المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ كَالْوَصِيَّةِ كَمَا بَسَطَ فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَمُعْتِقُ - حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي - جـ ٦

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌ كِتَابُ الْإِجَارَةِ

- ‌[رُكْن الْإِجَارَة]

- ‌[شُرُوط الْإِجَارَة]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ الْمُرَادِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْمَرْصَدِ وَالْقِيمَةِ وَمِشَدِّ الْمُسْكَةِ]

- ‌بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ وَمَعْنَى الِاسْتِحْكَارُ]

- ‌[تَنْبِيهٌ تَفَاسَخَا عَقْدَ الْإِجَارَةِ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ]

- ‌بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي إجَارَةِ الْبِنَاءِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الطَّاعَاتِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْمَعَاصِي]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي اسْتِئْجَارِ الْمَاءِ مَعَ الْقَنَاةِ وَاسْتِئْجَارِ الْآجَامِ وَالْحِيَاضِ لِلسَّمَكِ]

- ‌بَابُ ضَمَانِ الْأَجِيرِ

- ‌[مَبْحَثُ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ]

- ‌[مَطْلَبٌ لَيْسَ لِلْأَجِيرِ الْخَاصِّ أَنْ يُصَلِّيَ النَّافِلَةَ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي الْحَارِسِ وَالْخَانَاتِيِّ]

- ‌[مَبْحَثُ اخْتِلَافِ الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ]

- ‌بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ

- ‌[مَطْلَبٌ إصْلَاحُ بِئْرِ الْمَاءِ وَالْبَالُوعَةِ وَالْمَخْرَجِ وَإِخْرَاجُ التُّرَابِ وَالرَّمَادِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي رَجْمِ الدَّارِ مِنْ الْجِنِّ هَلْ هُوَ عُذْرٌ فِي الْفَسْخِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِسْقُ الْمُسْتَأْجِرِ لَيْسَ عُذْرًا فِي الْفَسْخِ]

- ‌[مَطْلَبٌ إرَادَةُ السَّفَرِ أَوْ النُّقْلَةِ مِنْ الْمِصْرِ عُذْرٌ فِي الْفَسْخِ فِي الْإِجَارَة]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي تَخْلِيَةِ الْبَعِيدِ]

- ‌[مَسَائِلُ شَتَّى فِي الْإِجَارَة]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي إجَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ لِلْمُؤَجِّرِ وَلِغَيْرِهِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي أُجْرَةِ صَكِّ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي إجَارَةِ الْمُقْطَعِ وَانْفِسَاخِهَا بِمَوْتِ الْمُقْطِعِ وَإِخْرَاجُهُ لَهُ]

- ‌[مَطْلَبٌ أَنْكَرَ الدَّافِعُ وَقَالَ لَيْسَ هَذَا مِنْ دَرَاهِمِي فَالْقَوْلُ لِلْقَابِضِ]

- ‌[مَطْلَبٌ ضَلَّ لَهُ شَيْءٌ فَقَالَ مَنْ دَلَّنِي عَلَيْهِ فَلَهُ كَذَا]

- ‌كِتَابُ الْمُكَاتَبِ

- ‌بَابُ مَا يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ

- ‌بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ

- ‌بَابٌ: مَوْتُ الْمُكَاتَبِ وَعَجْزُهُ وَمَوْتُ الْمَوْلَى

- ‌كِتَابُالْوَلَاءِ

- ‌فَصْلٌ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ

- ‌كِتَابُالْإِكْرَاهِ

- ‌كِتَابُالْحَجْرِ

- ‌فَصْلٌ.(بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ

- ‌كِتَابُالْمَأْذُونِ

- ‌[مَبْحَثٌ فِي تَصَرُّفِ الصَّبِيِّ وَمَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ وَتَرْتِيبُهَا]

- ‌[فروع أَقَرَّ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ الْمَأْذُونَانِ بِمَا مَعَهُمَا مِنْ كَسْبٍ أَوْ إرْثٍ]

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ هُدِمَ حَائِطٌ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي رَدِّ الْمَغْصُوبِ وَفِيمَا لَوْ أَبَى الْمَالِكُ قَبُولَهُ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي أَبْحَاثِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي لُحُوقِ الْإِجَازَةِ لِلْإِتْلَافِ وَالْأَفْعَالِ فِي اللُّقَطَة]

- ‌[مَطْلَبٌ فِيمَا يَجُوزُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِمَالِ الْغَيْرِ بِدُونِ إذْنٍ صَرِيحٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةً تَتَّصِلُ بِمَسَائِلِ الْغَصْبِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي ضَمَانِ مَنَافِعِ الْغَصْبِ]

- ‌[مَطْلَبٌ فِي ضَمَانِ السَّاعِي]

- ‌كِتَابُالشُّفْعَةِ

- ‌[خَاتِمَةٌ غَصَبَ السُّلْطَانُ نَصِيبَ أَحَدِهِمْ مِنْ شِرْبٍ أَوْ دَارٍ وَقَالَ لَا أَغْصِبُ إلَّا نَصِيبَهُ]

- ‌بَابُ طَلَبِ الشُّفْعَةِ

- ‌[بَابُ مَا تَثْبُتُ الشُّفْعَة فِيهِ أَوْ لَا تَثْبُتُ]

- ‌[بَابُ مَا يُبْطِل الشُّفْعَة]

- ‌[فُرُوعٌ]بَاعَ مَا فِي إجَارَةِ الْغَيْرِ وَهُوَ شَفِيعُهَا

- ‌كِتَابُالْقِسْمَةِ

- ‌[مَطْلَبٌ لِكُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ السُّكْنَى فِي بَعْضِ الدَّارِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ]

- ‌كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ

- ‌كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ

- ‌[مُطْلَبٌ فِي الْمُسَاقَاةِ عَلَى الْحُورِ وَالصَّفْصَافِ]

- ‌[مُطْلَبٌ يُشْتَرَطُ فِي الْمُنَاصَبَةِ بَيَانُ الْمُدَّةِ]

- ‌[فَرْعٌ قَامَ الْعَامِلُ عَلَى الْكَرْمِ أَيَّامًا ثُمَّ تَرَكَ فَلَمَّا أَدْرَكَ الثَّمَرَ جَاءَ يَطْلُبُ الْحِصَّةَ]

- ‌كِتَابُ الذَّبَائِحِ

- ‌كِتَابُ الْأُضْحِيَّةَ

- ‌فُرُوعٌ]

- ‌[فُرُوعٌ]لَوْنُ أُضْحِيَّتِهِ عليه الصلاة والسلام سَوْدَاءُ

- ‌كِتَابُ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ

- ‌[خَاتِمَةٌ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ]

- ‌فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ

- ‌فَصْلٌ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ

- ‌بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِهِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْبَيْعِ

- ‌فَرْعٌ]يُكْرَهُ إعْطَاءُ سَائِلٍ الْمَسْجِدِ إلَّا إذَا لَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ

- ‌كِتَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ

- ‌فَصْلٌ الشِّرْبُ

- ‌كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ

- ‌كِتَابُ الرَّهْنِ

- ‌بَابُ مَا يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ

- ‌بَابُ الرَّهْنِ يُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ

- ‌بَابُ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَجِنَايَتُهُ أَيْ الرَّهْنُ عَلَى غَيْرِهِ

- ‌فُرُوعٌ] رَهَنَ الْأَبُ مِنْ مَالِ طِفْلِهِ شَيْئًا بِدَيْنٍ عَلَى نَفْسِهِ

- ‌فُرُوعٌ] رَهَنَ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ لِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ عِنْدَ غَرِيمٍ مِنْ غُرَمَائِهِ

- ‌فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ

- ‌[فَرْعٌ] رَهْنُ الرَّهْنِ

- ‌كِتَابُ الْجِنَايَاتِ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ

- ‌بَابُ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ

- ‌[فُرُوعٌ] أَلْقَى حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا فِي الطَّرِيقِ فَلَدَغَتْ رَجُلًا

- ‌فَصْلٌ فِي الْفِعْلَيْنِ

- ‌بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ وَاعْتِبَارِ حَالَتِهِ

- ‌كِتَابُ الدِّيَاتِ

- ‌فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْجَنِينِ

- ‌بَابُ مَا يُحْدِثُهُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ

- ‌بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا

- ‌[فُرُوعٌ لَهُ كَلْبٌ يَأْكُلُ عِنَبَ الْكَرْمِ فَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فِيهِ فَلَمْ يَحْفَظْهُ حَتَّى أَكَلَ الْعِنَبَ]

- ‌بَابُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ

- ‌فَصْلٌ فِي غَصْبِ الْقِنِّ وَغَيْرِهِ

- ‌بَابُ الْقَسَامَةِ

- ‌[تَتِمَّةٌ صَبِيٌّ سَقَطَ مِنْ سَطْحٍ أَوْ فِي مَاءٍ فَمَاتَ]

- ‌كِتَابُ الْمَعَاقِلِ

- ‌[فُرُوعٌ وُجِدَ الْقَتِيل فِي دَارِ صَبِيٍّ أَوْ مَعْتُوه]

- ‌كِتَابُ الْوَصَايَا

- ‌[فَرْعٌ]أَوْصَى بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فُلَانٌ أَوْ يُحْمَلَ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ

- ‌بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ

- ‌ بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ

- ‌بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ

- ‌بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى وَالثَّمَرَةِ

- ‌فَصْلٌ فِي وَصَايَا الذِّمِّيِّ وَغَيْرِهِ

- ‌[فُرُوعٌ]أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلصَّلَوَاتِ

- ‌بَابُ الْوَصِيِّ

- ‌فَصْلٌ فِي شَهَادَةِ الْأَوْصِيَاءِ

- ‌[فُرُوعٌ]يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْإِنْفَاقِ بِلَا بَيِّنَةٍ

- ‌كِتَابُ الْخُنْثَى

- ‌مَسَائِلُ شَتَّى

- ‌كِتَابُ الْفَرَائِضِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْعَصَبَاتِ

- ‌بَابُ الْعَوْلِ

- ‌ مَسَائِلُ الرَّدِّ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ

- ‌بَابُ تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ

- ‌فَصْلٌ فِي الْغَرْقَى وَالْحَرْقَى وَغَيْرِهِمْ

- ‌فَصْلٌ فِي الْمُنَاسَخَةِ

- ‌بَابُ الْمَخَارِجِ

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ كَالْوَصِيَّةِ كَمَا بَسَطَ فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَمُعْتِقُ

لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ كَالْوَصِيَّةِ كَمَا بَسَطَ فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: وَمُعْتِقُ عَبْدٍ عَنْ أَبِيهِ وَلَاؤُهُ لَهُ وَأَبُوهُ بِالْمَشِيئَةِ يُؤْجَرُ يَعْنِي أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ أَبِيهِ الْمَيِّتِ، فَالْوَلَاءُ لَهُ وَالْأَجْرُ لِلْأَبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الِابْنِ شَيْءٌ وَكَذَا الصَّدَقَاتُ وَالدَّعَوَاتُ لِأَبَوَيْهِ وَكُلِّ مُؤْمِنٍ يَكُونُ الْأَجْرُ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الِابْنِ شَيْءٌ مُضْمَرَاتٌ.

‌كِتَابُ

الْإِكْرَاهِ

. (هُوَ لُغَةً حَمْلُ الْإِنْسَانِ عَلَى) شَيْءٍ يَكْرَهُهُ وَشَرْعًا (فِعْلٌ يُوجَدُ مِنْ الْمُكْرَهِ فَيُحْدِثُ فِي الْمَحَلِّ مَعْنًى يَصِيرُ بِهِ مَدْفُوعًا إلَى الْفِعْلِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ) وَهُوَ نَوْعَانِ تَامٌّ وَهُوَ الْمُلْجِئُ بِتَلَفِ نَفْسٍ

ــ

[رد المحتار]

الْبَدَائِعِ: وَكَذَا الذِّمِّيُّ إذَا وَالَى ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْأَسْفَلُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلتَّقْيِيدِ بِإِسْلَامِ الْأَسْفَلِ، وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ فَتَجُوزُ مُوَالَاةُ الْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ وَعَكْسُهُ.

أَقُولُ: لَعَلَّ فَائِدَتَهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ اخْتِلَافِ الدِّينِ حَاصِلًا وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ، وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ أَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: كَالْوَصِيَّةِ) أَيْ فِي صِحَّتِهَا مِنْ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لِلْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ، لَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَسْتَحِقُّهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ بِخِلَافِ الْمَوْلَى كَمَا عَلِمْت. (قَوْلُهُ: وَلَاؤُهُ) مُبْتَدَأٌ ثَانٍ وَلَهُ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْأَوَّلِ، وَهُوَ " مُعْتِقُ " ط. (قَوْلُهُ: فَالْوَلَاءُ لَهُ) لِأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتِقُ ط. (قَوْلُهُ: وَالْأَجْرُ لَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ) أَتَى بِالْمَشِيئَةِ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ قَالَهُ عَبْدُ الْبَرِّ ط. مَطْلَبٌ: يَصِلُ ثَوَابُ أَعْمَالِ الْأَحْيَاءِ لِلْأَمْوَاتِ.

(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الِابْنِ) الْمُنَاسِبُ زِيَادَةُ " وَالْفَاعِلِ ". قَالَ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ: وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى وُصُولِ ثَوَابِ أَعْمَالِ الْأَحْيَاءِ لِلْأَمْوَاتِ، وَقَدْ أَلَّفَ فِيهَا قَاضِي الْقُضَاةِ السُّرُوجِيُّ وَغَيْرُهُ، وَآخِرُ مَنْ صَنَّفَ فِيهَا شَيْخُنَا قَاضِي الْقُضَاةِ سَعْدُ الدِّينِ الدِّيرِيُّ كِتَابًا سَمَّاهُ [الْكَوَاكِبَ النَّيِّرَاتِ] مَحَطُّ هَذِهِ التَّأْلِيفَاتِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ الْوُصُولُ ط وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[كِتَابُ الْإِكْرَاهِ]

قِيلَ فِي مُنَاسَبَتِهِ: إنَّ الْوَلَاءَ مِنْ آثَارِ الْعِتْقِ، وَالْعِتْقَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ فَنَاسَبَ ذِكْرُهُ عَقِبَهُ أَوْ لِأَنَّهُ نَادِرٌ كَالْمُوَالَاةِ. (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا فِعْلٌ) أَيْ لَا بِحَقٍّ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ بِحَقٍّ لَا يُعْدِمُ الِاخْتِيَارَ شَرْعًا كَالْعِنِّينِ إذَا أَكْرَهَهُ الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَدْيُونَ إذَا أَكْرَهَهُ الْقَاضِي عَلَى بَيْعِ مَالِهِ نَفَذَ بَيْعُهُ، وَالذِّمِّيَّ إذَا أَسْلَمَ عَبْدُهُ فَأُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ نَفَذَ بَيْعُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنَحٌ عَنْ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى، وَالْفِعْلُ يَتَنَاوَلُ الْحُكْمِيَّ كَمَا إذَا أَمَرَ بِقَتْلِ رَجُلٍ وَلَمْ يُهَدِّدْهُ بِشَيْءٍ إلَّا أَنَّ الْمَأْمُورَ يَعْلَمُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ لَقَتَلَهُ أَوْ قَطَعَهُ الْآمِرُ فَإِنَّهُ إكْرَاهٌ قُهُسْتَانِيٌّ وَسَيَجِيءُ وَيَشْمَلُ الْوَعِيدَ بِالْقَوْلِ، وَلِذَا قَالَ فِي الدُّرَرِ: أَعَمُّ مِنْ اللَّفْظِ وَعَمَلِ سَائِرِ الْجَوَارِحِ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَحَلِّ) أَيْ الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ ح. (قَوْلُهُ: يَصِيرُ) أَيْ الْمَحَلُّ وَضَمِيرُ " بِهِ " لِلْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْخَوْفُ ح. (قَوْلُهُ: مَدْفُوعًا إلَى الْفِعْلِ) أَيْ بِحَيْثُ يَفُوتُ رِضَاهُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الْجَبْرِ بِحَيْثُ يَفْسُدُ الِاخْتِيَارُ فَيَشْمَلُ الْقِسْمَيْنِ كَمَا يَظْهَرُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: وَهُوَ نَوْعَانِ)

ص: 128

أَوْ عُضْوٍ أَوْ ضَرْبٍ مُبَرِّحٍ وَإِلَّا فَنَاقِصٌ وَهُوَ غَيْرُ الْمُلْجِئِ. (وَشَرْطُهُ) أَرْبَعَةُ أُمُورٍ: (قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ عَلَى إيقَاعِ مَا هَدَّدَ بِهِ سُلْطَانًا أَوْ لِصًّا) أَوْ نَحْوَهُ (وَ) الثَّانِي (خَوْفُ الْمُكْرَهِ) بِالْفَتْحِ (إيقَاعَهُ) أَيْ إيقَاعَ مَا هُدِّدَ بِهِ (فِي الْحَالِ) بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ لِيَصِيرَ مُلْجَأً (وَ) الثَّالِثُ: (كَوْنُ الشَّيْءِ الْمُكْرَهِ بِهِ مُتْلِفًا نَفْسًا أَوْ عُضْوًا أَوْ مُوجِبًا غَمًّا يُعْدِمُ الرِّضَا) وَهَذَا أَدْنَى مَرَاتِبِهِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَإِنَّ الْأَشْرَافَ يُغَمُّونَ بِكَلَامٍ خَشِنٍ، وَالْأَرَاذِلَ رُبَّمَا لَا يُغَمُّونَ إلَّا بِالضَّرْبِ الْمُبَرِّحِ ابْنُ كَمَالٍ (وَ) الرَّابِعُ:(كَوْنُ الْمُكْرَهِ مُمْتَنِعًا عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ) إمَّا (لِحَقِّهِ) كَبَيْعِ مَالِهِ (أَوْ لِحَقِّ) شَخْصٍ (آخَرَ) كَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ (أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعِ) كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا

(فَلَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ شَدِيدٍ) مُتْلِفٍ لَا بِسَوْطٍ أَوْ سَوْطَيْنِ

ــ

[رد المحتار]

أَيْ الْإِكْرَاهُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُعْدِمٌ لِلرِّضَا لَكِنَّ الْمُلْجِئَ، وَهُوَ الْكَامِلُ يُوجِبُ الْإِلْجَاءَ، وَيُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ فَنَفْيُ الرِّضَا أَعَمُّ مِنْ إفْسَادِ الِاخْتِيَارِ وَالرِّضَا بِإِزَاءِ الْكَرَاهَةِ، وَالِاخْتِيَارُ بِإِزَاءِ الْجَبْرِ فَفِي الْإِكْرَاهِ بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ لَا شَكَّ فِي وُجُودِ الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِ الرِّضَا وَإِنْ تَحَقَّقَ الِاخْتِيَارُ الصَّحِيحُ إذْ فَسَادُهُ إنَّمَا هُوَ بِالتَّخْوِيفِ بِإِتْلَافِ النَّفْسِ، أَوْ الْعُضْوِ

وَحُكْمُهُ إذَا حَصَلَ بِمُلْجِئٍ أَنْ يَنْقُلَ الْفِعْلَ إلَى الْحَامِلِ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ آلَةً لِلْحَامِلِ، كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ كَإِتْلَافِ النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَمَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لَهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْمُكْرَهِ كَأَنَّهُ فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ مِثْلُ الْأَقْوَالِ وَالْأَكْلِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ غَيْرِهِ، وَلَا يَأْكُلُ بِفَمِ غَيْرِهِ فَلَا يُضَافُ إلَى غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْآكِلِ، إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ إتْلَافٌ فَيُضَافُ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ لِصَلَاحِيَةِ الْمُكْرَهِ آلَةً لِلْحَامِلِ فِيهِ فَإِذَا أَكْرَهَهُ عَلَى الْعِتْقِ يَقَعُ كَأَنَّهُ أَوْقَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ حَتَّى يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ، وَيُضَافُ إلَى الْحَامِلِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: أَوْ عُضْوٍ) كَذَا بَعْضُ الْعُضْوِ كَأُنْمُلَةٍ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ ضَرْبٍ مُبَرِّحٍ) أَيْ مُوقَعٍ فِي بَرْحٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْبَرْحُ الشِّدَّةُ وَالشَّرُّ اهـ. وَعَبَّرَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ بِقَوْلِهِ أَوْ ضَرْبٍ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَنَاقِصٌ) كَالتَّخْوِيفِ بِالْحَبْسِ وَالْقَيْدِ وَالضَّرْبِ الْيَسِيرِ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: سُلْطَانًا أَوْ لِصًّا) هَذَا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ السُّلْطَانِ، لِأَنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَكُونُ بِلَا مَنَعَةٍ، وَالْمَنَعَةُ لِلسُّلْطَانِ قَالُوا: هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ، لِأَنَّ فِي زَمَانِهِ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ مِنْ الْقُوَّةِ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْإِكْرَاهُ، فَأَجَابَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ وَفِي زَمَانِهِمَا ظَهَرَ الْفَسَادُ، وَصَارَ الْأَمْرُ إلَى كُلِّ مُتَغَلِّبٍ، فَيَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ مِنْ الْكُلِّ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ دُرَرٌ وَاللِّصُّ السَّارِقُ، وَفَسَّرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ بِالظَّالِمِ الْمُتَغَلِّبِ غَيْرِ السُّلْطَانِ قَالَ: وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ اللِّصِّ تَبَرُّكًا بِعِبَارَةِ مُحَمَّدٍ وَلِذَا سَعَى بِهِ بَعْضُ حُسَّادِهِ إلَى الْخَلِيفَةِ وَقَالَ سِمَاكٌ فِي كِتَابِهِ لِصًّا وَتَمَامُهُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوَهُ) لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ.

(قَوْلُهُ: فِي الْحَالِ) كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَوْ تَوَعَّدَهُ بِمُتْلِفٍ بَعْدَ مُدَّةٍ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إيقَاعُهُ بِهِ صَارَ مُلْجِئًا تَأَمَّلْ. لَكِنْ سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ آخِرًا أَنَّهُ إنَّمَا يَسَعُهُ مَا دَامَ حَاضِرًا عِنْدَهُ الْمُكْرِهُ وَإِلَّا لَمْ يَحِلَّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: لِيَصِيرَ مُلْجِئًا) هَذِهِ الشُّرُوطُ لِمُطْلَقِ الْإِكْرَاهِ لَا لِلْمُلْجِئِ فَقَطْ، فَالْمُنَاسِبُ قَوْلُ الدُّرَرِ لِيَصِيرَ مَحْمُولًا عَلَى مَا دَعَا إلَيْهِ مِنْ الْفِعْلِ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَمْلِ مَا يَفُوتُ بِهِ الرِّضَا فَيَشْمَلُ النَّوْعَيْنِ. (قَوْلُهُ: مُتْلِفًا نَفْسًا) أَيْ حَقِيقِيَّةً أَوْ حُكْمِيَّةً كَتَلَفِ كُلِّ الْمَالِ فَإِنَّهُ شَقِيقُ الرُّوحِ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ قُهُسْتَانِيٌّ وَتَقْيِيدُهُ بِكُلِّ الْمَالِ مُخَالِفٌ لِمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ الشَّارِحُ آخِرًا عَنْ الْقُنْيَةِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (قَوْلُهُ: يُعْدِمُ الرِّضَا) أَيْ مَعَ بَقَاءِ الِاخْتِيَارِ الصَّحِيحِ، وَإِلَّا فَالْإِكْرَاهُ بِمُتْلِفٍ يُعْدِمُ الرِّضَا أَيْضًا وَلَكِنَّهُ يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. (قَوْلُهُ: إمَّا لِحَقِّهِ) أَيْ إمَّا أَنْ يَكُونَ امْتِنَاعُهُ عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ خَالِصًا كَإِكْرَاهِهِ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ وَلَوْ بِعِوَضٍ كَبَيْعِهِ وَيَأْتِي الْإِكْرَاهُ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ الْمُلْجِئِ بِخِلَافِ الْقِسْمَيْنِ بَعْدَهُ كَمَا يَأْتِي.

(قَوْلُهُ: مُتْلِفٍ) فِيهِ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الْآتِيَةَ

ص: 129

إلَّا عَلَى الْمَذَاكِيرِ وَالْعَيْنِ بَزَّازِيَّةٌ (أَوْ حَبْسٍ) أَوْ قَيْدٍ مَدِيدَيْنِ بِخِلَافِ حَبْسِ يَوْمٍ أَوْ قَيْدِهِ أَوْ ضَرْبٍ غَيْرِ شَدِيدٍ إلَّا لِذِي جَاهٍ دُرَرٌ (حَتَّى بَاعَ أَوْ اشْتَرَى أَوْ أَقَرَّ أَوْ آجَرَ فُسِخَ) مَا عَقَدَ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الْفَسْخِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِ الْمُشْتَرِي، وَلَا بِالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ، وَتُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي وَسَيَجِيءُ أَنَّهُ يُسْتَرَدُّ وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي (أَوْ أَمْضَى) لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الْمُلْجِئَ، وَغَيْرَ الْمُلْجِئِ يُعْدِمَانِ الرِّضَا، وَالرِّضَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ هَذِهِ الْعُقُودِ وَكَذَا لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ فَلِذَا صَارَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ ثُمَّ إنَّ تِلْكَ الْعُقُودَ نَافِذَةٌ عِنْدَنَا (وَ) حِينَئِذٍ (يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي إنْ قَبَضَ فَيَصِحُّ إعْتَاقُهُ)

ــ

[رد المحتار]

مِنْ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ يَتَحَقَّقُ فِيهَا الْإِكْرَاهُ وَلَوْ بِغَيْرِ مُلْجِئٍ كَمَا مَرَّ وَيَجِيءُ، لِتَفْوِيتِهِ الرِّضَا، وَالْمُتْلِفُ مِنْ الْمُلْجِئِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ فَوَاتُ الرِّضَا عَلَيْهِ وَلِذَا قَالَ فِيمَا يَجِيءُ بِخِلَافِ حَبْسِ يَوْمٍ إلَخْ لِأَنَّهُ لَا يُعْدِمُ الرِّضَا. (قَوْلُهُ: لَا عَلَى الْمَذَاكِيرِ وَالْعَيْنِ) لِأَنَّهُ يُخْشَى مِنْهُ التَّلَفُ. (قَوْلُهُ: أَوْ حَبْسٍ) أَيْ حَبْسِ نَفْسِهِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالْإِكْرَاهُ بِحَبْسِ الْوَالِدَيْنِ أَوْ الْأَوْلَادِ لَا يُعَدُّ إكْرَاهًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْجِئٍ وَلَا يُعْدِمُ الرِّضَا بِخِلَافِ حَبْسِ نَفْسِهِ اهـ لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: أَنَّهُ قِيَاسٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ حَبْسُ الْأَبِ إكْرَاهٌ وَذَكَرَ الطُّورِيُّ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَبْسِ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ زَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ: أَوْ غَيْرِهِمْ: مِنْ ذَوِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَعَزَاهُ لِلْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ حَبْسِ يَوْمٍ أَوْ قَيْدِهِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحَبْسَ الْمَدِيدَ مَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَكَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ الْعَيْنِيِّ وَالزَّيْلَعِيِّ ط. وَفِي الْخَانِيَّةِ: أَمَّا الضَّرْبُ بِسَوْطٍ وَاحِدٍ أَوْ حَبْسُ يَوْمٍ أَوْ قَيْدُ يَوْمٍ لَا يَكُونُ إكْرَاهًا فِي الْإِقْرَارِ بِأَلْفٍ اهـ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَكُونُ إكْرَاهًا فِي الْمَالِ الْقَلِيلِ. (قَوْلُهُ: إلَّا لِذِي جَاهٍ) لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الضَّرْبِ الشَّدِيدِ، فَيَفُوتُ بِهِ الرِّضَا زَيْلَعِيٌّ. وَفِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ أَوْ لِذِي ضَعْفٍ. (قَوْلُهُ: فُسِخَ مَا عَقَدَ) لَا يَشْمَلُ الْإِقْرَارَ فَهُوَ مَجَازٌ أَوْ اكْتِفَاءٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْقُهُسْتَانِيُّ. مَطْلَبٌ: بَيْعُ الْمُكْرَهِ فَاسِدٌ وَزَوَائِدُهُ مَضْمُونَةٌ بِالتَّعَدِّي.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَبْطُلُ إلَى قَوْلِهِ أَوْ أَمْضَى) مَأْخُوذٌ مِنْ حَاشِيَةِ شَيْخِهِ عَلَى الْمِنَحِ وَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَيَضْمَنُ بِالتَّعَدِّي تَأَمَّلْ. فَيُشِيرُ إلَى أَنَّهُ ذَكَرَهُ تَفَقُّهًا وَهُوَ تَفَقُّهٌ حَسَنٌ، لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ فَاسِدٌ إلَّا فِي أَرْبَعِ صُوَرٍ تَأْتِي مَتْنًا وَقَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: زَوَائِدُ الْمَبِيعِ فَاسِدًا - لَوْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً - تُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي لَا بِدُونِهِ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فَلِلْبَائِعِ أَخْذُ الزَّوَائِدِ وَقِيمَةِ الْمَبِيعِ، وَلَوْ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ لَهُ أَخْذُ الْمَبِيعِ مَعَ هَذِهِ الزَّوَائِدِ، وَلَا تَطِيبُ لَهُ وَلَوْ هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ أَهْلَكَهَا ضَمِنَ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ لَا الزَّوَائِدُ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ الْمُتَوَلِّدَةِ وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الْمَبِيعِ فَقَطْ اهـ. (قَوْلُهُ: بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ فَيَقُومُ وَرَثَةُ كُلٍّ مَقَامَهُ كَوَرَثَةِ الْمُشْتَرِي. (قَوْلُهُ: وَلَا بِالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ) سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَوَلِّدَةً كَالثَّمَرَةِ أَوْ لَا كَالْأَرْشِ، وَكَذَا الْمُتَّصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ كَالسَّمْنِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ كَصَبْغٍ وَخِيَاطَةٍ وَلَتِّ سَوِيقٍ فَتَمْنَعُ الِاسْتِرْدَادَ إلَّا بِرِضَا الْمُشْتَرِي كَذَا ذَكَرُوا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ. وَفِي الْبَحْرِ: مَتَى فَعَلَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ يَعْنِي فَاسِدًا فِعْلًا يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْغَصْبِ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الِاسْتِرْدَادِ كَمَا إذَا كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا. (قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: يُعْدِمَانِ الرِّضَا) قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ فِي هَامِشِ شَرْحِهِ، أَخْطَأَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي تَخْصِيصِهِ إعْدَامَ الرِّضَا بِغَيْرِ الْمُلْجِئِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلِذَا صَارَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ) أَيْ لِفَقْدِ شَرْطِ الصِّحَّةِ وَهُوَ الرِّضَا فَيَتَخَيَّرُ، فَإِنَّ اعْتِبَارَ هَذَا الشَّرْطِ لَيْسَ لِحَقِّ الْغَيْرِ، بَلْ لِحَقِّهِ وَلِهَذَا خَالَفَ سَائِرَ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ فَإِنَّ الْفَسْخَ فِيهَا وَاجِبٌ عِنْدَ فَقْدِ شَرْطِ الصِّحَّةِ، لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهَا لِحَقِّ الشَّرْعِ. وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ يُشْبِهُ الْمَوْقُوفَ وَيُشْبِهُ الْفَاسِدَ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنَّ تِلْكَ الْعُقُودَ نَافِذَةٌ عِنْدَنَا) أَيْ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَلَيْسَتْ بِمَوْقُوفَةٍ. (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ قُلْنَا إنَّهَا نَافِذَةٌ غَيْرُ مَوْقُوفَةٍ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ: أَيْ يَثْبُتُ بِالْبَيْعِ أَوْ بِالشِّرَاءِ مُكْرَهًا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِ فَاسِدًا كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَوْقُوفٌ

ص: 130

وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ (وَلَزِمَهُ قِيمَتُهُ) وَقْتَ الْإِعْتَاقِ وَلَوْ مُعْسِرًا، زَاهِدِيٌّ لِإِتْلَافِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ.

(فَإِنْ قَبَضَ ثَمَنَهُ أَوْ سَلَّمَ) الْمَبِيعَ (طَوْعًا) قَيْدٌ لِلْمَذْكُورَيْنِ (نَفَذَ) يَعْنِي لَزِمَ لِمَا مَرَّ أَنَّ عُقُودَ الْمُكْرَهِ نَافِذَةٌ عِنْدَنَا، وَالْمُعَلَّقُ عَلَى الرِّضَا وَالْإِجَازَةِ لُزُومُهُ لِإِنْفَاذِهِ إذْ اللُّزُومُ أَمْرٌ وَرَاءَ النَّفَاذِ كَمَا حَقَّقَهُ ابْنُ الْكَمَالِ.

قُلْت: وَالضَّابِطُ أَنَّ مَا لَا يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا فَلَهُ إبْطَالُهُ وَمَا يَصِحُّ فَيَضْمَنُ الْحَامِلَ كَمَا سَيَجِيءُ (وَإِنْ)(قَبَضَ) الثَّمَنَ (مُكْرَهًا لَا) يَلْزَمُ (وَرَدَّهُ) وَلَمْ يَضْمَنْ إنْ هَلَكَ الثَّمَنُ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ دُرَرٌ (إنْ بَقِيَ) فِي يَدِهِ لِفَسَادِ الْعَقْدِ

ــ

[رد المحتار]

وَلَيْسَ بِفَاسِدٍ كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَسَلَّمَهُ زَيْلَعِيٌّ.

قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: فَمَنْ قَالَ إنَّ الْإِبْرَاءَ يَمْنَعُ النَّفَاذَ فَقَدْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِ السَّدَادِ وَكَتَبَ فِي هَامِشِ هَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي أَخْطَأَ فِيهَا صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَكَأَنَّهُ غَافِلٌ عَنْ أَنَّ النَّافِذَ يُقَابِلُ الْمَوْقُوفَ فَمَا لَا يَكُونُ نَافِذًا يَكُونُ مَوْقُوفًا فَيَنْطَبِقُ مَا ذَكَرَهُ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ اهـ وَسَنَذْكُرُ جَوَابَهُ قَرِيبًا. (قَوْلُهُ: وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ) كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالطَّلَاقِ، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَتَصَدُّقُهُ وَنَحْوُهَا مِمَّا يُمْكِنُ نَقْضُهُ قُهُسْتَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ قَبَضَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا فُهِمَ مِنْ التَّخْيِيرِ السَّابِقِ، وَهُوَ أَنَّ تَمَامَ الْبَيْعِ بِانْقِلَابِهِ صَحِيحًا مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَسَادَ كَانَ لِحَقِّهِ لَا لِحَقِّ الشَّرْعِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: لَمَّا تَوَقَّفَ انْقِلَابُهُ صَحِيحًا عَلَى رِضَا الْبَائِعِ وَإِجَازَتِهِ فَبِقَبْضِهِ الثَّمَنَ أَوْ تَسْلِيمِهِ الْمَبِيعَ طَوْعًا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِدَلَالَتِهَا عَلَى الرِّضَا وَالْإِجَازَةِ ابْنُ كَمَالٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ) قَيَّدَ بِالْمَبِيعِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْهِبَةِ، فَإِذَا أُكْرِهَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّفْعَ فَوَهَبَ وَدَفَعَ يَكُونُ بَاطِلًا لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُكْرَهِ الِاسْتِحْقَاقُ لَا مُجَرَّدُ اللَّفْظِ، وَذَلِكَ فِي الْهِبَةِ بِالدَّفْعِ وَفِي الْبَيْعِ بِالْعَقْدِ فَدَخَلَ الدَّفْعُ فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ هِدَايَةٌ. وَقَيَّدَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِحُضُورِ الْمُكْرِهِ فَقَالَ: الْإِكْرَاهُ عَلَى الْهِبَةِ إكْرَاهٌ عَلَى التَّسْلِيمِ إذَا كَانَ الْمُكْرِهُ وَقْتَ التَّسْلِيمِ حَاضِرًا وَإِلَّا لَا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا اهـ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: بَاطِلًا الْفَاسِدَ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَاسِدًا بِالْقَبْضِ أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: نَفَذَ) لِوُجُودِ الرِّضَا. (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) تَعْلِيلٌ لِتَفْسِيرِ النَّفَاذِ بِاللُّزُومِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ النَّفَاذَ وَاللُّزُومَ مُتَغَايِرَانِ فَيُرَادُ بِالنُّفُوذِ الِانْعِقَادُ وَبِاللُّزُومِ الصِّحَّةُ فَبَيْعُ الْمُكْرَهِ نَافِذٌ أَيْ مُنْعَقِدٌ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ وَالْمُنْعَقِدُ مِنْهُ صَحِيحٌ. وَمِنْهُ فَاسِدٌ، وَهَذَا الْعَقْدُ فَاسِدٌ، لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ الرِّضَا، وَهُوَ هُنَا مَفْقُودٌ فَإِذَا وُجِدَ صَحَّ وَلَزِمَ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ النَّافِذَ مُقَابِلٌ لِلْمَوْقُوفِ، فَإِنَّ الْمَوْقُوفَ كَمَا فِي بُيُوعِ الْبَحْرِ مَا لَا حُكْمَ لَهُ ظَاهِرًا يَعْنِي لَا يُفِيدُ حُكْمُهُ قَبْلَ وُجُودِ مَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ، وَهَذَا يُفِيدُ حُكْمَهُ وَهُوَ الْمِلْكُ قَبْلَ الرِّضَا لَكِنْ بِشَرْطِ الْقَبْضِ كَمَا فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَهَذَا مِنْهَا عِنْدَنَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَاطِبَةً خِلَافًا لِزُفَرَ.

فَظَهَرَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ: أَنَّ اللُّزُومَ أَمْرٌ وَرَاءَ النَّفَاذِ كَمَا حَقَّقَهُ ابْنُ الْكَمَالِ حَيْثُ نَقَلَ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي، فَلَهُ فَسْخُ الْعُقُودِ كُلِّهَا وَأَيًّا أَجَازَهُ جَازَتْ كُلُّهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ نَافِذَةً إلَّا أَنَّهُ كَانَ لَهُ الْفَسْخُ لِعَدَمِ الرِّضَا اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ النَّفَاذَ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ الرِّضَا، وَأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى الرِّضَا أَمْرٌ آخَرُ، وَهُوَ لُزُومُهَا وَصِحَّتُهَا فَتَعَيَّنَ أَنْ يُفَسِّرَ قَوْلَهُ: نَفَذَ بِ لَزِمَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالرِّضَا شَرْطُ اللُّزُومِ لَا النَّفَاذِ، وَلَكِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ كَالتَّوْضِيحِ وَالتَّلْوِيحِ وَالتَّقْرِيرِ وَشَرْحِ التَّحْرِيرِ وَشُرُوحِ الْمَنَارِ حَيْثُ قَالُوا: إنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا لِعَدَمِ الرِّضَا الَّذِي هُوَ شَرْطُ النَّفَاذِ، فَلَوْ أَجَازَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً بِقَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ طَوْعًا صَحَّ لِتَمَامِ الرِّضَا، وَالْفَسَادُ كَانَ لِمَعْنًى وَقَدْ زَالَ اهـ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلِقَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ إنَّ الْإِكْرَاهَ يَمْنَعُ النَّفَاذَ فَالْمُرَادُ فِي كَلَامِهِمْ بِالنَّفَاذِ اللُّزُومُ فَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الصِّحَّةُ. وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَظَهَرَ بِهِ أَنَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ: نَفَذَ كَالْوِقَايَةِ وَالدُّرَرِ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ، وَلَا لَوْمَ لِمُوَافَقَتِهِ لِكَلَامِ الْقَوْمِ، وَانْدَفَعَ تَشْنِيعُ ابْنِ الْكَمَالِ الْمَارُّ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِالْكَلِمَاتِ الْفَظِيعَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ لَا رَبَّ سِوَاهُ.

(قَوْلُهُ: إنَّ مَا لَا يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ) كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. (قَوْلُهُ: وَمَا يَصِحُّ) أَيْ مَعَ الْهَزْلِ وَهُوَ مَا يَسْتَوِي فِيهِ الْجِدُّ وَالْهَزْلُ كَالطَّلَاقِ

ص: 131

(لَكِنَّهُ يُخَالِفُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ فِي أَرْبَعِ صُوَرٍ يَجُوزُ بِالْإِجَازَةِ) الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ (وَ) الثَّانِي: أَنَّهُ (يَنْقُضُ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ) وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي (وَ) الثَّالِثُ: (تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ دُونَ وَقْتِ الْقَبْضِ وَ) الرَّابِعُ: (الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُكْرَهِ) لِأَخْذِهِ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ بِلَا تَعَدٍّ بِخِلَافِهَا فِي الْفَاسِدِ بَزَّازِيَّةٌ.

(أَمْرُ السُّلْطَانِ إكْرَاهٌ وَإِنْ لَمْ يَتَوَعَّدْهُ، وَأَمْرُ غَيْرِهِ لَا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْمَأْمُورُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْتَثِلْ أَمَرَهُ يَقْتُلُهُ أَوْ يَقْطَعُ يَدَهُ أَوْ يَضْرِبُهُ ضَرْبًا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ تَلَفِ عُضْوِهِ) مُنْيَةُ الْمُفْتِي، وَبِهِ يُفْتَى.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: الزَّوْجُ سُلْطَانُ زَوْجَتِهِ فَيَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْإِكْرَاهُ.

(أُكْرِهَ الْمُحْرِمُ عَلَى قَتْلِ صَيْدٍ فَأَبَى حَتَّى قُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا) عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَشْبَاهٌ.

(وَلَوْ أُكْرِهَ الْبَائِعُ) عَلَى الْبَيْعِ (لَا الْمُشْتَرِي وَهَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ

ــ

[رد المحتار]

وَالْعَتَاقِ. (قَوْلُهُ: يَجُوزُ بِالْإِجَازَةِ) أَيْ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِهَا، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ مَثَلًا لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَجَازَاهُ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهِ لِحَقِّ الشَّرْعِ. (قَوْلُهُ: وَالْفِعْلِيَّةِ) كَقَبْضِ الثَّمَنِ وَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ طَوْعًا. (قَوْلُهُ: الْمُشْتَرِي مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْبَائِعِ الْمُكْرَهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي) لِأَنَّ الِاسْتِرْدَادَ فِيهِ لِحَقِّهِ لَا لِحَقِّ الشَّرْعِ. (قَوْلُهُ: وَقْتَ الْإِعْتَاقِ دُونَ وَقْتِ الْقَبْضِ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: إنْ احْتَمَلَ النَّقْضَ نَقَضَهُ وَإِلَّا يَحْتَمِلْ يُضَمِّنُ الْمُكْرِهَ قِيمَتَهُ يَوْمَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ يَوْمَ قَبَضَهُ أَوْ يَوْمَ أَحْدَثَ فِيهِ تَصَرُّفًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ، لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِهِ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا حَيْثُ لَا يَضْمَنُهُ يَوْمَ الْإِحْدَاثِ بَلْ يَوْمَ قَبَضَهُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ تَضْمِينُ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ أَوْ الْقَبْضِ. (قَوْلُهُ: الثَّمَنُ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ هُوَ الْبَائِعَ وَقَوْلُهُ: وَالْمُثَمَّنُ أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ هُوَ الْمُشْتَرِيَ. (قَوْلُهُ: أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُكْرَهِ) وَهُوَ الْبَائِعُ فِي الْأَوَّلِ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّانِي. (قَوْلُهُ: لِأَخْذِهِ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي) أَيْ أَوْ الْبَائِعِ ح. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهَا) أَيْ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ ح. [تَنْبِيهٌ] :

أُكْرِهَا عَلَى بَيْعِ عَبْدٍ وَشِرَائِهِ وَعَلَى التَّقَابُضِ فَهَلَكَ الثَّمَنُ وَالْعَبْدُ ضَمِنَهُمَا الْمُكْرِهُ لَهُمَا، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا تَضْمِينَ صَاحِبِهِ سُئِلَ كُلٌّ عَمَّا قَبَضَ، فَإِنْ قَالَ كُلٌّ قَبَضْتُ عَلَى الْبَيْعِ الَّذِي أُكْرِهْنَا عَلَيْهِ، لِيَكُونَ لِي فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَإِنْ قَالَ: قَبَضْتُهُ مُكْرَهًا لِأَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ؛ وَآخُذَ مِنْهُ مَا أَعْطَيْت، وَحَلَفَ كُلٌّ لِصَاحِبِهِ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِيَ ضَمِنَ الْبَائِعُ أَيًّا شَاءَ فَإِنْ ضَمِنَ الْمُكْرِهُ قِيمَتَهُ رَجَعَ بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ ضَمِنَهَا الْمُشْتَرِي لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُكْرِهِ بِهَا وَلَا عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ النَّاكِلُ الْبَائِعَ فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي ضَمَّنَ الْمُكْرِهَ الثَّمَنَ، وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ الْبَائِعَ وَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُكْرِهِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ.

(قَوْلُهُ: يَقْتُلُهُ إلَخْ) هَذَا فِي الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَلَفِ عُضْوِهِ) التَّلَفُ مُخَافٌ مِنْهُ لَا مُخَافٌ عَلَيْهِ فَالْأَصْوَبُ حَذْفُ " تَلَفِ " أَوْ الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى صِيغَةِ الْمُضَارِعِ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ يُفْتَى) أَيْ بِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ بِمَا ذُكِرَ مِنْ غَيْرِ السُّلْطَانِ. (قَوْلُهُ: الزَّوْجُ سُلْطَانُ زَوْجَتِهِ) يَعْنِي إنْ قَدَرَ عَلَى الْإِيقَاعِ كَمَا سَيَأْتِي ح قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَسَوْقُ اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْوِفَاقِ وَعِنْدَ الثَّانِي لَوْ بِنَحْوِ السَّيْفِ فَإِكْرَاهٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ خَلَا بِهَا فِي مَوْضِعٍ لَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ فَكَالسُّلْطَانِ اهـ.

قُلْت: وَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ سُلْطَانُ زَوْجَتِهِ أَنْ يَتَحَقَّقَ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ حَيْثُ خَافَتْ مِنْهُ الضَّرَرَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ عَنْ شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: أُكْرِهَ الْمُحْرِمُ) الْأَوْلَى ذِكْرُهَا بَعْدُ مَعَ مَسَائِلِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ. (قَوْلُهُ: كَانَ مَأْجُورًا) لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى ثَابِتٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ: فَإِنْ قَتَلَ الصَّيْدَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قِيَاسًا، وَلَا عَلَى الْآمِرِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَى الْقَاتِلِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ كَانَا مُحْرِمَيْنِ فَعَلَى كُلٍّ كَفَّارَةٌ، وَلَوْ تَوَعَّدَهُ بِالْحَبْسِ وَهُمَا مُحْرِمَانِ فَفِي الْقِيَاسِ تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ الْقَاتِلَ فَقَطْ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَى كُلٍّ الْجَزَاءُ وَلَوْ حَلَالَيْنِ فِي الْحَرَمِ فَإِنْ تَوَعَّدَهُ بِالْقَتْلِ فَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْآمِرِ وَإِنْ بِالْحَبْسِ فَعَلَى الْقَاتِلِ خَاصَّةً هِنْدِيَّةٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ.

(قَوْلُهُ: لَا الْمُشْتَرِي)

ص: 132

ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِلْبَائِعِ) بِقَبْضِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (وَ) الْبَائِعُ الْمُكْرَهُ (لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيًّا شَاءَ) مِنْ الْمُكْرِهِ - بِالْكَسْرِ - وَالْمُشْتَرِي (فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُكْرِهَ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ نَفَذَ) يَعْنِي جَازَ لِمَا مَرَّ (كُلُّ شِرَاءٍ بَعْدَهُ وَلَا يَنْفُذُ مَا قَبْلَهُ) لَوْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ مَثَلًا لِصَيْرُورَتِهِ مِلْكَهُ فَيَجُوزُ مَا بَعْدَهُ لَا مَا قَبْلَهُ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الضَّامِنُ بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ الْمَالِكُ أَحَدَ الْبِيَاعَاتِ حَيْثُ يَجُوزُ الْجَمِيعُ وَيَأْخُذُ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِالْإِجَازَةِ.

(فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ أَوْ لَحْمِ خِنْزِيرٍ أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ بِإِكْرَاهٍ) غَيْرِ مُلْجِئٍ (بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ قَيْدٍ لَمْ يَحِلَّ) إذْ لَا ضَرُورَةَ فِي إكْرَاهٍ غَيْرِ مُلْجِئٍ. نَعَمْ لَا يُحَدُّ لِلشُّرْبِ لِلشُّبْهَةِ

(وَ) إنْ أُكْرِهَ بِمُلْجِئٍ (بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعِ) عُضْوٍ أَوْ ضَرْبٍ مُبَرِّحٍ ابْنُ كَمَالٍ

ــ

[رد المحتار]

فَلَوْ كَانَ مُكْرَهًا أَيْضًا فَقَدْ مَرَّ فِي قَوْلِهِ الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ أَمَانَةٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُكْرَهًا دُونَ الْبَائِعِ فَهَلَكَ عِنْدَهُ بِلَا تَعَدٍّ يَهْلِكُ أَمَانَةً اهـ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أُكْرِهَ الْبَائِعُ فَقَطْ لَمْ يَصِحَّ إعْتَاقُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَفِي عَكْسِهِ نَفَذَ إعْتَاقُ كُلٍّ قَبْلَهُ وَإِنْ أَعْتَقَا مَعًا قَبْلَهُ فَإِعْتَاقُ الْبَائِعِ أَوْلَى. (قَوْلُهُ: ضَمِنَ قِيمَتَهُ) لَوْ قَالَ " ضَمِنَ بَدَلَهُ " كَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الْمِثْلِيَّ وَالْقِيَمِيَّ طُورِيٌّ. (قَوْلُهُ: بِقَبْضِهِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ) أَيْ بِسَبَبِ قَبْضِهِ مُخْتَارًا عَلَى سَبِيلِ التَّمَلُّكِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ. (قَوْلُهُ: لَهُ أَنْ يَضْمَنَ أَيًّا شَاءَ) لِأَنَّ الْمُكْرِهَ كَالْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِيَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ وَإِنْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ) لِأَنَّهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مَلَكَهُ فَقَامَ مَقَامَ الْمَالِكِ الْمُكْرَهِ فَيَكُونُ مَالِكًا مِنْ وَقْتِ وُجُوبِ السَّبَبِ بِالِاسْتِنَادِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي جَازَ) الْمُرَادُ هُنَا بِالْجَوَازِ الصِّحَّةُ لَا الْحِلُّ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) مِنْ أَنَّهُ نَافِذٌ قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا اللُّزُومُ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ بِنَاءً عَلَى مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ. (قَوْلُهُ: كُلُّ شِرَاءٍ بَعْدَهُ) أَيْ لَوْ تَعَدَّدَ الشِّرَاءُ وَكَذَا نَفَذَ شِرَاءُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ ذَكَرَهَا الزَّيْلَعِيُّ مُسْتَقِلَّةً مَوْضُوعُهَا لَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي وَمَا قَبْلَهَا مَوْضُوعُهَا فِي مُشْتَرٍ وَاحِدٍ جَمَعَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ اخْتِصَارًا. (قَوْلُهُ: لَوْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ مَثَلًا) أَفَادَ بِقَوْلِهِ مَثَلًا أَنَّ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيًّا شَاءَ مِنْ الْمُشْتَرِينَ فَأَيُّهُمْ ضَمِنَهُ مَلَكَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ. (قَوْلُهُ: أَحَدَ الْبِيَاعَاتِ) وَلَوْ الْعَقْدَ الْأَخِيرَ أَبُو السُّعُودِ. (قَوْلُهُ: لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِالْإِجَازَةِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ مَوْجُودًا وَالْمَانِعَ مِنْ النُّفُوذِ حَقُّهُ وَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ بِالْإِجَازَةِ فَجَازَ الْكُلُّ، وَأَمَّا إذَا ضَمَّنَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ حَقَّهُ، لِأَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ كَاسْتِرْدَادِ الْعَيْنِ فَتَبْطُلُ الْبِيَاعَاتِ الَّتِي قَبْلَهُ؛ وَلَا يَكُونُ أَخْذُ الثَّمَنِ اسْتِرْدَادًا لِلْبَيْعِ بَلْ إجَازَةً فَافْتَرَقَا.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ مَيْتَةٍ إلَخْ) الْإِكْرَاهُ عَلَى الْمَعَاصِي أَنْوَاعٌ: نَوْعٌ يُرَخَّصُ لَهُ فِعْلُهُ، وَيُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ كَإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَشَتْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَكُلُّ مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ، وَقِسْمٌ: يَحْرُمُ فِعْلُهُ وَيَأْثَمُ بِإِتْيَانِهِ كَقَتْلِ مُسْلِمٍ أَوْ قَطْعِ عُضْوِهِ أَوْ ضَرْبِهِ ضَرْبًا مُتْلِفًا أَوْ شَتْمِهِ أَوْ أَذِيَّتِهِ وَالزِّنَا، وَقِسْمٌ يُبَاحُ فِعْلُهُ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ: كَالْخَمْرِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ طُورِيٌّ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَزَادَ فِي الْخَانِيَّةِ رَابِعًا: وَهُوَ مَا يَكُونُ الْفِعْلُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً كَالْإِكْرَاهِ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ لَكِنَّهُ مُخَالِفُ لِمَا سَيَأْتِي كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ) عِبَارَةُ ابْنِ الْكَمَالِ: أَوْ شُرْبِ دَمٍ أَوْ خَمْرٍ، وَكَتَبَ فِي هَامِشِهِ: الدَّمُ مِنْ الْمَشْرُوبِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: ذُكِرَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: مَنْ اُضْطُرَّ إلَى مَيْتَةٍ أَوْ لَحْمِ خِنْزِيرٍ أَوْ دَمٍ وَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ. (قَوْلُهُ: بِحَبْسٍ) قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إنَّ مُحَمَّدًا أَجَابَ هَكَذَا بِنَاءً عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْحَبْسِ فِي زَمَانِهِ، فَأَمَّا الْحَبْسُ الَّذِي أَحْدَثُوهُ الْيَوْمَ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّهُ يُبِيحُ التَّنَاوُلَ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ ضَرْبٍ) إلَّا عَلَى الْمَذَاكِيرِ وَالْعَيْنِ كَمَا مَرَّ فَإِنَّهُ يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ ضَرْبٍ مُبَرِّحٍ) قَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَدْنَى الْحَدِّ وَهُوَ أَرْبَعُونَ سَوْطًا، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلتَّقْدِيرِ بِالرَّأْيِ وَالنَّاسُ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُوتُ بِأَدْنَى مِنْهُ، فَلَا طَرِيقَ سِوَى الرُّجُوعِ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

ص: 133

(حَلَّ) الْفِعْلُ بَلْ فُرِضَ (فَإِنْ صَبَرَ فَقُتِلَ أَثِمَ) إلَّا إذَا أَرَادَ مُغَايَظَةَ الْكُفَّارِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْإِبَاحَةَ بِالْإِكْرَاهِ لَا يَأْثَمُ لِخَفَائِهِ فَيُعْذَرُ بِالْجَهْلِ، كَالْجَهْلِ بِالْخِطَابِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ (كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ) كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَجِّ.

(وَ) إنْ أُكْرِهَ (عَلَى الْكُفْرِ) بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ سَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَجْمَعٌ، وَقُدُورِيٌّ (بِقَطْعٍ أَوْ قَتْلٍ رُخِّصَ لَهُ أَنْ يُظْهِرَ مَا أُمِرَ بِهِ) عَلَى لِسَانِهِ، وَيُوَرِّي (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) ثُمَّ إنْ وَرَّى لَا يُكَفَّرُ وَبَانَتْ امْرَأَتُهُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً وَإِنْ خَطَرَ بِبَالِهِ التَّوْرِيَةُ وَلَوْ يُوَرِّ كُفِّرَ، وَبَانَتْ دِيَانَةً وَقَضَاءً، نَوَازِلُ، وَجَلَالِيَّةٌ

ــ

[رد المحتار]

قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَيُحْكَى عَنْ جَلَّادِ مِصْرَ أَنَّهُ يُقْتَلُ الْإِنْسَانُ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ بِسَوْطِهِ الَّذِي عَلَّقَ عَلَيْهِ الْكَعْبَ. (قَوْلُهُ: حَلَّ الْفِعْلُ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُسْتَثْنَاةٌ عَنْ الْحُرْمَةِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ عَنْ الْحُرْمَةِ حِلٌّ ابْنُ كَمَالٍ. (قَوْلُهُ: أَثِمَ) لِأَنَّ هَلَاكَ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْمُبَاحِ حَرَامٌ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا أَرَادَ مُغَايَظَةَ الْكُفَّارِ) لَمْ يَعْزُ الشَّارِحُ هَذَا لِأَحَدٍ وَقَدْ رَاجَعْت كُتُبًا كَثِيرَةً مِنْ كُتُبِ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ فَلَمْ أَجِدْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ثُمَّ رَأَيْته بَعْدَ حِينٍ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ فِي كِتَابِ مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ. (قَوْلُهُ: فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ) أَيْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتْقَانِيٌّ: يَعْنِي قَبْلَ انْتِشَارِ الْأَحْكَامِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَوَّلَ إسْلَامِ الْمُخَاطَبِ لِمَا قَالُوا: تَجِبُ الْأَحْكَامُ بِالْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ أَوْ الْكَوْنِ فِي دَارِنَا، وَعَلَيْهِ فَمَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِنَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا تَرَكَ مِنْ نَحْوِ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ قَبْلَ تَعَلُّمِهِ، وَإِنْ كَانَ جَهْلُهُ عُذْرًا فِي رَفْعِ الْإِثْمِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ) أَيْ فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِهَا فِيهَا. (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ) أَيْ الْمَجَاعَةِ الشَّدِيدَةِ فَإِنَّهُ إنْ صَبَرَ أَثِمَ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى - {إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]- يَشْمَلُ الْإِكْرَاهَ الْمُلْجِئَ لِأَنَّهُ مِنْ الضَّرُورَةِ وَإِنْ خُصَّ بِالْمَخْمَصَةِ فَالْإِكْرَاهُ ثَابِتٌ بِدَلَالَةِ النَّصِّ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي حَاشِيَتِنَا عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ لِلشَّارِحِ.

(قَوْلُهُ: مَجْمَعٌ وَقُدُورِيٌّ) أَيْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ السَّبِّ فِي الْمَجْمَعِ وَمُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: بِقَطْعٍ أَوْ قَتْلٍ) أَيْ بِمَا يُخْشَى مِنْهُ التَّلَفُ. (قَوْلُهُ: وَيُوَرِّي) التَّوْرِيَةُ أَنْ يُظْهِرَ خِلَافَ مَا أَضْمَرَ فِي قَلْبِهِ أَتْقَانِيٌّ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ فَجَازَ أَنْ يُرَادَ بِهَا هُنَا اطْمِئْنَانُ الْقَلْبِ وَأَنْ يُرَادَ الْإِتْيَانُ بِلَفْظٍ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ اهـ وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ يُكْرَهُ عَلَى السُّجُودِ لِلصَّنَمِ أَوْ الصَّلِيبِ وَلَا لَفْظٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا إضْمَارُ خِلَافِ مَا أَظْهَرَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْإِخْفَاءِ فَهِيَ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ وَرَّى لَا يُكَفَّرُ) كَمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى السُّجُودِ لِلصَّلِيبِ أَوْ سَبِّ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَعَلَ وَقَالَ نَوَيْت بِهِ الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَمُحَمَّدًا آخَرَ غَيْرَ النَّبِيِّ. (قَوْلُهُ: وَبَانَتْ امْرَأَتُهُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً) لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ طَائِعٌ بِإِتْيَانِ مَا لَمْ يُكْرَهْ عَلَيْهِ وَحُكْمُ هَذَا الطَّائِعِ مَا ذَكَرْنَا هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ خَطَرَ بِبَالِهِ التَّوْرِيَةُ إلَخْ) أَيْ إنْ خَطَرَ بِبَالِهِ الصَّلَاةُ لِلَّهِ تَعَالَى وَسَبُّ غَيْرِ النَّبِيِّ وَلَمْ يُوَرِّ كُفِّرَ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ دَفْعُ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ وَوَجَدَ مَخْرَجًا عَمَّا اُبْتُلِيَ بِهِ، ثُمَّ لَمَّا تَرَكَ مَا خَطَرَ عَلَى بَالِهِ، وَشَتَمَ مُحَمَّدًا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ كَافِرًا، وَإِنْ وَافَقَ الْمُكْرِهَ فِيمَا أَكْرَهَهُ، لِأَنَّهُ وَافَقَهُ بَعْدَمَا وَجَدَ مَخْرَجًا عَمَّا اُبْتُلِيَ، فَكَانَ غَيْرَ مُضْطَرٍّ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ كُفْرٌ كِفَايَةٌ: وَبَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَإِنْ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ شَيْءٌ وَصَلَّى لِلصَّلِيبِ أَوْ سَبَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ لَمْ تَبِنْ مَنْكُوحَتُهُ لَا قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً لِأَنَّهُ فَعَلَ مُكْرَهًا لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ إذَا لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ غَيْرُهُ اهـ.

وَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّوْرِيَةَ إنَّمَا تَلْزَمُ عِنْدَ خُطُورِهَا فَإِذَا خَطَرَتْ لَزِمَتْهُ وَبَقِيَ مُؤْمِنًا دِيَانَةً، وَظَهَرَ أَنَّ التَّوْرِيَةَ لَيْسَتْ الِاطْمِئْنَانَ لِفَقْدِهَا فِي الثَّالِثِ، مَعَ وُجُودِهِ فِيهِ خِلَافًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعِنَايَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الثَّالِثَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي " وَلَا رِدَّتُهُ " فَلَا تَبِينُ زَوْجَتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فَلَا تُنَافِي مَا هُنَا كَمَا خَفِيَ عَلَى الشَّارِحِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ: نَوَازِلُ وَجَلَالِيَّةٌ) الْأَقْرَبُ عَزْوُهُ إلَى الْهِدَايَةِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمَشَاهِيرِ الْمُتَدَاوَلَةِ

ص: 134

(وَيُؤْجَرُ لَوْ صَبَرَ) لِتَرْكِهِ الْإِجْرَاءَ الْمُحَرَّمَ وَمِثْلُهُ سَائِرُ حُقُوقِهِ تَعَالَى كَإِفْسَادِ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَقَتْلِ صَيْدِ حَرَمٍ أَوْ فِي إحْرَامٍ وَكُلُّ مَا ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ اخْتِيَارٌ (وَلَمْ يُرَخَّصْ) الْإِجْرَاءُ (بِغَيْرِهِمَا) بِغَيْرِ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ يَعْنِي بِغَيْرِ الْمُلْجِئِ ابْنُ كَمَالٍ إذْ التَّكَلُّمُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لَا يَحِلُّ أَبَدًا.

(وَرُخِّصَ لَهُ إتْلَافُ مَالِ مُسْلِمٍ) أَوْ ذِمِّيٍّ اخْتِيَارٌ (بِقَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ) وَيُؤْجَرُ لَوْ صَبَرَ ابْنُ مَالِكٍ (وَضَمَّنَ رَبُّ الْمَالِ الْمُكْرِهَ) بِالْكَسْرِ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ - بِالْفَتْحِ - كَالْآلَةِ (لَا) يُرَخَّصُ (قَتْلُهُ)

ــ

[رد المحتار]

قَوْلُهُ: وَيُؤْجَرُ لَوْ صَبَرَ) أَيْ يُؤْجَرُ أَجْرَ الشُّهَدَاءِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ خُبَيْبًا وَعَمَّارًا اُبْتُلِيَا بِذَلِكَ فَصَبَرَ خُبَيْبِ حَتَّى قُتِلَ فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ وَأَظْهَرَ عَمَّارٌ وَكَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» أَيْ إنْ عَادَ الْكُفَّارُ إلَى الْإِكْرَاهِ فَعُدْ أَنْتَ إلَى مِثْلِ مَا أَتَيْت بِهِ أَوَّلًا مِنْ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ، وَقَلْبُك مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ابْنُ كَمَالٍ وَقِصَّتُهُمَا شَهِيرَةٌ. (قَوْلُهُ: لِتَرْكِهِ الْإِجْرَاءَ الْمُحَرَّمَ) أَتَى بِلَفْظِ الْمُحَرَّمِ لِيُفِيدَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ، فَإِنَّ ذَاكَ زَالَتْ حُرْمَتُهُ فَلِذَا يَأْثَمُ لَوْ صَبَرَ. فَإِنْ قِيلَ: كَمَا اسْتَثْنَى حَالَةَ الضَّرُورَةِ فِي الْمَيْتَةِ اسْتَثْنَى حَالَةَ الْإِكْرَاهِ هُنَا. قُلْنَا: ثَمَّةَ اسْتَثْنَى مِنْ الْحُرْمَةِ فَكَانَ إبَاحَةً فَلَمْ يَكُنْ رُخْصَةً وَهُنَا مِنْ الْغَضَبِ، فَيَنْتَفِي الْغَضَبُ فِي الْمُسْتَثْنَى، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ الْحُرْمَةِ فَكَانَ رُخْصَةً وَذَكَرَ فِي الْكَشَّافِ " مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ " شَرْطٌ مُبْتَدَأٌ وَجَوَابُهُ مَحْذُوفٌ، لِأَنَّ جَوَابَ " مَنْ شَرَحَ " دَالٌّ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قِيلَ مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ إلَّا مَنْ أُكْرِهَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَضَبٌ، وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ كِفَايَةٌ. (قَوْلُهُ: كَإِفْسَادِ صَوْمٍ) أَيْ مِنْ مُقِيمٍ صَحِيحٍ بَالِغٍ فَلَوْ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ، وَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ يَسَعُهُ يَكُونُ آثِمًا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.

(قَوْلُهُ: وَصَلَاةٍ) عِبَارَةُ غَايَةِ الْبَيَانِ وَكَذَلِكَ الْمُكْرَهُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْوَقْتِ إذَا صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ يَسَعُهُ كَانَ مَأْجُورًا اهـ وَهَذَا ظَاهِرٌ أَمَّا إفْسَادُهَا فَقَدْ ذَكَرُوا جَوَازَ قَطْعِهَا لِدِرْهَمٍ، وَلَوْ لِغَيْرِهِ تَأَمَّلْ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَجْرِ عَلَى الصَّبْرِ لِأَخْذِهِ بِالْعَزِيمَةِ وَإِنْ جَازَ الْأَخْذُ بِالرُّخْصَةِ. (قَوْلُهُ: وَقَتْلِ صَيْدِ حَرَمٍ) بِإِضَافَةِ صَيْدِ إلَى حَرَمٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ فِي إحْرَامٍ عُطِفَ عَلَى " حَرَمٍ "، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْهِنْدِيَّةِ الْكَلَامَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ) زَادَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِإِبَاحَتِهِ حَالَةَ الضَّرُورَةِ، وَفِيهِ أَنَّهُ وَرَدَ النَّصُّ بِإِبَاحَةِ تَرْكِ الصَّوْمِ لِأَقَلَّ مِنْ الضَّرُورَةِ، وَهُوَ السَّفَرُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْثَمَ لَوْ صَبَرَ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْكَلَامُ فِي الْإِفْسَادِ بَعْدَ الشُّرُوعِ وَالْوَارِدُ إبَاحَتُهُ الْإِفْطَارُ قَبْلَهُ تَأَمَّلْ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ اُضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَدَرَ عَلَى صَيْدٍ لَا يَقْتُلُهُ وَيَأْكُلُ الْمَيْتَةَ. (قَوْلُهُ: يَعْنِي بِغَيْرِ الْمُلْجِئِ) أَشَارَ بِهَذِهِ الْعِنَايَةِ إلَى أَنَّ الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ لَيْسَا قَيْدًا، بَلْ مَا كَانَ مُلْجِئًا فَهُوَ فِي حُكْمِهِمَا كَالضَّرْبِ عَلَى الْعَيْنِ وَالذَّكَرِ وَحَبْسِ هَذَا الزَّمَانِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ بَلْخٍ وَالتَّهْدِيدُ بِأَخْذِ كُلِّ الْمَالِ كَمَا بَحَثَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ ط وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ الزَّاهِدِيِّ لَا أَنَّهُ بَحْثٌ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: إذْ التَّكَلُّمُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لَا يَحِلُّ أَبَدًا) هَذَا إنَّمَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِقَوْلِهِ سَابِقًا لِتَرْكِ الْإِجْرَاءِ الْمُحَرَّمِ فَالْأَوْلَى ذِكْرُ ذَلِكَ بِلَصْقِهِ ط.

(قَوْلُهُ: وَيُؤْجَرُ لَوْ صَبَرَ) لِأَخْذِهِ بِالْعَزِيمَةِ لِأَنَّ أَخْذَ مَالِ الْغَيْرِ مِنْ الْمَظَالِمِ وَحُرْمَةُ الظُّلْمِ لَا تَنْكَشِفُ، وَلَا تُبَاحُ بِحَالٍ كَالْكُفْرِ أَتْقَانِيٌّ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ تَرْكَ الْإِتْلَافِ أَفْضَلُ وَلِذَا قَالُوا: إنَّ تَنَاوُلَ مَالِ الْغَيْرِ أَشَدُّ حُرْمَةً مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْفِعْلَ وَالتَّرْكَ سَوَاءٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ اُضْطُرَّ حَالَ الْمَخْمَصَةِ وَأَرَادَ أَخْذَ مَالَ الْغَيْرِ فَمَنَعَهُ صَاحِبُهُ، وَلَمْ يَأْخُذْ حَتَّى مَاتَ يَأْثَمُ اهـ وَنَقَلَ الْأَتْقَانِيُّ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْإِكْرَاهِ وَأَنَّ الْفَقِيهَ أَبَا إِسْحَاقَ الْحَافِظَ كَانَ يَقُولُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِتَأْوِيلِ مَا فِي الْمَخْمَصَةِ عَلَى مَا إذَا كَانَ صَاحِبُهُ يُعْطِيهِ بِالْقِيمَةِ، فَلَمْ يَأْخُذْ حَتَّى مَاتَ يَأْثَمُ وَكَذَا فِي الْإِكْرَاهِ لَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ يُعْطِيهِ بِالْقِيمَةِ يَأْثَمُ. (قَوْلُهُ: كَالْآلَةِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ آلَةٌ لِلْمُكْرِهِ يُنْقَلُ إلَى

ص: 135

أَوْ سَبُّهُ أَوْ قَطْعُ عُضْوِهِ وَمَا لَا يُسْتَبَاحُ بِحَالٍ اخْتِيَارٌ.

(وَيُقَادُ فِي) الْقَتْلِ (الْعَمْدِ الْمُكْرِهُ) بِالْكَسْرِ لَوْ مُكَلَّفًا عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ خِلَافًا لِمَا فِي النِّهَايَةِ (فَقَطْ) لِأَنَّ الْقَاتِلَ كَالْآلَةِ وَأَوْجَبَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِمَا وَنَفَاهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْهُمَا لِلشُّبْهَةِ

ــ

[رد المحتار]

الْمُكْرِهِ وَالْإِتْلَافُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بِأَنْ يَأْخُذَهُ وَيُلْقِيَهُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ فَيُتْلِفَهُ، فَصَارَ كَأَنَّ الْمُكْرَهَ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ بِخِلَافِ مَا لَا يَصْلُحُ آلَةً كَالْأَكْلِ وَالْوَطْءِ، وَالتَّكَلُّمِ، ولِذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِعْتَاقِ ضَمَّنَ الْمُكْرِهَ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ فِي حَقِّ الْإِتْلَافِ يَصْلُحُ آلَةً لَكِنَّ الْوَلَاءَ لِلْمُكْرَهِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ آلَةً فِي حَقِّ التَّكَلُّمِ أَتْقَانِيٌّ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ السِّرَاجِ: حَتَّى لَوْ حَمَلَهُ مَجُوسِيٌّ عَلَى ذَبْحِ شَاةِ الْغَيْرِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا اهـ وَسَيَأْتِي خِلَافُهُ. (قَوْلُهُ: أَوْ سَبُّهُ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ مِنْ أَنَّهُ بِالْمُلْجِئِ يُرَخَّصُ شَتْمُ الْمُسْلِمِ وَأَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الِافْتِرَاءِ عَلَى مُسْلِمٍ يُرْجَى أَنْ يَسَعَهُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ اهـ

وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ بِمُتْلِفٍ أَنْ يَفْتَرِيَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَ فِي سَعَةٍ فَهُنَا أَوْلَى إلَّا أَنَّهُ عَلَّقَ الْإِبَاحَةَ بِالرَّجَاءِ، وَفِي الِافْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ لَمْ يُعَلِّقْ، لِأَنَّهَا هُنَاكَ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ، وَهُنَا ثَبَتَ دَلَالَةً قَالَ مُحَمَّدٌ عَقِيبَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ عَلَى شَتْمِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي سَعَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَطَرِيقُهُ مَا قُلْنَا وَلَوْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا وَكَانَ أَفْضَلَ اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ قَطْعُ عُضْوِهِ) أَيْ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ الْمَقْطُوعُ غَيْرَ مُكْرَهٍ فَإِنْ قَطَعَ فَهُوَ آثِمٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاطِعِ وَلَا عَلَى الْمُكْرِهِ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْقَتْلِ فَأَذِنَ لَهُ فَقَتَلَهُ أَثِمَ وَالدِّيَةُ فِي مَالِ الْآمِرِ تَتَارْخَانِيَّةٌ، لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ لَهُ السُّلْطَانُ: اقْطَعْ يَدَ فُلَانٍ، وَإِلَّا لَأَقْتُلَنَّكَ وَسِعَهُ أَنْ يَقْطَعَ وَعَلَى الْآمِرِ الْقِصَاصُ عِنْدَهُمَا وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ ثُمَّ رَأَيْت الطُّورِيَّ وَفَّقَ بِأَنَّهُ إنْ أُكْرِهَ عَلَى الْقَطْعِ بِأَغْلَظَ مِنْهُ وَسِعَهُ وَإِنْ بِقَطْعٍ أَوْ بِدُونِهِ فَلَا تَأَمَّلْ. وَأَتَى بِضَمِيرِ الْغَيْبَةِ الْعَائِدِ عَلَى غَيْرِهِ لِمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ عَلَى قَطْعِ يَدِ نَفْسِهِ، وَسِعَهُ ذَلِكَ وَعَلَى الْمُكْرِهِ الْقَوَدُ وَلَوْ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ فَقَتَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُكْرِهِ اهـ وَفِي الْمَجْمَعِ أُكْرِهَ عَلَى قَطْعِ يَدِهِ أَيْ يَدِ الْغَيْرِ فَفَعَلَ، ثُمَّ قَطَعَ رِجْلَهُ طَوْعًا فَمَاتَ يُوجِبُ أَبُو يُوسُفَ الدِّيَةَ فِي مَالَيْهِمَا وَأَوْجَبَا الْقِصَاصَ عَلَيْهِمَا.

(قَوْلُهُ: وَيُقَادُ فِي الْعَمْدِ الْمُكْرِهُ فَقَطْ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُبَاحُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقَتْلِ بِالْمُلْجِئِ، وَلَوْ قَتَلَ أَثِمَ وَيُقْتَصُّ الْحَامِلُ وَيُحْرَمُ الْمِيرَاثَ لَوْ بَالِغًا وَيَقْتَصُّ الْمُكْرَهُ مِنْ الْحَامِلِ وَيَرِثُهُمَا شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا فِي النِّهَايَةِ) مِنْ قَوْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْآمِرُ بَالِغًا أَوْ لَا عَاقِلًا أَوْ مَعْتُوهًا فَالْقَوَدُ عَلَى الْآمِرِ وَعَزَاهُ لِلْمَبْسُوطِ وَرَدَّهُ فِي الْعِنَايَةِ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْكَاكِيِّ صَاحِبِ الْمِعْرَاجِ نَقْلًا عَنْ شَيْخِهِ عَلَاءِ الدِّينِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِأَنَّ عِبَارَةَ الْمَبْسُوطِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُكْرَهُ إلَخْ، وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ فَتَوَهَّمَ أَنَّهُ بِالْكَسْرِ فَعَبَّرَ بِالْآمِرِ، وَهُوَ سَهْوٌ يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ أَبُو الْيُسْرِ فِي مَبْسُوطِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُكْرِهُ الْآمِرُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ عَلَى أَحَدٍ، لِأَنَّ الْقَاتِلَ فِي الْحَقِيقَةِ هَذَا الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِوُجُوبِ الْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ.

أَقُولُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الشُّرَّاحُ حُكْمَ الدِّيَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُكْرِهِ - أَيْ بِالْكَسْرِ - فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَاتِلَ كَالْآلَةِ) أَيْ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً وَهُوَ الْإِتْلَافُ بِخِلَافِ الْإِثْمِ لِأَنَّهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى دِينِهِ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَجْنِي عَلَى دِينِ غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ أَكْرَهَ مُسْلِمٌ مَجُوسِيًّا عَلَى ذَبْحِ شَاةٍ، فَإِنَّهُ يُنْقَلُ الْفِعْلُ إلَى الْمُسْلِمِ الْآمِرِ فِي حَقِّ الْإِتْلَافِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَلَا يُنْقَلُ فِي حَقِّ الْحِلِّ فِي الذَّبْحِ فِي الدِّينِ، وَبِالْعَكْسِ يَحِلُّ زَيْلَعِيٌّ، وَمِثْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ فَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مِنْ عَكْسِهِ الْحُكْمَ سَهْوٌ فِي النَّقْلِ. (قَوْلُهُ: وَنَفَاهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْهُمَا) لَكِنْ أَوْجَبَ الدِّيَةَ عَلَى الْآمِرِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ خَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: لِلشُّبْهَةِ) أَيْ شُبْهَةِ الْعَدَمِ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا قَاتِلٌ حَقِيقَةً لَا حُكْمًا، وَالْآخَرَ بِالْعَكْسِ

ص: 136

(وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا لَا يُرَخَّصُ لَهُ) لِأَنَّ فِيهِ قَتْلَ النَّفْسِ بِضَيَاعِهَا لَكِنَّهُ لَا يُحَدُّ اسْتِحْسَانًا، بَلْ يَغْرَمُ الْمَهْرَ - وَلَوْ طَائِعَةً - لِأَنَّهُمَا لَا يَسْقُطَانِ جَمِيعًا. شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ (وَفِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ يُرَخَّصُ) لَهَا الزِّنَا (بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ) لِأَنَّ نَسَبَ الْوَلَدِ لَا يَنْقَطِعُ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ مِنْ جَانِبِهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ (لَا بِغَيْرِهِ لَكِنَّهُ يُسْقِطُ الْحَدَّ فِي زِنَاهَا لَا زِنَاهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمُلْجِئُ رُخْصَةً لَهُ لَمْ يَكُنْ غَيْرُ الْمُلْجِئِ شُبْهَةً لَهُ. [فَرْعٌ] :

ظَاهِرُ تَعْلِيلِهِمْ أَنَّ حُكْمَ اللِّوَاطَةِ كَحُكْمِ الْمَرْأَةِ لِعَدَمِ الْوَلَدِ فَتُرَخَّصُ بِالْمُلْجِئِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِكَوْنِهَا أَشَدَّ حُرْمَةً مِنْ الزِّنَا لِأَنَّهَا لَمْ تُبَحْ بِطَرِيقٍ مَا وَلِكَوْنِ قُبْحِهَا عَقْلِيًّا وَلِذَا لَا تَكُونُ فِي الْجَنَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ.

(وَصَحَّ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَعِتْقُهُ) لَوْ بِالْقَوْلِ لَا بِالْفِعْلِ كَشِرَاءِ قَرِيبِهِ ابْنُ كَمَالٍ (وَرَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَنِصْفِ الْمُسَمَّى إنْ لَمْ يَطَأْ

ــ

[رد المحتار]

وَقَالَ زُفَرُ: يُقَادُ الْفَاعِلُ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أُكْرِهَ) أَيْ بِمُلْجِئٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَجِيءُ. (قَوْلُهُ: بِضَيَاعِهَا) لِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا هَالِكٌ حُكْمًا لِعَدَمِ مَنْ يُرَبِّيهِ، فَلَا يُسْتَبَاحُ بِضَرُورَةٍ مَا كَالْقَتْلِ دُرَرٌ. (قَوْلُهُ: بَلْ يَغْرَمُ الْمَهْرَ) وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْوَطْءِ حَصَلَتْ لِلزَّانِي كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ طَعَامِ نَفْسِهِ جَائِعًا تَتَارْخَانِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا) أَيْ الْمَهْرَ وَالْحَدَّ لَا يَسْقُطَانِ جَمِيعًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: لَا يَنْقَطِعُ) أَيْ عَنْ الْأُمِّ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يُسْقِطُ الْحَدَّ فِي زِنَاهَا) أَيْ بِغَيْرِ الْمُلْجِئِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُلْجِئُ رُخْصَةً لَهَا كَانَ غَيْرُهُ شُبْهَةً لَهَا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْمُلْجِئُ رُخْصَةً لَهُ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَا زِنَاهُ، وَإِذَا لَمْ يُرَخَّصْ لَهُ يَأْثَمُ فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ هَلْ تَأْثَمُ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنْ أُكْرِهَتْ عَلَى أَنْ تُمَكِّنَ مِنْ نَفْسِهَا، فَمَكَّنَتْ تَأْثَمُ وَإِنْ لَمْ تُمَكِّنْ وَزَنَى بِهَا فَلَا وَهَذَا لَوْ بِمُلْجِئٍ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ بِلَا خِلَافٍ لَا عَلَيْهَا وَلَكِنَّهَا تَأْثَمُ هِنْدِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ تَعْلِيلِهِمْ) أَيْ بِأَنَّهُ لَا يُرَخَّصُ لِلرَّجُلِ، لِأَنَّ فِيهِ قَتْلَ النَّفْسِ وَيُرَخَّصُ لِلْمَرْأَةِ لِعَدَمِ قَطْعِ النَّسَبِ مِنْهَا. (قَوْلُهُ: أَنَّ حُكْمَ اللِّوَاطَةِ) أَيْ مِنْ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَلَوْ بِرَجُلٍ ط. (قَوْلُهُ: فَتُرَخَّصُ بِالْمُلْجِئِ) فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ مِنْ النُّتَفِ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا وَاللُّوَاطَةِ لَا يَسَعُهُ وَإِنْ قُتِلَ اهـ فَمَنَعَ اللِّوَاطَةَ مَعَ أَنَّهَا لَا تُؤَدِّي إلَى هَلَاكِ الْوَلَدِ وَلَا تُفْسِدُ الْفِرَاشَ اهـ سَرَى الدَّيْنِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ النُّتَفِ يَعُمُّ الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ ط وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمِنَحِ أَيْضًا عِبَارَةَ النُّتَفِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَمْ تُبَحْ بِطَرِيقٍ مَا) بِخِلَافِ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ فَإِنَّهُ يُسْتَبَاحُ بِعَقْدٍ وَبِمِلْكٍ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَلِكَوْنِ قُبْحِهَا عَقْلِيًّا) لِأَنَّ فِيهَا إذْلَالًا لِلْمَفْعُولِ وَيَأْبَى الْعَقْلُ ذَلِكَ، وَقَدْ انْضَمَّ قُبْحُهَا الْعَقْلِيُّ إلَى قُبْحِهَا طَبْعًا - فَإِنَّهُ مَحَلُّ نَجَاسَةٍ وَفَرْثٍ وَإِخْرَاجٍ لَا مَحَلُّ حَرْثٍ وَإِدْخَالٍ وَطَهَارَةٍ -، وَإِلَى قُبْحِهَا شَرْعًا ط

(قَوْلُهُ: وَصَحَّ نِكَاحُهُ) فَلَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِالزِّيَادَةِ بَطَلَتْ الزِّيَادَةُ وَأَوْجَبَهَا الطَّحَاوِيُّ، وَقَالَ: يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُكْرِهِ بَزَّازِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: لَوْ بِالْقَوْلِ لَا بِالْفِعْلِ إلَخْ) تَبِعَ ابْنَ الْكَمَالِ فِي ذِكْرِهِ ذَلِكَ هُنَا، وَصَوَابُهُ ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَرَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ، لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ لَا فِي صِحَّةِ الْعِتْقِ، وَعِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ سَالِمَةٌ مِنْ هَذَا الِاشْتِبَاهِ حَيْثُ قَالَ: أُكْرِهَ عَلَى الْإِعْتَاقِ فَلَهُ تَضْمِينُ الْمُكْرِهِ إلَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى شِرَاءِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ أَوْ بِالْقَرَابَةِ اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أُكْرِهَ عَلَى شِرَاءِ ذِي رَحِمِهِ أَوْ مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِهِ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِعَشَرَةِ آلَافٍ، فَاشْتَرَى عَتَقَ وَلَزِمَهُ أَلْفٌ لَا عَشَرَةٌ، لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِيمَةُ لَا الثَّمَنُ، وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ عَلَى الْمُكْرِهِ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ مَا خَرَجَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَرَجَعَ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ) يَعْنِي فِي صُورَةِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ صَلَحَ لَهُ آلَةً فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ فَانْضَافَ إلَيْهِ ابْنُ كَمَالٍ وَالْوَلَاءُ لِلْمَأْمُورِ لِمَا مَرَّ عَنْ الْأَتْقَانِيِّ، وَيَرْجِعُ بِالْقِيمَةِ عَلَيْهِ وَلَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُكْرِهُ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا ضَمِنَ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ، وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. (قَوْلُهُ: وَنِصْفِ الْمُسَمَّى إنْ لَمْ يَطَأْ) لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ مِنْ جِهَتِهَا بِمَعْصِيَةٍ كَالِارْتِدَادِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ، وَقَدْ تَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ، فَكَانَ تَقْرِيرًا لِلْمَالِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَيُضَافُ تَقْرِيرُهُ إلَى الْمُكْرِهِ، وَالتَّقْرِيرُ

ص: 137

وَنَذْرُهُ، وَيَمِينُهُ، وَظِهَارُهُ، وَرَجْعَتُهُ، وَإِيلَاؤُهُ وَفَيْؤُهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِيلَاءِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ (وَإِسْلَامُهُ) وَلَوْ ذِمِّيًّا كَمَا هُوَ إطْلَاقُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ التَّفْصِيلِ فَقِيَاسٌ، وَالِاسْتِحْسَانُ صِحَّتُهُ مُطْلَقًا فَلْيُحْفَظْ (بِلَا قَتْلٍ لَوْ رَجَعَ) لِلشُّبْهَةِ، كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ (وَتَوْكِيلُهُ بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ)

ــ

[رد المحتار]

كَالْإِيجَابِ، فَكَانَ مُتْلِفًا لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ، وَقَيَّدَ بِالْمُسَمَّى، لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى فِيهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْمُتْعَةِ ابْنُ كَمَالٍ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يَطَأْ لِأَنَّهُ إنْ وَطِئَ لَا يَرْجِعُ، لِأَنَّ الْمَهْرَ تَقَرَّرَ هُنَا بِالدُّخُولِ لَا بِالطَّلَاقِ زَيْلَعِيٌّ، وَالْمُرَادُ بِالْوَطْءِ مَا يَعُمُّ الْخَلْوَةَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْحَامِلَ أَجْنَبِيٌّ، فَلَوْ كَانَ زَوْجَةً لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا أُكْرِهَتْ بِالْمُلْجِئِ وَأَمَّا بِغَيْرِهِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ قُهُسْتَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَنَذْرُهُ) أَيْ بِكُلِّ طَاعَةٍ كَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ أَثَرُ الْإِكْرَاهِ قُهُسْتَانِيٌّ لِأَنَّهُ مِنْ اللَّاتِي هَزْلُهُنَّ جِدٌّ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ بِمَا لَزِمَهُ لِأَنَّهُ لَا مُطَالِبَ لَهُ فِي الدُّنْيَا فَلَا يُطَالِبُ هُوَ بِهِ فِيهَا زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَيَمِينُهُ وَظِهَارُهُ) أَيْ الْيَمِينُ عَلَى الطَّاعَةِ أَوْ الْمَعْصِيَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَالظِّهَارَ لَا يَعْمَلُ فِيهِمَا الْإِكْرَاهُ، لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِ الْفَسْخَ، فَيَسْتَوِي فِيهِمَا الْجِدُّ وَالْهَزْلُ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَرَجْعَتُهُ) لِأَنَّهَا اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ، فَكَانَتْ مُلْحَقَةً بِهِ زَيْلَعِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَإِيلَاؤُهُ وَفَيْؤُهُ فِيهِ) لِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَمِينٌ فِي الْحَالِ، وَطَلَاقٌ فِي الْمَآلِ، وَالْفَيْءَ فِيهِ كَالرَّجْعَةِ فِي الِاسْتِدَامَةِ وَلَوْ بَانَتْ بِمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا لَزِمَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَيْءِ فِي الْمُدَّةِ وَكَذَا الْخُلْعُ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ أَوْ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ غَيْرَ مُكْرَهَةٍ لَزِمَهَا الْبَدَلُ زَيْلَعِيٌّ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أُكْرِهَتْ عَلَى أَنْ قَبِلَتْ مِنْ الزَّوْجِ تَطْلِيقَةً بِأَلْفٍ وَقَعَتْ رَجْعِيَّةً وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا. (قَوْلُهُ: بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ) كَذَا قَالَ أَيْضًا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى، وَاَلَّذِي فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ كَشُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِ الْكَنْزِ وَالدُّرَرِ وَالْمِنَحِ تَخْصِيصُهُ الْقَوْلَ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ كَوْنُ الْكَلَامِ فِيمَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ مِنْ الْأَقْوَالِ فَلَيْسَ التَّقْيِيدُ احْتِرَازِيًّا لِأَنَّ الْفِعْلَ أَقْوَى مِنْ الْقَوْلِ فَإِذَا لَمْ يَحْتَمِلْ الْقَوْلُ الْفَسْخَ فَالْفِعْلُ أَوْلَى وَهَكَذَا يُقَالُ فِي الرَّجْعَةِ تَشْمَلُ الْقَوْلَ وَالْفِعْلَ لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَقْوَالِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ التَّفْصِيلِ) مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَرْبِيًّا يَصِحُّ وَلَوْ ذِمِّيًّا فَلَا وَمِثْلُهُ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَجَعَلَ الْمُسْتَأْمَنَ كَالذِّمِّيِّ، وَبَيَّنَ فِي الْمِنَحِ وَجْهَ الْفَرْقِ بِأَنَّ إلْزَامَ الْحَرْبِيِّ بِالْإِسْلَامِ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ لِأَنَّهُ بِحَقٍّ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِحْسَانُ صِحَّتُهُ مُطْلَقًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى جَوَابِ الِاسْتِحْسَانِ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا فَيَكُونُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ اهـ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُفْرِ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ وَهَذَا فِي الْحُكْمِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَتَوْكِيلُهُ بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّوْكِيلِ بِالنِّكَاحِ يَصِحُّ وَيَنْعَقِدُ، وَلَكِنْ لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ عَلَى الْأَشْبَاهِ، عَنْ حَاشِيَةِ الشَّيْخِ صَالِحٍ، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ لِلرَّمْلِيِّ حَيْثُ قَالَ. أَقُولُ: لَمْ يَتَعَرَّضْ كَغَيْرِهِ لِلنِّكَاحِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ سُكُوتَهُمْ عَنْهُ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَا اسْتِحْسَانَ فِيهِ بَلْ هُوَ عَلَى الْقِيَاسِ اهـ.

أَقُولُ: عِلَّةُ الِاسْتِحْسَانِ تَشْمَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْوَكَالَةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا الْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ الْوَكَالَةُ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالْهَزْلِ فَكَذَا مَعَ الْإِكْرَاهِ كَالْبَيْعِ وَأَمْثَالِهِ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْبَيْعِ، وَلَكِنْ يُوجِبُ فَسَادَهُ فَكَذَا التَّوْكِيلُ يَنْعَقِدُ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَالشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْوَكَالَةِ لِكَوْنِهَا مِنْ الْإِسْقَاطَاتِ، فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ نَفَذَ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت الرَّمْلِيَّ نَفْسَهُ ذَكَرَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْبَحْرِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ الصَّرِيحِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الثَّلَاثَ تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا قَدَّمْنَاهُ ثُمَّ قَالَ: فَانْظُرْ إلَى عِلَّةِ الِاسْتِحْسَانِ

ص: 138

وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ خِلَافِهِ فَقِيَاسٌ وَالِاسْتِحْسَانُ وُقُوعُهُ، وَالْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَا يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ لِأَنَّ مَا يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَكُلُّ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَعَدَّهَا أَبُو اللَّيْثِ فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَعَدَّيْنَاهَا فِي بَابِ الطَّلَاقِ نَظْمًا عِشْرِينَ.

(لَا) يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ (إبْرَاؤُهٌ مَدْيُونَهُ أَوْ) إبْرَائِهِ (كَفِيلَهُ) بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ لَا تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ الشَّفِيعُ أَنْ يَسْكُتَ عَنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ فَسَكَتَ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ (وَ) لَا (رِدَّتُهُ) بِلِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ (فَلَا تَبِينُ زَوْجَتُهُ) لِأَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ بِهِ

ــ

[رد المحتار]

فِي الطَّلَاقِ تَجِدُهَا فِي النِّكَاحِ فَيَكُونُ حُكْمُهَا وَاحِدًا تَأَمَّلْ اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُكْرَهَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرِهِ اسْتِحْسَانًا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ، وَلَوْ أُكْرِهَ بِمُلْجِئٍ عَلَى تَوْكِيلِ هَذَا بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِأَلْفٍ، وَعَلَى الدَّفْعِ إلَيْهِ فَبَاعَ الْوَكِيلُ وَأَخَذَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ وَالْوَكِيلُ طَائِعَانِ ضَمَّنَ أَيَّ الثَّلَاثَةِ شَاءَ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْمُشْتَرِيَ لَا يَرْجِعُ بِالْقِيمَةِ عَلَى أَحَدٍ بَلْ بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْوَكِيلَ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْقِيمَةِ، وَهُوَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، فَيَتَقَاصَّانِ وَيَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُكْرِهَ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عَلَى الْوَكِيلِ وَلَوْ الْإِكْرَاهُ بِغَيْرِ مُلْجِئٍ لَمْ يَضْمَنْ الْمُكْرِهُ شَيْئًا وَإِنَّمَا لِلْمَوْلَى تَضْمِينُ الْوَكِيلِ الْقِيمَةَ وَيَتَقَاصُّ مَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ أَوْ تَضْمِينُ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ لَا رُجُوعَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى أَحَدٍ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: وَمَا فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ خِلَافِهِ) وَهُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ بِطَلَاقِ الْوَكِيلِ وَإِعْتَاقِهِ. (قَوْلُهُ: يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ) أَيْ فِيمَا عَدَا مَسْأَلَةَ الْوَكَالَةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ خُرُوجِهَا عَنْ الْقِيَاسِ. (قَوْلُهُ: لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ مَنْعُ الصِّحَّةِ، لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يُفَوِّتُ الرِّضَا، وَفَوَاتُهُ يُؤَثِّرُ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ، وَعَدَمُهُ يُمَكِّنُ الْمُكْرَهَ مِنْ الْفَسْخِ، فَالْإِكْرَاهُ يُمَكِّنُ الْمُكْرَهَ مِنْ الْفَسْخِ بَعْدَ التَّحَقُّقِ فَمَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ لَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ مِنَحٌ. (قَوْلُهُ: وَعَدَّيْنَاهَا) صَوَابُهُ " عَدَدْنَاهَا " لِأَنَّهُ مِنْ الْعَدِّ لَا مِنْ التَّعْدِيَةِ. (قَوْلُهُ: نَظْمًا) هُوَ لِصَاحِبِ النَّهْرِ وَعِبَارَتُهُ هُنَاكَ نَظَمَ فِي النَّهْرِ مَا يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ فَقَالَ:

طَلَاقٌ وَإِيلَاءٌ ظِهَارٌ وَرَجْعَةٌ

نِكَاحٌ مَعَ اسْتِيلَادٍ عَفْوٌ عَنْ الْعَمْدِ

رَضَاعٌ وَأَيْمَانٌ وَفَيْءٌ وَنَذْرُهُ

قَبُولٌ لِإِيدَاعٍ كَذَا الصُّلْحُ عَنْ عَمْدِ

طَلَاقٌ عَلَى جُعْلٍ يَمِينٌ بِهِ أَتَتْ

كَذَا الْعِتْقُ وَالْإِسْلَامُ تَدْبِيرٌ لِلْعَبْدِ

وَإِيجَابُ إحْسَانٍ وَعِتْقٌ فَهَذِهِ

تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ عِشْرِينَ فِي الْعَدِّ

أَقُولُ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا خَمْسَةَ عَشَرَ لِلتَّدَاخُلِ، وَلِأَنَّ قَبُولَ الْإِيدَاعِ لَيْسَ مِنْهَا كَمَا فِي النَّهْرِ وَالْمَذْكُورُ مِنْهَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ عَشَرَةٌ نَظَمَهَا ابْنُ الْهُمَامِ بِقَوْلِهِ:

يَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ عِتْقٌ وَرَجْعَةٌ

نِكَاحٌ وَإِيلَاءٌ طَلَاقُ مُفَارِقِ

وَفَيْءٌ ظِهَارٌ وَالْيَمِينُ وَنَذْرُهُ

وَعَفْوٌ لِقَتْلِ شَابٍّ مِنْهُ مُفَارِقِ

وَزِدْت عَلَيْهِ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ بِقَوْلِي:

رَضَاعٌ وَتَدْبِيرٌ قَبُولٌ لِصُلْحِهِ

كَذَلِكَ إيلَادٌ وَالْإِسْلَامُ فَارِقُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ إبْرَاؤُهُ كَفِيلَهُ) وَكَذَا قَبُولُ الْكَفَالَةِ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الْحَامِدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا قَبُولُ الْحَوَالَةِ عَلَى مَا فِي حَوَالَةِ الْبَحْرِ سَائِحَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ) لِأَنَّهَا إقْرَارٌ بِفَرَاغِ الذِّمَّةِ فَيُؤَثِّرُ فِيهَا الْإِكْرَاهُ. (قَوْلُهُ: لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ) فَإِذَا زَالَ الْإِكْرَاهُ فَإِنْ طَلَبَ عِنْدَ ذَلِكَ وَإِلَّا بَطَلَتْ، وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى تَسْلِيمِهَا بَعْدَ طَلَبِهَا لَا تَبْطُلُ هِنْدِيَّةٌ وَغَيْرُهَا. (قَوْلُهُ: وَلَا رِدَّتُهُ إلَخْ) ذَكَرَهُ لِيُفَرِّعَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَلَا تَبِينُ زَوْجَتُهُ وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ مَا يُغْنِي عَنْهُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ بِهِ)

ص: 139

وَالْقَوْلُ لَهُ اسْتِحْسَانًا.

قُلْت: وَقَدَّمْنَا عَلَى النَّوَازِلِ خِلَافَهُ فَلَعَلَّهُ قِيَاسٌ فَتَأَمَّلْ.

(أَكْرَهَ الْقَاضِي رَجُلًا لِيُقِرَّ بِسَرِقَةٍ أَوْ بِقَتْلِ رَجُلٍ بِعَمْدٍ أَوْ) لِيُقِرَّ (بِقَطْعِ يَدِ رَجُلٍ بِعَمْدٍ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ قُتِلَ) عَلَى مَا ذُكِرَ (إنْ كَانَ الْمُقِرُّ مَوْصُوفًا بِالصَّلَاحِ اُقْتُصَّ مِنْ الْقَاضِي وَإِنْ مُتَّهَمًا بِالسَّرِقَةِ مَعْرُوفًا بِهَا وَبِالْقَتْلِ لَا) يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاضِي اسْتِحْسَانًا لِلشُّبْهَةِ خَانِيَّةٌ.

(قِيلَ لَهُ: إمَّا أَنْ تَشْرَبَ هَذَا الشَّرَابَ أَوْ تَبِيعَ كَرْمَكَ فَهُوَ إكْرَاهٌ إنْ كَانَ شَرَابًا لَا يَحِلُّ) كَالْخَمْرِ (وَإِلَّا فَلَا) قُنْيَةٌ قَالَ: وَكَذَا الزِّنَا وَسَائِرُ الْمُحَرَّمَاتِ.

(صَادَرَهُ السُّلْطَانُ وَلَمْ يُعَيِّنْ بَيْعَ مَالِهِ فَبَاعَهُ صَحَّ) لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ، وَالْحِيلَةُ أَنْ يَقُولَ: مِنْ أَيْنَ أُعْطِي وَلَا مَالَ لِي؟ فَإِذَا

ــ

[رد المحتار]

ذَكَرَ الضَّمِيرَ، لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّلَفُّظُ اللِّسَانِيُّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: لِأَنَّ الرِّدَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِقَادِ، أَلَا تَرَى لَوْ كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ لَا يُكَفَّرُ، وَفِي اعْتِقَادِهِ الْكُفْرَ شَكٌّ فَلَا تَثْبُتُ الْبَيْنُونَةُ بِالشَّكِّ. (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لَوْ ادَّعَتْ تَبَدُّلَ اعْتِقَادِهِ وَأَنْكَرَ هُوَ فَالْقَوْلُ لَهُ. (قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ كَلِمَةَ الْكُفْرِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْفُرْقَةِ، فَيَسْتَوِي فِيهِ الطَّائِعُ وَالْمُكْرَهُ كَلَفْظَةِ الطَّلَاقِ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلْفُرْقَةِ، وَإِنَّمَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ الِاعْتِقَادِ، وَالْإِكْرَاهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَغَيُّرِهِ، فَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ وَلِهَذَا لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ زَيْلَعِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقَدَّمْنَا عَنْ النَّوَازِلِ إلَخْ) الَّذِي قَدَّمَهُ عَنْ النَّوَازِلِ أَنَّهُ إنْ وَرَّى بَانَتْ قَضَاءً فَقَطْ وَإِلَّا مَعَ خُطُورِهَا بِبَالِهِ بَانَتْ دِيَانَةً أَيْضًا. وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ بَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ شَيْءٌ أَصْلًا وَأَتَى بِمَا أُكْرِهَ بِهِ مُطْمَئِنًّا، فَلَا بَيْنُونَةَ وَلَا كُفْرَ أَصْلًا وَصَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا مُنَافَاةَ أَصْلًا.

(قَوْلُهُ: أَكْرَهَ الْقَاضِي) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُقِيمُ الْحُدُودَ فِي الْعَادَةِ وَإِلَّا فَكُلُّ مُتَغَلِّبٍ كَذَلِكَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ بِمُلْجِئٍ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّجْرِيدِ: أُكْرِهَ بِضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ حَتَّى يُقِرَّ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ فَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ خَلَّاهُ ثُمَّ أَخَذَهُ فَأَقَرَّ بِهِ إقْرَارًا مُسْتَقْبَلًا أُخِذَ بِهِ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا ذُكِرَ) أَيْ بِنَاءً عَلَى إقْرَارِهِ مُكْرَهًا. (قَوْلُهُ: وَإِنْ مُتَّهَمًا إلَخْ) أَيْ وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ هِنْدِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: لَا يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاضِي اسْتِحْسَانًا) وَلَكِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ، كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ. (قَوْلُهُ: لِلشُّبْهَةِ) أَيْ شُبْهَةِ أَنَّهُ فَعَلَ مَا أَقَرَّ بِهِ مَعَ دَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: قِيلَ لَهُ إلَخْ) أَيْ أُكْرِهَ بِمُلْجِئٍ عَلَى فِعْلِ أَحَدِ هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ. (قَوْلُهُ: فَهُوَ إكْرَاهٌ) أَيْ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِمْضَاءِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الشُّرْبِ قَطْعِيَّةٌ فَلَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِالْبَيْعِ تَأَمَّلْ. وَهَلْ يَسَعُهُ الشُّرْبُ، وَتَرْكُ الْبَيْعِ؟ الظَّاهِرُ: نَعَمْ لِأَنَّ الشُّرْبَ يُبَاحُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ تَأَمَّلْ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ، فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ لَا يَأْثَمُ، لِأَنَّهُ لَوْ صَبَرَ عَلَى الْقَتْلِ، وَلَمْ يُتْلِفْ مَالَ نَفْسِهِ يَكُونُ شَهِيدًا فَلَأَنْ لَا يَأْثَمَ إذَا امْتَنَعَ عَنْ إبْطَالِ مِلْكِ النِّكَاحِ عَلَى الْمَرْأَةِ كَانَ أَوْلَى اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الزِّنَا وَسَائِرُ الْمُحَرَّمَاتِ) أَيْ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ الزِّنَا وَنَحْوِهِ فَبَاعَ يَكُونُ مُكْرَهًا، وَهَذَا فِي التَّرْدِيدِ بَيْنَ مُحَرَّمٍ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَوْ رَدَّدَ لَهُ بَيْنَ مُحَرَّمَيْنِ أَوْ غَيْرِ مُحَرَّمَيْنِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: أُكْرِهَ بِمُلْجِئٍ عَلَى كُفْرٍ أَوْ قَتْلِ مُسْلِمٍ لَمْ يُقَدْ اسْتِحْسَانًا، وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يُرَخَّصُ لَهُ إجْرَاءُ الْكُفْرِ مُطْمَئِنًّا، وَإِنْ عَلِمَ قَبْلُ يُقْتَلُ وَقِيلَ لَا، وَلَوْ عَلَى قَتْلٍ أَوْ زِنًا لَا يَفْعَلُ وَاحِدًا مِنْهُمَا لِأَنَّ كُلًّا لَا يُبَاحُ بِالضَّرُورَةِ، فَإِنْ زَنَى لَا يُحَدُّ اسْتِحْسَانًا وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَإِنْ قَتَلَ يُقْتَلُ الْآمِرُ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُكْرَهًا وَلَوْ عَلَى قَتْلٍ أَوْ إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ لَهُ أَنْ لَا يُتْلِفَ وَلَوْ الْمَالُ أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مُرَخَّصٌ لَا مُبَاحٌ. فَإِنْ قَتَلَ يُقْتَلُ بِهِ إذْ لَا يُرَخَّصُ، وَإِنْ أَتْلَفَ ضَمَّنَ الْآمِرَ وَلَوْ عَلَى طَلَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ عِتْقٍ غَرِمَ الْآمِرُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَمِنْ نِصْفِ الْمَهْرِ وَإِنْ كَانَ دَخَلَ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ شَيْءٌ اهـ مُلَخَّصًا.

(قَوْلُهُ: صَادَرَهُ السُّلْطَانُ) أَيْ طَالَبَهُ بِأَخْذِ مَالِهِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: صَادَرَهُ عَلَى كَذَا طَالَبَهُ بِهِ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ) أَيْ الْبَيْعِ إذْ يُمْكِنُهُ أَدَاءُ مَا طَلَبَهُ مِنْهُ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَنَحْوِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْحِيلَةُ) أَيْ لِيَكُونَ بَيْعُهُ فَاسِدًا وَلَا بُدَّ فِيهِ

ص: 140

قَالَ الظَّالِمُ: بِعْ كَذَا فَقَدْ صَارَ مُكْرَهًا فِيهِ بَزَّازِيَّةٌ.

(خَوَّفَهَا الزَّوْجُ بِالضَّرْبِ حَتَّى وَهَبَتْهُ مَهْرَهَا لَمْ تَصِحَّ) الْهِبَةُ (إنْ قَدَرَ الزَّوْجُ عَلَى الضَّرْبِ) وَإِنْ هَدَّدَهَا بِطَلَاقٍ أَوْ تَزَوُّجٍ عَلَيْهَا أَوْ تَسَرٍّ فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ خَانِيَّةٌ وَفِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى: مَنَعَ امْرَأَتَهُ الْمَرِيضَةَ عَنْ الْمَسِيرِ إلَى أَبَوَيْهَا إلَّا أَنْ تَهَبَهُ مَهْرَهَا فَوَهَبَتْهُ بَعْضَ الْمَهْرِ فَالْهِبَةُ بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهَا كَالْمُكْرَهِ.

قُلْت: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى: وَهِيَ زَوَّجَ بِنْتَهُ الْبِكْرَ مِنْ رَجُلٍ فَلَمَّا أَرَادَتْ الزِّفَافَ مَنَعَهَا الْأَبُ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهَا أَنَّهَا اسْتَوْفَتْ مِنْهُ مِيرَاثَ أُمِّهَا فَأَقَرَّتْ ثُمَّ أَذِنَ لَهَا بِالزِّفَافِ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهَا لِكَوْنِهَا فِي مَعْنَى الْمُكْرَهَةِ وَبِهِ أَفْتَى أَبُو السُّعُودِ مُفْتِي الرُّومِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ تُحْفَةِ الْأَقْرَانِ فِي بَحْثِ الْهِبَةِ.

(الْمُكْرَهُ بِأَخْذِ الْمَالِ لَا يَضْمَنُ) مَا أَخَذَهُ (إذَا نَوَى) الْآخِذُ وَقْتَ الْأَخْذِ (أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَى صَاحِبِهِ وَإِلَّا يَضْمَنُ وَإِذَا اخْتَلَفَا) أَيْ الْمَالِكُ وَالْمُكْرَهُ (فِي النِّيَّةِ فَالْقَوْلُ لِلْمُكْرَهِ مَعَ يَمِينِهِ) وَلَا يَضْمَنُ مُجْتَبًى. وَفِيهِ الْمُكْرَهُ عَلَى الْأَخْذِ وَالدَّفْعِ إنَّمَا يَبِيعُهُ مَا دَامَ حَاضِرًا عِنْدَهُ الْمُكْرِهُ، وَإِلَّا لَمْ يَحِلَّ لِزَوَالِ الْقُدْرَةِ وَالْإِلْجَاءِ بِالْبُعْدِ مِنْهُ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا عُذْرَ لِأَعْوَانِ الظَّلَمَةِ فِي الْأَخْذِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْأَمِيرِ أَوْ رَسُولِهِ فَلْيُحْفَظْ. [فُرُوعٌ] :

أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ طَعَامِ نَفْسِهِ إنْ جَائِعًا لَا رُجُوعَ

ــ

[رد المحتار]

أَيْضًا مِنْ أَنْ يُكْرِهَهُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ وَإِلَّا نَفَذَ الْبَيْعُ كَمَا مَرَّ مَتْنًا. (قَوْلُهُ: فَقَدْ صَارَ مُكْرَهًا فِيهِ) أَيْ فِي الْبَيْعِ لِمَا مَرَّ أَنَّ أَمْرَ السُّلْطَانِ إكْرَاهٌ وَإِنْ لَمْ يَتَوَعَّدْهُ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: بِالضَّرْبِ) قَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِالْمُتْلِفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ) لِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ جَائِزٌ شَرْعًا وَالْأَفْعَالُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تُوصَفُ بِالْإِكْرَاهِ ط. قُلْت: نَعَمْ وَلَكِنْ يُدْخِلُ عَلَيْهَا غَمًّا يُفْسِدُ صَبْرَهَا، وَيُظْهِرُ عُذْرَهَا وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْبَيْعَ وَنَحْوَهُ يَفْسُدُ بِمَا يُوجِبُ غَمًّا بِعَدَمِ هَذِهِ الرِّضَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَذْكُرُهُ بَعْدَهُ، فَإِنَّ مَنْعَ الْمَرِيضَةِ عَنْ أَبَوَيْهَا وَمَنْعَ الْبِكْرِ عَنْ الزِّفَافِ لَا يَغُمُّهَا أَكْثَرَ مِنْ الْأَفْعَالِ وَلَكِنْ لَا مَدْخَلَ لِلْعَقْلِ مَعَ النَّقْلِ. هَذَا وَقَدَّمْنَا أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِمْ " الزَّوْجُ سُلْطَانُ زَوْجَتِهِ " أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الْأَمْرِ حَيْثُ كَانَتْ تَخْشَى مِنْهُ الْأَذَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: وَبِهِ أَفْتَى أَبُو السُّعُودِ) وَكَذَلِكَ الرَّمْلِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَظَمَهُ فِي فَتَاوَاهُ بِقَوْلِهِ:

وَمَانِعُ زَوْجَتِهِ عَنْ أَهْلِهَا

لِتَهَبَ الْمَهْرَ يَكُونُ مُكْرِهًا

كَذَاكَ مَنْعُ وَالِدٍ لِبِنْتِهِ

خُرُوجَهَا لِبَعْلِهَا مِنْ بَيْتِهِ

ثُمَّ قَالَ: وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالْإِجَارَةَ كَالْإِقْرَارِ وَالْهِبَةِ وَأَنَّ كُلَّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَالْأَبِ لِلْعِلَّةِ الشَّامِلَةِ فَلَيْسَ قَيْدًا، وَكَذَلِكَ الْبَكَارَةُ لَيْسَتْ قَيْدًا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي دِيَارِنَا مِنْ أَخْذِ مُهُورِهِنَّ كَرْهًا عَلَيْهِنَّ حَتَّى مِنْ ابْنِ ابْنِ الْعَمِّ وَإِنْ بَعُدَ وَإِنْ مَنَعَتْ أَضَرَّ بِهَا أَوْ قَتَلَهَا اهـ.

(قَوْلُهُ: الْمُكْرَهُ بِأَخْذِ الْمَالِ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِعَلَى ط. (قَوْلُهُ: لَا يَضْمَنُ) بَلْ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ. (قَوْلُهُ: فَالْقَوْلُ لِلْمُكْرَهِ مَعَ يَمِينِهِ) لِإِنْكَارِهِ الضَّمَانَ وَمِثْلُهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَبُولِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْهِبَةِ وَقَالَ: قَبَضْتُهَا لِأَرُدَّهَا إلَى مَالِكِهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. (قَوْلُهُ: مَا دَامَ حَاضِرًا عِنْدَهُ الْمُكْرِهُ) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: فَإِنْ كَانَ أَرْسَلَهُ لِيَفْعَلَ فَخَافَ أَنْ يَقْتُلَهُ إنْ ظَفِرَ بِهِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَحِلَّ، إلَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ الْآمِرِ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ كَانَ فِي سَعَةٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ هَدَّدَهُ بِالْحَبْسِ أَوْ الْقَيْدِ لَمْ يَسَعْهُ الْإِقْدَامُ اهـ. (قَوْلُهُ: لِزَوَالِ الْقُدْرَةِ وَالْإِلْجَاءِ بِالْبَعْدِ) لَكِنْ يَخَافُ عَوْدَهُ وَبِهِ لَا يَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ بَزَّازِيَّةٌ. (قَوْلُهُ: إنْ جَائِعًا لَا رُجُوعَ) فَإِنْ قُلْت: يُشْكِلُ بِمَا لَوْ كَانَ الطَّعَامُ لِلْغَيْرِ حَيْثُ يَضْمَنُ الْآمِرُ مَعَ أَنَّ النَّفْعَ لِلْمَأْمُورِ. قُلْت: هُنَاكَ أَكَلَ طَعَامَ الْآمِرِ، لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْأَكْلِ إكْرَاهٌ عَلَى الْقَبْضِ، لِعَدَمِ إمْكَانِهِ بِدُونِهِ فَكَأَنَّهُ قَبَضَهُ وَقَالَ لَهُ: كُلْ وَهُنَا لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْآمِرِ غَاصِبًا قَبْلَ الْأَكْلِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وَهُوَ فِي يَدِهِ أَوْ فَمِهِ فَصَارَ آكِلًا طَعَامَ

ص: 141