الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَوْ الْجَانِي مُكَلَّفًا ابْنُ كَمَالٍ (إلَّا هَذَا) أَيْ الْقَتْلَ بِسَبَبٍ لِعَدَمِ قَتْلِهِ وَأَلْحَقَهُ الشَّافِعِيُّ بِالْخَطَأِ فِي أَحْكَامِهِ.
فَصْلٌ فِيمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ
(يَجِبُ الْقَوَدُ) أَيْ الْقِصَاصُ (بِقَتْلِ كُلِّ مَحْقُونِ الدَّمِ) بِالنَّظَرِ لِقَاتِلِهِ دُرَرٌ، وَسَيَتَّضِحُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَقَتَلَ الْقَاتِلَ أَجْنَبِيٌّ (عَلَى التَّأْبِيدِ عَمْدًا) وَهُوَ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ لَا الْمُسْتَأْمَنُ وَالْحَرْبِيُّ (بِشَرْطِ كَوْنِ الْقَاتِلِ مُكَلَّفًا) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَيْسَ لِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ عَمْدٌ. فِي الْبَزَّازِيَّةِ: حُكِمَ عَلَيْهِ بِقَوَدٍ فَجُنَّ قَبْلَ دَفْعِهِ لِلْوَلِيِّ انْقَلَبَ دِيَةً. مَنْ يُجَنُّ وَيُفِيقُ قَتَلَ فِي إفَاقَتِهِ قُتِلَ، فَإِنْ جُنَّ بَعْدَهُ، إنْ مُطْبِقًا سَقَطَ، وَإِنْ غَيْرَ مُطْبِقٍ قُتِلَ قَتَلَ عَبْدٌ مَوْلَاهُ عَمْدًا لَا رِوَايَةَ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرَ: يُقْتَلُ. قَتَلَ عَبْدَ الْوَقْفِ عَمْدًا لَا قَوَدَ فِيهِ.
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ لَوْ الْجَانِي مُكَلَّفًا) فَلَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا يَرِثُ كَمَا فِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ لِلسَّيِّدِ ط (قَوْلُهُ لِعَدَمِ قَتْلِهِ) أَيْ مُبَاشَرَةً، وَإِنَّمَا أُلْحِقَ بِالْمُبَاشِرِ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنْ الْهَدْرِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَبَقِيَ فِي الْكَفَّارَةِ وَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ عَلَى الْأَصْلِ كِفَايَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِيمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ]
ُ (قَوْلُهُ مَحْقُونِ الدَّمِ) الْحَقْنُ هُوَ الْمَنْعُ: قَالَ فِي الْمُغْرِبِ حَقَنَ دَمَهُ إذَا مَنَعَهُ أَنْ يُسْفَكَ. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ مُبَاحِ الدَّمِ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ، وَالْمُرَادُ الْحَقْنُ الْكَامِلُ، فَمَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَدْ صَارَ مَحْقُونَ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَلَا يُقْتَصُّ مِنْ قَاتِلِهِ هُنَاكَ؛ لِأَنَّ كَمَالَ الْحَقْنِ بِالْعِصْمَةِ الْمُقَوِّمَةِ وَالْمُؤَثِّمَةِ وَبِالْإِسْلَامِ حَصَلَتْ الْمُؤَثِّمَةُ دُونَ الْمُقَوِّمَةِ؛ لِأَنَّهَا تَحْصُلُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ، أَفَادَهُ فِي الْكِفَايَةِ (قَوْلُهُ بِالنَّظَرِ لِقَاتِلِهِ) أَيْ لَا مُطْلَقًا، فَإِنَّهُ لَوْ قَتَلَ الْقَاتِلَ عَمْدًا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَقْتُولِ يُقْتَصُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ الْقَاتِلِ إنْ قَتَلَهُ الْأَجْنَبِيُّ عَمْدًا. قَالَ الْوَانِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ لِاحْتِمَالِ عَفْوِ الْأَوْلِيَاءِ بَعْدَ الْحُكْمِ اهـ ط (قَوْلُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمُسْتَأْمَنِ. وَلَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْحَدِّ قَتْلُ الْمُسْلِمِ ابْنَهُ الْمُسْلِمَ عَمْدًا حَيْثُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ،؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ وَاجِبٌ فِي الْأَصْلِ لَكِنْ انْقَلَبَ مَالًا بِشُبْهَةِ الْأُبُوَّةِ وَذَلِكَ عَارِضٌ، وَالْكَلَامُ فِي الْأَصْلِ وَلِهَذَا كَانَ الِابْنُ شَهِيدًا بِهَذَا الْقَتْلِ فَلَا يُغَسَّلُ، وَكَذَا قَتْلُ عَبْدِ الْوَقْفِ عَمْدًا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ كَمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّ الْقَوَدَ هُوَ الْمُوجَبُ الْأَصْلِيُّ وَانْقَلَبَ مَالًا لِعَارِضِ مُرَاعَاةِ نَفْعِ الْوَقْفِ اهـ ط عَنْ الْمَكِّيِّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ لِمَا تَقَرَّرَ إلَخْ) سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ قُبَيْلَ فَصْلِ الْجَنِينِ (قَوْلُهُ انْقَلَبَ دِيَةً) أَيْ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا. وَلَوْ جُنَّ بَعْدَ الدَّفْعِ لَهُ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ كَوْنُهُ مُخَاطَبًا حَالَةَ الْوُجُوبِ وَذَلِكَ بِالْقَضَاءِ وَيَتِمُّ بِالدَّفْعِ، فَإِذَا جُنَّ قَبْلَ الدَّفْعِ تَمَكَّنَ الْخَلَلُ فِي الْوُجُوبِ فَصَارَ كَمَا لَوْ جُنَّ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة (قَوْلُهُ مَنْ يُجَنُّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَيُفِيقُ مِنْ أَفَاقَ ط وَمَنْ مُبْتَدَأٌ وَقَتَلَ الْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ حَالٌ أَوْ شَرْطٌ لِأَدَاةِ شَرْطٍ مَحْذُوفَةٍ وَقُتِلَ الثَّانِي مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ خَبَرٌ بِمَعْنَى يُحْكَمُ بِقَتْلِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ جُنَّ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ مَا قَتَلَ فِي إفَاقَتِهِ، وَالظَّاهِرُ بِأَنْ يُقَيِّدَ بِمَا إذَا كَانَ جُنُونُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَالدَّفْعِ أَخْذًا مِمَّا قَبْلَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إنْ مُطْبِقًا) بِأَنْ كَانَ شَهْرًا أَوْ سَنَةً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيهِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة (قَوْلُهُ سَقَطَ) أَيْ الْقِصَاصُ (قَوْلُهُ وَإِنْ غَيْرَ مُطْبِقٍ قُتِلَ) يَعْنِي بَعْدَ الْإِفَاقَةِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ يُقْتَلُ) وَهَذَا تَقَدَّمَ صَرِيحًا عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَجِنَايَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ مُعْتَبَرَةٌ.
وَقَالَ الْحَمَوِيُّ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِنْ جِهَةِ الْآدَمِيَّةِ وَهُوَ فِيهَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَوْلَى سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا قَوَدَ فِيهِ) بَلْ يَنْقَلِبُ مَالًا لِكَوْنِهِ أَنْفَعَ لِلْوَقْفِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمَكِّيِّ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: لَعَلَّ وَجْهَ اشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ حَقُّ
قَتَلَ خَتَنَهُ عَمْدًا وَبِنْتَهُ فِي نِكَاحِهِ سَقَطَ الْقَوَدُ اهـ (وَ) بِشَرْطِ (انْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ) كَوِلَادٍ أَوْ مِلْكٍ أَوْ أَعَمَّ كَقَوْلِهِ: اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ (بَيْنَهُمَا) كَمَا سَيَجِيءُ
(فَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَبِالْعَبْدِ) غَيْرِ الْوَقْفِ كَمَا مَرَّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّ. وَلَنَا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] فَإِنَّهُ نَاسِخٌ {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} [البقرة: 178] الْآيَةَ كَمَا رَوَاهُ السُّيُوطِيّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ عَنْ النَّحَّاسِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: عَلَى أَنَّهُ تَخْصِيصٌ بِالذَّكَرِ فَلَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ. كَيْفَ وَلَوْ دَلَّ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُقْتَلَ الذَّكَرُ بِالْأُنْثَى وَلَا قَائِلَ بِهِ. قِيلَ وَلَا الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَرُدَّ بِدُخُولِهِ بِالْأَوْلَى: وَلِأَبِي الْفَتْحِ الْبُسْتِيِّ نَظْمًا قَوْلُهُ:
خُذُوا بِدَمِي هَذَا الْغَزَالَ فَإِنَّهُ
…
رَمَانِي بِسَهْمَيْ مُقْلَتَيْهِ عَلَى عَمْدِ
وَلَا تَقْتُلُوهُ إنَّنِي أَنَا عَبْدُهُ
…
وَلَمْ أَرَ حُرًّا قَطُّ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ
فَأَجَابَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ رَادًّا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ:
خُذُوا بِدَمِي مَنْ رَامَ قَتْلِي بِلَحْظِهِ
…
وَلَمْ يَخْشَ بَطْشَ اللَّهِ فِي قَاتِلِ الْعَمْدِ
وَقُودُوا بِهِ جَبْرًا وَإِنْ كُنْت عَبْدَهُ
…
لِيَعْلَمَ أَنَّ الْحُرَّ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ
ــ
[رد المحتار]
الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا يَلْزَمُ الْقَاتِلَ وَلَعَلَّهُ الْقِيمَةُ فَلْيُنْظَرْ اهـ. أَقُولُ: قَالَ فِي وَقْفِ الْبَحْرِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَجِبُ قِيمَتُهُ، كَمَا لَوْ قُتِلَ خَطَأً وَيَشْتَرِي بِهَا الْمُتَوَلِّي عَبْدًا وَيَصِيرُ وَقْفًا كَمَا لَوْ قُتِلَ الْمُدَبَّرُ خَطَأً، وَأَخَذَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ فَإِنَّهُ يَشْتَرِي بِهَا عَبْدًا وَيَصِيرُ مُدَبَّرًا، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ اهـ (قَوْلُهُ قَتَلَ خَتَنَهُ) الْخَتَنُ: هُوَ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ مِثْلُ الْأَبِ وَالْأَخِ هَكَذَا عِنْدَ الْعَرَبِ، وَعِنْدَ الْعَامَّةِ زَوْجُ ابْنَتِهِ مُغْرِبٌ، وَالْمُرَادُ هُنَا الثَّانِي (قَوْلُهُ سَقَطَ الْقَوَدُ) ؛ لِأَنَّهَا وَرِثَتْ قِصَاصًا عَلَى أَبِيهَا اهـ ح.
أَقُولُ: بَلْ قَدْ ثَبَتَ لَهَا ابْتِدَاءً لَا إرْثًا كَمَا أَوْرَدَهُ الشَّارِحُ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فِيمَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَيَسْقُطُ قَوَدٌ وَرِثَهُ عَلَى أَبِيهِ (قَوْلُهُ أَوْ أَعَمَّ كَقَوْلِهِ اُقْتُلْنِي) هَذَا سَقَطَ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ، وَفِي بَعْضِهَا أَوْ أَمَرَ بَدَلَ قَوْلِهِ أَوْ أَعَمَّ وَهُوَ أَوْلَى، وَسَيَأْتِي آخِرَ الْفَصْلِ أَنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَتْنًا
(قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) فَعِنْدَهُ لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ (قَوْلُهُ أَنَّ النَّفْسَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْمُولُ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} [المائدة: 45](قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ تَخْصِيصٌ بِالذَّكَرِ إلَخْ) الِاقْتِصَارُ فِي الْآيَةِ عَلَى الْحُرِّ وَهُوَ بَعْضُ مَا شَمِلَهُ قَوْله تَعَالَى {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] لَا يَقْتَضِي نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ الْعَبْدِ فَهُوَ كَالْمُقَابَلَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى} [البقرة: 178] وَلَمْ يُمْنَعْ قَتْلُ الذَّكَرِ بِالْأُنْثَى. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَفِي مُقَابَلَةِ الْأُنْثَى بِالْأُنْثَى دَلِيلٌ عَلَى جَرَيَانِ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ (قَوْلُهُ قِيلَ وَلَا الْحُرُّ بِالْعَبْدِ) صَوَابُهُ وَلَا الْعَبْدُ بِالْحُرِّ كَمَا هُوَ فِي الْمِنَحِ اهـ ح، يَعْنِي أَنَّهُ قِيلَ فِي الْإِيرَادِ عَلَى الشَّافِعِيِّ: لَوْ دَلَّ قَوْله تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] عَلَى أَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ لِلتَّخْصِيصِ بِالذَّكَرِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ (قَوْلُهُ وَرُدَّ) أَيْ هَذَا الْقِيلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قُتِلَ الْحُرُّ بِالْحُرِّ بِعِبَارَةِ النَّصِّ يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِهِ بِدَلَالَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ دُونَهُ كَمَا دَلَّتْ حُرْمَةُ التَّأْفِيفِ عَلَى حُرْمَةِ الضَّرْبِ وَأَصْلُ الْإِيرَادِ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَالرَّادُّ عَلَيْهِ مُنْلَا خُسْرو وَابْنُ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي الْفَتْحِ إلَخْ) سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ خُذُوا بِدَمِي إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ صِدْقِ الْمَحَبَّةِ (قَوْلُهُ وَلَا تَقْتُلُوهُ إلَخْ) فِيهِ مُنَافَاةٌ لِمَا قَبْلَهُ فَإِنَّ الْأَخْذَ بِالدَّمِ يَقْتَضِي الْقَتْلَ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا تَجِبُ دِيَتُهُ عَلَى مَوْلَاهُ ط (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَ حُرًّا قَطُّ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي مَذْهَبِي لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ (قَوْلُهُ لِيَعْلَمَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِعَبْدِ نَفْسِهِ فَإِنْ أَرَادَ عَبْدَ غَيْرِهِ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ وَإِنْ كُنْت عَبْدَهُ اهـ ح.
(وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) خِلَافًا لَهُ (لَا هُوَ بِمُسْتَأْمَنٍ بَلْ هُوَ بِمِثْلِهِ قِيَاسًا) لِلْمُسَاوَاةِ لَا اسْتِحْسَانًا لِقِيَامِ الْمُبِيحِ هِدَايَةٌ وَمُجْتَبًى وَدُرَرٌ وَغَيْرُهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِالْعَمَلِ بِهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ مَضْبُوطَةٍ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا، وَقَدْ اقْتَصَرَ مُنْلَا خُسْرو فِي مَتْنِهِ عَلَى الْقِيَاسِ اهـ، يَعْنِي فَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى عَادَتِهِ. قُلْت: وَيَعْضُدُهُ عَامَّةُ الْمُتُونِ حَتَّى الْمُلْتَقَى
(وَ) يُقْتَلُ (الْعَاقِلُ بِالْمَجْنُونِ وَالْبَالِغُ بِالصَّبِيِّ وَالصَّحِيحُ بِالْأَعْمَى وَالزَّمِنِ وَنَاقِصِ الْأَطْرَافِ وَالرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ) بِالْإِجْمَاعِ. (وَالْفَرْعُ بِأَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا لَا بِعَكْسِهِ) خِلَافًا لِمَالِكٍ فِيمَا إذَا ذَبَحَ ابْنَهُ ذَبْحًا أَيْ لَا يَقْتَصُّ الْأُصُولُ وَإِنْ عَلَوْا مُطْلَقًا وَلَوْ إنَاثًا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ فِي نَفْسٍ أَوْ أَطْرَافٍ بِفُرُوعِهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ
ــ
[رد المحتار]
أَقُولُ: الْمُرَادُ إظْهَارُ الْحُكْمِ بِأُسْلُوبٍ لَطِيفٍ، فَلَا يُدَقَّقُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يُعْتَرَضَ بِأَنَّهُ قَالَ مَنْ رَامَ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالْقَتْلِ، وَبِأَنَّ الْقَتْلَ بِمُجَرَّدِ اللَّحْظِ لَا يُقَادُ بِهِ إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الْعَمْدِ، وَقَدْ نَظَمْت ذَلِكَ خَالِيًا عَنْ الطَّعْنِ مَعَ الْأَدَبِ وَمُرَاعَاةِ مَا لِلْحَبِيبِ عَلَى مَنْ أَحَبَّ فَقُلْت:
دَعُوا مَنْ بِرُمْحِ الْقَدِّ قَدْ قَدَّ مُهْجَتِي
…
وَصَارِمِ لَحْظٍ سَلَّهُ لِي عَلَى عَمْدِ
فَلَا قَوَدٌ فِي قَتْلِ مَوْلًى لِعَبْدِهِ
…
وَإِنْ كَانَ شَرْعًا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ
(قَوْلُهُ وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) لِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَحَدِيثِ ابْنِ السَّلْمَانِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ " ' «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ قَتَلَ مُعَاهَدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ عُنُقُهُ وَقَالَ أَنَا أَوْلَى مَنْ وَفَى بِذِمَّتِهِ» وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا، وَلِهَذَا يُقْطَعُ الْمُسْلِمُ بِسَرِقَةِ مَالِ الذِّمِّيِّ مَعَ أَنَّ أَمْرَ الْمَالِ أَهْوَنُ مِنْ النَّفْسِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ، وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ وَلَا ذِمِّيٌّ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ، فَقَوْلُهُ وَلَا ذُو عَهْدٍ: أَيْ ذِمِّيٌّ عَطْفٌ عَلَى مُؤْمِنٍ. وَلَئِنْ صَحَّ أَنَّهُ رُوِيَ ذِي عَهْدٍ بِالْجَرِّ فَعَلَى الْجِوَارِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِسَيِّدِنَا الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ لَا هُمَا بِمُسْتَأْمَنٍ) أَيْ لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ بِمُسْتَأْمَنٍ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَإِنَّهُ عَلَى عَزْمِ الْعَوْدِ وَالْمُحَارَبَةِ اخْتِيَارٌ (قَوْلُهُ لِلْمُسَاوَاةِ) أَيْ بَيْنَ الْمُسْتَأْمَنِينَ مِنْ حَيْثُ حَقْنُ الدَّمِ (قَوْلُهُ لِقِيَامِ الْمُبِيحِ) وَهُوَ عَزْمُهُ عَلَى الْمُحَارَبَةِ بِالْعَوْدِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ) يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ط (قَوْلُهُ وَيُعَضِّدُهُ) أَيْ الْقِيَاسَ (قَوْلُهُ عَامَّةُ الْمُتُونِ) كَالْوِقَايَةِ وَالْإِصْلَاحِ وَالْغُرَرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَسْأَلَةَ فِي الْكَنْزِ وَالْمَجْمَعِ وَالْمَوَاهِبِ وَدُرَرِ الْبِحَارِ. وَأَمَّا فِي الْهِدَايَةِ فَقَالَ: وَيُقْتَلُ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْتَأْمَنِ قِيَاسًا، وَلَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا، وَمِثْلُهُ فِي التَّبْيِينِ وَالْجَوْهَرَةِ، نَعَمْ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَقِيلَ لَا يُقْتَلُ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ
(قَوْلُهُ وَالْبَالِغُ بِالصَّبِيِّ) قَتَلَ صَبِيًّا خَرَجَ رَأْسُهُ وَاسْتَهَلَّ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَلَوْ خَرَجَ نِصْفُهُ مَعَ الرَّأْسِ أَوْ الْأَكْثَرِ مَعَ الْقَدَمَيْنِ فَفِيهِ الْقَوَدُ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي قَطْعِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ مُجْتَبًى وتتارخانية عَنْ الْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ) عَبَّرَ ابْنُ الْكَمَالِ بِالسَّالِمِ، ثُمَّ قَالَ لَمْ يَقُلْ وَالصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَفْقُودَ فِي الْأَعْمَى هُوَ السَّلَامَةُ دُونَ الصِّحَّةِ، وَلِذَا اُحْتِيجَ إلَى ذِكْرِ سَلَامَةِ الْعَيْنَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِ الصِّحَّةِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ وَالزَّمِنُ) هُوَ مَنْ طَالَ مَرَضُهُ زَمَانًا مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ وَنَاقِصُ الْأَطْرَافِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعُمُومَاتِ، وَلِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا التَّفَاوُتَ فِيمَا وَرَاءَ الْعِصْمَةِ مِنْ الْأَطْرَافِ وَالْأَوْصَافِ امْتَنَعَ الْقِصَاصُ وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى التَّقَاتُلِ وَالتَّغَابُنِ اخْتِيَارٌ، حَتَّى لَوْ قَتَلَ رَجُلًا مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْمَذَاكِيرِ وَمَفْقُودَ الْعَيْنَيْنِ يَجِبُ الْقِصَاصُ إذَا كَانَ عَمْدًا جَوْهَرَةٌ عَنْ الْخُجَنْدِيِّ (قَوْلُهُ لَا بِعَكْسِهِ) الْأَصْوَبُ حَذْفُ الْبَاءِ (قَوْلُهُ أَيْ لَا يُقْتَصُّ إلَخْ)
بِوَلَدِهِ» وَهُوَ وَصْفٌ مُعَلَّلٌ بِالْجُزْئِيَّةِ فَيَتَعَدَّى لِمَنْ عَلَا؛ لِأَنَّهُمْ أَسْبَابٌ فِي إحْيَائِهِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِإِفْنَائِهِمْ، وَحِينَئِذٍ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْأَبِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ هَذَا عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ حَالَّةً كَبَدَلِ الصُّلْحِ زَيْلَعِيٌّ وَجَوْهَرَةٌ، وَسَيَجِيءُ فِي الْمَعَاقِلِ. وَفِي الْمُلْتَقَى: وَلَا قِصَاصَ عَلَى شَرِيكِ الْأَبِ أَوْ الْمَوْلَى أَوْ الْمُخْطِئِ أَوْ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ وَكُلِّ مَنْ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ عَدَمِ تَجَزُّؤِ الْقِصَاصِ فَلَا يُقْتَلُ الْعَامِدُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ بُرْهَانٌ
(وَلَا سَيِّدٌ بِعَبْدِهِ) أَيْ بِعَبْدِ نَفْسِهِ (وَمُدَبَّرِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَعَبْدِ وَلَدِهِ) هَذَا دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِمْ: وَمَنْ مَلَك قِصَاصًا عَلَى أَبِيهِ سَقَطَ كَمَا سَيَجِيءُ (وَلَا بِعَبْدٍ يَمْلِكُ بَعْضَهُ) ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ (وَلَا بِعَبْدِ الرَّهْنِ حَتَّى يَجْتَمِعَ الْعَاقِدَانِ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا قَوَدَ وَإِنْ اجْتَمَعَا جَوْهَرَةٌ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الدُّرَرِ مَعْزِيًّا لِلْكَافِي كَمَا فِي الْمِنَحِ، لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ. بَقِيَ لَوْ اخْتَلَفَا فَلَهُمَا الْقِيمَةُ تَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَلَوْ قَتَلَ عَبْدَ الْإِجَارَةِ فَالْقَوَدُ لِلْمُؤَجِّرِ. وَأَمَّا الْمَبِيعُ إذَا قُتِلَ فِي يَدِ بَائِعِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ فَالْقَوَدُ لَهُ، وَإِنْ رَدَّهُ فَلِلْبَائِعِ الْقَوَدُ، وَقِيلَ الْقِيمَةُ جَوْهَرَةٌ
ــ
[رد المحتار]
تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ لَا بِعَكْسِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ إنَاثًا مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ) تَفْسِيرٌ لِلْإِطْلَاقِ فَلَا يُقْتَلُ الْجَدُّ لِأَبٍ أَوْ أُمٍّ وَإِنْ عَلَا وَكَذَا الْجَدَّاتُ (قَوْلُهُ بِفُرُوعِهِمْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يُقْتَصُّ (قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِإِفْنَائِهِمْ) أَيْ كُلًّا أَوْ جُزْءًا لِيَدْخُلَ الْأَطْرَافُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُلْتَقَى إلَخْ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَلَوْ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي قَتْلِ إنْسَانٍ أَحَدُهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ وَالْآخَرُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَالْأَجْنَبِيِّ وَالْأَبِ وَالْخَاطِئِ وَالْعَامِدِ، أَوْ أَحَدُهُمَا بِالسَّيْفِ وَالْآخَرُ بِالْعَصَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ، وَاَلَّذِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَالْخَاطِئِ، وَاَلَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَوْ انْفَرَدَ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَهَذَا فِي غَيْرِ شَرِيكِ الْأَبِ، فَأَمَّا الْأَبُ وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا اشْتَرَكَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ انْفَرَدَ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ اهـ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ آخِرَ الْبَابِ الْآتِي
(قَوْلُهُ لَا سَيِّدٌ بِعَبْدِهِ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ عَبْدَهُ مَالُهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ عَلَى نَفْسِهِ وَالْمُدَبَّرُ مَمْلُوكٌ، وَالْمُكَاتَبُ رَقِيقُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَعَبْدُ وَلَدِهِ فِي حُكْمِ مِلْكِهِ لِحَدِيثِ «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» لَكِنْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْكُلِّ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ قَوْلُهُ وَعَبْدُ وَلَدِهِ وَأَرَادَ بِهِ بَيَانَ الْعِلَّةِ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَلَا بِعَبْدِ الرَّهْنِ) أَيْ وَلَا يُقْتَلُ قَاتِلُ عَبْدِ الرَّهْنِ حَتَّى يَجْتَمِعَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يَلِي الْقِصَاصَ وَالرَّاهِنُ لَوْ تَوَلَّاهُ لَبَطَلَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ، فَيُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا لِيَسْقُطَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِرِضَاهُ اهـ دُرَرٌ. وَفِيهِ أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمُرْتَهِنِ قَدْ تَمَّ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ فَمَا الدَّاعِي لِرِضَاهُ بَعْدَ سُقُوطِ حَقِّهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ غَيْرُ مُتَقَرِّرٍ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْقَوَدِ إمَّا بِالصُّلْحِ أَوْ بِدَعْوَى الشُّبْهَةِ بِالْقَتْلِ فَيَصِيرُ خَطَأً اهـ ط (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُحْمَلُ مَا فِي الدُّرَرِ مِنْ أَنَّهُ لَا قَوَدَ وَإِنْ اجْتَمَعَا (قَوْلُهُ أَنَّهُ) أَيْ مَا فِي الدُّرَرِ أَقْرَبُ إلَى الْفِقْهِ لِاشْتِبَاهِ مَنْ لَهُ الطَّلَبُ كَمُكَاتَبٍ تَرَكَ وَفَاءً وَوَارِثًا، لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَلَا وَلَاءَ فَلَمْ يُشْبِهْ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ كَمَا يَأْتِي.
(قَوْلُهُ بَقِيَ لَوْ اخْتَلَفَا) أَيْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِصَاصَ وَالْآخَرُ الدِّيَةَ، وَهَذَا مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ حَتَّى يَجْتَمِعَ الْعَاقِدَانِ (قَوْلُهُ فَالْقَوَدُ لِلْمُؤَجِّرِ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ وَلَمْ يَبْقَ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقٌّ فِيهِ وَلَا فِي بَدَلِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ) أَيْ أَمْضَاهُ عَلَى حَالِهِ وَلَمْ يَخْتَرْ فَسْخَهُ وَالرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْقُوفًا وَإِلَّا لَمَا صَحَّتْ الْإِجَازَةُ بَعْدَ هَلَاكِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَالْقَوَدُ لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَدَّهُ) أَيْ فَسَخَ الْبَيْعَ وَرَجَعَ بِالثَّمَنِ (قَوْلُهُ فَلِلْبَائِعِ الْقَوَدُ) ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ ارْتَفَعَ وَظَهَرَ أَنَّهُ الْمَالِكُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ الْقِيمَةُ) هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْقِصَاصُ عِنْدَ الْجِرَاحَةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَانَ لِلْمُشْتَرِي جَوْهَرَةٌ
(وَلَا بِمُكَاتَبٍ) وَكَذَا ابْنَهِ وَعَبْدَهُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قُتِلَ عَمْدًا) لَا حَاجَةَ لِقَيْدِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي كُلِّ قَوَدٍ (عَنْ وَفَاءٍ وَوَارِثٍ وَسَيِّدٍ وَإِنْ اجْتَمَعَا) لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي مَوْتِهِ حُرًّا أَوْ رَقِيقًا فَاشْتَبَهَ الْوَلِيُّ فَارْتَفَعَ الْقَوَدُ (فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ وَارِثًا غَيْرَ سَيِّدِهِ سَوَاءٌ تَرَكَ وَفَاءً أَوْ لَا أَوْ تَرَكَ وَارِثًا وَلَا وَفَاءَ أَقَادَ سَيِّدَهُ) لِتَعَيُّنِهِ. وَفِي أُولَى الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ.
(وَيَسْقُطُ قَوَدٌ) قَدْ (وَرِثَهُ عَلَى أَبِيهِ) أَيْ أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ لَا يَسْتَوْجِبُ الْعُقُوبَةَ عَلَى أَصْلِهِ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا قَتَلَ الْأَبُ أَب امْرَأَتِهِ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهَا ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ فَإِنَّ ابْنَهَا مِنْهُ يَرِثُ الْقَوَدَ الْوَاجِبَ عَلَى أَبِيهِ فَسَقَطَ لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا تَصْوِيرُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ فَثُبُوتُهُ فِيهِ لِلِابْنِ ابْتِدَاءً لَا إرْثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ اتَّحَدَ الْحَكْمُ كَمَا لَا يَخْفَى.
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَكَذَا ابْنُهُ وَعَبْدُهُ) الضَّمِيرُ لِلْمُكَاتَبِ (قَوْلُهُ عَنْ وَفَاءٍ) أَيْ عَنْ مَالٍ يَفِي بِبَدَلِ كِتَابَتِهِ (قَوْلُهُ فَاشْتَبَهَ الْوَلِيُّ) فَإِنْ قُلْنَا مَاتَ حُرًّا فَالْوَلِيُّ وَارِثُهُ أَوْ رَقِيقًا فَسَيِّدُهُ (قَوْلُهُ لِتَعَيُّنِهِ) أَيْ تَعَيُّنِ الْوَلِيِّ فِي الثَّلَاثِ وَهُوَ السَّيِّدُ (قَوْلُهُ وَفِي أُولَى الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ) سَبْقُ قَلَمٍ تَبِعَ فِيهِ ابْنَ كَمَالٍ: قَالَ ح: وَصَوَابُهُ ثَانِيَةُ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ، وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يَدَّعِ وَارِثًا غَيْرَ سَيِّدِهِ وَتَرَكَ وَفَاءً؛ لِأَنَّ خِلَافَ مُحَمَّدٍ فِيهَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ اهـ. لَهُ أَنَّهُ اشْتَبَهَ سَبَبُ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لَهُ إنْ مَاتَ حُرًّا وَالْمِلْكَ إنْ مَاتَ عَبْدًا. وَلَهُمَا أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لِلْمَوْلَى بِيَقِينٍ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَوَدَ فِي الرَّابِعَةِ وَهِيَ مَا إذَا تَرَكَ وَارِثًا وَلَا وَفَاءَ لَهُ قَيَّدَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالْمُكَاتَبَةِ أَيْضًا، فَإِنْ كَانَ فِيهَا وَفَاءٌ لَا قِصَاصَ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْعَمْدِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْقِصَاصَ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى الْمَالِ بِغَيْرِ رِضَا الْقَاتِلِ مُرَاعَاةً لِحَقِّ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ، كَمَا إذَا كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءَ كَانَ لِلْمَقْطُوعِ يَدُهُ الْعُدُولُ إلَى الْمَالِ بِلَا رِضَاهُ مُرَاعَاةً لِحَقِّهِ لِمَا لَمْ يَجِبْ مِثْلُ حَقِّهِ بِكَمَالِهِ فَكَذَا هُنَا؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ أَنْفَعُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّتِهِ وَحُرِّيَّةِ أَوْلَادِهِ إذَا أَدَّى الْبَدَلَ مِنْهَا وَبِالْقِصَاصِ بِمَوْتِ عَبْدٍ أَوْ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْقِيمَةِ أَوْلَى اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَالْقُهُسْتَانِيِّ
(قَوْلُهُ وَرِثَهُ عَلَى أَبِيهِ) أَيْ اسْتَحَقَّهُ قُهُسْتَانِيٌّ فَيَشْمَلُ ثُبُوتَهُ ابْتِدَاءً، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ قَبْلَهُ وَمَنْ مَلَكَ قِصَاصًا إلَخْ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِيرَادُ الْآتِي، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ صُورَةَ ثُبُوتِ الْقَوَدِ لِلْفَرْعِ عَلَى أَصْلِهِ ابْتِدَاءً تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ لَا بِعَكْسِهِ فَلِذَا عَبَّرَ هُنَا بِالْإِرْثِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ أَيْ أَصْلِهِ) لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ كَانَ فِي وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ وَلَدُ الْقَاتِلِ أَوْ وَلَدُ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ بَطَلَ الْقِصَاصُ وَتَجِبُ الدِّيَةُ اهـ (قَوْلُهُ مَثَلًا) أَيْ أَوْ أَخَاهَا أَوْ ابْنَهَا مِنْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ ثُمَّ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ) كَذَا أَطْلَقُوهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْتُهَا بَعْدَ مَا أَبَانَهَا زَوْجُهَا الْقَاتِلُ حَتَّى يَظْهَرَ كَوْنُ الْعِلَّةِ هِيَ إرْثُ ابْنِهِ قِصَاصًا عَلَيْهِ، وَإِلَّا كَانَ وَارِثًا مِنْهَا جُزْءًا مِنْ الْقِصَاصِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقِصَاصُ بِذَلِكَ أَيْضًا.
قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ قَتَلَ أَحَدُهُمْ أَبَاهُمْ عَمْدًا فَلِلْبَاقِينَ قَتْلُهُ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ لِلثَّالِثِ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ وَرِثَ جُزْءًا مِنْ نَصِيبِ الْمَيِّتِ مِنْ الْقِصَاصِ فَسَقَطَ عَنْهُ وَانْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا فَعَلَيْهِ لِلْآخَرِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ فِي فَثَلَاثَ سِنِينَ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: قَتَلَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَبِيهِمَا عَمْدًا وَالْآخَرُ أُمَّهُمَا فَلِلْأَوَّلِ قَتْلُ الثَّانِي بِالْأُمِّ وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ عَنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ وَرِثَ مِنْ الْأُمِّ الثُّمُنَ مِنْ دَمِ نَفْسِهِ فَسَقَطَ عَنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَانْقَلَبَ الْبَاقِي مَالًا فَيَغْرَمُ لِوَرَثَةِ الثَّانِي سَبْعَةَ أَثْمَانِ الدِّيَةِ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا تَصْوِيرُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ) حَيْثُ قَالَ: أَيْ إذَا قَتَلَ الْأَبُ شَخْصًا وَوَلِيَ الْقِصَاصَ ابْنُ الْقَاتِلِ يَسْقُطُ اهـ. وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَقْتُلَ أُمَّ ابْنِهِ عَمْدًا أَوْ أَخَا وَلَدِهِ مِنْ أُمِّهِ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ فَثُبُوتُهُ فِيهِ لِلِابْنِ ابْتِدَاءً لَا إرْثًا) بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ عَفْوُ الْوَارِثِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَالْمُوَرِّثُ لَا يَمْلِكُ الْقِصَاصَ بَعْدَ الْمَوْتِ
وَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَوْ عَفَا الْمَجْرُوحُ أَوْ وَارِثُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ صَحَّ اسْتِحْسَانًا لِانْعِقَادِ السَّبَبِ لَهُمَا.
(لَا قَوَدَ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ مُسْلِمًا ظَنَّهُ مُشْرِكًا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مِنْ الْخَطَأِ وَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِيُبَيِّنَ مُوجَبَهُ بِقَوْلِهِ (بَلْ) الْقَاتِلُ (عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَدِيَةٌ) قَالُوا هَذَا إذَا اخْتَلَطُوا، فَإِنْ كَانَ فِي صَفِّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِسُقُوطِ عِصْمَتِهِ. قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» . قُلْت: فَإِذَا كَانَ مُكَثِّرُ سَوَادِهِمْ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَتَزَيَّ بِزِيِّهِمْ فَكَيْفَ بِمَنْ تَزَيَّا قَالَهُ الزَّاهِدِيُّ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ: حَتَّى لَوْ تَشَكَّلَ جِنِّيٌّ بِمَا يُبَاحُ قَتْلُهُ كَحَيَّةٍ فَيَنْبَغِي الْإِقْدَامُ عَلَى قَتْلِهِ ثُمَّ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ جِنِّيٌّ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(وَلَا يُقَادُ إلَّا بِالسَّيْفِ) وَإِنْ قَتَلَهُ بِغَيْرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. وَفِي الدُّرَرِ عَنْ الْكَافِي: الْمُرَادُ بِالسَّيْفِ السِّلَاحُ. قُلْت: وَبِهِ صَرَّحَ فِي حَجِّ الْمُضْمَرَاتِ حَيْثُ قَالَ: وَالتَّخْصِيصُ بِاسْمِ الْعَدَدِ لَا يَمْنَعُ إلْحَاقَ غَيْرِهِ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّا أَلْحَقْنَا الرُّمْحَ وَالْخِنْجَرَ بِالسَّيْفِ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» فَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ: مَنْ لَهُ قَوَدٌ قَادَ بِالسَّيْفِ، فَلَوْ أَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ أَوْ قَتَلَهُ بِحَجَرٍ أَوْ بِنَوْعٍ آخَرَ عُزِّرَ وَكَانَ مُسْتَوْفِيًا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالسَّيْفِ السِّلَاحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[رد المحتار]
وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّمْلِيكِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً اهـ جَوْهَرَةٌ. ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ عِنْدَ الْبَعْضِ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ. وَأَجَابَ فِي الْمُجْتَبَى بِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْقِصَاصِ أَوَّلًا هُوَ الْمَقْتُولُ ثُمَّ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ وَالْوِرَاثَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَجْرُوحَ إذَا عَفَا سَقَطَ الْقِصَاصُ وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَوَّلًا لِمَا سَقَطَ بِعَفْوِهِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَوْ عَفَا الْمَجْرُوحُ إلَخْ) أَرَادَ بِهِ الْحُرَّ، إذْ الْعَبْدُ لَا يَصِحُّ عَفْوُهُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لِمَوْلَاهُ لَا لَهُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْبَدَائِعِ. ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ هَلْ الْعَفْوُ عَنْ الْجِرَاحَةِ أَوْ عَنْ الْجِرَاحَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَنْ الْجِنَايَةِ؟ وَهَلْ ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ أَوْ الْخَطَأِ؟ وَهَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْجَانِي أَوْ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَوْ تَسْقُطُ؟ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلٍ فِي الْفِعْلَيْنِ (قَوْلُهُ لِانْعِقَادِ السَّبَبِ لَهُمَا) أَيْ لِلْمَجْرُوحِ أَصَالَةً وَلِلْوَارِثِ نِيَابَةً قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ، تَأَمَّلْ وَارْجِعْ إلَى مَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ
(قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ كَأَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا ظَنَّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا (قَوْلُهُ لِيُبَيِّنَ مُوجَبَهُ) فِيهِ أَنَّهُ بَيَّنَ مُوجَبَ الْخَطَأِ فِيمَا تَقَدَّمَ فَهُوَ تَكْرَارٌ اهـ ح (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ الزَّاهِدِيِّ فِي الْمُجْتَبَى وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ خِلَافَهُ.
[تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: عَلِمَ مُسْلِمًا بِعَيْنِهِ قَدْ جَاءَ بِهِ الْعَدُوُّ مُكْرَهًا فَعَمِدَهُ بِالرَّمْيِ وَهُوَ يَعْلَمُ يَجِبُ الْقَوَدُ قِيَاسًا وَلَا يَجِبُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ فِي مَوْضِعِ إبَاحَةِ الْقَتْلِ يَصِيرُ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْقِصَاصِ، وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَلَا كَفَّارَةَ. وَلَوْ قَالَ وَلِيُّهُ قَصَدْتَهُ بِرَمْيِك بَعْدَ عِلْمِك أَنَّهُ مُكْرَهٌ وَقَالَ الرَّامِي بَلْ قَصَدْتُ الْمُشْرِكِينَ فَالْقَوْلُ لِلرَّامِي لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ وَهُوَ إبَاحَةُ الرَّمْيِ إلَى صَفِّهِمْ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي الْإِقْدَامُ عَلَى قَتْلِهِ) أَيْ يَنْبَغِي جَوَازُ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَالْأَوْلَى حَذْفُ الْفَاءِ؛ لِأَنَّهُ جَوَابُ لَوْ.
وَفِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَحْكَامِ الْجَانِّ: لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْجِنِّيِّ بِغَيْرِ حَقٍّ كَالْإِنْسِيِّ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْتَلَ الْحَيَّةُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي تَمْشِي مُسْتَوِيَةً؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْجَانِّ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «اُقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ، وَإِيَّاكُمْ وَالْحَيَّةَ الْبَيْضَاءَ فَإِنَّهَا مِنْ الْجِنِّ» وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْكُلِّ "؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «عَاهَدَ الْجِنَّ أَنْ لَا يَدْخُلُوا بُيُوتَ أُمَّتِهِ وَلَا يُظْهِرُوا أَنْفُسَهُمْ» ، فَإِذَا خَالَفُوا فَقَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ فَلَا حُرْمَةَ لَهُمْ " وَالْأَوْلَى هُوَ الْإِنْذَارُ وَالْإِعْذَارُ، فَيُقَالُ لَهَا ارْجِعِي بِإِذْنِ اللَّهِ أَوْ خَلِّي طَرِيقَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ أَبَتْ قَتَلَهَا، وَالْإِنْذَارُ إنَّمَا يَكُونُ خَارِجَ الصَّلَاةِ اهـ وَتَمَامُهُ هُنَاكَ
(قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) حَيْثُ قَالَ يُقْتَلُ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ بِهِ إلَّا إذَا قَتَلَ بِاللِّوَاطَةِ أَوْ إيجَارِ الْخَمْرِ فَيُقْتَلُ بِالسَّيْفِ (قَوْلُهُ أَوْ بِنَوْعٍ آخَرَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ السِّلَاحِ كَأَنْ سَاقَ عَلَيْهِ دَابَّتَهُ أَوْ أَلْقَاهُ فِي نَارٍ.
(وَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ الْقَوَدُ) تَشَفِّيًا لِلصَّدْرِ (وَ) إذَا مَلَكَهُ مَلَكَ (الصُّلْحَ) بِالْأَوْلَى (لَا الْعَفْوَ) مَجَّانًا (بِقَطْعِ يَدِهِ) أَيْ فِي يَدِ الْمَعْتُوهِ (وَقَتْلِ قَرِيبِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إبْطَالُ حَقِّهِ وَلَا يَمْلِكُهُ (وَتَقَيَّدَ صُلْحُهُ بِقَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِنْ وَقَعَ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ) الصُّلْحُ (وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً) ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لِلْمَعْتُوهِ (وَالْقَاضِي كَالْأَبِ) فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْأَصَحِّ كَمَنْ قُتِلَ وَلَا وَلِيَّ لَهُ لِلْحَاكِمِ قَتْلُهُ وَالصُّلْحُ لَا الْعَفْوُ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ لِلْعَامَّةِ (وَالْوَصِيُّ) كَالْأَخِ
ــ
[رد المحتار]
(قَوْلُهُ وَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ) هُوَ النَّاقِصُ الْعَقْلَ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ مِنَحٌ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ الْقَوَدُ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلتَّشَفِّي فَيَلِيهِ الْأَبُ كَالْإِنْكَاحِ وَلَكِنْ كُلُّ مَنْ مَلَكَ الْإِنْكَاحَ لَا يَمْلِكُ الْقَوَدَ فَإِنَّ الْأَخَ يَمْلِكُ الْإِنْكَاحَ وَلَا يَمْلِكُ الْقَوَدَ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِتَشَفِّي الصَّدْرِ، وَلِلْأَبِ شَفَقَةٌ كَامِلَةٌ يَعُدُّ ضَرَرَ الْوَلَدِ ضَرَرَ نَفْسِهِ فَلِذَا جُعِلَ التَّشَفِّيَ لِلْأَبِ كَالْحَاصِلِ لِلِابْنِ بِخِلَافِ الْأَخِ كَذَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ.
وَاعْتَرَضَهُمْ الْأَتْقَانِيُّ بِأَنَّ الْأَخَ يَمْلِكُهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ أَقْرَبُ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ أَقْرَبُ مِنْهُ لَمْ يَمْلِكْ الْإِنْكَاحَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الدَّمَ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ مَالَ الْمَقْتُولِ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ حَتَّى الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَرْخِيُّ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَتَلَ ابْنَ الْمَعْتُوهِ مَثَلًا كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِمَالِهِ. وَإِذَا كَانَ لِلْمَعْتُوهِ أَخٌ أَوْ عَمٌّ وَلَا أَبَ لَهُ كَيْفَ يُقَالُ أَنَّ الْأَخَ أَوْ الْعَمَّ يَسْتَحِقُّ دَمَ ابْنِ الْمَعْتُوهِ فِي حَيَاةِ الْمَعْتُوهِ مَعَ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمَعْتُوهِ أَصْلًا: عَلَى أَنَّ وَصِيَّ الْمَعْتُوهِ الَّذِي لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ الْقَوَدُ فَكَيْفَ الْأَخُ الَّذِي لَا وِلَايَةَ لَهُ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ هُوَ الْمَعْتُوهَ نَفْسَهُ صَحَّ مَا قَالَهُ وَكَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحَالُ وَلِهَذَا قَالَ فِي السَّعْدِيَّةِ إنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا قُتِلَ وَلِيُّ الْمَعْتُوهِ كَابْنِهِ وَأَبُو الْمَعْتُوهِ حَيٌّ لَا فِيمَا إذَا قُتِلَ الْمَعْتُوهُ اهـ (قَوْلُهُ مَلَكَ الصُّلْحَ بِالْأَوْلَى) ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ بِقَطْعِ يَدِهِ وَقَتْلِ وَلِيِّهِ) تَنَازَعَهُ كُلٌّ مِنْ الْقَوَدِ وَالصُّلْحِ وَالْعَفْوِ (قَوْلُهُ وَقَتْلِ وَلِيِّهِ) أَيْ وَلِيِّ الْمَعْتُوهِ كَابْنِهِ وَأُمِّهِ مِنَحٌ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَقَتْلِ قَرِيبِهِ وَهُوَ أَظْهَرُ، وَبِهِ فُسِّرَ الْوَلِيُّ فِي النِّهَايَةِ. ثُمَّ قَالَ يَعْنِي إذَا كَانَ لِلْمَعْتُوهِ ابْنٌ فَقُتِلَ ابْنُهُ فَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ وَهُوَ جَدُّ الْمَقْتُولِ وِلَايَةُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَوِلَايَةُ الصُّلْحِ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إبْطَالُ حَقِّهِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا الْعَفْوَ مَجَّانًا (قَوْلُهُ وَتَقَيَّدَ صُلْحُهُ) أَيْ صُلْحُ الْأَبِ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَقَعَ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ) اعْتَرَضَهُ الأتقاني بِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَدْرِ الدِّيَةِ بَلْ أَطْلَقَ. وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ: وَإِذَا وَجَبَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ قِصَاصٌ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ جَازَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا. وَنَقَلَ الشَّلَبِيُّ عَنْ قَارِئِ الْهِدَايَةِ أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ وَهْمٌ. قَالَ أَبُو السُّعُودِ: كَيْفَ يَكُونُ وَهْمًا مَعَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْكَرْخِيُّ اهـ.
أَقُولُ: عَبَّرَ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ بَدَلَ قَوْلِهِ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ بِقَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ الْحَطُّ، وَإِنْ قَلَّ يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ الصُّلْحَ صَحِيحٌ دُونَ الْحَطِّ وَلِذَا وَجَبَ كَمَالُ الدِّيَةِ وَإِلَّا كَانَ الْوَاجِبُ الْقَوَدَ، وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ، فَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَرْخِيُّ وَأَفَادَهُ كَلَامُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ مِنْ صِحَّةِ الصُّلْحِ الْمُرَادُ بِهِ صِحَّتُهُ بِإِلْزَامِ تَمَامِ الدِّيَةِ، وَهُوَ مُرَادُ مَنْ قَالَ لَمْ يَجُزْ الْحَطُّ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ هُنَا تَبَعًا لِلْمِنَحِ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ مُرَادُهُ لَمْ يَلْزَمْ بِذَلِكَ الْقَدْرِ النَّاقِصِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِمَا قَالَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ لَكَانَ أَنْسَبَ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ اعْتِرَاضَ الْإِمَامِ الأتقاني فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لِلْمَعْتُوهِ) الْوَاقِعُ فِي كَلَامِهِمْ ذِكْرُ هَذَا التَّعْلِيلِ عِنْدَ قَوْلِهِ مَلَكَ الصُّلْحَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالظَّاهِرُ التَّعْلِيلُ هُنَا بِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ نَظِيرَ مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ وَالصُّلْحَ) يَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَبِ أَنْ يَتَقَيَّدَ صُلْحُهُ بِقَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ ط: أَيْ فَلَا يَجُوزُ الْحَطُّ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَالْوَصِيُّ كَالْأَخِ يُصَالِحُ) الْوَصِيُّ مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ يُصَالِحُ خَبَرٌ وَكَالْأَخِ حَالٌ وَالْكَافُ فِيهِ لِلتَّنْظِيرِ، وَالصَّوَابُ إسْقَاطُهُ، لَكِنْ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ أَيْ فِي كَوْنِهِ لَا يَمْلِكُ الْقَوَدَ لَا فِي أَنَّ
(يُصَالِحُ) عَنْ الْقَتْلِ (فَقَطْ) بِقَدْرِ الدِّيَةِ، وَلَهُ الْقَوَدُ فِي الْأَطْرَافِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ (وَالصَّبِيُّ كَالْمَعْتُوهِ) فِيمَا ذُكِرَ
(وَلِلْكِبَارِ الْقَوَدُ قَبْلَ كِبَرِ الصِّغَارِ) خِلَافًا لَهُمَا. وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَتَجَزَّأُ إذَا وُجِدَ سَبَبُهُ كَامِلًا ثَبَتَ لِكُلٍّ عَلَى الْكَمَالِ كَوِلَايَةِ إنْكَاحٍ
ــ
[رد المحتار]
الْأَخَ يُصَالِحُ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِ أَخِيهِ اهـ وَهُوَ بَعِيدٌ.
(قَوْلُهُ يُصَالِحُ عَنْ الْقَتْلِ فَقَطْ) أَيْ لَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ لِمَا مَرَّ، وَلَا الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا مِنْ قَبِيلِهِ ابْنُ كَمَالٍ وَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ قَوْلِهِ عَنْ الْقَتْلِ فَإِنَّ لَهُ الصُّلْحَ عَنْ الطَّرَفِ أَيْضًا، نَعَمْ فِي صُلْحِهِ عَنْ الْقَتْلِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ. وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ الرِّوَايَاتِ اتَّفَقَتْ فِي أَنَّ الْأَبَ لَهُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا وَأَنَّ لَهُ الصُّلْحَ فِيهِمَا جَمِيعًا لَا الْعَفْوَ، وَفِي أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ النَّفْسِ وَيَمْلِكُ مَا دُونَهَا وَيَمْلِكُ الصُّلْحَ فِيمَا دُونَهَا وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ. وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي صُلْحِ الْوَصِيِّ فِي النَّفْسِ عَلَى مَالٍ. فَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هُنَا يَصِحُّ وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ لَا يَصِحُّ اهـ مُلَخَّصًا، وَذَكَرَ الرَّمْلِيُّ تَرْجِيحَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُتَّحِدٌ وَهُوَ التَّشَفِّي هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ) وَلِهَذَا جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ فِي الطَّرَفِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَالصَّبِيُّ كَالْمَعْتُوهِ) أَيْ إذَا قَتَلَ قَرِيبَ الصَّبِيِّ فَلِأَبِيهِ وَوَصِيِّهِ مَا يَكُونُ لِأَبِي الْمَعْتُوهِ وَوَصِيِّهِ فَلِأَبِيهِ الْقَوَدُ وَالصُّلْحُ لَا الْعَفْوُ وَلِلْوَصِيِّ الصُّلْحُ فَقَطْ، وَلَيْسَ لِلْأَخِ وَنَحْوِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ كَمَا قَرَرْنَاهُ فِي الْمَعْتُوهِ، وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ إذَا كَانَ كُلَّهُ لِلصَّغِيرِ لَيْسَ لِلْأَخِ الْكَبِيرِ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ، وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا.
[تَتِمَّةٌ] أَفْتَى الْحَانُوتِيُّ بِصِحَّةِ صُلْحِ وَصِيِّ الصَّغِيرِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّيَةِ إذَا كَانَ الْقَاتِلُ مُنْكِرًا وَلَمْ يَقْدِرْ الْوَصِيُّ عَلَى إثْبَاتِ الْقَتْلِ قِيَاسًا عَلَى الْمَالِ لِمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا صَالَحَ عَنْ حَقِّ الْمَيِّتِ أَوْ عَنْ حَقِّ الصَّغِيرِ عَلَى رَجُلٍ، فَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِالْمَالِ أَوْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِهِ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ الْحَقِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يَجُوزُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَلِلْكِبَارِ الْقَوَدُ إلَخْ) أَيْ إذَا قُتِلَ رَجُلٌ لَهُ وَلِيٌّ كَبِيرٌ وَصَغِيرٌ كَانَ لِلْكَبِيرِ أَنْ يَقْتُلَ قَاتِلَهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ، وَفِي الْأَصْلِ إنْ كَانَ الْكَبِيرُ أَبًا اسْتَوْفَى الْقَوَدَ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا بِأَنْ قُتِلَ عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ أَجْنَبِيَّيْنِ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَفِي الْكَلَامِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْكُلُّ صِغَارًا لَيْسَ لِلْأَخِ وَالْعَمِّ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ كَمَا فِي جَامِعِ الصَّفَّارِ، فَقِيلَ يُنْتَظَرُ بُلُوغُ أَحَدِهِمْ، وَقِيلَ يَسْتَوْفِي السُّلْطَانُ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَالْقَاضِي كَالسُّلْطَانِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْكُلُّ كِبَارًا لَيْسَ لِلْبَعْضِ أَنْ يَقْتَصَّ دُونَ الْبَعْضِ وَلَا أَنْ يُوَكِّلَ بِاسْتِيفَائِهِ؛ لِأَنَّ فِي غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ احْتِمَالَ الْعَفْوِ فَالْقِصَاصُ يَسْتَحِقُّهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ مَالَهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَاضِي كَمَا فِي الْخِزَانَةِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً لَمْ يَكُنْ لِلْكَبِيرِ إلَّا اسْتِيفَاءُ حِصَّةِ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْجَامِعِ قُهُسْتَانِيُّ، وَقَوْلُهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَاضِي أَيْ قَضَاؤُهُ: فَمَنْ لَهُ الْقِصَاصُ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ سَوَاءٌ قُضِيَ بِهِ أَوْ لَا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكُ الْكَبِيرُ أَبًا لِلصَّغِيرِ نِهَايَةٌ. وَقَاسَاهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ كَبِيرَيْنِ وَأَحَدُهُمَا غَائِبٌ (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ إلَخْ) اسْتِدْلَالٌ لِقَوْلِ الْإِمَامِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَهُ أَنَّهُ حَقٌّ لَا يَتَجَزَّأُ لِثُبُوتِهِ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْقَرَابَةُ وَاحْتِمَالُ الْعَفْوِ مِنْ الصَّغِيرِ مُنْقَطِعٌ أَيْ فِي الْحَالِ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَامِلًا كَمَا فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ، بِخِلَافِ الْكَبِيرَيْنِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ ثَابِتٌ اهـ. وَاعْتَرَضَ سَعْدِيٌّ كَوْنَ السَّبَبِ هُوَ الْقَرَابَةُ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَلَا قَرَابَةَ. وَأَجَابَ الطُّورِيُّ بِأَنَّهُ عَلَى
وَأَمَانٍ (إلَّا إذَا كَانَ الْكَبِيرُ أَجْنَبِيًّا عَنْ الصَّغِيرِ فَلَا) يَمْلِكُ الْقَوَدَ (حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ) إجْمَاعًا زَيْلَعِيٌّ فَلْيُحْفَظْ.
(وَلَوْ قَتَلَ الْقَاتِلَ أَجْنَبِيٌّ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ فِي) الْقَتْلِ (الْعَمْدِ) ؛ لِأَنَّهُ مَحْقُونُ الدَّمِ بِالنَّظَرِ لِقَاتِلِهِ كَمَا مَرَّ (وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) أَيْ الْقَاتِلِ (فِي الْخَطَأِ، وَلَوْ قَالَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ بَعْدَ الْقَتْلِ) أَيْ بَعْدَ قَتْلِ الْأَجْنَبِيِّ (كُنْت أَمَرْته بِقَتْلِهِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ) عَلَى مَقَالَتِهِ (لَا يُصَدَّقُ) وَيُقْتَلُ الْأَجْنَبِيُّ دُرَرٌ، بِخِلَافِ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي دَارِ رَجُلٍ فَمَاتَ فِيهَا شَخْصٌ فَقَالَ رَبُّ الدَّارِ كُنْت أَمَرْتُهُ بِالْحَفْرِ صُدِّقَ مُجْتَبًى، يَعْنِي؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ لِلْحَالِ فَيُصَدَّقُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ بِالْقَتْلِ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ حَقَّ الْوَلِيِّ يَسْقُطُ رَأْسًا كَمَا لَوْ مَاتَ الْقَاتِلُ حَتْفَ أَنْفِهِ. (وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا) وَفِي الْمُجْتَبَى وَالدُّرَرِ:
ــ
[رد المحتار]
التَّغْلِيبِ، أَوْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الِاتِّصَالُ الْمُوجِبُ لِلْإِرْثِ (قَوْلُهُ وَأَمَانٍ) أَيْ أَمَانِ الْمُسْلِمِ الْحَرْبِيَّ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ الْكَبِيرُ أَجْنَبِيًّا عَنْ الصَّغِيرِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: بِأَنْ كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ صَغِيرٍ وَأَجْنَبِيٍّ فَقُتِلَ عَمْدًا لَيْسَ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ قَبْلَ بُلُوغِهِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ أَبٌ فَيَسْتَوْفِيَانِهِ حِينَئِذٍ اهـ. ثُمَّ قَالَ نَاقِلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمِلْكُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَكَامِلٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ السَّبَبَ فِيهِ الْقَرَابَةُ وَهُوَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ وَتَمَامُهُ فِيهِ.
مَبْحَثٌ شَرِيفٌ وَظَاهِرُ هَذَا التَّصْوِيرِ وَالتَّعْلِيلِ، وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْأَصْلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَجْنَبِيِّ مَنْ كَانَ شَرِيكًا فِي الْمِلْكِ لَا فِي الْقَرَابَةِ فَلَوْ قُتِلَ رَجُلٌ وَلَهُ ابْنُ عَمَّةٍ كَبِيرٌ وَابْنُ خَالَةٍ صَغِيرٌ وَهُمَا أَجْنَبِيَّانِ فَلِلْكَبِيرِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْقَرَابَةُ لِلْمَقْتُولِ وَهُوَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ، وَكَذَا لَوْ قُتِلَ عَنْ زَوْجَةٍ وَابْنٍ صَغِيرٍ مِنْ غَيْرِهَا فَلِلزَّوْجَةِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْقَرَابَةِ مَا يَشْمَلُ الزَّوْجِيَّةَ كَمَا مَرَّ وَبِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّلَبِيِّ فِي فَتَاوَاهُ الْمَشْهُورَةِ فِيمَنْ قَتَلَ امْرَأَةً عَمْدًا وَلَهَا زَوْجٌ وَابْنٌ صَغِيرٌ مِنْ غَيْرِهِ فَأَجَابَ لِلزَّوْجِ الْقِصَاصُ قَبْلَ بُلُوغِ الْوَلَدِ، لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا فِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ الْحَانُوتِيِّ حَيْثُ أَفْتَى فِيمَنْ قُتِلَ عَمْدًا وَلَهُ بِنْتٌ بَالِغَةٌ وَابْنٌ صَغِيرٌ وَأَرْبَعُ زَوْجَاتٍ بِأَنَّهُ يَنْتَظِرُ بُلُوغَ الِابْنِ لِكَوْنِ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ أَجْنَبِيَّاتٍ عَنْهُ أَخْذًا مِنْ عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي ذَلِكَ
(قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ أَوَّلَ الْفَصْلِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ وَلِيَّ الْقِصَاصِ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ وَأَمْرُ غَيْرِهِ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، لَكِنْ لَيْسَ لِلْغَيْرِ اسْتِيفَاؤُهُ بِغَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ أَيْ بَعْدَ قَتْلِ الْأَجْنَبِيِّ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى فَاعِلِهِ (قَوْلُهُ كُنْت أَمَرْتُهُ) أَيْ أَمَرْت الْأَجْنَبِيَّ (قَوْلُهُ لَا يُصَدَّقُ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إسْقَاطَ حَقِّ غَيْرِهِ وَهُوَ وَلِيُّ الْقَاتِلِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ يَعْنِي إلَخْ) أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ، وَبِهِ عَلَّلَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ حَيْثُ قَالَ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ (قَوْلُهُ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ) وَهِيَ أَنَّ مَنْ حَكَى أَمْرًا إنْ مَلَكَ اسْتِئْنَافَهُ لِلْحَالِ صُدِّقَ وَإِلَّا فَلَا؛ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ أَنَّهُ رَاجَعَهَا صُدِّقَ، وَلَوْ بَعْدَهَا فَلَا إنْ كَذَّبَتْهُ إلَّا بِبُرْهَانٍ، وَهُنَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَ الْإِذْنِ بِالْحَفْرِ وَلَا يَمْلِكُ الْإِذْنَ بِالْقَتْلِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَهُوَ الْمَقْتُولُ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ إلَخْ) أَيْ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَوْ قَتَلَ الْقَاتِلَ أَجْنَبِيٌّ وَجَبَ الْقِصَاصُ إلَخْ أَنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ يَسْقُطُ حَقُّهُ رَأْسًا أَيْ يَسْقُطُ مِنْ الدِّيَةِ كَمَا سَقَطَ مِنْ الْقِصَاصِ، مِثْلُ لَوْ مَاتَ الْقَاتِلُ بِلَا قَتْلِ أَحَدٍ.
وَوَجْهُ الظُّهُورِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ عَيْنًا فَلَا يَصِيرُ مَالًا إلَّا بِالتَّرَاضِي وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا ثُمَّ رَأَيْته فِي التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ قَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِذَا قُتِلَ الْقَاتِلُ بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ سَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ بِغَيْرِ مَالٍ، وَكَذَا إذَا مَاتَ (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ) إلَخْ أَيْ اسْتَوْفَى الْقِصَاصَ الْوَاجِبَ
دَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ إنْ عَلِمَ أَنَّ عَفْوَ بَعْضِهِمْ يُسْقِطُ حَقَّهُ يُقَادُ وَإِلَّا فَلَا وَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ، بِخِلَافِ مُمْسِكِ رَجُلٍ لِيَقْتُلَ عَمْدًا فَقَتَلَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْمُمْسِكَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُشْكِلُ عَلَى النَّاسِ.
(جَرَحَ إنْسَانًا وَمَاتَ) الْمَجْرُوحُ (فَأَقَامَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبِ الْجُرْحِ، وَأَقَامَ الضَّارِبُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَرِيءَ) مِنْ الْجُرْحِ (وَمَاتَ بَعْدَ مُدَّةٍ فَبَيِّنَةُ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَوْلَى) كَذَا فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ مَعْزِيًّا لِلْحَاوِي. (أَقَامَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ جَرَحَهُ زَيْدٌ وَقَتَلَهُ وَأَقَامَ زَيْدٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الْمَقْتُولَ قَالَ إنَّ زَيْدًا لَمْ يَجْرَحْنِي وَلَمْ يَقْتُلْنِي فَبَيِّنَةُ زَيْدٍ أَوْلَى) كَذَا فِي الْمُشْتَمِلِ مَعْزِيًّا لِمَجْمَعِ الْفَتَاوَى. (قَالَ الْمَجْرُوحُ لَمْ يَجْرَحْنِي فُلَانٌ ثُمَّ مَاتَ) الْمَجْرُوحُ (وَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ الدَّعْوَى عَلَى الْجَارِحِ بِهَذَا السَّبَبِ) مُطْلَقًا، وَقِيلَ إنْ كَانَ الْجُرْحُ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ النَّاسِ قُبِلَتْ قُنْيَةٌ.
ــ
[رد المحتار]
لِجَمَاعَةٍ، وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ قَوْلِهِ وَلَوْ قَتَلَ الْقَاتِلَ أَجْنَبِيٌّ فَإِنَّهَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ مَا قَبْلَهَا، وَقَدْ ذَكَرَهَا الشُّرَّاحُ تَأْيِيدًا لِأَصْلِ الْإِمَامِ أَنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ لِكُلٍّ عَلَى الْكَمَالِ فَقَالُوا: وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمْ لَا يَضْمَنُ لِلْبَاقِينَ شَيْئًا وَلَا لِلْقَاتِلِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَمِيعُ الْقِصَاصِ وَاجِبًا لَهُ لَكَانَ ضَامِنًا بِاسْتِيفَاءِ الْكُلِّ (قَوْلُهُ دَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ) أَيْ وَجَبَ لَهُمَا عَلَى آخَرَ وَعِبَارَةُ الدُّرَرِ مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا.
وَأَمَّا عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى فَنَصُّهَا: وَلَوْ كَانَ الدَّمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعَفْوِ شَرِيكِهِ يُقْتَلُ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا وَإِنْ عَلِمَ بِعَفْوِهِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِحُرْمَتِهِ وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهُ يَحِلُّ لِي قَتْلُهُ لَا يُقْتَلُ وَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ، وَإِنْ عَلِمَ بِالْحُرْمَةِ يُقْتَلُ سَوَاءٌ قَضَى الْقَاضِي بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ فِي نَصِيبِ السَّاكِتِ أَوْ لَمْ يَقْضِ، وَهَذَا كَمَنْ أَمْسَكَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ الْآخَرُ عَمْدًا فَقَتَلَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْمُمْسِكِ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ قَضَى الْقَاضِي بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ عَنْ الْمُمْسِكِ أَوْ لَمْ يَقْضِ اهـ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا وَالْمُمْسِكَ بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ قَتَلَ، وَفِي تَعْبِيرِهِ نَوْعُ خَفَاءٍ وَمُؤَدَّاهُ مَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ مِمَّا لَا يُشْكِلُ عَلَى النَّاسِ) أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ أَنَّ الْمُمْسِكَ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ، بِخِلَافِ مَنْ عَفَا عَنْهُ أَحَدُ أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ فَإِنَّهُ يَخْفَى أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّ الْبَاقِي أَوْ لَا، بَلْ فِي الدُّرَرِ عَلَى الْمُحِيطِ أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ؛ فَعِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِعَفْوِ أَحَدِهِمَا فَصَارَ ظَنُّهُ شُبْهَةً
(قَوْلُهُ فَبَيِّنَةُ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَوْلَى) هَذَا مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَضَادَّتَيْنِ. وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ بَيِّنَةَ الْأَوْلِيَاءِ مُثْبِتَةٌ وَبَيِّنَةَ الضَّارِبِ نَافِيَةٌ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الدَّعْوَى بِقَوْلِهِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ ضَرَبَ بَطْنَ أَمَتِهِ وَمَاتَتْ بِضَرْبِهِ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الدَّفْعِ إنَّهَا خَرَجَتْ بَعْدَ الضَّرْبِ عَلَى السُّوقِ لَا يَصِحُّ الدَّفْعُ؛ وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا صَحَّتْ بَعْدَ الضَّرْبِ يَصِحُّ؛ وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ هَذَا عَلَى الصِّحَّةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْمَوْتِ بِالضَّرْبِ فَبَيِّنَةُ الصِّحَّةِ أَوْلَى كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمُشْتَمِلِ الْأَحْكَامِ، وَبِهِ أَفْتَى الْفَاضِلُ أَبُو السُّعُودِ اهـ كَذَا فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَةِ لِلشَّيْخِ غَانِمٍ الْبَغْدَادِيِّ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مَشَى عَلَيْهِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ قُبَيْلَ بَابِ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَبَيِّنَةُ زَيْدٍ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْحَقِّ لَا عَلَى النَّفْيِ ط (قَوْلُهُ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ الدَّعْوَى) ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَدَّعِي الْحَقَّ لِلْمَيِّتِ أَوَّلًا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِالْإِرْثِ، وَالْمُوَرِّثُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ فَكَذَا لَا تَصِحُّ دَعْوَى مَنْ يَدَّعِي لَهُ وَلْوَالِجِيَّةٌ، وَقُيِّدَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْقَوْلِ لِمَنْ بِقَوْلِهِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ هَذَا إذَا كَانَ الْجَارِحُ أَجْنَبِيًّا، فَإِنْ كَانَ وَارِثًا لَا يَصِحُّ اهـ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُحِيطِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ خَطَأً؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي الْمَعْنَى إبْرَاءً لِوَرَثَتِهِ عَنْ الْمَالِ. وَقَيَّدَ ط كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ مُقَيَّدٌ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ خَطَأً وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنَّهَا تَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ وَيَسْقُطُ مِنْ
وَفِي الدُّرَرِ عَنْ الْمَسْعُودِيَّةِ: لَوْ عَفَا الْمَجْرُوحُ أَوْ الْأَوْلِيَاءُ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ جَازَ الْعَفْوُ اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: جَرِيحٌ قَالَ قَتَلَنِي فُلَانٌ وَمَاتَ فَبَرْهَنَ وَارِثُهُ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ لَمْ تُسْمَعْ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْمُورَثِ وَقَدْ أَكْذَبَهُمْ وَلَوْ قَالَ: جَرَحَنِي فُلَانٌ وَمَاتَ فَبَرْهَنَ ابْنُهُ عَلَى ابْنِ آخَرَ أَنَّهُ جَرَحَهُ خَطَأً قُبِلَتْ لِقِيَامِهَا عَلَى حِرْمَانِهِ الْإِرْثَ.
(سَقَاهُ سُمًّا حَتَّى مَاتَ، إنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ حَتَّى أَكَلَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَمَاتَ لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ لَكِنَّهُ يُحْبَسُ وَيُعَزَّرُ، وَلَوْ أَوْجَرَهُ) السُّمَّ (إيجَارًا تَجِبُ الدِّيَةُ) عَلَى عَاقِلَتِهِ (وَإِنْ دَفَعَهُ لَهُ فِي شَرْبَةٍ فَشَرِبَهُ وَمَاتَ) مِنْهُ (فَكَالْأَوَّلِ) ؛ لِأَنَّهُ شَرِبَ مِنْهُ بِاخْتِيَارِهِ إلَّا أَنَّ الدَّفْعَ خُدْعَةٌ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا التَّعْزِيرُ وَالِاسْتِغْفَارُ خَانِيَّةٌ (وَإِنْ قَتَلَهُ بِمَرٍّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ: مَا يُعْمَلُ فِي الطِّينِ (يُقْتَصُّ إنْ أَصَابَهُ حَدُّ الْحَدِيدِ) أَوْ ظَهْرُهُ وَجَرَحَهُ إجْمَاعًا كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْمُجْتَبَى (وَإِلَّا) يُصِبْهُ حَدُّهُ بَلْ قَتَلَهُ بِظَهْرِهِ وَلَمْ يَجْرَحْهُ (لَا) يُقْتَصُّ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ، وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُقْتَصُّ بِلَا جُرْحٍ فِي حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَذَهَبٍ وَنَحْوِهَا، وَعَزَاهُ فِي الدُّرَرِ لِقَاضِي خَانْ؛ لَكِنْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْخُلَاصَةِ
ــ
[رد المحتار]
الدِّيَةِ ثُلُثُهَا وَيُعَدُّ قَوْلُهُ لَمْ يَجْرَحْنِي إسْقَاطًا لِلْمَالِ فَلَا يَنْفُذُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ اهـ وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ (قَوْلُهُ وَفِي الدُّرَرِ عَنْ الْمَسْعُودِيَّةِ إلَخْ) تَكْرَارٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ قُبَيْلَ قَوْلِهِ لَا قَوَدَ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ مُسْلِمًا اهـ ح (قَوْلُهُ عَلَى آخَرَ) أَيْ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ أَجْنَبِيٍّ عَنْ الْمُوَرِّثِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَقَدْ أَكْذَبَهُمْ) أَيْ أَكْذَبَ الشُّهُودَ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ (قَوْلُهُ فَبَرْهَنَ ابْنُهُ عَلَى ابْنٍ آخَرَ) عِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ: فَبَرْهَنَ ابْنُهُ أَنَّ فُلَانًا آخَرَ جَرَحَهُ، وَالصَّوَابُ مَا هُنَا وَلِذَا قَالَ الْبِيرِيُّ: إنَّ مَا فِي الْأَشْبَاهِ خِلَافُ الْمَنْقُولِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ لِقِيَامِهَا عَلَى حِرْمَانِهِ الْإِرْثَ) بَيَانٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا إذَا أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَلَا تُقْبَلُ كَمَا تَقَدَّمَ وَبَيْنَ مَا إذَا أُقِيمَتْ عَلَى ابْنِ الْمَجْرُوحِ. قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَوَجْهُهُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عَلَى حِرْمَانِ الْوَلَدِ الْإِرْثَ فَلَمَّا أَجَزْنَا ذَلِكَ فِي الْمِيرَاثِ جَعَلْنَا الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِ اهـ
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ) وَكَذَا إذَا عَلِمَ بِالْأَوْلَى ط (قَوْلُهُ لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ) وَيَرِثُ مِنْهُ هِنْدِيَّةٌ ط (قَوْلُهُ حَتَّى أَكَلَهُ) أَيْ بِاخْتِيَارِهِ، وَالْأَوْلَى حَتَّى شَرِبَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَوْجَرَهُ إلَخْ) أَيْ صَبَّهُ فِي حَلْقِهِ عَلَى كُرْهٍ، وَكَذَا لَوْ نَاوَلَهُ وَأَكْرَهَهُ عَلَى شُرْبِهِ حَتَّى شَرِبَ فَلَا قِصَاصَ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ تَتَارْخَانِيَّةٌ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَصْلِ مُطْلَقًا بِلَا خِلَافٍ وَلَمْ يُفَصِّلْ. وَلَا يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِمَا لَا يَجْرَحُ فَكَانَ خَطَأَ الْعَمْدِ عَلَى مَذْهَبِهِ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عِنْدَ هُمَا عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ مَا أَوْجَرَ مِنْ السُّمِّ مِقْدَارًا يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا فَهُوَ عَمْدٌ وَإِلَّا فَخَطَأُ الْعَمْدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمْ جَمِيعًا خَطَأُ الْعَمْدِ مُطْلَقًا اهـ مُلَخَّصًا: وَذَكَرَ السَّائِحَانِيُّ أَنَّ شَيْخَهُ أَبَا السُّعُودِ ذَكَرَ فِي بَابِ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَنَّهُ لَوْ قُتِلَ بِالسُّمِّ قِيلَ يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ النَّارِ وَالسِّكِّينِ، وَرَجَّحَهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ اهـ أَيْ إذَا أَوْجَرَهُ أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى شُرْبِهِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا التَّعْزِيرُ وَالِاسْتِغْفَارُ) أَيْ لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً بِتَسَبُّبِهِ لِقَتْلِ النَّفْسِ.
[تَنْبِيهٌ] أَقَرَّ أَنَّهُ أَهْلَكَ فُلَانًا بِالدُّعَاءِ أَوْ بِالسِّهَامِ الْبَاطِنَةِ أَوْ بِقِرَاءَةِ الْأَنْفَالِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى ادِّعَاءِ عِلْمِ الْغَيْبِ الْمَنْفِيِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: " لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إلَّا اللَّهُ " وَلَمْ يُوجَدْ نَصٌّ بِإِهْلَاكِهِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَبِالْإِقْرَارِ كَاذِبًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِبُنُوَّةِ رَجُلٍ هُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْمُقِرِّ سِنًّا، وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَهْلَكَ فُلَانًا بِقِرَاءَةِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْقَهْرِيَّةِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ لِوُقُوعِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ آلَةِ الْقَتْلِ وَسَبَبِهِ اهـ بِيرِيٌّ عَنْ حَاوِي الْقُنْيَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِالْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مَا يُعْمَلُ بِهِ فِي الطِّينِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ: الْمَرُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ: وَهُوَ خَشَبَةٌ طَوِيلَةٌ فِي رَأْسِهَا حَدِيدَةٌ عَرِيضَةٌ مِنْ فَوْقِهَا خَشَبَةٌ عَرِيضَةٌ يَضَعُ الرَّجُلُ رِجْلَهُ عَلَيْهَا وَيَحْفِرُ بِهَا الْأَرْضَ (قَوْلُهُ بَلْ قَتَلَهُ بِظَهْرِهِ إلَخْ) وَإِنْ أَصَابَهُ بِالْعُودِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ، وَقَدْ مَرَّتْ أَوَّلَ
أَنَّ الْأَصَحَّ اعْتِبَارُ الْجُرْحِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِوُجُوبِ الْقَوَدِ، وَعَلَيْهِ جَرَى ابْنُ الْكَمَالِ. وَفِي الْمُجْتَبَى: ضَرَبَ بِسَيْفٍ فِي غِمْدِهِ فَخَرَقَ السَّيْفُ الْغِمْدَ وَقَتَلَهُ فَلَا قَوَدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (كَالْخَنِقِ وَالتَّغْرِيقِ) خِلَافًا لَهُمَا وَالشَّافِعِيِّ. وَلَوْ أَدْخَلَهُ بَيْتًا فَمَاتَ فِيهِ جُوعًا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا وَقَالَا: تَجِبُ الدِّيَةُ وَلَوْ دَفَنَهُ حَيًّا فَمَاتَ، عَنْ مُحَمَّدٍ يُقَادُ بِهِ مُجْتَبًى بِخِلَافِ قَتْلِهِ بِمُوَالَاةِ ضَرْبِ السَّوْطِ كَمَا سَيَجِيءُ. وَفِيهِ: لَوْ اعْتَادَ الْخَنْقَ قُتِلَ سِيَاسَةً وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ
ــ
[رد المحتار]
الْكِتَابِ مِعْرَاجٌ: أَيْ يَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ (قَوْلُهُ أَنَّ الْأَصَحَّ اعْتِبَارُ الْجَرْحِ إلَخْ) صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ أَيْضًا، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ الشُّرَّاحُ فَكَانَ النَّقْلُ عَنْهَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى.
(قَوْلُهُ فَلَا قَوَدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ضَرْبَهُ بِآلَةٍ جَارِحَةٍ وَلْوَالِجِيَّةٌ. أَقُولُ: وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْرِيفِ الْعَمْدِ بِأَنْ يَتَعَمَّدَ ضَرْبَهُ بِآلَةٍ تُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ ضَرْبَهُ بِالسَّيْفِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ لِحُصُولِ الْجُرْحِ بِآلَةِ الْقَتْلِ مَعَ قَصْدِ الضَّرْبِ. وَأَمَّا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُجْتَبَى أَوَّلَ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَمْدِ قَصْدُ الْقَتْلِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ بَعْدَ قَصْدِ ضَرْبِهِ بِالْمُحَدَّدِ لَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ الْقَتْلِ، فَالشَّرْطُ هُوَ قَصْدُ الضَّرْبِ دُونَ الْقَتْلِ، ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْقَتْلِ بِالْمُحَدَّدِ كَوْنُهُ عَمْدًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ خَطَأً فَلِذَا شُرِطَ قَصْدُ الضَّرْبِ بِهِ وَهُنَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ ضَرْبَهُ بِالسَّيْفِ لَمْ يَكُنْ عَمْدًا وَإِنْ حَصَلَ الْقَتْلُ بِهِ (قَوْلُهُ كَالْخَنِقِ) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا لَا. وَالْخَنِقُ بِكَسْرِ النُّونِ قَالَ الْفَارَابِيُّ وَلَا يُقَالُ بِالسُّكُونِ وَهُوَ مَصْدَرُ خَنَقَهُ: إذَا عَصَرَ حَلْقَهُ؛ وَالْخَنَّاقُ فَاعِلُهُ وَالْخِنَاقُ بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ: مَا يُخْنَقُ بِهِ مِنْ حَبْلٍ أَوْ وَتَرٍ اهـ مَغْرِبٌ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَعِنْدَهُمَا فِيهِ الْقَوَدُ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: هَذَا إذَا دَامَ عَلَى الْخَنِقِ حَتَّى مَاتَ؛ أَمَّا إذَا تَرَكَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ يُنْظَرُ إنْ دَامَ عَلَى الْخَنِقِ بِمِقْدَارِ مَا يَمُوتُ مِنْهُ الْإِنْسَانُ غَالِبًا يَجِبُ الْقِصَاصُ عِنْدَهُمَا وَإِلَّا فَلَا إجْمَاعًا اهـ.
وَكَذَا فِي التَّغْرِيقِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ عَظِيمًا بِحَيْثُ لَا تُمْكِنُهُ النَّجَاةُ لِيَكُونَ عِنْدَهُمَا عَمْدًا مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ، فَلَوْ قَلِيلًا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا أَوْ عَظِيمًا تُمْكِنُ النَّجَاةُ مِنْهُ بِالسِّبَاحَةِ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مَشْدُودٍ وَهُوَ يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ أَفَادَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ أَدْخَلَهُ بَيْتًا) كَذَا أَطْلَقَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ. وَفِيهَا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ قَيَّدَهُ وَحَبَسَهُ فِي بَيْتٍ إلَخْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخُرُوجِ سَوَاءٌ قَيَّدَهُ أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَقَالَا تَجِبُ الدِّيَةُ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ وَالْكُبْرَى تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ.
وَفِيهَا عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ: تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَأَمَّلْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ ط أَوَّلَ الْكِتَابِ: وَفِي شَرْحِ الْحَمَوِيِّ عَنْ خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ: وَلَوْ طَرَحَهُ فِي بِئْرٍ أَوْ مِنْ ظَهْرِ جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ، وَلَوْ طَيَّنَ عَلَى إنْسَانٍ بَيْتًا حَتَّى مَاتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا لَمْ يَضْمَنْ: وَقَالَا عَلَيْهِ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ فِي زَمَانِنَا لِمَنْعِ الظَّلَمَةِ مِنْ الظُّلْمِ اهـ (قَوْلُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ يُقَادُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عِنْدَهُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ الْقَوَدُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمِعْرَاجِ أَوْ عَلَى أَنَّ هَذَا عَمْدٌ. فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة يُقَادُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَالْفَتْوَى أَنَّهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ اهـ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا حَبَسَهُ حَتَّى مَاتَ جُوعًا حَيْثُ كَانَ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ هُوَ أَنَّ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِنْسَانِ، أَمَّا هُنَا فَقَدْ مَاتَ غَمًّا وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِهِ فَيُضَافُ لِلْفَاعِلِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قَتْلِهِ إلَخْ) فَإِنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهِ. قَالَ الأتقاني: إذَا وَالَى الضَّرَبَاتِ بِالسَّوْطِ الصَّغِيرِ وَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ لَا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ إذَا وَالَى عَلَى وَجْهٍ لَا تَحْتَمِلُهُ النَّفْسُ عَادَةً اهـ وَنُقِلَ قَبْلَهُ أَنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا عَمْدٌ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) لَمْ أَرَهُ (قَوْلُهُ لَوْ اعْتَادَ الْخَنِقَ إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ خَنَقَ رَجُلًا لَا يُقْتَلُ إلَّا إذَا
لَوْ بَعْدَ مَسْكِهِ كَالسَّاحِرِ.
وَفِيهِ (قَمَطَ رَجُلًا وَطَرَحَهُ قُدَّامَ أَسَدٍ أَوْ سَبُعٍ فَقَتَلَهُ فَلَا قَوَدَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ وَيُعَزَّرُ وَيُضْرَبُ وَيُحْبَسُ إلَى أَنْ يَمُوتَ) زَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَعَنْ الْإِمَامِ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَلَوْ قَمَطَ صَبِيًّا وَأَلْقَاهُ فِي الشَّمْسِ أَوْ الْبَرْدِ حَتَّى مَاتَ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: قَمَطَ رَجُلًا وَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ فَرَسَّبَ وَغَرِقَ كَمَا أَلْقَاهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ سَبَحَ سَاعَةً ثُمَّ غَرِقَ فَلَا دِيَةَ لِأَنَّهُ غَرِقَ بِعَجْزِهِ، وَفِي الْأُولَى غَرِقَ بِطَرْحِهِ فِي الْمَاءِ.
(قَطَعَ عُنُقَهُ وَبَقِيَ مِنْ الْحُلْقُومِ قَلِيلٌ وَفِيهِ الرُّوحُ فَقَتَلَهُ آخَرُ فَلَا قَوَدَ فِيهِ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ. (وَلَوْ قَتَلَهُ وَهُوَ فِي) حَالَةِ (النَّزْعِ)(قُتِلَ بِهِ) إلَّا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ مِنْهُ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: شَقَّ بَطْنَهُ بِحَدِيدَةٍ وَقَطَعَ آخَرُ عُنُقَهُ، وَإِنْ تَوَهَّمَ بَقَاءَهُ حَيًّا بَعْدَ الشَّقِّ قُتِلَ قَاطِعُ الْعُنُقِ وَإِلَّا قُتِلَ الشَّاقُّ وَعُزِّرَ الْقَاطِعُ.
ــ
[رد المحتار]
كَانَ خَنَّاقًا مَعْرُوفًا خَنَقَ غَيْرَ وَاحِدٍ فَيُقْتَلُ سِيَاسَةً اهـ. وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ قُبَيْلَ كِتَابِ الْجِهَادِ، وَإِلَّا بِأَنْ خَنَقَ مَرَّةً لَا يُقْتَلُ ذَكَرَهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هُنَاكَ وَمَنْ تَكَرَّرَ الْخَنِقُ مِنْهُ فِي الْمِصْرِ قُتِلَ بِهِ، وَمُفَادُهُ أَنَّ التَّكْرَارَ يَحْصُلُ بِمَرَّتَيْنِ ثُمَّ هَذَا غَيْرُ خَاصٍّ بِالْخَنِقِ لِمَا قَدَّمَهُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُ سِيَاسَةً (قَوْلُهُ لَوْ بَعْدَ مَسْكِهِ) أَيْ بَعْدَ مَا وَقَعَ فِي يَدِ الْإِمَامِ وَإِنْ تَابَ قَبْلَهُ قُبِلَتْ مُجْتَبًى
(قَوْلُهُ فَلَا قَوَدَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ) وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَهُ فِي بَيْتٍ وَأَدْخَلَ مَعَهُ سَبُعًا وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ فَقَتَلَهُ السَّبُعُ، وَكَذَا لَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ أَوْ لَسَعَتْهُ عَقْرَبٌ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِصَبِيٍّ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ تَتَارْخَانِيَّةٌ وَنَقَلَ ط مِثْلَهُ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ، وَقَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ: أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَتْلُ الْعَمْدِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ تَأَمَّلْ. وَانْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالرَّجُلِ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ قُبَيْلَ بَابِ الْقَسَامَةِ لَوْ غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَمَاتَ بِصَاعِقَةٍ أَوْ نَهْشِ حَيَّةٍ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ، وَعَلَّلَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ بِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ نُقِلَ الْحُرُّ الْكَبِيرُ مُقَيَّدًا وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ضَمِنَ إلَخْ، وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا هُنَا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ، وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَلَوْ قَمَطَ صَبِيًّا إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَذَكَرَ قَبْلَهُ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَمَطَ صَبِيًّا أَوْ رَجُلًا ثُمَّ وَضَعَهُ فِي الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ اهـ أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا قَدَّمْنَا تَأَمَّلْ. وَلْيُنْظَرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّمْسِ وَبَيْنَ السَّبُعِ فَإِنَّهُ لَا حُكْمَ لِفِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَفِي كُلٍّ هُوَ مُتَسَبِّبٌ بِالْقَتْلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ فَرَسَبَ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: رَسَبَ فِي الْمَاءِ رُسُوبًا: سَفَلَ مِنْ بَابِ طَلَبَ (قَوْلُهُ وَغَرِقَ إلَخْ) أَيْ وَعُلِمَ مَوْتُهُ مِنْهُ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ أَنَّهُ حِينَ طُرِحَ رَسَبَ فِي الْمَاءِ وَلَا يَدْرِي مَاتَ أَوْ خَرَجَ وَلَمْ يُرَ لَهُ أَثَرٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ (قَوْلُهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ) أَيْ مُغَلَّظَةٌ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَبَحَ سَاعَةً إلَخْ) وَكَذَا لَوْ كَانَ جَيِّدَ السِّبَاحَةِ تَتَارْخَانِيَّةٌ
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ) فَلَوْ مَاتَ ابْنُهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَرِثَهُ ابْنُهُ وَلَمْ يَرِثْ هُوَ مِنْ ابْنِهِ ذَخِيرَةٌ ط (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ يَعْلَمُ إلَخْ) تَبِعَ فِيهِ الْمُصَنِّفَ فِي الْمِنَحِ، وَصَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ الْقَاتِلُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ بِهِ فَإِنَّهُ الَّذِي رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ والتتارخانية وَالْبَزَّازِيَّةِ (قَوْلُهُ شَقَّ بَطْنَهُ إلَخْ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة: شَقَّ بَطْنَهُ وَأَخْرَجَ أَمْعَاءَهُ ثُمَّ ضَرَبَ رَجُلٌ عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ عَمْدًا فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ خَطَأً تَجِبُ الدِّيَةُ وَعَلَى الشَّاقِّ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَإِنْ نَفَذَتْ إلَى جَانِبٍ آخَرَ فَثُلُثَاهَا، هَذَا إذَا كَانَ مِمَّا يَعِيشُ بَعْدَ الشَّقِّ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يُتَوَهَّمُ مَعَهُ وُجُودُ الْحَيَاةِ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ إلَّا اضْطِرَابُ الْمَوْتِ، فَالْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ فَيُقْتَصُّ بِالْعَمْدِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ بِالْخَطَأِ اهـ مُلَخَّصًا، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ هُوَ فِي النِّزَاعِ أَنَّ النِّزَاعَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فَإِنَّ الْمَرِيضَ قَدْ يَصِلُ إلَى حَالَةِ شِبْهِ النِّزَاعِ بَلْ قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ وَيُفْعَلُ بِهِ كَالْمَوْتَى ثُمَّ يَعِيشُ بَعْدَهُ
(وَمَنْ جَرَحَ رَجُلًا عَمْدًا فَصَارَ ذَا فِرَاشٍ وَمَاتَ يُقْتَصُّ) إلَّا إذَا وُجِدَ مَا يَقْطَعُهُ كَحَزِّ الرَّقَبَةِ وَالْبُرْءِ مِنْهُ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ عَفَا الْمَجْرُوحُ أَوْ الْأَوْلِيَاءُ قَبْلَ مَوْتِهِ صَحَّ اسْتِحْسَانًا
(وَإِنْ مَاتَ) شَخْصٌ (بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَزَيْدٍ وَأَسَدٍ وَحَيَّةٍ ضَمِنَ زَيْدٌ ثُلُثَ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ إنْ) كَانَ الْقَتْلُ (عَمْدًا وَإِلَّا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ هَدَرٌ فِي الدَّارَيْنِ وَفِعْلُ زَيْدٍ مُعْتَبَرٌ فِي الدَّارَيْنِ وَفِعْلُ نَفْسِهِ هَدَرٌ فِي الدُّنْيَا لَا الْعُقْبَى حَتَّى يَأْثَم بِالْإِجْمَاعِ فَصَارَتْ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ وَمُفَادُهُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي الْمَقْتُولِ التَّكْلِيفُ لِيَصِيرَ فِعْلُهُ جِنْسًا آخَرَ غَيْرَ جِنْسِ فِعْلِ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ لَوْ تَعَدَّدَ قَاتِلُهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَ كُلِّ جِنْسٍ وَاحِدٌ ابْنُ كَمَالٍ.
(وَيَجِبُ قَتْلُ مَنْ شَهَرَ سَيْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ) يَعْنِي فِي الْحَالِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْكَمَالِ حَيْثُ غَيَّرَ عِبَارَةَ الْوِقَايَةِ فَقَالَ: وَيَجِبُ دَفْعُ مَنْ شَهَرَ سَيْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ بِقَتْلِهِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ ضَرَرِهِ إلَّا بِهِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ: أَيْ
ــ
[رد المحتار]
طَوِيلًا، بِخِلَافِ مَنْ شُقَّ بَطْنُهُ وَأُخْرِجَ أَمْعَاؤُهُ فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ مَوْتُهُ، لَكِنْ إذَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْحَيَاةِ مَا يَعِيشُ مَعَهَا يَوْمًا فَإِنَّهَا حَيَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا كَمَا مَرَّ فِي الذَّبَائِحِ فَلِذَا كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يَضْطَرِبُ اضْطِرَابَ الْمَوْتِ مِنْ الشَّقِّ فَالْحَيَاةُ فِيهِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ أَصْلًا فَهُوَ مَيِّتٌ حُكْمًا فَلِذَا كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ إلَّا إذَا وَجَدَ مَا يَقْطَعُهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ لِمَوْتِهِ فَيُحَالُ الْمَوْتُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْطَعُهُ كَحَزِّ الرَّقَبَةِ وَالْبُرْءِ مِنْهُ اهـ وَالْحَزُّ بِالْمُهْمَلَةِ فَالْمُعْجَمَةُ: الْقَطْعُ، وَالضَّمِيرُ فِي مِنْهُ لِلْجُرْحِ (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا إلَخْ) أَيْ فِي هَذَا الْفَصْلِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى قَاطِعٍ آخَرَ
(قَوْلُهُ ضَمِنَ زَيْدٌ ثُلُثَ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ الْعَمْدَ وَإِنَّمَا لَمْ يُقْتَصَّ لِمَا مَرَّ، وَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى شَرِيكٍ مِنْ قِصَاصٍ بِقَتْلِهِ لِعَدَمِ تَجَزُّئِهِ (قَوْلُهُ فَصَارَتْ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ) فَكَأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ بِثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ، فَالتَّالِفُ بِفِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ التَّعْلِيلِ (قَوْلُهُ لِيَكُونَ فِعْلُهُ إلَخْ) إذْ لَوْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ لَهُدِرَ فِي الدَّارَيْنِ كَفِعْلِ الْأَسَدِ فَيَكُونُ عَلَى زَيْدٍ نِصْفُ الدِّيَةِ (قَوْلُهُ وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ لَوْ تَعَدَّدَ قَاتِلُهُ) بِأَنْ كَانَ مَعَ زَيْدٍ غَيْرُهُ فَيَشْتَرِكُ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي الثُّلُثِ.
وَأَقُولُ: ذُكِرَ فِي مُتَفَرِّقَاتِ التَّتَارْخَانِيَّة، لَوْ جَرَحَهُ رَجُلٌ جِرَاحَةً وَجَرَحَهُ آخَرُ جِرَاحَةً ثُمَّ انْضَمَّ إلَيْهِ مَا هُوَ هَدَرٌ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُ الدِّيَةِ وَثُلُثُهَا هَدَرٌ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ قُبَيْلَ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ. وَفِي تَكْمِلَةِ الطُّورِيِّ: وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ وَجَرَحَهُ آخَرُ وَجَرَحَ هُوَ أَيْضًا نَفْسَهُ وَافْتَرَسَهُ سَبُعٌ ضَمِنَ الْقَاطِعُ رُبُعَ الدِّيَةِ وَالْجَارِحُ رُبُعَهَا؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ بِجِنَايَاتٍ أَرْبَعَةٍ ثِنْتَانِ مِنْهَا مُعْتَبَرَتَانِ اهـ وَمِثْلُهُ يَأْتِي مَتْنًا آخِرَ بَابِ مَا يُحْدِثُهُ فِي الطَّرِيقِ: لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْبَعَةً لِحَفْرِ بِئْرٍ فَوَقَعَتْ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ سَقَطَ الرُّبُعُ وَوَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ الرُّبُعُ فَظَهَرَ أَنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ فَتَنَبَّهْ. أَقُولُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا فِيمَنْ جَرَحَ صَبِيًّا بِسِكِّينٍ فِي بَطْنِهِ فَظَهَرَ بَعْضُ أَمْعَائِهِ جِيءَ لَهُ بِمَنْ يَخِيطُ الْجُرْحَ وَيَرُدُّ الْأَمْعَاءَ فَلَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ إلَّا بِتَوْسِيعِ الْجُرْحِ فَأَذِنَ لَهُ أَبُو الصَّبِيِّ بِذَلك فَفَعَلَ ثُمَّ مَاتَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى الْجَارِحِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْآخَرَ مَأْذُونٌ بِهِ فَكَانَ هَدْرًا كَمَا سَيَأْتِي
(قَوْلُهُ وَيَجِبُ قَتْلُ مَنْ شَهَرَ سَيْفًا) شَهَرَ سَيْفَهُ كَمَنَعَ وَشَهَرَهُ: انْتَضَاهُ فَرَفَعَهُ عَلَى النَّاسِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ) تَنَازَعَهُ كُلٌّ مِنْ يَجِبُ وَشَهَرَ. وَعِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا قَالَ حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْتُلُوهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ اهـ وَذَكَرَ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الشَّيْخِ عَبْدِ الْحَيِّ بَحْثًا أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ كَالْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ يَعْنِي فِي الْحَالِ) أَيْ فِي حَالِ شَهْرِهِ السَّيْفَ عَلَيْهِمْ قَاصِدًا ضَرْبَهُمْ لَا بَعْدَ انْصِرَافِهِ عَنْهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْكَمَالِ) أَيْ عَلَى كَوْنِهِ حَالًا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أُخِذَ بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ مِنْ قَوْلِهِ دَفَعَ فَإِنَّ الدَّفْعَ لَا بُطْءَ فِيهِ ط (قَوْلُهُ صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ) لَيْسَ هَذَا فِي عِبَارَةِ ابْنِ الْكَمَالِ. وَعِبَارَةُ الْكِفَايَةِ
لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ دَفْعِ الصَّائِلِ صَرَّحَ بِهِ الشُّمُنِّيُّ وَغَيْرُهُ، وَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ (وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ) بِخِلَافِ الْحَمْلِ الصَّائِلِ. (وَلَا) يُقْتَلُ (مَنْ شَهَرَ سِلَاحًا عَلَى رَجُلٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي مِصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصًا لَيْلًا فِي مِصْرٍ أَوْ نَهَارًا فِي غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ) وَإِنْ شَهَرَ الْمَجْنُونُ عَلَى غَيْرِهِ سِلَاحًا فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ (عَمْدًا تَجِبُ الدِّيَةُ) فِي مَالِهِ (وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ وَالدَّابَّةٌ) الصَّائِلَةُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا ضَمَانَ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ الشَّرِّ. (وَلَوْ ضَرَبَهُ الشَّاهِرُ فَانْصَرَفَ) وَكَفَّ عَنْهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُرِيدُ ضَرْبَهُ ثَانِيًا (فَقَتَلَهُ الْآخَرُ) أَيْ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُ، كَذَا عَمَّمَهُ ابْنُ الْكَمَالِ تَبَعًا لِلْكَافِي وَالْكِفَايَةِ (قُتِلَ الْقَاتِلُ) ؛ لِأَنَّهُ بِالِانْصِرَافِ عَادَتْ عِصْمَتُهُ. قُلْت: فَتَحَرَّرَ أَنَّهُ مَا دَامَ شَاهِرًا السَّيْفِ ضَرَبَهُ وَإِلَّا لَا فَلْيُحْفَظْ. (وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَيْلًا فَأَخْرَجَ السَّرِقَةَ) مِنْ بَيْتِهِ (فَاتَّبَعَهُ) رَبُّ الْبَيْتِ (فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ» وَكَذَا لَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ الْأَخْذِ إذَا قَصَدَ أَخْذَ مَالِهِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ دَفْعِهِ إلَّا بِالْقَتْلِ صَدْرُ شَرِيعَةٍ. وَفِي الصُّغْرَى: قَصَدَ مَالَهُ، إنْ عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ لَهُ قَتْلُهُ، وَإِنْ أَقَلَّ قَاتَلَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ، وَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ كَابَرَهُ
ــ
[رد المحتار]
أَيْ إنَّمَا يَجِبُ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ وَاجِبٌ اهـ.
وَفِي الْمِعْرَاجِ: مَعْنَى الْوُجُوبِ وُجُوبُ دَفْعِ الضَّرَرِ لَا أَنْ يَكُونَ عَيْنُ الْقَتْلِ وَاجِبًا (قَوْلُهُ وَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ) أَيْ يُؤَيِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ لَهُ قَتْلُهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ ضَرَرِهِ إلَّا بِهِ، وَذَلِكَ فِي عِبَارَةِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ الْآتِيَةِ قَرِيبًا وَعِبَارَةِ الْمَتْنِ بَعْدَهَا (قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ) أَيْ إذَا كَانَ مُكَلَّفًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي وَإِنْ شَهَرَ الْمَجْنُونُ إلَخْ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ عَيْنُ الْقَتْلِ وَاجِبًا كَانَ مُحْتَمَلًا أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ فَصَرَّحَ بِعَدَمِهِ أَفَادَهُ ابْنُ الْكَمَالِ (قَوْلُهُ وَلَا يُقْتَلُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ (قَوْلُهُ عَلَى رَجُلٍ) أَيْ قَاصِدًا قَتْلَهُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ لَا مِزَاحًا وَلَعِبًا أَفَادَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الطَّلَاقِ، وَأَفَادَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْوَاحِدَ كَالْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا إلَخْ) ؛ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ فَيُحْتَاجُ إلَى دَفْعِهِ بِالْقَتْلِ هِدَايَةٌ أَيْ لَيْسَ فِيهِ مُهْلَةٌ لِلدَّفْعِ بِغَيْرِ الْقَتْلِ (قَوْلُهُ أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصًا إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْعَصَا الصَّغِيرَةَ وَإِنْ كَانَتْ تَلْبَثُ وَلَكِنْ فِي اللَّيْلِ لِمَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فَيُضْطَرُّ إلَى دَفْعِهِ بِالْقَتْلِ، وَكَذَا فِي النَّهَارِ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ فِي الطَّرِيقِ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ، قَالُوا فَإِنْ كَانَ عَصًا لَا يَلْبَثُ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ السِّلَاحِ عِنْدَهُمَا هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ) أَيْ أَوْ غَيْرُهُ دَفْعًا عَنْهُ زَيْلَعِيٌّ.
وَفِي الْكِفَايَةِ: وَلَوْ تَرَكَ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ قَتْلَهُ يَأْثَمُ (قَوْلُهُ عَمْدًا) أَيْ بِمُحَدَّدٍ وَنَحْوِهِ وَكَذَا شِبْهُ الْعَمْدِ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ تَجِبُ الدِّيَةُ) أَيْ لَا الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ وَالدَّابَّةُ) أَيْ مِثْلُ الْمَجْنُونِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ، لَكِنَّ الْوَاجِبَ فِي الصَّبِيِّ الدِّيَةُ أَيْضًا. وَفِي الدَّابَّةِ الْقِيمَةُ، وَذَكَرَ الرَّمْلِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَجْنُونُ أَوْ الصَّبِيُّ عَبْدًا فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ كَالدَّابَّةِ الْمَمْلُوكَةِ تَأَمَّلْ اهـ. أَقُولُ: وَفِي النِّهَايَةِ مَا نَصُّهُ: وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الصَّائِلُ عَبْدًا أَوْ صَيْدَ الْحَرَمِ لَا يَضْمَنُ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ. وَذَكَرَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الدَّابَّةِ الْعَلَّامَةُ الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرُهُ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَلَيْسَ بِمَحَلِّ وَهْمٍ حَتَّى يُقَوِّيَهُ بِالنَّقْلِ فَتَدَبَّرْ ط (قَوْلُهُ عَادَتْ عِصْمَتُهُ) فَإِذَا قَتَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ قَتَلَ شَخْصًا مَعْصُومًا مَظْلُومًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ مَا دَامَ شَاهِرًا السَّيْفَ) أَيْ مَعَ قَصْدِ الضَّرْبِ (قَوْلُهُ لَيْلًا) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ نَهَارًا لَيْسَ لَهُ قَتْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ بِالصُّرَاخِ (قَوْلُهُ دُونَ مَالِكِ) أَيْ لِأَجْلِ مَالِكِ عِنَايَةٌ وَغَيْرُهَا (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ الْأَخْذِ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: رَأَى رَجُلًا يَسْرِقُ مَالَهُ فَصَاحَ بِهِ وَلَمْ يَهْرُبْ أَوْ رَأَى رَجُلًا يَثْقُبُ حَائِطَهُ أَوْ حَائِطَ غَيْرِهِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالسَّرِقَةِ فَصَاحَ بِهِ وَلَمْ يَهْرُبْ حَلَّ لَهُ قَتْلُهُ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ وَفِي الصُّغْرَى إلَخْ) يُرِيدُ بِهِ تَقْيِيدَ مَا أَطْلَقَهُ الْمُتُونُ وَالشُّرُوحُ مَعَ أَنَّهَا لَا تُقَيَّدُ بِمَا فِي
إنْ بِبَيِّنَةٍ نَعَمْ، وَإِلَّا فَإِنْ الْمَقْتُولُ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ وَالشَّرِّ لَمْ يُقْتَصَّ اسْتِحْسَانًا وَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ بَزَّازِيَّةٌ هَذَا (إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ صَاحَ عَلَيْهِ طَرَحَ مَالَهُ، وَإِنْ عَلِمَ) ذَلِكَ (فَقَتَلَهُ مَعَ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ) لِقَتْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ (كَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا قَتَلَ الْغَاصِبَ) فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقَوَدُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى دَفْعِهِ بِالِاسْتِغَاثَةِ بِالْمُسْلِمِينَ وَالْقَاضِي.
(مُبَاحُ الدَّمِ الْتَجَأَ إلَى الْحَرَمِ لَمْ يُقْتَلْ فِيهِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَلَمْ يُخْرَجْ عَنْهُ لِلْقَتْلِ لَكِنْ يُمْنَعُ عَنْهُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ حَتَّى يُضْطَرَّ فَيَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ فَحِينَئِذٍ يُقْتَلُ خَارِجَهُ) وَأَمَّا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْحَرَمِ إجْمَاعًا.
(وَلَوْ أَنْشَأَ الْقَتْلَ فِي الْحَرَمِ قُتِلَ فِيهِ) إجْمَاعًا سِرَاجِيَّةٌ؛ وَلَوْ قَتَلَ فِي الْبَيْتِ لَا يُقْتَلُ فِيهِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْحَجِّ.
(وَلَوْ قَالَ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ) بِسَيْفٍ (فَلَا قِصَاصَ وَتَجِبُ الدِّيَةُ) فِي مَالِهِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تَجْرِي فِي النَّفْسِ وَسَقَطَ الْقَوَدُ لِشُبْهَةِ الْإِذْنِ وَكَذَا لَوْ قَالَ اُقْتُلْ أَخِي أَوْ ابْنِي أَوْ أَبِي فَتَلْزَمُهُ الدِّيَةُ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْكِفَايَةِ.
وَفِيهَا عَنْ الْوَاقِعَاتِ أَوْ ابْنَهُ صَغِيرًا يُقْتَصُّ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: بِعْتُك دَمِي بِفَلْسٍ أَوْ بِأَلْفٍ فَقَتَلَهُ يُقْتَصُّ. وَفِي اُقْتُلْ
ــ
[رد المحتار]
الْفَتَاوَى.
قَالَ الْمَاتِنُ فِي آخِرِ قَطْعِ الطَّرِيقِ: وَيَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، وَيَقْتُلُ مَنْ يُقَاتِلُهُ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْبَحْرِ: اسْتَقْبَلَهُ اللُّصُوصُ وَمَعَهُ مَالٌ لَا يُسَاوِي عَشَرَةً حَلَّ لَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «قَاتِلْ دُونَ مَالِكِ» وَاسْمُ الْمَالِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ اهـ سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ بَزَّازِيَّةٌ) وَنَصُّهَا قُبَيْلَ كِتَابِ الْوَصَايَا قَتَلَهُ صَاحِبُ الدَّارِ وَبَرْهَنَ عَلَى أَنَّهُ كَابَرَهُ فَدَمُهُ هَدَرٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْتُولُ مَعْرُوفًا بِالشَّرِّ وَالسَّرِقَةِ قُتِلَ صَاحِبُ الدَّارِ قِصَاصًا، وَإِنْ مُتَّهَمًا بِهِ فِي الْقِيَاسِ يُقْتَصُّ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ أَوْرَثَتْ شُبْهَةً فِي الْقِصَاصِ لَا الْمَالِ اهـ (قَوْلُهُ مَعَ ذَلِكَ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ط (قَوْلُهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى دَفْعِهِ إلَخْ) اُنْظُرْ مَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ الْمُسْلِمُونَ وَالْقَاضِي كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي زَمَانِنَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ ط
(قَوْلُهُ مُبَاحُ الدَّمِ) بِأَنْ قَتَلَ أَوْ زَنَى، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوْ فَعَلَ غَيْرَهُ مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ السِّنْدِيُّ فِي الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ، وَصَرَّحَ بِأَنَّ الْمُرْتَدَّ كَذَلِكَ، لَكِنْ قَدَّمْنَا آخِرَ كِتَابِ الْحَجِّ عَنْ الْمُنْتَقَى بِالنُّونِ أَنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، فَإِنْ أَسْلَمَ سَلِمَ وَإِلَّا قُتِلَ وَنَقَلَهُ الْقَارِيّ فِي شَرْحِ الْمَنْسَكِ عَنْ النُّتَفِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِهِمْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إبَاءُ الْمُرْتَدِّ عَنْ الْإِسْلَامِ جِنَايَةٌ فِي الْحَرَمِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ الْتَجَأَ إلَى الْحَرَمِ لَا يُقْتَلُ فِيهِ وَلَا يُخْرَجُ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُبَاحُ إخْرَاجُهُ مِنْهُ (قَوْلُهُ فَيَخْرُجَ مِنْ الْحَرَمِ) أَيْ يَخْرُجُ هُوَ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ) وَكَذَا يُحَدُّ. فَفِي الْخَانِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي الْحَرَمِ خِلَافًا لَهُمَا، وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَ فِي الْبَيْتِ إلَخْ) وَمِثْلُهُ سَائِرُ الْمَسَاجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ يُصَانُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ اهـ رَحْمَتِيٌّ
(قَوْلُهُ بِسَيْفٍ) قَيَّدَ بِهِ لِقَوْلِهِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ، فَلَوْ قَتَلَهُ بِمُثَقَّلٍ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ط (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) وَبِهِ جَزَمَ فِي عُمْدَةِ الْمُفْتِي، بَلْ فِي مُخْتَصَرِ الْمُحِيطِ أَنَّهُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَسَقَطَ الْقَوَدُ) كَالِاسْتِدْرَاكِ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تَجْرِي فِي النَّفْسِ فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ الْقِصَاصُ ط (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ) أَيْ وَكَانَ هُوَ الْوَارِثَ (قَوْلُهُ لَوْ ابْنُهُ صَغِيرًا يَقْتَصُّ) أَيْ قِيَاسًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّغِيرَ غَيْرُ قَيْدٍ وَمِثْلُهُ الْأَخُ. وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ: وَفِي الْوَاقِعَاتِ اُقْتُلْ ابْنِي وَهُوَ صَغِيرٌ فَقَتَلَهُ يَقْتَصُّ. وَلَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدَهُ فَقَطَعَهَا عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، وَلَوْ قَالَ اُقْتُلْ أَخِي فَقَتَلَهُ وَهُوَ وَارِثُهُ فَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الثَّانِي وَهُوَ الْقِيَاسُ يَجِبُ الْقِصَاصُ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ الْإِمَامِ الدِّيَةُ وَسَوَّى فِي الْكِفَايَةِ بَيْنَ الِابْنِ وَالْأَخِ وَقَالَ فِي الْقِيَاسِ: يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْكُلِّ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ الدِّيَةُ. وَفِي الْإِيضَاحِ ذَكَرَ قَرِيبًا مِنْهُ اهـ (قَوْلُهُ فَقَتَلَهُ يَقْتَصُّ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ بَاطِلٌ وَهُوَ لَيْسَ بِإِذْنٍ بِالْقَتْلِ فَلَيْسَ كَقَوْلِهِ
أَبِي عَلَيْهِ دِيَةٌ لِابْنِهِ. وَفِي اقْطَعْ يَدَهُ فَقَطَعَ يَدَهُ يُقْتَصُّ. وَفِي: شُجَّ ابْنِي فَشَجَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ مَاتَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ (وَقِيلَ لَا) تَجِبُ الدِّيَةُ أَيْضًا وَصَحَّحَهُ رُكْنُ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ، وَاسْتَظْهَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ، لَكِنْ رَدَّهُ ابْنُ وَهْبَانَ.
(كَمَا لَوْ قَالَ: اُقْتُلْ عَبْدِي أَوْ اقْطَعْ يَدَهُ فَفَعَلَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) إجْمَاعًا كَقَوْلِهِ: اقْطَعْ يَدِي أَوْ رِجْلِي وَإِنْ سَرَى لِنَفْسِهِ وَمَاتَ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ كَالْأَمْوَالِ فَصَحَّ الْأَمْرُ. وَلَوْ قَالَ: اقْطَعْهُ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي هَذَا الثَّوْبَ أَوْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ فَقَطَعَ يَجِبُ أَرْشُ الْيَدِ لَا الْقَوَدُ وَبَطَلَ الصُّلْحُ بَزَّازِيَّةٌ.
[فُرُوعٌ] هِبَةُ الْقِصَاصِ لِغَيْرِ الْقَاتِلِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ التَّمْلِيكُ. عَفْوُ الْوَلِيِّ عَنْ الْقَاتِلِ أَفْضَلُ مِنْ الصُّلْحِ وَالصُّلْحُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِصَاصِ، وَكَذَا عَفْوُ الْمَجْرُوحِ. لَا تَصِحُّ تَوْبَةُ الْقَاتِلِ حَتَّى يُسْلِمَ نَفْسَهُ لِلْقَوَدِ وَهْبَانِيَّةٌ.
ــ
[رد المحتار]
اُقْتُلْنِي ط (قَوْلُهُ وَفِي اقْطَعْ يَدَهُ يُقْتَصُّ) ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الِاسْتِيفَاءِ لَيْسَتْ لَهُ بَلْ لِلْأَبِ فَلَمْ يَكُنْ أَمْرُهُ مُسْقِطًا لِلْقِصَاصِ رَحْمَتِيٌّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي شُجَّ ابْنِي إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ أَرَهَا فِي الْخَانِيَّةِ بَلْ هِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْمُجْتَبَى. وَنَصُّهُ: وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَشُجَّهُ فَشَجَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ مَاتَ مِنْهَا كَانَ عَلَيْهِ الدِّيَةُ اهـ وَالضَّمِيرُ فِي شَجَّهُ يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى الْآمِرِ أَوْ عَلَى الِابْنِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُجْتَبَى قَبْلَهُ.
وَالثَّانِي هُوَ مَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ، لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالشَّجَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي الصَّحِيحِ
(قَوْلُهُ وَإِنْ سَرَى لِنَفْسِهِ وَمَاتَ) عُزِيَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة إلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ. وَفِيهَا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: قَالَ لِآخَرَ اقْطَعْ يَدِي، فَإِنْ كَانَ بِعِلَاجٍ كَمَا إذَا وَقَعَتْ فِي يَدِهِ أَكَلَةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ مِنْ غَيْرِ عِلَاجٍ لَا يَحِلُّ، وَلَوْ قَطَعَ فِي الْحَالَيْنِ فَسَرَى إلَى النَّفْسِ لَا يَضْمَنُ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ اقْطَعْهُ) أَيْ الطَّرَفَ الْمَفْهُومَ مِنْ الْأَطْرَافِ (قَوْلُهُ وَبَطَلَ الصُّلْحُ) أَيْ مَا رَضِيَ بِهِ بَدَلًا عَنْ الْأَرْشِ. [تَنْبِيهٌ]
قَالَ فِي الْفَصْلِ مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: وَقَدْ وَقَعَتْ فِي بُخَارَى وَاقِعَةٌ، وَهِيَ رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ ارْمِ السَّهْمَ إلَيَّ حَتَّى آخَذَهُ فَرَمَى إلَيْهِ فَأَصَابَ عَيْنَهُ فَذَهَبَ. قَالَ ح: لَمْ يَضْمَنْ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ اجْنِ عَلَيَّ فَجَنَى، وَهَكَذَا أَفْتَى بَعْضُ الْمَشَايِخِ بِهِ، وَقَاسُوهُ عَلَى مَا لَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدِي.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ؛ الْكَلَامُ فِي وُجُوبِ الْقَوَدِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ: لَوْ تَضَارَبَا بِالْوَكْزِ فَذَهَبَتْ عَيْنُ أَحَدِهِمَا يُقَادُ لَوْ أَمْكَنَ؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ، وَإِنْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِآخَرَ دَهٍ دَهٍ، وَكَذَا لَوْ بَارَزَا عَلَى وَجْهِ الْمُلَاعَبَةِ أَوْ التَّعْلِيمِ فَأَصَابَتْ الْخَشَبَةُ عَيْنَهُ فَذَهَبَتْ يُقَادُ إنْ أَمْكَنَ اهـ.
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهِ أَقُولُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ دَهٍ دَهٍ وَوَكَزَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَكَسَرَ سِنَّهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ اهـ. وَاَلَّذِي ظَهَرَ فِي وَجْهِ مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ لَازِمِ قَوْلِهِ دَهٍ دَهٍ إبَاحَةُ عَيْنِهِ لِاحْتِمَالِ السَّلَامَةِ مَعَ الْمُضَارَبَةِ بِالْوَكْزَةِ كَاحْتِمَالِهَا مَعَ رَمْيِ السَّهْمِ فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ ارْمِ السَّهْمَ إلَيَّ وَقَوْلُهُ دَهٍ دَهٍ صَرِيحًا فِي إتْلَافِ عُضْوِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ اقْطَعْ يَدِي أَوْ اجْنِ عَلَيَّ فَلَمْ يَصِحَّ قِيَاسُ الْوَاقِعَةِ عَلَيْهِ، وَالْمُصَرَّحُ بِهِ أَنَّ الْأَطْرَافَ كَالْأَمْوَالِ يَصِحُّ الْأَمْرُ فِيهَا تَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ لِغَيْرِ الْقَاتِلِ) وَكَذَا لِلْقَاتِلِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِ أَفَادَهُ الْحَمَوِيُّ، وَانْظُرْ هَلْ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ فِي الصُّورَتَيْنِ ط، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ فِي عَدَمِ السُّقُوطِ إذْ لَا مَعْنَى لِعَدَمِ جَوَازِهِ إلَّا ذَلِكَ (قَوْلُهُ عَفْوُ الْوَلِيِّ عَنْ الْقَاتِلِ أَفْضَلُ) وَيَبْرَأُ الْقَاتِلُ فِي الدُّنْيَا عَنْ الدِّيَةِ وَالْقَوَدِ؛ لِأَنَّهُمَا حَقُّ الْوَارِثِ بِيرِيٌّ (قَوْلُهُ لَا تَصِحُّ تَوْبَةُ الْقَاتِلِ حَتَّى يُسْلِمَ نَفْسَهُ لِلْقَوَدِ) أَيْ لَا تَكْفِيهِ التَّوْبَةُ وَحْدَهَا
الْإِمَامُ شَرْطُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ كَالْحُدُودِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ.
وَفَرَّقَ الْفُقَهَاءُ أَشْبَاهَهُ، وَفِيهَا فِي قَاعِدَةِ: الْحُدُودِ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَكَالْحُدُودِ الْقِصَاصُ إلَّا فِي سَبْعٍ. يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِعِلْمِهِ فِي الْقِصَاصِ دُونَ الْحُدُودِ. الْقِصَاصُ يُورَثُ وَالْحَدُّ لَا. يَصِحُّ عَفْوُ الْقِصَاصِ لَا الْحَدِّ. التَّقَادُمُ لَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ بِالْقَتْلِ، بِخِلَافِ الْحَدِّ سِوَى حَدِّ الْقَذْفِ. وَيَثْبُتُ بِإِشَارَةِ أَخْرَسَ وَكِتَابَتِهِ، بِخِلَافِ الْحَدِّ. تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِي الْقِصَاصِ لَا الْحَدِّ.
ــ
[رد المحتار]
قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: وَاعْلَمْ أَنَّ تَوْبَةَ الْقَاتِلِ لَا تَكُونُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالنَّدَامَةِ فَقَطْ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إرْضَاءِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا لَا بُدَّ أَنْ يُمَكِّنَهُمْ مِنْ الْقِصَاصِ مِنْهُ، فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ، وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ مَجَّانًا، فَإِنْ عَفَوْا عَنْهُ كَفَتْهُ التَّوْبَةُ اهـ مُلَخَّصًا، وَقَدَّمْنَا آنِفًا أَنَّهُ بِالْعَفْوِ عَنْهُ يَبْرَأُ فِي الدُّنْيَا، وَهَلْ يَبْرَأُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ عَلَى رَجُلٍ فَمَاتَ الطَّالِبُ وَأَبْرَأَتْهُ الْوَرَثَةُ يَبْرَأُ فِيمَا بَقِيَ؛ أَمَّا فِي ظُلْمِهِ الْمُتَقَدِّمِ لَا يَبْرَأُ فَكَذَا الْقَاتِلُ لَا يَبْرَأُ عَنْ ظُلْمِهِ وَيَبْرَأُ عَنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ تَتَارْخَانِيَّةٌ.
أَقُولُ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الظُّلْمَ الْمُتَقَدِّمَ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَقْتُولِ بِهِ، وَأَمَّا ظُلْمُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِإِقْدَامِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَيَسْقُطُ بِهَا تَأَمَّلْ.
وَفِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ فَتَاوَى الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ مَسْأَلَةٌ فِيمَنْ قَتَلَ مَظْلُومًا فَاقْتَصَّ وَارِثُهُ أَوْ عَفَا عَنْ الدِّيَةِ أَوْ مَجَّانًا هَلْ لِلْقَاتِلِ بَعْدَ ذَلِكَ مُطَالَبَةٌ فِي الْآخِرَةِ الْجَوَابُ: ظَوَاهِرُ الشَّرْعِ تَقْتَضِي سُقُوطَ الْمُطَالَبَةِ فِي الْآخِرَةِ اهـ، وَكَذَا قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: ظَاهِرُ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ.
وَقَالَ فِي مُخْتَارِ الْفَتَاوَى: الْقِصَاصُ مُخَلِّصٌ مِنْ حَقِّ الْأَوْلِيَاءِ، وَأَمَّا الْمَقْتُولُ فَيُخَاصِمُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ بِالْقِصَاصِ مَا حَصَلَ فَائِدَةٌ لِلْمَقْتُولِ وَحَقُّهُ بَاقٍ عَلَيْهِ اهـ وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا اسْتَظْهَرْتُهُ (قَوْلُهُ وَفَرَّقَ الْفُقَهَاءُ) أَيْ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ فَيُشْتَرَطُ الْإِمَامُ لِاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ دُونَ الْقِصَاصِ حَمَوِيٌّ. قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: وَإِذَا قُتِلَ الرَّجُلُ عَمْدًا وَلَهُ وَلِيٌّ وَاحِدٌ فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ قِصَاصًا قَضَى الْقَاضِي بِهِ أَوْ لَمْ يَقْضِ اهـ ط (قَوْلُهُ يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِعِلْمِهِ فِي الْقِصَاصِ) مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ. وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ مُطْلَقًا حَمَوِيٌّ اهـ ط وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي أَوَّلِ جِنَايَاتِ الْمَمْلُوكِ (قَوْلُهُ الْقِصَاصُ يُورَثُ) سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ (قَوْلُهُ لَا الْحَدِّ) شَمِلَ حَدَّ الْقَذْفِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ الْمُرَافَعَةِ. أَمَّا قَبْلَهَا فَهُوَ جَائِزٌ. وَفِي الْحَاوِي إذَا ثَبَتَ الْحَدُّ لَمْ يَجُزْ الْإِسْقَاطُ، وَإِذَا عَفَا الْمَقْذُوفُ عَنْ الْقَاذِفِ فَعَفَوْهُ بَاطِلٌ، وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْحَدِّ اهـ إلَّا إذَا قَالَ لَمْ يَقْذِفْنِي أَوْ كَذَبَ شُهُودِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الشَّامِلِ وَالْمُرَادُ مِنْ بُطْلَانِ الْعَفْوِ أَنَّهُ إذَا عَادَ وَطَلَبَهُ حُدَّ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ كَانَ لَغْوًا فَكَأَنَّهُ لَمْ يُخَاصِمْ إلَى الْآنَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْإِمَامَ لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ بَعْدَ ذَهَابِ الْمَقْذُوفِ وَعَفْوِهِ، أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ ط (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْحَدِّ) فَإِنَّ التَّقَادُمَ يَمْنَعُهُ وَالتَّقَادُمُ فِي الشُّرْبِ بِذَهَابِ الرِّبْحِ، وَفِي حَدِّ غَيْرِهِ بِمُضِيِّ شَهْرٍ وَقَدْ مَضَى فِي الْحُدُودِ ط (قَوْلُهُ لَا الْحَدِّ) فَلَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ بَعْدَ الْوُصُولِ لِلْحَاكِمِ أَمَّا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَالثُّبُوتِ عِنْدَهُ فَتَجُوزُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَ الرَّافِعِ لَهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُطْلِقَهُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَمْ يَثْبُتْ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَفِي الْبِيرِيِّ قَالَ الْأَكْمَلُ فِي حَدِيثِ «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا» وَلَا يَتَنَاوَلُ الْحَدِيثُ الْحُدُودَ فَتَبْقَى الشَّفَاعَةُ لِأَرْبَابِ الْحَوَائِجِ الْمُبَاحَةِ كَدَفْعِ الظُّلْمِ أَوْ تَخْلِيصِ خَطَأٍ وَأَمْثَالِهِمَا، وَكَذَا