الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَرْعٌ]
يُكْرَهُ إعْطَاءُ سَائِلٍ الْمَسْجِدِ إلَّا إذَا لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ
فِي الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَمَتْنِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ لِأَنَّ عَلِيًّا تَصَدَّقَ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلَاةِ فَمَدَحَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ - {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55]-. .
(أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ) وَجَازَ التَّسْمِيَةُ بِعَلِيٍّ وَرَشِيدٍ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ وَيُرَادُ فِي حَقِّنَا غَيْرُ مَا يُرَادُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّ التَّسْمِيَةَ بِغَيْرِ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا أَوْلَى لِأَنَّ الْعَوَّامَ يُصَغِّرُونَهَا عِنْدَ النِّدَاءِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَفِيهَا (وَمَنْ كَانَ اسْمُهُ مُحَمَّدًا لَا بَأْسَ بِأَنْ يُكَنَّى أَبَا الْقَاسِمِ) لِأَنَّ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام «سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي» قَدْ نُسِخَ لِأَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَنَّى ابْنَهُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ أَبَا الْقَاسِمِ.
ــ
[رد المحتار]
[فَرْعٌ يُكْرَهُ إعْطَاءُ سَائِلِ الْمَسْجِدِ إلَّا إذَا لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ]
قَوْلُهُ إلَّا إذَا لَمْ يَتَخَطَّ) أَيْ وَلَمْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّينً قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: فَإِنْ كَانَ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّينَ، وَيَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى أَذَى النَّاسِ، حَتَّى قِيلَ: هَذَا فَلْسٌ لَا يُكَفِّرُهُ سَبْعُونَ فَلْسًا اهـ. وَقَالَ ط فَالْكَرَاهَةُ لِلتَّخَطِّي الَّذِي يَلْزَمُهُ غَالِبًا الْإِيذَاءُ وَإِذَا كَانَتْ هُنَاكَ فُرْجَةٌ يَمُرُّ مِنْهَا لَا تُخَطَّى فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومِهِ (قَوْلُهُ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ وَهِيَ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ فَتَمَّ الدَّلِيلُ أَوْ أَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ، فَلَأَنْ تَجُوزَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ دُونَهَا أَوْلَى ط
(قَوْلُهُ أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَخْ) هَذَا لَفْظُ حَدِيثٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا. قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ: أَفْضَلُ مُطْلَقًا حَتَّى مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَفْضَلُهَا بَعْدَهُمَا مُحَمَّدٌ، ثُمَّ أَحْمَدُ ثُمَّ إبْرَاهِيمُ اهـ. وَقَالَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَيُلْحَقُ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ أَيْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا كَانَ مِثْلُهُمَا كَعَبْدِ الرَّحِيمِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ، وَتَفْضِيلُ التَّسْمِيَةِ بِهِمَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَرَادَ التَّسَمِّيَ بِالْعُبُودِيَّةِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ عَبْدَ شَمْسٍ وَعَبْدَ الدَّارِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ اسْمَ مُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ جَمِيعِ الْأَسْمَاءِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْتَرْ لِنَبِيِّهِ إلَّا مَا هُوَ أَحَبُّ إلَيْهِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ اهـ. وَوَرَدَ " «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا كَانَ هُوَ وَمَوْلُودُهُ فِي الْجَنَّةِ» رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أُمَامَةَ رَفَعَهُ قَالَ السُّيُوطِيّ: هَذَا أَمْثَلُ حَدِيثٍ وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ اهـ. وَقَالَ السَّخَاوِيُّ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ خَيْرُ الْأَسْمَاءِ مَا عُبِّدَ وَمَا حُمِّدَ فَمَا عَلِمْته (قَوْلُهُ وَجَازَ التَّسْمِيَةُ بِعَلِيٍّ إلَخْ) الَّذِي فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ السِّرَاجِيَّةِ التَّسْمِيَةُ بِاسْمٍ يُوجَدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْعَلِيِّ وَالْكَبِيرِ وَالرَّشِيدِ وَالْبَدِيعِ جَائِزَةٌ إلَخْ، وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ عَنْهَا وَظَاهِرُهُ الْجَوَازُ وَلَوْ مُعَرَّفًا بِأَلْ.
(قَوْلُهُ لَكِنَّ التَّسْمِيَةَ إلَخْ) قَالَ أَبُو اللَّيْثِ: لَا أُحِبُّ لِلْعَجَمِ أَنْ يُسَمُّوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَعَبْدَ الرَّحِيمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ تَفْسِيرَهُ، وَيُسَمُّونَهُ بِالتَّصْغِيرِ تَتَارْخَانِيَّةٌ وَهَذَا مُشْتَهِرٌ فِي زَمَانِنَا، حَيْثُ يُنَادُونَ مَنْ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ أَوْ عَبْدُ الْعَزِيزِ مَثَلًا فَيَقُولُونَ: رُحَيِّمٌ وَكُرَيِّمٌ وَعُزَيِّزٌ بِتَشْدِيدِ يَاءِ التَّصْغِيرِ وَمَنْ اسْمُهُ عَبْدُ الْقَادِرِ قُوَيْدِرٌ وَهَذَا مَعَ قَصْدِهِ كُفْرٌ. فَفِي الْمُنْيَةِ: مَنْ أَلْحَقَ أَدَاةَ التَّصْغِيرِ فِي آخِرِ اسْمِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا أُضِيفَ إلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى إنْ قَالَ ذَلِكَ عَمْدًا كَفَرَ وَإِنْ لَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ وَلَا قَصْدَ لَهُ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ ذَلِكَ يَحِقُّ عَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّمَهُ اهـ. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: رَحْمُونٌ لِمَنْ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَبَعْضُهُمْ كَالتُّرْكُمَانِ يَقُولُ حمور، وحسو لِمَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَحَسَنٌ، وَانْظُرْ هَلْ يُقَالُ الْأَوْلَى لَهُمْ تَرْكُ التَّسْمِيَةِ بِالْأَخِيرَيْنِ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَا تَكَنَّوْا) بِفَتْحِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ مَاضِي تَكَنَّى، وَهُوَ عَلَى حَذْفِ إحْدَى التَّاءَيْنِ أَيْ لِأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يُنَادُونَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَإِذَا الْتَفَتَ صلى الله عليه وسلم قَالُوا لَا نَعْنِيك ط لَكِنَّ قَوْلَهُ مَاضِي تَكَنَّى صَوَابُهُ مُضَارِعُ تَكَنَّى كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ قَدْ نُسِخَ) لَعَلَّ وَجْهَهُ زَوَالُ عِلَّةِ النَّهْيِ السَّابِقَةِ بِوَفَاتِهِ عليه الصلاة والسلام تَأَمَّلْ.
[تَتِمَّةٌ]
التَّسْمِيَةُ بِاسْمٍ لَمْ يَذْكُرْهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي عِبَادَةٍ وَلَا ذَكَرَهُ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَسْتَعْمِلُهُ الْمُسْلِمُونَ تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ. وَرُوِيَ: إذَا وُلِدَ لِأَحَدِكُمْ وَلَدٌ فَمَاتَ فَلَا يَدْفِنْهُ حَتَّى يُسَمِّيَهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا بِاسْمِ
(وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْعُوَ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأَنْ تَدْعُوَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا بِاسْمِهِ) اهـ بِلَفْظِهِ. .
(وَ) فِيهَا يُكْرَهُ (الْكَلَامُ فِي الْمَسْجِدِ وَخَلْفَ الْجِنَازَةِ وَفِي الْخَلَاءِ وَفِي حَالَةِ الْجِمَاعِ) وَزَادَ أَبُو اللَّيْثِ: فِي الْبُسْتَانِ وَعِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَزَادَ فِي الْمُلْتَقَى تَبَعًا لِلْمُخْتَارِ: وَعِنْدَ التَّذْكِيرِ
ــ
[رد المحتار]
الذَّكَرِ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَبِاسْمِ أُنْثَى وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ فَبِاسْمٍ يَصْلُحُ لَهُمَا: وَلَوْ كَنَّى ابْنَهُ الصَّغِيرَ بِأَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ كَرِهَهُ بَعْضُهُمْ وَعَامَّتُهُمْ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ النَّاسَ يُرِيدُونَ بِهِ التَّفَاؤُلَ تَتَارْخَانِيَّةٌ.
«وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُغَيِّرُ الِاسْمَ الْقَبِيحَ إلَى الْحَسَنِ جَاءَهُ رَجُلٌ يُسَمَّى أَصْرَمُ فَسَمَّاهُ زُرْعَةَ وَجَاءَهُ آخَرُ اسْمُهُ الْمُضْطَجِعُ فَسَمَّاهُ الْمُنْبَعِثَ، وَكَانَ لِعُمَرَ رضي الله عنه بِنْتٌ تُسَمَّى عَاصِيَةً فَسَمَّاهَا جَمِيلَةً» ، وَلَا يُسَمَّى الْغُلَامُ يَسَارًا وَلَا رَبَاحًا وَلَا نَجَاحًا وَلَا بِأَفْلَحَ وَلَا بَرَكَةَ فَلَيْسَ مِنْ الْمَرَضِيِّ أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ عِنْدَك بَرَكَةٌ فَتَقُول لَا، وَكَذَا سَائِرُ الْأَسْمَاءِ، وَلَا يُسَمِّيهِ حَكِيمًا، وَلَا أَبَا الْحَكَمِ وَلَا أَبَا عِيسَى وَلَا عَبْدَ فُلَانٍ وَلَا يُسَمِّيهِ بِمَا فِيهِ تَزْكِيَةٌ نَحْوِ الرَّشِيدِ وَالْأَمِينِ فُصُولُ الْعَلَامِيِّ. أَيْ لِأَنَّ الْحَكَمَ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى فَلَا يَلِيقُ إضَافَةُ الْأَبِ إلَيْهِ أَوْ إلَى عِيسَى.
أَقُولُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا عَبْدَ فُلَانٍ مَنْعُ التَّسْمِيَةِ بِعَبْدِ النَّبِيِّ وَنَقَلَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ الدَّمِيرِيِّ أَنَّهُ قِيلَ بِالْجَوَازِ بِقَصْدِ التَّشْرِيفِ بِالنِّسْبَةِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْمَنْعِ خَشْيَةَ اعْتِقَادِ حَقِيقَةِ الْعُبُودِيَّةِ كَمَا لَا يَجُوزُ عَبْدُ الدَّارِ اهـ. وَمِنْ قَوْلِهِ وَلَا بِمَا فِيهِ تَزْكِيَةٌ الْمَنْعُ عَنْ نَحْوِ مُحْيِي الدِّينِ وَشَمْسِ الدِّينِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْكَذِبِ وَأَلَّفَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ مُؤَلَّفًا وَصَرَّحَ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
أَرَى الدِّينَ يَسْتَحْيِي مِنْ اللَّهِ أَنْ يُرَى
…
وَهَذَا لَهُ فَخْرٌ وَذَاكَ نَصِيرُ
فَقَدْ كَثُرَتْ فِي الدِّينِ أَلْقَابُ عُصْبَةٍ
…
هُمْ فِي مَرَاعِي الْمُنْكَرَاتِ حَمِيرُ
وَإِنِّي أُجِّلَ الدِّينَ عَنْ عِزِّهِ بِهِمْ
…
وَأَعْلَمُ أَنَّ الذَّنْبَ فِيهِ كَبِيرُ
وَنُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ مَنْ يُلَقِّبُهُ بِمُحْيِي الدِّينِ، وَيَقُولُ لَا أَجْعَلُ مَنْ دَعَانِي بِهِ فِي حِلٍّ وَمَالَ إلَى ذَلِكَ الْعَارِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى الشَّيْخُ سِنَانٌ فِي كِتَابِهِ تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ، وَأَقَامَ الطَّامَّةَ الْكُبْرَى عَلَى الْمُتَّسِمِينَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ مِنْ التَّزْكِيَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فِي الْقُرْآنِ. وَمِنْ الْكَذِبِ قَالَ وَنَظِيرُهُ مَا يُقَالُ لِلْمُدَرِّسِينَ بِالتُّرْكِيِّ أَفَنْدِي وَسُلْطَانٍ وَنَحْوِهِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ مَجَازَاتٌ صَارَتْ كَالْأَعْلَامِ، فَخَرَجَتْ عَنْ التَّزْكِيَةِ. فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا يَرُدُّهُ مَا يُشَاهَدُ مِنْ أَنَّهُ إذَا نُودِيَ بِاسْمِهِ الْعَلَمِ وَجَدَ عَلَى مَنْ نَادَاهُ بِهِ فَعُلِمَ أَنَّ التَّزْكِيَةَ بَاقِيَةٌ، وَقَدْ كَانَ الْكِبَارُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ يُنَادَوْنَ بِأَعْلَامِهِمْ وَلَمْ يُنْقَلْ كَرَاهَتُهُمْ لِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ تَرْكُ تَعْظِيمٍ لِلْعِلْمِ وَأَهْلِهِ لَنَهَوْا عَنْهُ مَنْ نَادَاهُمْ بِهَا اهـ. مُلَخَّصًا. وَقَدْ أَطَالَ بِمَا يَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهُ.
(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْعُوَ إلَخْ) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يُفِيدُ التَّعْظِيمَ كَيَا سَيِّدِي وَنَحْوِهِ لِمَزِيدِ حَقِّهِمَا عَلَى الْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ التَّزْكِيَةِ، لِأَنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى الْمَدْعُوِّ بِأَنْ يَصِفَ نَفْسَهُ بِمَا يُفِيدُهَا لَا إلَى الدَّاعِي الْمَطْلُوبِ مِنْهُ التَّأَدُّبُ مَعَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ.
(قَوْلُهُ وَفِيهَا) أَيْ فِي السِّرَاجِيَّةِ (وَقَوْلُهُ يُكْرَهُ الْكَلَامُ فِي الْمَسْجِدِ) وَرَدَ «أَنَّهُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ» وَحَمَلَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا عَلَى مَا إذَا جَلَسَ لِأَجْلِهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمُبَاحِ لَا فِي غَيْرِهِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ وِزْرًا (قَوْلُهُ وَخَلْفَ الْجِنَازَةِ) أَيْ مَعَ رَفْعِ الصَّوْتِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ قُبَيْلَ الْمُسَابَقَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْخَلَاءِ) لِأَنَّهُ يُورِثُ الْمَقْتَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ط (قَوْلُهُ وَفِي حَالَةِ الْجِمَاعِ) لِأَنَّ مَبْنِيٌّ عَلَى السِّتْرِ، وَكَانَ يَأْمُرُ صلى الله عليه وسلم فِيهِ بِالْأَدَبِ ط.
وَذَكَرَ فِي الشِّرْعَةِ: أَنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُكْثِرَ الْكَلَامَ فِي حَالَةِ الْوَطْءِ فَإِنَّ مِنْهُ خَرَسُ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ التَّذْكِيرِ) أَيْ مَعَ رَفْعِ الصَّوْتِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَيْسَ الْمُرَادُ رَفْعَ الْوَاعِظِ صَوْتَهُ عِنْدَ الْوَعْظِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ رَفْعُ بَعْضِ الْقَوْمِ صَوْتَهُ بِالتَّهْلِيلِ،
فَمَا ظَنُّك بِهِ عِنْدَ الْغِنَاءِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ وَجْدًا.
(لِلْعَرَبِيَّةِ فَضْلٌ عَلَى سَائِرِ الْأَلْسُنِ وَهُوَ لِسَانُ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْ تَعَلَّمَهَا أَوْ عَلَّمَهَا غَيْرَهُ فَهُوَ مَأْجُورٌ) وَفِي الْحَدِيثِ «أَحِبُّوا الْعَرَبَ لِثَلَاثٍ لِأَنِّي عَرَبِيٌّ وَالْقُرْآنُ عَرَبِيٌّ وَلِسَانُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ عَرَبِيٌّ» . .
وَفِيهَا (تَطْيِينُ الْقُبُورِ لَا يُكْرَهُ فِي الْمُخْتَارِ) وَقِيلَ يُكْرَهُ وَقَالَ الْبَزْدَوِيُّ: لَوْ اُحْتِيجَ لِلْكِتَابَةِ كَيْ لَا يَذْهَبَ الْأَثَرُ وَلَا يُمْتَهَنَ لَا بَأْسَ بِهِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي الْجَنَائِزِ.
(يُكْرَهُ تَمَنَّى الْمَوْتِ) لِغَضَبٍ أَوْ ضِيقِ عَيْشٍ (إلَّا لِخَوْفِ الْوُقُوعِ فِي مَعْصِيَةٍ) أَيْ فَيُكْرَهُ لِخَوْفِ الدُّنْيَا لَا الدِّينِ لِحَدِيثِ «فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا» خُلَاصَةٌ.
(وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الصَّبِيِّ اللُّؤْلُؤَ وَكَذَا الْبَالِغُ) كَذَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مَعْزِيًّا لِلْمُنْيَةِ وَقَاسَ عَلَيْهِ الطَّرَسُوسِيُّ بَقِيَّةَ الْأَحْجَارِ كَيَاقُوتٍ وَزُمُرُّدٍ وَنَازَعَهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ، وَجَزَمَ فِي الْجَوْهَرَةِ بِحُرْمَةِ اللُّؤْلُؤِ.
ــ
[رد المحتار]
وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذِكْرِهِ (قَوْلُهُ فَمَا ظَنُّك بِهِ) أَيْ بِرَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَ الْغِنَاءِ، وَالْمُرَادُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ (قَوْلُهُ أَحِبُّوا الْعَرَبَ) كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ مُسْنَدًا إلَى وَاوِ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: أُحِبُّ بِلَا وَاوٍ مُسْنَدٌ لِلْمُتَكَلِّمِ، أَوْ أَمْرٌ لِلْمُفْرَدِ، مِنْ أَحَبَّ قَالَ الْجِرَاحِيُّ: وَسَنَدُهُ فِيهِ ضَعِيفٌ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حُبِّ الْعَرَبِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ يَصِيرُ الْحَدِيثُ بِمَجْمُوعِهَا حَسَنًا، وَقَدْ أَفْرَدَهَا بِالتَّأْلِيفِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ وَمِنْهُمْ صَدِيقُنَا الْكَامِلُ السَّيِّدُ مُصْطَفَى الْبِكْرِيُّ، فَإِنَّهُ أَلَّفَ فِيهِ رِسَالَةً نَحْوَ الْعِشْرِينَ كُرَّاسَةً اهـ. وَالْمُرَادُ الْحَثُّ عَلَى حُبِّ الْعَرَبِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُمْ عَرَبًا، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُمْ مَا يَقْتَضِي زِيَادَةَ الْحُبِّ بِمَا فُهِمَ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْفَضَائِلِ وَقَدْ يَعْرِضُ مَا يُوجِبُ الْبُغْضَ بِمَا يَعْرِضُ لَهُمْ مِنْ كُفْرٍ وَنِفَاقٍ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنَاوِيِّ الْكَبِيرِ (قَوْلُهُ وَلِسَانُ أَهْلِ الْجَنَّةِ) الَّذِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكَلَامُ أَهْلِ الْجَنَّةِ
(قَوْلُهُ أَيْ فَيُكْرَهُ) بَيَانٌ لِحَاصِلِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ: رَجُلٌ تَمَنَّى الْمَوْتَ لِضِيقِ عَيْشِهِ أَوْ غَضَبٍ مِنْ عَدُوِّهِ يُكْرَهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام " «لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ» وَإِنْ كَانَ لِتَغَيُّرِ زَمَانِهِ وَظُهُورِ الْمَعَاصِي فِيهِ مَخَافَةَ الْوُقُوعِ فِيهَا لَا بَأْسَ بِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ «فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا» اهـ.
أَقُولُ: وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي»
(قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الصَّبِيِّ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْإِلْبَاسِ مَصْدَرُ الْمَزِيدِ وَأَنْ يَقُولَ وَكَذَا لُبْسُ الْبَالِغِ (قَوْلُهُ وَنَازَعَهُ ابْنُ وَهْبَانَ إلَخْ) وَقَالَ أَيْضًا فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ تَعَارَضَتْ فِي جَوَازِ لُبْسِهِ اهـ. لَكِنْ رَدَّهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ بِأَنَّهُ سَفْسَافٌ مِنْ الْقَوْلِ لَا نَعْلَمُ لَهُ دَلِيلًا، وَرَدَ فِي النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ شَيْءٍ مِنْهَا اهـ.
أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ إنَّ قَوْله تَعَالَى - {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [النحل: 14]- أَيْ اللُّؤْلُؤَ وَالْمَرْجَانَ يُفِيدُ الْجَوَازَ وَكَذَا قَوْله تَعَالَى - {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]- وَأَمَّا النَّهْيُ فَمِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ تَشْبِيهًا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّهُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ» " لَكِنْ يَدْخُلُ فِي هَذَا اللُّؤْلُؤُ أَيْضًا بِالْأَوْلَى، لِأَنَّ تَحَلِّيهِنَّ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَحْجَارِ فَالتَّفْرِقَةُ غَيْرُ مُنَاسِبَةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَجَزَمَ فِي الْجَوْهَرَةِ بِحُرْمَةِ اللُّؤْلُؤِ) وَكَذَا فِي السِّرَاجِ،
قُلْت: وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ مَا فِي الْمُنْيَةِ عَلَى قَوْلِهِ: وَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا قَالَ، وَقَدْ رَجَّحُوا قَوْلَهُمَا. فَفِي الْكَافِي قَوْلُهُمَا أَقْرَبُ إلَى عُرْفِ دِيَارِنَا فَيُفْتَى بِهِ، ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَعَلَيْهِ فَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ حُرْمَةُ لُبْسِ اللُّؤْلُؤِ وَنَحْوِهِ عَلَى الرِّجَالِ لِأَنَّهُ مِنْ حُلِيِّ النِّسَاءِ.
(وَيُكْرَهُ) لِلْوَلِيِّ إلْبَاسُ (الْخَلْخَالِ أَوْ السِّوَارِ لِصَبِيٍّ) وَلَا بَأْسَ بِثَقْبِ أُذُنِ الْبِنْتِ وَالطِّفْلِ اسْتِحْسَانًا مُلْتَقَطٌ. قُلْت: وَهَلْ يَجُوزُ الْخِزَامُ فِي الْأَنْفِ، لَمْ أَرَهُ، وَيُكْرَهُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى الْكِتَابَةُ بِالْقَلَمِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ مِنْ دَوَاةٍ كَذَلِكَ سِرَاجِيَّةٌ.
ثُمَّ قَالَ: لَا بَأْسَ بِتَمْوِيهِ السِّلَاحِ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَلَا بَأْسَ بِسَرْجٍ وَلِجَامٍ وَثَفَرٍ مِنْ الذَّهَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ.
(وَجَارِيَةٌ لِزَيْدٍ قَالَ بَكْرٌ وَكَّلَنِي زَيْدٌ بِبَيْعِهَا حَلَّ لِعَمْرٍو شِرَاؤُهَا وَوَطْؤُهَا) لِقَبُولِ قَوْلِ بَكْرٍ إنَّ أَكْبَرَ رَأْيِهِ صِدْقُهُ كَمَا مَرَّ وَإِنَّ أَكْبَرَ رَأْيِهِ كَذِبُهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا يَشْتَرِي مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يُخْبِرْهُ إنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ لِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهِ مِنْهُ.
(كَمَا حَلَّ وَطْءُ مَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ وَقَالَ النِّسَاءُ هِيَ امْرَأَتُك وَ) حَلَّ (نِكَاحُ مَنْ قَالَتْ طَلَّقَنِي زَوْجِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي أَوْ كُنْت أَمَةً لِفُلَانٍ وَأَعْتَقَنِي) إنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهَا وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ.
ــ
[رد المحتار]
وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ مِنْ حُلِيِّ النِّسَاءِ (قَوْلُهُ وَحَمَلَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ اللُّبْسِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ، ثُمَّ قِيلَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ لَا بَأْسَ لِلرِّجَالِ بِلُبْسِ اللُّؤْلُؤِ الْخَالِصِ (قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِهِمَا) أَيْ مِنْ أَنَّ لُبْسَ عِقْدِ اللُّؤْلُؤِ لُبْسُ حُلِيٍّ، وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْمُتُونِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ، فَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا فَلَبِسَ ذَلِكَ يَحْنَثُ لِلْعُرْفِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ كَوْنُ الْمُرَجَّحِ قَوْلَهُمَا وَأَقُولُ فِي اعْتِمَادِ الْحُرْمَةِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ نَظَرٌ، لِأَنَّ تَرْجِيحَ قَوْلِهِمَا بِكَوْنِهِ حُلِيًّا، لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ، وَكَوْنُ الْعُرْفِ يَعُدُّهُ حُلِيًّا يُفِيدُ الْحِنْثَ فِي حَلِفِهِ لَا يُلْبَسُ حُلِيًّا، وَلَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَحْرُمُ لُبْسُهُ عَلَى الرِّجَالِ إذْ لَيْسَ كُلُّ حُلِيٍّ حَرَامًا عَلَى الرِّجَالِ بِدَلِيلِ حِلِّ الْخَاتَمِ وَالْعَلَمِ وَالثَّوْبِ الْمَنْسُوجِ بِالذَّهَبِ أَرْبَعَةَ أَصَابِعَ وَحِلْيَةِ السَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ.
نَعَمْ التَّعْلِيلُ الْآتِي بِأَنَّهُ مِنْ حُلِيِّ النِّسَاءِ ظَاهِرٌ فِي إفَادَةِ الْحُرْمَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِهِنَّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ الْخَلْخَالُ) كَبِلْبَالٍ وَيُسَمَّى خَلْخَلًا وَيُضَمُّ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ لِلصَّبِيِّ) أَيْ الذَّكَرِ لِأَنَّهُ مِنْ زِينَةِ النِّسَاءِ ط (قَوْلُهُ وَالطِّفْلِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الذَّكَرُ مَعَ أَنَّ ثَقْبَ الْأُذُنِ لِتَعْلِيقِ الْقُرْطِ، وَهُوَ مِنْ زِينَةِ النِّسَاءِ، فَلَا يَحِلُّ لِلذُّكُورِ، وَاَلَّذِي فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ، وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة: لَا بَأْسَ بِثَقْبِ أُذُنِ الطِّفْلِ مِنْ الْبَنَاتِ وَزَادَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَلَا يَجُوزُ ثَقْبُ آذَانِ الْبَنِينَ فَالصَّوَابُ إسْقَاطُ الْوَاوِ (قَوْلُهُ لَمْ أَرَهُ) قُلْت: إنْ كَانَ مِمَّا يَتَزَيَّنُ النِّسَاءُ بِهِ كَمَا هُوَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فَهُوَ فِيهَا كَثَقْبِ الْقُرْطِ اهـ ط وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى جَوَازِهِ مَدَنِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى إلَخْ) قَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ النِّسَاءَ فِيمَا سِوَى الْحُلِيِّ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْأَدْهَانِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعُقُودِ بِمَنْزِلَةِ الرِّجَالِ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ إلَخْ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى قَبْلَ فَصْلِ اللُّبْسِ (قَوْلُهُ وَثَفَرٍ) بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْفَاءِ مُحَرَّكًا وَهُوَ مِنْ السَّرْجِ مَا يُجْعَلُ تَحْتَ ذَنَبِ الدَّابَّةِ اهـ مُغْرِبٌ وَقَدْ يُسَكَّنُ قَامُوسٌ.
(قَوْلُهُ جَارِيَةٌ لِزَيْدٍ) أَيْ يَعْلَمُ عَمْرٌو أَنَّهَا لِزَيْدٍ أَوْ أَخْبَرَهُ بَكْرٌ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ إنْ أَكْبَرُ رَأْيِهِ صِدْقَهُ إلَخْ) أَكْبَرُ اسْمُ كَانَ الْمَحْذُوفَةِ وَصِدْقَهُ بِالنَّصْبِ خَبَرُهَا، وَهَذَا التَّفْصِيلُ إذَا كَانَ الْمُخْبِرُ غَيْرَ ثِقَةٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا قُبِلَ لِأَنَّ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ غَيْرُ لَازِمَةٍ لِلْحَاجَةِ كَمَا مَرَّ، وَأَكْبَرُ الرَّأْيِ يُقَامُ مَقَامَ الْيَقِينِ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُخْبِرْهُ إلَخْ) أَيْ وَلَمْ يَعْرِفْ الشَّارِي ذَلِكَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: فَإِنْ كَانَ عَرَّفَهَا لِلْأَوَّلِ لَمْ يَشْتَرِهَا حَتَّى يَعْلَمَ انْتِقَالَهَا إلَى مِلْكِ الثَّانِي اهـ زَادَ الزَّيْلَعِيُّ أَوْ أَنَّهُ وَكَّلَهُ (قَوْلُهُ فَلَا بَأْسَ بِشِرَائِهِ مِنْهُ) وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا، لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِأَكْبَرِ الرَّأْيِ عِنْدَ وُجُودِ الدَّلِيلِ الظَّاهِرِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لَا يَمْلِكُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَنَزَّهَ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهَا صَحَّ لِاعْتِمَادِهِ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ، وَلَوْ الْبَائِعُ عَبْدًا لَمْ يَشْتَرِهَا حَتَّى يَسْأَلَ، لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا مِلْكَ لَهُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِالْإِذْنِ فَإِنْ كَانَ ثِقَةً قُبِلَ وَإِلَّا يُعْتَبَرُ أَكْبَرُ الرَّأْيِ، وَإِنْ كَانَ لَا رَأْيَ لَهُ لَا يَشْتَرِهَا لِقِيَامِ الْمَانِعِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ هِدَايَةٌ أَوْ غَيْرُهَا
(قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ)
قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى أَخْبَرَتْ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ، فَإِنْ ثِقَةً أَوْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهَا لَا بَأْسَ بِتَزَوُّجِهَا، وَإِنْ بِأَمْرٍ مُسْتَنْكَرٍ لَا مَا لَمْ يَسْتَفْسِرْهَا.
[فُرُوعٌ]
كَتَبَ أَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ يَكْتُبُ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَإِذَا كَتَبَ الْمُفْتِي يَدِينُ يَكْتُبُ وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لِيَقْضِيَ الْقَاضِي بِحِنْثِهِ.
التَّرْجِيعُ بِالْقُرْآنِ وَالْأَذَانِ بِالصَّوْتِ الطَّيِّبِ طَيِّبٌ إنْ لَمْ يَزِدْ فِيهِ الْحُرُوفَ وَإِنْ زَادَ كُرِهَ لَهُ وَلِمُسْتَمِعِهِ، وَقَوْلُهُ أَحْسَنْت إنْ لِسُكُوتِهِ فَحَسَنٌ وَإِنْ لِتِلْكَ الْقِرَاءَةِ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ.
الْمُنَاظَرَةُ فِي الْعِلْمِ لِنُصْرَةِ الْحَقِّ عِبَادَةٌ وَلِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ حَرَامٌ لِقَهْرِ مُسْلِمٍ وَإِظْهَارِ عِلْمٍ وَنَيْلِ دُنْيَا أَوْ مَالٍ أَوْ قَبُولٍ.
التَّذْكِيرُ عَلَى الْمَنَابِرِ لِلْوَعْظِ وَالِاتِّعَاظِ سُنَّةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَلِرِيَاسَةٍ وَمَالٍ وَقَبُولِ عَامَّةٍ مِنْ ضَلَالَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.
ــ
[رد المحتار]
وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ فِي فَصْلِ الْبَيْعِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ (قَوْلُهُ وَإِنْ بِأَمْرٍ مُسْتَنْكَرٍ) كَمَا إذَا تَزَوَّجَتْ رَجُلًا ثُمَّ قَالَتْ لِرَجُلٍ آخَرَ: كَانَ نِكَاحِي فَاسِدًا أَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ لَا يَسَعُ الثَّانِي أَنْ يَقْبَلَ قَوْلَهَا وَلَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ بِأَمْرٍ مُسْتَنْكَرٍ، وَكَمَا إذَا قَالَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ حَلَلْت لَك، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَا لَمْ يَسْتَفْسِرْهَا، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي حِلِّهَا لَهُ بِمُجَرَّدِ نِكَاحِ الثَّانِي، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَحِلُّ لَهُ فَلَعَلَّهَا اعْتَمَدَتْ هَذَا الْقَوْلَ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِفْسَارِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ
(قَوْلُهُ كَتَبَ إلَخْ) مِثْلُ الْكِتَابَةِ السُّؤَالُ بِالْقَوْلِ، وَمِثْلُ الشَّافِعِيِّ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ ط (قَوْلُهُ يَكْتُبُ جَوَابَ أَبِي حَنِيفَةَ) هَذَا بِنَاءً عَلَى مَا قَالُوا إنَّهُ يَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ مَذْهَبَهُ صَوَابٌ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ وَمَذْهَبُ غَيْرِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ، وَالْحَقُّ جَوَازُهُ، وَهَذَا الِاعْتِقَادُ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ لَا فِي حَقِّ التَّابِعِ الْمُقَلِّدِ، فَإِنَّ الْمُقَلِّدَ يَنْجُو بِتَقْلِيدِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي الْفُرُوعِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّرْجِيحُ اهـ. ط وَمِثْلُهُ فِي خُلَاصَةُ التَّحْقِيقِ فِي بَيَانِ حُكْمِ التَّقْلِيدِ، وَالتَّلْفِيقِ لِلْأُسْتَاذِ عَبْدِ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيِّ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ (قَوْلُهُ وَإِذَا كَتَبَ الْمُفْتِي يَدِينُ) أَيْ كَتَبَ هَذَا اللَّفْظَ بِأَنْ سُئِلَ مَثَلًا عَمَّنْ حَلَفَ وَاسْتَثْنَى وَلَمْ يَسْمَعْ أَحَدًا يُجِيبُ بِأَنَّهُ يَدِينُ أَيْ لَا يَحْنَثُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَلَكِنْ يَكْتُبُ بَعْدَهُ وَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً لِأَنَّ الْقَضَاءَ تَابِعٌ لِلْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا لِجَهْلِ الْقُضَاةِ فَرُبَّمَا ظَنَّ الْقَاضِي أَنَّهُ يُصَدَّقُ قَضَاءً أَيْضًا (قَوْلُهُ التَّرْجِيعُ بِالْقُرْآنِ وَالْأَذَانِ إلَخْ) الْأَوْلَى التَّلْحِينُ أَيْ التَّغَنِّي، لِأَنَّ التَّرْجِيعَ فِي اللُّغَةِ التَّرْدِيدُ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَمِنْهُ التَّرْجِيعُ فِي الْأَذَانِ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ خَافِضًا بِهِمَا صَوْتَهُ، ثُمَّ يُرَجِّعُهُمَا رَافِعًا بِهِمَا صَوْتَهُ اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَإِنْ كَانَتْ الْأَلْحَانُ لَا تُغَيِّرُ الْكَلِمَةَ عَنْ وَضْعِهَا، وَلَا تُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ الْحُرُوفِ الَّتِي حَصَلَ التَّغَنِّي بِهَا، حَتَّى يَصِيرَ الْحَرْفُ حَرْفَيْنِ، بَلْ لِتَحْسِينِ الصَّوْتِ، وَتَزَيُّنِ الْقِرَاءَةِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا، وَإِنْ كَانَ يُغَيِّرُ الْكَلِمَةَ مِنْ مَوْضِعِهَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ إدْخَالُ الْمَدِّ فِي حُرُوفِ الْمَدِّ وَاللِّينِ وَالْهَوَائِيَّةِ وَالْمُعْتَلِّ اهـ. وَوَرَدَ فِي تَحْسِينِ الْقِرَاءَةِ بِالصَّوْتِ أَحَادِيثُ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه بِلَفْظِ «حَسِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ فَإِنَّ الصَّوْتَ الْحَسَنَ يَزِيدُ الْقُرْآنَ حُسْنًا» " (قَوْلُهُ وَإِنْ زَادَ) بِأَنْ أَخْرَجَ الْكَلِمَةَ عَنْ مَعْنَاهَا كُرِهَ أَيْ حَرُمَ (قَوْلُهُ يَخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرَ) لِأَنَّهُ جَعَلَ الْحَرَامَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ حَسَنًا ط وَلَعَلَّهُ لَمْ يَكْفُرْ جَزْمًا لِأَنَّ تَحْسِينَهُ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَخْرَجَ الْقُرْآنَ عَنْ وَضْعِهِ، بَلْ مِنْ حَيْثُ تَنْعِيمُهُ وَتَطَيُّبُهُ تَأَمَّلْ. وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا مَا يُقَالُ فِي زَمَانِنَا لِمَنْ يُغْنِي لِلنَّاسِ الْغِنَاءَ الْمُحَرَّمَ: بَارَكَ اللَّهُ طَيَّبَ اللَّهُ الْأَنْفَاسَ، فَإِنْ قَصَدَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءَ لَهُ لِسُكُوتِهِ فَحَسَنٌ وَإِنْ لِغِنَائِهِ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ أُخْرَى مَعَ السَّمَاعِ يُخْشَى مِنْهَا ذَلِكَ فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ.
(قَوْلُهُ وَنَيْلِ دُنْيَا أَوْ مَالٌ أَوْ قَبُولٍ) عِبَارَةُ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ نَحْوُ الْمَالِ أَوْ الْقَبُولِ، وَهِيَ كَذَلِكَ
قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِقِرَاءَةٍ مَعْرُوفَةٍ وَشَاذَّةٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ.
يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ خِضَابُ شَعْرِهِ وَلِحْيَتِهِ وَلَوْ فِي غَيْرِ حَرْبٍ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَفْعَلْهُ، وَيُكْرَهُ بِالسَّوَادِ، وَقِيلَ لَا مَجْمَعُ الْفَتَاوَى وَالْكُلُّ مِنْ مِنَحِ الْمُصَنِّفِ.
الْكُتُبُ الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ بِهَا يُمْحَى عَنْهَا اسْمُ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَيُحْرَقُ الْبَاقِي وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تُلْقَى فِي مَاءٍ جَارٍ كَمَا هِيَ أَوْ تُدْفَنَ وَهُوَ أَحْسَنُ كَمَا فِي الْأَنْبِيَاءِ.
الْقَصَصُ الْمَكْرُوهُ أَنْ يُحَدِّثَهُمْ بِمَا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ مَعْرُوفٌ أَوْ يَعِظَهُمْ بِمَا لَا يُتَّعَظُ بِهِ أَوْ يَزِيدَ وَيُنْقِصَ يَعْنِي فِي أَصْلِهِ، أَمَّا لِلتَّزَيُّنِ بِالْعِبَارَاتِ اللَّطِيفَةِ الْمُرَقَّقَةِ وَالشَّرْحِ لِفَوَائِدِهِ فَذَلِكَ حَسَنٌ.
وَالْأَفْضَلُ مُشَارَكَةُ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ فِي إعْطَاءِ النَّائِبَةِ لَكِنْ فِي زَمَانِنَا أَكْثَرُهَا ظُلْمٌ فَمَنْ تَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ أَعْطَى فَلِيُعْطِ مِنْ عَجْزٍ. لَيْسَ لِذِي الْحَقِّ أَنْ يَأْخُذَ غَيْرَ جِنْسِ حَقِّهِ وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ الْأَوْسَعُ.
مُعَلِّمٌ طَلَبَ مِنْ الصِّبْيَانِ أَثْمَانَ الْحُصْرِ فَجَمَعَهَا فَشَرَى بِبَعْضِهَا وَأَخَذَ بَعْضَهَا لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَهُ مِنْ الْآبَاءِ.
ــ
[رد المحتار]
فِي الْمِنَحِ.
(قَوْلُهُ وَشَاذَّةٍ) هِيَ مَا فَوْقَ الْعَشْرِ ط (قَوْلُهُ دَفْعَةً) وَأَوْلَى بِالْكَرَاهَةِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الشَّاذَّةِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا تُفْسِدُهَا ط (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ التَّرْجِيعُ بِالْقُرْآنِ إلَى هُنَا
(قَوْلُهُ خِضَابُ شَعْرِهِ وَلِحْيَتِهِ) لَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِلتَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَفْعَلْهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ تُوُفِّيَ وَلَمْ يَبْلُغْ شَيْبُهُ عِشْرِينَ شَعْرَةً فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، بَلْ كَانَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ. وَوَرَدَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه خَضَبَ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ مَدَنِيٌّ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ بِالسَّوَادِ) أَيْ لِغَيْرِ الْحَرْبِ.
قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: أَمَّا الْخِضَابُ بِالسَّوَادِ لِلْغَزْوِ، لِيَكُونَ أَهْيَبَ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ فَهُوَ مَحْمُودٌ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ لِيُزَيِّنَ نَفْسَهُ لِلنِّسَاءِ فَمَكْرُوهٌ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَهُ بِلَا كَرَاهَةٍ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: كَمَا يُعْجِبُنِي أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي يُعْجِبُهَا أَنْ أَتَزَيَّنَ لَهَا
(قَوْلُهُ الْكُتُبُ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ مِنْ هُنَا إلَى النَّظْمِ كُلُّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُجْتَبَى كَمَا يَأْتِي الْعَزْوُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْأَنْبِيَاءِ) كَذَا فِي غَالِبِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ لَكِنَّ عِبَارَةَ الْمُجْتَبَى وَالدَّفْنُ أَحْسَنُ كَمَا فِي الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ إذَا مَاتُوا، وَكَذَا جَمِيعُ الْكُتُبِ إذَا بَلِيَتْ وَخَرَجَتْ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا اهـ. يَعْنِي أَنَّ الدَّفْنَ لَيْسَ فِيهِ إخْلَالٌ بِالتَّعْظِيمِ، لِأَنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ يُدْفَنُونَ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: الْمُصْحَفُ إذَا صَارَ خَلَقًا وَتَعَذَّرَ الْقِرَاءَةُ مِنْهُ لَا يُحْرَقُ بِالنَّارِ إلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ وَبِهِ نَأْخُذُ، وَلَا يُكْرَهُ دَفْنُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُلَفَّ بِخِرْقَةٍ طَاهِرَةٍ، وَيُلْحَدَ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ شُقَّ وَدُفِنَ يَحْتَاجُ إلَى إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ، وَفِي ذَلِكَ نَوْعُ تَحْقِيرٍ إلَّا إذَا جُعِلَ فَوْقَهُ سَقْفٌ وَإِنْ شَاءَ غَسَلَهُ بِالْمَاءِ أَوْ وَضَعَهُ فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ لَا تَصِلُ إلَيْهِ يَدُ مُحْدِثٍ وَلَا غُبَارٌ، وَلَا قَذَرٌ تَعْظِيمًا لِكَلَامِ اللَّهِ عز وجل اهـ.
(قَوْلُهُ الْقَصَصُ) بِفَتْحَتَيْنِ مَصْدَرُ قَصَّ (قَوْلُهُ يَعْنِي فِي أَصْلِهِ) أَيْ بِأَنْ يَزِيدَ عَلَى أَصْلِ الْكَلَامِ أَشْيَاءَ مِنْ عِنْدِهِ غَيْرَ ثَابِتَةٍ أَوْ يُنْقِصَ مَا يُخْرِجُ الْمَنْقُولَ الثَّابِتَ عَنْ مَعْنَاهُ (قَوْلُهُ فَمَنْ تَمَكَّنَ إلَخْ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا لَوْ تَحَمَّلَ غَيْرُهُ نَائِبَتَهُ. وَفِي الْقُنْيَةِ تَوَجَّهَ عَلَى جَمَاعَةٍ جِبَايَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلِبَعْضِهِمْ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَحْمِلْ حِصَّتَهُ عَلَى الْبَاقِينَ، وَإِلَّا فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَدْفَعَهَا عَنْ نَفْسِهِ قَالَ رضي الله عنه: وَفِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ إعْطَاءَهُ إعَانَةٌ لِلظَّالِمِ عَلَى ظُلْمِهِ ثُمَّ ذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ مُشَارَكَةَ جَرِيرٍ وَوَلَدِهِ مَعَ سَائِرِ النَّاسِ فِي دَفْعِ النَّائِبَةِ بَعْدَ الدَّفْعِ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ: هَذَا كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ، لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الطَّاعَةِ وَأَكْثَرُ النَّوَائِبِ فِي زَمَانِنَا بِطَرِيقِ الظُّلْمِ فَمَنْ تَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ اهـ. مَا فِي الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ) قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْحَجْرِ: أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ، أَمَّا الْيَوْمَ فَالْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَوْسَعُ) لِتَعَيُّنِهِ طَرِيقًا لِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِ فَيَنْتَقِلُ حَقُّهُ مِنْ الصُّورَةِ إلَى الْمَالِيَّةِ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ مُجْتَبًى، وَفِيهِ وَجَدَ دَنَانِيرَ مَدْيُونِهِ وَلَهُ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِاتِّحَادِهِمْ جِنْسًا فِي الثَّمَنِيَّةِ اهـ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لَهُ مِنْ الْآبَاءِ)
لَا بَأْسَ بِوَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ بِمُعَايَنَةِ الْأَمَةِ دُونَ عَكْسِهِ.
وَجَدَ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَوْ لَهُ قِيمَةٌ وَهُوَ غَنِيٌّ تَصَدَّقَ بِهِ.
لَا بَأْسَ بِالْجِمَاعِ فِي بَيْتٍ فِيهِ مُصْحَفٌ لِلْبَلْوَى.
لَا تَرْكَبُ مُسْلِمَةٌ عَلَى سَرْجٍ لِلْحَدِيثِ. هَذَا لَوْ لِلتَّلَهِّي، وَلَوْ لِحَاجَةِ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ مَقْصِدٍ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ.
تَغَنَّى بِالْقُرْآنِ وَلَمْ يَخْرُجْ بِأَلْحَانِهِ عَنْ قَدْرٍ هُوَ صَحِيحٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ مُسْتَحْسَنٌ.
ذِكْرُ اللَّهِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْلَى مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَتُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ عِنْدَ الطُّلُوعِ أَوْ الْغُرُوبِ.
لَا بَأْسَ لِلْإِمَامِ عَقِبَ الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَخَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَالْإِخْفَاءُ أَفْضَلُ.
قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ جَهْرًا لِلْمُهِمَّاتِ بِدْعَةٌ قَالَ أُسْتَاذُنَا: لَكِنَّهَا مُسْتَحْسَنَةٌ لِلْعَادَةِ وَالْآثَارِ.
الرِّشْوَةُ لَا تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ.
لَا بَأْسَ بِالرِّشْوَةِ إذَا خَافَ عَلَى دِينِهِ وَالنَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام.
ــ
[رد المحتار]
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ لَا يَتَأَمَّلُونَ مِنْهُ أَنْ يَرُدَّ الزَّائِدَ عَلَى مَا يَشْتَرِي بِهِ مَعَ عِلْمِهِمْ غَالِبًا، بِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ يَزِيدُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَادَةَ مُحَكَّمَةٌ فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِوَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَنَقَلَ فِي الْهِنْدِيَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ تَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ بَعْدَ التَّعْرِيفِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِالْجِمَاعِ فِي بَيْتٍ فِيهِ مُصْحَفٌ لِلْبَلْوَى) قَيَّدَهُ فِي الْقُنْيَةِ بِكَوْنِهِ مَسْتُورًا وَإِنْ حُمِلَ مَا فِيهَا عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ زَالَ التَّنَافِي ط (قَوْلُهُ لِلْحَدِيثِ) وَهُوَ " «لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ» ذَخِيرَةٌ. لَكِنْ نَقَلَ الْمَدَنِيُّ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ اهـ. يَعْنِي بِهَذَا اللَّفْظِ وَإِلَّا فَمَعْنَاهُ ثَابِتٌ، فَفِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» وَلِلطَّبَرَانِيِّ «أَنَّ امْرَأَةً مَرَّتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَقَلِّدَةً قَوْسًا فَقَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَالْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ» "(قَوْلُهُ وَلَوْ لِحَاجَةِ غَزْوٍ إلَخْ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مُتَسَتِّرَةً وَأَنْ تَكُونَ مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ (قَوْلُهُ أَوْ مَقْصِدٍ دِينِيٍّ) كَسَفَرٍ لِصِلَةِ رَحِمٍ ط
(قَوْلُهُ تَغَنَّى بِالْقُرْآنِ إلَخْ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَتُسْتَحَبُّ إلَخْ) كَذَا ذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ رَامِزًا لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ، فَإِنَّ الْأُولَى تُفِيدُ اسْتِحْبَابَ الذِّكْرِ دُونَ الْقِرَاءَةِ، وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْقُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالدُّعَاءُ وَالتَّسْبِيحُ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا
(قَوْلُهُ لَا بَأْسَ لِلْإِمَامِ) أَيْ وَالْمُقْتَدِينَ (قَوْلُهُ عَقِبَ الصَّلَاةِ) أَيْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ إمَامٌ يَعْتَادُ كُلَّ غَدَاةٍ مَعَ جَمَاعَتِهِ قِرَاءَةَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَآخِرَ الْبَقَرَةِ -، وَ {شَهِدَ اللَّهُ} [آل عمران: 18]- وَنَحْوَهَا جَهْرًا لَا بَأْسَ بِهِ وَالْإِخْفَاءُ أَفْضَلُ اهـ. وَتَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّ قِرَاءَةَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالْمُعَوِّذَاتِ وَالتَّسْبِيحَاتِ مُسْتَحَبَّةٌ وَأَنَّهُ يُكْرَهُ تَأْخِيرُ السُّنَّةِ إلَّا بِقَدْرِ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ إلَخْ (قَوْلُهُ قَالَ أُسْتَاذُنَا) هُوَ الْبَدِيعُ شَيْخُ صَاحِبِ الْمُجْتَبَى وَاخْتَارَ الْإِمَامُ جَلَالُ الدِّينِ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ بَعْدَهَا سُنَّةٌ يُكْرَهُ وَإِلَّا فَلَا اهـ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ
(قَوْلُهُ لَا تُمْلَكُ بِالْقَبْضِ) فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهَا وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى بَعْدَ هَذَا وَلَوْ دَفَعَ الرِّشْوَةَ بِغَيْرِ طَلَبِ الْمُرْتَشِي، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ قَضَاءً وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْتَشِي رَدُّهَا وَكَذَا الْعَالِمُ إذَا أَهْدَى إلَيْهِ لِيَشْفَعَ أَوْ يَدْفَعَ ظُلْمًا فَهُوَ رِشْوَةٌ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذَا سَعَى لَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَأَتَمَّ أَمْرَهُ لَا بَأْسَ بِقَبُولِ هَدِيَّتِهِ بَعْدُ وَقَبْلَهُ بِطَلَبِهِ سُحْتٌ وَبِدُونِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَمَشَايِخُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَفِي قَبُولِ الْهَدِيَّةِ مِنْ التَّلَامِذَةِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ ط (قَوْلُهُ إذَا خَافَ عَلَى دِينِهِ) عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى لِمَنْ يَخَافُ، وَفِيهِ أَيْضًا دَفْعُ الْمَالِ لِلسُّلْطَانِ الْجَائِرِ لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ
كَانَ يُعْطِي الشُّعَرَاءَ وَلِمَنْ يَخَافُ لِسَانَهُ وَكَفَى بِسَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنْ الصَّدَقَاتِ دَلِيلًا عَلَى أَمْثَالِهِ.
جَمَعَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ لِلْإِمَامِ فَحَسَنٌ وَمِنْ السُّحْتِ مَا يُؤْخَذُ عَلَى كُلّ مُبَاحٍ كَمِلْحٍ وَكَلَأٍ وَمَاءٍ وَمَعَادِنَ وَمَا يَأْخُذُهُ غَازٍ لِغَزْوٍ وَشَاعِرٌ لِشَعْرٍ وَمَسْخَرَةٌ وَحَكَوَاتِيٌّ قَالَ تَعَالَى - {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6]- وَأَصْحَابُ مَعَازِفَ وَقُوَّادٌ وَكَاهِنٌ وَمُقَامِرٌ وَوَاشِمَةٌ وَفُرُوعُهُ كَثِيرَةٌ
. قِيلَ لَهُ يَا خَبِيثُ وَنَحْوُهُ جَازَ لَهُ الرَّدُّ فِي كُلِّ شَتِيمَةٍ لَا تُوجِبُ الْحَدَّ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ.
كُرِهَ قَوْلُ الصَّائِمِ الْمُتَطَوِّعِ إذَا سُئِلَ أَصَائِمٌ حَتَّى أَنْظُرَ فَإِنَّهُ نِفَاقٌ أَوْ حُمْقٌ.
ــ
[رد المحتار]
نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلِاسْتِخْرَاجِ حَقٍّ لَهُ لَيْسَ بِرِشْوَةٍ يَعْنِي فِي حَقِّ الدَّافِعِ اهـ. (قَوْلُهُ كَانْ يُعْطِيَ الشُّعَرَاءَ) فَقَدْ رَوَى الْخَطَّابِيُّ فِي الْغَرِيبِ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا قَالَ: «أَتَى شَاعِرٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا بِلَالُ اقْطَعْ لِسَانَهُ عَنِّي فَأَعْطَاهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا» "
(قَوْلُهُ جَمَعَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ) أَيْ شَيْئًا مِنْ الْقُوتِ أَوْ الدَّرَاهِمِ ط (قَوْلُهُ فَحَسَنٌ) أَيْ إنْ فَعَلُوا فَهُوَ حَسَنٌ وَلَا يُسَمَّى أُجْرَةً كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ تَعْرِيفَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ الْمَانِعِينَ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى الْإِمَامَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الطَّاعَاتِ لِتَظْهَرَ ثَمَرَةُ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَمُجَازَاةُ الْإِحْسَانِ بِالْإِحْسَانِ مَطْلُوبَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمِنْ السُّحْتِ) بِالضَّمِّ وَبِضَمَّتَيْنِ الْحَرَامُ أَوْ مَا خَبُثَ مِنْ الْمَكَاسِبِ فَلَزِمَ عَنْهُ الْعَارُ جَمْعُهُ أَسْحَاتٌ وَأَسْحُتٌ اكْتَسَبَهُ قَامُوسٌ، وَمِنْ السُّحْتِ: مَا يَأْخُذُهُ الصِّهْرُ مِنْ الْخَتَنِ بِسَبَبِ بِنْتِهِ بِطِيبِ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ بِطَلَبِهِ يَرْجِعُ الْخَتْنُ بِهِ مُجْتَبًى (قَوْلُهُ وَمَا يَأْخُذُهُ غَازٍ لِغَزْوٍ) مِنْ أَهْلِ الْبَلْدَةِ جَبْرًا فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ لَا عَلَى الدَّافِعِ ط (قَوْلُهُ وَشَاعِرٌ لِشَعْرٍ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدْفَعُ لَهُ عَادَةً قَطْعًا لِلِسَانِهِ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ كَانَ مِمَّنْ يُؤْمَنُ شَرُّهُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا يُدْفَعُ لَهُ حَلَالٌ بِدَلِيلِ «دَفْعِهِ عليه الصلاة والسلام بُرْدَتَهُ لِكَعْبٍ لَمَّا امْتَدَحَهُ بِقَصِيدَتِهِ الْمَشْهُورَةِ» تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَمَسْخَرَةٌ وَحَكَوَاتِيٌّ) عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى أَوْ الْمُضْحِكُ لِلنَّاسِ أَوْ يَسْخَرُ مِنْهُمْ أَوْ يُحَدِّثُ النَّاسَ بِمَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ، لَا سِيَّمَا بِأَحَادِيثِ الْعَجَمِ مِثْلِ رُسْتُمَ وَاسْبِنْدِيَارَ وَنَحْوُهُمَا اهـ. تَأَمَّلْ وَانْظُرْ هَلْ النِّسْبَةُ فِي حَكَوَاتِيٍّ عَرَبِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ لَهْوَ الْحَدِيثِ) أَيْ مَا يُلْهِي عَمَّا يَعْنِي كَالْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا وَالْأَسَاطِيرِ الَّتِي لَا اعْتِبَارَ لَهَا وَالْمُضَاحَكِ وَفُضُولِ الْكَلَامِ، وَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى مَنْ نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثُ بْنِ كِلْدَةَ، وَكَانَ يَتْجُرُ فَيَأْتِي الْحِيرَةَ، وَيَشْتَرِي أَخْبَارَ الْعَجَمِ، وَيُحَدِّثُ بِهَا قُرَيْشًا، وَيَقُولُ إنَّ مُحَمَّدًا يُحَدِّثُكُمْ بِحَدِيثِ عَادٍ وَثَمُودَ، وَأَنَا أُحَدِّثُكُمْ بِأَحَادِيثِ رُسْتُمَ وَأَخْبَارِ الْأَكَاسِرَةِ، فَيَسْتَمْلِحُونَ حَدِيثَهُ وَيَتْرُكُونَ اسْتِمَاعَ الْقُرْآنِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ اهـ. ط (قَوْلُهُ الْمَعَازِفِ) أَيْ الْمَلَاهِي (قَوْلُهُ وَكَاهِنٌ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمُنَجِّمُ وَإِلَّا فَفِي الْمُغْرِبِ قَالُوا: إنَّ الْكَهَانَةَ كَانَتْ فِي الْعَرَبِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ.
يُرْوَى " أَنَّ الشَّيَاطِينَ كَانَتْ تَسْتَرِقُ السَّمْعَ، فَتُلْقِيهِ إلَى الْكَهَنَةِ فَتَزِيدُ فِيهِ مَا تُرِيدُ، وَتَقْبَلُهُ الْكُفَّارُ مِنْهُمْ، فَلَمَّا بُعِثَ عليه الصلاة والسلام وَحُرِسَتْ السَّمَاءُ بَطَلَتْ الْكَهَانَةُ " اهـ. (قَوْلُهُ وَفُرُوعُهُ كَثِيرَةٌ) مِنْهَا كَمَا فِي الْمُجْتَبَى مَا تَأْخُذُهُ الْمُغَنِّيَةُ عَلَى الْغِنَاءِ وَالنَّائِحَةِ وَالْوَاشِرَةُ وَالْمُتَوَسِّطَةُ لِعَقْدِ النِّكَاحِ وَالْمُصْلِحُ بَيْنَ الْمُتَشَاحِنَيْنِ وَثَمَنُ الْخَمْرِ وَالسُّكْرِ وَعَسْبِ التَّيْسِ وَثَمَنُ جَمِيعِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ وَالسِّبَاعِ قَبْلَ الدَّبَّاغِ وَمَهْرُ الْبَغْيِ وَأَجْرُ الْحَجَّامِ بِشَرْطٍ اهـ. لَكِنْ فِي الْمَوَاهِبِ: وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُغَنِّي وَالنَّائِحَةِ وَالْقَوَّالِ أَخْذُ الْمَالِ الْمَشْرُوطِ دُونَ غَيْرِهِ اهـ. وَكَذَا صَاحِبُ الطَّبْلِ وَالْمِزْمَارِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِنْدِيَّةِ.
(قَوْلُهُ جَازَ لَهُ الرَّدُّ) قَالَ تَعَالَى - {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41]- (قَوْلُهُ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ) قَالَ تَعَالَى - {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40]-.
(قَوْلُهُ حَتَّى أَنْظُرَ) مَفْعُولُ الْقَوْلِ ط (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ نِفَاقٌ) أَيْ مِنْ عَمَلِ الْمُنَافِقِينَ أَيْ لِيَظْهَر أَنَّهُ يُخْفِي عَمَلَهُ ط (قَوْلُهُ أَوْ حُمْقٌ) أَيْ جَهَالَةٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: إنْ كَانَ صَائِمًا نَعَمْ
مَنْ لَهُ أَطْفَالٌ وَمَالٌ قَلِيلٌ لَا يُوصِي بِنَفْلٍ.
مَنْ صَلَّى أَوْ تَصَدَّقَ يُرَائِي بِهِ النَّاسَ
ــ
[رد المحتار]
فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا يَدْخُلُهُ الرِّيَاءُ، وَهُوَ أَحَدُ مَا حُمِلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْقُدْسِيُّ «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» ط.
(قَوْلُهُ مَنْ لَهُ أَطْفَالٌ إلَخْ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى لَوْ الْوَرَثَةُ صِغَارًا فَتَرْكُ الْوَصِيَّةِ أَفْضَلُ وَكَذَا لَوْ كَانُوا بَالِغِينَ فُقَرَاءَ وَلَا يَسْتَغْنُونَ بِالثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِالثُّلُثَيْنِ فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى وَقَدْرُ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا تَرَكَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ دُونَ الْوَصِيَّةِ وَعَنْ الْإِمَامِ الْفَضْلِيِّ عَشَرَةَ آلَافٍ اهـ. (قَوْلُهُ وَمَنْ صَلَّى أَوْ تَصَدَّقَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ إخْلَاصَ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَاجِبٌ وَالرِّيَاءَ فِيهَا، وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِهَا غَيْرَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ لِلنُّصُوصِ الْقَطْعِيَّةِ، وَقَدْ سُمِّيَ عليه الصلاة والسلام الرِّيَاءُ: الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ، وَقَدْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الْإِخْلَاصِ فِيهَا، وَفِي الْمِعْرَاجِ: أُمِرْنَا بِالْعِبَادَةِ وَلَا وُجُودَ لَهَا بِدُونِ الْإِخْلَاصِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَالْإِخْلَاصُ جَعْلُ أَفْعَالِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بِالنِّيَّةِ اهـ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: الْإِخْلَاصُ فِي الطَّاعَةِ تَرْكُ الرِّيَاءِ وَمَعْدِنُهُ الْقَلْبُ اهـ. وَهَذِهِ النِّيَّةُ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ لَا لِصِحَّةِ الْعَمَلِ لِأَنَّ الصِّحَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ وَالنِّيَّةُ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ مَثَلًا: أَنْ يَعْلَمَ بِقَلْبِهِ أَيَّ صَلَاةٍ يُصَلِّي. قَالَ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ: وَأَمَّا الثَّوَابُ فَيَتَعَلَّقُ بِصِحَّةِ عَزِيمَتِهِ وَهُوَ الْإِخْلَاصُ، فَإِنَّ مَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجَسٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى صَلَّى لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ فِي الْحُكْمِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ لِصِحَّةِ عَزِيمَتِهِ وَعَدَمِ تَقْصِيرِهِ اهـ.
فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ الثَّوَابِ وَالصِّحَّةِ فَقَدْ يُوجَدُ الثَّوَابُ بِدُونِ الصِّحَّةِ كَمَا ذُكِرَ، وَبِالْعَكْسِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ بِلَا نِيَّةٍ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ، وَلَا ثَوَابَ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى مُرَائِيًا لَكِنَّ الرِّيَاءَ تَارَةً يَكُونُ فِي أَصْلِ الْعِبَادَةِ، وَتَارَةً يَكُونُ فِي وَصْفِهَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الرِّيَاءُ الْكَامِلُ الْمُحِيطُ لِلثَّوَابِ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا إذَا صَلَّى لِأَجْلِ النَّاسِ، وَلَوْلَا هُمْ مَا صَلَّى، وَأَمَّا لَوْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ فِي أَثْنَائِهَا فَهُوَ لَغْوٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ لِأَجْلِهِمْ بَلْ صَلَاتُهُ كَانَتْ خَالِصَةً لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْجُزْءُ الَّذِي عَرَضَ لَهُ فِيهِ الرِّيَاءُ بَعْضُ تِلْكَ الصَّلَاةِ الْخَالِصَةِ. نَعَمْ إنْ زَادَ فِي تَحْسِينِهَا بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعَ إلَى الْقِسْمِ الثَّانِي، فَيَسْقُطُ ثَوَابُ التَّحْسِينِ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ فِيمَنْ أَطَالَ الرُّكُوعَ لِإِدْرَاكِ الْجَائِي لَا لِلْقُرْبَةِ حَيْثُ قَالَ: أَخَافُ عَلَيْهِ أَمْرًا عَظِيمًا أَيْ الشِّرْكَ الْخَفِيَّ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ افْتَتَحَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ دَخَلَ فِي قَلْبِهِ الرِّيَاءُ فَهُوَ عَلَى مَا افْتَتَحَ وَالرِّيَاءُ أَنَّهُ لَوْ خَلَا عَنْ النَّاسِ لَا يُصَلِّي، وَلَوْ كَانَ مَعَ النَّاسِ يُصَلِّي، فَأَمَّا إنْ كَانَ مَعَ النَّاسِ يُحْسِنُهَا، وَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ لَا يُحْسِنُ فَلَهُ ثَوَابُ أَصْلِ الصَّلَاةِ دُونَ الْإِحْسَانِ وَلَا يَدْخُلُ الرِّيَاءُ فِي الصَّوْمِ.
وَفِي الْيَنَابِيعِ قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ: لَوْ صَلَّى رِيَاءً فَلَا أَجْرَ لَهُ وَعَلَيْهِ الْوِزْرُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أَجْرَ لَهُ وَلَا وِزْرَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ اهـ.، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّوْمِ، لِأَنَّهُ لَا يُرَى إذْ هُوَ إمْسَاكٌ خَاصٌّ لَا فِعْلَ فِيهِ. نَعَمْ قَدْ يَدْخُلُ فِي إخْبَارِهِ وَتَحَدُّثِهِ بِهِ. تَأَمَّلْ.
وَاسْتَدَلَّ لَهُ فِي الْوَاقِعَاتِ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» فَفِي شَرِكَةِ الْغَيْرِ وَهَذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي حَقِّ سَائِرِ الطَّاعَاتِ اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مِنْ الرِّيَاءِ التِّلَاوَةَ وَنَحْوَهَا بِالْأُجْرَةِ، لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا غَيْرُ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ الْمَالُ وَلِذَا قَالُوا إنَّهُ لَا ثَوَابَ بِهَا لَا لِلْقَارِئِ وَلَا لِلْمَيِّتِ وَالْآخِذُ وَالْمُعْطِي آثِمَانِ، وَقَالُوا أَيْضًا إنَّ مَنْ نَوَى الْحَجَّ وَالتِّجَارَةَ لَا ثَوَابَ لَهُ إنْ كَانَتْ نِيَّةُ التِّجَارَةِ غَالِبَةً أَوْ مُسَاوِيَةً.
وَفِي الذَّخِيرَةِ: إذَا سَعَى لِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ وَحَوَائِجَ لَهُ فِي الْمِصْرِ فَإِنْ مُعْظَمُ مَقْصُودِهِ الْأَوَّلَ فَلَهُ ثَوَابُ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَإِنْ الثَّانِي فَلَا اهـ. أَيْ وَإِنْ تَسَاوَيَا تَسَاقَطَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ، وَاخْتَارَ هَذَا
لَا يُعَاقَبُ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ وَلَا يُثَابُ بِهَا قِيلَ هَذَا فِي الْفَرَائِضِ وَعَمَّمَهُ الزَّاهِدِيُّ لِلنَّوَافِلِ لِقَوْلِهِمْ الرِّيَاءُ لَا يَدْخُلُ الْفَرَائِضَ.
غَزْلُ الرَّجُلِ عَلَى هَيْئَةِ غَزْلِ الْمَرْأَةِ يُكْرَهُ.
يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ سُؤْرُ الرَّجُلِ وَسُؤْرُهَا لَهُ.
وَلَهُ ضَرْبُ زَوْجَتِهِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَظْهَرِ.
ــ
[رد المحتار]
التَّفْصِيلَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ أَيْضًا وَغَيْرُهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَاخْتَارَ مِنْهُمْ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَدَمَ الثَّوَابِ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ لَا يُعَاقَبُ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ وَلَا يُثَابُ بِهَا) هُوَ مَعْنَى مَا نَقَلَهُ فِي الْيَنَابِيعِ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُعَاقِبُ عَلَى الرِّيَاءِ، لِأَنَّهُ حَرَامٌ مِنْ الْكَبَائِرِ فَيَأْثَمُ بِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا مَرَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُوسُفَ مِنْ أَنَّهُ لَا أَجْرَ لَهُ وَعَلَيْهِ الْوِزْرُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ عَلَى تِلْكَ الصَّلَاةِ عِقَابَ تَارِكِهَا لِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ مُسْقِطَةٌ لِلْفَرْضِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ.
قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: أَفَادَ أَنَّ الْفَرَائِضَ مَعَ الرِّيَاءِ صَحِيحَةٌ مُسْقِطَةٌ لِلْوَاجِبِ اهـ. وَفِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ: وَإِذَا صَلَّى رِيَاءً وَسُمْعَةً تَجُوزُ صَلَاتُهُ فِي الْحُكْمِ لِوُجُودِ الشَّرَائِطِ وَالْأَرْكَانِ وَلَكِنْ لَا يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ اهـ. أَيْ ثَوَابَ الْمُضَاعَفَةِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: الرِّيَاءُ لَا يَدْخُلُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْفَرَائِضِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُسْتَقِيمُ أَنَّ الرِّيَاءَ لَا يُفَوِّتُ أَصْلَ الثَّوَابِ وَإِنَّمَا يُفَوِّتُ تَضَاعُفَ الثَّوَابِ اهـ. وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الثَّوَابَ يَتَعَلَّقُ بِصِحَّةِ الْعَزِيمَةِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذَا، أَوْ يُحْمَلَ مَا هُنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ أَصْلِ الثَّوَابِ سُقُوطُ الْفَرْضِ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ، وَعَدَمُ الْعِقَابِ عَلَيْهَا عِقَابَ تَارِكِهَا وَبِهِ يَظْهَرُ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ بِالْفَرَائِضِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَمَّمَهُ الزَّاهِدِيُّ لِلنَّوَافِلِ) أَيْ جَعَلَهُ عَامًّا فِي أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ النَّوَافِلِ فَقَطْ دُونَ الْفَرَائِضِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ عَمَّمَهُ فِي النَّوَافِلِ وَالْفَرَائِضِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ الَّذِي بَعْدَهُ فَكَانَ الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ وَخَصَّصَهُ الزَّاهِدِيُّ بِالنَّوَافِلِ، وَعِبَارَةُ الزَّاهِدِيِّ فِي الْمُجْتَبَى.
وَلَكِنْ نَصَّ فِي الْوَاقِعَاتِ: أَنَّ الرِّيَاءَ لَا يَدْخُلُ فِي الْفَرَائِضِ فَتَعَيَّنَ النَّوَافِلُ اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ لَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِمَّا قَبْلَهُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ مُسْقِطَةٌ لِلْوَاجِبِ لَا يُؤَثِّرُ الرِّيَاءُ فِي بُطْلَانِهَا، بَلْ فِي إعْدَامِ ثَوَابِهَا، وَتَخْصِيصُ الزَّاهِدِيِّ النَّوَافِلَ مَعْنَاهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَنَّ الرِّيَاءَ يُحْبِطُ ثَوَابَهَا أَصْلًا كَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا، فَإِذَا صَلَّى سُنَّةَ الظُّهْرِ مَثَلًا رِيَاءً لِأَجْلِ النَّاسِ وَلَوْلَاهُمْ لَمْ يُصَلِّهَا لَا يُقَالُ أَتَى بِهَا فَيَكُونُ فِي حُكْمِ تَارِكِهَا بِخِلَافِ الْفَرْضِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي حُكْمِ تَارِكِهِ حَتَّى لَا يُعَاقَبَ عِقَابَ تَارِكِهِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النَّوَافِلِ الثَّوَابُ لِتَكْمِيلِ الْفَرَائِضِ وَسَدِّ خَلَلِهَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ يُكْرَهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءٍ وَقَدْ «لَعَنَ عليه الصلاة والسلام الْمُتَشَبِّهِينَ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ» كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ إلَخْ) تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الطَّهَارَةِ فِي بَحْثِ الْأَسْآرِ، وَالْعِلَّةُ فِيهَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمِنَحِ هُنَاكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَصِيرُ مُسْتَعْمِلًا لِجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَهُوَ رِيقُهَا الْمُخْتَلِطُ بِالْمَاءِ وَبِالْعَكْسِ فِيمَا لَوْ شَرِبَتْ سُؤْرَهُ وَهُوَ لَا يَجُوزُ اهـ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ وَقَالَ الرَّمْلِيُّ يَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ الزَّوْجَةِ وَالْمَحَارِمِ
(قَوْلُهُ وَلَهُ ضَرْبُ زَوْجَتِهِ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ) وَكَذَا عَلَى تَرْكِهَا الزِّينَةَ وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَعَلَى خُرُوجِهَا مِنْ الْمَنْزِلِ وَتَرْكِ الْإِجَابَةِ إلَى فِرَاشِهِ وَمَرَّ تَمَامُهُ فِي التَّعْزِيرِ وَأَنَّ الضَّابِطَ أَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا فَلِلزَّوْجِ وَالْمَوْلَى التَّعْزِيرُ، وَأَنَّ لِلْوَلِيِّ ضَرْبَ ابْنِ عَشْرٍ عَلَى الصَّلَاةِ وَيَلْحَقُ بِهِ الزَّوْجُ وَأَنَّ لَهُ إكْرَاهَ طِفْلِهِ عَلَى تَعْلِيمِ قُرْآنٍ وَأَدَبٍ وَعِلْمٍ وَلَهُ ضَرْبُ الْيَتِيمِ فِيمَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ) وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى وَفِي رِوَايَةٍ لَيْسَ
لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ تَطْلِيقُ الْفَاجِرَةِ.
لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْ الْحِيَاضِ الْمُعَدَّةِ لِلشُّرْبِ فِي الصَّحِيحِ وَيُمْنَعُ مِنْ الْوُضُوءِ مِنْهُ وَفِيهِ وَحَمْلُهُ لِأَهْلِهِ إنْ مَأْذُونًا بِهِ جَازَ وَإِلَّا لَا.
الْكَذِبُ مُبَاحٌ لِإِحْيَاءِ حَقِّهِ وَدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ وَالْمُرَادُ التَّعْرِيضُ لِأَنَّ عَيْنَ الْكَذِبِ حَرَامٌ قَالَ: وَهُوَ الْحَقُّ قَالَ تَعَالَى - {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [الذاريات: 10]- الْكُلُّ مِنْ الْمُجْتَبَى وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ قَالَ: -
ــ
[رد المحتار]
لَهُ ذَلِكَ وَعَلَيْهَا مَشَى الْمُصَنِّفُ فِي التَّعْزِيرِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ تَطْلِيقُ الْفَاجِرَةِ) وَلَا عَلَيْهَا تَسْرِيحُ الْفَاجِرِ إلَّا إذَا خَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَفَرَّقَا اهـ مُجْتَبًى وَالْفُجُورُ يَعُمُّ الزِّنَا وَغَيْرَهُ وَقَدْ «قَالَ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ زَوْجَتُهُ لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ وَقَدْ قَالَ إنِّي أُحِبُّهَا: اسْتَمْتِعْ بِهَا» اهـ ط
(قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْ الْحِيَاضِ الْمُعَدَّةِ لِلشُّرْبِ) وَلَا يَمْنَعُ جَوَازَ التَّيَمُّمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ كَثِيرًا فَيُسْتَدَلُّ بِكَثْرَتِهِ عَلَى أَنَّهُ وُضِعَ لِلشُّرْبِ وَالْوُضُوءِ جَمِيعًا اهـ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ) وَعَنْ ابْنِ الْفَضْلِ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ مِنْهُ وَالْمَوْضُوعُ لِلْوُضُوءِ لَا يُبَاحُ مِنْهُ الشُّرْبُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَيُمْنَعُ مِنْ الْوُضُوءِ مِنْهُ وَفِيهِ) وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ فِيهِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَيِّعٍ وَلَكِنْ كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ فِيهِ ط (قَوْلُهُ وَحَمْلُهُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ الْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ ط
(قَوْلُهُ الْكَذِبُ مُبَاحٌ لِإِحْيَاءِ حَقِّهِ) كَالشَّفِيعِ يَعْلَمُ بِالْبَيْعِ بِاللَّيْلِ، فَإِذَا أَصْبَحَ يَشْهَدُ وَيَقُولُ عَلِمْت الْآنَ، وَكَذَا الصَّغِيرَةُ تَبْلُغُ فِي اللَّيْلِ وَتَخْتَارُ نَفْسَهَا مِنْ الزَّوْجِ وَتَقُولُ: رَأَيْت الدَّمَ الْآنَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَذِبَ قَدْ يُبَاحُ وَقَدْ يَجِبُ وَالضَّابِطُ فِيهِ كَمَا فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ وَغَيْرِهِ عَنْ الْإِحْيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَقْصُودٍ مَحْمُودٍ يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ جَمِيعًا، فَالْكَذِبُ فِيهِ حَرَامٌ، وَإِنْ أَمْكَنَ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ بِالْكَذِبِ وَحْدَهُ فَمُبَاحٌ إنْ أُبِيحَ تَحْصِيلُ ذَلِكَ الْمَقْصُودِ، وَوَاجِبٌ إنْ وَجَبَ تَحْصِيلُهُ كَمَا لَوْ رَأَى مَعْصُومًا اخْتَفَى مِنْ ظَالِمٍ يُرِيدُ قَتْلَهُ أَوْ إيذَاءَهُ فَالْكَذِبُ هُنَا وَاجِبٌ وَكَذَا لَوْ سَأَلَهُ عَنْ وَدِيعَةٍ يُرِيدُ أَخْذَهَا يَجِبُ إنْكَارُهَا، وَمَهْمَا كَانَ لَا يَتِمُّ مَقْصُودُ حَرْبٍ أَوْ إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَوْ اسْتِمَالَةُ قَلْبِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إلَّا بِالْكَذِبِ فَيُبَاحُ، وَلَوْ سَأَلَهُ سُلْطَانٌ عَنْ فَاحِشَةٍ وَقَعَتْ مِنْهُ سِرًّا كَزِنًا أَوْ شُرْبٍ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ مَا فَعَلْته، لِأَنَّ إظْهَارَهَا فَاحِشَةٌ أُخْرَى، وَلَهُ أَيْضًا أَنْ يُنْكِرَ سِرَّ أَخِيهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَابِلَ مَفْسَدَةَ الْكَذِبِ بِالْمَفْسَدَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الصِّدْقِ، فَإِنْ كَانَتْ مَفْسَدَةُ الصِّدْقِ أَشَدَّ، فَلَهُ الْكَذِبُ، وَإِنْ الْعَكْسُ أَوْ شَكَّ حَرُمَ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِنَفْسِهِ اُسْتُحِبَّ أَنْ لَا يَكْذِبَ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِغَيْرِهِ لَمْ تَجُزْ الْمُسَامَحَةُ لِحَقِّ غَيْرِهِ وَالْحَزْمُ تَرْكُهُ حَيْثُ أُبِيحَ، وَلَيْسَ مِنْ الْكَذِبِ مَا اُعْتِيدَ مِنْ الْمُبَالَغَةِ كَجِئْتُك أَلْفَ مَرَّةٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ تَفْهِيمُ الْمُبَالَغَةِ لَا الْمَرَّاتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَاءَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَهُوَ كَاذِبٌ اهـ مُلَخَّصًا وَيَدُلُّ لِجَوَازِ الْمُبَالَغَةِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ «وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ» .
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ: وَمِمَّا يُسْتَثْنَى أَيْضًا الْكَذِبُ فِي الشِّعْرِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِ: أَنَا أَدْعُوك لَيْلًا وَنَهَارًا، وَلَا أُخَلِّي مَجْلِسًا عَنْ شُكْرِك، لِأَنَّ الْكَاذِبَ يُظْهِرُ أَنَّ الْكَذِبَ صِدْقٌ وَيُرَوِّجُهُ، وَلَيْسَ غَرَضُ الشَّاعِرِ الصِّدْقَ فِي شِعْرِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ صِنَاعَةٌ وَقَالَ الشَّيْخَانِ يَعْنِي الرَّافِعِيَّ وَالنَّوَوِيَّ بَعْدَ نَقْلِهِمَا ذَلِكَ عَنْ الْقَفَّالِ وَالصَّيْدَلَانِيِّ وَهَذَا حُسْنٌ بَالِغٌ اهـ (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى وَعِبَارَتُهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام «كُلُّ كَذِبٍ مَكْتُوبٌ لَا مَحَالَةَ إلَّا ثَلَاثَةً الرَّجُلَ مَعَ امْرَأَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ وَالرَّجُلَ يُصْلِحُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَالْحَرْبَ فَإِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ» ، قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعَارِيضِ، لِأَنَّ عَيْنَ الْكَذِبِ حَرَامٌ. قُلْت: وَهُوَ الْحَقُّ قَالَ تَعَالَى - {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [الذاريات: 10]- وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «الْكَذِبُ مَعَ الْفُجُورِ وَهُمَا فِي النَّارِ» وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَيْنُ الْكَذِبِ لِلنَّجَاةِ وَتَحْصِيلِ الْمَرَامِ اهـ.
وَلِلصُّلْحِ جَازَ الْكِذْبُ أَوْ دَفْعُ ظَالِمٍ
…
وَأَهْلِ التَّرَضِّي وَالْقِتَالِ لِيَظْفَرُوا
وَيُكْرَهُ فِي الْحَمَّامِ تَغْمِيزُ خَادِمٍ
…
وَمَنْ شَاءَ تَنْوِيرًا فَقَالُوا يُنَوِّرُ
وَيَفْسُقُ مُعْتَادُ الْمُرُورِ بِجَامِعٍ
…
وَمَنْ عَلَّمَ الْأَطْفَالَ فِيهِ وَيُوزَرُ
وَمَنْ قَامَ إجْلَالًا لِشَخْصٍ فَجَائِزٌ
…
وَفِي غَيْرِ أَهْلِ الْعِلْمِ بَعْضٌ يُقَرِّرُ
وَجَوَّزَ نَقْلَ الْمَيِّتِ الْبَعْضُ مُطْلَقًا
…
وَعَنْ بَعْضِهِمْ مَا فَوْقَ مِيلَيْنِ يُحْظَرُ
-
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَغَيْرِهِمَا «إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنْ الْكَذِبِ» وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجِرَاحِيُّ " وَذَلِكَ كَقَوْلِ مَنْ دُعِيَ لِطَعَامٍ: أَكَلْتُ. يَعْنِي أَمْسِ، وَكَمَا فِي قِصَّةِ الْخَلِيلِ عليه الصلاة والسلام، وَحِينَئِذٍ فَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْحَدِيثِ لِمَا فِي الثَّلَاثَةِ مِنْ صُورَةِ الْكَذِبِ، وَحَيْثُ أُبِيحَ التَّعْرِيضُ لِحَاجَةٍ لَا يُبَاحُ لِغَيْرِهَا لِأَنَّهُ يُوهِمُ الْكَذِبَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ كَذِبًا قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ نَعَمْ الْمَعَارِيضُ تُبَاحُ بِغَرَضٍ حَقِيقِيٍّ كَتَطْيِيبِ قَلْبِ الْغَيْرِ بِالْمِزَاحِ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَجُوزٌ» وَقَوْلِهِ «فِي عَيْنِ زَوْجِك بَيَاضٌ» وَقَوْلِهِ «نَحْمِلُكِ عَلَى وَلَدِ الْبَعِيرِ» وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ جَازَ الْكِذْبُ) بِوَزْنِ عِلْمٍ مُخْتَارٌ أَيْ بِالْكَسْرِ فَالسُّكُونُ قَالَ الشَّارِحُ ابْنُ الشِّحْنَةِ، نَقَلَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمَعَارِيضَ لَا الْكَذِبَ الْخَالِصَ (قَوْلُهُ وَأَهْلِ التَّرَضِّي) لِيَحْتَرِزَ بِهِ عَنْ الْوَحْشَةِ وَالْخُصُومَةِ شَارِحٌ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ عِنْدِي خَيْرٌ مِنْ ضَرَّتِك أَيْ مِنْ بَعْضِ الْجِهَاتِ، وَسَأُعْطِيك كَذَا أَيْ إنْ قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ فِي الْحَمَّامِ تَغْمِيزُ) أَيْ تَكْبِيسُ خَادِمٍ فَوْقَ الْإِزَارِ إذْ رُبَّمَا يَفْعَلُهُ لِلشَّهْوَةِ، وَهَذَا لَوْ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ وَالِاخْتِيَارُ تَرْكُهُ وَلَوْ الْإِزَارُ كَثِيفًا وَمَسُّ مَا تَحْتَهُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْجَهَلَةُ حَرَامٌ شَارِحٌ (قَوْلُهُ فَقَالُوا يُنَوِّرُ) أَيْ يَطْلِي بِالنُّورَةِ بِنَفْسِهِ دُونَ الْخَادِمِ فِي الصَّحِيحِ وَيُكْرَهُ لَوْ جُنُبًا شَارِحٌ (قَوْلُهُ وَيَفْسُقُ مُعْتَادُ الْمُرُورِ) فَلَا تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ إذَا كَانَ مَشْهُورًا بِهِ ط وَالْحِيلَةُ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ حَالَ الدُّخُولِ، وَيَكْفِي فِيهِ السَّكَنَاتُ فِيمَا بَيْنَ الْخُطُوَاتِ شُرُنْبُلَالِيٌّ (قَوْلُهُ وَمَنْ عَلَّمَ الْأَطْفَالَ إلَخْ) الَّذِي فِي الْقُنْيَةِ: أَنَّهُ يَأْثَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْفِسْقُ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ الْقَوْلُ بِهِ، وَيُمْكِنُ أَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ بِالْإِصْرَارِ عَلَيْهِ يَفْسُقُ. أَفَادَهُ الشَّارِحُ.
قُلْت: بَلْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعُيُونِ جَلَسَ مُعَلِّمٌ أَوْ وَرَّاقٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ كَانَ يُعَلِّمُ أَوْ يَكْتُبُ بِأَجْرٍ يُكْرَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ تَعْلِيمُ الصِّبْيَانِ فِي الْمَسْجِدِ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ لَكِنْ اسْتَدَلَّ فِي الْقُنْيَةِ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ» (قَوْلُهُ وَيُوزَرُ) بِسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَ الْيَاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ مِنْ الْوِزْرِ، وَهُوَ الْإِثْمُ وَاسْمُ الْمَفْعُولِ مَوْزُورٌ بِلَا هَمْزٍ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «ارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ» ، لِلِازْدِوَاجِ وَلَوْ أَفْرَدَ لَقِيلَ مَوْزُورَاتٍ اهـ وَلَوْ قَالَ فَيُوزَرُ بِالْفَاءِ لَسَلِمَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ وَمَنْ قَامَ إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ قُبَيْلَ فَصْلِ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ وَفِي غَيْرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ " وَقِيلَ لَهُ أَنْ يَقُومَ بَيْنَ يَدَيْ الْعَالِمِ تَعْظِيمًا لَهُ أَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ اهـ فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ مَسْأَلَةِ الْقِيَامِ لِقُدُومِهِ تَعْظِيمًا فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ ش (قَوْلُهُ وَجَوَّزَ نَقْلَ الْمَيِّتِ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ هُنَا وَالْبَعْضُ فَاعِلُ جَوَّزَ وَالْمُرَادُ قَبْلَ الدَّفْنِ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ مِنْ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا بَعْدَ الدَّفْنِ أَيْضًا رَادًّا عَلَى الطَّرَسُوسِيِّ، قَالَ الشَّارِحُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْخِلَافِ لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّوَابَ مَعَ الطَّرَسُوسِيِّ اهـ أَيْ حَيْثُ لَمْ يَحْكِ خِلَافًا فِيمَا بَعْدَ الدَّفْنِ.
(قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ قَصُرَتْ (قَوْلُهُ وَعَنْ بَعْضِهِمْ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: نَقْلُ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ قَبْلَ الدَّفْنِ لَا يُكْرَهُ وَبَعْدَهُ يَحْرُمُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَقَبْلَهُ يُكْرَهُ أَيْضًا إلَّا قَدْرَ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ، وَنَقْلُ الْكَلِيمِ الصِّدِّيقَ - عَلَيْهِمَا وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَرِيعَةٌ مُتَقَدِّمَةٌ مَنْسُوخَةٌ أَوْ رِعَايَةٌ لِوَصِيَّتِهِ عليه السلام وَهِيَ لَازِمَةٌ
وَلِلزَّوْجَةِ التَّسْمِينُ لَا فَوْقَ شِبْعِهَا
…
وَمِنْ ذِكْرِهَا التَّعْوِيذَ لِلْحُبِّ تُحْظَرُ
وَيُكْرَهُ أَنْ تُسْقَى لِإِسْقَاطِ حَمْلِهَا
…
وَجَازَ لِعُذْرٍ حَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ
وَإِنْ أَسْقَطَتْ مَيْتًا فَفِي السِّقْطِ غُرَّةٌ
…
لِوَالِدِهِ مِنْ عَاقِلِ الْأُمِّ تُحْضَرُ
وَفِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكْرَهُ كَحْلُهُمْ
…
وَلَا بَأْسَ بِالْمُعْتَادِ خَلْطًا وَيُؤْجَرُ
ــ
[رد المحتار]
وَقَدْ كَانَ الصِّدِّيقُ عليه السلام أَوْصَى بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ وَلِلزَّوْجَةِ التَّسْمِينُ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: امْرَأَةٌ تَأْكُلُ الْفَتِيتَ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ لِأَجْلِ التَّسْمِينِ قَالَ أَبُو مُطِيعٍ: لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ تَأْكُلْ فَوْقَ شِبَعِهَا قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي الزَّوْجَةِ: يَنْبَغِي أَنْ يُنْدَبَ لَهَا ذَلِكَ، وَتَكُونُ مَأْجُورَةً. قَالَ الشَّارِحُ وَلَا يُعْجِبُنِي إطْلَاقُ إبَاحَتِهِ ذَلِكَ فَضْلًا عَنْ نَدْبِهِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ يُحِبُّ السِّمَنَ وَإِلَّا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَوْزُورَةً اهـ (قَوْلُهُ لَا فَوْقَ شِبْعِهَا) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ (قَوْلُهُ وَمِنْ ذِكْرِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِتُحْظَرُ بِمَعْنَى تُمْنَعُ وَالتَّعْوِيذُ مَفْعُولُ الذِّكْرِ، وَلِلْحُبِّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَالذِّكْرُ يَكُونُ بِاللِّسَانِ، وَالْمُرَادُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ الْحَمْلِ.
قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: امْرَأَةٌ تَصْنَعُ آيَاتِ التَّعْوِيذِ لِيُحِبَّهَا زَوْجُهَا بَعْدَ مَا كَانَ يُبْغِضُهَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَلَا يَحِلُّ اهـ وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ فِي تَوْجِيهِهِ: أَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ السِّحْرِ وَالسِّحْرُ حَرَامٌ اهـ ط وَمُقْتَضَاة أَنَّهُ لَيْسَ مُجَرَّدَ كِتَابَةِ آيَاتٍ، بَلْ فِيهِ شَيْءٌ زَائِدٌ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتُّوَلَةَ شِرْكٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتُّوَلَةُ أَيْ بِوَزْنِ عِنَبَةٍ ضَرْبٌ مِنْ السِّحْرِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: هُوَ تَحْبِيبُ الْمَرْأَةِ إلَى زَوْجِهَا، وَعَنْ «عُرْوَةَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ نَرْقِي فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَقَدَّمْنَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قُبَيْلَ فَصْلِ النَّظَرِ وَبِهِ انْدَفَعَ تَنْظِيرُ ابْنِ الشِّحْنَةِ فِي كَوْنِ التَّعْوِيذِ ضَرْبًا مِنْ السِّحْرِ.
(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ إلَخْ) أَيْ مُطْلَقًا قَبْلَ التَّصَوُّرِ وَبَعْدَهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْخَانِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ الِاسْتِبْرَاءِ وَقَالَ إلَّا أَنَّهَا لَا تَأْثَمُ إثْمَ الْقَتْلِ (قَوْلُهُ وَجَازَ لِعُذْرٍ) كَالْمُرْضِعَةِ إذَا ظَهَرَ بِهَا الْحَبَلُ وَانْقَطَعَ لَبَنُهَا وَلَيْسَ لِأَبِي الصَّبِيِّ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ الظِّئْرَ وَيَخَافُ هَلَاكَ الْوَلَدِ قَالُوا يُبَاحُ لَهَا أَنْ تُعَالِجَ فِي اسْتِنْزَالِ الدَّمِ مَا دَامَ الْحَمْلُ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً وَلَمْ يُخْلَقْ لَهُ عُضْوٌ وَقَدَّرُوا تِلْكَ الْمُدَّةَ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَجَازَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِآدَمِيٍّ وَفِيهِ صِيَانَةُ الْآدَمِيِّ خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ: وَجَازَ لِعُذْرٍ وَالتَّصَوُّرُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ شَعْرٌ أَوْ أُصْبُعٌ أَوْ رِجْلٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَسْقَطَتْ مَيْتًا) بِتَخْفِيفِ مَيِّتٍ: أَيْ بِعِلَاجٍ أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ تَتَعَمَّدُ بِهِ الْإِسْقَاطَ، أَمَّا إذَا أَلْقَتْهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَعَلَى عَاقِلَتِهَا الدِّيَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، إنْ كَانَتْ لَهَا عَاقِلَةٌ وَإِلَّا فَفِي مَالِهَا وَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ وَلَا تَرِثُ مِنْهُ شَيْئًا ش (قَوْلُهُ فَفِي السِّقْطِ غُرَّةٌ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ تُؤْخَذُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَنَفَاهَا الطَّرْطُوسِيُّ وَهُوَ وَهْمٌ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ لِوَالِدِهِ) الْأَوْلَى لِوَارِثِهِ ط (قَوْلُهُ مِنْ عَاقِلِ الْأُمِّ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَاقِلَةٌ فَفِي مَالِهَا فِي سَنَةٍ ش (قَوْلُهُ تُحْضَرُ) الْجُمْلَةُ صِفَةُ غُرَّةٍ ط (قَوْلُهُ وَفِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ إلَخْ) هُوَ الْعَاشِرُ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَالْكَحْلُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ كَحَلَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَحْلَ مُطْلَقًا سُنَّةُ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا كَوْنُهُ سُنَّةً فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَدْ قِيلَ بِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا صَارَ عَلَامَةً لِلشِّيعَةِ وَجَبَ تَرْكُهُ، وَقِيلَ إنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّ يَزِيدَ وَابْنَ زِيَادٍ اكْتَحَلَا بِدَمِ الْحُسَيْنِ رضي الله عنه عَنْهُ وَقِيلَ بِالْإِثْمِدِ لِتَقَرَّ عَيْنُهُمَا بِقَتْلِهِ ش بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ إلَخْ) نَقَلَ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْوَبَرِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ أَثَرٌ قَوِيٌّ، وَلَا بَأْسَ اهـ، وَرُبَّمَا يُثَابُ قَالَ الشَّارِحُ: وَاَلَّذِي فِي حِفْظِي أَنَّهُ يُثَابُ بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى عِيَالِهِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهَا
وَبَعْضُهُمْ الْمُخْتَارُ فِي الْكُحْلِ جَائِزٌ
…
لِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ فَهُوَ الْمُقَرَّرُ
وَضَرْبُ عَبِيدِ الْغَيْرِ جَازَ بِأَمْرِهِ
…
وَمَا جَازَ فِي الْأَحْرَارِ وَالْأَبِ يَأْمُرُ
وَأُثَوِّبُ مِنْ ذِكْرِ الْقِرَانِ اسْتِمَاعُهُ
…
وَقَالُوا ثَوَابُ الطِّفْلِ لِلطِّفْلِ يُحْصَرُ
ــ
[رد المحتار]
فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ «مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ سَنَتِهِ» فَأَخَذَ النَّاسُ مِنْهُ أَنْ وَسَّعُوا بِاسْتِعْمَالِ أَنْوَاعٍ مِنْ الْحُبُوبِ، وَهُوَ مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ التَّوْسِعَةُ. وَقَدْ رَأَيْت لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ كَلَامًا حَسَنًا مُحَصَّلُهُ: أَنَّهُ لَا يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى التَّوْسِعَةِ بِنَوْعٍ وَاحِدٍ بَلْ يَعُمُّهَا فِي الْمَآكِلِ وَالْمَلَابِسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ سَائِرِ الْمَوَاسِمِ بِمَا يُعْمَلُ فِيهَا مِنْ التَّوَسُّعَاتِ الْغَيْرِ الْمَشْرُوعَةِ فِيهَا كَالْأَعْيَادِ وَنَحْوِهَا اهـ (قَوْلُهُ وَبَعْضُهُمْ إلَخْ) قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدُ لَا بَأْسَ بِالِاكْتِحَالِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هُوَ الْمُخْتَارُ، «لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَحَّلَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ» . وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَنَّهُ سُنَّةٌ وَذَكَرَ فِيهَا: مَنْ اكْتَحَلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ يَرْمَدْ سَنَتَهُ، قَالَ الشَّارِحُ وَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اهـ.
قُلْت: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ وَرَدَتْ التَّوْسِعَةُ فِيهِ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ، وَصَحِيحُ بَعْضِهَا يَرْتَقِي بِهَا الْحَدِيثُ إلَى الْحَسَنِ، وَتُعُقِّبَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي عَدِّهِ مِنْ الْمَوْضُوعَاتِ. وَأَمَّا حَدِيثُ «مَنْ اكْتَحَلَ بِالْإِثْمِدِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لَمْ تَرْمَدْ عَيْنُهُ» فَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي اللَّآلِئِ: إنَّهُ مُنْكَرٌ وَالِاكْتِحَالُ لَا يَصِحُّ فِيهِ أَثَرٌ وَهُوَ بِدْعَةٌ، وَأَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَقَالَ الْحَاكِمُ أَيْضًا لَمْ يُرْوَ فِيهِ أَثَرٌ وَهُوَ بِدْعَةٌ ابْتَدَعَهَا قَتَلَةُ الْحُسَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ: كُلُّ مَا رُوِيَ فِي فَضْلِ الِاكْتِحَالِ، وَالِاخْتِضَابِ وَالِاغْتِسَالِ فَمَوْضُوعٌ لَا يَصِحُّ، وَتَمَامُهُ فِي كَشْفِ الْخَفَاءِ وَالْإِلْبَاسِ لِلْجِرَاحِيِّ، وَبِهِ يَتَأَيَّدُ الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالتَّوْسِعَةُ عَلَى مَنْ وَسَّعَ مُجَرَّبَةٌ. نَقَلَ ذَلِكَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ.
(قَوْلُهُ جَازَ بِأَمْرِهِ) أَيْ بِالْقَدْرِ الَّذِي يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ مَا لَمْ يَبْلُغْ بِهِ حَدًّا بِحَسَبِ الْجَرَائِمِ ش فَإِنْ لَزِمَهُ حَدٌّ لَا يَحُدُّهُ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ وَالْأَبُ يَأْمُرُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ لَا يَجُوزُ ضَرْبُ وَلَدِ الْحُرِّ بِأَمْرِ أَبِيهِ، أَمَّا الْمُعَلِّمُ فَلَهُ ضَرْبُهُ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ يَضْرِبُهُ نِيَابَةً عَنْ الْأَبِ لِمَصْلَحَتِهِ، وَالْمُعَلِّمُ يَضْرِبُهُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ بِتَمْلِيكِ أَبِيهِ لِمَصْلَحَةِ التَّعْلِيمِ، وَقَيَّدَهُ الطَّرَسُوسِيُّ بِأَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ آلَةٍ جَارِحَةٍ، وَبِأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى ثَلَاثِ ضَرَبَاتٍ وَرَدَّهُ النَّاظِمُ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ، وَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ وَأَقَرَّهُ الشَّارِحُ قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: وَالنَّقْلُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ يَضْرِبُ الصَّغِيرَ بِالْيَدِ لَا بِالْخَشَبَةِ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ ضَرَبَاتٍ وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ النَّاظِمِ أَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ الْأَحْرَارِ الْقَاضِي، فَإِنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِضَرْبِ ابْنِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهُ بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ اهـ وَقَيَّدَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِكَوْنِ الْقَاضِي عَادِلًا، وَبِمُشَاهَدَةِ الْحُجَّةِ الْمُلْزِمَةِ قَالَ: وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَى مُجَرَّدِ أَمْرِ الْقَاضِي الْآنَ (قَوْلُهُ وَأَثْوَبُ) أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ مِنْ الثَّوَابِ وَهُوَ الْجَزَاءُ، وَالْقُرَانُ مَنْقُولٌ حَرَكَةَ الْهَمْزَةِ لِضَرُورَةِ الْوَزْنِ ش قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ كَمَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ فِي شَرْحِهِ اهـ أَيْ فَهُوَ لُغَةٌ لَا ضَرُورَةٌ.
(قَوْلُهُ اسْتِمَاعُهُ) لِوُجُوبِهِ وَنُدِبَ الْقِرَاءَةُ (قَوْلُهُ ثَوَابُ الطِّفْلِ لِلطِّفْلِ) - {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39]- وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْتَفِعُ الْمَرْءُ بِعِلْمِ وَلَدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْعَبْدُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنْ يَتْرُكَ وَلَدًا عَلَّمَهُ الْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ فَيَكُونَ لِوَالِدِهِ أَجْرُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الْوَلَدِ شَيْئًا اهـ جَامِعُ الصِّغَارِ للأستروشني، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ» حَمَوِيٌّ وَتَمَامُ الْحَدِيثِ «صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» . وَفِي الْأَشْبَاهِ: وَتَصِحُّ عِبَادَتُهُ.