الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَمْلِيكَ عُصْفُورٍ لِوَاجِدِهِ أَجِزْ
…
وَإِعْتَاقَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ يُنْكِرُ
وَإِنْ يَلْقَهُ مَعْ غَيْرِهِ جَازَ أَخْذُهُ
…
كَقِشْرٍ لِرُمَّانٍ رَمَاهُ الْمُقَشِّرُ
وَفِي مُعَايَاتِهَا:
وَأَيُّ حَلَالٍ لَا يَحِلُّ اصْطِيَادُهُ
…
صَيُودًا وَمَا صِيدَتْ وَلَا هِيَ تَنْفِرُ
كِتَابُ الرَّهْنِ
مُنَاسَبَتُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّهْنِ وَالصَّيْدِ سَبَبٌ لِتَحْصِيلِ الْمَالِ. (هُوَ) لُغَةً: حَبْسُ الشَّيْءِ. وَشَرْعًا (حَبْسُ شَيْءٍ مَالِيٍّ) أَيْ جَعْلُهُ مَحْبُوسًا لِأَنَّ الْحَابِسَ هُوَ الْمُرْتَهِنُ
ــ
[رد المحتار]
إلَيْهِ فَكَحَمْلِ الْهِرَّةِ لِمَيْتَةٍ جَائِزٌ شُرُنْبُلَالِيٌّ (قَوْلُهُ وَتَمْلِيكَ عُصْفُورٍ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ أَجِزْ مُقَدَّمٌ: أَيْ تَمْلِيكَهُ بِقَوْلِهِ جَعَلْته لِمَنْ أَخَذَهُ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لَهُ أَخْذُهُ مِمَّنْ أَخَذَهُ هُوَ الْمُخْتَارُ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْإِبَاحَةِ فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِهِ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْإِبَاحَةُ لِقَوْمٍ مَعْلُومِينَ خِلَافٌ (قَوْلُهُ وَإِعْتَاقَهُ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ يُنْكِرُ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ يُنْكِرُ أَنَّهُ يُجَوِّزُهُ أَكْثَرُهُمْ وَلَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْحُرْمَةُ. اهـ ش. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَقُلْ مَنْ أَخَذَهُ فَهُوَ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ عَيْنُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (قَوْلُهُ جَازَ أَخْذُهُ) أَيْ إنْ لَمْ يُبِحْهُ عِنْدَ الْإِرْسَالِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ كَقِشْرٍ لِرُمَّانٍ) تَشْبِيهٌ مِنْ حَيْثُ حِلُّ الْأَخْذِ، وَأَمَّا مِلْكُهُ وَمَنْعُ الْأَوَّلِ مِنْهُ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ. وَفِي الصَّيْدِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إذَا لَمْ يُبِحْهُ، وَكَذَا فِي الدَّابَّةِ إذَا سَيَّبَهَا كَمَا بَسَطَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ وَأَيُّ حَلَالٍ) يَعْنِي أَنَّ رَجُلًا لَيْسَ مُحْرِمًا وَلَا فِي أَرْضِ الْحَرَمِ وَرَأَى صَيْدًا لَمْ يَصِدْهُ غَيْرُهُ وَلَا نَفَرَ: أَيْ هَرَبَ مِمَّنْ هُوَ مَالِكُهُ وَلَا يَحِلُّ اصْطِيَادُهُ.
وَالْجَوَابُ: رَجُلٌ دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ فَلَمَّا رَآهُ غَلَقَ بَابَهُ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ اصْطِيَادٍ مَلَكَهُ، حَتَّى لَوْ خَرَجَ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ الْحَلَالِ اصْطِيَادُهُ أَوْ الْمُرَادُ لَا يَحِلُّ لِصَاحِبِ الدَّارِ الْحَلَالِ اصْطِيَادُهُ بِآلَةٍ جَارِحَةٍ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الرَّهْنِ]
ِ هُوَ مَشْرُوعٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]- وَبِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ بِهِ دِرْعَهُ» وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ.
وَمِنْ مَحَاسِنِهِ النَّظَرُ لِجَانِبِ الدَّائِنِ بِأَمْنِ حَقِّهِ عَنْ التَّوَى، وَلِجَانِبِ الْمَدْيُونِ بِتَقْلِيلِ خِصَامِ الدَّائِنِ لَهُ وَبِقُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ مِنْهُ إذَا عَجَزَ.
وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ فَقَطْ أَوْ هُوَ وَالْقَبُولُ كَمَا يَجِيءُ.
وَشُرُوطُهُ تَأْتِي.
وَحُكْمُهُ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ.
وَسَبَبُهُ تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرِ، وَإِنَّمَا خُصَّ بِالسَّفَرِ فِي الْآيَةِ، لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْكِتَابَةِ وَالِاسْتِشْهَادِ فَيَسْتَوْثِقُ بِالرَّهْنِ (قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً حَبْسُ الشَّيْءِ) أَيْ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ.
قَالَ تَعَالَى - {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38]- أَيْ مَحْبُوسَةٌ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَرْهُونِ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ، يُقَالُ رَهَنْتُ الرَّجُلَ شَيْئًا وَرَهَنْتُهُ عِنْدَهُ وَأَرْهَنْتُهُ لُغَةٌ فِيهِ وَالْجَمْعُ رِهَانٌ وَرُهُونٌ وَرُهُنٌ.
وَالرَّهِينُ وَالرَّهِينَةُ الرَّهْنُ أَيْضًا، وَالتَّرْكِيبُ دَالٌّ عَلَى الثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ.
وَالرَّاهِنُ: الْمَالِكُ، وَالْمُرْتَهِنُ: آخِذُ الرَّهْنِ (قَوْلُهُ أَيْ جَعْلُهُ مَحْبُوسًا) قَالَ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ: هُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ، لَمْ يَقُلْ حَبْسُ الشَّيْءِ بِحَقٍّ لِأَنَّ الْحَابِسَ هُوَ الْمُرْتَهِنُ لَا الرَّاهِنُ، بِخِلَافِ الْجَاعِلِ إيَّاهُ مَحْبُوسًا اهـ ح وَهَذَا تَعْرِيفٌ لِلرَّهْنِ التَّامِّ أَوْ اللَّازِمِ، وَإِلَّا فَفِي انْعِقَادِ الرَّهْنِ لَا يَلْزَمُ الْحَبْسُ بَلْ ذَلِكَ بِالْقَبْضِ اهـ سَعْدِيٌّ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَالْمُتَبَادِرُ أَنْ يَكُونَ الْحَبْسُ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ، فَلَوْ أُكْرِهَ الْمَالِكُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ
بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ) أَيْ أَخْذُهُ (مِنْهُ) كُلًّا أَوْ بَعْضًا كَأَنْ كَانَ قِيمَةُ الْمَرْهُونِ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ (كَالدَّيْنِ) كَافُ الِاسْتِقْصَاءِ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ الرَّهْنِ إلَّا إذَا صَارَ دَيْنًا حُكْمًا كَمَا سَيَجِيءُ (حَقِيقَةً) وَهُوَ دَيْنٌ وَاجِبٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا فَقَطْ كَثَمَنِ عَبْدٍ أَوْ خَلٍّ وُجِدَ حُرًّا أَوْ خَمْرًا (أَوْ حُكْمًا) كَالْأَعْيَانِ (الْمَضْمُونَةِ بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ)
(كَمَا سَيَجِيءُ) كَوْنُهُ.
(وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ)
حَالٌ (غَيْرُ لَازِمٍ)
ــ
[رد المحتار]
لَمْ يَكُنْ رَهْنًا كَمَا فِي الْكُبْرَى فَلَا عَلَيْهِ ذِكْرُ الْإِذْنِ كَمَا ظَنَّ اهـ.
وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ الْآتِي أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ عِمَامَةَ الْمَدْيُونِ تَكُونُ رَهْنًا إنْ رَضِيَ بِتَرْكِهَا (قَوْلُهُ بِحَقٍّ) أَيْ بِسَبَبِ حَقٍّ مَالِيٍّ وَلَوْ مَجْهُولًا.
وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ نَحْوِ الْقِصَاصِ وَالْحَدِّ وَالْيَمِينِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَدَخَلَ فِيهِ بَدَلُ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ الرَّهْنَ بِهِ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ بِهِ الْكَفَالَةُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْحَانِيَّةِ (قَوْلُهُ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ) أَيْ اسْتِيفَاءُ هَذَا الْحَقِّ مِنْهُ: أَيْ مِنْ الرَّهْنِ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ: وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا يَفْسُدُ كَالثَّلْجِ، وَعَنْ نَحْوِ الْأَمَانَةِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ.
قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة: وَأَمَّا الْخَمْرُ فَهُوَ مَالٌ أَيْضًا.
وَيُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ بِتَوْكِيلِ ذِمِّيٍّ يَبِيعُهُ أَوْ بِنَفْسِهِ إنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ اهـ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ رَهْنُهُ وَلَا ارْتِهَانُهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَإِنْ ضَمِنَهُ لِلذِّمِّيِّ كَمَا يَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا) تَمْيِيزَانِ مِنْ هَاءِ اسْتِيفَاؤُهُ الرَّاجِعَةِ إلَى الْحَقِّ الَّذِي هُوَ الدَّيْنُ اهـ ح فَهُمَا مُحَوَّلَانِ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ الْمَفْعُولُ فِي الْمَعْنَى إذْ الْأَصْلُ اسْتِيفَاءُ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، وَفِيمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ جَوَابٌ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ لَا يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ كَالدَّيْنِ) تَمْثِيلٌ لِلْحَقِّ (قَوْلُهُ كَافٍ الِاسْتِقْصَاءَ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، يَعْنِي أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلتَّمْثِيلِ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا سِوَى الدَّيْنِ، وَالدَّاعِي إلَى هَذَا جَعْلُ الْمُصَنِّفِ الدَّيْنَ شَامِلًا لِلْعَيْنِ، أَمَّا لَوْ أَطْلَقَهُ أَمْكَنَ جَعْلُ الْكَافِ لِلتَّمْثِيلِ، بِأَنْ يُرَادَ بِالدَّيْنِ الدَّيْنُ حَقِيقَةً (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ أَوْ حُكْمًا (قَوْلُهُ وَجَدَ حُرًّا أَوْ خَمْرًا) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ؛ وَكَثَمَنِ ذَبِيحَةٍ وَبَدَلِ صُلْحٍ عَنْ إنْكَارٍ وَإِنْ وُجِدَتْ مَيِّتَةً أَوْ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ، لِأَنَّ الدَّيْنَ وَجَبَ ظَاهِرًا، وَهُوَ كَافٍ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْ دَيْنٍ مَوْعُودٍ كَمَا سَيَأْتِي دُرَرٌ أَيْ فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ.
وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا شَيْءَ بِهَلَاكِهِ: كَمَا لَوْ رُهِنَ بِالْحُرِّ وَالْخَمْرِ ابْتِدَاءً.
وَنَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ رَهْنٍ فَاسِدٍ مَضْمُونٌ بِالْأَكْلِ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ.
وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ أَبُو السُّعُودِ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ كَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ) وَيُقَالُ لَهَا الْمَضْمُونَةُ بِنَفْسِهَا لِقِيَامِ الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ مَقَامَهَا كَالْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا سَيَجِيءُ.
وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَمَبِيعٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الثَّمَنُ، وَعَنْ غَيْرِ الْمَضْمُونَةِ أَصْلًا كَالْأَمَانَاتِ.
فَالرَّهْنُ بِهَذَيْنِ بَاطِلٌ وَسَمَّاهَا دَيْنًا حُكْمًا لِأَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ فِيهَا هُوَ الْقِيمَةُ أَوْ الْمِثْلُ، وَرَدُّ الْعَيْنِ مُخَلِّصٌ إنْ أَمْكَنَ رَدُّهَا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَذَلِكَ دَيْنٌ.
وَأَمَّا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْبَعْضُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ لَا تَجِبُ إلَّا بَعْدَ الْهَلَاكِ وَلَكِنَّهَا تَجِبُ عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي الْبَابِ الْآتِي
(قَوْلُهُ وَيَنْعَقِدُ بِإِيجَابٍ) كَرَهَنْتُكَ بِمَا لَكَ عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ خُذْ هَذَا الشَّيْءَ رَهْنًا بِهِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَلَفْظُ الرَّهْنِ غَيْرُ شَرْطٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَقَبُولٌ) كَارْتَهَنْتُهُ سَوَاءٌ صَدَرَ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ أَصِيلٍ أَوْ وَكِيلٍ، فَالْقَبُولُ رُكْنٌ كَالْإِيجَابِ وَإِلَيْهِ مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ فَإِنَّهُ كَالْبَيْعِ وَلِذَا لَا يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَرْهَنُ بِدُونِ الْقَبُولِ.
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ شَرْطُ صَيْرُورَةِ الْإِيجَابِ عِلَّةً لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ وَلِذَا لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ قُهُسْتَانِيٌّ، وَاقْتَصَرَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى الثَّانِي، وَنَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ بِطَرِيقِ الْعَاطِي
(قَوْلُهُ غَيْرُ لَازِمٍ) لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَسْتَوْجِبُ بِمُقَابَلَتِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ
وَحِينَئِذٍ فَلِلرَّهْنِ تَسْلِيمُهُ وَالرُّجُوعِ عَنْهُ كَمَا فِي الْهِبَةِ (فَإِذَا سَلَّمَهُ وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ) حَالَ كَوْنِهِ (مَحُوزًا) لَا مُتَفَرِّقًا كَثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ (مُفَرَّغًا) لَا مَشْغُولًا بِحَقِّ الرَّاهِنِ كَشَجَرٍ بِدُونِ الثَّمَرِ (مُمَيَّزًا) لَا مُشَاعًا وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ اتَّصَلَ الْمَرْهُونُ بِغَيْرِ الْمَرْهُونِ خِلْقَةً كَالشَّجَرِ وَسَيَتَّضِحُ (لَزِمَ) أَفَادَ أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ اللُّزُومِ كَمَا فِي الْهِبَةِ، وَصُحِّحَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ شَرْطُ الْجَوَازِ (وَالتَّخْلِيَةِ) بَيْنَ الرَّهْنِ وَالْمُرْتَهِنِ (قَبَضَ) حُكْمًا عَلَى الظَّاهِرِ (كَالْبَيْعِ) فَإِنَّهَا فِيهِ أَيْضًا قَبْضٌ
(وَهُوَ مَضْمُونٌ إذَا هَلَكَ
ــ
[رد المحتار]
شَيْئًا (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ انْعَقَدَ غَيْرُ لَازِمٍ، وَيُغْنِي عَنْهُ فَاءُ التَّفْرِيعِ كَمَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَقَبَضَهُ) أَيْ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ صَرِيحًا أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ كَأَبٍ وَوَصِيٍّ وَعَدْلٍ هِنْدِيَّةٌ مُلَخَّصًا، وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ سَاكِتٌ يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ رَهْنًا فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ حَالَ كَوْنِهِ) أَيْ الرَّهْنِ، وَهَذِهِ الْأَحْوَالُ مُتَرَادِفَةٌ أَوْ مُتَدَاخِلَةٌ عَيْنِيٌّ وَأَفَادَ بِهَا أَنَّ الرَّهْنَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ لَيْسَ بِلَازِمٍ عِنْدَ الْعَقْدِ بَلْ عِنْدَ الْقَبْضِ، فَلَوْ اتَّصَلَ أَوْ اشْتَغَلَ بِغَيْرِهِ كَانَ فَاسِدًا لَا بَاطِلًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ شَائِعًا.
وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يَكُونُ بَاطِلًا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ، فَلَوْ ارْتَفَعَ الْفَسَادُ عِنْدَ الْقَبْضِ صَارَ صَحِيحًا لَازِمًا كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ مُحَوِّزًا) مِنْ الْحَوْزِ: وَهُوَ الْجَمْعُ وَضَمُّ الشَّيْءِ قَامُوسٌ، وَانْظُرْ مَا فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ كَثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ) مِثَالٌ لِلْمُتَفَرِّقِ وَكَزَرْعٍ عَلَى أَرْضٍ أَيْ بِدُونِ الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ لِأَنَّ الثَّمَرَ وَالزَّرْعَ لَمْ يُحَازَا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِمَعْنَى أَنَّ يَدَهُ لَمْ تَحْوِهِمَا وَتَجْمَعْهُمَا إذْ لَا يُمْكِنُ حِيَازَةُ ثَمَرٍ بِدُونِ شَجَرٍ وَلَا زَرْعٍ بِدُونِ أَرْضٍ ط (قَوْلُهُ لَا مَشْغُولًا) أَمَّا الشَّاغِلُ فَرَهْنُهُ جَائِزٌ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِحَقِّ الرَّاهِنِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ كَانَ مَشْغُولًا بِمِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يُمْنَعُ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ حَمَوِيٌّ.
أَقُولُ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الشَّاغِلِ الَّذِي يَجُوزُ رَهْنُهُ بِغَيْرِ الْمُتَّصِلِ لِمَا عَلِمْتَهُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ رَهْنِ الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ وَكَذَا الْبِنَاءُ وَحْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لَا مُشَاعًا) كَنِصْفِ عَبْدٍ أَوْ دَارٍ وَلَوْ مِنْ الشَّرِيكِ، وَسَيَجِيءُ تَمَامُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا ثَبَتَ الشُّيُوعُ فِيهِ ضَرُورَةً (قَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا إلَخْ) يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَحُوزًا (قَوْلُهُ خِلْقَةً) فِي التَّقْيِيدِ بِهِ نَظَرٌ سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ وَسَيَتَّضِحُ) أَيْ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ لَزِمَ) جَوَابُ إذَا (قَوْلُهُ شَرْطُ اللُّزُومِ) مَشَى عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِمَا.
قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الْعَامَّةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا، وَمِثْلُهُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ اهـ مُلَخَّصًا.
وَفِي السَّعْدِيَّةِ أَقُولُ: سَبَقَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً» وَالْقَبْضُ لَيْسَ بِشَرْطِ الْجَوَازِ فِي الْهِبَةِ، فَلْيَكُنْ هُنَا كَذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُفَسَّرَ هُنَا أَيْضًا الْجَوَازُ بِاللُّزُومِ لَا بِالصِّحَّةِ كَمَا فَعَلُوا فِي الْهِبَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ إلَّا بِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَصُحِّحَ فِي الْمُجْتَبَى) وَكَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَالتَّخْلِيَةُ) هِيَ رَفْعُ الْمَوَانِعِ وَالتَّمْكِينُ مِنْ الْقَبْضِ (قَوْلُهُ قَبْضٌ حُكْمًا) لِأَنَّهَا تَسْلِيمٌ فَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْحُكْمُ بِالْقَبْضِ.
فَقَدْ ذَكَرَ الْغَايَةَ الَّتِي يُبْنَى عَلَيْهَا الْحُكْمُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ.
وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: الصَّوَابُ أَنَّ التَّخْلِيَةَ تَسْلِيمٌ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْمَانِعِ مِنْ الْقَبْضِ، وَهُوَ فِعْلُ الْمُسَلِّمِ دُونَ الْمُتَسَلِّمِ وَالْقَبْضُ فِعْلُ الْمُتَسَلِّمِ اهـ أَفَادَهُ فِي الْمِنَحِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَنْقُولِ إلَّا بِالنَّقْلِ هِدَايَةٌ
(قَوْلُهُ وَهُوَ مَضْمُونٌ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ مَالِيَّتَهُ مَضْمُونَةٌ، وَأَمَّا عَيْنُهُ فَأَمَانَةٌ.
قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَيَهْلِكُ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ حَتَّى يُكَفِّنَهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ حَقِيقَةً، وَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهَا لَا يَنُوبُ قَبْضُ الرَّهْنِ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ، وَإِذَا كَانَ مِلْكُهُ فَمَاتَ كَانَ كَفَنُهُ عَلَيْهِ اهـ حَمَوِيٌّ عَلَى الْأَشْبَاهِ. وَاحْتَرَزَ عَمَّا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَهُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا شَرَطَ عَدَمَ الضَّمَانِ لَوْ ضَاعَ، فَالرَّهْنُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَيَهْلِكُ بِالدَّيْنِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا،
بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ أَمَانَةٌ (وَالْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ) لَا يَوْمَ الْهَلَاكِ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْأَشْبَاهِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَنْقُولِ كَمَا حَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ.
(الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِقْدَارَ) أَيْ مِقْدَارَ مَا يُرِيدُ أَخْذَهُ مِنْ الدَّيْنِ (لَيْسَ بِمَضْمُونٍ فِي الْأَصَحِّ)
ــ
[رد المحتار]
وَشَمِلَ مَا لَوْ نَقَصَ بِعَيْبٍ.
فَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: لَوْ رَهَنَا قِنًّا فَأَبَقَ سَقَطَ الرَّهْنُ، فَلَوْ وَجَدَهُ عَادَ رَهْنًا وَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ لَوْ كَانَ أَوَّلَ إبَاقِهِ وَإِلَّا فَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ اهـ وَسَيَجِيءُ آخِرَ الرَّهْنِ، وَشَمِلَ الرَّهْنَ الْفَاسِدَ أَيْضًا فَإِنَّهُ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الصَّحِيحِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي آخِرِ الرَّهْنِ.
[تَنْبِيهٌ] ذُكِرَ فِي الْفَصْلِ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْعِمَادِيَّةِ: لَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ وَهَلَكَ أَحَدُهُمَا وَقِيمَةُ الْهَالِكِ أَكْثَرُ مِنْ الدَّيْنِ لَا يَسْقُطُ كُلُّ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ بَلْ يُقَوَّمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْحَيِّ وَقِيمَةِ الْهَالِكِ، فَمَا أَصَابَ الْهَالِكَ يَسْقُطُ، وَمَا أَصَابَ الْبَاقِي يَبْقَى، وَكَذَا إذَا رَهَنَ دَارًا بِأَلْفٍ وَخَرِبَتْ يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَقِيمَةِ الْعَرْصَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، فَمَا أَصَابَ الْبِنَاءَ يَسْقُطُ، وَمَا أَصَابَ الْعَرْصَةَ يَبْقَى كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ اهـ.
وَبَيَانُهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة: رَهَنَ فَرْوًا قِيمَتُهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَأَكَلَهُ السُّوسُ فَصَارَ قِيمَتُهُ عَشَرَةً فَإِنَّهُ يَفْتَكُّهُ بِدِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ اهـ أَيْ لِأَنَّ الْهَالِكَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الرَّهْنِ فَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَلْيُحْفَظْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ.
وَسَيُذْكَرُ آخِرَ الْبَابِ الْآتِي: لَوْ ذَهَبَتْ عَيْنُ الدَّابَّةِ يَسْقُطُ رُبْعُ الدَّيْنِ وَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَسَيَأْتِي أَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْعَيْنِ وَأَنَّ نَمَاءَ الرَّهْنِ الَّذِي صَارَ رَهْنًا تَبَعًا يَهْلِكُ مَجَّانًا إلَّا إذَا هَلَكَ بَعْدَ هَلَاكِ الْأَصْلِ، وَيَأْتِي بَيَانُ الْجَمِيعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيُّ بِأَقَلَّ بِدُونِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ خَطَأٌ، وَاعْتُبِرَ هَذَا بِقَوْلِ الرَّجُلِ مَرَرْت بِأَعْلَمَ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو يَكُونُ الْأَعْلَمُ غَيْرَهُمَا، وَلَوْ كَانَ بِالْأَعْلَمِ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو يَكُونُ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَكَلِمَةُ مِنْ لِلتَّمْيِيزِ اهـ.
وَقَالَ فِي الْمُوَصَّلِ شَرْحِ الْمُفَصَّلِ: إنَّ مِنْ هَذِهِ لَيْسَتْ " مِنْ " التَّفْضِيلِيَّةَ الَّتِي لَا تُجَامِعُ اللَّامَ وَإِنَّمَا هِيَ " مِنْ " التَّبْيِينِيَّةُ فِي قَوْلِكَ أَنْتَ الْأَفْضَلُ مِنْ قُرَيْشٍ كَمَا تَقُولُ أَنْتَ مِنْ قُرَيْشٍ اهـ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا الَّذِي هُوَ أَحَدُهُمَا، وَلَوْ قِيلَ بِأَقَلَّ مُنْكِرًا اقْتَضَى أَنَّهُ يَضْمَنُ بِشَيْءٍ ثَالِثٍ غَيْرِهِمَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُمَا وَلَيْسَ بِمُرَادٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَيْ بِدَيْنٍ أَوْ بِقِيمَةٍ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ مِنْ الدَّيْنِ مُرَتَّبًا، فَكَلِمَةُ مِنْ تَفْضِيلِيَّةٌ وَالْمُفَضَّلُ الدَّيْنُ أَوَّلًا وَالْقِيمَةُ ثَانِيًا وَالْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ بِالْعَكْسِ اهـ.
فَالْمَعْنَى بِدَيْنٍ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ بِقِيمَةٍ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ أَمَانَةٌ) أَيْ كُلُّهُ لَهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِهِ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَحُكْمُ الرَّهْنِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْعَدْلِ يُنْظَرُ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَإِلَى الدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ سَقَطَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ إلَخْ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ هَلَكَ بِاسْتِهْلَاكِهِ وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ.
زَادَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: وَالْقَوْلُ فِيهَا لِلْمُرْتَهِنِ وَالْبَيِّنَةُ لِلرَّاهِنِ (قَوْلُهُ لَا يَوْمَ الْهَلَاكِ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْأَشْبَاهِ) أَيْ فِي بَحْثِ ثَمَنِ الْمِثْلِ مِنْ الْفَنِّ الثَّالِثِ.
أَقُولُ: يُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْأَشْبَاهِ عَلَى مَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ، وَلِذَا قَالَ الرَّمْلِيِّ بَعْدَ كَلَامٍ: وَأَنْتَ إذَا أَمْعَنْتَ النَّظَرَ ظَهَرَ لَكَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، فَقَطَعْت فِي صُورَةِ الْهَلَاكِ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَفِي صُورَةِ الِاسْتِهْلَاكِ يَوْمَ الْهَلَاكِ لِوُرُودِهِ عَلَى الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ اهـ
(قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِقْدَارَ) أَمَّا لَوْ بَيَّنَ يَكُونُ مَضْمُونًا.
كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْأَشْبَاهِ (فَإِنْ) هَلَكَ وَ (سَاوَتْ قِيمَتُهُ الدَّيْنَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا) دَيْنَهُ (حُكْمًا، أَوْ زَادَتْ كَانَ الْفَضْلُ أَمَانَةً) فَيَضْمَنُ بِالتَّعَدِّي (أَوْ نَقَصَتْ سَقَطَ بِقَدْرِهِ وَرَجَعَ) الْمُرْتَهِنُ (بِالْفَضْلِ) لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ بِقَدْرِ الْمَالِيَّةِ (وَضَمِنَ) الْمُرْتَهِنُ (بِدَعْوَى الْهَلَاكِ بِلَا بُرْهَانٍ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَمْوَالٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ بَاطِنَةٍ، وَخَصَّهُ مَالِكٌ بِالْبَاطِنَةِ (وَلَهُ طَلَبُ دَيْنِهِ مِنْ رَاهِنِهِ، وَلَهُ حَبْسُهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ لِأَنَّ) الْحَبْسَ جَزَاءُ مَطْلِهِ (وَلَهُ حَبْسُ رَهْنِهِ بَعْدَ الْفَسْخِ) لِلْعَقْدِ (حَتَّى يَقْبِضَ دَيْنَهُ أَوْ يُبْرِئَهُ) لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الْفَسْخِ بَلْ يَبْقَى رَهْنًا مَا بَقِيَ الْقَبْضُ وَالدَّيْنُ مَعًا
ــ
[رد المحتار]
وَصُورَتُهُ: أَخْذُ الرَّهْنِ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ كَذَا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْرِضَهُ هَلَكَ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا سُمِّيَ لَهُ مِنْ الْقَرْضِ، لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِسَوْمِ الرَّهْنِ وَالْمَقْبُوضُ بِسَوْمِ الرَّهْنِ كَالْمَقْبُوضِ بِسَوْمِ الشِّرَاءِ إذَا هَلَكَ فِي الْمُسَاوَمَةِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ) وَنَصُّهَا: الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ إذَا لَمْ يُبَيَّنْ الْمِقْدَارُ الَّذِي بِهِ رَهْنُهُ وَلَيْسَ فِيهِ دَيْنٌ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُعْطِيهِ الْمُرْتَهَنَ وَمَا شَاءَ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ: لَا أَسْتَحْسِنُ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا ضَاعَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ اهـ.
أَقُولُ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الرَّهْنِ بِدَيْنٍ مَوْعُودٍ، وَسَيَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ الْآتِي أَيْضًا (قَوْلُهُ فَإِنْ هَلَكَ إلَخْ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ مَا قَبْلَهُ ط.
وَبَيَانُ ذَلِكَ إذَا رَهَنَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ سَقَطَ دَيْنُهُ، وَلَوْ قِيمَتُهُ خَمْسَةً رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِخَمْسَةٍ أُخْرَى، وَلَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَالْفَضْلُ أَمَانَةُ كِفَايَةٍ، وَأَطْلَقَ الْهَلَاكَ فَشَمِلَ مَا لَوْ كَانَ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَيَسْتَرِدُّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْهَلَاكِ أَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ السَّابِقِ بَزَّازِيَّةٌ وَغَيْرُهَا، وَيَأْتِي آخِرَ الرَّهْنِ (قَوْلُهُ يَضْمَنُ بِالتَّعَدِّي) فَلَوْ رَهَنَ ثَوْبًا يُسَاوِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةٍ فَلَبِسَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ فَانْتَقَصَ سِتَّةً ثُمَّ لَبِسَهُ بِلَا إذْنٍ فَانْتَقَصَ أَرْبَعَةً ثُمَّ هَلَكَ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ مِنْ دَيْنِهِ وَيَسْقُطُ تِسْعَةٌ لِأَنَّ الثَّوْبَ يَوْمَ الرَّهْنِ كَانَ نِصْفُهُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ وَنِصْفُهُ أَمَانَةً، وَمَا انْتَقَصَ بِلُبْسِهِ بِالْإِذْنِ وَهُوَ سِتَّةٌ لَا يُضْمَنُ، وَمَا انْتَقَصَ بِلَا إذْنٍ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ يُضْمَنُ وَيَصِيرُ قِصَاصًا بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّيْنِ، فَإِذَا هَلَكَ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ نِصْفُهُ مَضْمُونٌ وَنِصْفُهُ أَمَانَةٌ فَبِقَدْرِ الْمَضْمُونِ يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ وَيَبْقَى لَهُ دِرْهَمٌ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ ظَهِيرِيَّةٌ وَخَانِيَّةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَضَمِنَ بِدَعْوَى الْهَلَاكِ بِلَا بُرْهَانٍ) كَذَا فِي الدُّرَرِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ الْمَلَكِيِّ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ بِلَا بُرْهَانٍ، وَأَنَّهُ بِإِقَامَتِهِ يَنْتَفِي الضَّمَانُ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ.
أَمَّا مَذْهَبُنَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ ثُبُوتِ الْهَلَاكِ بِقَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ أَوْ بِالْبُرْهَانِ، وَهُوَ فِي الصُّورَتَيْنِ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْحَقَائِقِ، وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ الْحَلَبِيِّ، وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى الْكَازَرُونِي وَفِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ.
وَقَدْ زَلَّ قَدَمُ الْعَلَّامَةِ الرَّمْلِيِّ فِي ذَلِكَ تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ هُنَا، فَأَفْتَى بِضَمَانِ الْقِيمَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي فَتَاوَاهُ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْضًا فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ.
وَمِمَّنْ رَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الرَّحِيمِيَّةِ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فَقَالَ: هَذَا مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ رَأْسًا وَاحِدًا وَالرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ أَحَقُّ (قَوْلُهُ ظَاهِرَةٍ) كَالْحَيَوَانِ وَالْعَبِيدِ وَالْعَقَارِ أَوْ بَاطِنَةٍ كَالنَّقْدَيْنِ وَالْحُلِيِّ وَالْعُرُوضِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَخَصَّهُ مَالِكٌ بِالْبَاطِنَةِ) أَيْ خَصَّ الضَّمَانَ بِالْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ لِلتُّهْمَةِ غُرَرُ الْأَفْكَارِ (قَوْلُهُ وَلَهُ حَبْسُهُ بِهِ) أَيْ حَبْسُ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ (قَوْلُهُ لِلْعَقْدِ) أَيْ عَقْدُ الرَّهْنِ (قَوْلُهُ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الْفَسْخِ) بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ رَدِّهِ عَلَى الرَّاهِنِ (قَوْلُهُ بَلْ يَبْقَى عَلَى الرَّهْنِ رَهْنًا) أَيْ مَضْمُونًا، فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ سَقَطَ الدَّيْنُ إذَا كَانَ بِهِ وَفَاءٌ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ مَا بَقِيَ الْقَبْضُ وَالدَّيْنُ مَعًا) أَيْ قَبْضُ الرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَالدِّينُ فِي ذِمَّةِ
فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْقَ رَهْنًا زَيْلَعِيٌّ وَدُرَرٌ وَغَيْرُهُمَا
(لَا انْتِفَاعَ بِهِ مُطْلَقًا) لَا بِاسْتِخْدَامٍ، وَلَا سُكْنَى وَلَا لُبْسٍ وَلَا إجَارَةٍ وَلَا إعَارَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مُرْتَهِنٍ أَوْ رَاهِنٍ (إلَّا بِإِذْنِ) كُلٍّ لِلْآخَرِ، وَقِيلَ لَا يَحِلُّ لِلْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ رِبًا، وَقِيلَ إنْ شَرَطَهُ كَانَ رِبًا وَإِلَّا لَا.
وَفِي الْأَشْبَاهِ وَالْجَوَاهِرِ: أَبَاحَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أَكْلَ الثِّمَارِ أَوْ سُكْنَى الدَّارِ أَوْ لَبَنِ الشَّاةِ الْمَرْهُونَةِ فَأَكَلَهَا
ــ
[رد المحتار]
الرَّاهِنِ وانى (قَوْلُهُ فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا) بِأَنْ رَدَّ الرَّهْنَ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ لَمْ يَبْقَ رَهْنًا فَيَسْقُطُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ إذَا كَانَتْ ذَاتَ وَصْفَيْنِ يُعْدَمُ الْحُكْمُ بِعَدَمِ أَحَدِهِمَا.
وَيُرَدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَبَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَيَضْمَنُ وَيَسْتَرِدُّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي، وَجَوَابُهُ مَعَ مَا فِيهِ فِي الْعِنَايَةِ
(قَوْلُهُ وَلَا إجَارَةَ) فَلَوْ أَجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ بِلَا إذْنٍ فَالْأُجْرَةُ لَهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ آخِرَ الرَّهْنِ مَعَ بَقِيَّةِ فُرُوعِهِ (قَوْلُهُ وَلَا إعَارَةَ) سَيَذْكُرُ فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ أَحْكَامَ إعَارَتِهِ مِنْ الرَّاهِنِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِإِذْنٍ أَوْ بِدُونِهِ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَ) أَيْ الِانْتِفَاعُ (قَوْلُهُ مِنْ مُرْتَهِنٍ أَوْ رَاهِنٍ) الْأَوَّلُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي عَامَّةِ الْمُتُونِ، وَالثَّانِي صُرِّحَ بِهِ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَشَرْحِ الزَّاهِدِيِّ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فَعِنْدَهُ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِغَيْرِ الْوَطْءِ، وَالْأَوَّلُ لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ.
بَقِيَ لَوْ سَكَنَ فِي دَارِ الرَّهْنِ هَلْ تَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ؟ أَجَابَ فِي الْخَيْرِيَّةِ أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ مُطْلَقًا أَذِنَ الرَّاهِنُ أَوْ لَا مُعَدَّةً لِلِاسْتِغْلَالِ أَوْ لَا، وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
وَأَجَابَ فِي الْخَيْرِيَّةِ بِذَلِكَ أَيْضًا لَوْ كَانَتْ لِيَتِيمٍ، وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ آخِرَ الْغَصْبِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ إلَّا بِإِذْنٍ) فَإِذَا انْتَفَعَ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَهَلَكَ الرَّهْنُ حَالَةَ اسْتِعْمَالِهِ يَهْلِكُ أَمَانَةً بِلَا خِلَافٍ، أَمَّا قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ أَوْ بَعْدَهُ يَهْلِكُ بِالدَّيْنِ، وَلَوْ كَانَ أَمَةً لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا لِأَنَّ الْفَرْجَ أَشَدُّ حُرْمَةً، لَكِنْ لَا يُحَدُّ بَلْ يَجِبُ الْعُقْرُ عِنْدَنَا مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَحِلُّ لِلْمُرْتَهِنِ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ السَّمَرْقَنْدِيِّ وَكَانَ مِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ سَمَرْقَنْدَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ، لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الرِّبَا لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي دَيْنَهُ كَامِلًا فَتَبْقَى لَهُ الْمَنْفَعَةُ فَضْلًا فَيَكُونُ رِبًا، وَهَذَا أَمْرٌ عَظِيمٌ.
قُلْت: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ مِنْ أَنَّهُ يَحِلُّ بِالْإِذْنِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الدِّيَانَةِ، وَمَا فِي الْمُعْتَبَرَاتِ عَلَى الْحُكْمِ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى: إذَا كَانَ مَشْرُوطًا صَارَ قَرْضًا فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَهُوَ رِبًا وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ اهـ مَا فِي الْمِنَحِ مُلَخَّصًا وَأَقَرَّهُ ابْنُهُ الشَّيْخُ صَالِحٌ.
وَتَعَقَّبَهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّ مَا كَانَ رِبًا لَا يَظْهَرُ فِيهِ فَرْقٌ بَيْنَ الدِّيَانَةِ وَالْقَضَاءِ.
عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّوْفِيقِ بَعْدُ لِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ: أَيْ مِنْ أَنَّهُ يُبَاحُ.
أَقُولُ: مَا فِي الْجَوَاهِرِ يَصْلُحُ لِلتَّوْفِيقِ وَهُوَ وَجِيهٌ، وَذَكَرُوا نَظِيرَهُ فِيمَا لَوْ أَهْدَى الْمُسْتَقْرِضُ لِلْمُقْرِضِ، إنْ كَانَتْ بِشَرْطٍ كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا، وَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْجَوَاهِرِ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ لَا يَضْمَنُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِرِبًا، لِأَنَّ الرِّبَا مَضْمُونٌ فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوطِ وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْمَشْرُوطِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي آخِرَ الرَّهْنِ إنَّ التَّعْلِيلَ بِأَنَّهُ رِبًا يُفِيدُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ فَتَأَمَّلْ. وَإِذَا كَانَ مَشْرُوطًا ضَمِنَ كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْخَيْرِيَّةِ فِيمَنْ رَهَنَ شَجَرَ زَيْتُونٍ عَلَى أَنْ يَأْكُلَ الْمُرْتَهِنُ ثَمَرَتَهُ نَظِيرَ صَبْرِهِ بِالدَّيْنِ.
قَالَ ط: قُلْتُ وَالْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُرِيدُونَ عِنْدَ الدَّفْعِ الِانْتِفَاعَ، وَلَوْلَاهُ لَمَا أَعْطَاهُ الدَّرَاهِمَ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ وَهُوَ مِمَّا يُعَيِّنُ الْمَنْعَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ.
[فَائِدَةٌ] قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَا نَصُّهُ: وَلَوْ اسْتَقْرَضَ دَرَاهِمَ وَسَلَّمَ حِمَارَهُ إلَى الْمُقْرِضِ لِيَسْتَعْمِلَهُ إلَى شَهْرَيْنِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ دَيْنَهُ أَوْ دَارِهِ لِيَسْكُنَهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، إنْ اسْتَعْمَلَهُ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَا يَكُونُ رَهْنًا اهـ.
وَقَدَّمْنَاهُ فِي الْإِجَارَاتِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ فَأَكَلَهَا) سَيَأْتِي آخِرَ الرَّهْنِ عَنْ فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْأَكْلَ يَشْمَلُ أَكْلَ ثَمَنِهَا
لَمْ يَضْمَنْ وَلَهُ مَنْعُهُ، ثُمَّ أَفَادَ فِي الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِذَلِكَ، وَسَيَجِيءُ آخِرَ الرَّهْنِ.
(مَاتَتْ الشَّاةُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قُسِّمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الشَّاةِ وَلَبَنِهَا الَّذِي شَرِبَهُ، فَحَظُّ الشَّاةِ يَسْقُطُ وَحَظُّ اللَّبَنِ يَأْخُذُهُ الْمُرْتَهِنِ، فَلَوْ فَعَلَ) الِانْتِفَاعَ قَبْلَ إذْنِهِ (صَارَ مُتَعَدِّيًا وَلَمْ يَبْطُلْ) الرَّهْنُ (بِهِ) .
(وَإِذَا طَلَبَ) الْمُرْتَهِنُ (دَيْنَهُ أَمَرَ بِإِحْضَارِ رَهْنِهِ) لِئَلَّا يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا مَرَّتَيْنِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ حَمْلٌ أَوْ عِنْدَ الْعَدْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُ شَرْحُ مَجْمَعٍ (فَإِنْ أَحْضَرَ سَلَّمَ) لَهُ (كُلَّ دَيْنِهِ أَوَّلًا ثُمَّ) سَلَّمَ الْمُرْتَهِنُ (رَهْنَهُ) تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ (وَإِنْ طَلَبَ) دَيْنَهُ (فِي غَيْرِ بَلَدِ الْعَقْدِ) لِلرَّهْنِ (فَكَذَلِكَ) الْحُكْمُ (إنْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّهْنِ مُؤْنَةٌ، وَإِنْ كَانَ) لِحِمْلِهِ مُؤْنَةٌ (سَلَّمَ دَيْنَهُ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى التَّخْلِيَةِ لَا النَّقْلِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان.
وَنَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إحْضَارِهِ أَصْلًا مَعَ قِيَامِهِ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ اهـ فَلْيُحْفَظْ (وَ) لَكِنْ (لِلرَّاهِنِ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ قُنْيَةٌ يَعْنِي إذَا لَمْ يَهْلِكْ الْأَصْلُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ هَذَا الْبَحْثُ بِزِيَادَةِ بَيَانٍ (قَوْلُهُ مَاتَتْ الشَّاةُ إلَخْ) يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَتْنًا وَسَقَطَ مِنْ بَعْضِهَا وَلَمْ يَكْتُبْ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ الَّذِي شَرِبَهُ) أَيْ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ وَحَظُّ اللَّبَنِ يَأْخُذُهُ الْمُرْتَهِنُ) أَيْ يَأْخُذُهُ مِنْ الرَّاهِنِ، لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ نَمَاءَ الرَّهْنِ رَهْنٌ مَعَ الْأَصْلِ وَلِمَا أَتْلَفَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ صَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ أَتْلَفَهُ فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَكَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الدَّيْنِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا آنِفًا يَعْنِي إذَا لَمْ يَهْلِكْ الْأَصْلُ، وَسَيَأْتِي تَمَامُ بَيَانِ ذَلِكَ آخِرَ الرَّهْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ صَارَ مُتَعَدِّيًا) فَيَضْمَنُهُ كَالْغَصْبِ، وَلَوْ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ عَادَ رَهْنًا وَيَأْتِي تَمَامُهُ
(قَوْلُهُ لِئَلَّا يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا مَرَّتَيْنِ) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ هَلَاكِ الرَّهْنِ.
قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: فَإِنَّهُ لَوْ أَمَرَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ الْإِحْضَارِ فَرُبَّمَا يَهْلِكُ الرَّهْنُ أَوْ كَانَ هَالِكًا فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ مَرَّتَيْنِ اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ حِمْلٌ) لِأَنَّهُ عَاجِزٌ شَرْحُ مَجْمَعٍ: أَيْ عَاجِزٌ حُكْمًا بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْمُؤْنَةِ.
وَنَقَلَ الشَّلَبِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي بَلَدِ الرَّهْنِ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهِ مُطْلَقًا، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَكَذَا، وَإِنْ كَانَ لَهُ حِمْلٌ لَا يُؤْمَرُ، وَحَمَلَ ط مَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَلَيْهِ.
أَقُولُ: هَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّخْلِيَةُ لَا النَّقْلُ كَمَا يَأْتِي عَلَى أَنَّهُ يُخَالِفُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: إنْ لَمْ يَلْحَقْهُ مُؤْنَةٌ فِي الْإِحْضَارِ يُؤْمَرُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَلْحَقُهُ مُؤْنَةٌ بِأَنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يُؤْمَرُ بِهِ اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ: الْأَصْلُ أَنَّهُ إنْ قَدَرَ عَلَى إحْضَارِهِ بِلَا مُؤْنَةٍ فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْقَضَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَصْلًا مَعَ قِيَامِ الرَّهْنِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا بِمُؤْنَةٍ فَلَا.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ وَإِنْ لَقِيَهُ فِي بَلَدِ الرَّهْنِ، وَالرَّهْنُ جَارِيَةٌ أُمِرَ بِإِحْضَارِهَا لِقُدْرَتِهِ بِلَا مُؤْنَةٍ، وَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِيمَا يَلْحَقُهُ مُؤْنَةٌ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ اهـ مُلَخَّصًا فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ أَوْ عِنْدَ الْعَدْلِ) سَيَأْتِي مَتْنًا قَرِيبًا (قَوْلُهُ ثُمَّ سَلَّمَ الْمُرْتَهِنُ رَهْنَهُ) فَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ اسْتَرَدَّ الرَّاهِنُ مَا قَضَاهُ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا عِنْدَ الْهَلَاكِ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ، فَكَانَ الثَّانِي اسْتِيفَاءً بَعْدَ اسْتِيفَاءٍ فَيَجِبُ رَدُّهُ هِدَايَةٌ، وَسَيَأْتِي آخِرَ الرَّهْنِ (قَوْلُهُ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ) أَيْ فِي تَعْيِينِ حَقِّ كُلٍّ.
قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ عَيَّنَ حَقَّ الرَّاهِنِ فَيَجِبُ عَلَى الرَّاهِنِ تَعْيِينُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ إلَّا أَنَّ تَعْيِينَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا يَقَعُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ لِيَحْصُلَ التَّعْيِينُ اهـ فَهُوَ تَعْلِيلٌ لِوُجُوبِ تَسْلِيمِ الدَّيْنِ أَوَّلًا.
وَأَمَّا عِلَّةُ الْإِحْضَارِ فَقَدْ مَرَّتْ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ لِئَلَّا يَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا مَرَّتَيْنِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لِلرَّهْنِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْعَقْدِ (قَوْلُهُ مَعَ قِيَامِهِ) أَيْ قِيَامِ الرَّهْنِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا لَمْ يُقَدِّرْ لِهَلَاكِهِ (قَوْلُهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ) أَيْ كَمَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ إلَّا بِمُؤْنَةٍ تَلْحَقُهُ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ لِلرَّاهِنِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهُ، وَقَوْلُهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَهُوَ تَقْيِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ تُفِيدُهُ وَإِنَّمَا أَتَى بِلَكِنْ مُتَابَعَةً لِعِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ وَالْكِفَايَةِ وَغَيْرِهِمَا فَافْهَمْ.
أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا هَلَكَ) وَهَذَا كُلُّهُ إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يَدَّعِ فَلَا فَائِدَةَ فِي إحْضَارِهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ كُلِّ نَجْمٍ حَلَّ كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَقَالَ نَظْمًا:
وَلَا دَفْعَ مَا لَمْ يُحْضِرْ الرَّهْنَ أَوْ يَكُنْ
…
بِغَيْرِ مَكَانِ الْعَقْدِ وَالْحَمْلُ يَعْسُرُ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ) أَيْ عَلَى الْبَتَاتِ لِأَنَّهُ تَحْلِيفٌ عَلَى الْهَلَاكِ فِي يَدِهِ ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ كُلِّ نَجْمٍ حَلَّ) أَيْ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مُقَسَّطًا فَحَلَّ قِسْطٌ.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَكَمَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ إحْضَارَ الرَّهْنِ لِاسْتِيفَاءِ كُلِّ الدَّيْنِ يُكَلَّفُ لِاسْتِيفَاءِ نَجْمٍ قَدْ حَلَّ، هَذَا إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْإِحْضَارِ لِيَظْهَرَ حَالُهُ فَيَأْمُرُهُ بِهِ إنْ كَانَ فِي بَلَدِ الرَّهْنِ.
أَمَّا إذَا لَمْ يَدَّعِ هَلَاكَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إحْضَارِهِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ اهـ مُلَخَّصًا، وَمِثْلُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ.
وَاعْتَرَضَهُ الْعَلَامَةُ الطَّرَسُوسِيُّ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِقَوْلِهِ هَذَا إذَا ادَّعَى الرَّاهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ إلَخْ مِنْ عِنْدِهِ لَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الِاحْتِيَاطِ فِي الْقَضَاءِ، بَلْ يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِإِحْضَارِهِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الرَّاهِنُ الْهَلَاكَ لِئَلَّا يَصِيرَ قَاضِيًا بِالِاسْتِيفَاءِ مَرَّتَيْنِ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الرَّاهِنُ عَلَى بَقَائِهِ، وَأَقَرَّهُ ابْنُ وَهْبَانَ فَقَالَ: تَتَبَّعْتُ مَا عِنْدِي مِنْ الْكُتُبِ فَلَمْ أَجِدْ هَذَا الْقَيْدَ، وَعِبَارَاتُهُمْ تُفِيدُ صِحَّةَ مَا ذَكَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي صِحَّةَ مَا فِي النِّهَايَةِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْهَلَاكِ وَطَلَبُ إحْضَارِ الْمَرْهُونِ حَقُّ الرَّاهِنِ فَإِذَا لَمْ يَطْلُبْهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ جَبْرُ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ وَالتَّحْلِيفُ عَلَى عَدَمِ الْهَلَاكِ فِيمَا لَوْ كَانَ لِلرَّهْنِ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ كَالْأَمْرِ بِالْإِحْضَارِ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ: ثُمَّ حَرَّرَ ابْنُ الشِّحْنَةِ الْمَسْأَلَةَ وَاخْتَارَ تَفْصِيلًا فِيهَا وَهُوَ لُزُومُ الْإِحْضَارِ مُطْلَقًا فِي مَسْأَلَةِ قَضَاءِ الدَّيْنِ بِتَمَامِهِ لِلتَّعْلِيلِ الْمَارِّ.
وَأَمَّا فِي قَضَاءِ نَجْمٍ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا بِدَعْوَى الرَّاهِنِ الْهَلَاكَ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ نَجْمٌ مِنْهُ لَا يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِجَمِيعِ الْحَقِّ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى إحْضَارِ جَمِيعِ الرَّهْنِ لَكِنْ بِدَعْوَى الْهَلَاكِ تَوَجَّهَ الطَّلَبُ فَيَلْزَمُ الْإِحْضَارُ ثُمَّ إنَّ التَّحْلِيفَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ اهـ مُلَخَّصًا.
وَقَدْ أُورِدَ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي نَظْمِهِ الْآتِي: قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: وَقَدْ فَهِمَ الشَّارِحُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي فِيمَا إذَا أَرَادَ وَفَاءَ نَجْمٍ فَقَطْ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُسَلِّمٍ لِمَا عَلِمْتَهُ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ الْمُوَافِقِ لِكَلَامِ النِّهَايَةِ اهـ.
وَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ أَسْتَعِينُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْحَقَّ مَعَ صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَأَنَّ الْقَيْدَ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا فَهِمَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ، فَلَا يَلْزَمُ الْقَاضِي أَمْرَ الْمُرْتَهِنِ بِالْإِحْضَارِ إلَّا إذَا طَلَبَهُ الرَّاهِنُ وَادَّعَى الْهَلَاكَ لِأَنَّهُ حَقُّهُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي الذَّخِيرَةِ قَيَّدَ التَّحْلِيفَ عَلَى عَدَمِ الْهَلَاكِ بِطَلَبِ الرَّاهِنِ وَتَبِعَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ وَمِثْلُهُ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَإِنْ ادَّعَى أَيْ الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ يَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى قِيَامِهِ، فَإِذَا حَلَفَ أُمِرَ: أَيْ الرَّاهِنُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ اهـ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِصُورَةِ وَفَاءِ الدَّيْنِ بِتَمَامِهِ أَوْ وَفَاءِ نَجْمٍ مِنْهُ، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا مَرَّ اسْتِوَاءَ الْأَمْرِ بِالْإِحْضَارِ وَالتَّحْلِيفِ وَجَرَيَانِ النِّزَاعِ فِيهِمَا، فَحَيْثُ كَانَ الْمَنْقُولُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي تَحْلِيفُهُ إلَّا بِطَلَبِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَكَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِالْإِحْضَارِ إلَّا بِالطَّلَبِ مُطْلَقًا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ) الَّذِي حَرَّرَهُ هُوَ التَّفْصِيلُ كَمَا عَلِمْتُهُ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَلَا دَفْعَ إلَخْ) أَيْ لَا يَدْفَعُ الرَّاهِنُ الدَّيْنَ بِتَمَامِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الرَّاهِنُ الْهَلَاكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ بَلَدِ الرَّهْنِ وَلِحَمْلِهِ مُؤْنَةً فَيَدْفَعُ الدَّيْنَ، وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُرْتَهِنِ عَلَى عَدَمِ الْهَلَاكِ، قَوْلُهُ كَذَا النَّجْمُ: أَيْ لَا يَدْفَعُ نَجْمًا حَلَّ مَا لَمْ يُحْضِرْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْهَلَاكَ، وَحِينَئِذٍ فَحُكْمُ النَّجْمِ وَالدَّيْنِ بِتَمَامِهِ سَوَاءٌ، وَهَذَا عَلَى غَيْرِ مَا فِي النِّهَايَةِ: أَمَّا عَلَى مَا فِيهَا فَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِي النَّجْمِ لَا يُؤْمَرُ الْمُرْتَهِنُ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ بِدُونِ دَعْوَى الْمَدْيُونِ الْهَلَاكَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا إلَى آخِرِهِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ كَذَا النَّجْمُ، وَالْمَنْفِيُّ بِلَا مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَضْمُونُ الْكَلَامِ قَبْلَهُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ مَا لَمْ يُحْضِرْ الرَّهْنَ يُفِيدُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِحْضَارِ: أَيْ وَلَا يُؤْمَرُ الْمُرْتَهِنُ فِي صُورَةِ النَّجْمِ بِالْإِحْضَارِ إلَّا بِدَعْوَى الرَّاهِنِ الْهَلَاكَ، هَذَا تَقْرِيرُ النَّظْمِ عَلَى مَا فَهِمَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ مِنْ إرْجَاعِ التَّقْيِيدِ بِدَعْوَى الْهَلَاكِ فِي كَلَامِ النِّهَايَةِ إلَى مَسْأَلَةِ النَّجْمِ فَقَطْ، وَادِّعَاءِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ (قَوْلُهُ أَوْ يَكُنْ إلَخْ) هَذَا يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّلَبِيِّ مِنْ التَّفْصِيلِ ط.
قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَأَوْ هُنَا
كَذَا النَّجْمُ أَوَّلًا دُونَ دَعْوَى مَدِينِهْ
…
هَلَاكًا وَهَذَا فِي النِّهَايَةِ يُذْكَرُ
(وَلَا يُكَلَّفُ مُرْتَهِنٌ) قَدْ (طَلَبَ دَيْنَهُ إحْضَارَ رَهْنٍ قَدْ وُضِعَ عِنْدَ الْعَدْلِ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ وَلَا) إحْضَارَ (ثَمَنِ رَهْنٍ بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ بِأَمْرِهِ) أَيْ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ (حَتَّى يَقْبِضَهُ) لِإِذْنِهِ بِذَلِكَ (وَ) حِينَئِذٍ فَ (إذَا قَبَضَهُ) أَيْ الثَّمَنَ (يُكَلَّفُ إحْضَارَهُ) لِقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَ الْمُبْدَلِ
(وَلَا) يُكَلَّفُ (مُرْتَهِنٌ مَعَهُ رَهْنُهُ تَمْكِينُ الرَّاهِنِ مِنْ بَيْعِهِ لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ) بِثَمَنِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ الْحَبْسُ الدَّائِمُ حَتَّى يَقْبِضَ دَيْنَهُ
(وَلَا) يُكَلَّفُ (مَنْ قُضِيَ بَعْضُ دَيْنِهِ) أَوْ أَبْرَأَ بَعْضَهُ (تَسْلِيمَ بَعْضَ رَهْنِهِ حَتَّى يَقْبِضَ الْبَقِيَّةَ مِنْ الدَّيْنِ) أَوْ يُبْرِئَهَا اعْتِبَارًا بِحَبْسِ الْمَبِيعِ.
(وَيَجِبُ) عَلَى الْمُرْتَهِنِ (أَنْ يَحْفَظَهُ بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ) كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ (وَضَمِنَ إنْ حَفِظَ بِغَيْرِهِمْ) كَمَا مَرَّ فِيهَا
(وَ) ضَمِنَ (بِإِيدَاعِهِ) وَإِعَارَتِهِ وَإِجَارَتِهِ وَاسْتِخْدَامِهِ (وَتَعَدِّيهِ كُلَّ قِيمَتِهِ) فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ (وَكَذَا) يَضْمَنُ (كُلَّ قِيمَتِهِ بِجَعْلِ خَاتَمِ الرَّهْنِ فِي خِنْصَرِهِ) سَوَاءٌ جَعَلَ فَصَّهُ لِبَطْنِ كَفِّهِ أَوْ لَا، وَبِهِ يُفْتَى بُرْجُنْدِيٌّ (الْيُسْرَى
ــ
[رد المحتار]
بِمَعْنَى إلَّا وَالْفِعْلُ بَعْدَهَا حَقُّهُ النَّصْبُ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ إلَّا أَنَّهُ وَرَدَ الْجَزْمُ بِهَا وَيَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى يُحْضِرْ: أَيْ لَا دَفْعَ مَا لَمْ يَكُنْ إلَخْ اهـ.
فَالْمَعْنَى لَا دَفْعَ مُدَّةَ لَمْ يَكُنْ فِي غَيْرِ مَكَانِ الْعَقْدِ. أَيْ بِأَنْ كَانَ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ لِأَنَّ النَّفْيَ نَفْيُ إثْبَاتٍ، لَكِنْ يَبْعُدُ قَوْلُهُ وَالْحَمْلُ يَعْسُرُ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَمْلٍ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: يُمْكِنُ أَنَّهُ نَقَلَهُ إلَى دَارِهِ فَيَصِيرُ مَعْنَى الْبَيْتِ لَا دَفْعَ إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي بَلْدَةِ الْعَقْدِ إلَّا إذَا أَحْضَرَهُ الْمُرْتَهِنُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ.
وَعَلَى هَذَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الشَّلَبِيِّ مُؤَيِّدًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَلَا يُكَلَّفُ مُرْتَهِنٌ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْتَمَنْ عَلَيْهِ حَيْثُ وُضِعَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَسْلِيمُهُ فِي قُدْرَتِهِ (قَوْلُهُ عِنْدَ الْعَدْلِ) هُوَ مَنْ يُوضَعُ عِنْدَهُ الرَّهْنُ وَيَأْتِي لَهُ بَابٌ مَخْصُوصٌ (قَوْلُهُ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ) مُتَعَلِّقٌ بِوُضِعَ. (قَوْلُهُ لِإِذْنِهِ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْبَيْعِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا تَفَاسَخَا الرَّهْنَ وَصَارَ الثَّمَنُ رَهْنًا وَلَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ بَلْ وَضَعَهُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا
(قَوْلُهُ تَمْكِينُ الرَّاهِنِ مِنْ بَيْعِهِ) يَعْنِي لَا يُكَلَّفُ تَسْلِيمَ الرَّهْنِ لِيُبَاعَ بِالدَّيْنِ، لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَا قُدْرَةَ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ نَعَمْ يَتَوَقَّفُ نَفَاذُ الْبَيْعِ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ، وَلَا يَنْفَسِخُ بِفَسْخِهِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ
(قَوْلُهُ وَلَا يُكَلَّفُ مَنْ قُضِيَ إلَخْ)" مَنْ " وَاقِعَةٌ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَقُضِيَ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ " وَبَعْضُ " نَائِبُ الْفَاعِلِ أَيْ بَعْضُ دَيْنِهِ الثَّابِتِ لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَقَوْلُهُ أَوْ أَبْرَأَ مَبْنِيٌّ لِلْمَعْلُومِ (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِحَبْسِ الْمَبِيعِ) أَيْ عِنْدَ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَسْلِيمُ بَعْضِهِ بِقَبْضِ بَعْضِ الثَّمَنِ، لَكِنْ لَوْ رَهَنَهُ عَبْدَيْنِ وَسَمَّى لِكُلٍّ شَيْئًا مِنْ الدَّيْنِ لَهُ قَبْضُ أَحَدِهِمَا بِأَدَاءِ مَا سُمِّيَ لَهُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي
(قَوْلُهُ وَعِيَالِهِ) الْمُعْتَبَرُ فِي كَوْنِ الشَّخْصِ عِيَالًا لَهُ أَنْ يُسَاكِنَهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي نَفَقَتِهِ أَمْ لَا كَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ وَالْخَادِمِ الَّذِينَ فِي عِيَالِهِ وَالزَّوْجُ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً لَا مُيَاوَمَةً، وَيَجْرِي مَجْرَى الْعِيَالِ شَرِيكُ الْمُفَاوَضَةِ وَالْعِنَانِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ كَوْنُهُمَا فِي عِيَالِهِ اهـ غُرَرِ الْأَفْكَارِ
(قَوْلُهُ وَضَمِنَ إلَخْ) مَفْعُولُهُ قَوْلُهُ: الْآتِي كُلُّ قِيمَتِهِ فَهُوَ ضَمَانُ الْغَصْبِ لَا ضَمَانُ الرَّهْنِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا هَلَكَ بِسَبَبِهَا، وَكُلُّ فِعْلٍ يَغْرَمُ بِهِ الْمُودِعُ يَغْرَمُ بِهِ الْمُرْتَهِنُ وَمَا لَا فَلَا، إلَّا أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَا تُضْمَنُ بِالتَّلَفِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَفِيهِ: لَوْ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ، فَلَوْ ادَّعَى الْوِفَاقَ وَكَذَّبَهُ رَاهِنُهُ صُدِّقَ رَاهِنُهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ.
[تَنْبِيهٌ] لَوْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَرِدًّا يَضْمَنُ كَمَا فِي الْخَيْرِيَّةِ وَغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ وَتَعَدِّيهِ) عَطْفٌ عَامٌّ عَلَى خَاصٍّ أَيْ كَالْقِرَاءَةِ وَالْبَيْعِ وَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالسُّكْنَى بِلَا إذْنٍ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ كُلَّ قِيمَتِهِ) أَيْ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا إتْقَانِيٌّ.
وَفِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ وَالْأَمَانَاتُ تُضْمَنْ بِالتَّعَدِّي (قَوْلُهُ فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ)
أَوْ الْيُمْنَى) عَلَى مَا اخْتَارَهُ الرَّضِيُّ لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي الْحَظْرِ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ هُنَا أَنَّهُ شِعَارُ الرَّوَافِضِ وَأَنَّهُ يَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَتَنَبَّهْ.
قُلْتُ: وَلَكِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي زَمَانِنَا بِلُبْسِهِ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي لُزُومُ الضَّمَانِ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ السَّيْفِ الْآتِيَةِ فَلْيُحَرَّرْ لَا يَجْعَلُهُ فِي أُصْبُعٍ أُخْرَى إلَّا إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ امْرَأَةً فَتَضْمَنُ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَلْبَسْنَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ اسْتِعْمَالًا لَا حِفْظًا ابْنُ كَمَالٍ مَعْزِيًّا لِلزَّيْلَعِيِّ (وَ) مِثْلُهُ (تَقَلُّدُ سَيْفَيْ الرَّهْنِ لَا الثَّلَاثَةِ) فَإِنَّ الشُّجْعَانَ يَتَقَلَّدُونَ فِي الْعَادَةِ بِسَيْفَيْنِ لَا الثَّلَاثَةِ (وَ) فِي (لُبْسِ خَاتَمِهِ) أَيْ خَاتَمِ الرَّهْنِ (فَوْقَ آخَرَ يَرْجِعُ إلَى الْعَادَةِ) فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَجَمَّلُ بِلُبْسِ خَاتَمَيْنِ ضَمِنَ وَإِلَّا كَانَ حَافِظًا فَلَا يَضْمَنُ (ثُمَّ إنْ قَضَى بِهَا) أَيْ بِالْقِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ (مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ يَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا بِمُجَرَّدِهِ) أَيْ بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ (إذَا كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَطَالَبَ) الْمُرْتَهِنُ (الرَّاهِنَ بِالْفَضْلِ إنْ كَانَ) ثَمَّةَ فَضْلٌ (وَإِنْ) كَانَ الدَّيْنُ (مُؤَجَّلًا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ، فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ أَخَذَهُ بِدَيْنِهِ وَإِنْ قَضَى بِالْقِيمَةِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ كَانَ الضَّمَانُ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ) لِأَنَّهُ بَدَلُ الرَّهْنِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ.
ــ
[رد المحتار]
أَيْ يَسْقُطُ الدَّيْنُ جَمِيعُهُ حَالَةَ كَوْنِهِ بِقَدْرِ مَا ضَمِنْ وَإِلَّا رَجَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا فَضَلَ وَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الرَّضِيُّ) أَقُولُ: الَّذِي فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ، وَكَأَنَّ مَا هُنَا مِنْ تَحْرِيفِ النُّسَّاخِ إذَا لَمْ يَشْتَهِرْ هَذَا الِاسْمُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا فِيمَا أَعْلَمُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي الْحَظْرِ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ هُنَا) أَيْ عَنْ شَرْحِ الْبُرْجَنْدِيِّ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَهُوَ كِتَابُ الرَّهْنِ.
ثُمَّ إنَّ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي الْحَظْرِ لَمْ يَعْزُهُ إلَى الْبُرْجَنْدِيِّ، نَعَمْ عَزَاهُ إلَيْهِ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى حَيْثُ قَالَ: كَذَا نَقَلَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ فِي الرَّهْنِ عَنْ كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ اهـ.
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَدَلُ لَفْظٍ فِيهَا فَقَالَ ط: أَيْ فِي الْيَمِينِ (قَوْلُهُ إنَّهُ) أَيْ إنْ جَعَلَهُ فِي الْيَمِينِ (قَوْلُهُ قُلْتُ وَلَكِنْ إلَخْ) هَذَا مَعْنَى مَا قَدَّمَهُ فِي الْحَظْرِ أَنَّ ذَاكَ الشِّعَارَ كَانَ وَبَانَ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْحَقَّ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ لِثُبُوتِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ سَيِّدِ الْأَخْيَارِ صلى الله عليه وسلم.
ثُمَّ إنَّ هَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الِاسْتِدْرَاكِ، فَهُوَ تَأْيِيدٌ لِمَا فِي الْمَتْنِ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُلْبَسُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَهُوَ اسْتِعْمَالٌ لَا حِفْظٌ فَلِذَا يَضْمَنُ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ فَيَنْبَغِي إلَخْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا فِي الْمَتْنِ وَهُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهِ بِالْبَحْثِ وَالْقِيَاسِ الَّذِي لَيْسَا أَهْلًا لَهُ (قَوْلُهُ لَا يَجْعَلُهُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِجَعْلِ خَاتَمِ الرَّهْنِ فِي خِنْصَرِهِ أَيْ لَا يَضْمَنُ بِجَعْلِهِ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ.
وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْمُرْتَهِنَ مَأْذُونٌ بِالْحِفْظِ دُونَ الِاسْتِعْمَالِ، فَجَعْلُ الْخَاتَمِ فِي الْخِنْصَرِ اسْتِعْمَالٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَفِي غَيْرِهَا حِفْظٌ لَا لُبْسٌ لِأَنَّهُ لَا يُقْصَدُ فِي الْعَادَةِ فَلَا يُضْمَنُ، وَكَذَلِكَ الطَّيْلَسَانُ إنْ لَبِسَهُ كَمَا تُلْبَسُ الطَّيَالِسَةُ ضَمِنَ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ وَإِلَّا كَانَ وَضْعُهُ عَلَى عَاتِقِهِ، فَلَا لِأَنَّهُ حِفْظٌ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِيمَا يُعَدُّ حِفْظًا لَا اسْتِعْمَالًا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ ضَمَانَ الْغَصْبِ لَا أَنَّهُ لَا يُضْمَنُ أَصْلًا لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إتْقَانِيٌّ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ فَإِنَّ الشُّجْعَانَ إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ، وَظَاهِرُهُ لُزُومُ الضَّمَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الشُّجْعَانِ مَعَ أَنَّهُمْ فِي لُبْسِ الْخَاتَمِ اعْتَبَرُوا حَالَ الْمُرْتَهِنِ نَفْسِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا مَا إذَا كَانَ مِنْهُمْ بِدَلِيلِ قَوْلِ قَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِ وَفِي السَّيْفَيْنِ إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ يَتَقَلَّدُ بِسَيْفَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ اهـ فَقَدْ نَظَرَ إلَى حَالِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا فِي الْخَاتَمِ وَبِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَيْهِ تَنْدَفِعُ الْمُنَافَاةُ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لَا الثَّلَاثَةِ) فَيَكُونُ حِفْظًا لَا اسْتِعْمَالًا فَلَا يَضْمَنُ (قَوْلُهُ وَفِي لُبْسِ خَاتَمِهِ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ رَهَنَهُ خَاتَمَيْنِ فَلَبِسَ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ يُرْجَعُ إلَى الْعَادَةِ) أَيْ عَادَةِ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ خَالَفَتْ عَادَةَ غَيْرِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ قَضَى بِهَا إلَخْ) تَفْصِيلٌ وَبَيَانٌ لِمَا أَجْمَلَهُ سَابِقًا (قَوْلُهُ أَيْ بِالْقِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ كُلُّ قِيمَتِهِ (قَوْلُهُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ) وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ شَرْحِ الْحَمَوِيِّ أَبُو السُّعُودِ، قَالَ ط: وَبِهِ صُرِّحَ فِي الْمَعْدِنِ مَكِّيٌّ اهـ (قَوْلُهُ وَطَالَبَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ بِالْفَضْلِ)
(وَأُجْرَةُ بَيْتِ حِفْظِهِ وَحَافِظِهِ) وَمَأْوَى الْغَنَمِ (عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَأُجْرَةُ رَاعِيهِ) لَوْ حَيَوَانًا (وَنَفَقَةُ الرَّهْنِ وَالْخَرَاجِ) وَالْعُشْرُ (عَلَى الرَّاهِنِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ الرَّهْنِ بِنَفْسِهِ وَتَبْقِيَتُهُ فَعَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَكُلُّ مَا كَانَ لِحِفْظِهِ فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ حَبْسَهُ لَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْهُ لَوْ اشْتَرَطَ عَلَى الرَّاهِنِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الذَّخِيرَةِ
وَأَمَّا مُؤْنَةُ رَدِّهِ كَجُعْلِ آبِقٍ (أَوْ رَدِّ جُزْءٍ مِنْهُ) كَمُدَاوَاةِ جَرِيحٍ (إلَى يَدِهِ) أَيْ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ (فَتَنْقَسِمُ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ فَالْمَضْمُونُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَالْأَمَانَةُ مَضْمُونَةٌ عَلَى الرَّاهِنِ) لَوْ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ الدَّيْنِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَكَذَا مُعَالَجَةُ أَمْرَاضٍ وَقُرُوحٍ وَفِدَاءِ جِنَايَةٍ (وَكُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَأَدَّاهُ الْآخَرُ كَانَ مُتَبَرِّعًا إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِهِ وَيَجْعَلُهُ دَيْنًا عَلَى الْآخَرِ) فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَبِمُجَرَّدِ أَمْرِ الْقَاضِي بِلَا تَصْرِيحٍ يَجْعَلُهُ دَيْنًا عَلَيْهِ لَا يَرْجِعُ كَمَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
وَعَنْ الْإِمَامِ لَا يَرْجِعُ لَوْ صَاحِبُهُ حَاضِرًا مُطْلَقًا
ــ
[رد المحتار]
أَيْ بِمَا زَادَ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى مَا ضَمِنَهُ وَلَوْ الدَّيْنُ أَقَلَّ طَالَبَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ بِالْفَضْلِ، فَلَوْ قَالَ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ: وَطَالَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِالْفَضْلِ لَكَانَ أَشْمَلَ
(قَوْلُهُ وَحَافِظِهِ) عَطْفٌ عَلَى بَيْتٍ (قَوْلُهُ وَنَفَقَةُ الرَّهْنِ) كَمَأْكَلِهِ وَمَشْرَبِهِ وَكِسْوَةِ الرَّقِيقِ وَأُجْرَةِ ظِئْرِ وَلَدِ الرَّهْنِ وَسَقْيِ الْبُسْتَانِ وَكَرْيِ النَّهْرِ وَتَلْقِيحِ نَخِيلِهِ وَجُذَاذِهِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ هِدَايَةٌ.
[فَرْعٌ] بَاعَ عَبْدًا بِرَغِيفٍ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى أَكَلَ الْعَبْدُ الرَّغِيفَ صَارَ الْبَائِعُ مُسْتَوْفِيًا لِلثَّمَنِ بِخِلَافِهِ مَا لَوْ رَهَنَ دَابَّةً بِقَفِيزِ شَعِيرٍ فَأَكَلَتْهُ لَا يَصِيرُ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِلدَّيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّفَقَةَ فِي الْأَوَّلِ عَلَى الْبَائِعِ وَفِي الثَّانِي عَلَى الرَّاهِنِ جَوْهَرَةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَالْخَرَاجُ وَالْعُشْرُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى أُجْرَةِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: أَخَذَ السُّلْطَانُ الْخَرَاجَ أَوْ الْعُشْرَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ لِأَنَّهُ إنْ تَطَوَّعَ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ، وَإِنْ أُكْرِهَ فَقَدْ ظَلَمَهُ السُّلْطَانُ وَالْمَظْلُومُ لَا يَرْجِعُ إلَّا عَلَى الظَّالِمِ اهـ (قَوْلُهُ فَعَلَى الرَّاهِنِ) سَوَاءٌ كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ أَوْ لَا هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ) فَعَلَيْهِ كِفَايَتُهُ وَمُؤْنَتُهُ (قَوْلُهُ شَيْءٌ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ.
وَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَوْ شَرَطَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ أُجْرَةً عَلَى حِفْظِ الرَّهْنِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِأَنَّ الْحِفْظَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ لِأَنَّ الْحِفْظَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْمُودِعِ اهـ
(قَوْلُهُ كَمُدَاوَاةِ جَرِيحٍ) أَيْ مُدَاوَاةِ عُضْوٍ جَرِيحٍ أَوْ عَيْنٍ ابْيَضَّتْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَضْمُونِ) أَيْ مَا دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ، وَالْأَمَانَةُ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ) أَيْ فَقَطْ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى إعَادَةِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا) أَيْ يَنْقَسِمُ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَثَمَنُ الدَّوَاءِ وَأُجْرَةُ الطَّبِيبِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ.
وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ حِصَّةِ الْأَمَانَةِ فَعَلَى الرَّاهِنِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ ثَمَنُ الدَّوَاءِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ حَدَثَتْ الْجِرَاحَةُ فِي يَدِهِ، فَلَوْ عِنْدَ الرَّاهِنِ فَعَلَيْهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِكُلِّ حَالٍ وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ كَانَ مُتَبَرِّعًا) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِيهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي (قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ عَلَيْهِ) فَلَوْ كَانَ الْآبِي هُوَ الرَّاهِنَ يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَرْهُونُ قَائِمًا أَوْ لَا وَلَا يَكُونُ رَهْنًا بِالنَّفَقَةِ فَلَيْسَ لَهُ الْحَبْسُ بِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ بَزَّازِيَّةٌ (قَوْلُهُ لَا يَرْجِعُ) وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، لِأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَيْسَ لِلْإِلْزَامِ بَلْ لِلنَّظَرِ وَهُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْأَمْرِ حِسْبَةً أَوْ لِيَكُونَ دَيْنًا، وَالْأَدْنَى أَوْلَى مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْأَعْلَى كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ.
بَقِيَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلْدَةِ قَاضٍ أَوْ كَانَ مِنْ قُضَاةِ الْجَوْرِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ: لَا يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى النَّفَقَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ اهـ يَعْنِي لَا يُصَدَّقُ عَلَى أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى الرُّجُوعِ عَلَى مَا يَظْهَرُ لِي سَائِحَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَنْ الْإِمَامِ إلَخْ) أَفَادَ بِحِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي الْحَاضِرِ أَنَّ مَا فِي الْمَتْنِ مَفْرُوضٌ فِي الْغَائِبِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي
خِلَافًا لِلثَّانِي، وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ زَيْلَعِيٌّ.
(قَالَ الرَّاهِنُ الرَّهْنُ غَيْرُ هَذَا وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ بَلْ هَذَا هُوَ الَّذِي رَهَنْتَهُ عِنْدِي فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ) لِأَنَّهُ الْقَابِضُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ رَدَّهُ عَلَى الرَّاهِنِ بَعْدَ قَبْضِهِ فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلرَّاهِنِ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ، فَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلرَّاهِنِ أَيْضًا وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ، وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ لِإِنْكَارِهِ دُخُولَهُ فِي ضَمَانِهِ، وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلرَّاهِنِ لِإِثْبَاتِهِ الضَّمَانَ بَزَّازِيَّةٌ.
ــ
[رد المحتار]
لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُرْفَعَ إلَى الْقَاضِي فَيَأْمُرَ صَاحِبَهُ بِذَلِكَ اهـ ح (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلثَّانِي) حَيْثُ قَالَ يَرْجِعُ حَاضِرًا وَغَائِبًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَأَبَى عَنْ الْإِنْفَاقِ فَأَمَرَ الْقَاضِي بِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ وَبِهِ يُفْتِي اهـ قُهُسْتَانِيٌّ، فَالْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ الثَّانِي.
وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ وَهِيَ فَرْعُ مَسْأَلَةِ الْحَجْرِ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلِي عَلَى الْحَاضِرِ وَلَا يَنْفُذُ أَمْرُهُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ أَمْرُهُ عَلَيْهِ لَصَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ حَجْرَهُ عِنْدَهُ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَمْلِكُ فَيَنْفُذُ أَمْرُهُ عَلَيْهِ زَيْلَعِيٌّ
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ رَدَّهُ إلَخْ) أَيْ وَأَنَّهُ هَلَكَ بَعْدَ الرَّدِّ وَادَّعَى عَلَيْهِ الرَّاهِنُ أَنَّهُ هَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ) لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى دُخُولِهِ فِي الضَّمَانِ وَالْمُرْتَهِنُ يَدَّعِي الْبَرَاءَةَ وَالرَّاهِنُ يُنْكِرُهَا، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ) أَيْ بِهَلَاكِهِ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِيهِ ط. (قَوْلُهُ لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ فَلِلرَّاهِنِ أَيْضًا اهـ ط.
وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ: وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا لِأَنَّهَا تُثْبِتُ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ وَبَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ تَنْفِي ذَلِكَ فَالْمُثَبِّتَةُ أَوْلَى اهـ.
وَهِيَ تُفِيدُ قَبُولَ بَيِّنَةِ الْمُرْتَهِنِ إذَا انْفَرَدَتْ شُرُنْبُلَالِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَبْلَ قَبْضِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَوْ فِي هَلَاكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَيْ لَوْ اخْتَلَفَا فِي هَلَاكِ الرَّهْنِ فَزَعَمَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَالَ الرَّاهِنُ بَعْدَ الْقَبْضِ ط (قَوْلُهُ بَزَّازِيَّةٌ) عِبَارَتُهَا: زَعَمَ الرَّاهِنُ هَلَاكَهُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَسُقُوطَ الدَّيْنِ وَزَعَمَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ رَدَّهُ إلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَهَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ، لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الرَّدَّ الْعَارِضَ وَهُوَ يُنْكِرُ، فَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلرَّاهِنِ أَيْضًا وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ زَعَمَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ لِإِنْكَارِهِ دُخُولَهُ فِي ضَمَانِهِ، وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِلرَّاهِنِ لِإِثْبَاتِهِ الضَّمَانَ اهـ وَهِيَ عِبَارَةٌ وَاضِحَةٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهَا ط.
[تَنْبِيهٌ] قَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِي دَعْوَى الْهَلَاكِ وَالِاخْتِلَافُ فِي زَمَنِهِ هَلْ هُوَ قَبْلَ الرَّدِّ أَوْ بَعْدَهُ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ.
أَمَّا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْهَلَاكِ فَقَدْ أَلَّفَ فِيهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ رِسَالَةً سَمَّاهَا [الْإِقْنَاعُ فِي الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ إذَا اخْتَلَفَا فِي رَدِّ الرَّهْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ الضِّيَاعَ] وَقَدْ تَرَدَّدَ فِي جَوَابِ الْحُكْمِ فِيهَا فَقَالَ: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْقَوْلَ لِلرَّاهِنِ بِيَمِينِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي رَدِّ الرَّهْنِ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ اهـ قَالَ لَكِنْ قَدْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الرَّدِّ وَالْهَلَاكِ لِأَنَّ سِيَاقَ كَلَامِ الْمِعْرَاجِ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْهَلَاكِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الرَّهْنَ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَبِأَنَّ كُلَّ أَمِينٍ ادَّعَى إيصَالَ الْأَمَانَةِ إلَى مُسْتَحِقِّهَا قَبْلَ قَوْلِهِ فِي حَيَاةِ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَمَنْ ادَّعَى اسْتِثْنَاءَ الْمُرْتَهِنِ مِنْ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ، وَيُعَارِضُ كَلَامَ الْمِعْرَاجِ بِمَا لَوْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ عِنْدَهُ وَأَنْكَرَهُ الرَّاهِنُ فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْمُرْتَهِنِ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ كَالْمُودِعِ وَالْمُسْتَعِيرِ مَعَ أَنَّ الرَّاهِنَ مُنْكِرٌ.
ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى مَا فِي الْمِعْرَاجِ هَلْ يَسْقُطُ قَدْرُ الدَّيْنِ وَلَا يَضْمَنُ الزَّائِدَ أَوْ لَا ضَمَانَ أَصْلًا نَظَرًا لِلْأَمَانَةِ، وَإِقْرَارُ الرَّاهِنِ بِعَدَمِ قَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ يَضْمَنُ كُلَّ الْقِيمَةِ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى الْحَاكِمُ وَالْمُفْتِي، وَلْيَنْظُرْ نَصًّا يُفِيدُ ذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا.
أَقُولُ: لَكِنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ بَيْنَ الرَّهْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَمَانَاتِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ فَكَيْفَ يُصَدَّقُ فِي الرَّدِّ.