الْمَلَاهِي سِوَى النِّضَالِ» أَيْ الرَّمْيِ وَالْمُسَابَقَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَسْمِيَتَهُ لَهْوًا لِلْمُشَابَهَةِ الصُّورِيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا يَأْتِي) أَيْ فِي مَسَائِلَ شَتَّى وَقَدَّمْنَا عِبَارَتَهُ (قَوْلُهُ بِالْأَقْدَامِ) مُتَعَلِّقٌ بِعَدَّ أَيْ جَعَلُوهَا بِالْأَقْدَامِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ قَالَ ط: وَلَا أَدْرِي وَجْهَ ذِكْرِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ غَيْرَ أَنَّهَا أَوْهَمَتْ أَنَّ الْقَوَاعِدَ تَقْتَضِيهَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي أَنَّ غَالِبَ هَذِهِ مِنْ اللَّهْوِ الْمُحَرَّمِ كَالصَّوْلَجَانِ وَمَا بَعْدَهُ اهـ مُلَخَّصًا.
أَقُولُ: قَدَّمْنَا عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ جَوَازَ اللَّعِبِ بِالصَّوْلَجَانِ وَهُوَ الْكُرَةُ لِلْفُرُوسِيَّةِ وَفِي جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ بِالطَّيْرِ عِنْدَنَا نَظَرٌ وَكَذَا فِي جَوَازِ مَعْرِفَةِ مَا فِي الْيَدِ وَاللَّعِبِ بِالْخَاتَمِ فَإِنَّهُ لَهْوٌ مُجَرَّدٌ وَأَمَّا الْمُسَابَقَةُ بِالْبَقَرِ وَالسُّفُنِ وَالسِّبَاحَةِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الْجَوَازُ وَرَمْيُ الْبُنْدُقِ وَالْحَجَرِ كَالرَّمْيِ بِالسَّهْمِ، وَأَمَّا إشَالَةُ الْحَجَرِ بِالْيَدِ وَمَا بَعْدَهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ بِهِ التَّمَرُّنَ وَالتَّقَوِّي عَلَى الشَّجَاعَةِ لَا بَأْسَ بِهِ (قَوْلُهُ وَالْبُنْدُقُ) أَيْ الْمُتَّخَذُ مِنْ الطِّينِ ط وَمِثْلُهُ الْمُتَّخَذُ مِنْ الرَّصَاصِ (قَوْلُهُ وَإِشَالَتُهُ بِالْيَدِ) لِيُعْلَمَ الْأَقْوَى مِنْهُمَا ط (قَوْلُهُ وَالشِّبَاكُ) أَيْ الْمُشَابَكَةُ بِالْأَصَابِعِ مَعَ فَتْلِ كُلٍّ يَدَ صَاحِبِهِ لِيُعْلَمَ الْأَقْوَى كَذَا ظَهَرَ لِي (قَوْلُهُ وَمَعْرِفَةُ مَا بِيَدِهِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ فَرْدٍ وَاللَّعِبُ بِالْخَاتَمِ) سَمِعْت مِنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ جَوَازَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ إذَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى قَوَاعِدَ حِسَابِيَّةٍ مِمَّا ذَكَرَهُ عُلَمَاءُ الْحِسَابِ فِي طَرِيقِ اسْتِخْرَاجِ ذَلِكَ بِخُصُوصِهِ لَا بِمُجَرَّدِ الْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ.
أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ جَوَازُ ذَلِكَ حِينَئِذٍ عِنْدَنَا أَيْضًا إنْ قَصَدَ بِهِ التَّمَرُّنَ عَلَى مَعْرِفَةِ الْحِسَابِ، وَأَمَّا الشِّطْرَنْجُ فَإِنَّهُ وَإِنْ أَفَادَ عِلْمَ الْفُرُوسِيَّةِ لَكِنَّ حُرْمَتَهُ عِنْدَنَا بِالْحَدِيثِ، لِكَثْرَةِ غَوَائِلِهِ بِإِكْبَابِ صَاحِبِهِ عَلَيْهِ، فَلَا بَقِيَ نَفْعُهُ بِضَرَرِهِ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَحَدِيثُ «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ» ) تَمَامُهُ " وَلَا حَرَجَ " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ عَنْ جَابِرٍ «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِمْ أَعَاجِيبُ» وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ» " فَقَدْ فَرَّقَ عليه الصلاة والسلام بَيْنَ الْحَدِيثِ عَنْهُ وَالْحَدِيثِ عَنْهُمْ، كَمَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ
سَمَاعِ الْأَعَاجِيبِ وَالْغَرَائِبِ مِنْ كُلِّ مَا لَا يُتَيَقَّنُ كَذِبُهُ بِقَصْدِ الْفُرْجَةِ لَا الْحُجَّةِ بَلْ وَمَا يُتَيَقَّنُ كَذِبُهُ لَكِنْ بِقَصْدِ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ وَالْمَوَاعِظِ وَتَعْلِيمِ نَحْوِ الشَّجَاعَةِ عَلَى أَلْسِنَةِ آدَمِيِّينَ أَوْ حَيَوَانَاتٍ ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ.
(وَيُسْتَحَبُّ قَلْمُ أَظَافِيرِهِ) إلَّا لِمُجَاهِدٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيُسْتَحَبُّ تَوْفِيرُ شَارِبِهِ وَأَظْفَارِهِ (يَوْمَ الْجُمُعَةِ) وَكَوْنُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَفْضَلَ إلَّا إذَا أَخَّرَهُ إلَيْهِ تَأْخِيرًا فَاحِشًا فَيُكْرَهُ لِأَنَّ مَنْ كَانَ ظُفْرُهُ طَوِيلًا كَانَ رِزْقُهُ ضَيِّقًا وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ قَلَّمَ أَظَافِيرَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ الْبَلَايَا إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَزِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» دُرَرٌ وَعَنْهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ بِقَصْدِ الْفُرْجَةِ لَا الْحُجَّةِ) الْفُرْجَةُ مُثَلَّثَةً التَّفَصِّي عَنْ الْهَمِّ وَالْحُجَّةُ بِالضَّمِّ الْبُرْهَانُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ لَكِنْ بِقَصْدِ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ إلَخْ) وَذَلِكَ كَمَقَامَاتِ الْحَرِيرِيِّ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحِكَايَاتِ الَّتِي فِيهَا عَنْ الْحَارِثِ بْنِ هَمَّامٍ وَالسَّرُوجِيِّ لَا أَصْلَ لَهَا، وَإِنَّمَا أَتَى بِهَا عَلَى هَذَا السِّيَاقِ الْعَجِيبِ لِمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يُطَالِعُهَا، وَهَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِثْلُ قِصَّةِ عَنْتَرَةَ وَالْمِلْكُ الظَّاهِرُ وَغَيْرُهُمَا، لَكِنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ عَنْ أُصُولِ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَسَيَأْتِي فِي الْفُرُوعِ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّ الْقَصَصَ الْمَكْرُوهَ أَنْ يُحَدِّثَ النَّاسَ بِمَا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ مَعْرُوفٌ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَزِيدَ أَوْ يُنْقِصَ لِيُزَيِّنَ بِهِ قَصَصَهُ إلَخْ فَهَلْ يُقَالُ عِنْدَنَا بِجَوَازِهِ إذَا قَصَدَ بِهِ ضَرْبَ الْأَمْثَالِ وَنَحْوَهَا يُحَرَّرُ.
(قَوْلُهُ عَلَى أَلْسِنَةِ آدَمِيِّينَ أَوْ حَيَوَانَاتٍ) أَيْ أَوْ جَمَادَاتٍ كَقَوْلِهِمْ قَالَ الْحَائِطُ لِلْوَتَدِ لِمَ تَخْرِقُنِي قَالَ سَلْ مَنْ يَدُقُّنِي (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ) أَيْ الْمَكِّيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ.
(قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ قَلْمُ أَظَافِيرِهِ) وَقَلْمُهَا بِالْأَسْنَانِ مَكْرُوهٌ يُورِثُ الْبَرَصَ، فَإِذَا قَلَّمَ أَظْفَارَهُ أَوْ جَزَّ شَعْرَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَدْفِنَهُ فَإِنْ رَمَى بِهِ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي الْكَنِيفِ أَوْ فِي الْمُغْتَسَلِ كُرِهَ لِأَنَّهُ يُورِثُ دَاءً خَانِيَّةٌ وَيُدْفَنُ أَرْبَعَةٌ الظُّفْرُ وَالشَّعْرُ وَخِرْقَةُ الْحَيْضِ وَالدَّمُ عَتَّابِيَّةٌ ط (قَوْلُهُ فَيُسْتَحَبُّ تَوْفِيرُ شَارِبِهِ وَأَظْفَارِهِ) الْأَنْسَبُ فِي التَّعْبِيرِ: فَيُوَفِّرُ أَظْفَارَهُ، وَكَذَا شَارِبَهُ. وَفِي الْمِنَحِ ذُكِرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَتَبَ إلَيْنَا: وَفِّرُوا الْأَظَافِيرَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَإِنَّهَا سِلَاحٌ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ السِّلَاحُ مِنْ يَدِهِ وَقَرُبَ الْعَدُوُّ مِنْهُ رُبَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ بِأَظَافِيرِهِ وَهُوَ نَظِيرُ قَصِّ الشَّارِبِ، فَإِنَّهُ سُنَّةٌ وَتَوْفِيرُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِلْغَازِي مَنْدُوبٌ، لِيَكُونَ أَهْيَبَ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ اهـ مُلَخَّصًا ط (قَوْلُهُ وَكَوْنُهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَفْضَلَ) أَيْ لِتَنَالَهُ بَرَكَةُ الصَّلَاةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا فِي الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَخَّرَهُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِأَنْ طَالَ جِدًّا وَأَرَادَ تَأْخِيرَهُ إلَيْهِ فَيُكْرَهُ (قَوْلُهُ وَفِي الْحَدِيثِ إلَخْ) قَالَ الزَّرْقَانِيُّ: أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ مُسْنَدِ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْخُذُ مِنْ أَظْفَارِهِ وَشَارِبِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» وَلَهُ شَاهِدٌ مَوْصُولٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُصُّ شَارِبَهُ وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يَرُوحَ إلَى الصَّلَاةِ» ، أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ عُقْبَةُ قَالَ أَحْمَدُ: فِي هَذَا الْإِسْنَادِ مَنْ يُجْهَلُ قَالَ السُّيُوطِيّ: وَبِالْجُمْلَةِ فَأَرْجَحُهَا أَيْ الْأَقْوَالِ دَلِيلًا وَنَقْلًا يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَالْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِيهِ لَيْسَتْ بِوَاهِيَةٍ جِدًّا مَعَ أَنَّ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ اهـ مَدَنِيٌّ وَقَالَ الْجِرَاحِيُّ: وَرَوَى الدَّيْلَمِيُّ بِسَنَدٍ وَاهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ «مَنْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ يَوْمَ السَّبْتِ خَرَجَ مِنْهُ الدَّاءُ وَدَخَلَ فِيهِ الشِّفَاءُ وَمَنْ قَلَّمَهَا يَوْمَ الْأَحَدِ خَرَجَ مِنْهُ الْفَاقَةُ وَدَخَلَ فِيهِ الْغِنَى وَمَنْ قَلَّمَهَا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ خَرَجَ مِنْهُ الْجُنُونُ وَدَخَلَتْ فِيهِ الصِّحَّةُ وَمَنْ قَلَّمَهَا يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ خَرَجَ مِنْهُ الْمَرَضُ وَدَخَلَ فِيهِ الشِّفَاءُ وَمَنْ قَلَّمَهَا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ خَرَجَ مِنْهُ الْوَسْوَاسُ وَالْخَوْفُ وَدَخَلَ فِيهِ الْأَمْنُ وَالشِّفَاءُ وَمَنْ قَلَّمَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ خَرَجَ مِنْهُ الْجُذَامُ وَدَخَلَتْ فِيهِ الْعَافِيَةُ وَمَنْ قَلَّمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَخَلَتْ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَخَرَجَتْ مِنْهُ الذُّنُوبُ» ".
(قَوْلُهُ وَعَنْهُ عليه الصلاة والسلام إلَخْ) لَمْ يَثْبُتْ حَدِيثًا بَلْ وَقَعَ فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ كَالشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ فِي غُنْيَتِهِ وَكَابْنِ قُدَامَةَ فِي مُغْنِيهِ وَقَالَ السَّخَاوِيُّ: لَمْ أَجِدْهُ لَكِنْ كَانَ الْحَافِظُ الدِّمْيَاطِيُّ يَنْقُلُ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ
مُخَالِفًا لَمْ تَرْمَدْ عَيْنُهُ أَبَدًا» يَعْنِي كَقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه:
قَلِّمُوا أَظْفَارَكُمْ بِسُنَّةٍ وَأَدَبْ
…
يَمِينُهَا خَوَابِسُ يَسَارُهَا أوخسب
وَبَيَانُهُ وَتَمَامُهُ فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ.
وَفِي شَرْحِ الْغَزَّاوِيَّةِ رُوِيَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَدَأَ بِمُسَبِّحَتِهِ الْيُمْنَى إلَى الْخِنْصَرِ ثُمَّ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى إلَى الْإِبْهَامِ وَخَتَمَ بِإِبْهَامِ الْيُمْنَى» وَذَكَرَ لَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَجْهًا وَجِيهًا وَلَمْ يَثْبُتْ فِي أَصَابِعِ الرِّجْلِ نَقْلٌ، وَالْأَوْلَى تَقْلِيمُهَا كَتَخْلِيلِهَا.
قُلْت: وَفِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنْيَّةِ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: إنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَيْفَمَا احْتَاجَ إلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي كَيْفِيَّتِهِ شَيْءٌ وَلَا فِي تَعْيِينِ يَوْمٍ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا يُعْزَى مِنْ النَّظْمِ فِي ذَلِكَ لِلْإِمَامِ عَلِيٍّ ثُمَّ لِابْنِ حَجَرٍ قَالَ شَيْخُنَا إنَّهُ بَاطِلٌ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ (حَلْقُ عَانَتِهِ وَتَنْظِيفُ بَدَنِهِ بِالِاغْتِسَالِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً) وَالْأَفْضَلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَجَازَ
ــ
[رد المحتار]
وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ اهـ جِرَاحِيٌّ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مِنْ الْمُجَرَّبِ أَنَّ مَنْ قَصَّ كَذَلِكَ لَمْ يُصِبْهُ رَمَدٌ (قَوْلُهُ يَعْنِي إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مُخَالِفًا (قَوْلُهُ
قَلِّمُوا أَظْفَارَكُمْ بِالسُّنَّةِ وَالْأَدَبِ
) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْزُونٍ وَفِي بَعْضِهَا بِسُنَّةٍ وَأَدَبٍ مُنَكَّرًا فَيَكُونُ مِنْ مَجْزُوءِ بَحْرِ الرَّجَزِ بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فِي آخَرِ الْبَيْتَيْنِ وَيَكُونُ قَدْ دَخَلَ الْبَيْتَ الْأَوَّلَ الْخَرْمُ بِنَقْصِ حَرْفٍ مِنْ أَوَّلِهِ قَالَهُ ح وَهُوَ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِيهِ (قَوْلُهُ يَمِينُهَا خَوَابِسُ إلَخْ) رَمَزَ لِكُلِّ أُصْبُعٍ بِحَرْفٍ: قَالَ السَّخَاوِيُّ وَكَذَبَ الْقَائِلُ:
ابْدَأْ بِيُمْنَاك وَبِالْخِنْصَرِ
…
فِي قَصِّ أَظْفَارِك وَاسْتَبْصَرَ
وَثَنِّ بِالْوُسْطَى وَثَلِّثْ كَمَا
…
قَدْ قِيلَ بِالْإِبْهَامِ وَالْبِنْصِرِ
وَلْتَخْتُم الْكَفَّ بِسَبَّابَةٍ
…
فِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَلَا تَمْتَرِ
وَفِي الْيَدِ الْيُسْرَى بِإِبْهَامِهَا
…
وَالْإِصْبَعِ الْوُسْطَى وَبِالْخِنْصَرِ
وَبَعْدَ سَبَّابَتِهَا بِنْصِرُ
…
فَإِنَّهَا خَاتِمَةُ الْأَيْسَرِ
فَذَاكَ أَمْنٌ خُذْ بِهِ يَا فَتَى
…
مِنْ رَمَدِ الْعَيْنِ فَلَا تَزْدَرِ
هَذَا حَدِيثٌ قَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا
…
عَنْ الْإِمَامِ الْمُرْتَضَى حَيْدَرِ
اهـ (قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى تَقْلِيمُهَا كَتَخْلِيلِهَا) يَعْنِي يَبْدَأُ بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيَمِينِ وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى.
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ عَنْ الْغَرَائِبِ: وَيَنْبَغِي الِابْتِدَاءُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى وَالِانْتِهَاءُ بِهَا فَيَبْدَأُ بِسَبَّابَتِهَا وَيَخْتِمُ بِإِبْهَامِهَا، وَفِي الرِّجْلِ بِخِنْصَرِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمُ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى اهـ وَنَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْمَسْعُودِيَّةِ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) وَكَذَا قَالَ السُّيُوطِيّ: قَدْ أَنْكَرَ الْإِمَامُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ وَقَالَ لَا تُعْتَبَرُ هَيْئَةً مَخْصُوصَةً، وَهَذَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ، وَلَا يَجُوزُ اعْتِقَادُ اسْتِحْبَابِهِ لِأَنَّ الِاسْتِحْبَابَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ وَلَيْسَ اسْتِسْهَالُ ذَلِكَ بِصَوَابٍ اهـ (قَوْلُهُ وَمَا يُعْزَى مِنْ النَّظْمِ) وَهُوَ قَوْلُهُ:
فِي قَصِّ ظُفْرِك يَوْمَ السَّبْتِ آكِلَةٌ
…
تَبْدُو وَفِيمَا يَلِيهِ تَذْهَبُ الْبَرَكَهْ
وَعَالِمٌ فَاضِلٌ يَبْدَأُ بِتِلْوِهِمَا
…
وَإِنْ يَكُنْ فِي الثَّلَاثِ فَاحْذَرْ الْهَلَكَهْ
وَيُورِثُ السُّوقَ فِي الْأَخْلَاقِ رَابِعُهَا
…
وَفِي الْخَمِيسِ الْغِنَى يَأْتِي لِمَنْ سَلَكَهْ
وَالْعِلْمُ وَالرِّزْقُ زِيدَا فِي عُرُوبَتِهَا
…
عَنْ النَّبِيِّ رَوَيْنَا فَاقْتَفُوا نُسُكَهْ
اهـ.
(قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ حَلْقُ عَانَتِهِ) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ وَيَبْتَدِئُ مِنْ تَحْتِ السُّرَّةِ وَلَوْ عَالَجَ بِالنُّورَةِ يَجُوزُ كَذَا فِي الْغَرَائِبِ وَفِي الْأَشْبَاهِ وَالسُّنَّةُ فِي عَانَةِ الْمَرْأَةِ النَّتْفُ (قَوْلُهُ وَتَنْظِيفُ بَدَنِهِ) بِنَحْوِ إزَالَةِ الشَّعْرِ مِنْ إبْطَيْهِ وَيَجُوزُ فِيهِ الْحَلْقُ
فِي كُلِّ خَمْسَةَ عَشْرَةَ وَكُرِهَ تَرْكُهُ وَرَاءَ الْأَرْبَعِينَ مُجْتَبًى وَفِيهِ حَلْقُ الشَّارِبِ بِدْعَةٌ وَقِيلَ سُنَّةٌ وَلَا بَأْسَ بِنَتْفِ الشَّيْبِ، وَأَخْذِ أَطْرَافِ اللِّحْيَةِ وَالسُّنَّةُ فِيهَا الْقَبْضَةُ. وَفِيهِ: قَطَعَتْ شَعْرَ رَأْسِهَا أَثِمَتْ وَلُعِنَتْ زَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ بِإِذْنِ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، وَلِذَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ قَطْعُ لِحْيَتِهِ، وَالْمَعْنَى الْمُؤَثِّرُ التَّشَبُّهُ بِالرِّجَالِ اهـ. قُلْت: وَأَمَّا حَلْقُ رَأْسِهِ فَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَقَدْ قِيلَ:
حَلْقُ الرَّأْسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ
…
يُحَبُّ وَبَعْضٌ بِالْجَوَازِ يُعَبَّرُ.
(رَجُلٌ تَعَلَّمَ عِلْمَ الصَّلَاةِ أَوْ نَحْوَهُ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ وَآخَرُ لِيَعْمَلَ بِهِ فَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ وَرُوِيَ «مُذَاكَرَةُ الْعِلْمِ
ــ
[رد المحتار]
وَالنَّتْفُ أَوْلَى. وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ بَعْضِهِمْ وَكِلَاهُمَا حَسَنٌ، وَلَا يَحْلِقُ شَعْرَ حَلْقِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِهِ ط.
وَفِي الْمُضْمَرَاتِ: وَلَا بَأْسَ بِأَخْذِ الْحَاجِبَيْنِ وَشَعْرِ وَجْهِهِ مَا لَمْ يُشْبِهْ الْمُخَنَّثَ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَكُرِهَ تَرْكُهُ) أَيْ تَحْرِيمًا لِقَوْلِ الْمُجْتَبَى وَلَا عُذْرَ فِيمَا وَرَاءَ الْأَرْبَعِينَ وَيَسْتَحِقُّ الْوَعِيدَ اهـ وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ شَرْحِ الْمَشَارِقِ لِابْنِ مَلَكٍ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «وُقِّتَ لَنَا فِي تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» وَهُوَ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ الَّتِي لَيْسَ لِلرَّأْيِ فِيهَا مَدْخَلٌ فَيَكُونُ كَالْمَرْفُوعِ اهـ (قَوْلُهُ وَقِيلَ سُنَّةٌ) مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُلْتَقَى، وَعِبَارَةُ الْمُجْتَبَى بَعْدَمَا رَمَزَ لِلطَّحَاوِيِّ حَلْقُهُ سُنَّةٌ وَنَسَبَهُ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَالْقَصُّ مِنْهُ حَتَّى يُوَازِيَ الْحَرْفَ الْأَعْلَى مِنْ الشَّفَةِ الْعُلْيَا سُنَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِنَتْفِ الشَّيْبِ) قَيَّدَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَنْ لَا يَكُونَ عَلَى وَجْهِ التَّزَيُّنِ.
[تَنْبِيهٌ]
نَتْفُ الْفَنْبَكَيْنِ بِدْعَةٌ وَهُمَا جَانِبَا الْعَنْفَقَةِ وَهِيَ شَعْرُ الشَّفَةِ السُّفْلَى كَذَا فِي الْغَرَائِبِ وَلَا يَنْتِفُ أَنْفَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْأَكِلَةَ وَفِي حَلْقِ شَعْرِ الصَّدْرِ وَالظَّهْرِ تَرْكُ الْأَدَبِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ اهـ ط (قَوْلُهُ وَالسُّنَّةُ فِيهَا الْقَبْضَةُ) وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَ الرَّجُلُ لِحْيَتَهُ فَمَا زَادَ مِنْهَا عَلَى قَبْضَةٍ قَطَعَهُ كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ عَنْ الْإِمَامِ، قَالَ وَبِهِ أَخَذَ. مُحِيطٌ اهـ ط.
[فَائِدَةٌ]
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ «مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ خِفَّةُ لِحْيَتِهِ» " وَاشْتُهِرَ أَنَّ طُولَ اللِّحْيَةِ دَلِيلٌ عَلَى خِفَّةِ الْعَقْلِ وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:
مَا أَحَدٌ طَالَتْ لَهُ لِحْيَةٌ
…
فَزَادَتْ اللِّحْيَةُ فِي هَيْئَتِهِ
إلَّا وَمَا يَنْقُصُ مِنْ عَقْلِهِ
…
أَكْثَرُ مِمَّا زَادَ فِي لِحْيَتِهِ
[لَطِيفَةٌ]
نُقِلَ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْكَلْبِيِّ قَالَ: حَفِظْت مَا لَمْ يَحْفَظْهُ أَحَدٌ وَنَسِيت مَا لَمْ يَنْسَهُ أَحَدٌ حَفِظْت الْقُرْآنَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأَرَدْت أَنْ أَقْطَعَ مِنْ لِحْيَتِي مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ فَنَسِيت فَقَطَعْت مِنْ أَعْلَاهَا (قَوْلُهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ إلَخْ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ اهـ جِرَاحِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْمَعْنَى الْمُؤَثِّرُ) أَيْ الْعِلَّةُ الْمُؤَثِّرَةُ فِي إثْمِهَا التَّشَبُّهُ بِالرِّجَالِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَالتَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ حَتَّى قَالَ فِي الْمُجْتَبَى رَامِزًا: يُكْرَهُ غَزْلُ الرَّجُلِ عَلَى هَيْئَةِ غَزْلِ النِّسَاءِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا حَلْقُ رَأْسِهِ إلَخْ) وَفِي الرَّوْضَةِ للزَّنْدَوِيستي أَنَّ السُّنَّةَ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ إمَّا الْفَرْقُ أَوْ الْحَلْقُ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ: أَنَّ الْحَلْقَ سُنَّةٌ، وَنَسَبَ ذَلِكَ إلَى الْعُلَمَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْلِقَ وَسَطَ رَأْسِهِ وَيُرْسِلَ شَعْرَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْتِلَهُ وَإِنْ فَتَلَهُ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُشَبَّهًا بِبَعْضِ الْكَفَرَةِ وَالْمَجُوس فِي دِيَارِنَا يُرْسِلُونَ الشَّعْرَ مِنْ غَيْرِ فَتْلٍ، وَلَكِنْ لَا يَحْلِقُونَ وَسَطَ الرَّأْسِ بَلْ يَجُزُّونَ النَّاصِيَةَ تَتَارْخَانِيَّةٌ قَالَ ط: وَيُكْرَهُ الْقَزَعُ وَهُوَ أَنْ يَحْلِقَ الْبَعْضَ وَيَتْرُكَ الْبَعْضَ قَطْعًا مِقْدَارَ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ كَذَا فِي الْغَرَائِبِ، وَفِيهَا: كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَتْرُكُ سِبَالَيْهِ وَهُمَا أَطْرَافُ الشَّوَارِبِ.
(قَوْلُهُ وَرُوِيَ إلَخْ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ فِقْهٍ فِي دِينٍ» .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: طَلَبُ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ إذَا صَحَّتْ النِّيَّةُ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَكَذَا الِاشْتِغَالُ بِزِيَادَةِ الْعِلْمِ إذَا صَحَّتْ النِّيَّةُ، لِأَنَّهُ أَعَمُّ نَفْعًا، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَدْخُلَ النُّقْصَانُ فِي فَرَائِضِهِ، وَصِحَّةُ النِّيَّةِ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ
سَاعَةً خَيْرٌ مِنْ إحْيَاءِ لَيْلَةٍ» وَلَهُ الْخُرُوجُ لِطَلَبِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ بِلَا إذْنِ وَالِدَيْهِ لَوْ مُلْتَحِيًا وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ (وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَضُرُّ النَّاسَ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ فَذِكْرُهُ بِمَا فِيهِ لَيْسَ بِغِيبَةٍ حَتَّى لَوْ أَخْبَرَ السُّلْطَانَ بِذَلِكَ لِيَزْجُرَهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ) وَقَالُوا إنْ عَلِمَ أَنَّ أَبَاهُ يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ أَعْلَمَهُ وَلَوْ بِكِتَابَةٍ وَإِلَّا لَا كَيْ لَا تَقَعَ الْعَدَاوَةُ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ.
(وَكَذَا) لَا إثْمَ عَلَيْهِ (لَوْ ذَكَرَ مَسَاوِئَ أَخِيهِ عَلَى وَجْهِ الِاهْتِمَامِ لَا يَكُونُ غِيبَةً إنَّمَا الْغِيبَةُ أَنْ يَذْكُرَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ يُرِيدُ السَّبَّ) وَلَوْ اغْتَابَ أَهْلَ قَرْيَةٍ فَلَيْسَ بِغِيبَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِهِ كُلَّهُمْ بَلْ بَعْضَهُمْ وَهُوَ مَجْهُولٌ خَانِيَّةٌ فَتُبَاحُ غِيبَةُ مَجْهُولٍ
ــ
[رد المحتار]
تَعَالَى لَا طَلَبَ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَلَوْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ الْجَهْلِ وَمَنْفَعَةَ الْخَلْقِ وَإِحْيَاءَ الْعِلْمِ فَقِيلَ تَصِحُّ نِيَّتُهُ أَيْضًا، تَعَلَّمَ بَعْضَ الْقُرْآنِ وَوَجَدَ فَرَاغًا فَالْأَفْضَلُ الِاشْتِغَالُ بِالْفِقْهِ، لِأَنَّ حِفْظَ الْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَتَعَلُّمُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ الْفِقْهِ فَرْضُ عَيْنٍ قَالَ فِي الْخِزَانَةِ وَجَمِيعُ الْفِقْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ فِي الْمَنَاقِبِ: عَمِلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِائَتَيْ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ حِفْظِهَا وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ.
(قَوْلُهُ وَلَهُ الْخُرُوجُ إلَخْ) أَيْ إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى وَالِدَيْهِ الضَّيْعَةَ بِأَنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ، وَلَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُمَا عَلَيْهِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى الْحَجِّ وَكَرِهَ ذَلِكَ قَالُوا إنْ اسْتَغْنَى الْأَبُ عَنْ خِدْمَتِهِ فَلَا بَأْسَ، وَإِلَّا فَلَا يَسَعُهُ الْخُرُوجُ، فَإِنْ احْتَاجَا إلَى النَّفَقَةِ وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّفَ لَهُمَا نَفَقَةً كَامِلَةً أَوْ أَمْكَنَهُ إلَّا أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الطَّرِيقِ الْخَوْفُ فَلَا يَخْرُجُ، وَلَوْ الْغَالِبُ السَّلَامَةُ يَخْرُجُ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَا يَخْرُجُ إلَى الْجِهَادِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَلَوْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ لَا يَنْبَغِي لَهُ الْخُرُوجُ، لِأَنَّ مُرَاعَاةَ حَقِّهِمَا فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجِهَادَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبَوَانِ وَلَهُ جَدَّانِ وَجَدَّتَانِ فَأَذِنَ لَهُ أَبُو الْأَبِ وَأُمُّ الْأُمِّ دُونَ الْآخَرَيْنِ لَا بَأْسَ بِالْخُرُوجِ لِقِيَامِهِمَا مَقَامَ الْأَبَوَيْنِ، وَلَوْ أَذِنَ الْأَبَوَانِ لَا يُلْتَفَتُ إلَى غَيْرِهِمَا هَذَا فِي سَفَرِ الْجِهَادِ، فَلَوْ فِي سَفَرِ تِجَارَةٍ أَوْ حَجٍّ لَا بَأْسَ بِهِ بِلَا إذْنِ الْأَبَوَيْنِ إنْ اسْتَغْنَيَا عَنْ خِدْمَتِهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّهِمَا إلَّا إذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا كَالْبَحْرِ فَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَإِنْ اسْتَغْنَيَا عَنْ خِدْمَتِهِ وَلَوْ خَرَجَ الْمُتَعَلِّمُ وَضَيَّعَ عِيَالَهُ يُرَاعَى حَقُّ الْعِيَالِ اهـ (قَوْلُهُ لَوْ مُلْتَحِيًا) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرَدِ فِي كَلَامِ الدُّرَرِ الْآتِي خِلَافُ الْمُلْتَحِي إذْ لَوْ كَانَ مَعْذُورًا يُخْشَى عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ فَإِنَّ بَعْضَ الْفَسَقَةِ يُقَدِّمُهُ عَلَى الْأَمْرَدِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ) قَالَ فِيهَا وَإِنْ كَانَ أَمْرَدَ فَلِأَبِيهِ أَنْ يَمْنَعَهُ وَمُرَادُهُمْ بِالْعِلْمِ الْعِلْمُ الشَّرْعِيُّ، وَمَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِيهِ دُونَ عِلْمِ الْكَلَامِ وَأَمْثَالِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ لَأَنْ يَلْقَى اللَّهَ عَبْدٌ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِعِلْمِ الْكَلَامِ فَإِذَا كَانَ حَالُ الْكَلَامِ الْمُتَدَاوَلِ بَيْنَهُمْ فِي زَمَانِهِمْ هَكَذَا، فَمَا ظَنُّك بِالْكَلَامِ الْمَخْلُوطِ بِهَذَيَانِ الْفَلَاسِفَةِ الْمَغْمُورِ بَيْنَ أَبَاطِيلِهِمْ الْمُزَخْرَفَةِ اهـ (قَوْلُهُ فَذِكْرُهُ بِمَا فِيهِ لَيْسَ بِغِيبَةٍ) أَيْ لِيَحْذَرَهُ النَّاسُ وَلَا يَغْتَرُّوا بِصَوْمِهِ وَصَلَاتِهِ فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ «أَتَوَرَّعُونَ فِي الْغِيبَةِ عَنْ ذِكْرِ الْفَاجِرِ اُذْكُرُوهُ بِمَا فِيهِ يَحْذَرْهُ النَّاسُ» " (قَوْلُهُ وَلَوْ بِكِتَابَةٍ) أَيْ إلَى الْأَبِ وَمِثْلُهُ السُّلْطَانُ، وَلَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَيْهَا حَيْثُ كَانَ الْمُكَاتَبُ مَعْرُوفًا بِالْعَدَالَةِ كَمَا فِي كِفَايَةِ النَّهْرِ بَحْثًا.
وَفِيهِ لِلْقَاضِي تَعْزِيرُ الْمُتَّهَمِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ، فَمَا يُكْتَبُ مِنْ الْمَحَاضِرِ فِي حَقِّ إنْسَانٍ يُعْمَلُ بِهِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ وَمَرَّ فِي التَّعْزِيرِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ) أَيْ مِنْ الْخَانِيَّةِ وَنَصُّ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ وَكَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَبَيْنَ السُّلْطَانِ وَالرَّعِيَّةِ وَالْحَشَمِ إنَّمَا يَجِبُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ (قَوْلُهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ أَوْ زِيَادَةُ وَلَوْ الْعَطْفُ قَبْلَ قَوْلِهِ: لَا يَكُونُ غِيبَةً لِيَرْتَبِطَ الْمَتْنُ مَعَ الشَّرْحِ
(قَوْلُهُ لَا يَكُونُ غِيبَةً) لِأَنَّهُ لَوْ بَلَغَهُ لَا يَكْرَهُهُ لِأَنَّهُ مُهْتَمٌّ لَهُ مُتَحَزِّنٌ وَمُتَحَسِّرٌ عَلَيْهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا فِي اهْتِمَامِهِ وَإِلَّا كَانَ مُغْتَابًا مُنَافِقًا مُرَائِيًا مُزَكِّيًا لِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ شَتَمَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ وَأَظْهَرَ خِلَافَ مَا أَخْفَى وَأَشْعَرَ النَّاسَ أَنَّهُ يَكْرَهُ هَذَا الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ بِصَرِيحِ الْغِيبَةِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِهَا فِي مَعْرِضِ الِاهْتِمَامِ فَقَدْ جَمَعَ أَنْوَاعًا مِنْ الْقَبَائِحِ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعِصْمَةَ.
(قَوْلُهُ فَلَيْسَ بِغِيبَةٍ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ وَلَا غِيبَةَ إلَّا لِمَعْلُومِينَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِهِ كُلَّهُمْ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ كَانَ غِيبَةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَتُبَاحُ غِيبَةُ مَجْهُولٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْغِيبَةَ حَرَامٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَشَبَّهَ الْمُغْتَابَ بِآكِلِ لَحْمِ أَخِيهِ
وَمُتَظَاهِرٍ بِقَبِيحٍ وَلِمُصَاهَرَةٍ وَلِسُوءِ اعْتِقَادٍ تَحْذِيرًا مِنْهُ، وَلِشَكْوَى ظِلَامَتِهِ لِلْحَاكِمِ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ (وَكَمَا تَكُونُ الْغِيبَةُ بِاللِّسَانِ) صَرِيحًا (تَكُونُ) أَيْضًا
ــ
[رد المحتار]
مَيْتًا إذْ هُوَ أَقْبَحُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَمِنْ الْحَيِّ، فَكَمَا يَحْرُمُ لَحْمُهُ يَحْرُمُ عِرْضُهُ قَالَ صلى الله عليه وسلم " «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» ؛ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ، فَلَا تَحِلُّ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِقَدْرِهَا كَهَذِهِ الْمَوَاضِعِ.
وَفِي تَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ: الْغِيبَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: فِي وَجْهٍ هِيَ كُفْرٌ بِأَنْ قِيلَ لَهُ لَا تَغْتَبْ فَيَقُولُ: لَيْسَ هَذَا غِيبَةً، لِأَنِّي صَادِقٌ فِيهِ فَقَدْ اسْتَحَلَّ مَا حُرِّمَ بِالْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ، وَهُوَ كُفْرٌ، وَفِي وَجْهٍ: هِيَ نِفَاقٌ بِأَنْ يَغْتَابَ مَنْ لَا يُسَمِّيهِ عِنْدَ مَنْ يَعْرِفُهُ، فَهُوَ مُغْتَابٌ، وَيَرَى مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ مُتَوَرِّعٌ، فَهَذَا هُوَ النِّفَاقُ، وَفِي وَجْهٍ: هِيَ مَعْصِيَةٌ وَهُوَ أَنْ يَغْتَابَ مُعَيَّنًا وَيَعْلَمُ أَنَّهَا مَعْصِيَةٌ فَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ، وَفِي وَجْهٍ: هِيَ مُبَاحٌ وَهُوَ أَنْ يَغْتَابَ مُعْلِنًا بِفِسْقِهِ أَوْ صَاحِبَ بِدْعَةٍ وَإِنْ اغْتَابَ الْفَاسِقَ لِيَحْذَرَهُ النَّاسُ يُثَابُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ اهـ.
أَقُولُ: وَالْإِبَاحَةُ لَا تُنَافِي الْوُجُوبَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ وَمُتَظَاهِرٍ بِقَبِيحٍ) وَهُوَ الَّذِي لَا يَسْتَتِرُ عَنْهُ وَلَا يُؤَثِّرُ عِنْدَهُ إذَا قِيلَ عَنْهُ إنَّهُ يَفْعَلُ كَذَا اهـ ابْنُ الشِّحْنَةِ قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: فَيَجُوزُ ذِكْرُهُ بِمَا يُجَاهِرُ بِهِ لَا غَيْرِهِ قَالَ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَلْقَى جِلْبَابَ الْحَيَاءِ عَنْ وَجْهِهِ فَلَا غِيبَةَ لَهُ» وَأَمَّا إذَا كَانَ مُسْتَتِرًا فَلَا تَجُوزُ غِيبَتُهُ اهـ.
قُلْت: وَمَا اُشْتُهِرَ بَيْنَ الْعَوَّامِ مِنْ أَنَّهُ لَا غِيبَةَ لِتَارِكِ الصَّلَاةِ إنْ أُرِيدَ بِهِ ذِكْرُهُ بِذَلِكَ وَكَانَ مُتَجَاهِرًا فَهُوَ صَحِيحٌ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ وَلِمُصَاهَرَةٍ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْمَشُورَةِ: أَيْ فِي نِكَاحٍ وَسَفَرٍ وَشَرِكَةٍ وَمُجَاوَرَةٍ وَإِيدَاعِ أَمَانَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَهُ أَنْ يَذْكُرَ مَا يَعْرِفُهُ عَلَى قَصْدِ النُّصْحِ (قَوْلُهُ وَلِسُوءِ اعْتِقَادٍ تَحْذِيرًا مِنْهُ) أَيْ بِأَنْ كَانَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ يُخْفِيهَا وَيُلْقِيهَا لِمَنْ ظَفِرَ بِهِ أَمَّا لَوْ تَجَاهَرَ بِهَا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمُتَجَاهِرِ تَأَمَّلْ.
وَالْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالتَّحْذِيرِ، لِيَشْمَلَ التَّحْذِيرَ مِنْ سُوءِ الِاعْتِقَادِ وَلِمَا مَرَّ مَتْنًا مِمَّنْ يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَضُرُّ النَّاسَ (قَوْلُهُ وَلِشَكْوَى ظِلَامَتِهِ لِلْحَاكِمِ) فَيَقُولُ ظَلَمَنِي فُلَانٌ بِكَذَا لِيُنْصِفَهُ مِنْهُ.
[تَتِمَّةٌ]
يُزَادُ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ سِتَّةٌ أُخْرَى مَرَّ مِنْهَا فِي الْمَتْنِ ثِنْتَانِ، الْأُولَى: الِاسْتِعَانَةُ بِمَنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى زَجْرِهِ، الثَّانِيَةُ: ذِكْرُهُ عَلَى وَجْهِ الِاهْتِمَامِ، الثَّالِثَةُ: الِاسْتِفْتَاءُ قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُفْتِي ظَلَمَنِي فُلَانٌ كَذَا وَكَذَا وَمَا طَرِيقُ الْخَلَاصِ، وَالْأَسْلَمُ أَنْ يَقُولَ مَا قَوْلُك فِي رَجُلٍ ظَلَمَهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ أَوْ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنَّ التَّصْرِيحَ مُبَاحٌ بِهَذَا الْقَدْرِ اهـ لِأَنَّ الْمُفْتِيَ قَدْ يُدْرِكُ مَعَ تَعْيِينِهِ مَا لَا يُدْرِكُ مَعَ إبْهَامِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّ هِنْدَ امْرَأَةَ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ قَالَ خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» الرَّابِعَةُ: بَيَانُ الْعَيْبِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا، وَهُوَ سَارِقٌ أَوْ زَانٍ فَيَذْكُرُهُ لِلْمُشْتَرِي، وَكَذَا لَوْ رَأَى الْمُشْتَرِي يُعْطِي الْبَائِعَ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً فَيَقُولُ: احْتَرِزْ مِنْهُ بِكَذَا، الْخَامِسَةُ: قَصْدُ التَّعْرِيفِ كَأَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِلَقَبِهِ كَالْأَعْرَجِ وَالْأَعْمَشِ وَالْأَحْوَلِ، السَّادِسَةُ: جُرْحُ الْمَجْرُوحِينَ مِنْ الرُّوَاةِ وَالشُّهُودِ وَالْمُصَنِّفِينَ فَهُوَ جَائِزٌ بَلْ وَاجِبٌ صَوْنًا لِلشَّرِيعَةِ فَالْمَجْمُوعُ إحْدَى عَشَرَةَ جَمَعْتهَا بِقَوْلِي:
بِمَا يَكْرَهُ الْإِنْسَانُ يَحْرُمُ ذِكْرُهُ
…
سِوَى عَشْرَةٍ حَلَّتْ أَتَتْ تِلْوَ وَاحِدِ
تَظَلَّمْ وَشِرْ وَاجْرَحْ وَبَيِّنْ مُجَاهِرًا
…
بِفِسْقٍ وَمَجْهُولًا وَغِشًّا لِقَاصِدِ
وَعَرِّفْ كَذَا اسْتَفْتِ اسْتَعِنْ عِنْدَ زَاجِرٍ
…
كَذَاكَ اهْتَمِمْ حَذِّرْ فُجُورَ مُعَانِدِ
بِالْفِعْلِ وَبِالتَّعْرِيضِ وَبِالْكِتَابَةِ وَبِالْحَرَكَةِ وَبِالرَّمْزِ وَ (بِغَمْزِ الْعَيْنِ وَالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ) وَكُلُّ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْغِيبَةِ وَهُوَ حَرَامٌ؛ وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها «دَخَلَتْ عَلَيْنَا امْرَأَةٌ فَلَمَّا وَلَّتْ أَوْمَأْتُ بِيَدِي أَيْ قَصِيرَةٌ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام اغْتَبْتِيهَا» وَمِنْ ذَلِكَ الْمُحَاكَاةُ كَأَنْ يَمْشِي مُتَعَارِجًا أَوْ كَمَا يَمْشِي فَهُوَ غِيبَةٌ بَلْ أَقْبَحُ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ فِي التَّصْوِيرِ وَالتَّفْهِيمِ وَمِنْ الْغِيبَةِ أَنْ يَقُولَ: بَعْضُ مَنْ مَرَّ بِنَا الْيَوْمَ أَوْ بَعْضُ مَنْ رَأَيْنَاهُ إذَا كَانَ الْمُخَاطَبُ يَفْهَمُ شَيْخًا مُعَيَّنًا لِأَنَّ الْمَحْذُورَ تَفْهِيمُهُ دُونَ مَا بِهِ التَّفْهِيمُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَفْهَمْ عَيْنَهُ جَازَ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَفِيهَا: الْغِيبَةُ أَنْ تَصِفَ أَخَاك حَالَ كَوْنِهِ غَائِبًا بِوَصْفٍ يَكْرَهُهُ إذَا سَمِعَهُ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ عليه الصلاة والسلام، «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ اغْتَبْته، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ» وَإِذَا لَمْ تَبْلُغْهُ يَكْفِيهِ النَّدَمُ وَإِلَّا شُرِطَ بَيَانُ كُلِّ مَا اغْتَابَهُ بِهِ
ــ
[رد المحتار]
(قَوْلُهُ بِالْفِعْلِ) كَالْحَرَكَةِ وَالرَّمْزِ وَالْغَمْزِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَبِالتَّعْرِيضِ) كَقَوْلِهِ مُنْذُ ذَكَرَ شَخْصٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانَا مِنْ كَذَا وَهَذَا مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ صَرِيحًا (قَوْلُهُ وَبِالْكِتَابَةِ) لِأَنَّ الْقَلَمَ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ وَعَبَّرَ فِي الشِّرْعَةِ بِالْكِنَايَةِ بِالنُّونِ وَالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ (قَوْلُهُ وَبِالْحَرَكَةِ) كَأَنْ يُذْكَرَ إنْسَانٌ عِنْدَهُ بِخَيْرٍ فَيُحَرِّكَ رَأْسَهُ مَثَلًا إشَارَةً إلَى أَنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَا انْطَوَى عَلَيْهِ مِنْ السُّوءِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَبِالرَّمْزِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الرَّمْزُ وَيُضَمُّ وَيُحَرَّكُ الْإِشَارَةُ أَوْ الْإِيمَاءُ بِالشَّفَتَيْنِ أَوْ الْعَيْنَيْنِ أَوْ الْحَاجِبَيْنِ أَوْ الْفَمِ أَوْ اللِّسَانِ أَوْ الْيَدِ (قَوْلُهُ أَيْ قَصِيرَةً) تَفْسِيرٌ لِأَوْمَأْتُ ط (قَوْلُهُ اغْتَبْتِيهَا) بِيَاءِ الْإِشْبَاعِ ط (قَوْلُهُ الْغِيبَةُ أَنْ تَصِفَ أَخَاك) أَيْ الْمُسْلِمَ وَلَوْ مَيِّتًا وَكَذَا الذِّمِّيَّ لِأَنَّ لَهُ مَالَنَا وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ الْمُسْتَأْمَنِ أَنَّهُ بَعْدَ مُكْثِهِ عِنْدَنَا سَنَةً، وَوَضَعَ الْجِزْيَةَ عَلَيْهِ كُفَّ الْأَذَى عَنْهُ وَتَحْرُمُ غِيبَتُهُ كَالْمُسْلِمِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا غِيبَةَ لِلْحَرْبِيِّ (قَوْلُهُ حَالَ كَوْنِهِ غَائِبًا) هَذَا الْقَيْدُ مَأْخُوذٌ مِنْ مَفْهُومِهَا اللُّغَوِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ فِي وَجْهِهِ، فَهُوَ سَبٌّ وَشَتْمٌ، وَهُوَ حَرَامٌ أَيْضًا بِالْأَوْلَى، لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِيذَاءِ مِنْ حَالِ الْغِيبَةِ سِيَّمَا قَبْلَ بُلُوغِهَا الْمُغْتَابَ وَهُوَ أَحَدُ تَفْسِيرَيْنِ - {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [الحجرات: 11]- فَقِيلَ هُوَ ذِكْرُ مَا فِي الرَّجُلِ مِنْ الْعَيْبِ فِي غِيبَتِهِ وَقِيلَ فِي وَجْهِهِ (قَوْلُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَخْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَجَمَاعَةٌ.
(قَوْلُهُ بِمَا يَكْرَهُ) سَوَاءٌ كَانَ نَقْصًا فِي بَدَنِهِ أَوْ نَسَبِهِ أَوْ خَلْقِهِ أَوْ فِعْلِهِ أَوْ قَوْلِهِ أَوْ دِينِهِ حَتَّى فِي ثَوْبِهِ أَوْ دَارِهِ أَوْ دَابَّتِهِ كَمَا فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ قَالَ ط: وَانْظُرْ مَا لَوْ ذَكَرَ مِنْ الصَّغِيرِ غَيْرِ الْعَاقِلِ مَا يَكْرَهُ لَوْ كَانَ عَاقِلًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ مِنْ الْأَقَارِبِ اهـ وَجَزَمَ ابْنُ حَجَرٍ بِحُرْمَةِ غِيبَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ (قَوْلُهُ فَقَدْ بَهَتَّهُ) أَيْ قُلْتَ فِيهِ بُهْتَانًا أَيْ كَذِبًا عَظِيمًا وَالْبُهْتَانُ: هُوَ الْبَاطِلُ الَّذِي يُتَحَيَّرُ مِنْ بُطْلَانِهِ وَشِدَّةِ ذِكْرِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُسْتَمِعَ لَا يَخْرُجُ مِنْ إثْمِ الْغِيبَةِ إلَّا بِأَنْ يُنْكِرَ بِلِسَانِهِ، فَإِنْ خَافَ فَبِقَلْبِهِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ أَوْ قَطْعِ الْكَلَامِ بِكَلَامٍ آخَرَ فَلَمْ يَفْعَلْهُ لَزِمَهُ كَذَا فِي الْإِحْيَاءِ اهـ. وَقَدْ وَرَدَ " «بِأَنَّ الْمُسْتَمِعَ أَحَدُ الْمُغْتَابِينَ» وَوَرَدَ «مَنْ ذَبَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ بِالْغِيبَةِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُعْتِقَهُ مِنْ النَّارِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَجَمَاعَةٌ (قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ تَبْلُغْهُ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا مِنْ الْحَدِيثِ بَلْ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ.
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إذَا تَابَ الْمُغْتَابُ قَبْلَ وُصُولِهَا تَنْفَعُهُ تَوْبَتُهُ بِلَا اسْتِحْلَالٍ مِنْ صَاحِبِهِ فَإِنْ بَلَغَتْ إلَيْهِ بَعْدَ تَوْبَتِهِ قِيلَ لَا تَبْطُلُ تَوْبَتُهُ، بَلْ يَغْفِرُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا جَمِيعًا لِلْأَوَّلِ بِالتَّوْبَةِ وَلِلثَّانِي لِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَقِيلَ بَلْ تَوْبَتُهُ مُعَلَّقَةٌ فَإِنْ مَاتَ الثَّانِي قَبْلَ بُلُوغِهَا إلَيْهِ فَتَوْبَتُهُ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ بَلَغَتْهُ فَلَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِحْلَالِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَلَوْ قَالَ بُهْتَانًا فَلَا بُدَّ أَيْضًا أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَنْ تَكَلَّمَ عِنْدَهُمْ وَيُكَذِّبَ نَفْسَهُ وَتَمَامُهُ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا شُرِطَ بَيَانُ كُلِّ مَا اغْتَابَهُ بِهِ) أَيْ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ وَالْمُرَادُ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ ذَلِكَ وَيَعْتَذِرَ إلَيْهِ لِيَسْمَحَ عَنْهُ بِأَنْ
(وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ وَلَوْ) كَانَتْ (بِسَلَامٍ وَتَحِيَّةٍ وَهَدِيَّةٍ) وَمُعَاوَنَةٍ وَمُجَالَسَةٍ وَمُكَالَمَةٍ وَتَلَطُّفٍ وَإِحْسَانٍ وَيَزُورُهُمْ غِبًّا لِيَزِيدَ حُبًّا بَلْ يَزُورُ أَقْرِبَاءَهُ كُلَّ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ وَلَا يَرُدُّ حَاجَتَهُمْ لِأَنَّهُ مِنْ الْقَطِيعَةِ فِي الْحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ يَصِلُ مَنْ وَصَلَ رَحِمَهُ وَيَقْطَعُ مَنْ قَطَعَهَا» وَفِي الْحَدِيثِ «صِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ»
ــ
[رد المحتار]
يُبَالِغَ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالتَّوَدُّدِ إلَيْهِ وَيُلَازِمَ ذَلِكَ حَتَّى يَطِيبَ قَلْبُهُ، وَإِنْ لَمْ يَطِبْ قَلْبُهُ كَانَ اعْتِذَارُهُ وَتَوَدُّدُهُ حَسَنَةً يُقَابِلُ بِهَا سَيِّئَةَ الْغِيبَةِ فِي الْآخِرَةِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْلِصَ فِي الِاعْتِذَارِ، وَإِلَّا فَهُوَ ذَنْبٌ آخَرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْقَى لِخَصْمِهِ عَلَيْهِ مُطَالَبَةٌ فِي الْآخِرَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُخْلِصٍ لَمَا رَضِيَ بِهِ.
قَالَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ أَيْضًا: فَإِنْ غَابَ أَوْ مَاتَ فَقَدْ فَاتَ أَمْرُهُ، وَلَا يُدْرَكُ إلَّا بِكَثْرَةِ الْحَسَنَاتِ لِتُؤْخَذَ عِوَضًا فِي الْقِيَامَةِ، وَيَجِبُ أَنْ يُفَصِّلَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّفْصِيلُ مُضِرًّا لَهُ كَذِكْرِهِ عُيُوبًا يُخْفِيهَا فَإِنَّهُ يَسْتَحِلُّ مِنْهَا مُبْهِمًا اهـ.
وَقَالَ مُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ: وَهَلْ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ اغْتَبْتُك فَاجْعَلْنِي فِي حِلٍّ أَمْ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ مَا اغْتَابَ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا فِي الْغِيبَةِ إلَّا بِعِلْمِهِ بِهَا، بَلْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لَهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ إعْلَامَهُ يُثِيرُ فِتْنَةً، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَالْمُسْتَحَبُّ لِصَاحِبِ الْغِيبَةِ أَنْ يُبْرِئَهُ عَنْهَا وَفِي الْقُنْيَةِ تَصَافُحُ الْخَصْمَيْنِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ اسْتِحْلَالٌ قَالَ فِي النَّوَوِيِّ.
وَرَأَيْت فِي فَتَاوَى الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَكْفِي النَّدَمُ وَالِاسْتِغْفَارُ فِي الْغِيبَةِ، وَإِنْ بَلَغَتْ الْمُغْتَابَ وَلَا اعْتِبَارَ بِتَحْلِيلِ الْوَرَثَةِ.
(قَوْلُهُ وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ) نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ اتِّفَاقَ الْأُمَّةِ عَلَى وُجُوبِ صِلَتِهَا وَحُرْمَةِ قَطْعِهَا لِلْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّحِمِ الَّتِي يَجِبُ صِلَتُهَا قَالَ قَوْمٌ: هِيَ قَرَابَةُ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَقَالَ آخَرُونَ. كُلُّ قَرِيبٍ مَحْرَمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ اهـ وَالثَّانِي ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمَتْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهُوَ الصَّوَابُ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِالْأَحَادِيثِ. نَعَمْ تَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُهَا فَفِي الْوَالِدَيْنِ أَشَدُّ مِنْ الْمَحَارِمِ، وَفِيهِمْ أَشَدُّ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَرْحَامِ وَفِي الْأَحَادِيثِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَهُ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَتْ بِسَلَامٍ إلَخْ) قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: وَإِنْ كَانَ غَائِبًا يَصِلُهُمْ بِالْمَكْتُوبِ إلَيْهِمْ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَسِيرِ إلَيْهِمْ كَانَ أَفْضَلَ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَالِدَانِ لَا يَكْفِي الْمَكْتُوبُ إنْ أَرَادَا مَجِيئَهُ وَكَذَا إنْ احْتَاجَا إلَى خِدْمَتِهِ، وَالْأَخُ الْكَبِيرُ كَالْأَبِ بَعْدَهُ وَكَذَا الْجَدُّ وَإِنْ عَلَا وَالْأُخْتُ الْكَبِيرَةُ وَالْخَالَةُ كَالْأُمِّ فِي الصِّلَةِ، وَقِيلَ الْعَمُّ مِثْلُ الْأَبِ وَمَا عَدَلَ هَؤُلَاءِ تَكْفِي صِلَتُهُمْ بِالْمَكْتُوبِ أَوْ الْهَدِيَّةِ اهـ. وَتَمَامُهُ فِيهِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ أَنْ تَصِلَهُمْ إذَا وَصَلُوك لِأَنَّ هَذَا مُكَافَأَةٌ بَلْ أَنْ تَصِلَهُمْ وَإِنْ قَطَعُوك فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ «لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» " (قَوْلُهُ وَيَزُورُهُمْ غِبًّا) الْغِبُّ بِالْكَسْرِ عَاقِبَةُ الشَّيْءِ وَفِي الزِّيَارَةِ أَنْ تَكُونَ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ، وَمِنْ الْحُمَّى مَا تَأْخُذُهُ يَوْمًا وَتَدَعُ يَوْمًا قَامُوسٌ لَكِنْ فِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ هُوَ أَنْ تَزُورَ يَوْمًا وَتَدَعَ يَوْمًا وَلَمَّا كَانَ فِيهِ نَوْعُ عُسْرٍ عَدَلَ إلَى مَا هُوَ أَسْهَلُ مِنْ الْغِبِّ فَقَالَ بَلْ يَزُورُ أَقْرِبَاءَهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ عَلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ اهـ (قَوْلُهُ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ) وَكَذَا فِي الرِّزْقِ فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنَسَّأَ» بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ ثَالِثِهِ الْمُهْمَلِ وَبِالْهَمْزِ أَيْ يُؤَخَّرَ لَهُ فِي أَثَرِهِ أَيْ أَجَلِهِ «فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» .
قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي تَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ: اخْتَلَفُوا فِي زِيَادَةِ الْعُمُرِ فَقِيلَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقِيلَ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} [النحل: 61]- الْآيَةَ، بَلْ الْمَعْنَى يُكْتَبُ ثَوَابُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقِيلَ إنَّ الْأَشْيَاءَ قَدْ تُكْتَبُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مُعَلَّقَةً كَأَنْ وَصَلَ فُلَانٌ رَحِمَهُ فَعُمُرُهُ كَذَا وَإِلَّا فَكَذَا وَلَعَلَّ الدُّعَاءَ وَالصَّدَقَةَ وَصِلَةَ الرَّحِمِ مِنْ جُمْلَتِهَا فَلَا يُخَالِفُ الْحَدِيثُ الْآيَةَ اهـ. زَادَ فِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ عَنْ شَرْحِ الْمَشَارِقِ أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ الْبَرَكَةُ فِي رِزْقِهِ وَبَقَاءُ ذِكْرِهِ الْجَمِيلِ بَعْدَهُ، وَهُوَ كَالْحَيَاةِ أَوْ يُقَالُ
وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ.
(وَيُسَلِّمُ) الْمُسْلِمُ (عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ) لَوْ لَهُ حَاجَةٌ إلَيْهِ وَإِلَّا كُرِهَ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا كُرِهَ لِلْمُسْلِمِ مُصَافَحَةُ الذِّمِّيِّ كَذَا فِي نُسَخِ الشَّارِحِ وَأَكْثَرِ الْمُتُونِ بِلَفْظِ وَيُسَلِّمُ فَأَوَّلْتهَا هَكَذَا وَلَكِنْ بَعْضُ نُسَخِ الْمَتْنِ. وَلَا يُسَلِّمُ وَهُوَ الْأَحْسَنُ الْأَسْلَمُ فَافْهَمْ وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلْعَيْنِيِّ فِي حَدِيثِ «أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: تُطْعِمَ الطَّعَامَ وَتَقْرَأَ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْت وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» قَالَ وَهَذَا التَّعْمِيمُ مَخْصُوصٌ بِالْمُسْلِمِينَ، فَلَا يُسَلِّمُ ابْتِدَاءً عَلَى كَافِرٍ لِحَدِيثِ «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إلَى أَضْيَقِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَكَذَا يَخُصُّ مِنْهُ الْفَاسِقَ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَأَمَّا مَنْ شَكَّ فِيهِ فَالْأَصْلُ فِيهِ الْبَقَاءُ عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى يَثْبُتَ الْخُصُوصُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ السَّلَامِ
لِمَصْلَحَةِ
التَّأْلِيفِ ثُمَّ وَرَدَ النَّهْيُ اهـ فَلْيُحْفَظْ.
وَلَوْ سَلَّمَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ عَلَى مُسْلِمٍ فَلَا بَأْسَ بِالرَّدِّ
ــ
[رد المحتار]
صَدَرَ الْحَدِيثُ فِي مَعْرِضِ الْحَثِّ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ بِطَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ، يَعْنِي لَوْ كَانَ شَيْءٌ يُبْسَطُ بِهِ الرِّزْقُ وَالْأَجَلُ لَكَانَ صِلَةُ الرَّحِمِ اهـ. وَالظَّاهِرُ الثَّالِثُ لِمَا فِي التَّنْبِيهِ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى - {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39]- قَالَ إنَّ الرَّجُلَ لَيَصِلُ رَحِمَهُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَيَزِيدُ اللَّهُ تَعَالَى فِي عُمُرِهِ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَإِنَّ الرَّجُلَ يَقْطَعُ الرَّحِمَ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ ثَلَاثُونَ سَنَةً فَيَرُدُّ أَجَلَهُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرَرِ) قَالَ فِيهَا وَتَكُونُ كُلُّ قَبِيلَةٍ وَعَشِيرَةٍ يَدًا وَاحِدَةً فِي التَّنَاصُرِ وَالتَّظَاهُرِ عَلَى كُلِّ مَنْ سِوَاهُمْ فِي إظْهَارِ الْحَقِّ اهـ. وَتَمَامُهُ أَيْضًا فِي الشِّرْعَةِ وَتَبْيِينِ الْمَحَارِمِ
(قَوْلُهُ وَيُسَلِّمُ الْمُسْلِمُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، لَوْ كَانَ الذِّمِّيُّ وَاحِدًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي الرَّدِّ تَأَمَّلْ.
لَكِنْ فِي الشِّرْعَةِ إذَا سَلَّمَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلْيَقُلْ: السَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى وَكَذَلِكَ يَكْتُبُ فِي الْكِتَابِ إلَيْهِمْ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا كَتَبْتَ إلَى يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ فِي حَاجَةٍ فَاكْتُبْ السَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى اهـ. (قَوْلُهُ لَوْ لَهُ حَاجَةٌ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الذِّمِّيِّ الْمَفْهُومِ مِنْ الْمَقَامِ، قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ السَّلَامِ لِتَوْقِيرِهِ وَلَا تَوْقِيرَ إذَا كَانَ السَّلَامُ لِحَاجَةٍ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) مُقَابِلُهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ بِلَا تَفْصِيلٍ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ (قَوْلُهُ كَمَا كُرِهَ لِلْمُسْلِمِ مُصَافَحَةُ الذِّمِّيِّ) أَيْ بِلَا حَاجَةٍ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ لَا بَأْسَ بِمُصَافَحَةِ الْمُسْلِمِ جَارَهُ النَّصْرَانِيَّ إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْغِيبَةِ وَيَتَأَذَّى بِتَرْكِ الْمُصَافَحَةِ اهـ. تَأَمَّلْ وَهَلْ يُشَمِّتُهُ إذَا عَطَسَ وَحَمِدَ؟ قَالَ الْحَمَوِيُّ: الظَّاهِرُ لَا اهـ. لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّهُ يَقُولُ لَهُ يَهْدِيك اللَّهُ (قَوْلُهُ وَأَكْثَرِ الْمُتُونِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الشَّرْحِ: أَيْ نُسَخِ أَكْثَرِ الْمُتُونِ أَيْ الْمُتُونِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الشَّرْحِ وَجَمْعُهَا بِاعْتِبَارِ أَشْخَاصِهَا وَإِلَّا فَالْمُرَادُ مَتْنُ التَّنْوِيرِ لَا غَيْرُ (قَوْلُهُ بِلَفْظِ وَيُسَلِّمُ) وَهُوَ كَذَلِكَ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ مَتْنًا وَشَرْحًا رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ فَأَوَّلْتُهَا هَكَذَا) أَيْ بِالتَّقْيِيدِ بِالْحَاجَةِ لِيَكُونَ الْمَتْنُ مَاشِيًا عَلَى الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَحْسَنُ) لِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ الْمَنْعُ وَالْجَوَازُ لِحَاجَةٍ عَارِضٌ وَقَوْلُهُ الْأَسْلَمُ لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ مُطْلَقًا لَا يَقَعُ فِي مَحْذُورٍ بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ مُطْلَقًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ) أَيُّ خِصَالِ الْإِسْلَامِ ط (قَوْلُهُ تُطْعِمَ) بِتَأْوِيلِ أَنْ تُطْعِمَ وَيَأْتِي فِيهِ الْأَوْجُهُ الَّتِي ذَكَرَهَا النَّحْوِيُّونَ فِي: تَسْمَعَ بِالْمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ (قَوْلُهُ وَتَقْرَأَ) مِنْ الْقُرْآنِ لَا مِنْ الْإِقْرَاءِ ط (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَّارِي بِالسَّلَامِ) يُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ زِيَادَةُ: " «فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقِ فَاضْطَرُّوهُ إلَى أَضْيَقِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (قَوْلُهُ وَكَذَا يَخُصُّ مِنْهُ الْفَاسِقَ) أَيْ لَوْ مُعْلِنًا وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ وَأَمَّا مَنْ شَكَّ فِيهِ) أَيْ هَلْ هُوَ مُسْلِمٌ أَوْ غَيْرُهُ وَأَمَّا الشَّكُّ بَيْنَ كَوْنِهِ فَاسِقًا أَوْ صَالِحًا فَلَا اعْتِبَارَ لَهُ بَلْ يَظُنُّ بِالْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ط (قَوْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ) أَيْ الْمَأْخُوذِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سَلِّمْ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ» ط (قَوْلُهُ إنَّ الْحَدِيثَ) أَيْ الْأَوَّلَ الْمُفِيدَ عُمُومُهُ شُمُولَ الذِّمِّيِّ (قَوْلُهُ
لِمَصْلَحَةِ التَّأْلِيفِ
) أَيْ تَأْلِيفِ قُلُوبِ النَّاسِ وَاسْتِمَالَتِهِمْ بِاللِّسَانِ وَالْإِحْسَانِ إلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ ثُمَّ وَرَدَ النَّهْيُ) أَيْ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي لَمَّا أَعَزّ اللَّهُ الْإِسْلَامَ (قَوْلُهُ فَلَا بَأْسَ بِالرَّدِّ) الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ الْأَوْلَى
(وَ) لَكِنْ (لَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْك) كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى الذِّمِّيِّ تَبْجِيلًا يَكْفُرُ) لِأَنَّ تَبْجِيلَ الْكَافِرِ كُفْرٌ وَلَوْ قَالَ لِمَجُوسِيٍّ يَا أُسْتَاذُ تَبْجِيلًا كَفَرَ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَفِيهَا: لَوْ قَالَ لِذِمِّيٍّ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك إنْ نَوَى بِقَلْبِهِ لَعَلَّهُ يُسْلِمُ أَوْ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ ذَلِيلًا فَلَا بَأْسَ بِهِ.
(وَلَا يَجِبُ رَدُّ سَلَامِ السَّائِلِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلتَّحِيَّةِ وَلَا مَنْ يُسَلِّمُ وَقْتَ الْخُطْبَةِ خَانِيَّةٌ.
وَفِيهَا وَإِذَا أَتَى دَارَ إنْسَانٍ يَجِبُ أَنْ يَسْتَأْذِنَ قَبْلَ السَّلَامِ، ثُمَّ إذَا دَخَلَ يُسَلِّمُ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَكَلَّمُ، وَلَوْ فِي قَضَاءٍ يُسَلِّمُ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَكَلَّمُ وَلَوْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا زَيْدُ لَمْ يَسْقُطْ بِرَدِّ غَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ يَا فُلَانُ أَوْ أَشَارَ لِمُعَيَّنٍ سَقَطَ وَشُرِطَ فِي الرَّدِّ وَجَوَابُ الْعُطَاسِ إسْمَاعُهُ فَلَوْ أَصَمَّ يُرِيهِ تَحْرِيكَ شَفَتَيْهِ اهـ.
ــ
[رد المحتار]
عَدَمُهُ ط لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِذَا سَلَّمَ أَهْلُ الذِّمَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ الْجَوَابَ وَبِهِ نَأْخُذُ.
(قَوْلُهُ وَلَكِنْ لَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْك) لِأَنَّهُ قَدْ يَقُولُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ أَيْ الْمَوْتُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْيَهُودِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ " وَعَلَيْك " فَرَدَّ دُعَاءَهُ عَلَيْهِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ مُحَمَّدٌ: يَقُولُ الْمُسْلِمُ وَعَلَيْك يَنْوِي بِذَلِكَ السَّلَامَ لِحَدِيثٍ مَرْفُوعٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ فَرُدُّوا عَلَيْهِمْ» " (قَوْلُهُ تَبْجِيلًا) قَالَ فِي الْمِنَحِ قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ كَانَ لِغَرَضٍ مِنْ الْأَغْرَاضِ الصَّحِيحَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا كُفْرَ (قَوْلُهُ إنْ نَوَى بِقَلْبِهِ) وَأَمَّا إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا يُكْرَهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَذَكَرَ الْبِيرِيُّ أَخْذًا مِنْ نَظَائِرِهَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَلَيْسَ بَعْدَ النَّصِّ إلَّا الرُّجُوعُ إلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَيْسَ بِقَيْدٍ ط
(قَوْلُهُ وَإِذَا أَتَى دَارَ إنْسَانٍ إلَخْ) وَفِي فُصُولِ الْعَلَامِيِّ وَإِنْ دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ يُسَلِّمُ أَوَّلًا، ثُمَّ يَتَكَلَّمُ وَإِنْ أَتَى غَيْرَهُ يَسْتَأْذِنُ لِلدُّخُولِ ثَلَاثًا يَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ أَيَدْخُلُ فُلَانٌ، وَيَمْكُثُ بَعْدَ كُلِّ مَرَّةٍ مِقْدَارَ مَا يَفْرُغُ الْآكِلُ وَالْمُتَوَضِّئُ وَالْمُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَإِذَا أُذِنَ لَهُ دَخَلَ وَإِلَّا رَجَعَ سَالِمًا عَنْ الْحِقْدِ وَالْعَدَاوَةِ وَلَا يَجِبُ الِاسْتِئْذَانُ عَلَى مَنْ أَرْسَلَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْبَيْتِ، فَإِذَا نُودِيَ مِنْ الْبَيْتِ مَنْ عَلَى الْبَابِ لَا يَقُولُ: أَنَا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِجَوَابٍ بَلْ يَقُولُ: أَيَدْخُلُ فُلَانٌ فَإِنْ قِيلَ لَا رَجَعَ سَالِمًا، وَإِذَا دَخَلَ بِالْإِذْنِ يُسَلِّمُ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَكَلَّمُ إنْ شَاءَ وَإِنْ دَخَلَ بَيْتًا لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَرُدُّ عليه السلام، فَإِنْ لَقِيَهُ خَارِجَ الدَّارِ يُسَلِّمُ أَوَّلًا، ثُمَّ يَتَكَلَّمُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «السَّلَامُ قَبْلَ الْكَلَامِ» فَإِنْ تَكَلَّمَ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا يُجِيبُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ تَكَلَّمَ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ» وَيُسَلِّمُ عَلَى الْقَوْمِ حِينَ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحِينَ يُفَارِقُهُمْ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ شَارَكَهُمْ فِي كُلِّ خَيْرٍ عَمِلُوهُ بَعْدَهُ، وَإِنْ لَقِيَهُمْ وَفَارَقَهُمْ فِي الْيَوْمِ مِرَارًا وَحَالَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ جَدَّدَ السَّلَامَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الرَّحْمَةَ، وَيَنْوِي بِالسَّلَامِ تَجْدِيدَ عَهْدِ الْإِسْلَامِ أَنْ لَا يَنَالَ الْمُؤْمِنَ بِأَذَاهُ فِي عِرْضِهِ وَمَالِهِ فَإِذَا سَلَّمَ عَلَى الْمُؤْمِنِ حَرُمَ عَلَيْهِ تَنَاوُلُ عِرْضِهِ وَمَالِهِ، وَإِنْ دَخَلَ مَسْجِدًا وَبَعْضُ الْقَوْمِ فِي الصَّلَاةِ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَكُونُوا فِيهَا يُسَلِّمُ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ لَمْ يَكُنْ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ يَا فُلَانُ) أَيْ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَكِنَّ نَصَّ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ كَانَ جَالِسًا فِي قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا فُلَانُ فَرَدَّ عليه السلام بَعْضُ الْقَوْمِ سَقَطَ السَّلَامُ عَمَّنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ قِيلَ: إنْ سَمَّى رَجُلًا فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا زَيْدُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ عَمْرٌو لَا يَسْقُطُ رَدُّ السَّلَامِ عَنْ زَيْدٍ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ وَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك، وَأَشَارَ إلَى رَجُلٍ فَرَدَّ غَيْرُهُ سَقَطَ السَّلَامُ عَنْ الْمُشَارِ إلَيْهِ اهـ وَجَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا بِهَذَا التَّفْصِيلِ (قَوْلُهُ سَقَطَ) لِأَنَّ قَصْدَهُ التَّسْلِيمُ عَلَى الْكُلِّ، وَيَجُوزُ أَنْ يُشَارَ لِلْجَمَاعَةِ بِخِطَابِ الْوَاحِدِ هِنْدِيَّةٌ، وَفِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ وَرَدَّ غَيْرُهُمْ لَمْ يَسْقُطْ الرَّدُّ عَنْهُمْ اهـ. ط (قَوْلُهُ وَشُرِطَ فِي الرَّدِّ إلَخْ) أَيْ كَمَا لَا يَجِبُ الرَّدُّ إلَّا بِإِسْمَاعِهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَصَمَّ يُرِيهِ تَحْرِيكَ شَفَتَيْهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ السَّلَامَ سُنَّةٌ وَاسْتِمَاعَهُ مُسْتَحَبٌّ، وَجَوَابُهُ أَيْ رَدُّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَإِسْمَاعُ رَدِّهِ وَاجِبٌ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ لَا يَسْقُطُ هَذَا الْفَرْضُ عَنْ السَّامِعِ حَتَّى قِيلَ لَوْ كَانَ الْمُسَلِّمُ أَصَمَّ يَجِبُ عَلَى الرَّادِّ أَنْ يُحَرِّكَ شَفَتَيْهِ وَيُرِيَهُ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَكُنْ
قُلْت: وَفِي الْمُبْتَغَى وَيَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ بِرَدِّ صَبِيٍّ يَعْقِلُ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ إقَامَةِ الْفَرْضِ فِي الْجُمْلَةِ بِدَلِيلِ حِلِّ ذَبِيحَتِهِ وَقِيلَ لَا.
وَفِي الْمُجْتَبَى: وَيَسْقُطُ بِرَدِّ الْعَجُوزِ وَفِي رَدِّ الشَّابَّةِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ قَوْلَانِ وَظَاهِرُ التَّاجِيَّةِ تَرْجِيحُ عَدَمِ السُّقُوطِ وَيُسَلِّمُ عَلَى الْوَاحِدِ بِلَفْظِ الْجَمَاعَةِ وَكَذَا الرَّدُّ وَلَا يَزِيدُ الرَّادُّ عَلَى وَبَرَكَاتُهُ.
وَرَدُّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ عَلَى
ــ
[رد المحتار]
أَصَمَّ لَسَمِعَهُ اهـ. (قَوْلُهُ بِدَلِيلِ حِلِّ ذَبِيحَتِهِ) أَيْ مَعَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِيهَا فَرْضٌ، وَقَدْ أَجْزَأَتْ مِنْهُ وَاخْتُلِفَ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى الصِّبْيَانِ فَقِيلَ لَا يُسَلِّمُ وَقِيلَ: التَّسْلِيمُ أَفْضَلُ قَالَ الْفَقِيهُ وَبِهِ نَأْخُذُ تَتَارْخَانِيَّةٌ.
وَأَمَّا السَّلَامُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَتَشْمِيتُهَا فَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي فَصْلِ النَّظَرِ وَالْمَسِّ (قَوْلُهُ بِلَفْظِ الْجَمَاعَةِ) لِأَنَّ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ حَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ فَكُلُّ وَاحِدٍ كَأَنَّهُ ثَلَاثَةٌ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَا يَزِيدُ الرَّادُّ عَلَى وَبَرَكَاتُهُ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَالْأَفْضَلُ لِلْمُسَلِّمِ أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَالْمُجِيبُ كَذَلِكَ يَرُدُّ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَلَى الْبَرَكَاتِ شَيْءٌ اهـ. وَيَأْتِي بِوَاوِ الْعَطْفِ فِي وَعَلَيْكُمْ، وَإِنْ حَذَفَهَا أَجْزَأَهُ وَإِنْ قَالَ الْمُبْتَدِئُ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَلِلْمُجِيبِ أَنْ يَقُولَ فِي الصُّورَتَيْنِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَلَكِنَّ الْأَلْفَ وَاللَّامَ أَوْلَى اهـ.
(قَوْلُهُ وَرَدُّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ عَلَى الْفَوْرِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا أَخَّرَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ كُرِهَ تَحْرِيمًا وَلَا يَرْتَفِعُ الْإِثْمُ بِالرَّدِّ بَلْ بِالتَّوْبَةِ ط وَفِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ سُنَّةٌ وَعِنْدَ بَعْضِ الظَّاهِرِيَّةِ فَرْضُ عَيْنٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَاطِسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ التَّشْمِيتُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَوْ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ الدُّعَاءُ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْعَاطِسُ التَّشْمِيتَ إذَا حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْمَدْ لَا يَسْتَحِقُّ الدُّعَاءَ، لِأَنَّ الْعُطَاسَ نِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ لَمْ يَحْمَدْ بَعْدَ عُطَاسِهِ لَمْ يَشْكُرْ نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَكُفْرَانُ النِّعْمَةِ لَا يَسْتَحِقُّ الدُّعَاءَ وَالْمَأْمُورُ بِهِ بَعْدَ الْعُطَاسِ أَنْ يَقُولَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَاذَا يَقُولُ الْمُشَمِّتُ فَقِيلَ يَقُولُ يَرْحَمُك اللَّهُ وَقِيلَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ تَعَالَى وَيَقُولُ لِلْمُشَمِّتِ: يَهْدِيك اللَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْعَاطِسُ كَافِرًا فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ الْمُشَمِّتُ يَهْدِيك اللَّهُ، وَإِذَا تَكَرَّرَ الْعُطَاسُ قَالُوا يُشَمِّتُهُ ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْكُتُ قَالَ قَاضِي خَانْ: فَإِنْ عَطَسَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَمَنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ يُشَمِّتُهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَحَسَنٌ أَيْضًا اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْعَاطِسُ لِلْمُشَمِّتِ: غَفَرَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ أَوْ يَقُولُ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ وَلَا يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ.
وَيَنْبَغِي لِلْعَاطِسِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّحْمِيدِ، حَتَّى يُسْمِعَ مَنْ عِنْدَهُ فَيُشَمِّتَهُ، وَلَوْ شَمَّتَهُ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ أَجْزَأَ عَنْهُمْ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقُولَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَقِيلَ: إذَا عَطَسَ رَجُلٌ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ تَحْمِيدٌ يَقُولُ مَنْ حَضَرَهُ يَرْحَمُك اللَّهِ إنْ كُنْتَ حَمِدْتَ اللَّهَ، وَإِذَا عَطَسَ مِنْ وَرَاءِ الْجِدَارِ، فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَهُ التَّشْمِيتُ اهـ.
وَفِي فُصُولِ الْعَلَامِيِّ وَنُدِبَ لِلسَّامِعِ أَنْ يَسْبِقَ الْعَاطِسَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ لِحَدِيثِ «مَنْ سَبَقَ الْعَاطِسَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ أَمِنَ مِنْ الشَّوْصِ وَاللَّوْصِ وَالْعِلَّوْصِ» اهـ. وَهُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِ الْأَوَّلَيْنِ وَكَسْرِ أَوَّلِ الثَّالِثِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ لَامِهِ الْمُشَدَّدَةِ، وَسُكُونِ الْوَاوِ وَآخِرُ الْجَمِيعِ صَادٌ مُهْمَلَةٌ.
وَفِي الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رَفَعَهُ «مَنْ عُطِسَ عِنْدَهُ فَسَبَقَ بِالْحَمْدُ لَمْ يَشْتَكِ خَاصِرَتَهُ» وَأَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ «مَنْ سَبَقَ الْعَاطِسَ بِالْحَمْدُ وَقَاهُ اللَّهُ وَجَعَ الْخَاصِرَةِ وَلَمْ يَرَ فِي فِيهِ مَكْرُوهًا حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الدُّنْيَا» " وَنَظَمَ بَعْضُهُمْ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ فَقَالَ:
مَنْ يَبْتَدِي عَاطِسًا بِالْحَمْدُ يَأْمَنُ مِنْ
…
شَوْصٍ وَلَوْصٍ وَعِلَّوْصٍ كَذَا وَرَدَا
عَنَيْت بِالشَّوْصِ دَاءَ الرَّأْسِ ثُمَّ بِمَا
…
يَلِيهِ ذَا الْبَطْنِ وَالضِّرْسِ اتَّبِعْ رَشَدًا
الْفَوْرِ وَيَجِبُ رَدُّ جَوَابِ كِتَابِ التَّحِيَّةِ كَرَدِّ السَّلَامِ.
وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ: أَقْرِئْ فُلَانًا السَّلَامَ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْفَاسِقِ لَوْ مُعْلِنًا وَإِلَّا لَا كَمَا يُكْرَهُ عَلَى عَاجِزٍ عَنْ الرَّدِّ حَقِيقَةً كَآكِلٍ أَوْ شَرْعًا كَمُصَلٍّ وَقَارِئٍ وَلَوْ سَلَّمَ لَا يَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ اهـ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ كَرَاهَتَهُ فِي نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ مَوْضِعًا وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ رَدُّ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِجَزْمِ الْمِيمِ
ــ
[رد المحتار]
وَفِي الْمُغْرِب الشَّوْصُ: وَجَعُ الضِّرْسِ، وَاللَّوْصُ: وَجَعُ الْأُذُنِ، وَالْعِلَّوْصُ اللَّوِيُّ وَهِيَ التُّخَمَةُ اهـ. قَالَ فِي الشِّرْعَةِ: وَيُنَكِّسُ رَأْسَهُ عِنْدَ الْعُطَاسِ، وَيُخَمِّرُ وَجْهَهُ وَيَخْفِضُ مِنْ صَوْتِهِ فَإِنَّ التَّصَرُّخَ بِالْعُطَاسِ حُمْقٌ وَفِي الْحَدِيثِ «الْعَطْسَةُ عِنْدَ الْحَدِيثِ شَاهِدُ عَدْلٍ» وَلَا يَقُولُ الْعَاطِسُ أَبٌ أَوْ أَشْهَبُ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلشَّيْطَانِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَيَجِبُ رَدُّ جَوَابِ كِتَابِ التَّحِيَّةِ) لِأَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْغَائِبِ بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ مِنْ الْحَاضِرِ مُجْتَبًى وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ ط. أَقُولُ: الْمُتَبَادَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ رَدُّ سَلَامِ الْكِتَابِ لَا رَدُّ الْكِتَابُ. لَكِنْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ رَدُّ جَوَابِ الْكِتَابِ حَقٌّ كَرَدِّ السَّلَامِ قَالَ شَارِحُهُ الْمُنَاوِيُّ: أَيْ إذَا كَتَبَ لَك رَجُلٌ بِالسَّلَامِ فِي كِتَابٍ وَوَصَلَ إلَيْك وَجَبَ عَلَيْك الرَّدُّ بِاللَّفْظِ أَوْ بِالْمُرَاسَلَةِ وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعُ شَافِعِيَّةٍ؛ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَوْ أَتَاهُ شَخْصٌ بِسَلَامٍ مِنْ شَخْصٍ أَيْ فِي وَرَقَةٍ وَجَبَ الرَّدُّ فَوْرًا؛ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْمُبَلِّغِ كَمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ، وَيَتَأَكَّدُ رَدُّ الْكِتَابِ فَإِنْ تَرَكَهُ رُبَّمَا أَوْرَثَ الضَّغَائِنَ وَلِهَذَا أَنْشَدَ:
إذَا كَتَبَ الْخَلِيلُ إلَى الْخَلِيلِ
…
فَحَقٌّ وَاجِبٌ رَدُّ الْجَوَابِ
إذَا الْإِخْوَانُ فَاتَهُمْ التَّلَاقِي
…
فَمَا صِلَةٌ بِأَحْسَنَ مِنْ كِتَابِ
(قَوْلُهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ مِنْ إيصَالِ الْأَمَانَةِ لِمُسْتَحِقِّهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إذَا رَضِيَ بِتَحَمُّلِهَا تَأَمَّلْ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمُنَاوِيِّ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ التَّحْقِيقُ أَنَّ الرَّسُولَ إنْ الْتَزَمَهُ أَشْبَهَ الْأَمَانَةَ وَإِلَّا فَوَدِيعَةٌ اهـ. أَيْ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الذَّهَابُ لِتَبْلِيغِهِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: وَهَكَذَا عَلَيْهِ تَبْلِيغُ السَّلَامِ إلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ؛ وَقَالَ أَيْضًا: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْمُبَلِّغِ أَيْضًا فَيَقُولَ: وَعَلَيْك وَعَلَيْهِ السَّلَامُ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ تُحْفَةِ الْأَقْرَانِ لِلْمُصَنِّفِ، وَزَادَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَجِبُ اهـ. لَكِنْ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة ذَكَرَ مُحَمَّدٌ حَدِيثًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ بَلَّغَ إنْسَانًا سَلَامًا عَنْ غَائِبٍ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْجَوَابَ عَلَى الْمُبَلِّغِ أَوَّلًا ثُمَّ عَلَى ذَلِكَ الْغَائِبِ اهـ. وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَوْ مُعْلِنًا) تَخْصِيصٌ لِمَا قَدَّمَهُ عَنْ الْعَيْنِيِّ؛ وَفِي فُصُولِ الْعَلَامِيِّ: وَلَا يُسَلِّمُ عَلَى الشَّيْخِ الْمَازِحِ الْكَذَّابِ وَاللَّاغِي؛ وَلَا عَلَى مَنْ يَسُبُّ النَّاسَ أَوْ يَنْظُرُ وُجُوهَ الْأَجْنَبِيَّاتِ، وَلَا عَلَى الْفَاسِقِ الْمُعْلِنِ، وَلَا عَلَى مَنْ يُغَنِّي أَوْ يُطَيِّرُ الْحَمَامَ مَا لَمْ تُعْرَفْ تَوْبَتُهُمْ وَيُسَلِّمُ عَلَى قَوْمٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَعَلَى مَنْ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ نَاوِيًا أَنْ يَشْغَلَهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكُرِهَ عِنْدَهُمَا تَحْقِيرًا لَهُمْ (قَوْلُهُ كَآكِلٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِحَالِ وَضْعِ اللُّقْمَةِ فِي الْفَمِ وَالْمَضْغِ وَأَمَّا قَبْلُ وَبَعْدُ فَلَا يُكْرَهُ لِعَدَمِ الْعَجْزِ وَبِهِ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ، وَفِي وَجِيزِ الْكَرْدَرِيِّ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ يَأْكُلُونَ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا وَعَرَفَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَهُ سَلَّمَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَهَذَا يَقْضِي بِكَرَاهَةِ السَّلَامِ عَلَى الْآكِلِ مُطْلَقًا إلَّا فِيمَا ذَكَرَهُ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ سَلَّمَ لَا يَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ) أَقُولُ: فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ سَلَّمَ فِي حَالِ التِّلَاوَةِ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ بِخِلَافِ حَالِ الْخُطْبَةِ وَالْأَذَانِ وَتَكْرَارِ الْفِقْهِ اهـ. وَإِنْ سَلَّمَ فَهُوَ آثِمٌ تَتَارْخَانِيَّةٌ. وَفِيهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ اهـ. فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي الْقَارِئِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرُدُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَوْ عِنْدَ تَمَامِ الْآيَةِ وَفِي الِاخْتِيَارِ، وَإِذَا جَلَسَ الْقَاضِي نَاحِيَةً مِنْ الْمَسْجِدِ لِلْحُكْمِ لَا يُسَلِّمُ عَلَى الْخُصُومِ، وَلَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ جَلَسَ لِلْحُكْمِ وَالسَّلَامُ تَحِيَّةُ الزَّائِرِينَ. فَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِلَ بِمَا جَلَسَ لِأَجْلِهِ، وَإِنْ سَلَّمُوا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَعَلَى هَذَا مَنْ جَلَسَ يُفَقِّهُ تَلَامِذَتَهُ وَيُقْرِئُهُمْ الْقُرْآنَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ دَاخِلٌ فَسَلَّمَ وَسِعَهُ أَنْ لَا يَرُدَّ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَلَسَ لِلتَّعْلِيمِ لَا لِرَدِّ السَّلَامِ اهـ.
(قَوْلُهُ بِجَزْمِ الْمِيمِ) الْأَوْلَى بِسُكُونِ الْمِيمِ قَالَ ط: وَكَأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ الَّتِي جَاءَتْ بِالتَّرْكِيبِ الْعَرَبِيِّ وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ الْجَمْعُ
وَلَوْ دَخَلَ وَلَمْ يَرَ أَحَدًا يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ.
ــ
[رد المحتار]
بَيْنَ أَلْ وَالتَّنْوِينِ اهـ. وَظَاهِرُ تَقْيِيدِهِ بِجَزْمِ الْمِيمِ أَنَّهُ لَوْ نَوَّنَ الْمُجَرَّدَ مِنْ أَلْ كَمَا هُوَ تَحِيَّةُ الْمَلَائِكَةِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَجِبُ الرَّدُّ فَيَكُونُ لَهُ صِيغَتَانِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ سَابِقًا عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة، ثُمَّ رَأَيْت فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَفْظُ السَّلَامِ فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِالتَّنْوِينِ، وَبِدُونِ هَذَيْنِ كَمَا يَقُولُ الْجُهَّالُ، لَا يَكُونُ سَلَامًا قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ فِي الْمُصَافَحَةِ: وَلَا يَبْتَدِئُ بِقَوْلِهِ عَلَيْك السَّلَامُ، وَلَا بِعَلَيْكُمْ السَّلَامُ لِمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ:«أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت عَلَيْك السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا تَقُلْ عَلَيْك السَّلَامُ فَإِنَّ عَلَيْك السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الرَّدُّ عَلَى الْمُبْتَدِئِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ، فَإِنَّهُ مَا ذُكِرَ فِيهِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رَدَّ السَّلَامَ عَلَيْهِ بَلْ نَهَاهُ، وَهُوَ أَحَدُ احْتِمَالَاتٍ ثَلَاثَةٍ ذَكَرَهَا النَّوَوِيُّ، فَيَتَرَجَّحُ كَوْنُهُ لَيْسَ سَلَامًا، وَإِلَّا لَرَدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ عَلَّمَهُ كَمَا رَدَّ عَلَى الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ ثُمَّ عَلَّمَهُ، وَلَوْ زَادَ وَاوًا فَابْتَدَأَ بِقَوْلِهِ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ لَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَا تَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ فَلَمْ يَكُنْ سَلَامًا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ اهـ.
قُلْت: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ: أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ أَبِي يُوسُفَ كَانَ إذَا مَرَّ بِالسُّوقِ يَقُولُ: سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: التَّسْلِيمُ تَحِيَّةٌ وَإِجَابَتُهَا فَرْضٌ، فَإِذَا لَمْ يُجِيبُونِي وَجَبَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، فَأَمَّا سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فَدُعَاءٌ فَلَا يَلْزَمُهُمْ، وَلَا يَلْزَمُنِي شَيْءٌ فَأَخْتَارُهُ لِهَذَا اهـ.
قُلْت: فَهَذَا مَعَ مَا مَرَّ يُفِيدُ اخْتِصَاصَ وُجُوبِ الرَّدِّ بِمَا إذَا ابْتَدَأَ بِلَفْظِ السَّلَامِ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَقَدَّمْنَا أَنَّ لِلْمُجِيبِ أَنْ يَقُولَ فِي الصُّورَتَيْنِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، أَوْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَمُفَادُهُ أَنَّ مَا صَلُحَ لِلِابْتِدَاءِ صَلُحَ لِلْجَوَابِ وَلَكِنْ عَلِمْت مَا هُوَ الْأَفْضَلُ فِيهِمَا.
[تَتِمَّةٌ]
قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَيُسَلِّمُ الَّذِي يَأْتِيك مِنْ خَلْفِك وَيُسَلِّمُ الْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَإِذَا الْتَقَيَا فَأَفْضَلُهُمَا يَسْبِقُهُمَا، فَإِنْ سَلَّمَا مَعًا يَرُدُّ كُلُّ وَاحِدٍ وَقَالَ الْحَسَنُ: يَبْتَدِئُ الْأَقَلُّ بِالْأَكْثَرِ اهـ. وَفِيهَا: السَّلَامُ سُنَّةٌ، وَيُفْتَرَضُ عَلَى الرَّاكِبِ الْمَارِّ بِالرَّاجِلِ فِي طَرِيقٍ عَامٍّ أَوْ فِي الْمَفَازَةِ لِلْأَمَانِ اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَيُسَلِّمُ الْآتِي مِنْ الْمِصْرِ عَلَى مَنْ يَسْتَقْبِلُهُ مِنْ الْقُرَى، وَقِيلَ يُسَلِّمُ الْقَرَوِيُّ عَلَى الْمِصْرِيِّ اهـ.
وَفِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْأَدَبُ هُوَ فِيمَا إذَا الْتَقَيَا فِي طَرِيقٍ، أَمَّا إذَا وَرَدَ عَلَى قُعُودٍ فَإِنَّ الْوَارِدَ يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ بِكُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا أَوْ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا كَذَا فِي الطَّبَرَانِيِّ اهـ. قَالَ ط: وَالْقَوَاعِدُ تُوَافِقُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَيِّهِمَا أَفْضَلُ أَجْرًا قِيلَ الرَّادُّ وَقِيلَ الْمُسَلِّمُ مُحِيطٌ. وَإِنْ سَلَّمَ ثَانِيًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَا يَجِبُ رَدُّ الثَّانِي تَتَارْخَانِيَّةٌ وَفِيهَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا أَتَيْتُمْ الْمَجْلِسَ فَسَلِّمُوا عَلَى الْقَوْمِ وَإِذَا رَجَعْتُمْ فَسَلِّمُوا عَلَيْهِمْ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَ الرُّجُوعِ أَفْضَلُ مِنْ التَّسْلِيمِ الْأَوَّلِ» (قَوْلُهُ وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) فَيَكُونُ مُسَلِّمًا عَلَى الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُ، وَصَالِحِي الْجِنِّ الْحَاضِرِينَ وَغَيْرِهِمْ وَقَالُوا إنَّ الْجِنَّ مُكَلَّفُونَ بِمَا كُلِّفْنَا بِهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الرَّدُّ وَلَا يَخْرُجُونَ عَنْهُ إلَّا بِالْإِسْمَاعِ، وَلَمْ أَرَ حُكْمَهُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُمْ أُمِرُوا بِالِاسْتِتَارِ عَنْ أَعْيُنِ الْإِنْسِ لِعَدَمِ الْأُنْسِ وَالْمُجَانَسَةِ وَرَدُّهُ ظَاهِرًا مِنْ قَبِيلِ الْإِعْلَانِ فَتَدَبَّرْ ط.
أَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مِمَّا يَجِبُ عَلَى سَامِعِهَا الرَّدُّ إذْ لَا خِطَابَ فِيهَا، وَلَيْسَتْ مِنْ الصِّيغَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ وَإِلَّا لَوَجَبَ الرَّدُّ أَيْضًا عَلَى مَنْ سَمِعَهَا مِنْ الْإِنْسِ، وَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ وَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ، فَلَا يَجِبُ عَلَى الْجِنِّ بِالْأَوْلَى، بَلْ هِيَ لِمُجَرَّدِ الدُّعَاءِ كَمَا هِيَ فِي التَّشَهُّدِ وَكَمَا فِي الصِّيغَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي يُوسُفَ كَمَا مَرَّ تَأَمَّلْ.