الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ شَبْعَانًا رَجَعَ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْمُكْرِهِ لِحُصُولِ مَنْفَعَةِ الْأَكْلِ لَهُ فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي.
قَالَ أَهْلُ الْحَرْبِ لِنَبِيٍّ أَخَذُوهُ: إنْ قُلْتَ لَسْتُ بِنَبِيٍّ تَرَكْنَاكَ وَإِلَّا قَتَلْنَاكَ لَا يَسَعُهُ قَوْلُ ذَلِكَ وَإِنْ قِيلَ لِغَيْرِ نَبِيٍّ: إنْ قُلْتَ هَذَا لَيْسَ بِنَبِيٍّ تَرَكْنَا نَبِيَّكَ وَإِنْ قُلْتَ نَبِيٌّ قَتَلْنَاهُ وَسِعَهُ لِامْتِنَاعِ الْكَذِبِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ.
قَالَ حَرْبِيٌّ لِرَجُلٍ: إنْ دَفَعْتَ جَارِيَتَكَ لِأَزْنِيَ بِهَا دَفَعْتُ لَكَ أَلْفَ أَسِيرٍ لَمْ يَحِلَّ.
أَقَرَّ بِعِتْقِ عَبْدِهِ مُكْرَهًا لَمْ يَعْتِقْ فِي الْأَصَحِّ، وَهَلْ الْإِكْرَاهُ بِأَخْذِ الْمَالِ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا؟ ظَاهِرُ الْقُنْيَةِ نَعَمْ وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: إنْ يَقُلْ الْمَدْيُونُ إنِّي مُرَافِعٌ لِتُبْرِئَ فَالْإِكْرَاهُ مَعْنًى مُصَوَّرُ
وَصَحَّ قَوْلُهُ إنِّي مُرَافِعٌ إلَخْ قَدْ غَيَّرْت بَيْتَ الْوَهْبَانِيَّةِ إلَى قَوْلِي:
وَإِنْ يَقُلْ الْمَدْيُونُ إنْ لَمْ تَهَبْهُ لِي
…
أُرَافِعْكَ فَالْإِكْرَاهُ مَعْنًى مُصَوَّرُ
فِي الِاسْتِحْسَانِ إسْلَامُ مُكْرَهٍ
…
وَلَا قَتْلَ إنْ يَرْتَدَّ بَعْدُ وَيُجْبَرُ
اهـ مِنْهُ.
كِتَابُ
الْحَجْرِ
. (هُوَ) لُغَةً: الْمَنْعُ
ــ
[رد المحتار]
نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ شَبْعَانًا فَقَدْ أُكْرِهَ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ فَيُضَمِّنُ الْآمِرَ بَزَّازِيَّةٌ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَبْعَانًا) صَرَفَهُ لِأَنَّ مُؤَنَّثَهُ قَابِلٌ لِلتَّاءِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لِامْتِنَاعِ الْكَذِبِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَا يَسَعُهُ، أَيْ لِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ حُجَّةٌ عَلَى الْخَلْقِ فَلَا يُبَاحُ الْكَذِبُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَلِذَلِكَ يَسَعُهُ خَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَحِلَّ) أَيْ دَفْعُ الْجَارِيَةِ، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ إكْرَاهًا حَتَّى يُرَخَّصَ لَهَا الزِّنَا، وَلَمْ يُكْرَهْ عَلَى الدَّفْعِ.
وَأَمَّا الْأُسَارَى فَاَللَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى تَخْلِيصِهِمْ وَتَصْبِيرِهِمْ عَلَى بَلِيَّتِهِمْ ط. (قَوْلُهُ: لَمْ يَعْتِقْ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُفْسِدُهُ الْإِكْرَاهُ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ لِيُقِرَّ بِطَلَاقٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ قَطْعٍ أَوْ نَسَبٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ خَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: ظَاهِرُ الْقُنْيَةِ نَعَمْ) وَعِبَارَتُهَا ف ع مُتَغَلِّبٌ قَالَ لِرَجُلٍ: إمَّا أَنْ تَبِيعَنِي هَذِهِ الدَّارَ أَوْ أَدْفَعَهَا إلَى خَصْمِك فَبَاعَهَا مِنْهُ، فَهُوَ بَيْعُ مُكْرَهٍ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَحْقِيقُ مَا أَوْعَدَهُ، قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: فَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْإِكْرَاهَ بِأَخْذِ الْمَالِ إكْرَاهٌ شَرْعًا وَفِي ب ط أَلْفَاظٌ مُتَعَارِضَةُ الدَّلَالَةِ وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ رِوَايَةً إلَّا هَذَا الْقَدْرَ اهـ وَظَاهِرُهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ كُلَّ الْمَالِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ مَا يُخَالِفُهُ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: إنْ هَدَّدَ السُّلْطَانُ وَصِيَّ يَتِيمٍ بِمُلْجِئٍ لِيَدْفَعَ مَالِهِ إلَيْهِ فَفَعَلَ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ بِأَخْذِ مَالِ نَفْسِهِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَأْخُذُ بَعْضَ مَالِهِ وَيَتْرُكُ مَا يَكْفِيهِ لَا يَسَعُهُ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ مِثْلَهُ وَإِنْ خَشِيَ أَخْذَ جَمِيعَ مَالِهِ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَإِنْ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ بِنَفْسِهِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْوَصِيِّ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا. (قَوْلُهُ: إنِّي مُرَافِعٌ) أَيْ مَرَافِعُك لِلْحَاكِمِ أَيْ وَكَانَ ظَالِمًا يُؤْذِي بِمُجَرَّدِ الشِّكَايَةِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: لِتُبْرِئَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِلْمُرَافَعَةِ وَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: إنْ لَمْ تُبْرِئْنِي أُرَافِعْك فَالْعِلَّةُ عَدَمُ الْإِبْرَاءِ، وَيُمْكِنُ جَعْلُهُ عِلَّةً لِقَوْلِهِ وَإِنْ يَقُلْ لَكِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ لِيُبْرِئَ بِضَمِيرِ الْغَائِبِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَصَحَّ) إلَى آخِرِ الْبَيْتِ مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ الْمَارِّ وَإِسْلَامُهُ سِوَى قَوْلِهِ وَيُجْبَرُ أَيْ عَلَى الْإِسْلَامِ بِالْحَبْسِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْحَجْرِ]
أَوْرَدَهُ بَعْدَ الْإِكْرَاهِ، لِأَنَّ فِي كُلٍّ سَلْبَ وِلَايَةِ الْمُخْتَارِ عَنْ الْجَرْيِ عَلَى مُوجَبِ الِاخْتِيَارِ، وَالْإِكْرَاهُ أَقْوَى، لِأَنَّ فِيهِ السَّلْبَ مِمَّنْ لَهُ اخْتِيَارٌ صَحِيحٌ وَوِلَايَةٌ كَامِلَةٌ فَكَانَ بِالتَّقْدِيمِ أَحْرَى. (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً الْمَنْعُ) يُقَالُ حَجَرَ عَلَيْهِ حَجْرًا مِنْ بَابِ قَتَلَ مَنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ، فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَالْفُقَهَاءُ يَحْذِفُونَ الصِّلَةَ تَخْفِيفًا وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَطِيمُ حِجْرًا بِالْكَسْرِ،
مُطْلَقًا وَشَرْعًا: (مَنْعٌ مِنْ نَفَاذِ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ) لَا فِعْلِيٍّ لِأَنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحَجْرُ عَنْهُ.
قُلْت: يُشْكِلُ عَلَيْهِ الرَّقِيقُ لِمَنْعِ نَفَاذِ فِعْلِهِ فِي الْحَالِ بَلْ بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ
ــ
[رد المحتار]
لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْكَعْبَةِ وَكَذَا الْعَقْلُ لِمَنْعِهِ مِنْ الْقَبَائِحِ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) وَلَوْ عَنْ الْفِعْلِ أَوْ عَمَّا هُوَ مَطْلُوبٌ ط. (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا مَنْعٌ مِنْ نَفَاذِ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ) أَيْ مِنْ لُزُومِهِ فَإِنَّ عَقْدَ الْمَحْجُورِ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا، وَالنَّافِذُ أَعَمُّ مِنْ اللَّازِمِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ فِي الْإِكْرَاهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِ التَّصَرُّفِ فَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ سِوَى الْعُقُودِ الدَّائِرَةِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرِّ، مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ قَدْ يَلْغُو أَصْلًا كَطَلَاقِ الصَّبِيِّ، وَقَدْ يَصِحُّ كَطَلَاقِ الْعَبْدِ فَالْمُنَاسِبُ فِي تَعْرِيفِهِ مَا فِي الْإِيضَاحِ بِقَوْلِهِ: وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعٍ مَخْصُوصٍ بِشَخْصٍ مَخْصُوصٍ عَنْ تَصَرُّفٍ مَخْصُوصٍ أَوْ عَنْ نَفَاذِهِ. وَتَفْصِيلُهُ أَنَّهُ مَنْعٌ لِلرَّقِيقِ عَنْ نَفَاذِ تَصَرُّفِهِ الْفِعْلِيِّ الضَّارِّ وَإِقْرَارِهِ بِالْمَالِ فِي الْحَالِ، وَلِلصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ عَنْ أَصْلِ التَّصَرُّفِ الْقَوْلِيِّ إنْ كَانَ ضَرَرًا مَحْضًا وَعَنْ وَصْفِ نَفَاذِهِ إنْ كَانَ دَائِرًا بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ اهـ وَكَتَبَ فِي هَامِشِهِ الْحَجْرُ عَلَى مَرَاتِبَ: أَقْوَى وَهُوَ الْمَنْعُ عَنْ أَصْلِ التَّصَرُّفِ، وَمُتَوَسِّطٌ وَهُوَ الْمَنْعُ عَنْ وَصْفِهِ وَهُوَ النَّفَاذُ، وَضَعِيفٌ وَهُوَ الْمَنْعُ عَنْ وَصْفِ وَصْفِهِ وَهُوَ كَوْنُ النَّفَاذِ حَالًّا اهـ وَقَدْ أَدْخَلَ فِي التَّعْرِيفِ الْمَنْعَ عَنْ الْفِعْلِ كَمَا تَرَى، وَدَخَلَ فِيهِ نَحْوُ الزِّنَا وَالْقَتْلِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَإِنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِمَا بِالنِّسْبَةِ لِحُكْمِهِ، وَهُوَ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ، فَإِنَّهُ إنْ جَعَلَ الْحَجْرَ هُوَ الْمَنْعَ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِ التَّصَرُّفِ، فَمَا وَجْهُ تَقْيِيدِهِ بِالْقَوْلِيِّ وَنَفْيِ الْفِعْلِيِّ، مَعَ أَنَّ لِكُلٍّ حُكْمًا؟ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا اسْتَشْكَلَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَصْلِهِ. وَأَمَّا مَا عَلَّلَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْفِعْلَ بَعْدَ وُقُوعِهِ، لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ نَقُولُ الْكَلَامُ فِي مَنْعِ حُكْمِهِ لَا مَنْعِ ذَاتِهِ، وَمِثْلُهُ الْقَوْلُ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بِذَاتِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ بَلْ رَدُّ حُكْمِهِ.
فَإِنْ قُلْت: قَيَّدَ بِالْقَوْلِيِّ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ لَا يُحْجَرُ عَنْهَا كُلِّهَا فَإِنَّ مَا يُوجِبُ الضَّمَانَ مِنْهَا يُؤَاخَذُ بِهَا. قُلْت: وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ بَعْضُهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَنْهُ كَاَلَّذِي تَمَحَّضَ نَفْعًا كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِمَنْعِ نَفَاذِ فِعْلِهِ فِي الْحَالِ) كَاسْتِهْلَاكِهِ لِلْأَمْوَالِ فَإِنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ مَنْعُ النَّفَاذِ فِي الْحَالِ، مَعَ أَنَّهُ فِعْلٌ لَا قَوْلٌ، وَنَفَاذُهُ فِي الْمَآلِ لَا يُنَافِي وُجُودَ الْمَنْعِ فِي الْحَالِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ قَوْلُنَا مَحْجُورٌ عَنْ الْإِقْرَارِ مَثَلًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَافْهَمْ وَهَذَا مِنْ الْمَنْعِ عَنْ وَصْفِ الْوَصْفِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: بَلْ بَعْدَ الْعِتْقِ إلَخْ) أَيْ بَلْ يَنْفُذُ بَعْدَهُ، لِأَنَّ تَوَقُّفَهُ كَانَ لِحَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يَتَوَقَّفُ هُوَ إقْرَارُهُ بِالْمَالِ كَمَا يَأْتِي وَكَذَا مُطَالَبَتُهُ بِالْمَهْرِ لَوْ تَزَوَّجَ بِلَا إذْنِ مَوْلَاهُ وَدَخَلَ بِهَا كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ وَكَأَنَّهُ لَمَّا كَانَ بِرِضَاهَا صَارَتْ رَاضِيَةً بِتَأْخِيرِ الْمَهْرِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْبَدَائِعِ تَبَعًا لِابْنِ الْكَمَالِ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ، فَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ التَّبْيِينِ وَالدُّرَرِ، وَيُخَالِفُهُ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ ابْنِ مَالِكٍ مِنْ أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ فِي الْحَالِ بِمَا اسْتَهْلَكَهُ. وَسَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْمَأْذُونِ عَنْ الْعِمَادِيَّةِ قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّقْلَ مُسْتَفِيضٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالضَّمَانِ فِي الْحَالِ فَيُبَاعُ أَوْ يَفْدِيهِ الْمَوْلَى اهـ مُلَخَّصًا. وَمِثْلُهُ فِي الْحَامِدِيَّةِ عَنْ السِّرَاجِ ثُمَّ قَالَ: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ الْكَفَالَةِ: فَإِنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ يُوفِي ذَلِكَ مِنْ كَسْبِهِ وَإِلَّا تُبَاعُ رَقَبَتُهُ بِدَيْنِ الِاسْتِهْلَاكِ إلَّا أَنْ يَقْضِيَهُ الْمَوْلَى اهـ وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ أَمْرِ الْغَيْرِ بِالْجِنَايَةِ رَامِزًا لِبَكْرٍ خُوَاهَرْ زَادَهْ: عَبْدٌ مَحْجُورٌ جَنَى عَلَى مَالٍ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ، فَهُوَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ يُبَاعُ فِيهَا عَلَى مَنْ اشْتَرَاهُ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ التَّاسِعِ مِنْ الْجِنَايَاتِ فَرَّقَ بَيْنَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْآدَمِيِّ وَبَيْنَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ، فَفِي الْأَوَّلِ خُيِّرَ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَفِي الثَّانِي خُيِّرَ بَيْنَ الدَّفْعِ
اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْأَصْلُ فِيهِ ذَلِكَ لَكِنَّهُ أُخِّرَ لِعِتْقِهِ لِقِيَامِ الْمَانِعِ فَتَأَمَّلْ.
(وَسَبَبُهُ صِغَرٌ وَجُنُونٌ) يَعُمُّ الْقَوِيَّ وَالضَّعِيفَ كَمَا فِي الْمَعْتُوهِ وَحُكْمُهُ كَمُمَيِّزٍ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمَأْذُونِ (وَرِقٌّ فَلَا يَصِحُّ طَلَاقُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ مَغْلُوبٍ) أَيْ لَا يُفِيقُ بِحَالٍ وَأَمَّا الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَحُكْمُهُ كَمُمَيِّزٍ نِهَايَةٌ (وَ) لَا (إعْتَاقُهُمَا
ــ
[رد المحتار]
وَالْبَيْعِ اهـ. (قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ) أَيْ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْإِشْكَالِ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ تُؤْتَى فِي صَدْرِ جَوَابٍ فِيهِ ضَعْفٌ كَأَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى صِحَّتَهُ. (قَوْلُهُ: الْأَصْلُ فِيهِ ذَلِكَ) أَيْ الْأَصْلُ فِي فِعْلِهِ النَّفَاذُ فِي الْحَالِ لِمَا يَأْتِي أَنَّ الرِّقَّ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْحَجْرِ فِي الْحَقِيقَةِ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ) أَيْ النَّفَاذَ أُخِّرَ لِعِتْقِهِ أَيْ لِوَقْتِ عِتْقِهِ أَوْ إلَيْهِ لِقِيَامِ الْمَانِعِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى.
(قَوْلُهُ: وَسَبَبُهُ صِغَرٌ وَجُنُونٌ) اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى جَعَلَ بَعْضَ الْبَشَرِ ذَوِي النُّهَى، وَجَعَلَ مِنْهُمْ أَعْلَامَ الدِّينِ وَأَئِمَّةَ الْهُدَى وَمَصَابِيحَ الدُّجَى، وَابْتَلَى بَعْضَهُمْ بِمَا شَاءَ مِنْ أَسْبَابِ الرَّدَى كَالْجُنُونِ الْمُوجِبِ لِعَدَمِ الْعَقْلِ وَالصِّغَرِ وَالْعَتَهِ الْمُوجِبَيْنِ لِنُقْصَانِهِ، فَجَعَلَ تَصَرُّفَهُمَا غَيْرَ نَافِذٍ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِمَا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ مُعَامَلَتُهُمَا ضَرَرًا عَلَيْهِمَا بِأَنْ يَسْتَجِرَّ مَنْ يُعَامِلُهُمَا مَالَهُمَا بِاحْتِيَالِهِ الْكَامِلِ، وَجَعَلَ مَنْ يَنْظُرُ فِي مَالِهِمَا خَاصًّا كَالْأَبِ وَعَامًّا كَالْقَاضِي، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ النَّظَرَ لَهُمَا، وَجَعَلَ الصِّبَا وَالْجُنُونَ سَبَبًا لِلْحَجْرِ عَلَيْهِمَا كُلَّ ذَلِكَ رَحْمَةً مِنْهُ وَلُطْفًا، وَالرِّقُّ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْحَجْرِ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ كَامِلُ الرَّأْيِ كَالْحُرِّ غَيْرَ أَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْمَوْلَى، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ لِأَجْلِ حَقِّ الْمَوْلَى وَالْإِنْسَانُ إذَا مُنِعَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَكُونُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَالْحُرِّ، لَا يُقَالُ إنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَلِهَذَا يُؤْخَذُ الْعَبْدُ بِإِقْرَارِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ، لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى وَلِعَدَمِ نُفُوذِهِ فِي الْحَالِ، وَتَأَخُّرُهُ إلَى مَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ جَعَلَهُ مِنْ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: يَعُمُّ الْقَوِيَّ وَالضَّعِيفَ) أَشَارَ إلَى أَنَّ سَبَبَ الْحَجْرِ هُوَ مُطْلَقُ الْجُنُونِ كَمَا فِي الْإِيضَاحِ، وَأَرَادَ بِالْقَوِيِّ الْمُطْبِقَ وَبِالضَّعِيفِ غَيْرَهُ، أَوْ أَرَادَ بِالْقَوِيِّ الْقِسْمَيْنِ وَبِالضَّعِيفِ الْعَتَهَ فَقَوْلُهُ " كَمَا فِي الْمَعْتُوهِ " الْكَافُ فِيهِ لِلتَّنْظِيرِ عَلَى الْأَوَّلِ. وَلِلتَّمْثِيلِ عَلَى الثَّانِي تَأَمَّلْ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْمَعْتُوهِ وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ هُوَ مَنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَهْمِ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَجْنُونُ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ كَمُمَيِّزٍ) أَيْ حُكْمُ الْمَعْتُوهِ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَفِي رَفْعِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ طَلَاقُ صَبِيٍّ) أَيْ وَلَوْ مُمَيِّزًا. (قَوْلُهُ: وَمَجْنُونٍ مَغْلُوبٍ إلَخْ) قَدْ يُذْكَرُ هَذَا الْقَيْدُ وَيُرَادُ بِهِ الْغَلَبَةُ عَلَى الْعَقْلِ، فَيُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ الْمَعْتُوهِ كَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ، حَيْثُ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ بِحَالٍ، وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَنْ صَارَ مَغْلُوبًا لِلْجُنُونِ، بِحَيْثُ لَا يُفِيقُ أَيْ لَا يَزُولُ عَنْهُ مَا بِهِ مِنْ الْجُنُونِ قَوِيًّا كَانَ أَوْ ضَعِيفًا، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَعْتُوهُ وَيُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّنْ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ عَلَى مَا يَأْتِي فَمَنْ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمَعْتُوهِ فَقَدْ وَهِمَ لِظَنِّهِ أَنَّ الْمُرَادَ فِي الْكَلَامَيْنِ وَاحِدٌ مَعَ أَنَّ طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ أَيْضًا لَا يَصِحُّ كَذَا أَفَادَهُ ابْنُ الْكَمَالِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَحُكْمُهُ كَمُمَيِّزٍ) وَمِثْلُهُ فِي الْمِنَحِ وَالدُّرَرِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ حَيْثُ فَسَّرَ الْمَغْلُوبَ بِاَلَّذِي لَا يَعْقِلُ أَصْلًا ثُمَّ قَالَ: وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمَجْنُونِ الَّذِي يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَيَقْصِدُهُ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ كَتَصَرُّفِ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ عَلَى مَا يَجِيءُ فَيَتَوَقَّفُ إلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ اهـ وَهَذَا هُوَ الْمَعْتُوهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكِفَايَةِ، وَجَعَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالْعَاقِلِ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ كَالْعَاقِلِ الْبَالِغِ، وَبِهِ اعْتَرَضَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَلَى الدُّرَرِ، فَلَا تَتَوَقَّفُ تَصَرُّفَاتُهُ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا الرَّحْمَتِيُّ وَالسَّائِحَانِيُّ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ تَامَّ الْعَقْلِ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ. وَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى مَا إذَا كَانَ تَامَّ الْعَقْلِ، وَوَفَّقَ الشَّلَبِيُّ فِي حَاشِيَةِ الزَّيْلَعِيِّ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ، وَمَا فِي شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا وَقْتٌ مَعْلُومٌ: أَيْ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ لَا يَتَحَقَّقُ صَحْوُهُ. أَقُولُ: وَاَلَّذِي يَحُلُّ عُقْدَةَ الْإِشْكَالِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ
وَإِقْرَارُهُمَا) نَظَرًا لَهُمَا.
(وَصَحَّ طَلَاقُ عَبْدٍ وَإِقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَقَطْ) لَا سَيِّدِهِ (فَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ أُخِّرَ إلَى عِتْقِهِ) لَوْ لِغَيْرِ مَوْلَاهُ وَلَوْ لَهُ هَدَرٌ (وَبِحَدٍّ وَقَوَدٍ أُقِيمَ فِي الْحَالِ) لِبَقَائِهِ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّهِمَا.
(وَمَنْ عَقَدَ) عَقْدًا يَدُورُ بَيْنَ نَفْعٍ وَضَرٍّ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمَأْذُونِ (مِنْهُمْ) .
ــ
[رد المحتار]
ابْنِ الْكَمَالِ فَإِنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْمَغْلُوبِ مَنْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ: أَيْ الَّذِي لَا يَعْقِلُ أَصْلًا فَيُرَادُ بِاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ نَاقِصُ الْعَقْلِ وَهُوَ الْمَعْتُوهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَغَيْرُهُ حَيْثُ قَالَ: وَالْمَجْنُونُ الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ، وَهُوَ الْمَعْتُوهُ الَّذِي يَصْلُحُ وَكِيلًا عَنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ قَدْ يَعْقِلُ الْبَيْعَ، وَيَقْصِدُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُرَجِّحُ الْمَصْلَحَةَ عَلَى الْمَفْسَدَةِ اهـ. وَمَعْنَى إفَاقَتِهِ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَعْقِلُ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ، وَالْمَعْتُوهُ فِي تَصَرُّفَاتِهِ كَمُمَيِّزٍ كَمَا مَرَّ فَلِهَذَا جَعَلَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ مِثْلَهُ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَنْ لَا يُفِيقُ مِنْ جُنُونِهِ الْكَامِلِ أَوْ النَّاقِصِ، فَيُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّنْ يُفِيقُ أَحْيَانًا أَيْ يَزُولُ عَنْهُ مَا بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذَا كَالْعَاقِلِ الْبَالِغِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَهُوَ مَحْمَلُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ، وَمَنْشَأُ الِاشْتِبَاهِ عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْقِيقَ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ أَنْ يَقُولَ: فَحُكْمُهُ كَعَاقِلٍ أَيْ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ لِيَظْهَرَ لِلتَّقْيِيدِ بِالْمَغْلُوبِ فَائِدَةٌ فَإِنَّهُ حَيْثُ كَانَ غَيْرُ الْمَغْلُوبِ كَمُمَيِّزٍ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَا إعْتَاقُهُ كَالْمَغْلُوبِ، وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ النِّهَايَةِ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِعِبَارَةِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ لَمْ يُخَصِّصْ فِيهَا بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ بِالذِّكْرِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْتَرَزَ بِالْمَغْلُوبِ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ عَنْ الْمَعْتُوهِ وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَنْ الَّذِي زَالَ مَا بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: وَإِقْرَارُهُمَا) أَيْ الْمَغْلُوبِ وَالصَّبِيِّ، وَالْمُرَادُ الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ، فَلَوْ مَأْذُونًا يَصِحُّ إقْرَارُهُ كَالْمَعْتُوهِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ كَمَا يَأْتِي آخِرَ كِتَابِ الْمَأْذُونِ. (قَوْلُهُ: نَظَرًا لَهُمَا) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا يَصِحُّ.
(قَوْلُهُ: وَصَحَّ طَلَاقُ عَبْدٍ) لِأَنَّهُ أَهْلٌ وَيَعْرِفُ وَجْهَ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ، وَلَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ مِلْكِ الْمَوْلَى، وَلَا تَفْوِيتُ مَنَافِعِهِ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَقَطْ) قِيلَ: الْوَاجِبُ إسْقَاطُهُ لِيَكُونَ التَّفْصِيلُ الْآتِي بَيَانًا لِإِجْمَالِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ اهـ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: لَا سَيِّدِهِ) أَيْ لَا فِي حَقِّ سَيِّدِهِ رِعَايَةٌ لِجَانِبِهِ لِأَنَّ نَفَاذَهُ لَا يُعَرَّى عَنْ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ أَوْ كَسْبِهِ، وَكِلَاهُمَا إتْلَافُ مَالِهِ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ أَقَرَّ) أَيْ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ إقْرَارِ الْحُرِّ الصَّغِيرِ عَدَمُ صِحَّةِ إقْرَارِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ بِالْأَوْلَى. (وَقَوْلُهُ: أُخِّرَ إلَى عِتْقِهِ) لِوُجُودِ الْأَهْلِيَّةِ حِينَئِذٍ وَارْتِفَاعِ الْمَانِعِ. (قَوْلُهُ: هَدَرٌ) أَيْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بَعْدَ عِتْقِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ مَالًا دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: وَبِحَدٍّ وَقَوَدٍ) أَيْ بِمَا يُوجِبُهُمَا، وَالْوَاوُ بِمَعْنَى " أَوْ " وَلِهَذَا أَفْرَدَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ " أُقِيمَ ". (قَوْلُهُ: أُقِيمَ فِي الْحَالِ) وَحَضْرَةُ الْمَوْلَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، وَهَذَا إذَا أَقَرَّ وَأَمَّا إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فَحَضْرَةُ الْمَوْلَى شَرْطٌ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَيْسَتْ بِشَرْطٍ جَوْهَرَةٌ، وَفِيهَا قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا وَوَجَبَ الْقِصَاصُ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ لِلْقَتِيلِ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ حَقُّهُ وَانْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ مَالًا وَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ لِأَنَّهُ انْقَلَبَ مَالًا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، وَيَجِبُ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِأَنَّ أَصْلَ الْجِنَايَةِ كَانَ فِي حَالِ الرِّقِّ. وَلَوْ أَقَرَّ بِقَتْلِ خَطَأٍ لَمْ يَلْزَمْ الْمَوْلَى شَيْءٌ وَكَانَ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ كَذَا فِي الْخُجَنْدِيِّ. وَفِي الْكَرْخِيِّ إقْرَارُهُ بِجِنَايَةِ الْخَطَأِ - وَهُوَ مَأْذُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ - بَاطِلٌ فَإِنْ أُعْتِقَ لَمْ يُتْبَعْ بِشَيْءٍ مِنْ الْجِنَايَةِ اهـ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: فِي حَقِّهِمَا) أَيْ الْحَدِّ وَالْقَوَدِ لِأَنَّهُمَا مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ آدَمِيٌّ وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِهِمَا، وَإِذَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِمَا يَنْفُذُ إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا هُوَ حَقُّهُ، وَبُطْلَانُ حَقِّ الْمَوْلَى ضِمْنِيٌّ كِفَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: يَدُورُ بَيْنَ نَفْعٍ وَضَرٍّ) أَمَّا النَّفْعُ الْمَحْضُ فَيَصِحُّ كَقَبُولِهِ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَكَذَا إذَا آجَرَ نَفْسَهُ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ وَجَبَتْ الْأُجْرَةُ اسْتِحْسَانًا وَيَصِحُّ قَبُولُ بَدَلِ الْخُلْعِ مِنْ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى، لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ، وَتَصِحُّ عِبَارَةُ الصَّبِيِّ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَطَلَاقُهُ وَعَتَاقُهُ إذَا كَانَ وَكِيلًا جَوْهَرَةٌ
مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُورِينَ (وَهُوَ يَعْقِلُهُ) يَعْرِفُ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ لِلْمِلْكِ وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ (أَجَازَ وَإِلَيْهِ، أَوْ رَدَّ) وَإِنْ لَمْ يَعْقِلْهُ فَبَاطِلٌ نِهَايَةٌ.
(وَإِنْ أَتْلَفُوا) أَيْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُورِينَ سَوَاءٌ عَقَلُوا أَوْ لَا دُرَرٌ (شَيْئًا) مُقَوَّمًا مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ (ضَمِنُوا) إذْ لَا حَجْرَ فِي الْفِعْلِيِّ لَكِنَّ ضَمَانَ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى مَا مَرَّ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ فَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ الْمَالِ لِلْحَالِ وَإِذَا قَتَلَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ: لَوْ أَتْلَفَ مَا اقْتَرَضَهُ وَمَا أُودِعَ عِنْدَهُ بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ وَمَا أُعِيرَ لَهُ وَمَا بِيعَ مِنْهُ بِلَا إذْنٍ وَيُسْتَثْنَى مِنْ إيدَاعِهِ مَا إذَا أَوْدَعَ صَبِيٌّ مَحْجُورٌ مِثْلَهُ - وَهِيَ مِلْكُ غَيْرِهِمَا -
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ: مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُورِينَ) الْمُرَادُ الصَّبِيُّ وَالرَّقِيقُ فَأَطْلَقَ لَفْظَ الْجَمْعِ عَلَى الِاثْنَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} [النساء: 11] وَالْمُرَادُ أَخَوَانِ وَقِيلَ الْمُرَادُ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ الَّذِي يُفِيقُ جَوْهَرَةٌ. (قَوْلُهُ: يَعْرِفُ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي الْمَأْذُونِ قَيْدٌ آخَرُ وَزَادَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ قَالَ فِي شَاهَانْ: وَمِنْ عَلَامَةِ كَوْنِهِ غَيْرَ عَاقِلٍ إذَا أَعْطَى الْحَلْوَانِيَّ فُلُوسًا فَأَخَذَ الْحَلْوَى وَبَقِيَ يَقُولُ: أَعْطِنِي فُلُوسِي وَإِنْ ذَهَبَ وَلَمْ يَسْتَرِدَّ الْفُلُوسَ فَهُوَ عَاقِلٌ اهـ. (قَوْلُهُ: أَجَازَ وَلِيُّهُ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ غَبْنٌ فَاحِشٌ، فَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ جَوْهَرَةٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْوَلِيِّ آخِرَ الْمَأْذُونِ وَأَنَّهُ يَصِحُّ إذْنُ الْقَاضِي وَإِنْ أَبَى الْأَبُ.
(قَوْلُهُ: أَيْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُورِينَ) صَوَابُهُ الْمَحْجُورُونَ. (قَوْلُهُ: ضَمِنُوا) فَلَوْ أَنَّ ابْنَ يَوْمٍ انْقَلَبَ عَلَى قَارُورَةِ إنْسَانٍ مَثَلًا فَكَسَرَهَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ، وَكَذَا الْعَبْدُ وَالْمَجْنُونُ إذَا أَتْلَفَا شَيْئًا لَزِمَهُمَا ضَمَانُهُ فِي الْحَالِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْكَافِي عَزْمِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّ ضَمَانَ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ) يَعْنِي فِي إتْلَافِهِ الْمَالَ أَمَّا فِي النَّفْسِ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْحَالِ إنْ جَنَى عَلَى النَّفْسِ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَيَدْفَعُ أَوْ يَفْدِي إنْ جَنَى عَلَيْهَا بِمَا لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ أَوْ جَنَى عَلَى الطَّرَفِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً ح. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ عَنْ الْبَدَائِعِ وَعَلِمْت أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا ط وَالسَّائِحَانِيُّ بِحَمْلِ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَلَى مَا إذَا ظَهَرَ بِإِقْرَارِهِ لِمَا فِي الْغَايَةِ: إذَا كَانَ الْغَصْبُ ظَاهِرًا يَضْمَنُ فِي الْحَالِ فَيُبَاعُ فِيهِ، وَلَوْ ظَهَرَ بِإِقْرَارِهِ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْعِتْقِ كَذَا قَالَ الْفَقِيهُ. (قَوْلُهُ: مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ) هَذَا مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ، وَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّكْلِيفِ لِأَنَّ الْخِطَابَ نَوْعَانِ خِطَابُ وَضْعٍ وَخِطَابُ تَكْلِيفٍ كَمَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا قَتَلَ) أَيْ الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ وَلَيْسَ التَّقْيِيدُ بِالْحَجْرِ فِي هَذِهِ احْتِرَازِيًّا حَتَّى لَوْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ أَبُو السُّعُودِ عَلَى الْأَشْبَاهِ.
(قَوْلُهُ: إلَّا فِي مَسَائِلَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَيَضْمَنُ أَيْ فَلَا يَضْمَنُ فِي هَذِهِ، لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ مِنْ الْمَالِكِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْأَشْبَاهِ. لَكِنْ فِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّهَا ضَمَانُ عَقْدٍ عِنْدَهُمَا، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ إلْزَامِ الضَّمَانِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ضَمَانُ فِعْلٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْتِزَامِ الْفِعْلِ اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: أَوْدَعَ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا مَالًا فَاسْتَهْلَكَهُ لَمْ يَضْمَنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَضْمَنُ الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَالصَّبِيُّ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ اهـ فَتَأَمَّلْ وَسَنَذْكُرُ لَهُ تَتِمَّةً آخِرَ كِتَابِ الْمَأْذُونِ. (قَوْلُهُ: لَوْ أَتْلَفَ مَا اقْتَرَضَهُ) أَطْلَقَ الْجَوَابَ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ، وَفِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَوْلُهُمَا، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: هُوَ ضَامِنٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ بِيرِيٌّ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَصْحِيحٌ لِنَقْلِ الْخِلَافِ لَا لِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ تَأَمَّلْ. قَالَ أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَذْهَانِ: وَلَوْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا سَبْقِ إيدَاعٍ أَوْ إقْرَاضٍ ضَمِنَ بِالْإِجْمَاعِ. (قَوْلُهُ: وَمَا أُودِعَ عِنْدَهُ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا أَتْلَفَ مَا أُودِعَ عِنْدَ أَبِيهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَأَطْلَقَ عَدَمَ الضَّمَانِ فِي الْوَدِيعَةِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا سِوَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ، أَمَّا إذَا كَانَتْ عَبْدًا أَوْ أَمَةً وَاسْتَهْلَكَهُ يَضْمَنُ إجْمَاعًا بِيرِيٌّ عَنْ الْبَدَائِعِ قَالَ الْحَمَوِيُّ: وَفِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ لِلْأُسْرُوشَنِيِّ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ: صَبِيٌّ مَحْجُورٌ أُودِعَ عَبْدًا فَقَتَلَهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الْقِيمَةُ وَلَوْ طَعَامًا فَأَكَلَهُ لَا يَضْمَنُ اهـ.
قُلْت: وَقَدْ يُوَفَّقُ بِأَنَّ الضَّمَانَ إجْمَاعًا عَلَى الْعَاقِلَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ) يُغْنِي عَنْهُ مَا بَعْدَهُ فَلَوْ أَذِنَ وَلِيُّهُ فِي أَخْذِ الْوَدِيعَةِ يَضْمَنُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمُصَفَّى أَبُو السُّعُودِ. (قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ إيدَاعِهِ إلَخْ) يُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا إذَا كَانَتْ عَبْدًا بِنَاءً عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ. (قَوْلُهُ: مِثْلَهُ) أَيْ صَبِيًّا مَحْجُورًا وَهُوَ - بِالنَّصْبِ - مَفْعُولٌ أَوَّلٌ لِ أَوْدَعَ وَالثَّانِي مَحْذُوفٌ:
فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الدَّافِعِ وَالْآخِذِ.
(وَلَا يُحْجَرُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ بِسَفَهٍ) هُوَ تَبْذِيرُ الْمَالِ وَتَضْيِيعُهُ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الشَّرْعِ أَوْ الْعَقْلِ دُرَرٌ وَلَوْ فِي الْخَيْرِ كَأَنْ يَصْرِفَهُ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُحْجَرَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا وَتَمَامُهُ فِي فَوَائِدَ شَتَّى فِي الْأَشْبَاهِ (وَفِسْقٍ وَدَيْنٍ) وَغَفْلَةٍ (بَلْ) يُمْنَعُ (مُفْتٍ مَاجِنٌ) يُعَلِّمُ الْحِيَلَ الْبَاطِلَةَ كَتَعْلِيمِ الرِّدَّةِ لِتَبِينَ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ لِتُسْقِطَ عَنْهَا الزَّكَاةَ (وَطَبِيبٌ جَاهِلٌ وَمُكَارٍ مُفْلِسٌ
ــ
[رد المحتار]
أَيْ وَدِيعَةً. (قَوْلُهُ: فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ الدَّافِعِ أَوْ الْآخِذِ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ " وَهِيَ مِنْ مُشْكِلَاتِ إيدَاعِ الصَّبِيِّ. وَأَجَابَ فِي الْأَشْبَاهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا التَّسْلِيطُ مِنْ مَالِكِهَا بِخِلَافِ مَا مَرَّ، وَأُورِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ وُجِدَ التَّسْلِيطُ بِنَفْسِ الدَّفْعِ إلَى الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْحَمَوِيِّ.
قُلْت: مَدْفُوعٌ إذْ لَوْ دَفَعَهُ الْمَالِكُ إلَى الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَضْمِينُهُ كَمَا مَرَّ فِي الْمُسْتَثْنَيَاتِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُحْجَرُ حُرٌّ إلَخْ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى حُرٍّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَجْرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ لَا يَجُوزُ بِسَبَبِ السَّفَهِ وَالدَّيْنِ وَالْفِسْقِ وَالْغَفْلَةِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ بِغَيْرِ الْفِسْقِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ بِالْكُلِّ كِفَايَةٌ، وَأَمَّا الْحَجْرُ عَلَى الْمُفْتِي الْمَاجِنِ وَأَخَوَيْهِ فَلَيْسَ بِحَجْرٍ اصْطِلَاحِيٍّ كَمَا يَأْتِي وَظَاهِرُ الدُّرَرِ أَنَّ عِنْدَهُمَا أَيْضًا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِالْفِسْقِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْعَزْمِيَّةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ هُنَا مُجْمَلٌ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: هُوَ تَبْذِيرُ الْمَالِ إلَخْ) فَارْتِكَابُ غَيْرِهِ مِنْ الْمَعَاصِي كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّفَهِ الْمُصْطَلَحِ فِي شَيْءٍ قُهُسْتَانِيٌّ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ رَشِيدًا ثُمَّ سَفِهَ لِمَا يَأْتِي مَتْنًا أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ مَالُهُ إلَخْ. (قَوْلُهُ: عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الشَّرْعِ أَوْ الْعَقْلِ) كَالتَّبْذِيرِ وَالْإِسْرَافِ فِي النَّفَقَةِ وَأَنْ يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفَاتٍ لَا لِغَرَضٍ أَوْ لِغَرَضٍ لَا يَعُدُّهُ الْعُقَلَاءُ مِنْ أَهْلِ الدِّيَانَةِ غَرَضًا كَدَفْعِ الْمَالِ إلَى الْمُغَنِّينَ وَاللَّعَّابِينَ وَشِرَاءِ الْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ بِثَمَنٍ غَالٍ وَالْغَبْنِ فِي التِّجَارَاتِ مِنْ غَيْرِ مَحْمَدَةٍ. وَأَصْلُ الْمُسَامَحَاتِ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ مَشْرُوعٌ إلَّا أَنَّ الْإِسْرَافَ حَرَامٌ كَالْإِسْرَافِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ قَالَ تَعَالَى {إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان: 67] كِفَايَةٌ. (قَوْلُهُ: فَيُحْجَرُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا) مُسْتَدْرَكٌ مَعَ مَا يَأْتِي مَعَ عَدَمِ صِحَّةِ التَّفْرِيعِ أَيْضًا ح. (قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ إلَخْ) هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْكِفَايَةِ. (قَوْلُهُ: وَفِسْقٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرِ مَالٍ فَإِنَّ الْفَاسِقَ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ عِنْدَ جَمِيعِ أَصْحَابِنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَافِظًا لِمَالِهِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَدَيْنٍ) وَإِنْ زَادَ عَلَى مَالِهِ وَطَلَبَ الْغُرَمَاءُ مِنْ الْقَاضِي الْحَجْرَ عَلَيْهِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَغَفْلَةٍ) أَيْ لَا يُحْجَرُ عَلَى الْعَاقِلِ بِسَبَبِ غَفْلَةٍ وَهُوَ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ وَلَا يَقْصِدُهُ لَكِنَّهُ لَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفَاتِ الرَّائِجَةِ فَيُغْبَنُ فِي الْبِيَاعَاتِ لِسَلَامَةِ قَلْبِهِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: بَلْ يُمْنَعُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَةَ الْحَجْرِ، وَهُوَ الْمَنْعُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي يَمْنَعُ نُفُوذَ التَّصَرُّفِ، لِأَنَّ الْمُفْتِيَ لَوْ أَفْتَى بَعْدَ الْحَجْرِ وَأَصَابَ جَازَ، وَكَذَا الطَّبِيبُ لَوْ بَاعَ الْأَدْوِيَةَ نَفَذَ فَدَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَنْعُ الْحِسِّيُّ كَمَا فِي الدُّرَرِ عَنْ الْبَدَائِعِ.
(قَوْلُهُ: مَاجِنٌ) قَالَ فِي الْجَمْهَرَةِ مَجَنَ الشَّيْءُ يَمْجُنُ مُجُونًا إذَا صَلُبَ وَغَلُظَ وَقَوْلُهُمْ رَجُلٌ مَاجِنٌ كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ غِلَظِ الْوَجْهِ وَقِلَّةِ الْحَيَاءِ وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ ابْنُ كَمَالٍ. (قَوْلُهُ: كَتَعْلِيمِ الرِّدَّةِ إلَخْ) وَكَاَلَّذِي يُفْتِي عَنْ جَهْلٍ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَطَبِيبٌ جَاهِلٌ) بِأَنْ يَسْقِيَهُمْ دَوَاءً مُهْلِكًا وَإِذَا قَوِيَ عَلَيْهِمْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَةِ ضَرَرِهِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَمُكَارٍ مُفْلِسٌ) بِأَنْ يُكْرِيَ إبِلًا وَلَيْسَ لَهُ إبِلٌ وَلَا مَالٌ لِيَشْتَرِيَهَا بِهِ، وَإِذَا جَاءَ أَوَانُ الْخُرُوجِ يُخْفِي نَفْسَهُ جَوْهَرَةٌ فَمَنْعُ هَؤُلَاءِ الْمُفْسِدِينَ لِلْأَدْيَانِ وَالْأَبْدَانِ وَالْأَمْوَالِ دَفْعُ إضْرَارٍ بِالْخَاصِّ وَالْعَامِّ، فَهُوَ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ قِيلَ وَأُلْحِقَ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةٌ أُخْرَى: الْمُحْتَكِرُ، وَأَرْبَابُ الطَّعَامِ إذَا تَعَدَّوْا فِي الْبَيْعِ بِالْقِيمَةِ، وَمَا لَوْ أَسْلَمَ عَبْدًا لِذِمِّيٍّ وَامْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ بَاعَهُ الْقَاضِي اهـ.
وَعِنْدَهُمَا يُحْجَرُ عَلَى الْحُرِّ بِالسَّفَهِ وَ) الْغَفْلَةِ وَ (بِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِمَا (يُفْتَى) صِيَانَةً لِمَالِهِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ (فَيَكُونُ فِي أَحْكَامِهِ كَصَغِيرٍ) ثُمَّ هَذَا الْخِلَافُ فِي تَصَرُّفَاتٍ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَيُبْطِلُهَا الْهَزْلُ وَأَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُهُ وَلَا يُبْطِلُهُ الْهَزْلُ فَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ فَلِذَا قَالَ (إلَّا فِي نِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ وَاسْتِيلَادٍ وَتَدْبِيرٍ
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَبَابُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ أَوْسَعُ مِنْ هَذَا تَأَمَّلْ نَعَمْ يَنْبَغِي ذِكْرُ الْمَرِيضِ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا فَوْقَ الثُّلُثِ. [تَنْبِيهٌ] :
يُعْلَمُ مِنْ هَذَا عَدَمُ جَوَازِ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ بَعْضِ الصَّنَائِعِ وَالْحِرَفِ مِنْ مَنْعِهِمْ مَنْ أَرَادَ الِاشْتِغَالَ فِي حِرْفَتِهِمْ وَهُوَ مُتْقِنٌ لَهَا أَوْ أَرَادَ تَعَلُّمَهَا فَلَا يَحِلُّ التَّحْجِيرُ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَهُمَا يُحْجَرُ عَلَى الْحُرِّ) أَيْ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ. قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: ثُمَّ اخْتَلَفَا فِيمَا بَيْنَهُمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ إلَّا بِحَجْرِ الْحَاكِمِ، وَلَا يَنْفَكُّ حَتَّى يُطْلِقَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: فَسَادُهُ فِي مَالِهِ يَحْجُرُهُ وَإِصْلَاحُهُ فِيهِ يُطْلِقُهُ، وَالثَّمَرَةُ فِيمَا بَاعَهُ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي يَجُوزُ عِنْدَ الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي. (قَوْلُهُ: بِالسَّفَهِ وَالْغَفْلَةِ) أَيْ وَالدَّيْنِ كَمَا يَأْتِي وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْغَفْلَةِ بِالْفَسَادِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْفِسْقَ فَافْهَمْ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْحَجْرِ عِنْدَهُمَا الْقَضَاءُ بِالْإِفْلَاسِ، ثُمَّ الْحَجْرِ بِنَاءً عَلَيْهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْحَجْرِ بِالسَّفَهِ مَعَ كَوْنِهِ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَمْوَالِ. وَأَمَّا الْحَجْرُ بِالدَّيْنِ فَيَخُصُّ الْمَالَ الْمَوْجُودَ، حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِي مَالٍ حَدَثَ بَعْدَهُ بِالْكَسْبِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْبُرْجُنْدِيِّ فَلْيُحْفَظْ اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: الْحَجْرُ بِالدَّيْنِ يُفَارِقُ الْحَجْرَ بِالسَّفَهِ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ حَجْرَ السَّفِيهِ لِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ سُوءُ اخْتِيَارِهِ لَا لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ بِخِلَافِهِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَيَفْتَقِرُ لِلْقَضَاءِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمَحْجُورَ بِالسَّفَهِ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ وَأَدَّى لَا يَرْجِعُ بِمَا سَعَى عَلَى الْمَوْلَى بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ بِالْإِفْلَاسِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمَحْجُورَ بِالدَّيْنِ لَوْ أَقَرَّ حَالَةَ الْحَجْرِ يَنْفُذُ إقْرَارُهُ بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ وَكَذَا حَالَةَ الْحَجْرِ فِيمَا سَيَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْمَالِ حَالَةَ الْحَجْرِ وَالْمَحْجُورُ بِالسَّفَهِ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لَا حَالَ الْحَجْرِ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا فِي الْمَالِ الْقَائِمِ وَلَا الْحَادِثِ اهـ مُلَخَّصًا.
قُلْت: وَيُزَادُ مَا مَرَّ مِنْ تَوَقُّفِ الْحَجْرِ بِالدَّيْنِ عَلَى الْقَضَاءِ أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِكَوْنِهِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، بِخِلَافِ الْحَجْرِ بِالسَّفَهِ لِأَنَّهُ لِحَقِّهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ: بِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِمَا يُفْتَى بِهِ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ فِي كِتَابِ الْحِيطَانِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فَيَكُونُ أَقْوَى مِنْ الِالْتِزَامِ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ: وَمُرَادُهُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْمُتُونِ مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْحَجْرِ عَلَى الْحُرِّ مُصَحَّحٌ بِالِالْتِزَامِ وَمَا وَقَعَ فِي قَاضِي خَانْ مِنْ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا تَصْرِيحٌ بِالتَّصْحِيحِ فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَمَدَ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى مَوْلَانَا فِي فَوَائِدِهِ مِنَحٌ، وَفِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ صَالِحٍ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ التَّوْضِيحِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ اهـ وَأَفْتَى بِهِ الْبَلْخِيّ وَأَبُو الْقَاسِمِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ قُبَيْلَ قَوْلِهِ الْآتِي " وَالْقَاضِي يَحْبِسُ الْحُرَّ الْمَدْيُونَ ". (قَوْلُهُ: كَصَغِيرٍ) أَيْ يَعْقِلُ وَمِثْلُهُ الْبَالِغُ الْمَعْتُوهُ كَمَا فِي حَوَاشِي الْأَشْبَاهِ. (قَوْلُهُ: إلَّا فِي نِكَاحٍ وَطَلَاقٍ) فَإِنْ سَمَّى جَازَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَهْرِ الْمِثْلِ وَبَطَلَ الْفَضْلُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ نِصْفُ الْمُسَمَّى، لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحِيحَةٌ فِي مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ أَوْ تَزَوَّجَ كُلَّ يَوْمٍ وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا لِأَنَّ التَّزَوُّجَ مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعَتَاقٍ) وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ طُورِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَاسْتِيلَادٍ) بِأَنْ وَلَدَتْ جَارِيَتُهُ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ وَتَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ بِمَوْتِهِ وَلَا تَسْعَى هِيَ وَلَا وَلَدُهَا فِي شَيْءٍ لِأَنَّ ثُبُوتَ نَسَبِ الْوَلَدِ شَاهِدٌ لَهَا؛ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ فَقَالَ هَذِهِ أُمُّ وَلَدِي لَمْ تُبَعْ وَسَعَتْ بِمَوْتِهِ فِي كُلِّ قِيمَتِهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ زَيْلَعِيٌّ وَهِيَ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنًّا جَوْهَرَةٌ. (قَوْلُهُ: وَتَدْبِيرٍ) وَيَسْعَى بِمَوْتِ الْمَوْلَى غَيْرُ رَشِيدٍ فِي قِيمَتِهِ
وَوُجُوبِ زَكَاةٍ) وَفِطْرَةٍ (وَحَجٍّ وَعِبَادَاتٍ وَزَوَالِ وِلَايَةِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ وَفِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ بِالْعُقُوبَاتِ وَفِي الْإِنْفَاقِ وَفِي صِحَّةِ وَصَايَاهُ بِالْقُرْبِ مِنْ الثُّلُثِ فَهُوَ) أَيْ فِي هَذِهِ (كَبَالِغٍ) وَفِي كَفَّارَةٍ كَعَبْدٍ أَشْبَاهٌ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَسْتَوِي فِيهِ الْهَزْلُ وَالْجِدُّ يَنْفُذُ مِنْ الْمَحْجُورِ وَمَا لَا فَلَا إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي خَانِيَّةٌ.
(فَإِنْ بَلَغَ) الصَّبِيُّ (غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ مَالُهُ
ــ
[رد المحتار]
مُدَبَّرًا وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ قِنًّا وَقِيلَ نِصْفُهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى جَوْهَرَةٌ لَكِنْ سَيَأْتِي صِحَّةُ وَصَايَاهُ بِالْقُرْبِ مِنْ الثُّلُثِ وَالتَّدْبِيرِ مِنْهَا.
وَفِي الطُّورِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ قَالَ مَشَايِخُنَا: هَذَا أَيْ سَعْيُهُ إذَا كَانَ أَهْلُ الصَّلَاحِ يَعُدُّونَ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ إسْرَافًا فَإِنْ كَانُوا لَا يَعُدُّونَهَا إسْرَافًا بَلْ مَعْهُودًا حَسَنًا لَا يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ. (قَوْلُهُ: وَوُجُوبِ زَكَاةٍ) وَيَدْفَعُهَا الْقَاضِي إلَيْهِ لِيُفَرِّقَهَا لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ نِيَّتِهِ وَلَكِنْ يَبْعَثُ مَعَهُ أَمِينًا كَيْ لَا يَصْرِفَهَا فِي غَيْرِ وَجْهِهَا هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَفِطْرَةٍ) فِيهِ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا وَلِيُّهُ وَجَبَ الْأَدَاءُ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا فَلَيْسَتْ مِمَّا خَالَفَ فِيهَا الصَّغِيرُ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُخَاطَبُ بِهَا وَلِيُّهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَحَجٍّ) لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ عَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ فِيهَا اسْتِحْسَانًا وَلَا مِنْ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مَنْ إفْرَادِ السَّفَرِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهَا، وَيُسَلِّمُ النَّفَقَةَ إلَى ثِقَةٍ لِئَلَّا يُتْلِفَهَا فَإِنْ جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ يَدْفَعُ الْقَاضِي نَفَقَةَ الرُّجُوعِ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْحَجْرِ؛ وَإِنْ أَفْسَدَ الْعُمْرَةَ يَقْضِيهَا بَعْدَ زَوَالِهِ أَيْضًا وَتَمَامُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّةِ تَطَوُّعٍ دَفَعَ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ مِقْدَارَ مَا لَوْ كَانَ فِي مَنْزِلِهِ، وَيُقَالُ لَهُ إنْ شِئْت فَاخْرُجْ مَاشِيًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي وَسَّعَ فِي النَّفَقَةِ فَقَالَ: أَنَا أُكْرِيَ بِذَلِكَ الْفَضْلِ وَأُنْفِقُ عَلَى نَفْسِي فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ طُورِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعِبَادَاتٍ) أَيْ بَدَنِيَّةٍ لَا مَالِيَّةٍ وَلَا مُرَكَّبَةٍ مِنْهُمَا أَيْضًا. فَفِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ لِابْنِ السُّبْكِيّ: كُلُّ مَوْضِعٍ يُدَّعَى فِيهِ أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ يُرَادُ بِالْعَامِّ مَا عَدَا ذَلِكَ الْخَاصَّ؛ فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْمُبَايِنِ قَالَ: وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ حَمَوِيٌّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي السَّعْدِيَّةِ أَبُو السُّعُودِ.
قُلْت: فَيَكُونُ مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ أَوْ الْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ وَهَلْ الْأَوَّلُ حَقِيقَةٌ فِي الْبَاقِي أَوْ مَجَازٌ كَالثَّانِي؟ خِلَافٌ بَيَّنْتُهُ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْمَنَارِ أَوَّلَ بَحْثِ الْعَامِّ هَذَا وَفِي اسْتِثْنَاءِ الْحَجِّ وَالْعِبَادَاتِ نَظَرٌ فَإِنَّهَا تَصِحُّ مِنْ الصَّغِيرِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ صِحَّتُهَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَزَوَالِ وِلَايَةِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ) يَعْنِي عَدَمَ وِلَايَتِهِمَا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ حَمَوِيٌّ أَيْ فَإِنَّ وِلَايَتَهُمَا عَلَيْهِ ثَابِتَةٌ. (قَوْلُهُ: وَفِي صِحَّةِ إقْرَارِهِ بِالْعُقُوبَاتِ) كَمَا لَوْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا حَمَوِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْإِنْفَاقِ) أَيْ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ مِنْ مَالِهِ شَرْحُ تَنْوِيرِ الْأَذْهَانِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي الْإِيقَافِ مَنْ أَوْقَفَ، لَكِنْ فِي الْأَشْبَاهِ أَنَّ وَقْفَهُ بَاطِلٌ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ كَانَ بِإِذْنِ الْقَاضِي فَصَحَّحَهُ الْبَلْخِيّ وَأَبْطَلَهُ أَبُو الْقَاسِمِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي صِحَّةِ وَصَايَاهُ بِالْقُرْبِ مِنْ الثُّلُثِ) يَعْنِي إذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ وَصِيَّتُهُ كَتَبَرُّعَاتِهِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِمَعْنَى النَّظَرِ لَهُ كَيْ لَا يُتْلِفَ مَالَهُ وَيَبْقَى كَلًّا عَلَى غَيْرِهِ، وَذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ لَا فِيمَا يَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ وَفَاتِهِ حَالَ اسْتِغْنَائِهِ وَذَلِكَ إذَا وَافَقَ وَصَايَا أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ كَالْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْأَوْقَافِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ. وَأَمَّا إذَا أَوْصَى بِغَيْرِ الْقُرَبِ لَا تَنْفُذُ عِنْدَنَا طُورِيٌّ. (قَوْلُهُ: كَبَالِغٍ) أَيْ غَيْرِ مَحْجُورٍ وَإِلَّا فَهُوَ بَالِغٌ ح. (قَوْلُهُ: وَفِي كَفَّارَةٍ كَعَبْدٍ) فَلَوْ حَلَفَ وَحَنِثَ أَوْ نَذَرَ نَذْرًا مِنْ هَدْيٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ وَيُكَفِّرُ يَمِينَهُ وَغَيْرَهَا بِالصَّوْمِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ إلَخْ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ هَذَا الْخِلَافُ إلَخْ لَكِنْ أَعَادَهُ لِقَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي وَإِنَّمَا حَصَرَهُ بِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ زَوَالِ وِلَايَةِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ مَالُهُ إلَخْ) هَذَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَسْلِيمِهِ لَهُ بَعْدَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً كَمَا يَأْتِي فَلَوْ بَلَغَ مُفْسِدًا وَحُجِرَ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فَضَاعَ ضَمِنَهُ
حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْمِقْدَارِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْمُدَّةِ (وَبَعْدَهُ يُسَلَّمُ إلَيْهِ) وُجُوبًا يَعْنِي لَوْ مَنَعَهُ مِنْهُ بَعْدَ طَلَبِهِ ضَمِنَ وَقَبْلَ طَلَبِهِ لَا ضَمَانَ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ قَالَهُ شَيْخُنَا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَشِيدًا) وَقَالَا: لَا يُدْفَعُ حَتَّى يُؤْنَسَ رُشْدُهُ وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ (وَالرُّشْدُ) الْمَذْكُورُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: 6](هُوَ كَوْنُهُ مُصْلِحًا فِي مَالِهِ فَقَطْ) وَلَوْ فَاسِقًا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
(وَالْقَاضِي يَحْبِسُ الْحُرَّ الْمَدْيُونَ لِيَبِيعَ مَالَهُ لِدَيْنِهِ وَقَضَى دَرَاهِمَ دَيْنِهِ مِنْ دَرَاهِمِهِ) يَعْنِي بِلَا أَمَرَهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ دَنَانِيرَ (وَبَاعَ دَنَانِيرَهُ بِدَرَاهِمِ دَيْنِهِ وَبِالْعَكْسِ اسْتِحْسَانًا) لِاتِّحَادِهِمَا فِي الثَّمَنِيَّةِ (لَا) يَبِيعُ الْقَاضِي (عَرَضَهُ وَلَا عَقَارَهُ) لِلدَّيْنِ
ــ
[رد المحتار]
الْوَصِيُّ، وَلَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَهُوَ صَبِيٌّ مُصْلِحٌ وَأَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَضَاعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي الْمِنَحِ عَنْ الْخَانِيَّةِ. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ مَعْزُوًّا للولوالجية: وَكَمَا يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَهُوَ مُفْسِدٌ فَكَذَا قَبْلَ ظُهُورِ رُشْدِهِ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ اهـ.
وَسُئِلَ الْعَلَّامَةُ الشَّلَبِيُّ: عَمَّنْ بَلَغَتْ وَعَلَيْهَا وَصِيٌّ هَلْ يَثْبُتُ رُشْدُهَا بِمُجَرَّدِ الْبُلُوغِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ؟ فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَمِثْلُهُ فِي الْخَيْرِيَّةِ. وَفِي شَرْحِ الْبِيرِيِّ عَنْ الْبَدَائِعِ لَا بَأْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَيَأْذَنَ لَهُ بِالتِّجَارَةِ لِلِاخْتِبَارِ فَإِنْ آنَسَ مِنْهُ رُشْدًا دَفَعَ إلَيْهِ الْبَاقِيَ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً) أَيْ مَا لَمْ يُؤْنَسْ رُشْدُهُ قَبْلَهَا. (قَوْلُهُ: فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ قَبْلَهُ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْوَاوِ كَمَا فِي الْكَنْزِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ: لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ بِمَعْنَى الْمَنْعِ لِأَنَّ الْعَاقِلَ الْبَالِغَ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا هَذَا مَنْعٌ لِلتَّأْدِيبِ لَا حَجْرٌ صَحَّ التَّفْرِيعُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: ضَمِنَ) أَيْ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ لِتَعَدِّيهِ فِي الْمَنْعِ، وَأَمَّا إذَا بَلَغَ فَمَنَعَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْكَشِفَ حَالُهُ وَيُعْلَمَ رُشْدُهُ، وَصَلَاحِيَتُهُ بِالِاخْتِبَارِ فَهَلَكَ لَا يَضْمَنُ قَالَ شِهَابُ الدِّينِ الْحَلَبِيُّ فِي فَتَاوَاهُ: وَالْوَاجِبُ عَلَى الْوَصِيِّ أَنْ لَا يَدْفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ إلَّا بَعْدَ الِاخْتِبَارِ فَإِذَا مَنَعَهُ لِذَلِكَ كَانَ مَنْعًا لِوَاجِبٍ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا وَفِي الْخَانِيَّةِ مَا يَشْهَدُ لَهُ رَمْلِيٌّ. (قَوْلُهُ: قَالَهُ شَيْخُنَا) يَعْنِي الرَّمْلِيَّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَشِيدًا) لِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ سِنًّا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ جَدًّا وَلِأَنَّ مَنْعَ الْمَالِ عَنْهُ لِلتَّأْدِيبِ فَإِذَا بَلَغَ هَذَا السِّنَّ فَقَدْ انْقَطَعَ رَجَاءُ التَّأَدُّبِ زَيْلَعِيٌّ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: وَقَالَا لَا يُدْفَعُ) أَيْ وَإِنْ صَارَ شَيْخًا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ مِعْرَاجٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ) أَيْ مَا لَمْ يُجِزْهُ الْقَاضِي عَلَى مَا مَرَّ، وَهَذِهِ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ، وَتَظْهَرُ أَيْضًا فِي الضَّمَانِ عِنْدَهُمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ بَعْدَمَا بَلَغَ هَذِهِ الْمُدَّةَ مُفْسِدًا إلَّا عِنْدَهُ. (قَوْلُهُ:{فَإِنْ آنَسْتُمْ} [النساء: 6] أَيْ عَرَفْتُمْ أَوْ أَبْصَرْتُمْ ذَكَرَهُ الْبَكْرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ ط. (قَوْلُهُ: هُوَ كَوْنُهُ مُصْلِحًا فِي مَالِهِ) هُوَ مَعْنَى مَا فِي الْبِيرِيِّ عَنْ النُّتَفِ: الرَّشِيدُ عِنْدَنَا أَنْ يُنْفِقَ فِيمَا يَحِلُّ وَيُمْسِكَ عَمَّا يَحْرُمُ وَلَا يُنْفِقَهُ فِي الْبَطَالَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَلَا يَعْمَلَ فِيهِ بِالتَّبْذِيرِ وَالْإِسْرَافِ. (قَوْلُهُ: فَقَطْ) أَيْ لَا فِي دِينِهِ أَيْضًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله. (قَوْلُهُ: وَلَوْ فَاسِقًا) تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ فَقَطْ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْفِسْقَ الْأَصْلِيَّ وَالطَّارِئَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ مُفْسِدًا لِمَالِهِ.
(قَوْلُهُ: لِيَبِيعَ مَالَهُ) أَطْلَقَ الْمَالَ فَشَمِلَ الْمَرْهُونَ وَالْمُؤَجَّرَ وَالْمُعَارَ؛ وَكُلَّ مَا هُوَ مِلْكٌ لَهُ رَمْلِيٌّ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إكْرَاهًا لِأَنَّهُ بِحَقٍّ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ إذْ هُوَ ظَالِمٌ بِالْمَنْعِ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي بِلَا أَمْرِهِ) لِأَنَّ لِلدَّائِنِ أَنْ يَأْخُذَ بِيَدِهِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ بِغَيْرِ رِضَا الْمَدِينِ فَكَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يُعِينَهُ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ) أَيْ كُلٌّ مِنْ مَالِهِ وَدَيْنِهِ وَفِي نُسَخٍ: كَانَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ. (قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ هَذَا الطَّرِيقَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَصَارَ كَالْعُرُوضِ. (قَوْلُهُ: لِاتِّحَادِهِمَا فِي الثَّمَنِيَّةِ) بَيَانٌ لِوَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ، وَلِهَذَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ مَعَ أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي الصُّورَةِ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَحُكْمًا لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا رِبَا الْفَضْلِ. فَبِالنَّظَرِ لِلِاتِّحَادِ يَثْبُتُ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ وَبِالنَّظَرِ لِلِاخْتِلَافِ يُسْلَبُ عَنْ الدَّائِنِ وِلَايَةُ الْأَخْذِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، بِخِلَافِ الْعُرُوضِ، لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَتَعَلَّقُ بِصُوَرِهَا وَأَعْيَانِهَا.
(خِلَافًا لَهُمَا وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِمَا بِبَيْعِهِمَا لِلدَّيْنِ (يُفْتَى) اخْتِيَارٌ وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ، وَيَبِيعُ كُلَّ مَا لَا يَحْتَاجُهُ فِي الْحَالِ وَلَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ يَلْزَمُهُ بَعْدَ الدُّيُونِ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِبَيِّنَةٍ أَوْ عِلْمِ قَاضٍ فَيُزَاحِمُ الْغُرَمَاءَ كَمَالٍ اسْتَهْلَكَهُ إذْ لَا حَجْرَ فِي الْفِعْلِ كَمَا مَرَّ. .
ــ
[رد المحتار]
أَقُولُ: وَرَأَيْت فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ مِنْ الْمُجْتَبَى رَامِزًا مَا نَصُّهُ: وَجَدَ دَنَانِيرَ مَدْيُونِهِ وَلَهُ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لِاتِّحَادِهِمَا جِنْسًا فِي الثَّمَنِيَّةِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْفَارِسِيِّ فِي بَابِ الْيَمِينِ فِي الْمُسَاوَمَةِ. [تَنْبِيهٌ] :
قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ نَقْلًا عَنْ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ جَدِّهِ الْأَشْقَرِ عَنْ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلْأَخْصَبِ: إنَّ عَدَمَ جَوَازِ الْأَخْذِ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ لِمُطَاوَعَتِهِمْ فِي الْحُقُوقِ، وَالْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ لَا سِيَّمَا فِي دِيَارِنَا لِمُدَاوَمَتِهِمْ الْعُقُوقَ قَالَ الشَّاعِرُ:
عَفَاءٌ عَلَى هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّهُ
…
زَمَانُ عُقُوقٍ لَا زَمَانُ حُقُوقِ
وَكُلُّ رَفِيقٍ فِيهِ غَيْرُ مُرَافِقٍ
…
وَكُلُّ صَدِيقٍ فِيهِ غَيْرُ صَدُوقِ
ط.
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لَهُمَا وَبِهِ يُفْتَى) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَقَالَا: يَبِيعُ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا لَا يَخْفَى ح. (قَوْلُهُ: أَيْ بِقَوْلِهِمَا بِبَيْعِهِمَا) أَيْ الْعَرَضِ وَالْعَقَارِ، وَأَشَارَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ إلَى أَنَّ مَا عَدَاهُ لَا خِلَافَ فِيهِ. (قَوْلُهُ: اخْتِيَارٌ) وَمِثْلُهُ فِي الْمُلْتَقَى. (قَوْلُهُ: وَيَبِيعُ كُلَّ مَا لَا يَحْتَاجُهُ فِي الْحَالِ) قَالَ فِي التَّبْيِينِ: ثُمَّ عِنْدَهُمَا يَبْدَأُ الْقَاضِي بِبَيْعِ النُّقُودِ، ثُمَّ الْعُرُوضِ، ثُمَّ الْعَقَارِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَبْدَأُ بِبَيْعِ مَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّوَى مِنْ عُرُوضِهِ، ثُمَّ بِمَا لَا يُخْشَى عَلَيْهِ، ثُمَّ بِالْعَقَارِ.
فَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ يَبِيعُ مَا كَانَ أَنْظَرَ لَهُ وَيُتْرَكُ عَلَيْهِ دَسْتُ مِنْ ثِيَابِهِ يَعْنِي بَدْلَةً وَقِيلَ: دَسْتَانِ لِأَنَّهُ إذَا غَسَلَ ثِيَابَهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَلْبَسٍ وَقَالُوا: إذَا كَانَ يَكْتَفِي بِدُونِهَا تُبَاعُ، وَيُقْضَى الدَّيْنُ بِبَعْضِ ثَمَنِهَا، وَيَشْتَرِي بِمَا بَقِيَ ثَوْبًا يَلْبَسُهُ وَكَذَا يُفْعَلُ فِي الْمَسْكَنِ وَعَنْ هَذَا قَالُوا: يَبِيعُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ كَاللِّبْدِ فِي الصَّيْفِ وَالنِّطْعِ فِي الشِّتَاءِ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى زَوْجَتِهِ وَأَطْفَالِهِ وَأَرْحَامِهِ مِنْ مَالِهِ اهـ مُلَخَّصًا قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ إلَى أَنْ يَسْكُنَ بِالْأُجْرَةِ كَمَا قَالُوا فِي وُجُوبِ الْحَجِّ تَأَمَّلْ اهـ.
وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ أَقُولُ: وَكَذَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَقَارَاتُ وَقْفٍ سُلْطَانِيٍّ زَائِدَةٌ عَلَى سُكْنَاهُ أَوْ صَدَقَاتٌ فِي الدَّفَاتِرِ السُّلْطَانِيَّةِ لَا يُؤْمَرُ بِبَيْعِهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ اهـ أَيْ لَا يُؤْمَرُ بِالْفَرَاغِ عَنْهَا إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا تَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ: تَصَرُّفَاتُ الْمَحْجُورِ بِالدَّيْنِ كَالْمَرِيضِ.
(قَوْلُهُ: يَلْزَمُهُ بَعْدَ الدُّيُونِ) أَيْ يَقْضِيهِ بَعْدَ قَضَاءِ الدُّيُونِ الَّتِي حُجِرَ لِأَجْلِهَا وَنَحْوِهَا مِمَّا ذَكَرَهُ بَعْدُ وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ اسْتَفَادَ مَالًا بَعْدَ الْحَجْرِ، وَإِلَّا فَيَقْضِي مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْهُ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَالْهِدَايَةِ، وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَشَرْحِ الْمُلْتَقَى وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ إذَا صَحَّ الْحَجْرُ بِالدَّيْنِ صَارَ الْمَحْجُورُ كَمَرِيضٍ عَلَيْهِ دُيُونُ الصِّحَّةِ، فَكُلُّ تَصَرُّفٍ أَدَّى إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ، فَالْحَجْرُ يُؤَثِّرُ فِيهِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ. وَأَمَّا الْبَيْعُ فَإِنْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ جَازَ وَإِنْ بِغَبْنٍ فَلَا وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ إزَالَةِ الْغَبْنِ وَبَيْنَ الْفَسْخِ كَبَيْعِ الْمَرِيضِ، فَإِنْ بَاعَ مِنْ الْغَرِيمِ وَقَاصَصَهُ بِالثَّمَنِ جَازَ لَوْ الْغَرِيمُ وَاحِدًا وَإِلَّا صَحَّ الْبَيْعُ مِنْ أَحَدِهِمْ لَوْ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ دُونَ الْمُقَاصَّةِ، وَكَذَا لَوْ قَضَى دَيْنَ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ كَالْمَرِيضِ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: بِبَيِّنَةٍ) بِأَنْ شَهِدُوا عَلَى الِاسْتِقْرَاضِ أَوْ الشِّرَاءِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ عِلْمِ قَاضٍ) الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ جَوَازِ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ ط. (قَوْلُهُ: كَمَالٍ اسْتَهْلَكَهُ) فَإِنَّ مَالِكَهُ يُزَاحِمُ الْغُرَمَاءَ، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمَهْرِ مِثْلِهَا ابْنُ مَالِكٍ وَالْمُرَادُ بِاسْتِهْلَاكِهِ الْمَالَ أَنَّهُ ثَبَتَ بِغَيْرِ إقْرَارِهِ مِمَّا مَرَّ، فَلَوْ بِهِ فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ إقْرَارِهِ بَعْدَمَا صَارَ مُصْلِحًا أَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ كَانَ حَقًّا أَوْ لَا؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ يُؤَاخَذُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ كَذَلِكَ اهـ.
(أَفْلَسَ وَمَعَهُ عَرَضٌ شَرَاهُ فَقَبَضَهُ بِالْإِذْنِ) مِنْ بَائِعِهِ وَلَمْ يُؤَدِّ ثَمَنَهُ (فَبَاعَهُ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ) فِي ثَمَنِهِ (فَإِنْ أَفْلَسَ قَبْلَ قَبْضِهِ أَوْ بَعْدَهُ) لَكِنْ (بِغَيْرِ إذْنِ بَائِعِهِ كَانَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ) وَحَبْسُهُ (بِالثَّمَنِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ.
(حَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى) قَاضٍ (آخَرَ فَأَطْلَقَهُ) وَأَجَازَ مَا صَنَعَ الْمَحْجُورُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ سَاقِطٌ مِنْ الدُّرَرِ وَالْمِنَحِ (جَازَ إطْلَاقُهُ) وَمَا صَنَعَ الْمَحْجُورُ فِي مَالِهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ قَبْلَ إطْلَاقِ الثَّانِي أَوْ بَعْدَهُ كَانَ جَائِزًا لِأَنَّ حَجْرَ الْأَوَّلِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ. [فُرُوعٌ]
يَصِحُّ الْحَجْرُ عَلَى الْغَائِبِ لَكِنْ لَا يَنْحَجِرُ مَا لَمْ يَعْلَمْ خَانِيَّةٌ، وَلَا يَرْتَفِعُ الْحَجْرُ بِالرُّشْدِ بَلْ بِإِطْلَاقِ الْقَاضِي، وَلَوْ ادَّعَى الرُّشْدَ وَادَّعَى خَصْمُهُ بَقَاءَهُ عَلَى السَّفَهِ وَبَرْهَنَا يَنْبَغِي تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ بَقَاءِ السَّفَهِ أَشْبَاهٌ،
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ: أَفْلَسَ إلَخْ) أَيْ صَارَ إلَى حَالٍ لَيْسَ لَهُ فُلُوسٌ وَبَعْضُهُمْ قَالَ: صَارَ ذَا فُلُوسٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ ذَا دَرَاهِمَ مِصْبَاحٌ وَالْمُرَادُ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِتَفْلِيسِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَوِي مَعَ الْغُرَمَاءِ إذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا فَلَوْ مُؤَجَّلًا لَمْ يُشَارِكْهُمْ وَلَكِنْ يُشَارِكُهُمْ بَعْدَ الْحُلُولِ فِيمَا قَبَضُوهُ بِالْحِصَصِ كَذَا فِي الْمَقْدِسِيَّ سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: كَانَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ) أَيْ فِيمَا لَوْ أَفْلَسَ بَعْدَ قَبْضِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَقَوْلُهُ: وَحَبَسَهُ بِالثَّمَنِ فِيمَا لَوْ أَفْلَسَ قَبْلَهُ فَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ عَلَى عَكْسِ التَّرْتِيبِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْمَتْنِ تَبَعًا للشُّرُنبُلاليَّة، حَيْثُ نَقَلَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ ثُمَّ قَالَ: فَقَدْ شَرَطَ مَعَ الْإِطْلَاقِ إجَازَةَ صُنْعِهِ اهـ.
أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْإِجَازَةَ شَرْطٌ لِجَوَازِ صُنْعِهِ لَا لِجَوَازِ الْإِطْلَاقِ وَالْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ جَوَازُ الْإِطْلَاقِ فَلَا اسْتِدْرَاكَ بَلْ هُوَ إفَادَةُ حُكْمٍ آخَرَ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ حَجْرَ الْأَوَّلِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ) عَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ أَوَّلًا بِأَنَّ الْحَجْرَ مِنْهُ فَتْوَى وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمَقْضِيُّ لَهُ وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ كَانَ قَضَاءً فَنَفْسُ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِمْضَاءِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: يَعْنِي حَتَّى يَلْزَمَ، لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ إذَا وَقَعَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ لَا يَلْزَمُ، وَلَا يَصِيرُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَنْ لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ مَوْجُودًا قَبْلَ الْقَضَاءِ فَيَتَأَكَّدُ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ بِالْقَضَاءِ، فَلَا يُنْقَضُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ، فَبِالْقَضَاءِ يَحْصُلُ الِاخْتِلَافُ، فَلَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ آخَرَ لِيَصِيرَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ لِقَضَائِهِ بَعْدَ وُجُودِ الِاخْتِلَافِ هَذَا مَعْنَاهُ، وَلَكِنْ فِيهِ إشْكَالٌ هُنَا لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يَرَى حَجْرَهُ بِنَفْسِ السَّفَهِ، وَلَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ أَصْلًا فَيَصِيرُ الْقَضَاءُ بِهِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ قَضَاءً بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فَيَتَأَكَّدُ قَوْلُهُ: بِالْقَضَاءِ، بِخِلَافِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟ فَعِنْدَنَا لَا يَنْفُذُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ فَيَحْصُلُ الِاخْتِلَافُ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَرْتَفِعُ حَتَّى يُحْكَمَ بِجَوَازِ هَذَا الْقَضَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَعْلَمْ) أَيْ بِالْحَجْرِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: فَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ وَصَدَّقَهُ انْحَجَرَ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ فَكَذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِذْنِ وَالْحَجْرِ فِي أَنَّهُ يَصِيرُ مَأْذُونًا إذَا تَرَجَّحَ الصِّدْقُ فِي خَبَرِهِ عِنْدَ الْعَبْدِ أَوْ صَدَّقَهُ، ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَالِاعْتِمَادُ خِلَافًا لِمَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا اهـ. ثُمَّ إنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِمَا مَرَّ أَنَّ السَّفِيهَ يَنْحَجِرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِلَا قَضَاءٍ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَرْتَفِعُ الْحَجْرُ بِالرُّشْدِ إلَخْ) هَذَا أَيْضًا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجَوْهَرَةِ مَعَ بَيَانِ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ ادَّعَى الرُّشْدَ) يَعْنِي بَعْدَمَا حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي ادَّعَى أَنَّهُ صَارَ رَشِيدًا لِيَبْطُلَ حَجْرُهُ. (قَوْلُهُ: أَشْبَاهٌ) اسْتَدَلَّ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ بِمَا فِي الْمُحِيطِ عِنْدَ ذِكْرِهِ دَلِيلَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى أَنَّ السَّفِيهَ لَا يَنْحَجِرُ إلَّا بِحَجْرِ الْقَاضِي مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ زَوَالُ السَّفَهِ، لِأَنَّ عَقْلَهُ يَمْنَعُهُ. قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: وَكُلُّ بَيِّنَةٍ شَهِدَ لَهَا الظَّاهِرُ لَمْ تُقْبَلْ اهـ.
أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ ظُهُورَ زَوَالِ السَّفَهِ فِيمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ كَلَامِ الْمُحِيطِ، أَمَّا بَعْدَ الْحُكْمِ كَمَا هُوَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَشْبَاهِ فَقَدْ تَأَكَّدَ وَثَبَتَ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْحَجْرَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَرْتَفِعُ عِنْدَ