الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ
مُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ. وَالْحَظْرُ لُغَةً: الْمَنْعُ وَالْحَبْسُ. وَشَرْعًا: مَا مُنِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ شَرْعًا، وَالْمَحْظُورُ ضِدُّ الْمُبَاحِ، وَالْمُبَاحُ مَا أُجِيزَ لِلْمُكَلَّفِينَ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ بِلَا اسْتِحْقَاقِ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ، نَعَمْ يُحَاسَبُ عَلَيْهِ حِسَابًا يَسِيرًا اخْتِيَارٌ. (كُلُّ مَكْرُوهٍ)
ــ
[رد المحتار]
بِهَا ثُمَّ رَجَعَ الْوَاهِبُ صَحَّ الرُّجُوعُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَجْزَأَتْ الذَّابِحَ شَارِحٌ.
[خَاتِمَةٌ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ]
1
[خَاتِمَةٌ]
يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ أَنْ يُسَمِّيَهُ يَوْمَ أُسْبُوعِهِ وَيَحْلِقَ رَأْسَهُ وَيَتَصَدَّقَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً أَوْ ذَهَبًا ثُمَّ يَعِقُّ عِنْدَ الْحَلْقِ عَقِيقَةً إبَاحَةً عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ، أَوْ تَطَوُّعًا عَلَى مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَهِيَ شَاةٌ تَصْلُحُ لِلْأُضْحِيَّةِ تُذْبَحُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ فَرَّقَ لَحْمَهَا نِيئًا أَوْ طَبَخَهُ بِحُمُوضَةٍ أَوْ بِدُونِهَا مَعَ كَسْرِ عَظْمِهَا أَوْ لَا وَاِتِّخَاذِ دَعْوَةٍ أَوْ لَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ. وَسَنَّهَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً شَاتَانِ عَنْ الْغُلَامِ وَشَاةٌ عَنْ الْجَارِيَةِ غُرَرُ الْأَفْكَارِ مُلَخَّصًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ]
كَذَا تَرْجَمَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَالتُّحْفَةِ، وَتَرْجَمَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْهِدَايَةِ بِالْكَرَاهِيَةِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ بِالِاسْتِحْسَانِ، فَإِنَّ مَسَائِلَ هَذَا الْكِتَابِ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ فَلُقِّبَ بِذَلِكَ لِمَا وُجِدَ فِي عَامَّةِ مَسَائِلِهِ مِنْ الْكَرَاهِيَةِ وَالْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَتَرْجَمَ بَعْضُهُمْ بِكِتَابِ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ لِأَنَّ فِيهِ كَثِيرًا مِنْ الْمَسَائِلِ أَطْلَقَهَا الشَّرْعُ، وَالزُّهْدُ وَالْوَرَعُ تَرْكُهَا، وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ طِلْبَةِ الطَّلَبَةِ: الِاسْتِحْسَانُ اسْتِخْرَاجُ الْمَسَائِلِ الْحِسَانِ وَهُوَ أَشْبَهُ مَا قِيلَ فِيهِ، أَمَّا الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ الْمَذْكُورَانْ فِي جَوَابِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ فَبَيَانُهَا فِي الْأُصُولِ (قَوْلُهُ مُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ مُنَاسَبَتُهَا وَالْأُولَى أَوْلَى، وَهِيَ كَمَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ كَوْنُ عَامَّةِ مَسَائِلِ كُلٍّ مِنْهُ وَمِنْ الْأُضْحِيَّةَ لَمْ تَخْلُ مِنْ أَصْلٍ وَفَرْعٍ تَرِدُ فِيهِ الْكَرَاهَةُ، وَعَلَى تَرْجَمَةِ الْمُصَنِّفِ يُقَالُ يَرِدُ فِيهِ الْحَظْرُ أَوْ الْإِبَاحَةُ، وَلَمَّا ذُكِرَتْ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْأُضْحِيَّةَ وَمَا قَبْلَهَا كَانَتْ الْأُضْحِيَّةَ وَاقِعَةً فِي مَحَلِّهَا، فَلَا يَرِدُ أَنَّ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةَ لَا تُفِيدُ وَجْهَ ذِكْرِ هَذَا الْكِتَابِ عَقِبَ الْأُضْحِيَّةَ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ لَهُ مُنَاسَبَةٌ بِكُلِّ كِتَابٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْحَظْرُ لُغَةً الْمَنْعُ وَالْحَبْسُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20]- أَيْ مَا كَانَ رِزْقُ رَبِّك مَحْبُوسًا عَنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ جَوْهَرَةٌ، وَالْإِبَاحَةُ الْإِطْلَاقُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَشَرْعًا إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْمَصْدَرِ اسْمَ الْمَفْعُولِ، فَلَا يَرِدُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ تَعْرِيفٌ لِلْمَحْظُورِ وَالْمُبَاحِ لَا لِلْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْمَحْظُورُ ضِدُّ الْمُبَاحِ) أَلْ فِي الْمَحْظُورِ لِلْعَهْدِ أَيْ الْمَحْظُورُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ مَا مُنِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ شَرْعًا ضِدٌّ لِلْمُبَاحِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّ لِلْمُبَاحِ ضِدًّا آخَرَ وَهُوَ الْوَاجِبُ، إذْ لَيْسَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ تَعْرِيفَهُ بِمَا ذَكَرَ لِأَنَّهُ قَدَّمَ تَعْرِيفِهِ كَمَا عَلِمْت. وَبِهِ انْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّهُ تَعْرِيفٌ بِالْأَعَمِّ لِأَنَّهُ كَمَا يَصْدُقُ عَلَى الْمَكْرُوهِ وَالْحَرَامِ يَصْدُقُ عَلَى الْوَاجِبِ.
وَلَيْسَ تَعْرِيفُهُ الْخَاصُّ مَا ثَبَتَ حَظْرُهُ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ بَلْ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ مَا مُنِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ شَرْعًا لِيَشْمَلَ مَا ثَبَتَ بِظَنِّيٍّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْمُبَاحُ مَا أُجِيزَ لِلْمُكَلَّفِينَ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ) كَذَا فِي الْمِنَحِ. وَاَلَّذِي فِي الْجَوْهَرَةِ: مَا خُيِّرَ الْمُكَلَّفُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ (قَوْلُهُ بِلَا اسْتِحْقَاقِ) اسْتَحَقَّهُ: اسْتَوْجَبَهُ قَامُوسٌ.
وَيُطْلَقُ عَلَى جَزَاءِ الْعَبْدِ مِنْ ثَوَابٍ أَوْ عِقَابٍ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِفَضْلِ اللَّهِ وَعَدْلِهِ (قَوْلُهُ نَعَمْ يُحَاسَبُ عَلَيْهِ حِسَابًا يَسِيرًا) لَا يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ عَذَابٌ، بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ «مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ» لِأَنَّ الْمُنَاقَشَةَ الِاسْتِقْصَاءُ فِي الْحِسَابِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ كُلُّ مَكْرُوهٍ) يُقَالُ: كَرِهْت الشَّيْءَ أَكْرَهُهُ كَرَاهَةً
أَيْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ (حَرَامٌ) أَيْ كَالْحَرَامِ فِي الْعُقُوبَةِ بِالنَّارِ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فَإِلَى الْحِلِّ أَقْرَبُ اتِّفَاقًا (وَعِنْدَهُمَا) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ، وَمِثْلُهُ الْبِدْعَةُ وَالشُّبْهَةُ (إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ) فَالْمَكْرُوهُ تَحْرِيمًا (نِسْبَتُهُ إلَى الْحَرَامِ كَنِسْبَةِ الْوَاجِبِ إلَى الْفَرْضِ) فَيَثْبُتُ بِمَا يَثْبُت بِهِ الْوَاجِبُ يَعْنِي بِظَنِّيِّ الثُّبُوتِ، وَيَأْثَمُ بِارْتِكَابِهِ كَمَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ، وَمِثْلُهُ السُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ. وَفِي الزَّيْلَعِيِّ فِي بَحْثِ حُرْمَةِ الْخَيْلِ: الْقَرِيبُ مِنْ الْحَرَامِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مَحْذُورٌ دُونَ اسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ بِالنَّارِ، بَلْ الْعِتَابِ كَتَرْكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عُقُوبَةُ النَّارِ، وَلَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحِرْمَانُ عَنْ شَفَاعَةِ النَّبِيِّ الْمُخْتَارِ صلى الله عليه وسلم لِحَدِيثِ «مَنْ تَرَكَ سُنَّتِي لَمْ يَنَلْ شَفَاعَتِي» فَتَرْكُ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ قَرِيبٌ مِنْ الْحَرَامِ، وَلَيْسَ بِحَرَامٍ اهـ.
ــ
[رد المحتار]
وَكَرَاهِيَةً فَهُوَ كَرِيهٌ وَمَكْرُوهٌ صِحَاحٌ. وَالْكَرَاهَةُ: عَدَمُ الرِّضَا. وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ: عَدَمُ الْإِرَادَةِ، فَتَفْسِيرُ الْمُطَرِّزِيُّ لَهَا فِي الْمُغْرِبِ بِعَدَمِ الْإِرَادَةِ مَيْلٌ إلَى مَذْهَبِهِ كَمَا أَفَادَ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ أَيْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ) ، وَهِيَ الْمُرَادَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا فِي الشَّرْعِ، وَقَيَّدَهُ بِمَا إذَا كَانَ فِي بَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ اهـ بِيرِيّ (قَوْلُهُ حَرَامٌ) أَيْ يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ حَرَامٌ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِدْ فِيهِ نَصَّا قَاطِعًا لَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهِ لَفْظَ الْحَرَامِ اهـ.
فَإِذَا وَجَدَ نَصًّا يَقْطَعُ الْقَوْلَ بِالتَّحْرِيمِ أَوْ التَّحْلِيلِ، وَإِلَّا قَالَ فِي الْحِلِّ لَا بَأْسَ وَفِي الْحُرْمَةِ أَكْرَهُ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ كَالْحَرَامِ إلَخْ) كَذَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ حَرَامًا حَقِيقَةً عِنْدَهُ بَلْ هُوَ شَبِيهٌ بِهِ مِنْ جِهَةِ أَصْلِ الْعُقُوبَةِ فِي النَّارِ وَإِنْ كَانَ عَذَابُهُ دُونَ الْعَذَابِ عَلَى الْحَرَامِ الْقَطْعِيِّ، وَهُوَ خِلَافُ مَا اقْتَضَاهُ ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْخَيْنِ وَتَصْحِيحُ قَوْلِهِمَا، نَعَمْ هُوَ مُوَافِقٌ لِمَا حَقَّقَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ إنَّهُ حَرَامٌ فِيهِ نَوْعٌ مِنْ التَّجَوُّزِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ، وَقَوْلُهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا لَا يُكَفِّرُ جَاحِدَ الْوَاجِبِ وَالْمَكْرُوهِ كَمَا يُكَفِّرُ جَاحِدَ الْفَرْضِ وَالْحَرَامِ فَلَا اخْتِلَافٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى كَمَا يُظَنُّ اهـ وَأَيَّدَهُ شَارِحُهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ بِمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ لِأَبِي حَنِيفَةَ: إذَا قُلْتَ فِي شَيْءٍ أَكْرَهُهُ فَمَا رَأْيُكَ فِيهِ؟ قَالَ التَّحْرِيمُ، وَيَأْتِي فِيهِ أَيْضًا مَا فِي لَفْظِ مُحَمَّدٍ لِلْقَطْعِ أَيْضًا بِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُكَفِّرُ جَاحِدَ الْمَكْرُوهِ اهـ وَعَلَى هَذَا فَالِاخْتِلَافُ فِي مُجَرَّدِ صِحَّةِ الْإِطْلَاقِ، وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ فَإِلَى الْحِلِّ أَقْرَبُ) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ فَاعِلُهُ أَصْلًا، لَكِنْ يُثَابُ تَارِكُهُ أَدْنَى ثَوَابٍ تَلْوِيحٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَلَالِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْحِلِّ الْحُرْمَةُ وَلَا كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ تَنْزِيهًا كَمَا فِي الْمِنَحِ مَرْجِعُهُ إلَى تَرْكِ الْأَوْلَى.
وَالْفَاصِلُ بَيْنَ الْكَرَاهَتَيْنِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْمِنَحِ عَنْ الْجَوَاهِرِ: إنْ كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ الْحُرْمَةَ، فَإِنْ سَقَطَتْ لِعُمُومِ الْبَلْوَى فَتَنْزِيهٌ كَسُؤْرِ الْهِرَّةِ، وَإِلَّا فَتَحْرِيمٌ كَلَحْمِ الْحِمَارِ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْأَصْلِ الْإِبَاحَةَ وَعَرَضَ مَا أَخْرَجَهُ عَنْهَا، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وُجُودُ الْمُحَرِّمِ فَتَحْرِيمٌ كَسُؤْرِ الْبَقَرَةِ الْجَلَّالَةِ وَإِلَّا فَتَنْزِيهٌ كَسُؤْرِ سِبَاعِ الطَّيْرِ (قَوْلُهُ مِثْلُهُ الْبِدْعَةُ وَالشُّبْهَةُ) الَّذِي يُفِيدُهُ كَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ الْبِدْعَةَ مُرَادِفَةٌ لِلْمَكْرُوهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشُّبْهَةَ مُرَادِفَةٌ لِلْمَكْرُوهِ عِنْدَهُمَا (قَوْلُهُ نِسْبَتُهُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ، وَقَوْلُهُ فَيَثْبُتُ إلَخْ بَيَانٌ لَهَا لَكِنْ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى ظَنِّيِّ الثُّبُوتِ قُصُورٌ فِي الْعِبَارَةِ. بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَدِلَّةَ السَّمْعِيَّةَ أَرْبَعَةٌ، الْأَوَّلُ قَطْعِيُّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ كَنُصُوصِ الْقُرْآنِ الْمُفَسَّرَةِ أَوْ الْمُحْكَمَةِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّتِي مَفْهُومُهَا قَطْعِيٌّ الثَّانِي قَطْعِيُّ الثُّبُوتِ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ كَالْآيَاتِ الْمُؤَوَّلَةِ الثَّالِثُ عَكْسُهُ كَأَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي مَفْهُومُهَا قَطْعِيٌّ الرَّابِعُ ظَنِّيُّهُمَا كَأَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي مَفْهُومُهَا ظَنِّيٌّ، فَبِالْأَوَّلِ يَثْبُتُ الِافْتِرَاضُ وَالتَّحْرِيمُ، وَبِالثَّانِي وَالثَّالِثِ الْإِيجَابُ وَكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ؛ وَبِالرَّابِعِ تَثْبُتُ السُّنِّيَّةُ وَالِاسْتِحْبَابُ.
(قَوْلُهُ وَفِي الزَّيْلَعِيِّ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْمُرَادِ مِنْ
(الْأَكْلُ) لِلْغِذَاءِ وَالشُّرْبُ لِلْعَطَشِ وَلَوْ مِنْ حَرَامٍ أَوْ مَيْتَةٍ أَوْ مَالٍ غَيْرِهِ وَإِنْ ضَمِنَهُ (فَرْضٌ) يُثَابُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْحَدِيثِ، وَلَكِنْ (مِقْدَارُ مَا يَدْفَعُ) الْإِنْسَانُ (الْهَلَاكَ عَنْ نَفْسِهِ) وَمَأْجُورٌ عَلَيْهِ (وَ) هُوَ مِقْدَارُ مَا (يَتَمَكَّنُ
ــ
[رد المحتار]
الْإِثْمِ فِي قَوْلِهِ وَيَأْثَمُ بِارْتِكَابِهِ إلَخْ؛ وَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ مُوَافِقٌ لِمَا فِي التَّلْوِيحِ حَيْثُ قَالَ: مَعْنَى الْقُرْبِ إلَى الْحُرْمَةِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَحْذُورٌ دُونَ اسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ بِالنَّارِ؛ وَتَرْكُ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ قَرِيبٌ مِنْ الْحُرْمَةِ يَسْتَحِقُّ حِرْمَانَ الشَّفَاعَةِ اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنْ تَرْكَ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا لِجَعْلِهِ قَرِيبًا مِنْ الْحَرَامِ، وَالْمُرَادُ سُنَنُ الْهُدَى كَالْجَمَاعَةِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَإِنَّ تَارِكَهَا مُضَلَّلٌ مَلُومٌ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ وَالْمُرَادُ التَّرْكُ عَلَى وَجْهِ الْإِصْرَارِ بِلَا عُذْرٍ وَلِذَا يُقَاتِلُ الْمُجْمِعُونَ عَلَى تَرْكِهَا لِأَنَّهَا مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ، فَالْإِصْرَارُ عَلَى تَرْكِهَا اسْتِخْفَافٌ بِالدَّيْنِ فَيُقَاتَلُونَ عَلَى ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَمِنْ هُنَا لَا يَكُونُ قِتَالُهُمْ عَلَيْهَا دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِهَا أَوْ تَمَامُهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ تَأَمَّلْ.
ثُمَّ إنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ اسْتِحْقَاقِهِ مَحْذُورًا دُونَ الْعُقُوبَةِ بِالنَّارِ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ آنِفًا وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ مِنْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِالنَّارِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ مَا مَرَّ خَاصٌّ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَكْرُوهَ عِنْدَهُ مِنْ الْحَرَامِ، وَمَا هُنَا عَلَى قَوْلِهِمَا بِأَنَّهُ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ لَفْظِيًّا وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّحْرِيرِ وَلِذَا نَقَلَ أَبُو السُّعُودِ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ حَاصِلَ الْخِلَافِ أَنَّ مُحَمَّدًا جَعَلَهُ حَرَامًا لِعَدَمِ قَاطِعٍ بِالْحِلِّ، وَجَعَلَاهُ حَلَالًا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ وَلِعَدَمِ الْقَاطِعِ بِالْحُرْمَةِ اهـ وَلَا تُنَافِي الْكَرَاهَةُ الْحِلَّ لِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ خُلْعِ النِّهَايَةِ، كُلٌّ مُبَاحٍ حَلَالٌ بِلَا عَكْسٍ كَالْبَيْعِ عِنْدَ النِّدَاءِ فَإِنَّهُ حَلَالٌ غَيْرُ مُبَاحٍ لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ اهـ.
وَفِي التَّلْوِيحِ: مَا كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى فَمَعَ الْمَنْعِ عَنْ الْفِعْلِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ حَرَامٌ، وَبِظَنِّيٍّ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَبِدُونِ مَنْعٍ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا، وَهَذَا عَلَى رَأْيِ مُحَمَّدٍ. وَعَلَى رَأْيِهِمَا مَا تَرْكُهُ أَوْلَى، فَمَعَ الْمَنْعِ حَرَامٌ، وَبِدُونِهِ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا لَوْ إلَى الْحِلِّ أَقْرَبَ؛ وَتَحْرِيمًا لَوْ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبَ اهـ. فَأَفَادَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ فِعْلِهِ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، وَبِهِ يَظْهَرُ مُسَاوَاتُهُ لِلسُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ عَلَى رَأْيِهِمَا فِي اتِّحَادِ الْجَزَاءِ بِحِرْمَانِ الشَّفَاعَةِ؛ وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الشَّفَاعَةُ بِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ أَوْ بِعَدَمِ دُخُولِ النَّارِ لَا الْخُرُوجِ مِنْهَا، أَوْ حِرْمَانٍ مُؤَقَّتٍ، أَوْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، فَلَا يُنَافِي وُقُوعَهَا. وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أُورِدَ أَنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ فِي الْجُرْمِ، وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» كَمَا ذَكَرَهُ حَسَنٌ جَلَبِي فِي حَوَاشِي التَّلْوِيحِ؛ وَتَمَامُهُ فِي حَوَاشِينَا عَلَى الْمَنَارِ
(قَوْلُهُ الْأَكْلُ لِلْغِذَاءِ إلَخْ) وَكَذَا سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَمَا يَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ الشُّرُنْبُلَالِيَّةُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ حَرَامٍ) فَلَوْ خَافَ الْهَلَاكَ عَطَشًا وَعِنْدَهُ خَمْرٌ لَهُ شُرْبُهُ قَدْرَ مَا يَدْفَعُ الْعَطَشَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَدْفَعُهُ بَزَّازِيَّةٌ وَيُقَدَّمُ الْخَمْرُ عَلَى الْبَوْلِ تَتَارْخَانِيَّةٌ؛ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ فِيهِ (قَوْلُهُ أَوْ مَيْتَةٍ) عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ (قَوْلُهُ وَإِنْ ضَمِنَهُ) لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لِلِاضْطِرَارِ لَا تُنَافِي الضَّمَانَ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: خَافَ الْمَوْتَ جُوعًا وَمَعَ رَفِيقِهِ طَعَامٌ أَخَذَ بِالْقِيمَةِ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُ، وَكَذَا يَأْخُذُ قَدْرَ مَا يَدْفَعُ الْعَطَشَ؛ فَإِنْ امْتَنَعَ قَاتَلَهُ بِلَا سِلَاحٍ؛ فَإِنْ خَافَ الرَّفِيقُ الْمَوْتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا تَرَكَ لَهُ الْبَعْضَ؛ وَإِنْ قَالَ لَهُ آخَرُ اقْطَعْ يَدِيَ وَكُلْهَا لَا يَحِلُّ، لِأَنَّ لَحْمَ الْإِنْسَانِ لَا يُبَاحُ فِي الِاضْطِرَارِ لِكَرَامَتِهِ (قَوْلُهُ يُثَابُ عَلَيْهِ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الِاخْتِيَارِ: قَالَ صلى الله عليه وسلم «إنَّ اللَّهَ لَيُؤْجِرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى اللُّقْمَةَ يَرْفَعُهَا الْعَبْدُ إلَى فِيهِ» ، فَإِنْ تَرَكَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ حَتَّى هَلَكَ فَقَدْ عَصَى؛ لِأَنَّ فِيهِ إلْقَاءَ النَّفْسِ إلَى التَّهْلُكَةِ وَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ اهـ بِخِلَافِ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ التَّدَاوِي حَتَّى مَاتَ إذْ لَا يَتَيَقَّنُ بِأَنَّهُ يَشْفِيهِ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى وَشَرْحِهِ
بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ قَائِمًا وَ) مِنْ (صَوْمِهِ) مُفَادُهُ جَوَازُ تَقْلِيلِ الْأَكْلِ بِحَيْثُ يَضْعُفُ عَنْ الْفَرْضِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ. قُلْت: وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ: الْفَرْضُ بِقَدْرِ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْهَلَاكُ وَيُمْكِنُ مَعَهُ الصَّلَاةُ قَائِمًا اهـ فَتَنَبَّهْ. (وَمُبَاحٌ إلَى الشِّبَعِ لِتَزِيدَ قُوَّتُهُ، وَحَرَامٌ) عَبَّرَ فِي الْخَانِيَّةِ بِيُكْرَهُ (وَهُوَ مَا فَوْقَهُ) أَيْ الشِّبَعِ وَهُوَ أَكْلُ طَعَامٍ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ أَفْسَدَ مَعِدَتَهُ، وَكَذَا فِي الشُّرْبِ قُهُسْتَانِيُّ (إلَّا أَنْ يَقْصِدَ قُوَّةَ صَوْمِ الْغَدِ أَوْ لِئَلَّا يَسْتَحِيَ ضَيْفُهُ) أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَلَا تَجُوزُ الرِّيَاضَةُ بِتَقْلِيلِ الْأَكْلِ حَتَّى يَضْعُفَ عَنْ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْوَاعِ الْفَوَاكِهِ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ. وَاِتِّخَاذُ الْأَطْعِمَةِ سَرَفٌ، وَكَذَا وَضْعُ الْخُبْزِ فَوْقَ الْحَاجَةِ.
ــ
[رد المحتار]
(قَوْلُهُ مُفَادُهُ إلَخْ) أَيْ مُفَادُ قَوْلِهِ وَمَأْجُورٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ وَبِهِ صَرَّحَ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى فَيُفِيدُ جَوَازَ التَّرْكِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْمُلْتَقَى) هُوَ مَا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا حَيْثُ قَالَ: وَلَا تَجُوزُ الرِّيَاضَةُ بِتَقْلِيلِ الْأَكْلِ حَتَّى يَضْعُفَ عَنْ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) تَأْيِيدٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ (قَوْلُهُ فَتَنَبَّهْ) إشَارَةٌ إلَى الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُلْتَقَى أَوَّلًا (قَوْلُهُ وَمُبَاحٌ) أَيْ لَا أَجْرَ وَلَا وِزْرَ فِيهِ، فَيُحَاسَبُ عَلَيْهِ حِسَابًا يَسِيرًا لَوْ مِنْ حِلٍّ، لِمَا جَاءَ:«أَنَّهُ يُحَاسَبُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ إلَّا ثَلَاثًا: خِرْقَةٌ تَسْتُرُ عَوْرَتَك، وَكِسْرَةٌ تَسُدُّ جَوْعَتَك، وَحَجَرٌ يَقِيكَ مِنْ الْحَرِّ وَالْقَرِّ» وَجَاءَ «حَسْبُ ابْنُ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ وَلَا يُلَامُ عَلَى كَفَافٍ» دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ إلَى الشِّبَعِ) بِكَسْرِ الشِّينِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِهَا: مَا يُغَذِّيهِ وَيُقَوِّي بَدَنَهُ قُهُسْتَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَحَرَامٌ) لِأَنَّهُ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ وَإِمْرَاضٌ لِلنَّفْسِ: وَجَاءَ «مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ الْبَطْنِ، فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلْمَاءِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ، وَأَطْوَلُ النَّاسِ عَذَابًا أَكْثَرُهُمْ شِبَعًا» دُرٌّ مُنْتَقًى. [تَتِمَّةٌ] قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: وَزَادَ بَعْضُهُمْ مَرْتَبَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ مَنْدُوبٌ، وَهُوَ مَا يُعِينُهُ عَلَى تَحْصِيلِ النَّوَافِلِ وَتَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَتَعَلُّمِهِ. وَمَكْرُوهٌ: وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الشِّبَعِ قَلِيلًا وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ وَرُتْبَةُ الْعَابِدِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْأَكْلِ الْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ وَيَنْوِي بِهِ أَنْ يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الْعِبَادَةِ فَيَكُونُ مُطِيعًا، وَلَا يَقْصِدُ بِهِ التَّلَذُّذَ وَالتَّنَعُّمَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّ الْكَافِرِينَ بِأَكْلِهِمْ لِلتَّمَتُّعِ وَالتَّنَعُّمِ. وَقَالَ - {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [محمد: 12]- وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «الْمُسْلِمُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا، وَتَخْصِيصُ السَّبْعَةِ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّكْثِيرِ، قِيلَ هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ عليه الصلاة والسلام لِلْمُؤْمِنِ وَزُهْدِهِ فِي الدُّنْيَا وَلِلْكَافِرِ وَحِرْصِهِ عَلَيْهَا، فَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ بُلْغَةً وَقُوتًا وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ شَهْوَةً وَحِرْصًا طَلَبًا لِلَّذَّةِ، فَهَذَا يُشْبِعُهُ الْقَلِيلُ وَذَاكَ لَا يُشْبِعُهُ الْكَثِيرُ اهـ.
(قَوْلُهُ عَبَّرَ فِي الْخَانِيَّةِ بِيُكْرَهُ) لَعَلَّ الْأَوْجَهَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ إسْرَافٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى - {وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31]- وَهُوَ قَطْعِيُّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَكْلُ طَعَامٍ إلَخْ) عَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى أَشْرِبَةِ الْكَرْمَانِيِّ وَغَيْرِهِ. قَالَ ط وَأَفَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالشِّبَعِ الَّذِي تَحْرُمُ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ مَا يُعَدُّ شِبَعًا شَرْعًا كَمَا إذَا أَكَلَ ثُلُثَ بَطْنِهِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّأْوِيلِ، فَإِنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إفْسَادُ مَعِدَتِهِ كَيْفَ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَوْ خَافَ الْمَرَضَ يَحِلُّ لَهُ الْإِفْطَارُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ إفْسَادٌ لَا يَحْصُلُ بِهِ زِيَادَةُ إضْرَارٍ تَأَمَّلْ، وَمَا ذُكِرَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ أَوْ لِئَلَّا يَسْتَحِيَ ضَيْفُهُ) أَيْ الْحَاضِرُ مَعَهُ الْآتِي بَعْدَمَا أَكَلَ قَدْرَ حَاجَتِهِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ) كَمَا إذَا أَكَلَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ لِيَتَقَايَأَهُ قَالَ الْحَسَنُ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ: رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَأْكُلُ أَلْوَانًا مِنْ الطَّعَامِ وَيُكْثِرُ ثُمَّ يَتَقَايَأُ وَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ خَانِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ عَنْ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ) أَيْ الْمَفْرُوضَةِ قَائِمًا فَلَوْ عَلَى وَجْهٍ لَا يُضْعِفُهُ فَمُبَاحٌ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ) كَيْ لَا تَنْقُصَ دَرَجَتُهُ، وَيَدْخُلَ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى - {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20]- وَالتَّصَدُّقُ بِالْفَضْلِ أَفْضَلُ تَكْثِيرًا لِلْحَسَنَاتِ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَاِتِّخَاذُ الْأَطْعِمَةِ سَرَفٌ)
وَسُنَّةُ الْأَكْلِ الْبَسْمَلَةُ أَوَّلَهُ وَالْحَمْدُ لَهُ آخِرَهُ، وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، وَيُبْدَأُ بِالشَّبَابِ قَبْلَهُ وَبِالشُّيُوخِ بَعْدَهُ مُلْتَقًى
(وَكُرِهَ لَحْمُ الْأَتَانِ) أَيْ الْحِمَارَةِ الْأَهْلِيَّةِ خِلَافًا لِمَالِكٍ (وَلَبَنُهَا وَ) لَبَنُ (الْجَلَّالَةِ) الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ (وَ) لَبَنُ (الرَّمَكَةِ) أَيْ الْفَرَسِ وَبَوْلُ الْإِبِلِ، وَأَجَازَهُ أَبُو يُوسُفَ لِلتَّدَاوِي (وَ) كُرِهَ (لَحْمُهُمَا) أَيْ لَحْمُ الْجَلَّالَةِ وَالرَّمَكَةِ، وَتُحْبَسُ الْجَلَّالَةُ حَتَّى يَذْهَبَ نَتَنُ لَحْمِهَا. وَقُدِّرَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِدَجَاجَةٍ وَأَرْبَعَةٍ لِشَاةٍ، وَعَشَرَةٍ لِإِبِلٍ وَبَقَرٍ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَلَوْ أَكَلَتْ النَّجَاسَةَ وَغَيْرَهَا بِحَيْثُ لَمْ يَنْتُنْ لَحْمُهَا
ــ
[رد المحتار]
إلَّا إذَا قَصَدَ قُوَّةَ الطَّاعَةِ أَوْ دَعْوَةَ الْأَضْيَافِ قَوْمًا بَعْدَ قَوْمٍ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَسُنَّةُ الْأَكْلِ إلَخْ) فَإِنْ نَسِيَ الْبَسْمَلَةَ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ عَلَى أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ اخْتِيَارٌ، وَإِذَا قُلْتَ بِسْمِ اللَّهِ فَارْفَعْ صَوْتَك حَتَّى تُلَقِّنَ مَنْ مَعَك، وَلَا يَرْفَعُ بِالْحَمْدِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا فَرَغُوا مِنْ الْأَكْلِ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَإِنَّمَا يُسَمِّي إذَا كَانَ الطَّعَامُ حَلَالًا وَيَحْمَدُ فِي آخِرِهِ كَيْفَمَا كَانَ قُنْيَةٌ ط.
(قَوْلُهُ وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَهُ) لِنَفْيِ الْفَقْرِ وَلَا يَمْسَحُ يَدَهُ بِالْمِنْدِيلِ لِيَبْقَى أَثَرُ الْغَسْلِ وَبَعْدَهُ لِنَفْيِ اللَّمَمِ وَيَمْسَحُهَا لِيَزُولَ أَثَرُ الطَّعَامِ، وَجَاءَ أَنَّهُ بَرَكَةُ الطَّعَامِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ بِدَقِيقٍ، وَهَلْ غَسْلُ فَمِهِ لِلْأَكْلِ سُنَّةٌ كَغَسْلِ يَدِهِ، الْجَوَابُ لَا لَكِنْ يُكْرَهُ لِلْجُنُبِ قَبْلَهُ، بِخِلَافِ الْحَائِضِ دُرٌّ مُنْتَقًى، وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ وَيَبْدَأُ) أَيْ فِي الْغَسْلِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ بِالشَّبَابِ قَبْلَهُ) لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ أَكْلًا وَالشُّيُوخُ أَقَلُّ دُرٌّ مُنْتَقًى (قَوْلُهُ وَبِالشُّيُوخِ بَعْدَهُ) لِحَدِيثِ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا» وَهَذَا مِنْ التَّوْقِيرِ ط. [تَتِمَّةٌ] يُكْرَهُ وَضْعُ الْمَمْلَحَةِ وَالْقَصْعَةِ عَلَى الْخُبْزِ وَمَسْحُ الْيَدِ أَوْ السِّكِّينِ بِهِ وَلَا يُعَلِّقُهُ بِالْخِوَانِ، وَلَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ مُتَّكِئًا أَوْ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ فِي الْمُخْتَارِ، وَمِنْ الْإِسْرَافِ أَنْ يَأْكُلَ وَسَطَ الْخُبْزِ وَيَدَعَ حَوَاشِيَهُ أَوْ يَأْكُلَ مَا انْتَفَخَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ يَأْكُلُ مَا تَرَكَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا لَوْ اخْتَارَ رَغِيفًا دُونَ رَغِيفٍ. وَمِنْ إكْرَامِ الْخُبْزِ أَنْ لَا يَنْتَظِرَ الْإِدَامَ إذَا حَضَرَ، وَأَنْ لَا يَتْرُكَ لُقْمَةً سَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ فَإِنَّهُ إسْرَافٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَبْتَدِئَ بِهَا.
وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ وَسَطِ الْقَصْعَةِ فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ فِي وَسَطِهَا، وَأَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ طَبَقٍ فِيهِ أَلْوَانُ الثِّمَارِ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ لِأَنَّهُ أَلْوَانٌ؛ بِكُلِّ ذَلِكَ وَرَدَ الْآثَارُ، وَيَبْسُطُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى، وَلَا يَأْكُلُ الطَّعَامَ حَارًّا وَلَا يَشُمُّهُ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ النَّفْخُ فِي الطَّعَامِ إلَّا بِمَا لَهُ صَوْتٌ نَحْوَ أُفٍّ وَهُوَ مَحْمَلُ النَّهْيِ. وَيُكْرَهُ السُّكُوتُ حَالَةَ الْأَكْلِ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْمَجُوسِ وَيَتَكَلَّمُ بِالْمَعْرُوفِ. وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَكَلَ مِنْ قَصْعَةٍ ثُمَّ لَحِسَهَا تَقُولُ لَهُ الْقَصْعَةُ أَعْتَقَك اللَّهُ مِنْ النَّارِ كَمَا أَعْتَقْتنِي مِنْ الشَّيْطَانِ» وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ «اسْتَغْفَرَتْ لَهُ الْقَصْعَةُ» " وَمِنْ السُّنَّةِ الْبُدَاءَةُ بِالْمِلْحِ وَالْخَتْمُ بِهِ بَلْ فِيهِ شِفَاءٌ مِنْ سَبْعِينَ دَاءً، وَلَعْقُ الْقَصْعَةِ وَكَذَا الْأَصَابِعُ قَبْلَ مَسْحِهَا بِالْمِنْدِيلِ وَتَمَامُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَالْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ
(قَوْلُهُ الْأَهْلِيَّةُ) بِخِلَافِ الْوَحْشِيَّةِ فَإِنَّهَا وَلَبَنَهَا حَلَالَانِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ) وَلِلْخِلَافِ لَمْ يَقُلْ حَرُمَ مِنَحٌ أَيْ فَإِنَّهُ دَلِيلُ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ (قَوْلُهُ وَلَبَنُهَا) لِتَوَلُّدِهِ مِنْ اللَّحْمِ فَصَارَ مِثْلَهُ مِنَحٌ (قَوْلُهُ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ) أَيْ فَقَطْ حَتَّى أَنْتَنَ لَحْمُهَا قَالَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَفِي الْمُنْتَقَى: الْجَلَّالَةُ الْمَكْرُوهَةُ الَّتِي إذَا قَرُبَتْ وَجَدْت مِنْهَا رَائِحَةً فَلَا تُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ لَبَنُهَا. وَلَا يُعْمَلُ عَلَيْهَا وَتِلْكَ حَالُهَا وَيُكْرَهُ بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا وَتِلْكَ حَالُهَا، وَذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ أَنَّ عَرَقَهَا نَجِسٌ اهـ وَقَدَّمْنَاهُ فِي الذَّبَائِحِ (قَوْلُهُ وَلَبَنُ الرَّمَكَةِ) قَدَّمَ فِي الذَّبَائِحِ عَنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى الْأَوْجَهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شُرْبِهِ تَقْلِيلُ آلَةِ الْجِهَادِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْإِمَامَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ صَاحِبَيْهِ بِأَنَّ أَكْلَ لَحْمِهَا مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا (قَوْلُهُ وَأَجَازَهُ أَبُو يُوسُفَ لِلتَّدَاوِي) فِي الْهِنْدِيَّةِ وَقَالَا: لَا بَأْسَ بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ وَلَحْمِ الْفَرَسِ لِلتَّدَاوِي كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ اهـ ط. قُلْت: وَفِي الْخَانِيَّةِ أَدْخَلَ مَرَارَةً فِي أُصْبُعِهِ لِلتَّدَاوِي رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَرَاهَتُهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَدَمُهَا، وَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي شُرْبِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ اهـ.
(قَوْلُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ) قَالَ
حَلَّتْ كَمَا حَلَّ أَكْلُ جَدْيٍ غُذِّيَ بِلَبَنِ خِنْزِيرٍ لِأَنَّ لَحْمَهُ لَا يَتَغَيَّرُ، وَمَا غُذِّيَ بِهِ يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ.
(وَلَوْ سُقِيَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ خَمْرًا فَذُبِحَ مِنْ سَاعَتِهِ حَلَّ أَكْلُهُ وَيُكْرَهُ) زَيْلَعِيٌّ وَصَيْدٌ وَشَرْحٌ وَوَهْبَانِيَّةٌ.
(وَ) كُرِهَ (الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالِادِّهَانُ وَالتَّطَيُّبُ مِنْ إنَاءِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ) لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ (وَكَذَا) يُكْرَهُ (الْأَكْلُ بِمِلْعَقَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالِاكْتِحَالُ بِمَيْلِهِمَا) وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ كَمُكْحُلَةٍ وَمِرْآةٍ وَقَلَمٍ وَدَوَاةٍ وَنَحْوِهَا؛ يَعْنِي إذَا اُسْتُعْمِلَتْ ابْتِدَاءً فِيمَا صُنِعَتْ لَهُ بِحَسَبِ مُتَعَارَفِ النَّاسِ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ حَتَّى لَوْ نَقَلَ الطَّعَامَ مِنْ إنَاءِ الذَّهَبِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ أَوْ صَبَّ الْمَاءَ أَوْ الدُّهْنَ فِي كَفِّهِ لَا عَلَى رَأْسِهِ ابْتِدَاءً ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ لَا بَأْسَ بِهِ مُجْتَبًى وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مَا حَرَّرَهُ فِي الدُّرَرِ فَلْيُحْفَظْ
ــ
[رد المحتار]
فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ التَّجْنِيسِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ عَلَى الظَّاهِرِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ طَهَارَتَهُمْ تَحْصُلُ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي الَّتِي لَا تَأْكُلُ إلَّا الْجِيَفَ؛ وَلَكِنَّهُ جَعَلَ التَّقْدِيرَ فِي الْإِبِلِ بِشَهْرٍ، وَفِي الْبَقَرِ بِعِشْرِينَ، وَفِي الشَّاةِ بِعَشَرَةٍ، وَقَالَ: قَالَ السَّرَخْسِيُّ: الْأَصَحُّ عَدَمُ التَّقْدِيرِ، وَتُحْبَسُ حَتَّى تَزُولَ الرَّائِحَةُ الْمُنْتِنَةُ اهـ (قَوْلُهُ حَلَّتْ) وَعَنْ هَذَا قَالُوا: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الدَّجَاجِ لِأَنَّهُ يُخْلَطُ وَلَا يَتَغَيَّرُ لَحْمُهُ. وَرُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَأْكُلُ الدَّجَاجَ» وَمَا رُوِيَ أَنَّ الدَّجَاجَةَ تُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تُذْبَحُ فَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ لَحْمَهُ لَا يَتَغَيَّرُ إلَخْ) كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ النَّتَنُ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ، وَأَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ قَالَ: مَعْنَاهُ إذَا اُعْتُلِفَ أَيَّامًا بَعْدَ ذَلِكَ كَالْجَلَّالَةِ، وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْقُنْيَةِ رَاقِمًا أَنَّهُ يَحِلُّ إذَا ذُبِحَ بَعْدَ أَيَّامٍ وَإِلَّا لَا. [فَرْعٌ]
فِي أَبِي السُّعُودِ: الزُّرُوعُ الْمَسْقِيَّةُ بِالنَّجَاسَاتِ لَا تَحْرُمُ وَلَا تُكْرَهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ
(قَوْلُهُ حَلَّ أَكْلُهُ وَيُكْرَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَعَلَيْهِ يُنْظَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَلَّالَةِ الَّتِي تَأْكُلُ النَّجَاسَةَ وَغَيْرَهَا وَالْجَدْيِ
(قَوْلُهُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَالنِّسَاءُ فِيمَا سِوَى الْحُلِيِّ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِادِّهَانِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعُقُودِ بِمَنْزِلَةِ الرِّجَالِ، وَلَا بَأْسَ لَهُنَّ بِلُبْسِ الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ وَالْفِضَّةِ وَاللُّؤْلُؤِ اهـ (قَوْلُهُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ) هُوَ مَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «لَا تَلْبِسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ، وَأَحَادِيثُ أُخَرُ سَاقَهَا الزَّيْلَعِيُّ؛ ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الشُّرْبِ وَالْأَكْلِ فَكَذَا فِي التَّطَيُّبِ وَغَيْرٍ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ (قَوْلُهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ إلَخْ) وَمِنْهُ الْخِوَانُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْوُضُوءُ مِنْ طَسْتٍ أَوْ إبْرِيقٍ مِنْهُمَا، وَالِاسْتِجْمَارُ بِمِجْمَرَةٍ مِنْهُمَا، وَالْجُلُوسُ عَلَى كُرْسِيٍّ مِنْهُمَا، وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَمِرْآةٍ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا بَأْسَ بِحَلْقَةِ الْمِرْآةِ مِنْ الْفِضَّةِ إذَا كَانَتْ الْمِرْآةُ حَدِيدًا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا خَيْرَ فِيهِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ يَعْنِي إلَخْ) هَذِهِ الْعِنَايَةُ مِنْ صَاحِبِ الدُّرَرِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهَا.
وَأَمَّا عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ فَمِنْ قَوْلِهِ لَوْ نَقَلَ الطَّعَامَ إلَخْ (قَوْلُهُ مُجْتَبًى وَغَيْرِهِ) كَالنِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ، فَقَدْ نَقَلَا عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِصَاحِبِ الذَّخِيرَةِ مَا نَصُّهُ: قِيلَ صُورَةُ الِادِّهَانِ أَنْ يَأْخُذَ آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيَصُبَّ الدُّهْنَ عَلَى الرَّأْسِ، أَمَّا إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا وَأَخَذَ الدُّهْنَ ثُمَّ صَبَّهُ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ الْيَدِ فَلَا يُكْرَهُ اهـ. زَادَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَكَذَا أَخْذُ الطَّعَامِ مِنْ الْقَصْعَةِ وَوَضْعُهُ عَلَى خُبْزٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ثُمَّ أَكَلَ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ. قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُكْرَهَ إذَا أَخَذَ الطَّعَامَ مِنْ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِمِلْعَقَةٍ ثُمَّ أَكَلَهُ مِنْهَا، وَكَذَا لَوْ أَخَذَهُ بِيَدِهِ وَأَكَلَهُ مِنْهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ، ثُمَّ قِيلَ: وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْتَى بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ لِئَلَّا يَنْفَتِحَ بَابُ اسْتِعْمَالِهَا اهـ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا حَرَّرَهُ فِي الدُّرَرِ) حَيْثُ أَجَابَ عَنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ بِمَا أَشَارَ
وَاسْتَثْنَى الْقُهُسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ اسْتِعْمَالَ الْبَيْضَةِ وَالْجَوْشَنِ وَالسَّاعِدَانِ مِنْهُمَا فِي الْحَرْبِ لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا فِيمَا يَرْجِعُ لِلْبَدَنِ وَأَمَّا لِغَيْرِهِ تَجَمُّلًا بِأَوَانٍ مُتَّخَذَةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَسَرِيرٌ كَذَلِكَ وَفُرُشٌ عَلَيْهِ مِنْ دِيبَاجٍ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ بَلْ فَعَلَهُ السَّلَفُ خُلَاصَةٌ حَتَّى أَبَاحَ أَبُو حَنِيفَةَ تَوَسُّدَ الدِّيبَاجِ وَالنَّوْمَ عَلَيْهِ
ــ
[رد المحتار]
إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الِاسْتِعْمَالُ فِيمَا صُنِعَتْ لَهُ فِي مُتَعَارَفِ النَّاسِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي الْعَزْمِيَّةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْوَانِيِّ وَنُوحٍ أَفَنْدِي وَغَيْرِهِمَا عَدَمُ تَسْلِيمِهِ، وَكَذَا قَالَ الرَّمْلِيُّ: إنَّ نَقْلَ الطَّعَامِ مِنْهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ اسْتِعْمَالٌ لَهَا ابْتِدَاءً وَأَخْذُ الدُّهْنِ بِالْيَدِ ثُمَّ صَبُّهُ عَلَى الرَّأْسِ اسْتِعْمَالٌ مُتَعَارَفٌ اهـ.
وَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقِ: إنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الدُّرَرِ مِنْ إنَاطَةِ الْحُرْمَةِ بِالِاسْتِعْمَالِ فِيمَا صُنِعَتْ لَهُ عُرْفًا فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ شَرِبَ أَوْ اغْتَسَلَ بِآنِيَةِ الدُّهْنِ أَوْ الطَّعَامِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ اسْتِعْمَالٌ بِلَا شُبْهَةٍ دَاخِلٌ تَحْتَ إطْلَاقِ الْمُتُونِ، وَالْأَدِلَّةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي تَقْرِيرِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا مَرَّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ وَضْعَ الدُّهْنِ أَوْ الطَّعَامِ مَثَلًا فِي ذَلِكَ الْإِنَاءِ الْمُحَرَّرِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُ قَطْعًا ثُمَّ بَعْدَ وَضْعِهِ إذَا تُرِكَ فِيهِ بِلَا انْتِفَاعٍ لَزِمَ إضَاعَةُ الْمَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَنَاوُلِهِ مِنْهُ ضَرُورَةً، فَإِذَا قَصَدَ الْمُتَنَاوِلُ نَقْلَهُ مِنْ ذَلِكَ الْإِنَاءِ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعْمَالِ، بَلْ لِيَسْتَعْمِلَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْآخَرِ كَمَا إذَا نَقَلَ الدُّهْنَ إلَى كَفِّهِ ثُمَّ دَهَنَ بِهِ رَأْسَهُ أَوْ نَقَلَ الطَّعَامَ إلَى الْخُبْزِ أَوْ إلَى إنَاءٍ آخَرَ وَاسْتَعْمَلَهُ مِنْهُ لَا يُسَمَّى مُسْتَعْمِلًا آنِيَةَ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ لَا شَرْعًا وَلَا عُرْفًا، بِخِلَافِ مَا إذَا تَنَاوَلَ مِنْهُ ابْتِدَاءً عَلَى قَصْدِ الِادِّهَانِ أَوْ الْأَكْلِ، فَإِنَّهُ اسْتِعْمَالٌ سَوَاءٌ تَنَاوَلَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِمِلْعَقَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ كَأَخْذِ الْكُحْلِ بِالْمِيلِ، وَسَوَاءٌ اسْتَعْمَلَهُ فِيمَا صُنِعَ لَهُ عُرْفًا أَوْ لَا.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِأَخْذِ الدُّهْنِ صَبَّهُ فِي الْكَفِّ، لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ مُتَعَارَفٌ بَلْ الْمُرَادُ تَنَاوُلُهُ بِالْيَدِ مِنْ فَمِ الْمُدْهِنِ، لِيَكُونَ تَنَاوُلًا عَلَى قَصْدِ النَّقْلِ، دُونَ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا مَرَّ عَنْ النِّهَايَةِ، فَلَا يُنَافِي مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعَتَّابِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَيُكْرَهُ أَنْ يُدْهِنَ رَأْسَهُ بِمُدْهِنِ فِضَّةٍ وَكَذَا إنْ صَبَّهُ عَلَى رَاحَتِهِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ اهـ وَمِنْهُ يَظْهَرُ حُكْمُ الِادِّهَانِ مِنْ قُمْقُمِ مَاءِ الْوَرْدِ فَإِنَّهُ تَارَةً يُرَشُّ مِنْهُ عَلَى الْوَجْهِ ابْتِدَاءً، وَتَارَةً بِوَاسِطَةِ الصَّبِّ فِي الْكَفِّ، فَكِلَاهُمَا اسْتِعْمَالٌ عُرْفًا وَشَرْعًا خِلَافًا لِمَا يَزْعُمُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَبَّ فِي الْكَفِّ لَا يَكُونُ اسْتِعْمَالًا اغْتِرَارًا بِظَاهِرِ كَلَامِ الشَّارِحِ فَقَدْ أَسْمَعْنَاك التَّصْرِيحَ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة، بِخِلَافِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَفَادَ ط حُرْمَةَ اسْتِعْمَالِ ظُرُوفِ فَنَاجِينِ الْقَهْوَةِ وَالسَّاعَاتِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَسَنَذْكُرُهُ عَنْهُ بَعْدُ (قَوْلِهِ وَاسْتَثْنَى الْقُهُسْتَانِيُّ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: قَالُوا هَذَا قَوْلُهُمَا لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُ فَكَذَا الذَّهَبُ، ثُمَّ إنَّهُمَا فَرَّقَا بَيْنَ الْجَوْشَنِ وَالْبَيْضَةِ مِنْ الذَّهَبِ، وَبَيْنَ حَلَبَةِ السَّيْفِ مِنْهُ بِأَنَّ السَّهْمَ يَزْلُقُ عَلَى الذَّهَبِ، وَأَمَّا الْحِلْيَةُ لَا تَنْفَعُ شَيْئًا وَإِنَّمَا هِيَ لِلزِّينَةِ فَتُكْرَهُ اهـ (قَوْلُهُ الْبَيْضَةُ) هِيَ طَاسَةُ الدِّرْعِ الَّتِي تُلْبَسُ عَلَى الرَّأْسِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْبَيْضَةُ بَيْضَةُ النَّعَامَةِ، وَكُلِّ طَائِرٍ اُسْتُعِيرَتْ لِبَيْضَةِ الْحَدِيدِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الشَّبَهِ الشَّكْلِيِّ اهـ وَتُسَمَّى الْمِغْفَرَ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْمِغْفَرُ مَا يُلْبَسُ تَحْتَ الْبَيْضَةِ وَالْبَيْضَةُ أَيْضًا اهـ.
(قَوْلُهُ وَالْجَوْشَنُ) هُوَ الدِّرْعُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَالسَّاعِدَانِ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْأَحْسَنُ وَالسَّاعِدَيْنِ بِالْجَرِّ، وَذَكَرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَلَعَلَّهُ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْجَوْشَنِ، لِأَنَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَضَعُهُ الْقَاتِلُ عَلَى سَاعِدَيْهِ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَهَذَا فِيمَا يَرْجِعُ لِلْبَدَنِ) يَعْنِي أَنَّ تَحْرِيمَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِيمَا يَرْجِعُ اسْتِعْمَالُهُ إلَى الْبَدَنِ: أَيْ فِيمَا يُسْتَعْمَلُ بِهِ لُبْسًا أَوْ أَكْلًا أَوْ كِتَابَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ فِيمَا يَرْجِعُ نَفْعُهُ إلَى الْبَدَنِ، لَكِنْ لَا يَشْمَلُ اسْتِعْمَالَ الْقَلَمِ وَالدَّوَاةِ، وَالْأَحْسَنُ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الِاسْتِعْمَالِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْأَوَانِي مِنْهُمَا لِلتَّجَمُّلِ (قَوْلُهُ تَجَمُّلًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ أَصْلًا (قَوْلُهُ بَلْ فَعَلَهُ السَّلَفُ) هَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْخُلَاصَةِ بَلْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْله حَتَّى أَبَاحَ إلَخْ) لِمَا كَانَ كَلَامُهُ الْآنَ فِي الِاتِّخَاذِ بِدُونِ اسْتِعْمَالٍ وَذَكَرَ اتِّخَاذَ الدِّيبَاجِ أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ
كَمَا يَأْتِي وَيُكْرَهُ الْأَكْلُ فِي نُحَاسٍ أَوْ صُفْرٍ وَالْأَفْضَلُ الْخَزَفُ قَالَ صلى الله عليه وسلم «مَنْ اتَّخَذَ أَوَانِي بَيْتِهِ خَزَفًا زَارَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» اخْتِيَارٌ. (لَا) يُكْرَهُ مَا ذَكَرَ (مِنْ) إنَاءِ (رَصَاصٍ وَزُجَاجٍ وَبَلُّورٍ وَعَقِيقٍ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ
(وَحَلَّ الشُّرْبُ مِنْ إنَاءٍ مُفَضَّضٍ) أَيْ مُزَوَّقٍ بِالْفِضَّةِ (وَالرُّكُوبُ عَلَى سَرْجٍ مُفَضَّضٍ وَالْجُلُوسُ عَلَى كُرْسِيٍّ مُفَضَّضٍ) وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ (يُتَّقَى) أَيْ يُجْتَنَبَ (مَوْضِعُ الْفِضَّةِ) بِفَمٍ قِيلَ وَيَدٍ وَجُلُوسِ سَرْجٍ وَنَحْوِهِ
ــ
[رد المحتار]
تَوَسُّدُهُ وَالنَّوْمُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ كَمَا يَأْتِي) أَيْ فِي فَصْلِ اللُّبْسِ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الْأَكْلُ فِي نُحَاسٍ أَوْ صُفْرٍ) عَزَاهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى إلَى الْمُفِيدِ وَالشِّرْعَةِ وَالصُّفْرُ مِثْلُ قُفْلٍ وَكَسْرُ الصَّادِ لُغَةً النُّحَاسُ، وَقِيلَ أَجْوَدُهُ مِصْبَاحٌ وَفِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ هُوَ شَيْءٌ مُرَكَّبٌ مِنْ الْمَعْدِنِيَّاتِ كَالنُّحَاسِ وَالْأَشْرُبِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ. ثُمَّ قَيَّدَ النُّحَاسَ بِالْغَيْرِ الْمَطْلِيِّ بِالرَّصَاصِ وَهَكَذَا قَالَ بَعْضُ مَنْ كَتَبَ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ: أَيْ قَبْلَ طَلْيِهِ بِالْقَصْدِيرِ وَالذَّهَبِ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ الصَّدَأَ فِي الطَّعَامِ فَيُورِثُ ضَرَرًا عَظِيمًا وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا اهـ. أَقُولُ: وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الِاخْتِيَارِ وَاِتِّخَاذُهَا مِنْ الْخَزَفِ أَفْضَلُ إذْ لَا سَرَفَ فِيهِ وَلَا مَخْيَلَةَ. وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ اتَّخَذَ أَوَانِيَ بَيْتِهِ خَزَفًا زَارَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» وَيَجُوزُ اتِّخَاذُهَا مِنْ نُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ اهـ وَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَأَمَّا الْآنِيَةُ مِنْ غَيْرِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فَلَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِيهَا، وَالِانْتِفَاعِ بِهَا كَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْخَشَبِ وَالطِّينِ اهـ فَتَنَبَّهْ وَالْخَزَفُ بِالزَّايِ مُحَرَّكَةٌ الْجَرُّ وَكُلُّ مَا عُمِلَ مِنْ طِينٍ وَشُوِيَ بِالنَّارِ حَتَّى يَكُونَ فَخَّارًا قَامُوسٌ.
(قَوْلُهُ مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالِادِّهَانِ وَالتَّطَيُّبِ (قَوْلُهُ رَصَاصٌ) بِالْفَتْحِ كَسَحَابٍ وَلَا يُكْسَرُ وَزُجَاجٍ مُثَلَّثُ الزَّايِ وَبَلُّورٍ كَتَنُّورٍ وَسِنَّوْرٍ وَسِبَطْرٍ جَوْهَرٌ مَعْرُوفٌ وَالْعَقِيقُ كَأَمِيرٍ خَرَزٌ أَحْمَرُ قَامُوسٌ
(قَوْلُهُ مُفَضَّضٍ) وَفِي حُكْمِهِ الْمُذَهَّبُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ مُزَوَّقٍ بِفِضَّةٍ) كَذَا فِي الْمِنَحِ وَفَسَّرَهُ الشُّمُنِّيُّ بِالْمُرَصَّعِ بِهَا ط وَيُقَالُ لِكُلِّ مُنَقَّشٍ وَمُزَيَّنٍ مُزَوَّقٌ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ بِفَمٍ) فَيَضَعُ فَمَهُ عَلَى الْخَشَبِ وَإِنْ كَانَ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْفِضَّةِ حَالَ التَّنَاوُلِ ط (قَوْلُهُ قِيلَ وَيَدٍ) كَذَا عَبَّرَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَالتَّبْيِينِ وَغَيْرِهَا فَأَفَادَ ضَعْفَ مَا فِي الدُّرَرِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ وَجُلُوسِ سَرْجٍ) عَطْفٌ عَلَى الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ بِفَمٍ لَا عَلَى يَدٍ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: بِأَنْ يَجْتَنِبَ فِي الْمُصْحَفِ وَنَحْوِهِ مَوْضِعَ الْأَخْذِ وَفِي السَّرْجِ وَنَحْوِهِ مَوْضِعَ الْجُلُوسِ وَفِي الرِّكَابِ مَوْضِعَ الرِّجْلِ وَفِي الْإِنَاءِ مَوْضِعَ الْفَمِ وَقِيلَ وَمَوْضِعَ الْأَخْذِ أَيْضًا اهـ وَنَحْوُهُ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ، وَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّهُ يَجْتَنِبُ فِي النَّصْلِ وَالْقَبْضَةِ وَاللِّجَامِ مَوْضِعَ الْيَدِ. فَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْمُرَادَ الِاتِّقَاءُ بِالْعُضْوِ الَّذِي يُقْصَدُ الِاسْتِعْمَالُ بِهِ، فَفِي الشُّرْبِ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ الِاسْتِعْمَالَ بِالْفَمِ اُعْتُبِرَ الِاتِّقَاءُ بِهِ دُونَ الْيَدِ وَلِذَا لَوْ حَمَلَ الرِّكَابَ بِيَدِهِ مِنْ مَوْضِعِ الْفِضَّةِ لَا يَحْرُمُ، فَلَيْسَ الْمَدَارُ عَلَى الْفَمِ إذْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِنَا مُتَّقِيًا فِي السَّرْجِ وَالْكُرْسِيِّ مَوْضِعَ الْفَمِ فَافْهَمْ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُفَضَّضِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي كُلُّهُ فِضَّةٌ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَوْ بِلَامِسٍ بِالْجَسَدِ، وَلِذَا حَرُمَ إيقَادُ الْعُودِ فِي مِجْمَرَةِ الْفِضَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ، وَمِثْلُهُ بِالْأَوْلَى ظَرْفُ فِنْجَانِ الْقَهْوَةِ وَالسَّاعَةِ وَقُدْرَةُ التُّنْبَاكِ الَّتِي يُوضَعُ فِيهَا الْمَاءُ وَإِنْ كَانَ لَا يَمَسُّهَا بِيَدِهِ وَلَا بِفَمِهِ، لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ فِيمَا صُنِعَتْ لَهُ بِخِلَافِ الْقَصَبِ الَّذِي يُلَفُّ عَلَى طَرَفِ قَصَبَةِ التُّتْن فَإِنَّهُ تَزْوِيقٌ فَهُوَ مِنْ الْمُفَضَّضِ فَيُعْتَبَرُ اتِّقَاؤُهُ بِالْيَدِ وَالْفَمِ وَلَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مَا يَكُونُ كُلُّهُ فِضَّةً كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَالَ ط: وَقَدْ تَجَرَّأَ جَمَاعَةٌ عَلَى الشَّرْعِ فَقَالُوا بِإِبَاحَةِ اسْتِعْمَالِ نَحْوِ الظَّرْفِ زَاعِمِينَ أَنَّهُ اتِّقَاءٌ بِفَمِهِ وَمَسُّ الْيَدِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَهَذَا جَهْلٌ عَظِيمٌ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، فَإِنَّ الْخِوَانَ وَإِنَاءَ الطَّعَامِ لَا يَمَسُّهُمَا بِيَدِهِ وَقَدْ حَرُمَا وَمِنْ الْجُرْأَةِ قَوْلُ أَبِي السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ:
وَكَذَا الْإِنَاءُ الْمُضَبَّبُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَالْكُرْسِيُّ الْمُضَبَّبُ بِهَا وَحِلْيَةُ مِرْآةٍ وَمُصْحَفٍ بِهَا (كَمَا لَوْ جُلُّهُ) أَيْ التَّفْضِيضِ (فِي نَصْلِ سَيْفٍ وَسِكِّينٍ أَوْ فِي قَبْضَتِهِمَا أَوْ لِجَامٍ أَوْ رِكَابٍ وَلَمْ يَضَعْ يَدَهُ مَوْضِعَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) وَكَذَا كِتَابَهُ الثَّوْبِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَفِي الْمُجْتَبَى: لَا بَأْسَ بِالسِّكِّينِ الْمُفَضَّضِ وَالْمَحَابِرِ وَالرِّكَابِ وَعَنْ الثَّانِي يُكْرَهُ الْكُلُّ وَالْخِلَافُ فِي الْمُفَضَّضِ أَمَّا الْمَطْلِيُّ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ لِجَامٍ وَرِكَابٍ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ الطِّلَاءَ مُسْتَهْلَكٌ لَا يَخْلُصُ فَلَا عِبْرَةَ لِلَوْنِهِ عَيْنِيٌّ وَغَيْرُهُ
(وَيُقْبَلُ قَوْلُ كَافِرٍ) وَلَوْ مَجُوسِيًّا (قَالَ اشْتَرَيْت اللَّحْمَ مِنْ كِتَابِيٍّ فَيَحِلُّ أَوْ قَالَ) اشْتَرَيْته (مِنْ مَجُوسِيٍّ فَيَحْرُمُ) وَلَا يَرُدُّهُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ
ــ
[رد المحتار]
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَى مَا هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ اتِّقَاءِ مَوْضِعِ الْأَخْذِ حِلُّ شُرْبِ الْقَهْوَةِ مِنْ الْفِنْجَانِ فِي تَبُسَّ الْفِضَّةِ اهـ فَإِنَّ الْمَقَامَ مُخْتَلِفٌ فَلْيُتَدَبَّرْ حَقَّ التَّدَبُّرِ اهـ.
أَقُولُ: وَكَذَا رَدَّهُ السَّائِحَانِيُّ بِقَوْلِهِ فَرْقٌ كَبِيرٌ بَيْنَ الْإِنَاءِ الْفِضَّةِ الْمُسْتَعْمَلِ لِدَفْعِ حَرَارَةِ الْفِنْجَانِ وَبَيْنَ الْفِضَّةِ الْمُرَصَّعَةِ لِلتَّزْوِيقِ اهـ وَالْمُرَادُ بالتبس ظَرْفُ الْفِنْجَانِ وَلَمْ أَرَهُ فِيمَا عِنْدِي مِنْ كُتُبٍ ثُمَّ قَالَ ط: وَانْظُرْ مَا لَوْ كَانَ الْإِنَاءُ لَا يُوضَعُ عَلَى الْفَمِ بِأَنْ لَا يُسْتَعْمَلَ إلَّا بِالْيَدِ كَالْمِحْبَرَةِ الْمُضَبَّبَةِ، هَلْ يُتَّقَى وَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهَا، وَحَرَّرَهُ وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ فِي السَّيْفِ مِنْ اشْتِرَاطِ اتِّقَاءِ مَحَلِّ الْيَدِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَنْ لَا يَضَعَ يَدَهُ عَلَى ضَبَّةِ الْقَصَبَةِ فِي الْمِحْبَرَةِ وَنَحْوِهِ اهـ. أَقُولُ: هُوَ نَظِيرُ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي قَصَبَةِ التُّتْن (قَوْلُهُ وَكَذَا الْإِنَاءُ الْمُضَبَّبُ) أَيْ الْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الْمُفَضَّضِ يُقَالُ بَابٌ مُضَبَّبٌ أَيْ مَشْدُودٌ بِالضِّبَابِ وَهِيَ الْحَدِيدَةُ الْعَرِيضَةُ الَّتِي يُضَبَّبُ بِهَا وَضَبَّبَ أَسْنَانَهُ بِالْفِضَّةِ إذَا شَدَّهَا بِهَا مَغْرِبٌ (قَوْلُهُ وَحِلْيَةُ مِرْآةٍ) الَّذِي فِي الْمِنَحِ وَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا حَلْقَةٌ بِالْقَافِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا الَّتِي تَكُونُ حَوَالَيْ الْمِرْآةِ لَا مَا تَأْخُذُ الْمَرْأَةُ بِيَدِهَا فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا اهـ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَضَعْ يَدَهُ) لَا يَشْمَلُ الرِّكَابَ فَالْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ وَرِجْلَهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا كِتَابَةُ الثَّوْبِ إلَخْ) سَيَأْتِي أَنَّ الْمَنْسُوجَ بِذَهَبٍ يَحِلُّ إنْ كَانَ مِقْدَارَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَنْ الثَّانِي) ظَاهِرُهُ أَنَّ عَنْهُ رِوَايَةً أُخْرَى وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ عَكْسُ مَا رَأَيْته فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ وَعِبَارَةُ الْمِنَحِ كَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُكْرَهُ ذَلِكَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ يُرْوَى مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُرْوَى مَعَ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ يُكْرَه الْكُلُّ) أَيْ الْكُلُّ مَا مَرَّ مِنْ الْمُفَضَّضِ وَالْمُضَبَّبِ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ الْمَارَّةِ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ مُطْلَقَةٌ وَلِأَنَّ مَنْ اسْتَعْمَلَ إنَاءً كَانَ مُسْتَعْمِلًا لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْكَسَرَ، فَاِتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِأَحْمَدَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ: «رَأَيْت عِنْدَ أَنَسٍ رضي الله عنه قَدَحَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ ضَبَّةُ فِضَّةٍ» وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ وَالشَّعْبُ كَالْمَنْعِ الصَّدْعُ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَالْخِلَافُ فِي الْمُفَضَّضِ) أَرَادَ بِهِ مَا فِيهِ قِطْعَةُ فِضَّةٍ فَيَشْمَلُ الْمُضَبَّبَ وَالْأَظْهَرُ عِبَارَةُ الْعَيْنِيِّ وَغَيْرِهِ وَهِيَ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا يَخْلُصُ وَأَمَّا التَّمْوِيهُ الَّذِي لَا يَخْلُصُ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مُسْتَهْلَكٌ فَلَا عِبْرَةَ بِبَقَائِهِ لَوْنًا اهـ
(قَوْلُهُ أَوْ قَالَ اشْتَرَيْته مِنْ مَجُوسِيٍّ فَيَحْرُمُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَبِيحَةَ مَجُوسِيٍّ وَعِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَعْنَاهُ إذَا قَالَ كَانَ ذَبِيحَةَ غَيْرِ الْكِتَابِيِّ وَالْمُسْلِمِ اهـ تَأَمَّلْ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة قُبَيْلَ الْأُضْحِيَّةَ عَنْ جَامِعِ الْجَوَامِعِ لِأَبِي يُوسُفَ مَنْ اشْتَرَى لَحْمًا فَعَلِمَ أَنَّهُ مَجُوسِيٌّ وَأَرَادَ الرَّدَّ فَقَالَ ذَبَحَهُ مُسْلِمٌ يُكْرَهُ أَكْلُهُ اهـ وَمُفَادُهُ أَنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِ الْبَائِعِ مَجُوسِيًّا يُثْبِتُ الْحُرْمَةَ، فَإِنَّهُ بَعْدَ إخْبَارِهِ بِالْحِلِّ بِقَوْلِهِ ذَبَحَهُ مُسْلِمٌ كُرِهَ أَكْلُهُ فَكَيْفَ بِدُونِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يَرُدُّهُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: مُسْلِمٌ شَرَى لَحْمًا وَقَبَضَهُ فَأَخْبَرَهُ مُسْلِمٌ ثِقَةٌ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ، لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَلَا يُطْعِمُ غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِحُرْمَةِ الْعَيْنِ، وَهِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَتَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهَا
وَأَصْلُهُ أَنَّ خَبَرَ الْكَافِرِ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي الْمُعَامَلَاتِ لَا فِي الدِّيَانَاتِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الْكَنْزِ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْكَافِرِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ يَعْنِي الْحَاصِلَيْنِ فِي ضِمْنِ الْمُعَامَلَاتِ لَا مُطْلَقِ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ كَمَا تَوَهَّمَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَ) يُقْبَلُ قَوْلُ (الْمَمْلُوكِ) وَلَوْ أُنْثَى (وَالصَّبِيِّ فِي الْهَدِيَّةِ) سَوَاءٌ أَخْبَرَ بِإِهْدَاءِ الْمَوْلَى غَيْرَهُ أَوْ نَفْسَهُ (وَالْإِذْنِ) سَوَاءٌ كَانَ بِالتِّجَارَةِ أَوْ بِدُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا وَقَيَّدَهُ فِي السِّرَاجِ بِمَا إذَا غَلَبَ عَلَى رَأْيِهِ صِدْقُهُمْ فَلَوْ شَرَى صَغِيرٌ نَحْوَ صَابُونٍ وَأُشْنَانٍ لَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ وَلَوْ نَحْوَ زَبِيبٍ وَحَلْوَى لَا يَنْبَغِي بَيْعُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ كَذِبُهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ (وَ) يُقْبَلُ قَوْلُ الْفَاسِقِ وَالْكَافِرِ وَالْعَبْدِ فِي (الْمُعَامَلَاتِ) لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا (كَمَا إذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ وَكِيلُ فُلَانٍ فِي بَيْعِ كَذَا فَيَجُوزُ الشِّرَاءُ مِنْهُ) إنْ غَلَبَ عَلَى الرَّأْيِ صِدْقُهُ كَمَا مَرَّ وَسَيَجِيءُ آخِرَ الْحَظْرِ.
ــ
[رد المحتار]
بُطْلَانُ الْمِلْكِ فَتَثْبُتُ مَعَ بَقَائِهِ وَحِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُهُ الرَّدُّ عَلَى بَائِعِهِ، وَلَا أَنْ يَحْبِسَ الثَّمَنَ عَنْهُ إذْ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَأَصْلُهُ إلَخْ) أَيْ أَصْلُ مَا ذَكَرَ مِنْ ثُبُوتِ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ، وَهُوَ يُشِيرُ بِهِ إلَى سُؤَالٍ، وَجَوَابِهِ مَذْكُورَيْنِ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا.
حَاصِلُ السُّؤَالِ: أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُنَاقِضَةٌ لِقَوْلِهِ الْآتِي: وَشُرِطَ الْعَدَالَةُ فِي الدِّيَانَاتِ، فَإِنَّ مِنْ الدِّيَانَاتِ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ كَمَا إذَا أَخْبَرَ بِأَنَّ هَذَا حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ، وَقَدْ شُرِطَ فِيهَا الْعَدْلُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُسْلِمُ الْمَرْضِيُّ، وَهُنَا قَوْلُهُ شَرَيْته مِنْ كِتَابِيٍّ إلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ، وَقَدْ قُبِلَ فِيهِ خَبَرُ الْكَافِرِ، وَلَوْ مَجُوسِيًّا، وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ شَرَيْته مِنْ الْمُعَامَلَاتِ، وَثُبُوتُ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ فِيهِ ضِمْنِيٌّ فَلَمَّا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الشِّرَاءِ ثَبَتَ مَا فِي ضِمْنِهِ، بِخِلَافِ مَا يَأْتِي وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا لَا قَصْدًا كَوَقْفِ الْمَنْقُولِ وَبَيْعِ الشِّرْبِ وَبِهِ يَتَّضِحُ الْجَوَابُ عَنْ الْكَنْزِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى هَذَا الْجَوَابِ الْعَيْنِيُّ، وَصَاحِبُ الدُّرَرِ وَتَبِعَهُمَا الْمُصَنِّفُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَقْرِيرُ صَاحِبِ الْكَنْزِ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي (قَوْلُهُ لَا مُطْلَق الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ) أَيْ الشَّامِلِ لِلْقَصْدِيِّ كَهَذَا حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ أَخْبَرَ بِإِهْدَاءِ الْمَوْلَى غَيْرَهُ أَوْ نَفْسَهُ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْوَلِيِّ مُشَدَّدًا بِدُونِ مِيمٍ الضَّمِيرُ فِي غَيْرِهِ أَوْ نَفْسَهُ لِلْمُخْبِرِ الْمَفْهُومِ مِنْ أَخْبَرَ قَالَ فِي الْمِنَحِ بِأَنْ قَالَ عَبْدٌ أَوْ جَارِيَةٌ أَوْ صَبِيٌّ هَذِهِ هَدِيَّةٌ أَهْدَاهَا إلَيْك سَيِّدِي أَوْ أَبِي وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا قَالَتْ جَارِيَةٌ لِرَجُلٍ بَعَثَنِي مَوْلَايَ إلَيْك هَدِيَّةً وَسِعَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا أَخْبَرَتْ بِإِهْدَاءِ الْمَوْلَى غَيْرَهَا أَوْ نَفْسَهَا، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ قَوْلُ هَؤُلَاءِ فِيهَا لِأَنَّ الْهَدِيَّةَ تُبْعَثُ عَادَةً عَلَى أَيْدِي هَؤُلَاءِ اهـ (قَوْلُهُ أَوْ بِدُخُولِ الدَّارِ مَثَلًا) قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَأَمَّا الْإِذْنُ بِدُخُولِ الدَّارِ إذَا أَذِنَ ذَلِكَ لِعَبْدِهِ أَوْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ، فَالْقِيَاسُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ عَنْ ذَلِكَ فَجُوِّزَ لِأَجْلِ ذَلِكَ اهـ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ فِي السِّرَاجِ إلَخْ) ثُمَّ قَالَ كَمَا فِي الْمِنَحِ: وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى رَأْيِهِ ذَلِكَ لَمْ يَسَعْهُ قَبُولُهُ مِنْهُمْ، لِأَنَّ الْأَمْرَ مُشْتَبِهٌ عَلَيْهِ اهـ قَالَ الأتقاني: لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَالْإِذْنُ طَارِئٌ، فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِالشَّكِّ وَإِنَّمَا قَبِلْنَا قَوْلَ الْعَبْدِ إذَا كَانَ ثِقَةً لِأَنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الْمُعَامَلَاتِ، وَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ أَخْبَارِ الدِّيَانَاتِ فَإِذَا قُبِلَ فِي أَخْبَارِ الدِّينِ فَفِي الْمُعَامَلَاتِ أَوْلَى اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَحْوَ زَبِيبٍ وَحَلْوَى) أَيْ مِمَّا يَأْكُلُهُ الصِّبْيَانُ عَادَةً خَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ كَذِبُهُ) وَقَدْ عَثَرَ عَلَى فُلُوسِ أُمِّهِ فَأَخَذَهَا لِيَشْتَرِيَ بِهَا حَاجَةَ نَفْسِهِ مِنَحٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَهَذَا لَا يَظْهَرُ فِي كُلِّ الصِّبْيَانِ لِجَرَيَانِ عَادَةِ أَغْنِيَاءِ النَّاسِ بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى صِبْيَانِهِمْ، وَإِعْطَائِهِمْ مَا يَشْتَرُونَ بِهِ شَهْوَةَ أَنْفُسِهِمْ وَكَذَلِكَ غَالِبُ الْفُقَرَاءِ اهـ ط. أَقُولُ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ فَلْيَنْظُرْ الْمُبْتَلَى فِي الْقَرَائِنِ (قَوْلُهُ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا) فَاشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِيهَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَقَلَّمَا يَجِدُ الْإِنْسَانُ الْمُسْتَجْمِعَ لِشَرَائِطِ الْعَدَالَةِ لِيُعَامِلَهُ أَوْ يَسْتَخْدِمَهُ أَوْ يَبْعَثَهُ إلَى وُكَلَائِهِ.
(وَشُرِطَ الْعَدَالَةُ فِي الدِّيَانَاتِ) هِيَ الَّتِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَالرَّبِّ (كَالْخَبَرِ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ فَيَتَيَمَّمُ) وَلَا يَتَوَضَّأُ (إنْ أَخْبَرَ بِهَا مُسْلِمٌ عَدْلٌ) مُنْزَجِرٌ عَمَّا يَعْتَقِدُ حُرْمَتَهُ (وَلَوْ عَبْدًا) أَوْ أَمَةً (وَيَتَحَرَّى فِي) خَبَرِ (الْفَاسِقِ) بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ (وَ) خَبَرِ (الْمَسْتُورِ ثُمَّ يَعْمَلُ بِغَالِبِ ظَنِّهِ، وَلَوْ أَرَاقَ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَ فِيمَا إذَا غَلَبَ عَلَى رَأْيِهِ صِدْقُهُ وَتَوَضَّأَ وَتَيَمَّمَ فِيمَا إذَا غَلَبَ) عَلَى رَأْيِهِ (كَذِبُهُ كَانَ أَحْوَطَ) وَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَتَيَمُّمُهُ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَحْوَطُ. قُلْت: وَأَمَّا الْكَافِرُ إذَا غَلَبَ صِدْقُهُ عَلَى كَذِبِهِ فَإِرَاقَتُهُ أَحَبُّ قُهُسْتَانِيٌّ وَخُلَاصَةٌ وَخَانِيَّةٌ. قُلْت: لَكِنْ لَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ إرَاقَتِهِ لَمْ يَجُزْ تَيَمُّمُهُ بِخِلَافِ خَبَرِ الْفَاسِقِ لِصَلَاحِيَّتِهِ مُلْزِمًا فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ
ــ
[رد المحتار]
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُعَامَلَاتِ عَلَى مَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ.
الْأَوَّلُ: مَا لَا إلْزَامَ فِيهِ كَالْوَكَالَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَالْإِذْنِ بِالتِّجَارَةِ، وَالثَّانِي: مَا فِيهِ إلْزَامٌ مَحْضٌ كَالْحُقُوقِ الَّتِي تَجْرِي فِيهَا الْخُصُومَاتُ.
وَالثَّالِثُ: مَا فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ وَحَجْرِ الْمَأْذُونِ، فَإِنَّ فِيهِ إلْزَامَ الْعُهْدَةِ عَلَى الْوَكِيلِ وَفَسَادَ الْعَقْدِ بَعْدَ الْحَجْرِ وَفِيهِ عَدَمَ إلْزَامٍ، لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَوْ الْمَوْلَى يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ حَقِّهِ، فَصَارَ كَالْإِذْنِ. فَفِي الْأَوَّلِ يُعْتَبَرُ التَّمْيِيزُ فَقَطْ. وَفِي الثَّانِي شُرُوطُ الشَّهَادَةِ وَفِي الثَّالِثِ إمَّا الْعَدَدُ وَإِمَّا الْعَدَالَةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُرَادَ هُنَا النَّوْعُ الْأَوَّلُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْعَزْمِيَّةِ
(قَوْلُهُ فِي الدِّيَانَاتِ) أَيْ الْمَحْضَةِ دُرَرٌ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا تَضَمَّنَتْ زَوَالَ مِلْكٍ كَمَا إذَا أَخْبَرَ عَدْلٌ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ ارْتَضَعَا مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ زَوَالَ مِلْكِ الْمُتْعَةِ فَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَالْعَدَالَةُ جَمِيعًا إتْقَانِيٌّ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ، بِأَنَّ مَا اشْتَرَاهُ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٌّ، لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُرْمَةِ لَا يَتَضَمَّنُ زَوَالَ الْمِلْكِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَتَثْبُتُ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِهَا مَعَ الْمِلْكِ (قَوْلُهُ هِيَ) أَيْ الدِّيَانَاتُ (قَوْلُهُ إنْ أَخْبَرَ بِهَا مُسْلِمٌ عَدْلٌ) لِأَنَّ الْفَاسِقَ مُتَّهَمٌ وَالْكَافِرَ لَا يَلْتَزِمُ الْحُكْمَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَ الْمُسْلِمَ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ مُنْزَجِرٌ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْعَدْلِ (قَوْلُهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً) تَعْمِيمٌ لَهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَيَتَحَرَّى فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ) أَمَّا مَعَ الْعَدَالَةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ احْتِمَالُ الْكَذِبِ فَلَا مَعْنًى لِلِاحْتِيَاطِ بِالْإِرَاقَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَخَبَرِ الْمَسْتُورِ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَنْهُ أَنَّهُ كَالْعَدْلِ نِهَايَةٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَعْمَلُ بِغَالِبِ ظَنِّهِ) فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ تَيَمَّمَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ أَوْ كِذْبُهُ تَوَضَّأَ بِهِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِهِ هَذَا هُوَ جَوَابُ الْحُكْمِ. أَمَّا فِي السَّعَةِ وَالِاحْتِيَاطِ، فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بَعْدَ الْوُضُوءِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَتَوَضَّأَ) عَطْفٌ عَلَى أَرَاقَ (قَوْلُهُ أَحْوَطُ) لِأَنَّ التَّحَرِّيَ مُجَرَّدُ ظَنٍّ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْجَوْهَرَةِ إلَخْ) كَلَامُ الْجَوْهَرَةِ فِيمَا إذَا غَلَبَ عَلَى رَأْيِهِ كَذِبُهُ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ شَيْئًا فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْكَافِرُ) وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ فَإِرَاقَتُهُ أَحَبُّ) فَهُوَ كَالْفَاسِقِ وَالْمَسْتُورِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَلَوْ تَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى جَازَتْ صَلَاتُهُ (قَوْلُهُ قُلْت لَكِنْ إلَخْ) هَذَا تَوْفِيقٌ مِنْهُ بَيْنَ الْعِبَارَاتِ فَإِنَّ مُقْتَضَى مَا قَدَّمَهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَاسِقِ كَمَا قُلْنَا، لَكِنْ وَقَعَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنْ أَخْبَرَهُ ذِمِّيٌّ أَوْ صَبِيٌّ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ فَإِنْ تَيَمَّمَ لَا يَجْزِيهِ مَا لَمْ يُرِقْ الْمَاءَ أَوَّلًا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْبَرَهُ مَسْتُورٌ فَتَيَمَّمَ قَبْلَ الْإِرَاقَةِ، فَإِنَّهُ يَجْزِيهِ وَرَأَيْت بِخَطِّ الشَّارِحِ فِي هَامِشِ التَّتَارْخَانِيَّة عِنْدَ قَوْلِهِ بَلْ يُسْتَحَبُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَيَمَّمُ بَعْدَ الْوُضُوءِ، حَتَّى يَفْقِدَ الْمَاءَ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ فَتَأَمَّلْ وَحِينَئِذٍ، فَقَدْ سَاوَى الْفَاسِقَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَإِنْ خَالَفَهُ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا تَأَمَّلْ وَرَاجِعْ فَإِنَّ عِبَارَةَ الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ نَدْبُ الْإِرَاقَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذَا فَلْيُحَرَّرْ اهـ مَا رَأَيْته بِخَطِّهِ. وَأَنْتَ تَرَاهُ قَدْ جَزَمَ فِي شَرْحِهِ بِمَا كَانَ مُتَرَدِّدًا فِيهِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الذَّخِيرَةِ التَّصْرِيحَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْفَاسِقِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: هَذَا وَالثَّانِي: أَنَّهُ فِي الْفَاسِقِ يَجِبُ التَّحَرِّي وَفِي الذِّمِّيِّ يُسْتَحَبُّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ خَبَرِ الْفَاسِقِ) أَيْ إذَا غَلَبَ عَلَى رَأْيِهِ صِدْقُهُ فِي النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ (قَوْلُهُ لِصَلَاحِيَّتِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ
وَلَوْ أَخْبَرَ عَدْلٌ بِطَهَارَتِهِ وَعَدْلٌ بِنَجَاسَتِهِ حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ بِخِلَافِ الذَّبِيحَةِ وَتُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ فِي أَوَانٍ طَاهِرَةٍ وَنَجِسَةٍ وَذَكِيَّةٍ وَمَيْتَةٍ، فَإِنْ الْأَغْلَبُ طَاهِرًا تَحَرَّى وَبِالْعَكْسِ وَالسَّوَاءُ لَا إلَّا لِعَطَشٍ وَفِي الثِّيَابِ يَتَحَرَّى مُطْلَقًا
(دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ
ــ
[رد المحتار]
عَلَى الْمُسْلِمِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَا اهـ أَيْ فَإِنَّ الْفَاسِقَ إذَا قَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَإِنْ أَثِمَ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ أَخْبَرَ عَدْلٌ بِطَهَارَتِهِ إلَخْ) أَقُولُ: ذَكَرَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ عَنْ كِفَايَةِ الْمُنْتَهَى لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ: رَجُلٌ دَخَلَ عَلَى قَوْمٍ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ فَدَعَوْهُ إلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ عَدْلٌ: اللَّحْمُ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ وَالشَّرَابُ خَالَطَهُ خَمْرٌ فَقَالُوا لَا بَلْ هُوَ حَلَالٌ، يَنْظُرُ فِي حَالِهِمْ فَإِنْ عُدُولًا أَخَذَ بِقَوْلِهِمْ وَإِنْ مُتَّهَمِينَ لَا يَتَنَاوَلُ شَيْئًا، وَلَوْ فِيهِمْ ثِقَتَانِ أَخَذَ بِقَوْلِهِمَا أَوْ وَاحِدٌ عَمِلَ بِأَكْبَرَ رَأْيِهِ فَإِنْ لَا رَأْيٌ وَاسْتَوَى الْحَالَانِ عِنْدَهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَتَوَضَّأَ، فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مَمْلُوكَانِ ثِقَتَانِ أَخَذَ بِقَوْلِهِمَا لِاسْتِوَاءِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي الْخَبَرِ الدِّينِيِّ، وَتَرَجَّحَ الْمُثَنَّى وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِأَحَدِهِمَا عَبْدٌ ثِقَةٌ وَبِالْآخَرِ حُرٌّ تَحَرَّى لِلْمُعَارِضَةِ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِأَحَدِهِمَا حُرَّانِ ثِقَتَانِ وَبِالْآخَرِ مَمْلُوكَانِ ثِقَتَانِ أَخَذَ بِقَوْلِ الْحُرَّيْنِ، لِأَنَّ قَوْلَهُمَا حُجَّةٌ فِي الدِّيَانَةِ وَالْحُكْمِ جَمِيعًا فَتَرَجَّحَا وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِأَحَدِهِمَا ثَلَاثَةُ عَبِيدٍ ثِقَاتٌ وَبِالْآخَرِ مَمْلُوكَانِ ثِقَتَانِ أَخَذَ بِقَوْلِ الْعَبِيدِ، وَكَذَا إذَا أَخْبَرَ بِأَحَدِهِمَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَبِالْآخَرِ رَجُلَانِ أَخَذَ بِالْأَوَّلِ.
فَالْحَاصِلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ: أَنَّ خَبَرَ الْعَبْدِ وَالْحَرِّ فِي الْأَمْرِ الدِّينِيِّ عَلَى السَّوَاءِ بَعْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْعَدَالَةِ فَيُرَجَّحُ أَوَّلًا بِالْعَدَدِ ثُمَّ بِكَوْنِهِ حُجَّةً فِي الْأَحْكَامِ بِالْجُمْلَةِ ثُمَّ بِالتَّحَرِّي اهـ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا فَقَدْ اعْتَبَرُوا التَّحَرِّيَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْمُعَارَضَةِ بِالتَّسَاوِي بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ الذَّبِيحَةِ وَالْمَاءِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَتُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ إلَخْ)
أَقُولُ: حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ أَنَّهُ فِي الْأَوَانِي إنْ غَلَبَ الطَّاهِرُ تَحَرَّى فِي حَالَتَيْ الِاضْطِرَارِ وَالِاخْتِيَارِ لِلشُّرْبِ وَالْوُضُوءِ، وَإِلَّا بِأَنْ غَلَبَ النَّجَسُ أَوْ تَسَاوَيَا فَفِي الِاخْتِيَارِ: لَا يَتَحَرَّى أَصْلًا وَفِي الِاضْطِرَارِ: يَتَحَرَّى لِلشُّرْبِ لَا الْوُضُوءِ وَفِي الذَّكِيَّةِ وَالْمَيْتَةِ يَتَحَرَّى فِي الِاضْطِرَارِ مُطْلَقًا، وَفِي الِاخْتِيَارِ وَإِنْ غَلَبَتْ الْمَيْتَةُ أَوْ تَسَاوَيَا لَا يَتَحَرَّى، وَكَذَا فِي الثِّيَابِ يَتَحَرَّى فِي الِاضْطِرَارِ مُطْلَقًا وَفِي الِاخْتِيَارِ إنْ غَلَبَ الطَّاهِرُ وَإِلَّا لَا اهـ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إنْ غَلَبَ الطَّاهِرُ تَحَرَّى فِي الْحَالَتَيْنِ فِي الْكُلِّ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ، وَإِلَّا فَفِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ لَا يَتَحَرَّى فِي الْكُلِّ وَفِي الِاضْطِرَارِ يَتَحَرَّى فِي الْكُلِّ إلَّا فِي الْأَوَانِي لِلْوُضُوءِ إذْ لَهُ خَلَفٌ وَهُوَ التَّيَمُّمُ، بِخِلَافِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إذْ لَا خَلَفَ لَهُ. وَسَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ، وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ الْإِيجَازِ الْبَالِغِ حَدَّ الْإِلْغَازِ، فَلَوْ قَالَ فَإِنْ الْأَغْلَبُ طَاهِرًا تَحَرَّى مُطْلَقًا وَإِلَّا فَلَا إلَّا حَالَةَ الضَّرُورَةِ لِغَيْرِ وُضُوءٍ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَظْهَرَ فَتَدَبَّرْ نَعَمْ كَلَامُهُ هُنَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ تَبَعًا لِنُورِ الْإِيضَاحِ
(قَوْلُهُ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ) وَهِيَ طَعَامُ الْعُرْسِ وَقِيلَ الْوَلِيمَةُ اسْمٌ لِكُلِّ طَعَامٍ. وَفِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ التُّمُرْتَاشِيِّ: اُخْتُلِفَ فِي إجَابَةِ الدَّعْوَى قَالَ بَعْضُهُمْ: وَاجِبَةٌ لَا يَسَعُ تَرْكُهَا وَقَالَ الْعَامَّةُ: هِيَ سُنَّةٌ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُجِيبَ إذَا كَانَتْ وَلِيمَةً وَإِلَّا فَهُوَ مُخَيَّرٌ وَالْإِجَابَةُ أَفْضَلُ، لِأَنَّ فِيهَا إدْخَالَ السُّرُورِ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ وَإِذَا أَجَابَ فَعَلَ مَا عَلَيْهِ أَكَلَ أَوْ لَا، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَأْكُلَ لَوْ غَيْرَ صَائِمٍ وَفِي الْبِنَايَةِ إجَابَةُ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ وَلِيمَةً أَوْ غَيْرَهَا، وَأَمَّا دَعْوَةٌ يَقْصِدُ بِهَا التَّطَاوُلَ أَوْ إنْشَاءَ الْحَمْدِ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ فَلَا يَنْبَغِي إجَابَتُهَا لَا سِيَّمَا أَهْلُ الْعِلْمِ فَقَدْ قِيلَ مَا وَضَعَ أَحَدٌ يَدَهُ فِي قَصْعَةِ غَيْرِهِ إلَّا ذَلَّ لَهُ اهـ ط مُلَخَّصًا. وَفِي الِاخْتِيَارِ: وَلِيمَةُ الْعُرْسِ سُنَّةٌ قَدِيمَةٌ إنْ لَمْ يُجِبْهَا أَثِمَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا أَجَابَ وَدَعَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا أَكَلَ وَدَعَا، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يُجِبْ أَثِمَ وَجَفَا» لِأَنَّهُ اسْتِهْزَاءٌ بِالْمُضِيفِ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «لَوْ دُعِيت إلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْت» اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَصَرَّحَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْ الْوَاجِبِ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة
وَثَمَّةَ لَعِبٌ أَوْ غِنَاءٌ قَعَدَ وَأَكَلَ) لَوْ الْمُنْكَرُ فِي الْمَنْزِلِ، فَلَوْ عَلَى الْمَائِدَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْعُدَ بَلْ يَخْرُجُ مُعْرِضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: - {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]- (فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَنْعِ فَعَلَ وَإِلَّا) يَقْدِرُ (صَبَرَ إنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فَإِنْ كَانَ) مُقْتَدًى (وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَنْعِ خَرَجَ وَلَمْ يَقْعُدْ) لِأَنَّ فِيهِ شَيْنَ الدِّينِ وَالْمَحْكِيُّ عَنْ الْإِمَامِ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُقْتَدًى بِهِ (وَإِنْ عَلِمَ أَوَّلًا) بِاللَّعِبِ (لَا يَحْضُرُ أَصْلًا) سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أَوْ لَا لِأَنَّ حَقَّ الدَّعْوَةِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ الْحُضُورِ لَا قَبْلَهُ ابْنُ كَمَالٍ. وَفِي السِّرَاجِ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ أَنَّ الْمَلَاهِيَ كُلَّهَا حَرَامٌ وَيُدْخَلُ عَلَيْهِمْ بِلَا إذْنِهِمْ لِإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ
ــ
[رد المحتار]
عَنْ الْيَنَابِيعِ: لَوْ دُعِيَ إلَى دَعْوَةٍ فَالْوَاجِبُ الْإِجَابَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَعْصِيَةٌ وَلَا بِدْعَةٌ وَالِامْتِنَاعُ أَسْلَمُ فِي زَمَانِنَا إلَّا إذَا عَلِمَ يَقِينًا أَنْ لَا بِدْعَةَ وَلَا مَعْصِيَةَ اهـ وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْوَلِيمَةِ لِمَا مَرَّ وَيَأْتِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَثَمَّةَ لَعِبٌ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِهَا وَالْغِنَاءُ بِالْكَسْرِ مَمْدُودًا السَّمَاعُ وَمَقْصُورًا الْيَسَارُ (قَوْلُهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْعُدَ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ اسْتِمَاعَ اللَّهْوِ حَرَامٌ وَالْإِجَابَةُ سُنَّةٌ وَالِامْتِنَاعَ عَنْ الْحَرَامِ أَوْلَى اهـ وَكَذَا إذَا كَانَ عَلَى الْمَائِدَةِ قَوْمٌ يَغْتَابُونَ لَا يَقْعُدُ فَالْغِيبَةُ أَشَدُّ مِنْ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَى الْمَائِدَةِ إلَخْ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: وَإِنْ عَلِمَ كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، فَإِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ قَدَرَ إلَخْ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمُنْكَرُ فِي الْمَنْزِلِ لَا عَلَى الْمَائِدَةِ فَفِي كَلَامِهِ إيهَامٌ لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ بَعْدَ الذِّكْرَى) أَيْ تَذَكُّرِ النَّهْيِ ط.
(قَوْلُهُ فَعَلَ) أَيْ فَعَلَ الْمَنْعَ وُجُوبًا إزَالَةً لِلْمُنْكَرِ (قَوْلُهُ صَبَرَ) أَيْ مَعَ الْإِنْكَارِ بِقَلْبِهِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» اهـ أَيْ أَضْعَفُ أَحْوَالِهِ فِي ذَاتِهِ: أَيْ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا اشْتَدَّ ضَعْفُ الْإِيمَانِ، فَلَا يَجِدُ النَّاهِي أَعْوَانًا عَلَى إزَالَةِ الْمُنْكَرِ اهـ ط وَهَذَا لِأَنَّ إجَابَةَ الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ فَلَا يَتْرُكُهَا لِمَا اُقْتُرِنَ بِهِ مِنْ الْبِدْعَةِ مِنْ غَيْرِهِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَاجِبَةُ الْإِقَامَةِ وَإِنْ حَضَرَتْهَا نِيَاحَةٌ هِدَايَةٌ، وَقَاسَهَا عَلَى الْوَاجِبِ لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْهُ لِوُرُودِ الْوَعِيدِ بِتَرْكِهَا كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْمَحْكِيُّ عَنْ الْإِمَامِ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ اُبْتُلِيت بِهَذَا مَرَّةً فَصَبَرْت هِدَايَةٌ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ عَلِمَ أَوَّلًا) أَفَادَ أَنَّ مَا مَرَّ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ قَبْلَ حُضُورِهِ (قَوْلُهُ لَا يَحْضُرُ أَصْلًا) إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ يَتْرُكُونَ ذَلِكَ احْتِرَامًا لَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْهَبَ إتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ابْنُ كَمَالٍ) لَمْ أَرَهُ فِيهِ نَعَمْ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ ط وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوْضَحُ مَا فِي التَّبْيِينِ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إجَابَةُ الدَّعْوَةِ إذَا كَانَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ اهـ. قُلْت: لَكِنَّهُ لَا يُفِيدُ وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْحُضُورِ وَمَا بَعْدَهُ، وَسَاقَ بَعْدَ هَذَا فِي التَّبْيِينِ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ «أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قَالَ: صَنَعْت طَعَامًا فَدَعَوْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ فَرَأَى فِي الْبَيْتِ تَصَاوِيرَ فَرَجَعَ» اهـ. قُلْت: مُفَادُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَرْجِعُ وَلَوْ بَعْدَ الْحُضُورِ وَأَنَّهُ لَا تَلْزَمُ الْإِجَابَةُ مَعَ الْمُنْكَرِ أَصْلًا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ إلَخْ) لِأَنَّ مُحَمَّدًا أَطْلَقَ اسْمَ اللَّعِبِ وَالْغِنَاءِ فَاللَّعِبُ وَهُوَ اللَّهْوُ حَرَامٌ بِالنَّصِّ قَالَ عليه الصلاة والسلام «لَهْوُ الْمُؤْمِنِ بَاطِلٌ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: تَأْدِيبُهُ فَرَسَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «مُلَاعَبَتُهُ بِفَرَسِهِ وَرَمْيُهُ عَنْ قَوْسِهِ وَمُلَاعَبَتُهُ مَعَ أَهْلِهِ» كِفَايَةٌ وَكَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ اُبْتُلِيت دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ حَرَامٌ إتْقَانِيٌّ، وَفِيهِ كَلَامٌ لِابْنِ الْكَمَالِ فِيهِ فَرَاجِعْهُ مُتَأَمِّلًا (قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ عَلَيْهِمْ إلَخْ) لِأَنَّهُمْ أَسْقَطُوا حُرْمَتَهُمْ بِفِعْلِهِمْ الْمُنْكَرَ فَجَازَ هَتْكَهَا كَمَا لِلشُّهُودِ أَنْ يَنْظُرُوا إلَى عَوْرَةِ الزَّانِي حَيْثُ هَتَكَ حُرْمَةَ نَفْسِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ إلَخْ) رَوَاهُ فِي السُّنَنِ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِلَفْظِ:«إنَّ الْغِنَاءَ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ» " كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقِيلَ إنْ تَغَنَّى لِيَسْتَفِيدَ نَظْمَ الْقَوَافِي وَيَصِيرَ فَصِيحَ اللِّسَانِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقِيلَ: إنْ تَغَنَّى وَحْدَهُ لِنَفْسِهِ لِدَفْعِ الْوَحْشَةِ لَا بَأْسَ بِهِ وَبِهِ أَخَذَ السَّرَخْسِيُّ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
صَوْتُ اللَّهْوِ وَالْغِنَاءِ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ النَّبَاتَ. قُلْت: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اسْتِمَاعُ صَوْتِ الْمَلَاهِي كَضَرْبِ قَصَبٍ وَنَحْوِهِ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «اسْتِمَاعُ الْمَلَاهِي مَعْصِيَةٌ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهَا فِسْقٌ وَالتَّلَذُّذُ بِهَا كُفْرٌ» أَيْ بِالنِّعْمَةِ فَصَرْفُ الْجَوَارِحِ إلَى غَيْرِ مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ كُفْرٌ بِالنِّعْمَةِ لَا شُكْرٌ فَالْوَاجِبُ كُلُّ الْوَاجِبِ أَنْ يَجْتَنِبَ كَيْ لَا يَسْمَعَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي أُذُنِهِ عِنْدَ سَمَاعِهِ» وَأَشْعَارُ الْعَرَبِ لَوْ فِيهَا ذِكْرُ الْفِسْقِ
ــ
[رد المحتار]
أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا. وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6]- الْآيَةَ جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَنَّ الْمُرَادَ الْغِنَاءُ وَحَمَلَ مَا وَقَعَ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى إنْشَاءِ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ الَّذِي فِيهِ الْحِكَمُ وَالْمَوَاعِظُ، فَإِنَّ لَفْظَ الْغِنَاءِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْرُوفِ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ «مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنَّا» وَتَمَامُهُ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا. [تَنْبِيهٌ]
عَرَّفَ الْقُهُسْتَانِيُّ الْغِنَاءَ بِأَنَّهُ تَرْدِيدُ الصَّوْتِ بِالْأَلْحَانِ فِي الشِّعْرِ مَعَ انْضِمَامِ التَّصْفِيقِ الْمُنَاسِبِ لَهَا قَالَ فَإِنْ فُقِدَ قَيْدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْغِنَاءُ اهـ قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَقَدْ تُعُقِّبَ بِأَنَّ تَعْرِيفَهُ هَكَذَا لَمْ يُعْرَفْ فِي كُتُبِنَا فَتَدَبَّرْ اهـ. أَقُولُ: وَفِي شَهَادَاتِ فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ كَلَامٍ عَرَفْنَا مِنْ هَذَا أَنَّ التَّغَنِّيَ الْمُحَرَّمَ مَا كَانَ فِي اللَّفْظِ مَا لَا يَحِلُّ كَصِفَةِ الذُّكُورِ وَالْمَرْأَةِ الْمُعَيَّنَةِ الْحَيَّةِ وَوَصْفِ الْخَمْرِ الْمُهَيِّجِ إلَيْهَا وَالْحَانَاتِ وَالْهِجَاءِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ إذَا أَرَادَ الْمُتَكَلِّمُ هِجَاءَهُ لَا إذَا أَرَادَ إنْشَادَهُ لِلِاسْتِشْهَادِ بِهِ أَوْ لِيَعْلَمَ فَصَاحَتَهُ وَبَلَاغَتَهُ، وَكَانَ فِيهِ وَصْفُ امْرَأَةٍ لَيْسَتْ كَذَلِكَ أَوْ الزَّهْرِيَّاتُ الْمُتَضَمِّنَةُ وَصْفَ الرَّيَاحِينِ وَالْأَزْهَارِ وَالْمِيَاهِ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ عَلَى هَذَا، نَعَمْ إذَا قِيلَ ذَلِكَ عَلَى الْمَلَاهِي امْتَنَعَ وَإِنْ كَانَ مَوَاعِظَ وَحِكَمًا لِلْآلَاتِ نَفْسِهَا لَا لِذَلِكَ التَّغَنِّي اهـ مُلَخَّصًا وَتَمَامُهُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ، وَفِي الْمُلْتَقَى وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَرِهَ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْجِنَازَةِ وَالزَّحْفِ وَالتَّذْكِيرِ، فَمَا ظَنُّك بِهِ عِنْدَ الْغِنَاءِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ وَجْدًا وَمَحَبَّةً فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الدِّينِ. قَالَ الشَّارِحُ: زَادَ فِي الْجَوْهَرَةِ: وَمَا يَفْعَلُهُ مُتَصَوِّفَةُ زَمَانِنَا حَرَامٌ لَا يَجُوزُ الْقَصْدُ وَالْجُلُوسُ إلَيْهِ وَمَنْ قَبْلَهُمْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَلِكَ، وَمَا نُقِلَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سَمِعَ الشِّعْرَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى إبَاحَةِ الْغِنَاءِ. وَيَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الشِّعْرِ الْمُبَاحِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْحِكْمَةِ وَالْوَعْظِ، وَحَدِيثُ تَوَاجُدِهِ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَصِحَّ، وَكَانَ النصرآباذي يَسْمَعُ فَعُوتِبَ فَقَالَ: إنَّهُ خَيْرٌ مِنْ الْغِيبَةِ فَقِيلَ لَهُ هَيْهَاتَ بَلْ زَلَّةُ السَّمَاعِ شَرٌّ مِنْ كَذَا وَكَذَا سَنَةً يَغْتَابُ النَّاسَ، وَقَالَ السِّرِّيُّ: شَرْطُ الْوَاجِدِ فِي غِيبَتِهِ أَنْ يَبْلُغَ إلَى حَدٍّ لَوْ ضُرِبَ وَجْهُهُ بِالسَّيْفِ لَا يَشْعُرُ فِيهِ بِوَجَعٍ اهـ. قُلْت: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعُيُونِ إنْ كَانَ السَّمَاعُ سَمَاعَ الْقُرْآنِ وَالْمَوْعِظَةِ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ سَمَاعَ غِنَاءٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ أَبَاحَهُ مِنْ الصُّوفِيَّةِ، فَلِمَنْ تَخَلَّى عَنْ اللَّهْوِ، وَتَحَلَّى بِالتَّقْوَى، وَاحْتَاجَ إلَى ذَلِكَ احْتِيَاجَ الْمَرِيضِ إلَى الدَّوَاءِ. وَلَهُ شَرَائِطُ سِتَّةٌ: أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ أَمْرَدُ، وَأَنْ تَكُونَ جَمَاعَتُهُمْ مِنْ جِنْسِهِمْ، وَأَنْ تَكُونَ نِيَّةُ الْقَوْلِ الْإِخْلَاصَ لَا أَخْذَ الْأَجْرِ وَالطَّعَامِ، وَأَنْ لَا يَجْتَمِعُوا لِأَجْلِ طَعَامٍ أَوْ فُتُوحٍ، وَأَنْ لَا يَقُومُوا إلَّا مَغْلُوبِينَ وَأَنْ لَا يُظْهِرُوا وَجْدًا إلَّا صَادِقِينَ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ لَا رُخْصَةَ فِي السَّمَاعِ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّ الْجُنَيْدَ رحمه الله تَعَالَى تَابَ عَنْ السَّمَاعِ فِي زَمَانِهِ اهـ وَانْظُرْ مَا فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ (قَوْلُهُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ) أَيْ الْعَمَلِيَّ (قَوْلُهُ كَضَرْبِ قَصَبٍ) الَّذِي رَأَيْته فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَضِيبٍ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا (قَوْلُهُ فِسْقٌ) أَيْ خُرُوجٌ عَنْ الطَّاعَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي الْجُلُوسِ عَلَيْهَا اسْتِمَاعًا لَهَا وَالِاسْتِمَاعُ مَعْصِيَةٌ فَهُمَا مَعْصِيَتَانِ (قَوْلُهُ فَصَرْفُ الْجَوَارِحِ إلَخْ) سَاقَهُ تَعْلِيلًا لِبَيَانِ صِحَّةِ إطْلَاقِ الْكُفْرِ عَلَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ ط (قَوْلُهُ فَالْوَاجِبُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ اسْتِمَاعُ الْمَلَاهِي مَعْصِيَةٌ ط (قَوْلُهُ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي أُذُنِهِ) الَّذِي رَأَيْته فِي الْبَزَّازِيَّةِ
تُكْرَهُ اهـ أَوْ لِتَغْلِيظِ الذَّنْبِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ أَوْ لِلِاسْتِحْلَالِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ. [فَائِدَةٌ]
وَمِنْ ذَلِكَ ضَرْبُ النَّوْبَةِ لِلتَّفَاخُرِ، فَلَوْ لِلتَّنْبِيهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا إذَا ضَرَبَ فِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ لِتَذْكِيرِ ثَلَاثِ نَفَخَاتِ الصُّوَرِ لِمُنَاسِبَةٍ بَيْنَهُمَا فَبَعْدَ الْعَصْرِ لِلْإِشَارَةِ إلَى نَفْخَةِ الْفَزَعِ، وَبَعْدَ الْعِشَاءِ إلَى نَفْخَةِ الْمَوْتِ وَبَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إلَى نَفْخَةِ الْبَعْثِ وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْمُلْتَقَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ــ
[رد المحتار]
وَالْمِنَحِ بِالتَّثْنِيَةِ (قَوْلُهُ تُكْرَهُ) أَيْ تُكْرَهُ قِرَاءَتُهَا فَكَيْفَ التَّغَنِّي بِهَا. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: قِرَاءَةُ الْأَشْعَارِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ذِكْرُ الْفِسْقِ وَالْغُلَامِ وَنَحْوِهِ لَا تُكْرَهُ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: قِيلَ مَعْنَى الْكَرَاهَةِ فِي الشِّعْرِ أَنْ يَشْغَلَ الْإِنْسَانَ عَنْ الذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ.
وَقَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ: وَاعْلَمْ أَنَّ مَا كَانَ حَرَامًا مِنْ الشِّعْرِ مَا فِيهِ فُحْشٌ أَوْ هَجْوُ مُسْلِمٍ أَوْ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ عَلَى الصَّحَابَةِ أَوْ تَزْكِيَةُ النَّفْسِ أَوْ الْكَذِبُ أَوْ التَّفَاخُرُ الْمَذْمُومُ، أَوْ الْقَدْحُ فِي الْأَنْسَابِ، وَكَذَا مَا فِيهِ وَصْفُ أَمْرَدَ أَوْ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا إذَا كَانَا حَيَّيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَصْفُ امْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ حَيَّةٍ وَلَا وَصْفُ أَمْرَدَ مُعَيَّنٍ حَيٍّ حَسَنِ الْوَجْهِ بَيْنَ يَدَيْ الرِّجَالِ وَلَا فِي نَفْسِهِ، وَأَمَّا وَصْفُ الْمَيِّتَةِ أَوْ غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَا بَأْسَ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْأَمْرَدِ وَلَا وَصْفُ الْخَمْرِ الْمُهَيِّجِ إلَيْهَا وَالدِّيرِيَّاتِ وَالْحَانَاتِ وَالْهِجَاءِ وَلَوْ لِذِمِّيٍّ كَذَا فِي ابْنِ الْهُمَامِ وَالزَّيْلَعِيِّ. وَأَمَّا وَصْفُ الْخُدُودِ وَالْأَصْدَاغِ وَحُسْنِ الْقَدِّ وَالْقَامَةِ وَسَائِرِ أَوْصَافِ النِّسَاءِ وَالْمُرْدِ قَالَ بَعْضُهُمْ: فِيهِ نَظَرٌ، وَقَالَ فِي الْمَعَارِفِ: لَا يَلِيقُ بِأَهْلِ الدِّيَانَاتِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ إنْشَادُهُ عِنْدَ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْهَوَى وَالشَّهْوَةُ لِأَنَّهُ يُهَيِّجُهُ عَلَى إجَالَةِ فِكْرِهِ فِيمَنْ لَا يَحِلُّ، وَمَا كَانَ سَبَبًا لِمَحْظُورٍ فَهُوَ مَحْظُورٌ اهـ.
أَقُولُ: وَقَدَّمْنَا أَنَّ إنْشَادَهُ لِلِاسْتِشْهَادِ لَا يَضُرُّ وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ إنْشَادُهُ أَوْ عَمَلُهُ لِتَشْبِيهَاتٍ بَلِيغَةٍ وَاسْتِعَارَاتٍ بَدِيعَةٍ (قَوْلُهُ أَوْ لِتَغْلِيظِ الذَّنْبِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَيْ بِالنِّعْمَةِ يَعْنِي إنَّمَا أَطْلَقَ عَلَيْهِ لَفْظَ الْكُفْرِ تَغْلِيظًا اهـ ح (قَوْلُهُ وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الْمَلَاهِي ط (قَوْلُهُ ثَلَاثِ نَفَخَاتِ الصُّورِ) هِيَ طَرِيقَةٌ لِبَعْضِهِمْ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمَا نَفْخَتَانِ نَفْخَةُ الصَّعْقِ وَنَفْخَةُ الْبَعْثِ ط (قَوْلُهُ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ النَّفَخَاتِ وَالضَّرْبِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَوْقَاتِ (قَوْلُهُ فَبَعْدَ الْعَصْرِ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْمُنَاسَبَةِ فَإِنَّ النَّاسَ بَعْدَ الْعَصْرِ يَفْزَعُونَ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ إلَى مَنَازِلِهِمْ، وَبَعْدَ الْعِشَاءِ وَقْتُ نَوْمِهِمْ وَهُوَ الْمَوْتُ الْأَصْغَرُ، وَبَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ يَخْرُجُونَ مِنْ بُيُوتِهِمْ الَّتِي هِيَ كَقُبُورِهِمْ إلَى أَعْمَالِهِمْ. أَقُولُ: وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ آلَةَ اللَّهْوِ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً لِعَيْنِهَا، بَلْ لِقَصْدِ اللَّهْوِ مِنْهَا إمَّا مِنْ سَامِعِهَا أَوْ مِنْ الْمُشْتَغِلِ بِهَا وَبِهِ تُشْعِرُ الْإِضَافَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ ضَرْبَ تِلْكَ الْآلَةِ بِعَيْنِهَا حَلَّ تَارَةً وَحَرُمَ أُخْرَى بِاخْتِلَافِ النِّيَّةِ بِسَمَاعِهَا وَالْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ لِسَادَاتِنَا الصُّوفِيَّةِ الَّذِينَ يَقْصِدُونَ أُمُورًا هُمْ أَعْلَمُ بِهَا، فَلَا يُبَادِرُ الْمُعْتَرِضُ بِالْإِنْكَارِ كَيْ لَا يُحَرِّمَ بَرَكَتَهُمْ، فَإِنَّهُمْ السَّادَةُ الْأَخْيَارُ أَمَدَّنَا اللَّهُ تَعَالَى بِإِمْدَادَاتِهِمْ، وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ صَالِحِ دَعَوَاتِهِمْ وَبَرَكَاتِهِمْ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْمُلْتَقَى) حَيْثُ قَالَ بَعْدَ عَزْوِهِ مَا مَرَّ إلَى الْمَلَاعِبِ لِلْإِمَامِ الْبَزْدَوِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بُوقُ الْحَمَامِ يَجُوزُ كَضَرْبِ النَّوْبَةِ. وَعَنْ الْحَسَنِ لَا بَأْسَ بِالدُّفِّ فِي الْعُرْسِ لِيَشْتَهِرَ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ جَلَاجِلُ وَلَمْ يُضْرَبْ عَلَى هَيْئَةِ التَّطَرُّبِ اهـ.
أَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ طَبْلُ الْمُسَحِّرِ فِي رَمَضَانَ لِإِيقَاظِ النَّائِمِينَ لِلسُّحُورِ كَبُوقِ الْحَمَامِ تَأَمَّلْ.